القسم الخامس

في طريق تعزيز
العلاقات الزوجية

سنتحدث في هذا القسم عن جملة من المسائل التي تؤثر في تمتين العلاقات الزوجية بين المرأة والرجل باعتبارهما كائنين عاطفيين ، حيث يمكن لهذه المسائل أو العوامل أن تؤثر في تعزيز العلاقات بينهما . منها ما هو فطري ومنها ما هو اجتماعي .
فالاهتمام بالمظهر ومراعاة العادات والتقاليد الاجتماعية والأخلاقية والجمال الظاهري وكذلك إصلاح الباطن وتربية النفس والتقوى وكل ما من شأنه إغناء الجمال الباطني وجعله مرآة صافية ؛ وإلى غير ذلك من المسائل المهمة التي سوف نشير إليها باختصار . . لها آثار عميقة في تعزيز العلاقات بين الزوجين .


(154)


(155)

الفصل الأول
الجمال الظاهري

بالرغم من كون التفاهم والانسجام الفكري هو الأساس في العلاقات الزوجية ، إلا أن المظهر الخارجي له تأثيراته التي لا يمكن التغاضي عنها ؛ فالمقولة التي تفيد بأن بعض عقول الرجال في عيونهم صحيحة إلى حد ما .
ولذا فإن على الزوجين ، وخاصة المرأة ، الاهتمام بهذا الجانب والسعي دائماً للظهور بالمظهر اللائق ؛ ذلك أن الحياة فن وعلى المرأة أن تحسن مثلاً كيفية الاحتفاظ بقلب زوجها وتفجير عواطفه تجاهها . وفي هذا البحث إشارة إلى جملة من الأمور المهمة التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار .
أ ـ إصلاح المظهر :
يظن البعض من الرجال والنساء أن الاهتمام بالمظهر يقتصر على الأيام الأولى من الزواج فقط ، أي في الأيام التي ينبغي فيها الظهور بأبهى ما يمكن من الزينة ، أما بعد أن يصبحوا « أهلاً » وأحبّة فإن المرحلة الجديدة تقتضي التصرف على الطبيعي دون تكلف ، وبالتالي الظهور بالمظهر العادي ، أو حتى إهمال هذا الجانب كليّة .
إن جمال الحياة ولطافتها تفرض على الزوجين الاستمرار في الظهور بأجمل ما يمكن ، والحديث الشريف الذي يقول : « إن الله جميل يحبّ الجمال » له مغزاه ودلالته . فليس من اللائق أن يكون اللقاء بين الزوجين في ملابس العمل وثياب المطبخ ، فالاحترام المتقابل يفرض على الزوجين اهتماماً أكثر


(156)

بمظهرها الخارجي ومحاولة إدخال الرضا في قلب كل منهما بما يعزز من مكانته لديه .

ضرورة ذلك :
وتتجلى أهمية هذا الجانب اليوم أكثر من أي وقت آخر ، فالعصر الحاضر يموج بكل أسباب الانحراف والضياع . فالمحيط الاجتماعي المفتوح ، وبكل ما فيه من إيجابيات ، يبعث في قلب المرء شعوراً بالميل إلى بعض المظاهر الخلاّبة ، ولذا فإن ضعاف الإيمان سرعان ما ينجرفون مع التيار بعيداً . وعلى المرأة أن تنتبه إلى هذا الجانب والاهتمام بمظهرها ، وبالتالي الإسهام في حماية زوجها من الانحراف . وهذه المسألة تنسحب أيضاً على الرجل ، إذ ينبغي له الظهور اللائق أمام زوجته بما يجذبها نحوه ويشدّها إليه .
والاهتمام بالمظهر الخارجي لا يعني فقط الثياب النظيفة والعطور الفوّاحة ، بل يشمل أموراً أخرى كالابتسامة المشرقة والحديث الحلو والمعاشرة الطيبة وإشادة كل منهما بذوق الآخر وإلى آخره .

أضرار التطرف :
« لا إفراط ولا تفريط » تكاد تكون هذه القاعدة شاملة لكل نواحي الحياة ؛ ففي الاهتمام بالجانب الجمالي ينبغي أن يكون الأمر في حدود المعقول ، فلا تفريط بالمظهر الخارجي وإهماله تماماً ، ولا إفراط بهذا الجانب والوصول إلى حدود غير معقولة ، بحيث تنفق المرأة ـ مثلاً ـ من الميزانية ، ما يهدد بقية الجوانب ، وبالتالي تفجير كوامن الغضب في قلب الرجل تجاهها .
إن أساس الحياة المشتركة هو التفاهم والانسجام الفكري ، ولذا فإن مسألة الجمال والزينة هي الأخرى تخضع لهذا القانون ؛ فالنفوذ إلى قلب الرجل أو المرأة لا يقتصر على الزينة الظاهرية فقط ، إنما يتطلب اهتماماً شاملاً بكل أركان الشخصية ، وبنائها المطلوب ؛ ذلك أن الجمال


(157)

الظاهري له تأثيراته المؤقتة ، والتي سرعام ما تنتهى ليبقى الجمال الحقيقي الذي يمكن في جمال النفس والروح .

ب ـ الحياة المنسّقة :
النقطة الأخرى التي لها أهميتها في تعزيز العلاقات الزوجية هي الاهتمام بنظام المنزل وترتيب شؤونه بما يدخل الرضا في أعماق من يعيش فيه ؛ وقد يعترض البعض بأن ذلك يحتاج إلى أن المال في توفير وسائل الراحة ، وقد يكون هذا صحيحاً ، إلا أن الفقر لا يمنع الإنسان من أعمال فكره واستخدام فنّه في مسائل لا تحتاج إلى مال بل تحتاج إلى مهارة وذوق فقط ؛ فالنظام والذوق والنظافة ، ربما تجعل من الغرفة البسيطة والمنزل البسيط آية في الجمال ، تغمر القلب بمشاعر الهدوء والسلام ؛ حتى أن المرء ليشعر بالروح تنبض في كل زاوية من زوايا المنزل وينظر إلى سيدته بعين الاحترام والإجلال .

كسر الرتابة والجمود :
إن عمليات التغيير في نظام البيت وتوزيع أثاثه بين فترة وأخرى يكسر في القلب ـ جدار الملل والرتابة ، ويبعث روحاً جديدة في زواياه .
فترتيب الديكور وتغييره ، وانتخاب نوع آخر من الزينة ، له آثاره النفسية في تجديد فضاء الحياة المنزلية .
وبالرغم من عدم جوهرية هذه المسائل إلا أن تأثيرها قد يصل في بعض الأحيان حداً لم يكن يتصوره أبداً ؛ فقد يعود الرجل من عمله متعباً ، وإذا به يجد كل شيء في استقباله . . كل شيء قد لبس حلّة جديدة . . يجد ابتسامة زوجته ، وطعاماً شهيّاً ، ومكاناً جديداً لاستراحته . . وعندها سيشعر بأن شريكة حياته تعمل المستحيل من أجل توفير كل ما يشعره بالرضا ، فتنفجر في قلبه مشاعر الحب والمودة ، ويصمم على ردّ الجميل في أقرب فرصة تسنح له .


(158)

ج ـ الجوانب المادّية :
إنها مجرد مزاعم عندما يدّعي البعض بأنّ النزاع الذي ينشأ في حياتهم الزوجية لا علاقة له بالمسائل المادّية ، كالطعام وتوفير جوّ من الراحة ؛ غير أن الحقيقة أن هذه المسائل ـ وبالرغم من كونها هامشية إلى حدّ ما إلا أنها قد تكون ذات تأثير بالغ في تفجير النزاع بين الزوجين ؛ ذلك أن الحياة لا تنفكّ عن هذه الأمور أبداً . فالجائع يكون عصبي المزاج ، خاصّة عندما لا يجد مكاناً لاستراحته فإنه سرعان ما يثور غاضباً . ولذا فإن على المرأة والرجل أن يوليا أهمية لهذه الجانب لما له من الأهمية في الحياة الزوجية .
فالرجل الذي يعود من عمله متعباً جائعاً ثم لا يجد طعاماً يسدّ به رمقه ، ولا يجد مكاناً مناسباً يأوي إليه ويستريح فيه ، لا بدّ وأن يحزّ في نفسه ذلك ويستنتج منه أن زوجته لا تقدر تعبه ولا تحترمه مما يولّد ضعفاً في عواطفه تجاهها ، وقد يثور في وجهها عندما تشتعل شرارة الموقف .
صحيح أنه ليس من واجبات المرأة تهيئة وإعداد الطعام ، ولكنه من دواعي اللياقة والأدب وحسن المعاشرة أن يكون هناك احترام للزوج ينعكس ويتجسد في توفير بعض متطلباته الضرورية .
فالمرأة الماهرة يمكنها وبقليل من المال ـ أن تهيىء طعاماً متنوعاً يثير شهية زوجها ويدفعه إلى إعجابه بزوجته التي تتفنن وتفعل المستحيل من أجله ، وهذا ما ينعكس في قلبه ويفجر مكامن الحب فيه تجاهها .

توفير الراحة :
لا شك في أن الرجل والمرأة يبذلان من طاقاتهما الكثير . هذا خارج المنزل يكدّ ويتعب من أجل توفير العيش الكريم ، وتلك تدور في المنزل هنا هناك تعدّ الطعام تارة ، وتغسل الثياب تارة أخرى ، وترتّب البيت أحياناً ، وتقوم على تربية الأطفال أحياناً أخرى ، وغير ذلك من شؤون المنزل .
وقد يتعب الرجل أكثر من زوجته ، فالرجل يهبّ لمساعدة زوجته


(159)

ويخفف عنها بعض عناء العمل ، والزوجة تهبّ لمساعدة زوجها في إنجاز بعض شؤونه وتوفير بعض مستلزماته وإشعاره بالدعم والمحبة .
فالتعب والحاجة إلى الاستراحة والتقاط الأنفاس قد يتسبّب في الشعور بالمرارة ، خاصّة إذا كان هناك إهمال من الطرف الآخر . وما أكثر أولئك الذين يتصورون البيت جحيماً لأنهم لا يجدون من يهتم بهم أو يلتفت إليهم .
فقد تتصور المرأة أنها لو بقيت في بيت أبيها لما عانت ما تعانيه من التعب والإرهاق ، ويتصور الرجل لو أنه يقضي وقته خارج المنزل لوجد له مكاناً يأوي إليه ويستريح فيه .
إن توفير جو من الراحة والهدوء هي من واجبات الزوجين تجاه بعضهما البعض ، فالقيام برحلة ممتعة حتى لو كانت قريبة ، وتغيير الجو كما يقولون ضروري بين فترة وأخرى .
كما أن زيارة الأصدقاء والمعارف وصلة الأرحام له تأثيره الإيجابي في انعاش الحياة الزوجية ورفدها بدماء جديدة .
د ـ رعاية الأدب والأخلاق :
إن أسمى مقومات الحياة الزوجية إنما تتجسد في رعاية الزوجين للأدب والخلق الكريم ، وذلك الاحترام العميق ، والعلاقات الصحيحة في علاقة الزوجين بعضهما ببعض ؛ ذلك أن الخيانة والحسد وبذاءة اللسان والأنانية والكذب ، هي وقود النزاعات والخلافات في الحياة الزوجية .
إن جمال الحياة الزوجية يكمن في تلك الابتسامات المضيئة ، والمعشر الحلو ، والحديث اللطيف الهادىء ، والحب العميق . فالمرأة لا تنسى أبداً كلمات الحب التي يتمتم بها زوجها ، كما أن الرجل يشعر بالدفء وبالقوة أيضاً عندما يجد زوجته تقف إلى جواره وجانبه ؛ فالحياة المشتركة هي رحلة يقوم بها الرجل والمرأة معاً ، يداً بيد .


(160)

ضرورة ضبط النفس :
إن الحياة المشتركة تفرض على المرأة احترام مشاعر زوجها ، وتوجب على الرجل مداراة زوجته وعدم إهانتها أو توجيه كلمة تجرح قلبها ، فقد تفعل الكلمة القاسية ما لا يفعله خنجر مسموم من الألم والمرارة .
إن ضبط النفس والحديث الهادىء الذي يفيض حباً ومودة لا بدّ وأن يزرع في قلب الآخر شعوراً بالمحبة والصفاء ، ولذا فإن على المرأة مراعاة الحالة النفسية لزوجها ومن ثم التعامل معه في ضوء ذلك . وعلى الرجل رصد نفسية زوجته ، ومن ثم العمل على إدخال الفرحة إلى قلبها .
فكلمة حب دافئة ، وابتسامة مختصرة قد تساوي في نظر المرأة ملء الدنيا ذهباً ؛ كما أن الرجل يشعر بالسعادة عندما يرى زوجته تفيض حيوية ونشاطاً ، وبهذا يتعانق قلباهما وتتشابك روحاهما ، وبالتالي تتفجر ينابيع السعادة .


(161)

الفصل الثاني
الجمال الباطني

كان البعض قديماً ـ وربما إلى اليوم ـ يتصور أن الزواج من امرأة جاهلة لا تعرف شيئاً ، ضعيفة نفسياً ، غضة الجسم ، أمر يجلب السعادة الزوجية ، ذلك أنها ستكون طوع اختيار الرجل .
وفي مقابل هذا التصور من قبل بعض الرجال يوجد من بين النساء من تفكر بهذا النحو ، فتطمح للزواج من رجل ضعيف الشخصية يفتقد الإرادة ليكون مستسلماً لها ولإرادتها وذوقها ، مما يوفّر لها حرية مطلقة في التصرف .
إن الدين الإسلامي الحنيف يرفض تماماً مثل هذا المنطق ، ذلك أن الهدف من تشكيل الأسرة لا ينحصر في هذه الأطر الحيوانية من توفير الطعام وإشباع الحاجة الجنسية . ومن يتزوج من أجل هكذا أهداف فقط فلن يحظى من الدنيا إلا بالقليل ؛ وحتى أولئك الذين يتزوجون من أجل المال أو الجمال عليهم أن يدركوا أن هذه المسائل مؤقتة ، إذ سرعان ما يزول تأثيرها وينتهي مفعولها ، وعندها لا يبقى سوى الشعور بالحرمان .
إن ما يمنح الحياة جمالها ويجعلها حلوة هو ذلك الجمال الباطني والمعنوي الذي يتجسد بالخلق الكريم الذي يرافق الإنسان دائماً ويكسبه أبعاده الشخصية كإنسان له كرامته وأصالته .

قيم الكمال :
إن ما يمنح الحياة شكلها ورونقها هو كمال الإنسان لا جماله الظاهري أو ثراؤه المادّي ؛ ذلك أن عقل الإنسان ومظنته وتقواه وعفّته هي التي تبعث


(162)

الحياة في الشخصية الإنسانية وبالتالي تعكسها في شكل الحياة البشرية وروحها .
إن التاثير الأخلاقي والأدبي الذي يتمتع به أحد الزوجين كجمال باطني يفوق أضعاف الجمال الظاهري الذي يمكن أن يتمتع به الآخر ؛ ذلك أن الحب والمودّة الزوجية إنما تنشأ بين روحين وبين قلبين يلتقيان في صعيد واحد ، ولا يمكن في حال من الأحوال أن يولد حب حقيقي على أساس من المظاهر الماديّة الزائفة .
ولذا ، فإن على الإنسان أن يبني شخصيته على أسس متينة من الأخلاق والقيم ، فهي وحدها التي تتمتع بالبقاء والدوام ، أما المظاهر الماديّة فهي إلى الزوال والفناء .
إننا قد لا نطيق البعض في رحلة قصيرة إذا كانوا لا يتفقون مع آرائنا وتوجهاتنا وأفكارنا ، فكيف إذا كانت الرحلة هي رحلة العمر ، وكان رفيق السفر شريك حياة .

دور القيم الأخلاقية في الحياة :
إن الحياة المشتركة تنطوي على إيجابيات لا حصر لها على صعيد التكامل الإنساني وإثراء الشخصية ، ناهيك عن تلك الإلفة وذلك الإنس الذي يتحقق في ظلالها .
أو لم يقولوا بأنّ وراء كل رجل عظيم امرأة ! إن المرأة الفاظلة يمكنها ، ومن خلال نفوذها إلى روح زوجها ، أن تؤثر تأثيراً بالغاً في حياته وتكامله ، كما أن الرجل الفاضل هو الآخر يمكنه النفوذ إلى روح زوجته بما يخلق عندها من قيم الكمال والأخلاق .
إن السعادة الإنسانية إنما تقوم على الأخلاق والطمأنينة والشعور بالسلام والمحبة ، وهذه أمور يمكن خلقها بالرغم من الفقر وضيق ذات اليد ، ذلك أن السعادة لا تنشأ عن الذهب والثراء وكل زخرف في هذه الحياة الدنيا .


(163)

تجليات الكمال :
ما هي الأصعدة التي يتجلى فيها كمال الرجل والمرأة ؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال بالإشارة إلى ما يلي :
1 ـ العلم :
إن جميع الأديان والمذاهب تؤكد على إغناء هذا الجانب في حياة الإنسان ، وأن على المرء أن يملأ رأسه بالعلم قبل أن يملأ معدته بالطعام ، فالحياة إنما تقوم بالعلم وتنهض بالفكر .
وإن ما يعلي شأن المرأة ويرفع من منزلتها هو العلم ، ولذا فإن على المرأة والرجل أيضاً أن يخصصا ولو ساعة في اليوم للمطالعة واكتساب المعرفة ؛ ذلك أن ضمور هذا الجانب في حياة الإنسان يعني في الحقيقة زواله وفناءه .
2 ـ حسن المعاشرة :
إن من كمال المرأة والرجل هو حسن المعاشرة وطهارة الثوب ، بل أن أعظم ما في حياة الإنسان هو هذا الجانب ؛ فما أكثر أولئك الذين حلّوا المشاكل المستعصية عن طريق الكلام الذي هو جانب من جوانب السلوك والمعاشرة .
وقد أوصانا نبينا (ص) بحسن المعاشرة وإبراز عاطفتنا لمن نحب ، لما في ذلك من الأثر الكبير في تعزيز وتمتين العلاقات .
قال رسول الله (ص) : « إن قول الرجل لزوجته إني أحبك لا يذهب عن بالها أبداً » .
إن الجانب الأخلاقي وإضافة إلى ضرورة توفره من أجل ديمومة الحياة المشتركة فإنه يهب الحياة ذلك الجمال ويجعلها حلوة المذاق .
3 ـ التوازن في السلوك :
من بين الصفات والملكات الإنسانية المختلفة يبرز التوازن في السلوك كجانب مهم في حياة الإنسان الذي يعتبر انعكاساً عن ضبط النفس واستقرار الروح .


(164)

إن الارتباط مع إنسان يفتقد هذا الجانب يعتبر في الواقع مغامرة مجهولة النتائج ؛ فقد تتوفر صفات إيجابية عديدة لدى أحدهم ولكنه يفتقد إلى جانب التوازن والتعادل في المزاج ، فإذا هو هوائي السلوك يميل مع الريح وتأسره الرغبة وتملكه الاشياء في أول نظرة . إن الارتباط مع هكذا إنسان سوف يعقّد الحياة ويجعلها في غاية المرارة ، فالحياة الهادية المستقرة تحتاج إلى نفس هادئة وسلوك مستقر ومزاج ثابت .
4 ـ تقدير الجهود :
يكدح الرجل طوال اليوم من أجل توفير لقمة عيش كريم لعائلته ، ويعاني في سبيل ذلك ما يعاني من تعب وإرهاق . كل هذا صحيح ولكن عليه أن لا يتصور أبداً أن زوجته وهي ربة البيت تقضي وقتها دون عمل . فالرجل الذي يتصور ذلك هو في الحقيقة مخطىء تماماً ، ذلك أننا لو استعرضنا الأعمال المنزلية التي تقوم بها المرأة لأدركنا أهميتها وصعوبتها .
ولذا فإن علينا أن لا نطلب المزيد من زوجاتنا ، فلنا أعمالنا ولهن عملهن الذي لا يقل صعوبة وأهمية عن أعمالنا ؛ وعليه فإن عودتنا من العمل متعبين لا يبرر أبداً الإساءة في معاملتهن .
5 ـ التحمل والصبر :
من الخصال العظيمة التي يمكن أن يتحلّى بها الإنسان هي التحمل والصبر . وهناك مثل أجنبي يقول : ليست المصيبة في ذاتها بل في عدم تحمّلها .
عندما لا تقدّر زوجتك جهودك ولا تعرف حقك فتسيىء ، فهو أمر يحزّ في النفس ، غير أن المشكلة سوف تتعقد إذا فقدت صبرك إزائها ، فلم تعد تتحملها ، إذ ستصبح المصيبة مصيبتين .
إن النجاح في الحياة يعود إلى التحمل والصبر والمقاومة والقدرة على احتمال الشدائد .


(165)

6 ـ التقوى :
التقوى من أكبر كمالات الإنسان ـ رجلاً كان أو امرأة وهي التي تجسد قيمة الإنسان ـ وإذا كان ثوب المرء وحيداً فلا ينبغي أن يكون قذراً . إن نظافة الثوب الوحيد من أنبل جهاد الفقراء ، فإذا كتب عليه أن يكون فقيراً فليحاول أن يكون شريفاً .
إن التقوى والعفة هي التي تمنح الإنسان جماله الحقيقي . . الجمال الذي يفوق ـ أضعافاً مضاعفة الجمال الظاهري . ولقد أثبتت البحوث والتجارب العلمية أن الإنسان يمل أجمل المناظر وأحلى المشاهد إذا ما تكررت رؤيتها كل يوم ، فما بالك بجمال الإنسان رجلاً كان أو امرأة .
إن سر استمرار الحياة الزوجية هو في ذلك الجمال الباطني الذي يشعّ من أعماق النفس الطاهرة والروح النقية .
7 ـ العواطف :
إن ما يمنح الإسرة صفاءها ويشيع في أجوائها الدفء هو تلك العاطفة المتأججة في القلب ؛ وإن من كمال المرأة أن تحتوي زوجها بالعطف وتمنحه ذلك الشعور بالمودّة والحنان . ومن كمال الرجل أيضاً أن يشعر زوجته بالحق وأن يمنحها ذلك الشعور بالطمأنينة والسلام . ولذا فكلاهما يحتاج الآخر وكلاهما يكمل الآخر . ومن خلال تلك العاطفة النبيلة ينبعث الأمل في قلب الزوجين فيضيء طريقهما نحو المستقبل .

أخذ وعطاء :
وأخيراً ، فإن العلاقة بين الزوجين لا يمكن أن تكون من جانب واحد : هو يعطي وهي تأخذ . . أو بالعكس . . ينبغي أن يكون العطاء من الجانبين . . كل حسب إمكاناته وقابلياته . وقد تكون المرأة مطالبة أكثر في البحث عن الأشياء التي تجدّد حياتهما المشتركة ، وربما يكون الرجل مطالباً أكثر في العثور على الأشياء التي تبدد ضباب الملل من الحياة الزوجية وتعيد إليها الأمل .


(166)

الفصل الثالث
الحب

لقد أثبتت الوقائع والبحوث العلمية في مضمار السلوك الإنساني أنّ الزواج هو العامل الوحيد الذي يوفّر الاستقرار في حياة الإنسان ؛ ذلك أن الزواج يعني ارتباط إنسانين في ظل حياة مشتركة يسودها الحب والمودة والصفاء .
إن الأسرة هي العش الدافىء الذي يوفّر للزوجين أسباب الطمأنينة والسعادة التي تنهض على أسس من الألفة والمحبة ؛ هذا من جهة ومن جهة أخرى ، فإن الزواج يعني تكامل الزوجين وانتفاء الشعور بالنقص الذي يعتري المرأة والرجل على حد سواء .

أساس الحب :
إن أسس الحب تتجسد في التضامن والتفاهم والتضحية والتسامح والاحترام المتقابل ، والحب هو جوهر الحياة الزوجية ، وبدونه تبدو كل الأشياء خاوية لا معنى لها ؛ ذلك أن الإنسان إنما يحيا بالحب ومن أجل الحب ، وهو ذلك المشعل الذي يضيء للإنسان معالم الطريق ، وتلك الشعلة المتوقدة في القلب ، التي تمنحه الشعور بالدفء والسلام .
إن الحب يمنح الإنسان تلك الرؤية التي تجعل من كل المرئيات تبدو وكأنّها خضراء . ولذا فإن الحب هو الأساس في الحياة الزوجية ، وهو العامل المهم والكبير في استمرارها وتكاملها .


(167)

تعميق مشاعر الحب :
إن من المسائل المهمة في الحياة المشتركة أن يعمل الزوجان على تعزيز وتعميق مشاعر الحب بينهما ، من كلمة حلوة أو موقف رحيم أو نظرة دافئة أو لمسة مفعمة بالحنان ، وما إلى ذلك من وسائل التعبير عن الحب والتودّد .
وما أكثر الأزواج الذين ينطوون على مخزون من تلك العواطف السامية في حين يخونهم التعبير عن ذلك ، وبالتالي يتراكم الجليد في علاقاتهم فيجدون أنفسهم في عزلة وانزواء يهدد حياتهم المشتركة بالإنهيار .
إن جذوة الحب وحدها لا تكفي ، بل ينبغي تأكيد وجودها عن طريق التعبير عن ذلك بكل الوسائل كالزينة ؛ الحديث الحنون ؛ الاهتمام بالطعام ؛ النظافة ؛ والثناء ، وإلى غير ذلك من شؤون الحياة .
وبالرغم من سلبية المشاكل والأمراض التي تعترض حياة الإنسان إلا أنها فرص مناسبة لإثبات وتثبيت عواطف المحبة والمودة والتضامن بين الزوجين .

شروط الحب :
وإذا كان الحب بهذه الأهمية فما هي شروطه يا ترى ؟
ينبغي أن يكون الحب صادقاً ، بعيداً عن الرياء ، صافياً من كل الشوائب ، خالياً من التصنع ، نابعاً من صميم القلب و . . .
والزواج السعيد عادة هو نوع من الصداقة والمحبة والإلفة ، حتى ليصعب تمييز جوانبه المادّية والمعنوية ، فهو شكل من أشكال الإندماج والتفاعل الذي يلبّي كل حاجات الروح والجسد .
وفي كل هذا ، ينبغي أن لا نتوقع الدلال المستمر في مناسبة وغير مناسبة ، ذلك أن الحب عاطفة صادقة تتفجر في وقتها ، وتعبر عن نفسها في الزمن المناسب والظرف المناسب .


(168)

وأخيراً ، فإن الحب الصادق عاطفة نبيلة لا تنتظر ما يقابلها أبداً ، ولا تعرف أشكال المقايضة أو التعامل التجاري .

دور المرأة :
بالرغم من كون الحب علاقة زوجية ، أي يشترك فيها الطرفان ـ الرجل والمرأة إلا أن دور المرأة في ذلك يفوق في أهميته دور الرجل ، حث أن حب المرأة يمنح الرجل شعوره بالثقة بل ويجدد أنفاس الحياة الزوجية .
تتمكن المرأة ومن خلال الحب أن تبعث في قلب الرجل شعوراً فيّاضاً بالحيوية ، وبالتالي فإنها تنفذ في قلبه لتحتل المنزل الأثير لديه .
إن استقرار الحب يعني نمو الأمل . . الأمل الذي يكتسح في طريقه الاضطراب والقلق ويحلّ مكانها الطمأنينة والسلام .
بل إن هذا الحب سيكون سدّاً منيعاً يحمي المرأة ويقيها غضب الرجل ؛ هذا في الوقت الذي تبدو فيه الحياة خالية من المعنى بدون الحب . . الحب ذلك النبع الصافي المفعم بمشاعر الاستقرار والهدوء . . والفرح .
إن الرجل يتوقع من المرأة الحب . . ذلك أن المرأة هي السرّ العجيب الذي يكمن وراء انطلاق الرجل ؛ وإذا ما رأى نفسه محروماً من الحب فإنه سيفكر في امرأة أخرى تمنحه ذلك الشعور . وهذا هو سر غضب المرأة من مسألة تعدّد الزوجات .

مرحلة الحب :
تولد المودّة بين الزوجين بمجرد اقترانهما ، وفي خلال تلك المدّة تبقى للطرفين خصائصهما ومقوماتهما الشخصية . وبعد أن تنمو المودّة لتتمخض عن الحب الذي يعني الاتحاد التامّ ؛ الإيثار ؛ التسامح ؛ والتضحية ، فإن الحياة الزوجية تدخل مرحلة جديدة تتلاشى فيها تلك المقومات الشخصية لتولد شخصية جديدة . . شخصية تنهض على التكامل الذي يحققه الزواج والحب .


(169)

ومن هنا تختلف الأسرة الإنسانية في حياتها عن بقية الكائنات الحية الأخرى ؛ ذلك أنها ترتفع إلى مرتبة القداسة والملائكية .

العلاقات الجنسية في الزواج :
إن أولى التوصيات في مضمار الصحة النفسية هي تلك العلاقات الجنسية الصحيحة التي يقيمها الزوجان في حياتهما المشتركة ؛ ذلك أن الارتباط الجنسي في ظروفه السليمة يقضي على مشاعر القلق ليولّد لدى المرء شعوراً بالطمأنينة .
إن الجانب الجنسي هو جانب فطري أودعه الله في حياة البشر ، وأن وجوده وعنفه أمر طبيعي ؛ على أنه ينبغي توجيه هذه الغريزة وإشباعها وفقاً لأسس وأصول صحيحة ، وفي ضوء التعاليم الإلهية .
إن تنظيم العلاقات الجنسية بشكل صحيح وسليم سوف يساعد على استمرار الحياة الزوجية واستقرارها ، مع التأكيد على أن المسألة الجنسية لا يمكن اعتبارها جوهر الحياة الزوجية ، وهي نقطة نثيرها أما البعض ممن كان لديهم علاقات جنسية لا مشروعة قبل الزواج لكي لا يشعروا بالملل والضجر من حياتهم الجنسية في ضلال الزواج .

أضرار الامتناع :
لقد خلق الله الإنسان وأودع فيه غريزة الجنس كبقية غرائزه الأخرى ، وأن تلبيتها بالشكل المقبول عقلاً وشرعاً يضمن للإنسان سلامته روحاً وجسداً ، كما أن كبتها أو إهمالها سيؤدّي إلى مضاعفات عديدة لا تحمد عقباها .
إن بعض الشباب من الذين يعيشون أحلام الحب الملائكي تخفت في نفوسهم تلك الميول الجنسية مما يؤدي إلى ضعف شديد في علاقاتهم الزوجية ، وهذه ظاهرة نلمسها في حياة المرأة أكثر من الرجل وتعتبر بشكل عام حالة مرضية لها أسبابها النفسية أو الجسدية التي ينبغي معالجتها قبل أن تقصم ظهر العلاقات الزوجية .


(170)

وإذا كان لهذه الظاهرة ما يبررها في دين المسيحية فإن الإسلام قد حثّ على الزواج واعتبره من المستحبات المؤكّدة التي لا تفصلها عن الواجب إلاّ قيد أنملة .
إن إهمال هذا الجانب لا يضيع حقوق الزوجية فحسب ، بل إنه يشتمل على أضرار نفسية وجسدية وخيمة ، وبالتالي ظهور أعراض الانهيار في العلاقات الأسرية .

إرواء العطش الجنسي :
تشكل الحياة الجنسية جانباً مهماً وأساسياً في علاقات الزوجين ، وإن عدم إرواء العطش الجنسي لأحدهما قد يؤدي إلى تراكم الغيوم في سماء الأسرة ويجعل جوّها مشحوناً بالقلق .
قد يشعر الزوجان أحدهما أو كلاهما بفتور تجاه شريكه في الحياة دون أن يعرف سبباً واضحاً لذلك ؛ ذلك أنها تترك في أعماق اللاوعي تراكمات تطفو إلى السطح ولو بعد حين .
إن العلاقات الزوجية ينبغي أن ترسى على أساس السعي المشترك لتوفير المتطلبات والحاجات المشتركة ، ذلك أن الزواج نفسه إنما هو استجابة فطرية لمشاعر النقص التي تختلج في أعماق الجنسين .
إن تلبية النداء الجنسي يجب أن يكون مشتركاً ، فلا ينبغي أن تكون العلاقات الجنسية انطلاقاً من رغبة منفردة ، لأن ذلك يعني حرمان الطرف الآخر والاستهانة بمشاعره ، وبالتالي اضطرابه نفسياً .

كبح الجماح :
كما ذكرنا آنفاً فإن الجانب الجنسي لا يشكل جوهر العلاقات الزوجية ، على الرغم من كونه عاملاً مهمّاً في تعزيز روابطهما المشتركة .
إن الغرائز البشرية هي مقدمات الحياة الإنسانية ، غير أن الهدف من وراء الحياة أسمى بكثير من الغرائز نفسها ، وعلى الإنسان أن لا يهدر سنوات عمره في اللهاث وراء غرائزه .


(171)

إن الشخصية الإنسانية المتّزنة والمعتدلة تنشأ عن ضبط الغرائز والسيطرة عليها لا إطلاق العنان لها . وفي الحياة المشتركة ينبغي أن يفكر الزوجان بذلك انطلاقاً من وحي الحياة المشتركة .


(172)

الفصل الرابع
التقوى والعفاف

إنها لمن أعظم النعم أن يهبنا الله إنساناً عفيفاً طاهراً يشاركنا حياتنا ، إنساناً يشعر المرء إلى جواره بالسكينة والهدوء والأمن .
إن الحياة الأسرية حياة مقدسة ، وهذه القداسة لا يمكن حمايتها إلاّ بعفّة الرجل والمرأة ، ذلك أن التقوى والعفاف تحيطان الأسرة بهالة مقدّسة تحميانها من مخاطر التفكك والانحلال .
فإذا أردنا أن نصنع أسرة طاهرة ، وبالتالي مجتمعاً طاهراً بعيداً عن كل أشكال التلوّث الاجتماعي والسقوط الأخلاقي علينا أن نصنع رجالاً ونساء يرفعون التقوى والعفّة شعاراً لهم .
إن التقوى والعفاف تزيد من أواصر الزوجية وتعزّز من علاقات الزوجين وتزيد إنسهما وإلفتهما في حياتهما المشتركة .

ضرورة المحافظة على العفّة :
ولا تعتبر مسألة العفّة ضرورية من ناحية دينية فحسب ، بل إنها ضرورية أيضاً حتى من وجهة نظر ماديّة ؛ ذلك أن الحياة الجنسية تتطلب من الرجل والمرأة الالتزام بحدود العفّة ؛ فالزواج يعني امتلاك الرجل للمرأة وامتلاك المرأة للرجل ، والعفّة معادلة دقيقة تحدّد مسألة التكافؤ بين الرجل والمرأة . والإخلال بها ـ حتى لو ـ من جانب واحد سوف يقلق هذه المعادلة ويعرضها للخطر .


(173)

إن عفة الرجل هي التي ستحمي امرأته ـ أو « حرثه » على حد تعبير القرآن ـ من اعتداءات الأجانب وصيانتها من كل الأخطار .
وهذا الأمر ينسحب على المرأة أيضاً ، فمن خلال عفّتها وإشباعها حاجتها الرجل تتمكن من المحافظة عليه وحمايته من الانحراف .

آثام السقوط :
ولو طالعنا حياة بعض الرجال والنساء من الذين انتهى بهم الأمر إلى الضياع لوجدنا أن الكثير منهم ليسوا إلاّ ضحية الانحراف والسقوط في هاوية الرذيلة .
إن أكثر أسباب التصدع في الحياة الزوجية إنما ينشأ بسبب عوامل جنسية ؛ ولذا فإن مسؤولية الحفاظ على العفّة مسؤولية عامّة ، وتهمّ الرجل كما تهمّ المرأة ، وهي ليست مؤقته بل إنها تشمل حياة الإنسان كلها عمراً وسلوكاً بالرغم من تجلّي أهميتها في فترة الزواج .
إن البعض من الأزواج ـ ومع الأسف ـ من ضعيفي الإيمان يقع في شراك الرذيلة بمجرد اكتشافه لإنحراف شريك حياته عن جادّة العفاف معتبراً الأمر شكلاً من أشكال الانتقام والمقابلة بالمثل ، متناسياً خسارته الكبرى في نفسه وخسارته لدنياه وآخرته .

إنهيار الأسرة :
لا تنهار الحياة الزوجية فجأة ، بل هناك عوامل وأسباب متعددة تنخر في الكيان الأسري وتدفعه إلى السقوط . وفي إطار ما يرتبط بهذا البحث يمكن الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ الرغبة المجنونة :
ما أكثر الافراد الذين أسرتهم هذه الرغبة ، فهم لا يكفّون عن اللهاث وراء إرواء عطشهم ، مسخّرين جوارحهم في سبيل ذلك . . أعينهم تدور هنا وهناك ، وألسنتهم تنصب الحبائل في طريق الضحايا . ولعلّ الرجال من


(174)

أسهل الفرائس إذ سرعان ما يقعون في الفخ بمجرد كلمة أو دعوة ؛ بالرغم من وجود الماكرين من الرجال الذين يستغلون طيبة وسذاجة بعض النساء والإيقاع بهنّ .
ومن أجل هذا ، يوصي الإسلام الإنسان المؤمن بصيانة جوارحه عن الحرام . فهو يأمرنا بأن نغضّ أبصارنا ونحفظ فروجنا ، ويوصي بالحجاب والستر والعفاف في حياتنا الجنسية .
ولأن الرجل تأسره الرغبة الجنسية فقد أوجب الإسلام على المرأة الانقياد إلى زوجها في الشؤون الجنسية لكي يسدّ عليه التفكير في إشباع رغبته من طرق أخرى تخل بعفته وبكرامة زوجته .
2 ـ سوء الظن :
سوء الظن ديدان تنخر في جسد الأسرة ، وفئران تقرض أسس البناء الأسري . وما أكثر الذين دفعوا بأزواجهم ، ومن خلال أساليبهم الخاطئة ، إلى الشك وسوء الظن .
إن تردد شخص غريب على البيت ، وبالرغم من كل النوايا الطيبة ، سوف يفجّر غضباً وشكّاً في قلب الزوج أو الزوجة في حالة عدم اطلاع أحدهما على حيثيات المسألة .
ومن المنطقي جداً أن لا يضع المرء نفسه في موضع الشبهات ، بل إنّ عليه أن يسعى دائماً تبديد ضباب الشك في أذهان الآخرين واكتساب ثقة من يشاركه حياته .
3 ـ الإتّهام :
إن أخطر ما يرتكبه الزوج أو الزوجة هو توجيه الإتهام لشريك حياته إذا شعر بفتور العاطفة لديه ؛ ذلك أنه سوف يضع كرامته في قفص الإتهام . وهنا يتخذ المتهم أحد هذين الموقفين : إما أن يسعى لتبرئة نفسه ويثبت لشريك حياته خطأ تصوراته ، أو أن يجنح إلى الخطيئة ، ما دامت الشكوك تحوم حوله ؛ وهو خطأ لا يغتفر في كل الأحوال .


(175)

قد تبدو مسألة الإتهام أمراً سهلاً ، ولكنه عند الله عظيم ، لأنه مسألة تتعلق بكرامة وشرف الإنسان .
وقد شدد الإسلام على هذه المسألة وحذر أولئك الذين يتساهلون في إتهام الآخرين دون تثبيت وتفحّص .
4 ـ الغيرة :
يعتبر ـ الرجال بشكل عام ـ أنفسهم مسؤولين عن شرف وكرامة أسرهم ، ولذا فإنهم يراقبون كل ما يسيء إلى طهرها ونقائها ، ويعرض رجولتهم إلى الخطر .
أما المرأة فإنها تعتبر زوجها ملكاً لها ، ولهذا فهي ترفض أن يكون لأي امرأة أخرى مكاناً في قلبه ، وإذا شاهدت ما يزعزع منزلتها في قلب زوجها فإنها تهبّ لدفع ذلك الخطر بأيّ ثمن .
إن إحساس الغيرة إحساس فطري مشروع إذا لم يتعدّ حدوده الطبيعية المعقولة . أما إذا تعدّت الغيرة الحدّ المعقول فإن آثارها السلبية ستكون مخرّبة ، وقد تجرّ إلى الطلاق الذي لا بد أن يكون ظلماً بأحد الطرفين ليس له مبرر .

في طريق العفاف :
إن العفة والتقوى أمر ضروري في ديمومة الحياة الزوجية واستمرارها ، وهي مسؤولية يتحمل أعباءها الرجل والمرأة ، وذلك برعاية الضوابط الشرعية والأخلاقية في حياتهما المشتركة .
وإذا كان هناك ما ينبغي الإشارة إليه في سبيل تعزيز هذا الجانب ، فهو كما يلي :
1 ـ المظهر اللائق :
صحيح أن الزواج لا يقوم على الظاهر والزينة وأن العلاقات الزوجية أسمى بكثير من ذلك ، وأن الحياة الجنسية ليست هدفاً بحدّ ذاته إنما هي


(176)

وسيلة إلى أهداف أخرى ؛ إلا أن الظهور بالمظهر الجميل له دوره في تعزيز العلاقات بين الزوجين .
إن مقتضيات الحب والاحترام الزوجي تفرض على المرأة والرجل الظهور أمام شريك حياته بالمظهر المحبب ، وهذه المسألة وبالرغم من بساطتها إلا أنها حساسة جداً في الحفاظ على العفّة وصيانة الزواج من أخطار الإنحراف والسقوط .
2 ـ الإشباع العاطفي :
ليس هناك ما هو أجمل من العاطفة والحب في الحياة الزوجية ، وليس هناك منظر أكثر تأثيراً من نظرات الحب والحنان والمودّة التي يتبادلها الزوجان . . الحب هو القلب النابض في المنزل ، والروح التي تغمر البيت بالنور والدفء .
الرجل ينظر إلى زوجته كنبع متفجر بالحنان والحب ؛ والمرأة ترى في زوجها الظلال الوارفة التي تقيها لهيب الحياة ، والملاذ الآمن من تقلّبات الزمن .
ومن هنا ، فإن الإخلال بهذه المعادلة سوف يربك الحياة الزوجية ويعرّضها إلى خطر الانحراف .
3 ـ إلغاء العلاقات المشبوهة :
عندما يدخل الرجل والمرأة حياتهما ودنياهما الجديدة ، فإن ضوابط وعلاقات وسلوكيات جديدة سوف يفرضها العرف والشرع ومصلحة الأسرة . ولذا فإن العلاقات التي قد تؤثر على مسيرة الزواج يجب أن تخضع إلى مقاييس تأخذ بنظر الاعتبار خطورتها على الأسرة .
فعلى الرجل ـ مثلاً ـ الامتناع عن الحديث مع امرأة أجنبية حتى إن كانت من أقاربه ، وكذلك فعلى المرأة أيضاً أن لا تتحدث مع الرجال الأجانب . ينبغي إخضاع الجوارح لمراقبة دقيقة يمنعها من تجاوز الحدود المشروعة .


(177)

4 ـ حسن المعاشرة :
من الطرق والأساليب المؤثرة في هذا المضمار هو حسن المعاشرة ، ذلك أن الزواج بشكل عام محاولة لسدّ النقص الذي يشعر به الرجل والمرأة ، كما أن الجانب العاطفي يشكل ساحة واسعة من هذا الشعور الفطري ، فالرجل يحتاج إلى حب زوجته كما أن المرأة تشعر بالحاجة إلى عطف زوجها .
ومن هنا ، فإن حسن المعاشرة يساعد على تلبية هذا النداء الفطري لدى الإنسان ويدفعه إلى التفاني في عمله وإخلاصه ؛ وبعكسه فإن الأنانية والنرجسية وتفضيل الذات ديدان تنخر في جسد الأسرة وتعرّضها إلى الموت العاطفي .
5 ـ الابتعاد عن الشبهات :
التقوى والعفاف في حياة المرأة والرجل هما ضمان السعادة في الحياة الزوجية ، ومن غير الصحيح أن يضع المرء نفسه في موضع يثير الشبهات والشكوك .
إن على الإنسان المسلم أن يصون جوارحه من الحرام ، ويبني شخصيته على أسس متينة تبعده عن ألسنة القيل والقال وسوء المقال .
ونؤكد هنا أيضاً على أن بعض ما نحمله عن الآخرين هو مجرد تصورات باطلة لا تمت إلى الحقيقة بصلة ، وصدق الله سبحانه حين يقول : ( إن بعض الظن إثم ).
ومن الخطأ أن نصادر شركاء حياتنا ، وأن نطلب منهم سلوكاً يتفق مع تصوراتنا ، فالإنسان حرّ في كل شيء ما دام تحركه وسلوكه يتمّان ضمن دائرة الشروط التي يحدّدها الدين والعرف .
6 ـ تعزيز العلاقات الجنسية :
تترك العلاقات الجنسية آثاراً مهمّة على مجمل العلاقات الزوجية ، إضافة إلى دورها في حفظ عفّة الطرفين وطهارة ثوبيهما .


(178)

ومن جهة نظر شرعية فإن للزوجين تلبية نداء الفطرة في أي وقت يشاءان ، إلاّ في بعض الظروف التي يعيّنها الشرع .
وقد ورد في الروايات أنه من رأى منكم امرأة فأعجبته فليمسّ امرأته .
وبهذا يمكن للإنسان أن يحفظ عفته وكرامته من خلال إشباع غريزته الجنسية بالطرق المشروعة .
7 ـ تعزيز الإيمان :
وأخيراً ، فإن الإيمان هو صمام الأمان في كل الأحوال ، ذلك أن الله هو الشاهد على جميع أعمالنا وهو المطّلع على كل أسرارنا وخفايانا .
الإيمان هو بوصلة الإنسان التي تهديه إلى سواء السبيل ، وعلى المرء أن يراقب نفسه ويعرف ما له وما عليه متحرّياً في كل ذلك مرضاة الله سبحانه وتعالى .

حديث مع المرأة :
وفي ختام هذا البحث أجد من اللازم أن أتوجه بالحديث إلى بعض الأخوات من اللواتي ولجن حديثاً عش الزوجية مذكّراً إيّاهن بأنّ أكثر ما يلمسنه من فتور في علاقات أزواجهن إنما يعود إلى إهمال المرأة لبعض الضروريات ، مما يؤدي إلى خلق المناخ المناسب لانحراف أزواجهن ؛ فإذا كان زوجك يقضي وقته ـ مثلاً خارج المنزل ، فإنه لم يجد ما يجتذبه إليك ، فحاولي العثور على السبب من خلال السعي المتواصل إلى إثارة انتباهه إليك .
إن سلوكك . . مواقفك . . نظرتك وابتسامتك . . إخلاصك ووفاءك . . حبك وولاءك . . و. . سوف يدفع بالرجل أخيراً إلى أن يحترمك ويحبّك ويخلص إليك ، وإلى أن يجد كل متعته في قضاء الوقت معك .
حاولي أن تلجي إلى قلبه بهدوء وأن تحتلي المكان المناسب هناك . إنه ـ على كل حال ـ ليس عدواً لك ، ولكنه يطمع في أن يرى فيك الأمّ الحنون والصديق الوفيّ والظلال الوارفة التي تقيه لهيب الحياة .