رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 46 ـ 60
(46)
    ( و ) أما الثالث :
    فاعلم أن هذه الصلاة ( هي خمس تكبيرات ) أوّلها تكبيرة الإحرام مقرونة بنية القربة ، بإجماعنا ، والصحاح المستفيضة وغيرها المتواترة ولو معنى من طرقنا (1).
    والواردة بالأربع إما محمولة على التقية ، لأنها مذهب جميع العامة كما صرّح به شيخ الطائفة (2).
    أو متأوّلة تارة : بالحمل على الصلاة على المنافقين المتّهمين بالإسلام كما في الصحيح : « كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يكبّر على قوم خمسا وعلى آخرين أربعاً ، فإذا كبّر على رجل أربعاً اتّهم بالنفاق » (3).
    وأصرح منه آخر : « فأما الذي كبّر عليه خمسا فحمد اللّه تعالى ومجّده في التكبيرة الاُولى ، ودعا في الثانية للنبي صلّى اللّه عليه وآله ، ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ، ودعا في الرابعة للميت ، وانصرف في الخامسة ، واما الذي كبّر عليه أربعاً فحمد اللّه تعالى ومجّده في التكبيرة الاُولى ، ودعا لنفسه ولأهل بيته في الثانية ، ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة ، وانصرف في الرابعة ولم يدع له لأنه كان منافقا » (4).
    واخرى : بأنّ المراد بقوله : « أربعاً » الإخبار عمّا يقال بين التكبيرات من‏
1 ـ الوسائل 3 : 72 أبواب صلاة الجنازة ب 5.
2 ـ انظر التهذيب 3 : 316.
3 ـ الكافي 3 : 181 / 2 ، التهذيب 3 : 197 / 454 ، الوسائل 3 : 72 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 1.
4 ـ التهذيب 3 : 317 / 983 ، الاستبصار 1 : 475 / 1840 ، الوسائل 3 : 64 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 9.


(47)
الدعاء ، لأن التكبيرة الخامسة ليس بعدها دعاء كما في الخبر : سأله عليه السلام رجل عن التكبير على الجنائز ، فقال « خمس تكبيرات » ثمَّ سأله آخر عن الصلاة على الجنازة ، فقال : « أربع صلوات » فقال الأول : جعلت فداك ، سألتك فقلت : خمسا ، وسألك هذا فقلت : أربعاً ، فقال : « إنك سألتني عن التكبيرة وسألني هذا عن الصلاة » ثمَّ قال : « إنّها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات » (1).
    وظاهره كغيره وجوب أن يكون ( بينها أربعة أدعية ) كما هو خيرة الأكثر على الظاهر ، المصرّح به في كلام جملة ممّن تأخّر (2) ، بل في ظاهر الخلاف والمنتهى والذكرى (3) الإجماع عليه.
    خلافاً للماتن في صريح الشرائع (4) وظاهر المتن لقوله ( و ) هو أي الدعاء المدلول عليه بالأدعية ( لا يتعين ) ولا يجب ، بل يستحب.
    ومستنده غير واضح ، عدا الأصل اللازم تخصيصه بما مرّ ، وما قيل له من إطلاقات الروايات المتضمنة لأنّ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالّة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك.
    ويضعّف أوّلاً : بأنّ الظاهر منها كون السؤال والجواب فيها إنما هو بالقياس إلى خصوص التكبير ومقداره ، لكونه المعركة العظمى بين الخاصة والعامة ولذا لم يذكر النية والقيام والاستقبال وغيرها مع وجوبها إجماعاً.
    وثانياً : بعد تسليمه فغايته الإطلاق ، ويجب تقييده بما مرّ.
1 ـ التهذيب 3 : 318 / 986 ، الاستبصار 1 : 476 / 1842 ، الوسائل 3 : 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 12.
2 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 166 ، والمحقق السبزواري في الكفاية : 22 ، والمحدث الكاشاني في المفاتيح 2 : 167.
3 ـ الخلاف 1 : 724 ، المنتهى 1 : 451 ، والذکرى : 58.
4 ـ الشرائع 1 : 106.


(48)
    ويحتمل أن يكون مراد الماتن بقوله : وهو لا يتعيّن ، عدم تعيّنه في شي‏ء مخصوص وإن وجب أصله ، وهو خيرة جماعة من محقّقي متأخري المتأخرين (1) ، تبعاً للإسكافي (2) للمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقّت إلّا أن تدعو بما بدا لك ، وأحقّ الموتى أن يدعى له ( المؤمن ، و ) (3) أن يبدأ بالصلاة على النبي صلّى اللّه عليه وآله » (4).
    والموثق : « إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل » (5).
    مضافاً إلى الأصل ، واختلاف النصوص وعدم توافق بعضها مع بعض في تعيين الأذكار مع كثرتها واستفاضتها. وهو قوي.
    إلّا أنّ المشهور ولا سيّما بين المتأخرين ـ كما ذكره جماعة (6) ـ هو تعيّن ما أشار إليه الماتن بقوله ( وأفضله أن يكبّر ويتشهد الشهادتين ، ثمَّ يكبّر ويصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، ثمَّ يكبّر ويدعو للمؤمنين ، وفي ) التكبيرة ( الرابعة ) أن ( يدعو للميت ، وينصرف بالخامسة ) حال كونه ( مستغفرا ) بما يأتي في الرضوي ، أو بقوله : « اللّهم عفوك عفوك » كما صرّح به في المنتهى (7) ، ويفهم من بعض النصوص لكن مع زيادة عليه (8).
1 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 167 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 328.
2 ـ نقله عنه في الذكرى : 59.
3 ـ ليس في « ح » ، « ش » ، « ل ».
4 ـ الكافي 3 : 185 / 1 ، التهذيب 3 ، 193 / 442 ، الاستبصار 1 : 476 / 1843 ، الوسائل 3 : 88 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 1.
5 ـ الكافي 3 : 178 / 1 ، الفقيه 1 : 107 / 495 ، التهذيب 3 : 203 / 475 ، الوسائل 3 : 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 2.
6 ـ منهم : المحقق السبزواري في الكفاية : 22 ، والذخيرة : 328.
7 ـ المنتهى 1 : 454.
8 ـ التهذيب 3 : 330 / 1034 ، الوسائل 3 : 65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 11.


(49)

    وفي الخلاف دعوى الإجماع عليه (1) ؛ وهو الحجّة ، مضافاًً إلى بعض المعتبرة ولو بالشهرة ، وفيه : « كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إذا صلّى على ميّت كبّر وتشهّد ، ثمَّ كبّر وصلّى على الأنبياء ودعا ، ثمَّ كبّر ودعا للمؤمنين ، ثمَّ كبّر الرابعة ودعا للميت ، ثمَّ كبّر خامسة وانصرف » (2).
    ويؤيده بعض الصحاح المتقدمة (3) ، والرضوي : « وارفع يديك بالتكبير الأول وقل : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ الموت حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والبعث حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور.
    ثمَّ كبّر الثانية : وقل : اللّهم صلّى على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ، أفضل ما صلّيت وباركت ورحمت وترحّمت وسلّمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد.
    ثمَّ تكبّر الثالثة وتقول : اللّهم اغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، وتابع بيننا وبينهم بالخيرات ، إنّك مجيب الدعوات ووليّ الحسنات ، يا أرحم الراحمين.
    ثمَّ تكبّر الرابعة وتقول : اللّهم إنّ هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بساحتك وأنت خير منزول به ، اللّهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا وأنت أعلم به منّا ، اللّهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ، واغفر لنا وله ، اللّهم احشره مع من يتولّاه ويحبّه ، وأبعده ممّن يتبرأ ويبغضه ، اللّهم ألحقه‏
1 ـ الخلاف 1 : 724.
2 ـ الكافي 3 : 181 / 3 ، الفقيه 1 : 100 / 469 ، التهذيب 3 : 189 / 431 ، الوسائل 3 : 60 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1 بتفاوت يسير.
3 ـ في ص 46.


(50)
بنبيك وعرّف بينه وبينه ، وارحمنا إذا توفّيتنا يا إليه العالمين.
    ثمَّ تكبّر الخامسة وتقول : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ولا تسلّم ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال » (1).
    لكنه في مواضع أخر تضمن أدعية أخر مختلفة الكيفية مع هذا الدعاء ، وبعضها مع بعض.
    والصحيح السابق تضمّن في التكبير الأول بدل التشهد التحميد والتمجيد ، والرواية الاُولى غير صريحة الدلالة ، بل ولا ظاهرة حتى على القول بوجوب التأسي في العبادة ؛ إذ هو حيث لا يعارض الكيفية المنقولة من فعله صلّى اللّه عليه وآله كيفية اُخرى مخالفة ، مع أنها كما عرفت من الصحيحة منقولة.
    فلم يبق إلّا الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة. وفي مقاومة الظن الحاصل منه للظن الحاصل من جميع الأخبار الواردة في المسألة مختلفة الكيفية مناقشة ، سيّما مع تصريح ما مرّ من المعتبرة بأنه ليس فيها دعاء موقّت ولا قراءة ، بل لعلّ الظن الحاصل منها أقوى وإن كان ما ذكره الجماعة أحوط وأولى خروجا عن شبهة الخلاف فتوى بل رواية ، وتحصيلا للبراءة اليقينية مهما أمكن ، ولعلّه الوجه فيما في المتن وغيره من الأفضلية.
    وقيل في وجهها : دلالةً الرواية المشهورة عليها ؛ لقوله : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يفعل ، فإنه يشعر بالدوام والمواظبة ، وأقلّه الرجحان (2). وفيه ما عرفته.
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 177 ، المستدرك 2 : 247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.
2 ـ المدارك 4 : 168.


(51)
    والعماني والجعفي (1) جعلا الأفضل جميع الأذكار الأربعة عقيب كل تكبيرة ، وإن اختلف عبارتهما في تأدية كيفية الأدعية.
    قال الفاضل : وكلاهما جائز (2).
    وفي الذكرى : قلت : لاشتمال ذلك على الواجب ، والزيادة غير منافية ، مع ورود الروايات بها ، وإن كان العمل بالمشهور أولى. وينبغي مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما ورد عنهم عليهم السلام (3). انتهى. وهو حسن.
    وقيل : الاُولى العمل بما في الصحاح من تكرار الدعاء له عقيب كل تكبيرة ، بل تكرار التشهد والصلاة على النبي صلّى اللّه عليه وآله أيضاًً كما في أكثرها (4).
    ولعلّه لصحة السند ، إلّا أنّ الأفضل ما قدّمنا فإنّ دفع الشبهة وموافقة المشهور مهما أمكن لعلّه أولى.
    ثمَّ إنّ هذا كلّه في المؤمن ، وأمّا غيره فسيأتي الكلام في الدعاء له أو عليه.
    ( وليست الطهارة ) من الحدث ( من شرطها ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف والتذكرة والمنتهى والذكرى وروض الجنان والروضة (5) ؛ وهو الحجّة ، مضافاًً إلى المعتبرة المستفيضة (6).
1 ـ نقله عنهم في الذكرى : 59.
2 ـ انظر المختلف : 119.
3 ـ الذكرى : 59.
4 ـ المفاتيح 2 : 168.
5 ـ الخلاف 1 : 724 ، التذكرة 1 : 49 ، المنتهى 1 : 455 ، الذكرى : 60 ، روض الجنان : 309 ، الروضة 1 : 141.
6 ـ الوسائل 3 : 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21.


(52)
    وعلّل في الموثق منها بأنه : « إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تسبح وتكبر في بيتك على غير وضوء » (1).
    وفي الرضوي : « لأنه ليس بالصلاة ، إنما هو التكبير ، والصلاة هي التي فيها الركوع والسجود » (2).
    وربما يفهم منهما عدم اشتراط الطهارة من الخبث أيضاًً كما صرّح به بعض الأصحاب (3) ـ وإن تردّد فيه الشهيد ـ رحمه اللّه ـ في الذكرى (4) ـ ويعضده إطلاق المعتبرة المستفيضة بجواز صلاة الحائض (5) مع عدم طهارتها عن الخبث غالباً.
    ( وهي ) أي الطهارة ( من فضلها ) للنص : « تكون على طهر أُحبّ إليّ » (6).
    ( ولا ) يجوز أن ( يتباعد ) المصلّي ( عن الجنازة بما يخرج ) به ( عن ) كونه مصلّيا عليها أو عندها في ( العادة ) للتأسي ، وعدم تيقّن الخروج عن العهدة من دونه.
    ( ولا يصلّى على الميت إلّا بعد تغسيله وتكفينه ) إلّا أن يكون شهيدا ، ولا نعلم فيه خلافاً كما في المنتهى (7).
    وفي المدارك : إنه قول العلماء كافة ، لأن النبي صلّى اللّه عليه وآله هكذا
1 ـ تقدم مصدره في ص 48. الهامش (5).
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 179 ، المستدرك 2 : 269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.
3 ـ كصاحب المدارك 4 : 172.
4 ـ الذكرى : 61.
5 ـ الوسائل 3 : 112 أبواب صلاة الجنازة ب 22.
6 ـ الكافي 3 : 178 / 3 ، التهذيب 3 : 203 / 476 ، الوسائل 3 : 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 2.
7 ـ المنتهى 1 : 456.


(53)
فعل ، وكذا الصحابة والتابعون ، فيكون الإتيان بخلافه تشريعا محرّما (1).
    وفي التفريع على إطلاقه نظر. والاُولى تبديله بما في المنتهى وغيره (2) من قوله : فلو صلّى قبل ذلك لم يعتدّ بها ، لأنه فعل غير مشروع فيبقى في العهدة.
    هذا مع الإمكان ، وإلّا قام التيمم مقام الغسل في اعتبار الترتيب ، فإن تعذّر سقط.
    ( ولو كان ) الميت ( عاريا ) فاقد الكفن ( جعل في القبر ) بعد تغسيله ، أو ما في حكمه ( وسترت عورته ، ثمَّ يصلّى عليه ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في ظاهر المدارك والذخيرة (3) ؛ للموثق (4) وغيره (5).
    وذكر الشهيدان أنه إن أمكن ستره بثوب صلّي عليه قبل الوضع في اللحد (6) ؛ ويدّل عليه الخبر الأخير : « إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحضروا قبره ويضعوه في لحده يوارون عورته بلبن أو أحجار أو تراب ، ثمَّ يصلّون عليه ، ثمَّ يوارونه في قبره ».
    وهو حسن إن أريد به الجواز ، وإلّا فالوجوب مشكل ، لضعف السند ، مع الأصل ، وإطلاق الموثق. نعم هو لعلّه أحوط.
1 ـ المدارك 4 : 173.
2 ـ المنتهى 1 : 456 ؛ وانظر كشف اللثام 1 : 125.
3 ـ المدارك 4 : 173 ، الذخيرة : 333.
4 ـ الكافي 3 : 214 / 4 ، الفقيه 1 : 104 / 482 ، التهذيب 3 : 179 / 406 ، الوسائل 3 : 131 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 1.
5 ـ التهذيب 3 : 328 / 1023 ، المحاسن : 303 / 12 ، الوسائل 3 : 132 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 2.
6 ـ انظر الذكرى : 53.


(54)
    ( وسننها ) اُمور :
    منها : ( وقوف الإمام ) أو المصلّي وحده ( عند وسط الرجل وصدر المرأة ) على الأظهر الأشهر ، بل في الغنية الإجماع عليه (1) ؛ للخبرين (2).
    خلافاً للشيخ في الاستبصار ، فيقف عند رأس المرأة وصدر الرجل (3) للخبر (4).
    وفيه مع ضعف السند عدم المكافأة لما مرّ.
    وله في الخلاف فعكس ما في الاستبصار ، قال : للإجماع (5).
    ووهنه ظاهر لكل ناظر ، لعدم ظهور قائل به عدا والد الصدوق كما حكاه في المختلف (6) ، وهو نادر. وحكى فيه عن المقنع إطلاق الوقوف عند الصدر ، ومستنده غير واضح.
    وظاهر النصوص الوجوب ، ولضعفها حملت على الاستحباب مضافاًً إلى الأصل ، والإجماع على عدمه فيما أعرفه ، وفي المنتهى هذه الكيفية
1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 564.
2 ـ الاول :
    الكافي 3 : 176 / 1 ، التهذيب 3 : 190 / 433 ، الاستبصار 1 : 470 / 1818 ، الوسائل 3 : 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 1.
    الثاني :
    الكافي 3 : 2 / 177 ، التهذيب 3 : 432 / 190 ، الاستبصار 1 : 1817 / 470 ، الوسائل 3 : 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.
3 ـ الاستبصار 1 : 470.
4 ـ التهذيب 3 : 190 / 432 ، الاستبصار 1 : 470 / 1817 ، الوسائل 3 : 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.
5 ـ الخلاف 1 : 731.
6 ـ المختلف : 119.


(55)
مستحبة بلا خلاف عندنا (1).
    ( ولو اتفقا جعل الرجل إلى ) ما يلي ( الإمام ، والمرأة إلى القبلة ) بلا خلاف فيه أجده ، وبه صرّح جماعة (2) ، بل عليه الإجماع في الخلاف والمنتهى وغيرهما (3) ؛ وهو الحجّة ، مضافاًً إلى المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن الرجال والنساء كيف يصلّي عليهم ؟ فقال : « يجعل الرجل وراء المرأة ويكون الرجل ممّا يلي الإمام » (4).
    وأما الواردة بالعكس (5) فمع قصور سندها بل ضعفها شاذة مطرحة أو محمولة على التقية ، فقد حكاه في المنتهى عن بعض العامة (6) ، مع احتمال بعضها الحمل على ما دلّت عليه المستفيضة.
    وظاهرها وإن أفاد الوجوب إلّا أنه محمول على الاستحباب ؛ لعدم الخلاف فيه على الظاهر ، المصرّح به في المنتهى (7) ، وفي الغنية الإجماع عليه (8) ؛ وللصحيح : « لا بأس بأن يقدّم الرجل وتؤخّر المرأة ويؤخّر الرجل وتقدّم المرأة » (9).
1 ـ المنتهى 1 : 456.
2 ـ منهم : الشهيد في الذكرى : 62 والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 126.
3 ـ الخلاف 1 : 722 ، المنتهى 1 : 457 ، نهاية الإحكام 2 : 265.
4 ـ التهذيب 3 : 323 / 1006 وفيه : يجعل الرجل والمرأة ، الاستبصار 1 : 471 / 1823 ، الوسائل 3 / 128 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 10.
5 ـ التهذيب 3 : 323 / 1008 ، الاستبصار 1 : 472 / 1825 ، الوسائل 3 : 127 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 4 ، 5 ، 7 ، 8.
6 ـ المنتهى 1 : 457.
7 ـ المنتهى 1 : 456.
8 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 564.
9 ـ الفقيه 1 : 106 / 493 ، التهذيب 3 : 324 / 1009 ، الاستبصار 1 : 473 / 1828 ، الوسائل 3 : 126 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 6.


(56)
    وينبغي أن ( يحاذي بصدرها وسطه ) ليقف الإمام موقف الفضيلة منهما.
    وربما يستفاد من جملة من النصوص خلافه ، ففي الموثق : « يقدّم الرجل قدّام المرأة قليلا ، وتوضع المرأة أسفل من ذلك عند رجليه ، ويقوم الإمام عند رأس الميت فيصلي عليهما جميعا » (1).
    وفي آخر : « يجعل رأس المرأة إلى ألية الرجل » (2).
    ( ولو ) اجتمع معهما ثالث و ( كان طفلا ف‍ ) الفضل أن يجعل ( من ورائها ) إلى القبلة إن لم يبلغ ستا ، وإلّا فقدّامها ممّا يلي الرجل ، وفاقاً لجماعة ومنهم الشيخ في الخلاف (3) ، تلويحا في الأول ، وتصريحا في الثاني ، مدّعيا الإجماع عليه وهو الحجة فيه ، مضافاًً إلى المرسل كالموثق : في جنائز الرجال والصبيان والنساء ، قال : « توضع النساء ممّا يلي القبلة ، والصبيان دونهم ، والرجال دون ذلك ، ويقوم الإمام ممّا يلي الرجال » (4).
    وأما الأول فقد علّل بأمر اعتباري لا بأس به في إثبات الاستحباب ، سيّما مع اعتضاده بما قدّمناه من التأمل في استحباب الصلاة على نحو هذا الصبي (5) ، بل مقتضاه لزوم الترتيب حيث يستلزم عكسه البعد العرفي للإمام أو الميت الذي‏
1 ـ التهذيب 3 : 191 / 435 ، الوسائل 3 : 127 ، أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 8.
2 ـ الكافي 3 : 174 / 2 ، التهذيب 3 : 322 / 1004 ، الاستبصار 1 : 472 / 1827 ، الوسائل 3 : 125 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 2.
3 ـ انحلاف 1 : 722 ، المنتهى 1 : 457 ، جامع المقاصد 1 : 420.
4 ـ الكافي 3 : 175 / 5 ، التهذيب 3 : 323 / 1007 ، الاستبصار 1 : 472 / 1824 ، الوسائل 3 : 125 أبواب صلاة الجنازة ب 32 / ح 3.
5 ـ راجع ص 36 و37.


(57)
يليه عن المرأة ؛ لما عرفت سابقاً من وجوب فقده.
    وممّا ذكرناه ظهر ضعف إطلاق القول بجعله وراءها كما في ظاهر العبارة وغيرها وعن النهاية (1) ، وبعكسه كما عن الصدوقين (2) ، مع عدم وضوح مستندهما ، عدا الثاني فله إطلاق المرسل المتقدم ، وفي شموله للصبي الذي لم يبلغ الستّ إشكال ، سيّما بعد ظهور الأخبار ـ كما مضى ـ في عدم شرعية استحباب الصلاة عليه ، فيمكن تنزيله على غيره ، كما يمكن تنزيل إطلاق الصدوقين عليه ، لما يظهر من الفقيه من قوله بمضمون تلك الأخبار (3).
    وربما ينزل إطلاق العبارة وغيرها على الصبي الذي لم يبلغ الستّ ، وبه نصّ الماتن في المعتبر وشيخنا في روض الجنان (4).
    وعلى التنزيلين فلا خلاف ولا بحث. لكن ظاهر المعتبر القول بما عليه الصدوقان حتى في غير البالغ ستا ، استناداً إلى إطلاق الرواية ، قال : وهي وإن كانت ضعيفة لكنها سليمة عن المعارض.
    وفي المدارك وغيره (5) بعد نقله : ولا بأس به.
    وهي لما عرفته ضعيفة غايته.
    ويستفاد من هذه الأخبار وما في معناها وكلمة الأصحاب والإجماع المنقول جواز الصلاة الواحدة على الجنائز المتعددة ، وفي المنتهى : إنه لا نعرف فيه خلافاً (6).
1 ـ النهاية : 144.
2 ـ الصدوق في المقنع 21 ، وحكاه عن أبيه في الفقيه 1 : 107.
3 ـ الفقيه 1 : 104 ، 105.
4 ـ المعتبر 2 : 354 ، روض الجنان : 309.
5 ـ المدارك 4 : 176 ؛ وانظر الذخيرة : 332.
6 ـ المنتهى 1 : 456.


(58)
    لكن استشكل جماعة ذلك فيما إذا كان فيهم صبي لم تجب الصلاة عليه ، لاختلاف الوجه (1).
    ويندفع بالنص كما في تداخل الأغسال ، هذا على القول باعتبار قصد الوجه وثبوت استحباب الصلاة على هذا الصبي ، وإلّا ـ كما هو الأقوى ـ فلا إشكال من أصله.
    ( و ) منها ( وقوف المأموم ) هنا ( وراء الإمام ولو كان واحداً ) وتفرد الحائض بصف ، للنصوص (2). والنفساء كالحائض ؛ لمساواتها لها في جميع الأحكام إلّا ما استثني.
    ( و ) منها ( أن يكون المصلّي متطهرا ) لما مضى.
    ( حافيا ) كما هنا وعن القاضي ، وفي المعتبر والمنتهى (3) ، قالا : لأنه موضع اتّعاظ فكان التذلل فيه أنسب بالخشوع ، ولما رواه الجمهور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال : « من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرّمه اللّه تعالى على النار » (4).
    وعبّر الأكثر باستحباب نزع النعلين خاصة ، وفي المدارك : إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً (5) ، ونحوه في الذخيرة (6).
    وقد صرّح جماعة بعدم البأس بالخف (7) ؛ للنص : « لا يصلّى على الجنازة
1 ـ منهم : العلامة في التذكرة 1 : 50 ، وصاحب المدارك 4 : 176.
2 ـ الوسائل 31 : 112 أبواب صلاة الجنازة ب 22.
3 ـ القاضي في المهذّب 1 : 130 ، المعتبر 2 : 355 ، المنتهى 1 : 455.
4 ـ مسند احمد 5 : 226 ، سنن الترمذي 3 : 92 / 1682.
5 ـ المدارك 4 : 178.
6 ـ الذخيرة : 332.
7 ـ منهم : الشهيدان في الذكرى : 61 ، والروض : 310.


(59)
بحذاء ، ولا بأس بالخف » (1).
    وهو مناف لما أطلقه الماتن ، وبه صرّح في الذكرى فقال : استحباب التحفّي يعطي استحباب نزع الخف ، والشيخ وابن الجنيد ويحيى بن سعيد استثنوه ، والخبر ناطق به (2).
    وفي روض الجنان بعد ذكر ما في المتن قال : إنه غير مناف لنفي البأس عن الخف ، لأنه مستثنى من المكروه ، ولا يلزم منه عدم استحباب التحفي الذي هو مبحث المحقّق (3).
    وفي الرضوي : « ولا يصلّى على الجنازة بنعل حذو » (4).
    وعن المقنع الفتوى بظاهره حتى في المنع ، لكنه رواه بلفظ « لا يجوز » عن محمّد بن موسى الهمداني ، وحكى عن شيخه تضعيفه ب‍ : روي ، وردّه بلزوم العمل بالخبر الضعيف إذا خلا عن المعارض كما نحن فيه (5). وهو ضعيف.
    ( رافعا يديه بالتكبير كلّه ) أي بالتكبيرات الخمس أجمع ، بلا خلاف في الاُولى منها ، بل عليه إجماع العلماء كافة كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (6).
    وعلى قول في البواقي أيضاًً ، اختاره الماتن هنا وفي المعتبر والشرائع (7) ، والفاضل في المنتهى والإرشاد ، وغيرهما (8) ، تبعاً للشيخ في التهذيبين ووالد
1 ـ الكافي 3 : 176 / 2 ، التهذيب 3 : 206 / 491 ، الوسائل 3 : 118 أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1.
2 ـ الذكرى : 62.
3 ـ روض الجنان : 310.
4 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 179 ، المستدرك 2 : 281 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.
5 ـ المقنع : 106.
6 ـ منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 502 ، والمحقق في الشرائع 1 : 106 ، والعلامة في النهاية 2 : 265 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1 : 426.
7 ـ المعتبر 2 : 355 ، الشرائع 1 : 106.
8 ـ المنتهى 1 : 455 ، الارشاد 2 : 448 ؛ وانظر نهاية الاحكام 2 : 265.


(60)
الصدوق فيما حكي عنه (1) ، وهو خيرة جماعة من محقّقي متأخري المتأخرين (2) ؛ للصحيح (3) ، وغيره (4).
    خلافاً للأكثر على ما حكاه جمع (5) فخصّوه بالاُولى ، للموثق (6) ، وغيره (7) ، وحملا في التهذيبين على التقية ، ويشهد له الخبر : سألت الرضا عليه السلام قلت : جعلت فداك ، إنّ الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الاُولى ولا يعرفون فيما بعد ذلك ، فأقتصر في التكبيرة الاُولى كما يفعلون أو أرفع يديّ في كل تكبيرة ؟ فقال : ارفع يديك في كل تكبيرة » (8).
    لكنه ضعيف السند مع عدم وضوح الجابر ، والعامة مختلفة في المسألة كالخاصة وإن كان أكثرهم ومنهم أبو حنيفة على المنع (9) ، فإنّ غاية الكثرة إفادة المظنة ، وفي مقاومتها للظن الحاصل من الشهرة المرجحة مناقشة واضحة ، بل‏
1 ـ التهذيب 3 : 194 ، الاستبصار 1 : 478 ، وحكاه عن والد الصدوق في التنقيح 1 : 248.
2 ـ منهم : المحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 2 : 448 ، وصاحب المدارك 4 : 179 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 130.
3 ـ التهذيب 3 : 194 / 445 ، الاستبصار 1 : 478 / 1851 ، الوسائل 3 : 92 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 1.
4 ـ الكافي 3 : 184 / 5 ، التهذيب 3 : 195 / 446 ، الاستبصار 1 : 478 / 1852 ، الوسائل 3 : 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.
5 ـ منهم الشهيد فب الذكرى : 63 ، وصاحب المدارك 4 : 178. والمحقق السبزواري في الذخيرة : 333.
6 ـ التهذيب 3 : 194 / 443 ، الاستبصار 1 : 479 / 1854 ، الوسائل 3 : 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 4.
7 ـ التهذيب 3 : 194 / 444 ، الاستبصار 1 : 478 / 1853 ، الوسائل 3 : 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 5.
8 ـ الكافي 3 : 184 / 5 ، التهذيب 3 : 195 / 446 ، الاستبصار 1 : 478 / 1852 ، الوسائل 3 : 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.
9 ـ انظر المغني لابن قدامة 2 : 370.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس