الرفق في المنظور الاسلامي ::: 51 ـ 60
(51)
هو فيه حتى يتحول هذا الداء إلى موقظ له من غفلته ، فيصحوا بعد مصارعته طويلاً ومعاناته كثيراً بما سيجرّه عليه من بلاء وخيم حتى يتحسس ويدرك ما ينفعه مما يضرّه ، فإن استقام فهو المطلوب وإلاّ فدع ما به يقضي عليه وهو حسبه.
     وفي الشعر الحكمي :
ووضع الندى في موضع السيف بالعُلا مضرٌّ ، كوضع السيف في موضع الندى (1)
     وعن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً : « من لم يصلحه حسن المداراة يصلحه حُسن المكافأة » (2).
     ومن كتاب لاَمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض عماله « واخلط الشدة بضغث من اللين وارفق ما كان الرفق أرفق » (3).
     وفي غرر الحكم : « اخلط الشدّة برفق ، وارفق ما كان الرفق أرفق ».
     فالمحمود عند اعتدال الاصول هو التوسط بين اللين والعنف ، كما في سائر الاَخلاق.. يقول الغزالي : لمّا كانت الطباع إلى العنف والحدّة أميل ، كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر ، فلذلك أكدّ الشرع على جانب الرفق دون العنف ، وإن كان العنف في محلّه حسناً ، كما أن الرفق
1 ـ إحياء علوم الدين 3 : 186.
2 ـ غرر الحكم : 602 | 557.
3 ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 17 : 3 كتاب 46.


(52)
في محلّه حسن.. فإذا كان الواجب هو العنف فقد وافق الحقُّ الهوى ، وهو ألذّ من الزبد بالشهد !..
     والحاجة إلى العنف قد تقع ولكن على الندور ، وإنّما الكامل من يميّز مواقع العنف فيعطي كلّ أمرٍ حقّه ، فإنّ كان قاصر البصيرة ، أو أشكل عليه حكم واقعةٍ من الوقائع فليكن ميله إلى الرفق فإنّ النجاح معه في الاَكثر (1)
     فالرفق هو وسيلة التعامل الفضلى ما أدى الغرض وأصاب الهدف الاصلاحي وحقق الغاية المنشودة ، إلاّ اذا كانت النتيجة خلافاً لذلك المبتغى ولم يكن الرفق أوفق فيتوسل بالشدة من أجل الروع المقدم والهادي إلى سواء الصراط.

     جـ ـ الرفق في العبادة:
     معلوم أمر العبادة أنها على نمطين اثنين : واجبة ومستحبة.
     فالاُولى : فرض يلزم الاتيان بها بحدودها وكيفياتها وتوقيفاتها..
     والثانية : لك فيها الخيار في إثباتها وعدمه ، إلاّ أنّ الاتيان فيه ثواب مضاعف وأجر جزيل ومردودات ايجابية على شخصيتك وبناءها التكاملي.
     وما قد فرضه الله الحكيم سبحانه هو على قدر طاقة الانسان فلم يكلفه مالا يقدر عليه :

1 ـ إحياء علوم الدين 3 : 186.

(53)
     ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفسَاً إلاّ مَا آتيـها ) (1).
     ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفسَاً إلاّ وُسعَها ) (2).
     ( فَمَنْ كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أو على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيامٍ اُخَر وَعلى الَّذينَ يُطِيقُونَهُ فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ ) (3).
     ( وَللهِ على النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطاعَ إليهِ سَبِيلاً ) (4).
     ( وَإذا ضَرَبتُم في الاَرض فَلَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أن تَقصرُوا مِنَ الصَّلاة ) (5)
     ( وَلا عَلى المرِيض حَرَجٌ ) (6).
     ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُرِيدُ بِكُم العُسرَ ) (7).
     ( وَمَا جَعلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ ) (8).
     هذهِ الآيات المباركات وغيرها تخص العبادات الواجبات وليس المستحبات ، وكلّها تتحدث عن مراعاة الله ، فيها طاقة الاِنسان ومقدوره وترفعه عن الاصر ولا تثقل عليه بما يشق عليه وبما يسبب له حرجاً أو
1 ـ الطلاق 65 : 7.
2 ـ البقرة 2 : 286.
3 ـ البقرة 2 : 184.
4 ـ آل عمران 3 : 97.
5 ـ النساء 4 : 101.
6 ـ النور 24 : 61.
7 ـ البقرة 2 : 185.
8 ـ الحج 22 : 78.


(54)
عسراً في أمر من الامور العبادية ، وتفصيل ذلك والوقوف عند كل آية لايتسع لها هذا البحث.
     فالله جلَّ جلاله يرفق بهذا العبد ويلزمه بالتكاليف الممكنة والسهلة ويرضى منه باليسير اذا ما جاء وفق الضوابط الشرعية.
     ويؤكد هذا ما جاء في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحارث الهمداني « خادع نفسك في العبادة ، وارفق بها ولا تقهرها ، وخذ عفوها ونشاطها ، إلاّ ما كان مكتوباً عليك من الفريضة ، فإنّه لابدّ من قضائها وتعاهدها عند محلها » (1).
     المخاطب بالتكاليف والوعظ والنصح هو الاِنسان ، والاِنسان إنسان بعقله إذ لا يحاسب إلاّ على قدر ذلك العقل الذي آتاه الله.
     ولهذا نجد أمير المؤمنين عليه السلام قد خاطب في كتابه الشريف العقلَ وحمّله مسؤولية مخادعة النفس وعدم تفويت الفرصة على مخادعتها والمكر بها قبل أن تمكر هي به ، فخداع العقل ومكره يعني التخطيط السليم للهدف السليم ، وخداع النفس ومكرها هو على العكس من ذلك ، فمن أراد كبح جماح نفسه وتحرير إرادته وعقله من أسر هواها ، فما عليه إلاّ أن يجعل المبادرة بيد عقله حتى يسجّل في ميدان الصراع سبقاً وغلبة على نفسه الاَمّارة بالسوء.
     ولما كانت النفس تميل إلى التحلل من التكاليف ومنها العبادة ، فما على العقل إلاّ أن يمكر بها ويخدعها بخطة خفية يبرمج فيها أوقات هذه النفس على ما ليس فيه الملل من العبادة التي لابدّ من الالتزام بها لاِسعاف وجودها العاقل حتى تنمو وتسمو وتتقدم في مدارج الكمال.

1 ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي 18 : 42 كتاب 69.

(55)
     والرفق بها في هذا المجال يعني عدم تحميلها ما لا تطيق من المسنونات المستحبة ككل ما جاء من الاوراد والاذكار والادعية والصلوات ، إذ إن قهرها على ذلك يولّد ردة فعل معاكسة ـ والعياذ بالله ـ تسأم فيه الاِسلام كله ، فلابدّ إذن من الرفق بها وأخذها بالتدريج وبما تتسع له حركتها ونشاطها ، بل وعدم أخذها بما يوقف حركتها أو يحدّ من نشاطها وينفّرها من المستحبات ، بل عليه أن يقهرها في الواجبات على وفق الشروط والحدود والاَوقات ، لاَنها تكاليف من الحكيم الرحيم على قدر الطاقة والسعة. وما تَعلّلُ النفس وتسويفها إزاء تلك الواجبات إلاّ طغيان منها يجب قمعه من أجل إصلاحها.
والنفسُ كالطفل إن تُهمله شب على حبّ الرضاعِ، وإن تفطمه ينفطمِ
     فالرفق بالنفس وترويضها على العبادة المستحبة التي تطيقها هو السبيل الاَمثل في منهجية التكامل ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « خذوا من العبادة ما تطيقون ، فإنّ الله لا يسأم حتى تسأموا » (1).
     وعن حفيده الاِمام الصادق عليه السلام :« لا تُكرِّهوا إلى أنفسكم العبادة » (2).
     فمن أكره نفسه على العبادات المستحبة بما تملّ منه فقد كرّه العبادة إلى نفسه.

     د ـ الرفق والتعمق في الدين:
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إياكم والتعمّق في الدين ، فإنّ الله قد جعله سهلاً
1 ـ كنز العمال : خبر 5301.
2 ـ الكافي 2 : 86 | 2 باب الاقتصاد في العبادة.


(56)
فخذوا منه ما تُطيقون ، فإنّ الله يحبّ مادامَ من عملٍ صالحٍ وإن كان يسيراً » (1).
     وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يعنّف أحد أصحابه حين كلّف نفسه مالا يأمر به الله ولا سُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يظنّ أنّه متعمّق في العبادة ! ذلك أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد زار العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه ... ، فقال له العلاء ، يا أمير المؤمنين ، أشكو اليك أخي عاصم بن زياد. قال عليه السلام : « وماله » ؟ قال : لبس العباءة وتخلى عن الدنيا. قال عليه السلام : « عليَّ به ». فلما جاء قال عليه السلام : « يا عَدُي نَفسِهِ ! لقد استهامَ بِكَ الخبيثُ ! أما رحمت أهلك وولدَكَ ! أترى الله أحلَّ لكَ الطيَّباتِ ، وهو يكرهُ أن تأخذها ! أنت أهونُ على الله من ذلكَ » !
     قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجُشوبة مأكلك ! قال عليه السلام : « ويحكَ ، إنِّي لستُ كأنتَ ، إنَّ اللهَ تعالى فرضَ على أئمة العدل (الحق) أن يُقَدِّروا أنفسهم بضعفةِ النَّاس ، كيلا يتبيغ بالفقير فقرُهُ » (2).
     التحذير من التعمّق في الدين يخص الجهلة به والذين يغورون في بحره بجهلهم دون علم ودراية وتدبّر ، حتى يختنقوا بأوهامهم وتصوراتهم التي لا تقوم على اُسس موضوعية ، وعندها يخيّل إليهم أن الدين شاقّ في تكاليفه ، عسير في عباداته ، والحال هو العكس تماماً إلاّ أنهم أخذوا بالمستحبات مأخذ الواجبات ، فشقَّ عليهم الاَمر وخرجوا بالنتيجة المغلوطة. أو أنّهم وسوسوا في الغسل والوضوء والطهارة والنجاسة وألفاظ الصلاة فملّوه. ولو أنّهم أخذوا بما يطيقون لوجدوه سهلاً يسيراً ، ولو لم يوسوسوا فيه لما ملَّوه.

1 ـ كنز العمال : خبر 5348.
2 ـ نهج البلاغة ، خ209.


(57)
     هـ ـ الوغول في الدين برفق:
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ، ولا تُكرِّهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المُنْبَتِّ الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى » (1).
     نعم إنّ هذا الدين متين ، لاَنّه دين لكلِّ زمان ولكلِّ مكان ، وكتابه تبيان لكلِّ شيء.. فمن لم يدخل إلى حريمه برفق ، وفق منهجية حكيمة ، ينبهر بجماله ، أو يصطدم بجلاله ، ومن يتكلّف العبادة دفعة واحدة دون التدرج المرحلي المناسب للداخل في هذا الدين يصعب عليه تحمل هذا الدين، فيتركه ، وبتركه والعياذ بالله يترك سعادته الدنيوية والاخروية. وعلى المسلم الرسالي أن يتصرف بحكمة متناهية في الدقة مع من يكسبه إلى الاِسلام ، ولا يحمله ما لا يطيق فيكره الاِسلام والدين وعبادة ربِّ العالمين والله يقبل اليسير.
     عن أبي عبدالله عليه السلام قال: « اجتهدت في العبادة وأنا شاب فقال لي أبي: يا بني دون ما أراك تصنع ، فأنّ الله عزّ وجلّ إذا أحب عبداً رضي عنه باليسير » (2).
     وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إنَّ النفس ملولة وإنّ أحدكم لا يدري ما قدر المدة ، فلينظر من العبادة ما يطيق ، ثم ليداوم عليه ، فإنّ أحبَّ الاَعمال إلى الله ما
1 ـ كنز العمال : خبر 5350.
2 ـ الكافي 2 : 87 | 5 باب الاقتصاد في العبادة.


(58)
دِيم عليه وإن قلّ » (3).
     فالنبي الاَكرم في هذا الحديث وغيره يؤكد لنا حقيقة أنّ النفوس تملُّ ، وعلينا أن نرفق بها في أن لا نكلفها ما لا تطيق ، وأن نستديم على اليسير من المسنونات التي لا تنفر منها نفوسنا ، وذاك أحبّ عند الله.

     و ـ الرفيق من يرفقك على صلاح دينك:
     عن الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّما سمّي الرفيق رفيقاً لاَنّه يرفقك على صلاح دينك فمن أعانك على صلاح دينك فهو الرفيق » (1).
     فاختر لنفسك رفيقاً يرفق بك على صلاح دينك ويعينك على تكامل سبيلك.

     الرفق والاِيمان :
     عن الاِمام الباقر عليه السلام : « من قسم له الرفق قسم له الايمان » (2) ، هذا يعني أن الرفق يفضي إلى الاِيمان.
     وعن الاِمام الباقر عليه السلام : « لكلِّ شيء قفل ، وقفل الاِيمان الرفق » (3) فمن كان رفيقاً بنفسه وبالناس وبالحيوان كان قلبه منفتحاً للاِيمان.

1 ـ كنز العمال : خبر 5312.
2 ـ غرر الحكم : 273 | 20 ، ط دار الكتاب الاسلامي. ميزان الحكمة 4 : 158 والنص منه.
3 ـ الكافي 2 : 118 | 2 باب الرفق.
4 ـ الكافي 2 : 118 | 1 باب الرفق.


(59)
     نتائج عدم الرفق بالنفس:
     إنَّ قصة البقرة في القرآن قصة طريفة تحكي سهولة التشريع الاِلهي ، وتشديد الاِنسان على نفسه فيما يضعه من قيود وضوابط لم يكن ملزم بها من قبل ربه ، فبنو إسرائيل بعد أن ضيّقوا على أنفسهم ضيّق الله عليهم ، أولم يطلب منهم إلاّ ذبح بقرة نكرة. غير معرّفة بوصف معين كما هو منطوق الآية الشريفة ( وإذ قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ إنَّ اللهَ يأمُرُكُم أن تَذبَحُوا بَقَرَةً ) (1) فهو سبحانه لم يعرّفها بالالف واللام ليسهل عليهم التكليف وليتحقق مراده بذبح أي بقرة أرادوا ذبحها ، وتحل مشكلتهم تلك بمعرفة الجاني الذي قتل أحد مشايخهم الاثرياء بضربه ببعضها ليحيا ويشخّص لهم القاتل وينتهي الخلاف المتأزم بينهم.
     إلاّ أنهم مارسوا اللجاجة وماطلوا كثيراً في أداء التكليف ، متّهمين موسى عليه السلام بالهزو فيهم ، إذ قالوا : ( أتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أعُوذُ بِاللهِ أن أكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ ) (2) ؛ لاَن الهزو يناسب الجُهّال وهو كليم الله ( قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَنَا مَا هِيَ ) (3) ظناً منهم أنها ذات خصوصية فريدة في أوصافها قال : ( إنّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ لا فَارضٌ وَلا بِكرٌ ) (4) أي ليست مسنة ولا صغيرة وإنّما هي ( عَوَانٌ بَينَ ذَلِكَ ) أي متوسطة ( فَافعَلُوا مَا تُؤمَرُونَ ) (5) في ذبح هكذا بقرة ولا تماطلوا ( قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَنَا مَا لَونُهَا ) متكلفين
1 ـ البقرة 2 : 67.
2 ـ البقرة 2 : 67.
3 ـ البقرة 2 : 68.
4 ـ البقرة 2 : 68.
5 ـ البقرة 2 : 68.


(60)
البحث فيما ليس مطلوباً منهم ومشددين على أنفسهم بما لم يشدد به عليهم ( قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ صَفرَاءُ فَاقِعٌ لَونُهَا تَسُرُّ النَاظِرِينَ ) (1) غير أنّهم لم يقفوا عند هذا الحد من اللجاجة والمماطلة فيذبحوا بقرة صفراء متوسطة العمر ، وما أكثر البقر الذي يتمتع بهذه المواصفات ، فلم يريحوا أنفسهم ولا نبيهم من عناء البحث والتدقيق بل نراهم اندفعوا في أسئلتهم التي تعقّد عليهم الاَمر ( قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّك يُبَيّن لَنَا مَا هِيَ إنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَينَا ) ؟!! ( وإنَّا إن شَاءَ اللهُ لَـمُهتَدُونَ ) (2) يالهم من حمقى لا يرفقون بأنفسهم ولا يتأدبون مع نبيهم ، إذ لم يسكتوا عما سكت عنه ، ويالهم من متكبرين في نفوسهم والفاظهم إذ لم يقولوا ادعُ لنا ربنا وإنّما قالوا ادعُ لنا ربك ؟!!
     ومثل هذا الطرح يدلل على ضعف الاِيمان وغلظة الجَنان ، ولعل المقصود من قولهم ( وإنّا إن شَآءَ اللهُ لَـمُهتَدُونَ ) يعني إلى التصديق العملي بأوامرك وتنفيذها ، قال : ( إنّه يَقُولُ إنّها بَقَرَةٌ لا ذَلولٌ ) بين يدي مالكها ، طبعها النفور وعدم الانصياع ، صعباء لا تنقاد. فهي متمردة على العمل لا ( تُثِيرُ الاَرضَ ) (3) أي لا تستخدم في حراثة الاَرض كغيرها من البقر الذلول الذي ذُلّل بين يدي صاحبه ( وَلا تَسقِي الحَرثَ ) إذ هي ترفض العمل كغيرها في إدارة الناعور ( مُسَلَّمَةٌ ) من العيوب الجسدية ( لا شِيَةَ فِيهَا ) لونها أصفر بالكامل حتى قرنها وظلفها. وهكذا شدّد الله عليهم بتشديدهم على أنفسهم ( قَالُوا الآنَ جِئتَ بِالحَقِّ ) أي بالوصف
1 ـ البقرة 2 : 69.
2 ـ البقرة 2 : 70.
3 ـ البقرة 2 : 71.
الرفق في المنظور الاسلامي ::: فهرس