تـذيـيـل
سـلافـة العـصـر

للسيد عبدالله الجزائري

تحقيق
السيد هادي باليل الموسوي

المكتبة الادبية المختصة
( 6 )


( 4 )



( 5 )

المقدمة
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله الطاهرين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يضمّ التراث الأدبي الشيعي كنوزاً وافرةً ثريّة أفرغ فيها حَمَلة العلم والأدب ـ بصدقٍ ودأب ـ كل جهودهم الكبيرة التي ما برحت تمتاح من ريّها الأجيال ممّا حفظ لنا ـ حتى يومنا هذاـ كثيراً من الآثار الهامة الذائعة، وتعدُّ سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر للسيد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني المدني واحدةً من الانجازات الكبيرة في مجال حفظ التراث الشعري الأدبي، معتبَرةً ـ بحقٍ ـ جهداً هاماً مستوعباً محيطاً بشكلٍ معجبٍ بكل ما وصلت إليه يراعة المؤلّف المشهور بعلمه وفضله وإحاطته الواسعة، سالكاً فيه مسلك مَن سبقه من كبار مؤرّخي الأدب، مضيفاً ما نتج من فكره الخصب واُسلوبه الفخم وصياغته الآسرة التي ترقى به إلى مصاف كتّاب عصور الأدب الاُولى رغم انّه عاش في النصف الثاني ثم في الربع الأوّل من القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين، ولا حاجة أن نشير إلى أنّ المؤلّف الجليل قد أحيى في غمار تراجمه ذكر شعراء كثيرين من الشيعة خاصة، كاد ان يأتي


( 6 )

عليهم النسيان، ممّا جعل كتابه موسوعةً يُرجع إليها ويُعتمد عليها وهو العالم الفاضل والثقة الجدير...
ولقد ترك كتاب سلافة العصر وهجاً ساطعاً ممتداً في القرون اللاحقة فأوحى لغير واحدٍ من رجال الفضيلة ان يستدركوا عليه ما فات مؤلِّفه الفاضل ـ وهو النزر القليل ـ ، من تراجم وأحوالٍ لأدباء عصره... وكان ممّن ذيَّل على أصله العلاّمة الجليل السيد عبد الله ابن السيد نور الدين علي ابن السيد نعمة الله الجزائري ذاكراً بعض أعلام الأدباء في مستدركٍ صغيرٍ سرعان ما ندرَ وجوده وصعبَ الحصول عليه حتى عدَّه بعضٌ من الآثار المفقودة ثم قيّض الله له من بعثه مَن رقدته أكثر من مرّةٍ في محاولات لم تستوف، مثيل جهد المحقّق الكاتب الأديب الفاضل السيد هادي باليل الموسوي الذي عثر على تتمّة هامّة للتذييل تسقّطها من مصدرٍ مخطوطٍ فرتّبها وحقّقها وقدّم لها وعلّق عليها بصورتها الماثلة هنا، والمكتبة الأدبية المختصّة التابعة لمكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الاعلى السيد السيستاني ـ دام ظلّه ـ إذ تفتح بطبع مثل هذا التذييل المغمور، باب جهودها القابلة لإحياء ما يقع في يديها من آثارٍ وكنوزٍ أدبيةٍ شيعيةٍ تسأل الباري عزّ وجل أن يوفّقها في مسيرتها ويجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم.

المكتبة الأدبية المختصة
محرّم الحرام 1420 هـ


( 7 )

ترجمة المؤلف(1):

هو العلاّمة الجليل المحدّث الفاضل النبيل، الرجالي المحقّق، والفقيه الاُصولي المدقّق، السيد عبد الله ابن السيد نور الدين علي ابن السيد نعمة الله الحسيني الموسوي الجزائري التستري.
وُلد في مدينة تستر في السابع من شعبان سنة 1112 هـ ، وهي سنة وفاة جدّه المحدّث الجزائري الشهير. وكان جدّه المذكور
____________
(1) له ترجمة في كتابه الإجازة الكبيرة (المقدّمة): 22، وفي كتابه تذكرة شوشتر: 60، وفي تحفة العالم:69، وأعيان الشيعة 39|41، وطبقات الأعلام للطهراني (القرن الثاني عشر): 456، ومصفى المقال في مصنفي علم الرجال: 246، وريحانة الأدب 2|254، وسفية البحار 2|138، والفوائد الرضوية: 256، والكنى والألقاب 2|332، ومعارف الرجال 2|8، وروضات الجنات 4|257.
( 8 )

قد تفرّس في هذا المولود المبارك مستقبلاً زاهراً فأهداه بعض كتبه، فكان كما تفرّس فقد تعلّم القراءة والكتابة في سنّ مبكرة (السادسة من عمره)، وبدأ بقراءة المقدّمات كالصرف والنحو والمعاني والبيان على والده فأتمّها بسنتين، ثم انصرف إلى دراسة المعقول والمنقول. وما ان بلغ السادسة عشرة من العمر حتى أصبح متفنّناً في العلوم والمعارف الإسلامية، وكان جلّ اشتغاله قبل ذهابه إلى إصفهان على علماء تستر والحويزة والدورق كما صرّح بذلك في إجازته الكبيرة، منها قوله في ترجمة الشيخ شمس الدين بن صفر البصري: رأيته في الدورق وقرأت عليه أكثر (شرح المطالع) هناك. وقال في ترجمة الشيخ عبد الحسين القاري الحويزي: رأيته في الحويزة كثيراً واستفدت منه. وفي ترجمة الشيخ عبد الله بن ناصر الحويزي الهميلي قال: اجتمعت به في الدورق وكان مدرّساً في مدرستها ثم في الحويزة ثم في تستر واستفدتُ منه.
وأقام في اصفهان مدّة اشتغل فيها على علمائها ثم رحل إلى شيراز في طلب العلم ومنها إلى خراسان حيث زار مرقد الإمام الرضا عليه السلام واجتمع بأعلام تلك البلاد، ثمّ رحل إلى آذربيجان والبلاد العثمانية، وكان اهتمامه في هذه الرحلات بتحصيل العلوم وكسب المعارف المتداولة آنذاك أينما حلّ، لأنّه كان حريصاً على ذلك منهمكاً في طلبها من الخاصّة والعامّة، وحتَّى من غير المسلمين.
وكانت له مساهمات في تطوّر الاُمور السياسية في البلاد، ومنها حضوره مؤتمر دشت مغان مع جملةٍ من كبار العلماء لتتويج


( 9 )

الملك الأفشاري نادرشاه الذي أطاح بالحكومة الصفوية وتربّع على عرشها سنة 1148 هـ ، فأنشأ السيّد المترجَم له خطبةً بليغة بهذه المناسبة، وكان له اتصالات وثيقة وعلاقات طيبة بحكام المنطقة، أعني تستر والحويزة والدورق كما ذكر ذلك في كتابه (تذكرة شوشتر: 165) وكانوا يجلّونه ويحترمونه. وفي سنة 1167 هـ ظهرت فتن واضطرابات في البلاد كدّرت خاطره فخرج متوجّهاً نحو العتبات المقدّسة في العراق، وكان طريقه على الدورق فحلّ ضيفاً على زعيمي كعب الشيخين سلمان وعثمان ابني سلطان بن ناصر الكعبي، وقد أشاد بحسن سياستهما وتدبيرهما للاُمور في البلاد. وكان قدس سره قد زار العتبات المقدّسة غير مرّة، منها في سنة 1153 هـ وحجّ بيت الله الحرام. واسندت إليه جميع المناصب الدينية في بلده تستر بعد وفاة والده سنة1158 هـ .
إطراء العلماء بالمدح والثناء عليه: أشاد بفضيلته كلّ مَن ذكره من العلماء وأثنوا عليه ثناءً بالغاً منهم الشيخ محمّد حرز الدّين، فقد وصفه بقوله(1):
عالم، فاضل، فقيه، محقّق في علم الرجال والرّواة، وكان شاعراً لامعاً وكاتباً أديباً، وعدّ من مؤلفاته: الذخيرة الباقية، والذخيرة الأَحمدية، وشرح مفاتيح الأحكام، وشرحاً على النخبة للفاضل الفيض، وأجوبة المسائل النهاوندية، وله ذيل على سلافة
____________
(1) معارف الرجال 2|8.
( 10 )

العصر، وله التذكرة أخذنا منها في كتابنا (النوادر) ما يتعلّق بأحوال جدّه السيد نعمة الله، وبعض أحوال السادة المرعشيين، ونسب المشعشعيين وبعض أحوالهم، والتحفة السنيّة في شرح النخبة المحسنيّة، توفي سنة1173 هـ . والجدير بالإشارة هنا ما ذكره الشيخ حرز الدين من تاريخ ولادة المترجَم له، فانّه ذكره في (17 شعبان سنة 1114 هـ )، كما جاء في مصفّى المقال أيضاً أنّه ولد سنة 1114 هـ وفي طبقات الأعلام أرّخه بسنة 1104 هـ ، ولعلّه خطأ في الطبع أو الاستنساخ، والصحيح ما مرّ في صدر المقدّمة والعمدة فيه على ما حقّقه السيد محمّد الجزائري في كتابه (الشجرة المباركة).
وقال السيد محمّد باقر الموسوي الخوانساري في الرّوضات(1):
كان من علماء زمان الفترة وطغيان الفتنة، بعد اختلال الدولة الصفوية في مملكة ايران المحمية، ماهراً في علم الحديث والفقه وفنون الأدب العربية، وقد ذكر في إجازته (الإجازة الكبيرة) تفصيل أحواله وأحوال والده، وأشار فيها إلى أحوال جملة من مشايخه المعظمين وأفاضل عصره المكرمين مثل المرحوم السيد صدر الدين الرضوي القمّي، والسيد نصر الله الحائري، والمولى أبي الحسن العاملي، وكثير من فضلاء سلسلة المجلسي، وكان وضعها تكملة لكتاب (أمل الآمل) وتداركاً لما فاته من أحوال علمائنا
____________
(1) روضات الجنّات 4|257.
( 11 )

اللاّحقين له إلى زمانه رحمه الله . وله أشعار رائقة وأفكار فائقة وكتب متينة وخزائن ثمينة، ثُمَّ عدّ مؤلفاته.
وقال المحدّث النيسابوري في كتابه (منية المرتاد) الذي صنّفه في تفصيل نفاة الاجتهاد، ومنهم السيد السند العارف السيد عبد الله ابن السيد نور الدين ابن السيد نعمة الله الجزائري التستري قدّس الله أرواحهم الزكية، وهو كجدّه وأَبيه من أجلّة مشايخ المحدّثين... الخ.
نسبه القصير: ذكر السيد المترجَم له نسب جدّه السيد نعمة الله الجزائري في كتابيه (الإجازة) و(التذكرة) قائلاً: رأيتُ صورة نسبه بخطّه في موضعين هكذا: نعمة الله بن عبد الله بن محمد بن حسين بن أحمد بن محمود بن غياث الدين بن مجد الدين بن نور الدين بن سعد الدين بن عيسى بن موسى بن عبد الله بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام . واستدرك على هذا النسب بعض النسّابين فقال:
إنّ الفترة الزمنية بين وفاة الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام ووفاة السيد الجزائري تسعمائة وخمسون سنة تقريباً، أي أكثر من تسعة قرون، وقد جرت العادة عند النسّابين أن يعدّوا لكل قرن ثلاثة أجيال، وعليه فإنّ تلك الفترة تحتاج إلى ما يقارب خمساً وعشرين واسطة، وخلص النسّابة المذكور إلى أنّ الصحيح في نسب السّيد الجزائري كما يلي:
السيد نعمة الله ابن السيد عبد الله ابن محمّد ابن الحسين الملقّب بشمس الدين بن محمود بن غيّاث بن أحمد بن علي بن


( 12 )

محمّد بن أحمد بن الرضا بن ابراهيم بن هبة الله بن الطيب بن أحمد بن محمّد بن القاسم بن أبي الفخار محمّد بن علي بن معمّر الضرير بن عبد الله بن أبي عبد الله جعفر الأسود الملقّب بـ ( زنقاح ) بن محمّد المعروف بالنصيبيني بن موسى بن عبد الله العولكاني ابن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام (1).
أمّا في ما يخصّ كتابه هذا (تذييل سلافة العصر) فقد ذكره المؤلّف (السيد الجزائري) في إجازته الكبيرة في عداد مؤلّفاته فقال:
(وجزء في تذييل سلافة العصر) للسيد علي خان(2)ابن ميرزا
____________
(1) بغية الطالب في نسب السادة الغوالب: 142 و143.
(2) هو السيد الجليل علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني المدني المولود بالمدينة المنوّرة سنة1052 هـ ، ويتصل نسبه بزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، بـ (ست وعشرين واسطة)، اشتغل بالعلم في المدينة، ثم هاجر إلى حيدر آباد الهند سنة 1068 هـ وأقام هناك ثماني وأربعين سنة، اُعطي فيها مناصب عسكرية، فلُقّب بـ (خان)، ثم استعفى وحجّ بيت الله الحرام وزار مشهد الإمام الرضا عليه السلام ، وورد اصفهان سنة 1117 هـ ثم حلّ بشيراز مدرّساً إلى ان توفّي بها سنة1118 هـ ، أو سنة 1120 هـ ودُفن في حرم السيد أحمد شاهچراغ ابن الإمام علي بن موسىالرضا عليه السلام .
وفي أيام إقامته بالهند، ألّف كتابه (سلافة العصر) سنة 1081 هـ وذيّله بعد عودته من الهند، فسمّى التذييل (ملحقات السلافة المشحونة بكلّ أدب وظرافة) من أراد الإطّلاع مفصّلاً على أحواله فليراجع مقدّمة كتابه (الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة).
=

( 13 )

أحمد السيد معصوم من أحفاد السيد غيّاث الدين منصور المشهور بـ (استاذ البشر) صاحب المدرسة المنصورية بشيراز، وهو تأليف بديع جمع فيه أعيان المائة الحادية عشرة، لكن فاته منهم جمع كثير وجمّ غفير في أعيان هذه الأقطار، لأنّه ألّفه أيّام إقامته بالهند فلم يحط بأحوال مَن لم يبلغه هناك صيته، وقد تتبّعت أحوال بعض مَن أطّلعت عليه منهم وذكرته على سياق كلامه، فأعجب الوالد بذلك. (الإجازة الكبيرة: 55 طبعة قم سنة 1409 هـ ) وأشار إلى هذا التذييل العلاّمة الطهراني في (الذريعة 4|54)، والسيد محمّد الجزائري في (شجرة مباركة: 35).
كان هذا التذييل نادر الوجود، صعب الحصول، مغموراً في خبايا المكتبات وبطون المجموعات المنسيّة، حتّى عدّه بعض المتتبعين من اُسرة المؤلّف في جملة الكتب المفقودة، عدا عبارات وجيزة نقلها منه المؤلّف نفسه في كتابه (الإجازة الكبيرة). ولعلّ
____________
=
أمّا ما يخصّ كتابه (سلافة العصر) فقد ذكر العلاّمة الطهراني في (الذريعة 12|212) ما يلي: سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر، للسيد علي خان بن أحمد المعروف بـ (ابن معصوم المدني) ذكر فيه جملة من أعيان عصره من العامّة والخاصّة، مرتّب على أقسام خمسة: أوّلها في أهل الحرمين، والثاني في أهل الشام ومصر ونواحيها، والثالث في أهل اليمن، والرابع في أهل العجم والبحرين والعراق، والخامس في أهل المغرب وشرع فيه سنة 1081 هـ وفرغ منه سنة 1082 هـ سلك فيه مسلك الثعالبي في (يتيمة الدهر)، والباخرزي في (دمية القصر). أقول: وهو مطبوع طبعة رديئة كثيرة الأغلاط جدير بأن يحقّق ويطبع طبعة جديدة تليق بشأنه.

( 14 )

سبب خفائه وعدم ظهوره، اختصاره وصغر حجمه؛ إذ انّه لا يتجاوز عشر ورقات من القطع المتوسط. وقد جرت العادة عند الكتّاب والنّساخ قديماً أن يضمّوا الآثار الوجيزة إلى المجموعات المطوّلة في الاستنساخ فيصبح المجموع الكبير طافحاً بالنفائس المتعدّدة المختصرة لكنّها شبه الضائعة؛ إذ لا يدلّ اسم المجموع (إن كان له اسمٌ) على ما فيه من الآثار بالتفصيل، كما انّهم لم يفهرسوا لمحتوياته لا في البداية ولا النهاية، فكم من أثر جليل (كهذا التذييل) أتعب الأدباء والمحقّقين في سبيل العثور عليه، فلم يسعفهم الحظّ في ذلك، بينما هو في مجموع مُهمل ليس له نظام ولا لفصوله ومحتوياته خاصّ من عام، حتى يقيّض الله له مَن يستخرجه فيكون سبباً لإحيائه.
وهكذا كان هذا التذييل، حتى ظهرت له نسخة بخط الفاضل المتتبّع السيد محمّد علي الرَّوضاتي الاصفهاني ادام الله أيام عزّه، وكان قد استنسخها وضمّها إلى كتاب له شرع في تأليفه سنة 1365 هـ عن نسخة بخط ابن المؤلّف السيد بهاء الدين محمّد ابن السيد عبد الله الجزائري، الذي كتبها هو عن خطّ والده سنة 1200 للهجرة. وهي تضمّ تراجم ستّة من الاُدباء والعلماء على النحو التالي:
1 ـ السيد اسماعيل ابن السيد سعد الموسوي الحويزي.
2 ـ السيد شهاب الدين بن معتوق الموسوي الحويزي.
3 ـ ابنه السيد معتوق بن شهاب الدين الموسوي الحويزي.
4 ـ الشيخ فتح الله بن علوان الكعبي الدورقي.
5 ـ السيد قوام الدين الحسني السيفي القزويني.


( 15 )

6 ـ والد المؤلّف السيد نور الدين ابن السيد نعمة الله الجزائري.
ثم ظهرت نسخة اُخرى ضمن مجموع مرقّم بـ 7337 في مكتبة آية الله السيد النجفي المرعشي قدس سره في مدينة قم، وهذا المجموع يحتوي على عدّة رسائل كلّها للمؤلّف بخطّ حفيده السيد نعمة الله ابن السيد محمّد هادي ابن السيد عبد الله الجزائري كتبها سنة 1213 هـ ، إلاّ انّ هذه النسخة تنقص عن نسخة السيد الروضاتي بسقوط ترجمة الشيخ فتح الله بن علوان الدورقي منها. وأخيراً عثرت على مجموع دورقي يشبه الكشكول في محتوياته، ويبدو أنّه ناقصٌ من أوّله وآخره ووسطه وفي ضمنه ترجمتان لعالمَين أديبين في صفحة واحدة قبلها أوراق ساقطة وهما:
1 ـ السيد علي بن باليل الموسوي الدورقي.
2 ـ ابنه السيد ابراهيم ابن السيد علي بن باليل الدورقي، وهذان العالمان ممّن ذكرهما المؤلّف (السيد الجزائري) في إجازته الكبيرة وأشاد بفضلهما وأدبهما، والعبارات والإنشاء في هاتين الترجمتين على غرار عبارات السيد الجزائري في التذييل، لا سيّما وانّ هناك قرائن تدلّ على أنّ الأوراق الساقطة قبل هاتين الترجمتين هو التذييل نفسه، ومن هنا فانّي ألحقتهما بالتذييل المذكور وصدرتهما بالعبارة التالية: (وفي تذييل على سلافة العصر لبعض الاُدباء ما يلي): وكان اعتمادي في إخراجه بهذه الصورة على النسخ المشار إليها، إذ ليس فيها اختلاف كبير عدا بعض التراجم الساقطة كما سبقت الاشارة، وانّ بعضها يكمّل بعضاً.


( 16 )

كما انّي جعلت العبارات المنقولة منه في (الاجازة الكبيرة) موضع الترجيح فيما إذا اختلفت النسخ المذكورة، وهذا ما تيسّر لي حسب الجهد والاستطاعة والله وليّ التوفيق.

هادي باليل
قم المقدّسة
17 رمضان المبارك 1419 هـ .





* * *


( 17 )

تذييل سلافة العصر

للسيد عبد الله الجزائري
المتوفّى سنة 1173 هـ



( 18 )


( 19 )

1 ـ السيد اسماعيل ابن السيد سعد الموسوي الحويزي(1):
نسب يضاهي البدر وحَسَب ينشرح به الصدر، وزهد وإخبات وورع، وفضل بلباس التقوى ادّرع، ومجد وشرف ومنقبة، وفطنة عن أسرار اللاّهوت منقّبة، وكرم حاتمي وشمم هاشمي، وطباع ما زاحمه فيها أحد ولا شاركه، وأخلاق تشهد أنّه فرع تلك الشجرة المباركة، وجدّ لا يشوبه هزل، وجود ما جاراه جواد إلاّ وزلّ، ذو نفس أبيّة، لا يداهن في الاُمور الحسبيّة، وله في القلوب وقع ومهابة، ما رأى من أحدٍ منكراً إلاّ مزّق اهابه.
____________
(1) ذكره في أمل الآمل (2|34) فقال: عالم فاضل، شاعر محقّق معاصر. (انتهى): وأغلب الظن انّه من السادة المشعشعيين والأقرب من آل أبي لاوي عمومة السيد شهاب الدين بن معتوق الموسوي الحويزي الذي سيأتي ذكره في الرقم الثاني من التذييل.
( 20 )

وكان رحمه الله منذ حلّ الشباب تميمته، قد عقد على اقتناء المعارف عزيمته، ففارق سكنه وهجر إلى بلاد العجم وطنه، واشتغل على مَن هناك من الجهابذة الطائر ذكرهم في الآفاق، كالملاّ رجب علي والملاّ شمسا الجيلاني وأمثالهما من حكماء الإشراق، إلى أن نبغ بين الأقران والأتراب، والتقط من فرائد فوائدهم ملء الكمّ والجيب والجراب. ثُمَّ رجع إلى أهله وجيرته محموداً في سريرته وسيرته، وكان في عنفوان أمره وريعان عمره قاصر الطرف على الفلسفة والمنطق، لا يلهج بغيرهما ولا ينطق، ولم يتفرّغ للعلوم السّمعية، إلاّ بعد ان أخلق البُردَ القشيب، وخرج من وراء الشباب إلى ذيول المشيب، فأسف حينئذٍ وندم، على تأخير ما أخّر وتقديم ما قدّم.
وقد بلغني من زهده وكرامته قدّس الله روحه، انّه كان في أوقات مجاورته بالحرمين الشريفين قد قلّ ماله، ورثّ حاله، وكان أحد عظماء العرب قد نذر لله مالاً جزيلاً يصرفه في وجوه القرب، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله في الطيف وقال: ائتِ مسجد الخيف، وابغ رجلاً من أولادنا من حليته كذا وكذا فإذا اصبته بالوصف المذكور، فادفع إليه المال المنذور، فانتبه الرجل قرير العين، متأهّباً لقضاء الدين، وتوصّل إلى الموسم، يتخلّل الناس، ويتطلّعهم في الهيئة واللّباس، حتى وقع نظره عليه، فألقى سرّه وصرته إليه، فأنف السيد عن القبول، وقال دعني من هذا الفضول، لعلّك تجد في هذا الجمّ الغفير، أخصّ بهاتيك الصفات، وأحوج إلى هذا المال منّي بكثير، على أنّ


( 21 )

الرؤيا ليست بحاجّة ولا لي إلى مالك حاجة.
تُوفّي طاب ثراه في عشر المائة بعد الألف الهجرية بالحويزة، وقبره هناك معروف يُتبرّك به ويُزار، ويخفّف عن زائريه الأوزار، ولا يحضرني من شعره النفيس إلاّ قطعتان من التخميس وهما قوله:
وِصالُ سكّان نجدٍ مُنتهى غرضي
وحبُّهم والهوى نفلي ومُفتَرضي
إِن كان قربُهُمُ وقفاً على حرضي
يا ممرضي بربى نجدٍ أعد مَرضي
عسى يعودون عُوّداي وزوّاري
وقوله:
خلا الرّبعُ من أهل المودّة والوفا
وقد كان قِدماً للكواعبِ مألفا
أيا جارتي ما بالُهُ ربعُهُ عفا
كأنّ لم يَكُنْ بين الحُجُون إِلى الصَّفا
أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكّةَ سامرُ(1)

* * *

____________
(1) البيت لمضّاض بن عمرو الجرهمي يقال أنّه كان أبا زوجة النبي اسماعيل الذبيح بن ابراهيم الخليل عليهما السلام وانّ جميع أولاد النبي اسماعيل عليه السلام من بنت مضّاض بن عمرو وكان مقيماً في الحجاز تابعاً لليمن.
( 22 )

2 ـ السيد شهاب الدين بن أحمد بن زيد بن عبد المحسن بن علي بن محمّد بن فلاح(1)الموسوي الحويزي:
شهاب الشَّرف الثاقب، ودرّي فلك المناقب، نسب أسنى من شمس الرابعة، وحسب أحيا مراتع الأدب ومرابعه، والمدوّن من شعره يناهز عشرة آلاف بيت، يكاد يحيا به الميت، ويعنو لها الفرزدق والكميْت، فمن محاسنها قوله في مطلع قصيدة يمدح بها النبي صلى الله عليه وآله وقد أنشدها حياله:

هذا العقيقُ وتلكَ شُمُّ رعانهِ
فامزجْ لُجينَ الدَّمع من عقيانهِ

____________
(1) أخطأ المؤلّف في سلسلة نسب المترجم، والصحيح في نسبه انّه: السيد شهاب الدين (المتوفى سنة 1087 هـ ) بن السيد احمد بن السيد ناصر بن السيد معتوق (المعروف بحوزي أيضاً) بن السيد لاوي بن السيد حيدر بن السلطان المحسن (المتوفى سنة 905 هـ ) بن السيد محمد مهدي الملقّب بالمشعشع (المتوفى سنة 866 هـ ) بن السيد فلاح بن السيد هبة الله بن السيد حسن بن السيد علم الدين علي المرتضى النسّابة (المتوفى سنة 719 هـ ) بن النقيب السيد عبد الحميد (المتوفى حدود سنة 684 هـ ) بن العلاّمة الشهير السيد فخار (المتوفى سنة 630 هـ ) صاحب كتاب «الحجّة على الذاهب الى تكفير أبي طالب» بن الشريف أبي جعفر مَعَدّ بن السيد فخار بن السيد احمد بن السيد محمد بن السيد أبي الغنائم محمد بن السيد أبي عبد الله الحسين الشيتي بن السيد محمد الحائري بن السيد ابراهيم المجاب بن السيد محمد العابد دفين شيراز بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام.
ذَكرتُ نسبه بهذه الصورة في كتابِي «الياقوت الأزرق في اعلام الحويزة والدورق» نقلاً عن عدّة مصادر في التراجم والأنساب.

( 23 )

وانــزل فثمَّ مـعرّسٌ أبداً ترى
فيه قلوبَ العشقِ مـن رُكبانه
واشمُمْ عبيـرَ ترابهِ والثمْ حصىً
في سفحهِ انتثرتْ عُقودُ جُمانه
واعدِلْ بنا نحَو الُمحصَّبِ من مِنى
واحذر رُماة الغَنج من غزلانه
وتوقَّ فيه الطّعنَ إمّا مــن قنـا
فرسانهِ أو من قُدودِ حسانــه
أكرِمْ به منْ مربعٍ مِنْ وردهِ الـ
ـوجناتُ والقاماتُ من أَغصانه
مغنى إذا غنّـى حَمامُ أراكــهِ
رقصتْ به طـرباً معاطفُ بانه
فلكٌ تنزّلَ فهــوَ يُحسـب بقعة
أوَما تَرى الأقمـارَ مـن سُكّانه
خضَب النجيــعُ غزالَهُ وهِزَبْره
هــذا بوجنتـه وذا ببنانــه
فلَئِنْ جهــلتَ الحتفَ أينَ مَقرُّهُ
سلنــي فأنّــي عارفٌ بمكانه
هو في الجفون السّود من فتياتِه
أو في الجفونِ الـبيض من فتيانه


( 24 )

مَن لي برؤية أَوجُهٍ في أوجُهٍ
حجبَ البعادُ شُموسَها بعنانه
بيضٌ إذا لعبت صباً بذيولِها
حَملَ النسيمُ المسكَ في أَردانه
وقوله في مطلع قصيدة اُخرى يمدح بها النبي صلى الله عليه وآله أيضاً:
لا بَرّ في الحُبّ يا أهل الوَفا قسمي
ولا وَفتْ للعُلــى إنْ خُنتُكُمْ ذِمَمي
وإن صبـوتُ إلـى الأغيارِ بَعدَكمُ
فلا ترقَّتْ إلــى هامــاتها هِممي
وإن خبــتْ نارُ وجدي بالسُّلُو فلا
وَرتْ زنادي ولا أَجرى النُّهى حِكَمي
ولا تعصــفر لونـي بالهوى كمداً
إنْ لم يُوَرّده دمــعي بعَـدكمْ بدَمي
ولا جنت وردَ جنّات الدُّمــى حدقِي
إن لم تزرْكُمْ على شـوكِ القَنا قدَمي
ولا رشفـتُ الحُميّا مــن مراشفِها
إنْ كــان يصفـو فؤادي بعد بُعدِكُمِ
ولا تلذّذتُ فــي مرّ العــذاب بكم
إن كــان يعذب إلاّ ذكركــمْ بفمي
وقوله أيضاً في مطلع قصيدة اُخرى:


( 25 )

حَفَرتْ بسيفِ الغَنجِ ذمِّةَ مِغفري
وفَرَتْ برُمحِ القدِّ درعَ تصبُّري
وجلَتْ لنا من تحت مسكةِ خالها
كافورَ فجرٍ شقَّ ليلَ العنبــرِ
وغدت تذُبّ عن الرّضاب لحاظها
فحمتْ علينا الحورُ وردَ الكوثر
ودنت إلى فمها أراقِـمُ فرعِــها
فتكفّلت بحفاظ كنــزِ الجوهـر
يا حاملَ السيف الصّحيح إذا رنَتْ
إيّاك ضربـة جَفْنِهــا المتكسِّر
وتوقّ يــا ربَّ القناة الطعـنَ إنْ
حَملت عليك من القوام بأَسمــر
برزت فشِمْنا البـرقَ لاحَ ملثّمــاً
والبـدرَ بيــن تَقَرْطُقٍ وتخمـُّر
وسَعت فمـرّ بنا الغــزال مطوَّقاً
والغصــنُ بيـنَ مُوشَّحٍ ومؤزَّر
بأبي مراشفُــها التـي قـد لُثِّمتْ
فوقَ الأقاحي بالشقـيق الأحمــر
وبمهجتــي الرَّوضُ المـقيمُ بِمُقْلةٍ
النُّعاس بــها ذهـابَ تحيُّر


( 26 )

تالله مــا ذُكِرَ العقيــق وأهلُه
إلاّ وأجــراهُ الغرامُ بمحْجَري
لولاه مـا ذابت فرائــدُ عبرتي
بعد الجمود بحرّ نــار تذكُّري
روحي الفداءُ لظبية الخـدرِ التي
بُنـيَ الكَناسُ لها بغـابِ القسور
لم انسَ زورتها ووجنات الدُّجى
تنبـاع ذفراهــا بمسـكٍ أذفَر
أمّت وقــد هـزّ السِّماكُ قناتَهُ
وسطا الضياءُ على الظلام بخنْجر
والقوس معترضٌ أراشت سهمَهُ
بقوادم النَّسريـن أيدي المُشتري
طوراً أرى طوقي الذراعَ وتارةً
منها أرى الكفَّ الخضيبَ بمُسوَر
حتى بدا كسرى الصباحَ وأدَبرتْ
قومُ النجاشي عن عساكر قيصر
لمّا رأت روضَ البنفسجِ قد ذوى
من ليلنا وزهـت رياضُ العُصفر
والنجمُ غارَ علــى جوادٍ أدهمٍ
والفجرُ أقبلَ فـوقَ صـهوةِ أشقر



( 27 )

فزعتْ فضرّست العقيقَ بلؤلؤٍ
سكنتْ فرائدهُ غديــرَ السُّكّر
وتنهَّدتْ جزعــاً فأثّر كفُّها
في صدرِها فنظرْتُ مالَمْ أنظُر
أقلامَ مـرجانٍ كتبــنَ بعنبرٍ
بصحيفة البلُّور خمسـةَ أسطُر

وقوله أيضاً في مطلع قصيدة اُخرى:
سلْ ضاحكَ البرق ليلاً عن ثناياها
فقدْ حكاها فهلْ يروي حكاياها
وهلْ درى كيف ربُّ الحُسن رتَّلها
والجوهرُ الفردُ منهُ كيف جزّاها؟
وما سُقاة الطِّلا تدري إذا ابتسمت
أيَّ الحيا بانَ عند الشّرب أشْهاها
وهل رياض الرُّبا تـدري شقائقُها
في خدّها أيَّ خالٍ فـي سُوَيْداها
وإن رأيتَ بُدور الحـيِّ وهي بهمْ
فحيِّ بالسـرِّ عنّـي وجهَ أحْياها
واقصد لُبانــاتِ نعمانٍ وجيرتَها
واذكُرْ لبانــات قلبي عند لُبناها
عرّج عليها عــن الألباب ننشُدها
فإنّنــا منـذُ أيــّامٍ فقدْناهـا



( 28 )

وقف على منزلٍ بالخيف نسأله
عن أنفُسٍ وقلوبٍ ثَمَّ مثْواهــا
مَعاهدٌ كلَّما أمسيتُ غامرَهـا
ليلاً وأصبحتُ مجنوناً بلَيْلاهـا

ومنها:
حتَّى نزلنا على الدّار التـي شَرُفَتْ
بمَن بها ولــثـمْنا دُرَّ حصْباها
فعارضتنا بدورٌ مـن فـوارسهـا
تحمي خدورَ شموسٍ منْ عَذاراها
ضِيفَانُهُم غيــرَ أنّا لا نُـريدُ قرَىً
إلاّ قلــوباً إليهم قــد أضفناها
ما كان يجدي ولا يغني السّرى دَنِفاً
لكنَّ حاجـةَ نفسٍ قــد قضيْناها
لم نشكُ مــن محن الدُّنيا إلى أحدٍ
مــن البريَّة إلاّ كـان إحـداها

وقوله أيضاً في مطلع قصيدة اُخرى:
عُجْ بالعقيق وناد اُسد سُراتِهِ
أسرى قلوبٍ في يَدَي ظَبياتِهِ
وابذِلْ به نقدَ الدُّموع عساهُمُ
أنْ يُطلقوها رُشوةً لقُضــاته



( 29 )

واسألهُمُ عمّا بهم صنـع الهـوى
لشقائهنَّ بــه وجـور وُلاته
هامت بواديه القلــوبُ فأصبحت
منّا النُّفوسُ تصيحُ فـي ساحاته
إن لـم تُذقنا المــوتَ أعينُ عِينِه
ِكمداً فأصحــانا لفـي سكراته
تقضي وينشـرنـا هــواهُ كأنّما
نفسُ المسيــح يهـبُّ في نفحاته
حَـرَمٌ بأجنحـــة النُّسور صيانةً
عضّت كواسـره علــى بيْضاته
وحمىً به نصــبَ الهوى طاغوتَه
فاحـذر بــه إن جُزْتَ فتنةَ لاته
لــم نـدرِ أيُّهمــا أشدُّ إصابةً
مُــقلُ الغوانــي أمْ سهامُ رُماته

وقوله أيضاً من قصيدة اُخرى:
هذا الحمــى فانزل على جرعائِهِ
واحذَرْ ظُبــا لفتات عِين ظبائِهِ
وانشُدْ بــه قلباً أضاعتــهُ النَّوى
من أضلعي فعساهُ فــي وعسائه
وسل الأراكَ الغضَّ عن روحٍ شكت
حرَّ الجـوى فلــجتْ إلى أفيائه



( 30 )

واقصــد لُباناتِ الهـوى فلعلَّنا
نقضــي لباناتِ الفــؤاد التائه
واضمُم إليك خُدودَ أغصان النَّقا
والثمْ ثغورَ الــدرِّ مـن حَصْبائه
واسفح بذاك السفحِ حول غديرهِ
دمعاً يُعسجــدُ ذوبَ فضّةِ مائـه
سقياً له مـن ملعبٍ بعقولنــا
وقلــوبنا لعبتْ يــدا أهوائــه
مغنىً به تهوى القلــوبُ كأنَّما
يُذكي الهوى في الصبِّ بردُ هوائه
نفحاتهُ تبري الضـرير كأنّمـا
ريحُ القميـصِ تهبّ مــن تلقائه
عهدي بـه ونجومُ أطرافِ القنا
والبيــضُ مُشرقةٌ عـلى أحيائه
والاُسدُ تزأرُ فـي سُروج جياده
والعِينُ تبغم فــي حجالِ نسـائه
والطيفُ يطرقـه فيعثر بالرَّدى
تحت الدُّجى فيصــدُّ عن إسرائه
والظلّ تقصــره الصَّبا وتمـدُّه
ُوالطيــر يُعرِبُ فيـه لحنَ غنائه

وقوله أيضاً في مطلع قصيدة:


( 31 )

روتْ عن تراقيها العقودُ عن النَّحرِ
محاسنَ ترويها النجومُ عـن الفَجرِ
وحدَّثنا عن خالِهـا مِسْكُ صدْغِها
حديثاً رواهُ اللَّيل عـن كـُلْفَة البدر
وركَّبَ منها الثَّغــرُ أفرادَ جُمْلةٍ
حكاها فَمُ الإبريق عن حَبَـبِ الخمر
ولي مدمعٌ في حُبِّها لو بكى الحَيا
به نبتَ الياقوت فــي صـدفِ الدُّرّ
لقد غصبت منهــا القرونُ ليالياً
من الدَّهر لولا طولُها قلتُ من عُمري
أما وسُيُـوفٍ للحُتُــوف بجفنها
تُجرَّدُ عــن غمدٍ وتُغْمَدُ فـي سحْر
وهُدْبٍ تسقَّـى نَبْلُه ســُمَّ كُحلها
فذبّ بشوك النَّحــل عن شَهْدَة الثَّغر
وصِمْنَةُ قُلـبٍ غصّ منها بمِعْصَمٍ
ووسواسُهُ الخنّـاس ينفثُ في صدري
وطوْقُ نُضــار يستسـرُّ هلاله
ُمع الفجر تحت الشَّمس في غسقِ الشِّعر
لفي القلب منّـِي لوعةٌ لــو تجنُّها
حشا المُزْن أمسـى قَطْرُها شررَ الجمْر

وهو من صنائع ملوك الحُوَيزة السيد علي خان وبنيه


( 32 )

وحسين باشا بن علي باشا ابن افراسياب ملك البصرة وذويه، وأكثر أشعاره في مدائحهم؛ إذ درّت عليه أخلاف منائحهم شُكراً لنعمتهم وجزاءً لها، واللُّها تفتح اللَّها(1).

* * *


____________
(1) اللها بضّم اللام : العطايا ، وهو جمع اللهوة بالضم : العطية . ( قاله ابن الأثير في النهاية ) . واللها بفتح اللام : اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم ويستخدم مجازا عن الفم .
قال عبد الجليل بن وهبون الشاعر الاندلسي ارتجالاً في مجلس أمير اشبيلية ، أبي القاسم محمد بن عباد المعتمد على الله من امراء المرابطين يذكر سبب مدح المتنبي سيف الدولة الحمداني :
لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما * تجيـد العطايا واللها تفتح اللها
تنبأ عجباً بالقريض ولو درى * بأنك تــروي شعــره لتألها