إهداء السيد كتاب المراجعات :
ثم إن السيد ـ رحمه الله ـ يهدي كتابه قائلا :
« وإني لأهدي كتابي هذا إلى أُولي الألباب ، من كل علامة محقق ، وبحّاثة مدقق ، لابس الحياة العلمية فمحص حقائقها ، ومن كل حافظ محدّث جهبذ حجة في السنن والآثار ، وكل فيلسوف متضلّع في علم الكلام ، وكل شابّ حي مثقف حر قد تحلل من القيود وتملص من الأغلال ، ممن نؤملهم للحياة الجديدة والحرة.
فإن تقبله كل هؤلاء واستشعروا منه فائدة في أنفسهم ، فإني على خير وسعادة ».

رجاء السيد من القراء :
وذكر السيد كتاب « المراجعات » في المورد الأول من كتاب « النص والاجتهاد » فقال :
« ومن أراد التفصيل فعليه بكتابنا ( المراجعات ) إذ استقصينا البحث ثمّة عن تلك النصوص ، وعن كلّ ما هو حولها مما يقوله الفريقان في هذا الموضوع ، تبادلنا ذلك مع شيخنا شيخ الإسلام ، ومربّي العلماء الأعلام ، الشيخ سليم البشري المالكي ، شيخ الجامع الأزهر يومئذ ، رحمه الله تعالى ، أيام كنا في خدمته ، وكان إذ ذاك شيخ الأزهر ، فعُني بي عنايته بحملة العلم عنه ، وجرت بيننا وبينه حول الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصوصها مناظرات ومراجعات خطّية ، بذلنا الوسع فيها إيغالاً في البحث والتمحيص ، وإمعاناً فيما يوجبه الإنصاف والاعتراف بالحق ، فكانت تلك المراجعات ـ بيمن نقيبة الشيخ ـ سِفراً من أنفع أسفار الحق ، يتجلى فيها الهدى بأجلى مظاهره ، والحمد لله على التوفيق.


( 18 )

وها هي تلك منتشرة في طول البلاد وعرضها ، تدعو إلى المناظرة بصدر شرحه الله للبحث ، وقلب واع لما يقوله الفريقان ، ورأي جميع ، ولب رصين ، فلا تفوتّنكم أيها الباحثون.
نعم ، لي رجاء أنيطه بكم فلا تخيّبوه ، أمعنوا في أهداف النبي صلىالله عليه وآله وسلم ومراميه في أقواله وأفعاله ، التي هي محل البحث بيننا وبين الجمهور ، ولا تغلبنّكم العاطفة على أفهامكم وعقولكم ، كالذين عاملوها معاملة المجمل أو المتشابه من القول ، لا يأبهون بشيء من صحتها ، ولا من صراحتها ، والله تعالى يقول : ( أنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون ) ( فأين تذهبون ) أيها المسلمون ( إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى ) » (1).

أقول :
لقد حقق أبناء الأمة الإسلامية رجاء السيد رحمه الله ، وتقبله الذين أهدى إليهم المراجعات بقبول حسن ، وأقبلوا عليها خير إقبال ، واستضاء بنورها الكثير منهم ، ورجعوا ببركتها إلى الأصل الديني المفروض عليهم.
وها هي ـ ولا تزال ـ منتشرة في طول البلاد وعرضها ، تدعو إلى المناظرة بصدر رحب شرحه الله للبحث ، كل طالب للحق ، باحث عن الحقيقة ، يريد الخير والصلاح والفلاح لنفسه وللأمة.
لكن « السنة » التي رسمها ابن تيمية في « منهاجه » لها أتباع في كل زمان ، تعلموا منه منطق السب والشتم والبهتان ـ وإن خالفوها في بعض الجهات ، وفي بعض الأحيان ـ (2) ولم نجد في كلامهم ـ هنا ـ كلمة تستحق الإصغاء والذكر ،
____________
(1) النص والاجتهاد ـ الطبعة الثانية ـ : 54.
(2) أعتقد أنه لو كان ابن تيمية في هذا العصر وانبرى للجواب عن « المراجعات » لأنكر قبل كل شيء سفر السيد إلى مصر ! وألتقائه بالشيخ هناك ! بل أنكر وجود السيد والشيخ في هذا العالم !
=


( 19 )

إلا كلمة واحدة ، وهي : ما هي الحوادث والكوارث التي حالت دون نشر المراجعات في حياة الشيخ ؟ لماذا لم يذكر السيد منها ولو واحدة ؟ وهذا سؤال وجيه ، ولكن ليتهم طرحوه بأدب ووقار...

قال قائل منهم :
يقول قائلهم مفتتحا ما كتبه بعد البسملة والحمدلة :
« وبعد ، يعتبر كتاب المراجعات من أهم كتب الرافضة التي عرض فيها مؤلّفه : عبد الحسين الموسوي ، مذهبه مذهب الرفض ، بصورة توهم الكثير من أهل السنة بصدق ما جاء فيها ، لا سيما أولئك الذين لم يسبق لهم معرفة عقيدة الرافضة وأصولهم ، وأساليبهم الخبيثة الماكرة ، والتي ترتكز على الأدلة الكاذبة الموضوعة ، والتلاعب بالأدلة الصحيحة ، سواء بالزيادة فيها أو الإنقاص منها ، أو بتحميلها من المعاني ما لا تحتمله ، كل هذا يفعلونه نصرة لمذهبهم ، وتأييداً لباطلهم. وهذا ما درج عليه الموسوي في كتابه ( المراجعات ).
ولما كانت هذه المراجعات لا أصل لها من الصحة ، بل هي محض كذب وافتراء ، ولما مر على ظهور هذا الكتاب قرابة الثلاثين عاما (1) ، ولم نجد أحدا من علماء السنة قد رد على هذه المراجعات المكذوبة جملة وتفصيلا.
ولما كان هذا الكتاب قد أثّر في بسطاء المسلمين وعامتهم ، جهلا منهم بعقيدة الرافضة وأصولهم المخالفة لأصول الإسلام الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة ، وظنا منهم بصدق هذه المراجعات ، غير مدركين تدليس وكذب صاحبها ، حيث أظهر موافقة شيخ الأزهر على كل ما عرضه من أدلّة مكذوبة ، وفي الوقت نفسه لم يجدوا من يكشف لهم كذب هذه المراجعات ، ويبيّن لهم
____________
=
ووجود مصر على وجه الأرض !
(1) المراجعات طبعت عام 1355 هـ ، فقد مر على ظهورها حتى تاريخ ما كتبه هذا الرجل ـ وهو سنة 1406 هـ ـ قرابة الخمسين عاماً.

( 20 )

ما اشتملت عليه من زيغ وضلال.
ولما كان تحذير المسلمين من عدوهم ، وفضح كل الطوائف والفرق الخارجة على الإسلام أمرا واجبا على كل داعية ، بل هو من أعظم القربات إلى الله حتى يميزوا الخبيث من الطيب ، ويبيّنوا سبيل المجرمين.
لهذا كله نرى أنفسنا مضطرين للرد على كتاب المراجعات ، سائلين الله أن يجعل هذا خالصاً لوجهه ، ودفاعا عن أوليائه ، ونصرة لدينه ، وغيرة على سنة نبيه ».

أقول :
أولا : أننا عندما ننقل هذه العبارات نرجو المعذرة من كل مسلم غيور متأدب بآداب الإسلام ، بل من كل إنسان متخلق بالأخلاق الفاضلة ، وخاصة من سيدنا « شرف الدين » قدس الله نفسه ، فإننا إنما أوردناها :
1 ـ ليتضح أن الذين يعادون الشيعة والتشيع إنما يعادون المسلمين والإسلام ، ولا يفرقون في الطعن بين أهل السنة وبين الشيعة ، وذلك لأن هذا الأسلوب من الكلام يشوّه سمعة الدين والإسلام ، لدى أبناء الأديان الأخرى إذ يتوهمون أن هذا هو الخلق الإسلامي المحمدي ، وأن المسلمين ـ سواء الشيعة أو السنة ـ بمعزل عن الآداب الإنسانية والأخلاق الفاضلة.
على أنه ـ في نفس الوقت الذي يتهجم فيه على الشيعة ـ يطعن في علماء مذهبه ، وينسبهم إلى التهاون في أمر الدين والدفاع عن أولياء الله وسنة الرسول ، إذ لم يردوا على هذا الكتاب الذي أثر في بسطاء المسلمين وعامتهم ـ على حد تعبيره ـ ولم يكشفوا لهم كذب هذه المراجعات ! كما قال...
فهؤلاء ـ في الواقع ـ أناس يريدون الوقيعة بين المسلمين ، وإيجاد التباغض بينهم ، وضرب بعضهم ببعض ، حتى يكون الأعداء في راحة ... فكونوا على حذر من هؤلاء ، وانتبهوا أيها المسلمون !!


( 21 )

2 ـ للاستشهاد على ما ذكرنا من قبل ، من أن في الناس من لا يروقه قول الحق وبيان الحقيقة ، وحين لا يمكنه الردّ المتين المستند إلى العقل والدين ، يتفوّه بهذه الكلمات ، اقتداء بشيخ إسلامه ابن تيمية المشحون منهاجه بالأباطيل والافتراءات.
3 ـ للعلم بأن فيمن ينسب نفسه إلى السنة المحمدية ، ويزعم كونه « داعية » إليها « مدافعا » عنها « غيورا » عليها... أناسا غير متصفين بأدنى شيء من آدابها ، وليقارن بين كتابات هؤلاء وبين كتابات الشيعة.
4 ـ للتنبيه على أن من يفتتح ما كتبه بالتكفير والشتم والتضليل وغير ذلك لطائفة من المسلمين ... لا يستبعد منه الكذب والخيانة والتدليس في اثناء ما كتبه وخلال البحوث.
5 ـ ولأنا سوف نعرض عن التعرض بشيء لأمثال هذه العبارات ـ وما أكثرها ـ في الكتاب.
وثانياً : إن السيد من كبار فقهاء الأمة الاسلامية ، ومن أعاظم علماء الطائفة الشيعية ، وكتابه « المراجعات » من المصادر المعتبرة لدى المسلمين حتى أن بعض علماء السنة المحققين ينقلون عنه ويعتمدون عليه ، قال العلامة الشيخ محمود أبو ريّة ـ من كبار علماء الأزهر المشاهير المحققين ـ في كلام له حول بعض الروايات : « وإذا أردت الوقوف على هذه الروايات فارجع إلى كتاب المراجعات التي جرت بين العلامة شرف الدين الموسوي ـ رحمه الله ـ وبين الأستاذ الكبير الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر سابقاً » (1).
وقد وصف الأستاذ عمر رضا كحالة السيد ومؤلفه بقوله :
« عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي. عالم فقيه مجتهد. ولد بالمشهد الكاظمي مستهلّ جمادى الآخرة ، وأخذ عن طائفة من علماء العراق ،
____________
(1) أضواء على السنة المحمدية : 404.
( 22 )

وقدم لبنان ، ورحل إلى الحجاز ومصر ودمشق وإيران ، وعاد إلى لبنان ، فكان مرجع الطائفة الشيعية ، وأسس الكلية الجعفرية بصور ، وتوفي ببيروت في 8 جمادى الآخرة سنة 1377 ، ونقل جثمانه إلى العراق فدفن بالنجف.
من آثاره : المراجعات ، وهي اسئلة وجّهها سليم البشري إلى المترجم فأجاب عنها. أبو هريرة. الشيعة والمنار. إلى المجمع العلمي العربي بدمشق. والفصول المهمة في تأليف الأمة » (1).
وثالثا : قد اعترف هذا القائل في كلامه بأن أحدا من أهل السنة لم يرد على المراجعات ، فلماذا لم يردّوا ؟! أما كانوا يرون وجوب « تحذير المسلمين من عدوهم » على كل « داعية » ؟! أو لم يكونوا دعاة كما كان هذا القائل ؟!
ورابعا : قد اعترف هذا القائل في كلامه بأن هذا الكتاب قد أثّر في المسلمين ، لكن قال : في بسطاء المسلمين وعامّتهم !
وقال آخر : « وفي عصرنا أيضا نجد كتابا يسعى جادا للدخول إلى كل بيت (2). رأيت طبعته العشرين في عام 1402 ، ويوزّع على سبيل الهديّة في الغالب الأعم ، واسم الكتاب المراجعات. ذكر مؤلفه شرف الدين هذا الحديث بالمتن الذي بيّنا ضعف أسانيده (3) وقال : بأنه حديث متواتر. ثم نسب للشيخ سليم البشري رحمه الله ، شيخ الأزهر والمالكية أنه تلقى هذا القول بالقبول وأنه طلب المزيد... » (4).
____________
(1) معجم المؤلفين 5 | 87.
(2) بل أن أبناء « البيوت » يقبلون عليه ويسعون وراء الحصول عليه وجلبه إلى البيوت. ولا يخفى ما تدلّ عليه كلمة أبناء « البيوت » من معنى ، منطوقا ومفهوما !
(3) يعني : حديث الثقلين.. وقد بيّنا في رده صحة قول السيد وغيره بتواتره ، فراجع كتابنا : « حديث الثقلين : تواتره.. فقهه » كما سنبين ذلك هنا باختصار حين يأتي التعرض له إن شاء الله ، وقد بلغني وقوف الدكتور على الكتاب المذكور ، ولكن لم يصلني حتى الآن أي اعتراض عليه ، لا منه ولا من غيره.
حديث الثقلين وفقهه ـ للدكتور علي أحمد السالوس ـ : 28.

( 23 )

وقال في كُتيّب أسماه : « عقيدة الإمامة عند الشيعة الإمامية.. دراسة في ضوء الكتاب والسنة. هل كان شيخ الأزهر البشري شيعياً ؟! » (1).
قال في مقدمته : « وقبل أن أختم البحث رأيت أن أشير إلى الفرية الكبرى التي جاء بها الكاتب الشيعي شرف الدين الموسوي في كتابه « المراجعات » وأن أنبّه إلى براءة الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر مما نسبه إليه هذا المؤلف ».
ثم قال في الصفحة 170 : « مما رزئنا به في عصرنا كتاب يسعى جادّاً للدخول إلى كل بيت ، رأيت طبعته العشرين في عام 1402... ».
وقال في الخاتمة : « ومن أكبر هذه المفتريات الكتاب المسمى ( المراجعات ) الذي لم يكتف مؤلفه بجعل الأحاديث الموضوعة المكذوبة أحاديث ثابتة متواترة ، بل نسب لشيخ الأزهر الشيخ سليم البشري رحمه الله أنه سلم بهذا وأيده. بل سلم بعقيدة الشيعة الجعفرية ، ورأى أنّ اتّباع المذهب الشيعي الجعفري أولى بالاتّباع من أيّ مذهب من المذاهب الأربعة ».
وقال ثالث : « وأما كتاب المراجعات فقد استحوذ على اهتمام دعاة التشيع ، وجعلوه أكبر وسائلهم التي يخدعون بها الناس. أو بعبارة أدقّ : يخدعون به أتباعهم وشيعتهم ، لأن أهل السنة لا يعلمون عن هذا الكتاب
____________
(1) إسم ضخم ! ولكنه في 180 صفحة من القطع الصغير ! وقد جعل عليه عنوان « هل كان شيخ الأزهر البشري شيعيا ؟ » ليوهم أنه سيحقق عن هذا الموضوع ، ولكن عندما تراجعه لا تجد إلا الاستبعاد ! إلا أن تشيع شيخ الأزهر دليل على تحقيقه وإنصافه ، وهكذا يكون حال كل مسلم إن حقّق وأنصف ! كما دعا إلى ذلك السيّد شرف الدين في كل ما حقق وصنّف ! بخلاف حضرة الدكتور وأمثاله ، المدافعين عن بني أمية اقتداء بابن تيمية ! ولسان حالهم ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) والذي يؤكد ما ذكرنا في خصوص الدكتور السالوس أنه يحاول إيجاد ضجة على الشيعة وأهل السنة المحققين المنصفين ـ من علماء الأزهر وغيرهم ـ الدعاة إلى التقريب بين المسلمين ، وذلك بإصدار كراريس ، أحدها في آية التطهير ، والآخر في حديث الثقلين ، وثالث في عقيدة الإمامة عند الشيعة... والحال أن كلا منها فصل من فصول كتابه الكبير الذي أسماه بـ : « أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله » فلاحظ وتأمل !
( 24 )

ولا غيره من عشرات الكتب التي تخرجها مطابع الروافض ، اللهم إلا من له عناية واهتمام خاص بمذهب الشيعة. وقد طبع هذا الكتاب أكثر من مائة مرة ، كما زعم ذلك بعض الروافض. والكتاب في زعم مؤلّفه واقعة من وقائع التقارب بين أهل السنة والشيعة ، وهو عبارة عن مراسلات بين شيخ الأزهر سليم البشري ، وبين عبد الحسين هذا ، انتهت بإقرار شيخ الأزهر بصحة مذهب الروافض وبطلان مذهب أهل السنة.
والكتاب ـ لا شك ـ موضوع مكذوب على شيخ الأزهر ، وبراهين الكذب والوضع له كثيرة نعرض لبعض منها ، وقبل ذلك نشير إلى أن الروافض من دأبهم وضع بعض المؤلفات ونسبتها لبعض مشاهير أهل السنة ، كما وضعوا كتاب « سر العالمين » ونسبوه إلى حجة الإسلام محمد الغزالي.
أما مظاهر وأمارات الكذب والوضع في هذا الكتاب فمنها :
أولا : الكتاب عبارة عن مراسلات خطية بين شيخ الأزهر سليم البشري وبين هذا الرافضي ، ومع ذلك جاء نشر الكتاب من جهة الرافضي وحده ، ولم يصدر عن البشري أيّ شيء يثبت ذلك.
وثانياً : أن هذا الكتاب لم ينشره واضعه إلا بعد عشرين سنة من وفاة البشري ، فالبشري توفّي سنة 1335 ، وأول طبعة لكتاب « المراجعات » هي سنة 1355 في صيدا.
وثالثا : أن أسلوب هذه الرسائل واحد هو أسلوب الرافضي ، ولا تحمل رسالة واحدة أسلوب البشري.
ورابعا : أما نصوص الكتاب فتحمل في طيّاتها الكثير والكثير من أمارات الوضع والكذب.
والحقيقة المفجعة : أن هذا الافتراء يطبع عشرات المرات باسم


( 25 )

التقريب ، ولا أحد من أهل السنة ينتبه بهذا الأمر الخطير » (1).

أقول :
أولا : إن كتاب « سر العالمين وكشف ما في الدارين » لأبي حامد محمد الغزالي ، صاحب إحياء العلوم. وقد نسبه ـ فيمن نسبه ـ إليه كبير الحفاظ والمؤرخين المعتمدين من أهل السنة ، ألا وهو شمس الدين الذهبي ـ المتوفى سنة 748 هـ ـ في كتابه المعروف « ميزان الاعتدال » واعتمد عليه ونقل منه ، فلاحظ الكتاب المذكور (2).
وعلى هذا الأساس نسبته الشيعة إليه ، فلماذا الافتراء ؟! ولماذا الانكار من هؤلاء الطلبة الأصاغر المتأخرين لما يقر به أكابر أئمتهم المعتمدين ؟!
وثانياً : إن هذا الذي يعترف به ـ متفجعا ـ من أقوى أدلة صحة المراجعات ، واعتبار ما تحتويه من استدلالات ، وإلا فعلماء قومه مقصرون أمام الله والرسول ومشايخ الصحابة المقتدى بهم في مذهبهم ! رغم طبعها عشرات المرات كما ذكره ، ورغم أنها تدعو إلى المناظرة بصدر رحب... كما ذكر السيد رحمه الله.
____________
(1) مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة 2 | 213 ـ 217 للدكتور ناصر بن عبد الله الغفاري ، وهو رسالة لنيل درجة الماجستير ، أجيزت بتقدير ممتاز ! نشر : دار طيبة في الرياض سنة 1413 هـ في جزءين كبيرين.
(2) ميزان الاعتدال ، ترجمة الحسن بن الصباح 1 | 500.
وممن نسب الكتاب إلى الغزالي : الحافظ الواعظ سبط ابن الجوزي الحنفي ـ المتوفى سنة 581 هـ ـ صاحب التاريخ الشهير « مرآة الزمان » وغيره من المصنفات ، وله : « تذكرة خواص الأمة » الذي أورد فيه بعض ما يتعلق بأئمة أهل البيت عليهم السلام ، بأسانيده إلى النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، ولأجله رموه بالترفّض مع الثناء عليه ووصفه بالحفظ والفقه كما لا يخفى على من لاحظ ترجمته في « الجواهر المضية في طبقات الحنفية » و« الفوائد البهية في طبقات الحنفية » وغيرهما.

( 26 )

وثالثاً : ما ذكره بعنوان « وبعبارة أدق... » يكذبه قول زميله القائل : « قد أثّر في بسطاء المسلمين وعامتهم » وقول الآخر : « يسعى جادّا للدخول إلى كل بيت... » على حد تعبيرهما.
ورابعا : المراجعات ليست موضوعة ، كما مر وسيأتي.
وخامسا : إن الأمارات التي ذكرها ، تعود الثلاثة الأولى منها إلى مطلب واحد سنجيب عنه في الجواب عن السؤال عن الكوارث التي منعت طبع الكتاب وضيعت نسخته. والرابعة يظهر بطلانها من خلال ما سنوضحه حول نصوص الكتاب.

السبب في تأخير طبع الكتاب :
ثم إنه قد اعترض على كلام السيد في المقدمة بأنه :
« ماذا يعني الموسوي بالحوادث والكوارث التي أخّرت طبع هذه المراجعات أكثر من ربع قرن من الزمن ؟ إنه سؤال لا جواب عليه ، لأن الموسوي لم يقدّم لنا حادثة أو كارثة واحدة من هذه الحوادث والكوارث ، وإذا عدنا إلى كتب التاريخ التي أرّخت لهذه الحقبة من الزمن التي تمت فيها هذه المراجعات المزعومة نقلب صغحاتها فلا نجد فيها ما يمنع من نشرها ».

أقول :
وهذا جهل أو تجاهل. لقد أشرنا من قبل إلى أن السيد ـ رحمه الله ـ كان في طليعة الشخصيات الإسلامية التي قاومت الاحتلال الفرنسي للبنان ، فقد قاد شعبه في مواجهة الاحتلال ، واستخدم كافّة الأساليب لها ، ووقف بصرامة يطالب خروج الفرنسيين من بلاده ، ويدعو إلى الوحدة السوريّة المستقلّة ، فأوعز المحتلون إلى عملائهم بالتخلص من هذا القائد ، واستغلو عميلا عربيا يدعى : ( ابن الحلاج جبران ) من أهالي مدينة صور ، واقتحموا دار السيد ،


( 27 )

وشهر العميل مسدسه في وجه السيد ، فركله برجله فوقع على ظهره وسقط المسدس من يده ، وتعالت الأصوات وصيحات النساء ، ففر الفرنسيّون من الدار ، ونوافدت الجموع إليها من كل جانب تشتاط غضبا فأمرهم السيد القائد بالهدوء.
قال رحمه الله في كلام له :
« وكان من ذلك أن عزم الفرنسيون ، وعزمت ذيولهم ، أن يتخلصوا مني عن طريق الاغتيال ، لتنهار هذه الجبهة إذا خلوت من الميدان ، وفي ضحى يوم الثلاثاء 12 ربيع الثاني سنة 1337 هـ ، الموافق 14 كانون الثاني سنة 1919 م ، والدار خالية من الرجال ، أقبل فتى من رجال الأمن العام الذين أملى لهم الفرنسيون أن يشتطوا على المسلمين والأحرار من أهل الدين ، وأقبل معه رجلان من الجند الفرنسي ، وكانوا جميعا مسلحين ، فاقتحموا الباب ، ثم أحكموا أرتاجها ، ودنا الفتى العربي ابن الحلاج شاهرا مسدسه ، وهو يطلب أن أعطيه التفويض الذي كنا أخذناه من وجوه البلاد وثائق تخوّل الملك فيصل أن يتكلم باسمنا في عصبة الأمم.
وحين أصبح على خطوة منّي ركلته برجلي ركلة ألقته على ظهره فسقط المسدس من يده ، وأتبعتُ الركلة بضربات عنيفة بالحذاء على رأسه ووجهه ، وعلت صيحة نسائنا في الدار ، فملئت الطريق خلف الباب ، فإذا الرهبة تتولى هزيمة الجنديين وصاحبهما مخفقين ، وقد كادت الأيدي والأرجل أن تقضي عليهم.... » (1).
ثم إن السيد دعا إلى مؤتمر للتحاور مع رجالات السياسة والفكر ، لاتّخاذ القرارات المناسبة للاستمرار بالمواجهة والسيطرة على الموقف حتى الوصول إلى الهدف ، فعقد المؤتمر في منطقة ( الحجير ) ومثّل المؤتمرين في وفد إلى
____________
(1) بغية الراغبين 2 | 150.
( 28 )

سوريا للاجتماع مع الملك فيصل ، حتى إذا رجع وثب الفرنسيون بجيش جرار إلى جبل عامل توجه نحو قرية ( شحور ) لإلقاء القبض على السيد وقتله ، ...
قال رحمه الله :
« ومهما يكن فقد كان نصيبنا من هذه الجيوش حملة جرارة قدّرت بألف فارس مجهزين بالمدافع الثقيلة والدبابات والمدرعات ، زحفت بقيادة الكولونيل ( دنجير ) إلى ( شحور ) وما كاد الفجر يتضوأ بأضوائه الندية حتى كانت المدافع الثقيلة منصوبة على جبلي ( الطور ) و( سلطان ) المشرفين على القرية ، وهبط الجيش يتدفق بين كروم التين ، ويلتف حول القرية ، في رهبة أوحشت سكينة الفجر المستيقظ لذكر الله تعالى في مستهل شهر رمضان المبارك سنة 1338 ، وكنت أهوم بعد صلاة الفجر بنعاس بعد تعب السفر وتعب السهر ، وكانت وصيفتنا « السعيدة » تتهيأ لصلاتها ، فأشرفت على مدخل القرية ـ وهي تتبين الصبح ـ فراعها أن ترى أن آذان الخيل تنتشر بين أشجار التين في مثل هذا البكور ، فأجلفت مذعورة ، ورجعت توقظني من نومي.
نهضت مسرعا إلى أرديتي ، وانسللت أتخطى الازقّة والمضايق ، ثم خرجت من بين العسكر وهم لي منكرون ، وتركتهم يتظننون ، وانسحبت أهبط الوادي إلى غار على شاطئ الليطاني ، كان لجأ إليه جدنا السيد صالح في محنة الجزّار.
أما الجند فطفق يسأل عني ، واستوقف الصغار من أفراخي مع عمهم السيد محمد وخالهم السيد حسن ، حتى يستنطقهم والسيف مصلت فوق رؤوسهم ، ولكنهم أجمعوا على أني في دمشق ، ولما استيأسوا من العثور عليَّ تفرقوا في القرية يأكلون ويشربون ويحطمون ، ولم يغادروا ( شحورا ) قبل أن يحرقوا الدار... فحكم عليّ بالنفي المؤبد مع مصادرة ما أملك. وقد احتلوا دارنا في صور بعد أن صيح نهبا في حجراتها ، فعظمت المصيبة وجلت الرزية بنهب المكتبة الحافلة بكتبها القيمة ، وفيها من نفائس الكتب المخطوطة


( 29 )

ما لا يكاد يوجد في غيرها. وكان لي فيها كتب استفرغت في تأليفها زهرة حياتي وأشرف أوقاتي ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون » (1).
ثمّ إنّه شُرِّد به ـ طاب ثراه ـ مع أهل وذويه إلى دمشق ، فبقي بها مدة وانتقل منها إلى فلسطين ، ومنها إلى مصر ، وهو في جميع هذه الأحوال متنكر وراء كوفية وعقال على نسق المألوف من الملابس الصحراوية اليوم ، حتى إذا قصد الهجرة إلى العراق أرسل إليه بأمان وطلب منه العودة إلى وطنه ، وكانت العودة يوم الجمعة 18 شوال سنة 1339 هـ.
والخلاصة : إنه لما يئست قوات الاحتلال من القبض عليه ، عادت فسلطت النار على داره في ( شحور ) فتركتها هشيما تذروه الرياح ، ثم احتلت داره الكبرى الواقعة في ( صور ) بعد أن أباحتها للأيدي الاثيمة تعيث فيها سلبا ونهبا ، حتى لم تترك فيها غاليا ولا رخيصا ، وكان أوجع ما في هذه النكبة تحريقهم مكتبته العامرة بكل ما فيها من نفائس الكتب وأعلاقها ، ومنها مؤلفاته الكثيرة القيمة التي كانت خطية في ذلك الوقت ، والمكاتيب والمراجعات.
فهذا موجز تلك الحوادث والكوارث ، كما في مقدمة « المراجعات » وغيرها من المؤلفات ، وفي كتاب « الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين مصلحا ومفكرا وأديبا ) وغيره مما كتب بترجمة السيد ، وإن شئت التفصيل فراجع ( البغية ) بقلمه الشريف ، فقد ذكر فيها جميع تلك الكوارث والحوادث بما لها من خصوصيات وجزئيات... واليها أشار ـ رحمه الله ـ في مقدمة « المراجعات » ثم صرّح بأن الصحف التي ينشرها الآن كلها بلفظه وخطه...
لكن البعض لا يصدقون السيد ـ الصادق المصدق ـ فيما يقول أو لا يرون ما لاقاه وقاساه ـ مع شعبه ـ كوارث ! أو يريدون إنكار تلك الجهود ، أو استنكار ذلك الجهاد ضد الاستعمار ! فيذكرون للتأخير سببا من عندهم ، بوحي من
____________
(1) بغية الراغبين 2 | 163.
( 30 )

ظنونهم السيئة الفاسدة ، وأغراضهم الباطلة الكاسدة ، فيقول قائل منهم :
« والذي دفع الموسوي إلى تأخير نشر وطباعة ( المراجعات ) إنما هو حاجة في نفسه ، إذ أن الفترة التي كانت فيها المراجعات ، والتي اعتبرها فترة غير ملائمة لمثل هذا الأمر ، إنما تعني أواخر الخلافة العثمانية التي مهما قيل فيها فإنها تظل خلافة تدين بالإسلام وتدفع عنه أعداءه وخصومه ، وتناهض كلّ الفرق الضالّة التي اتّخذت من الإسلام ستاراً لضرب الإسلام والكيد للمسلمين كالرافضة وغيرهم ، والموسوي خشي على نفسه من نشر هذه المراجعات في ظل هذه الخلافة ، لما فيها من مخالفة للكتاب والسنة وعقيدة الامة ، الأمر الذي قد لا تسمح الخلافة العثمانية بنشره ، لذا فإنه كان ينتظر فرصة مناسبة ومؤاتية لنشر هذه الأباطيل...
والأمر الثاني الذي دفعه إلى تأخير نشر مراجعاته : أنها مراجعات لا أصل لها ، فلا بد له من تأخيرها ، إذ لو نشرها في الوقت الذي تمت فيه هذه المراجعات لتصدى إلى تكذيبه العديد من العلماء ، لا سيّما شيخ الأزهر الذي كذب عليه وقوّله ما لم يقل ، فلما مات شيخ الأزهر ومات بعض أقرانه ، ونسي الأحياء منهم أمر هذه المراجعات ، وما كان فيها من وقائع وتفصيلات ، ولما اطمأن الموسوي لهذا كله سارع عندئذ لنشر أباطيله ».

أقول :
لقد ذكر أمرين هما السبب ـ بزعمه ـ في تأخير نشر « المراجعات » :
أما الأول : فلا ينفوّه به عاقل ، إذ الخلافة العثمانية كانت في تلك الأيام على وشك الانهيار والاضمحلال ، ولم تعد قادرة على حفظ كيانها ، على أنه كان بالإمكان طبع الكتاب ـ لولا الحوادث والكوارث ـ في غير بلاد الخلافة العثمانية...
وعلى الجملة ، فهذا الأمر مما لا يصغى إليه ، وتضحك الثكلى به ،


( 31 )

ولعله لذا لم نجده عند غير هذا المتقول.
وأما الأمر الثاني : فقد أشار إليه غيره أيضا ، وهو مردود بما ذكرناه في بيان واقع الحال.
على أنا نسأل هؤلاء عن السبب للحقيقة المفجعة ، وهي عدم رد أحد من علماء السنة على هذه المراجعات ، لا سيما ممن نشأ في ظل الخلافة العثمانية التي كانت تناهض كل الفرق الضالة على حد زعمه ؟!
وعن السبب لنشر مثل هذه التشكيكات والتكذيبات ، في مثل هذه الظروف وبعد نحو الخمسين عاما على طبع المراجعات ؟!
وعن السبب في تأخير طبع رد أحدهم على كتاب « أبو هريرة » مدة 18 سنة ، أي بعد وفاة السيّد بسنين (1) ؟! ثم تبعه غيره ، يأخذ اللاحق من السابق ، فيكررون المكرر (2).

السبيل لتوحيد المسلمين :
وهنا يقول القائل : « إن ما يسعى إليه الموسوي إنما هو ضرب من المستحيل ، إذ أنه ، لو افترضنا الصدق فيها ، فهي محاولة للتوفيق بين الحق والباطل وبين الإسلام والكفر !
إن السبيل الوحيد لتوحيد المسلمين ولمّ شتاتهم ، وإزالة الفرقة بينهم إنما يكون بالعودة إلى الكتاب والسنة ، وفهم السلف الصالح لهما ، كما أوضح ذلك الحق سبحانه وتعالى حيث قال : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) وكما أوضح النبي
____________
(1) كتاب : أبو هريرة راوية الإسلام ، لمحمد عجاج الخطيب ، ألّفه ردا على كتاب : « أبو هريرة » للسيد شرف الدين ، فرد عليه الشيخ عبد الله السبيتي بكتاب : « أبو هريرة في التيّار ».
(2) لاحظ : دفاع عن أبي هريرة ، لعبد المنعم صالح العلي ، ثم : أبو هريرة وأقلام الحاقدين ، لعبد الرحمن عبدالله الزرعي ، وهكذا...

( 32 )

صلى الله عليه [ وآله ] وسلم حيث قال : تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وسنتي. ( أخرجه الإمام مالك والترمذي وأحمد ). فهل يستجيب الرافضة لله ورسوله ؟ هيهات هيهات ».
ويقول آخر : « مفهوم التقريب عند هذا الموسوي هو أخذ المسلمين بعقيدة الروافض ، وهو في سبيل ذلك يضع وقائع وهمية وحوادث لا حقيقة لها ، ويزعم أنها وقائع تقارب بين السنة والشيعة لتصفية الخلاف ، ولكن لم يكن لهذه المؤامرات من أثر إلا عند طائفته » (1).

أقول :
إن مفهوم التقريب لدى السيد وطائفته هو التعريف بالشيعة ، وبيان عقيدتها في مسألة الإمامة ـ التي هي أعظم خلاف بين الأمة ـ وذكر شواهدها وأدلتها في كتب السنة ، والبحث والتحقيق حولها عن طريق الجدل الحق ، ثم الأخذ بما اتفق الكل على روايته ونقله في الكتب المشهورة بين المسلمين ، وعلى هذا الأساس استند السيد في « المراجعات » وغيرها من كتبه إلى ما جاء في كتب السنة من الأحاديث من طرفهم ، ومن هذا المنطلق يمكن التوفيق بين الطائفتين ، ... ولا استحالة... وبذلك يكون قد تحقق ما أمر سبحانه وتعالى بقوله : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول... ) وإلا فإن كل طائفة ترى الحق فيما ترويه وتعتقده ، وتحكم ببطلانه ما تذهب إليه الطائفة الأخرى.
فالمراد من « الرد إلى الرسول » في الآية الكريمة ، ومن « السنة » في الأحاديث الآمرة بالرجوع إليها هو : الأخذ بما ثبت صدوره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ما أتفق الكلّ على روايته بأسانيدهم.
وأما خصوص : « تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله
____________
(1) مسألة التقريب 2 | 217.
( 33 )

وسنتي » فعزوه إلى أحمد والترمذي كذب ، إذ ليس هو من أحاديث مسند أحمد وصحيح الترمذي قطعا.

موجز الكلام على حديث كتاب الله وسنتي :
بل لا يوجد في شيء من الصحاح والمسانيد اصلا ، نعم يوجد في ( الموطأ ) و( المستدرك ) وبعض كتب المتأخرين ، ونحن نكتفي بالبحث عن سنده في الكتابين المذكورين ، لأنهما عمدة الرواة له.
* أما ( الموطأ ) فقد جاء فيه ما نصه : « وحدّثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما ، كتاب الله وسنة نبيه » (1).
وهو ـ كما ترى ـ لا سند له ، فقال السيوطي بشرحه : « وصله ابن عبدالبر من حديث كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده » (2).
لكن يكفينا النظر في حال « كثير بن عبدالله » المذكور. قال ابن حجر (3) :
قال أبو طالب عن أحمد : منكر الحديث ، ليس بشيء.
وقال عبد الله بن أحمد : ضرب أبي على حديث كثير بن عبد الله في المسند ولم يحدثنا عنه.
وقال أبو خيثمة : قال لي أحمد : لا تحدث عنه شيئا.
____________
(1) الموطأ 2 | 899 حديث 3.
(2) تنوير الحوالك في شرح الموطأ مالك 3 | 93.
(3) تهذيب التهذيب 8 | 377.

( 34 )

وقال الدوري عن ابن معين : لجده صحبة ، وهو ضعيف الحديث. وقال مرة : ليس بشيء.
وكذا قال الدرامي عنه.
وقال الآجري : سئل أبو داود عنه فقال : أحد الكذابين.
وقال ابن ابي حاتم : سألت أبا زرعة عنه فقال : واهي الحديث.
وقال أبو حاتم : ليس بالمتين.
وقال النسائي : ليس بثقة.
وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
وقال أبو نعيم : ضعفه علي بن المديني.
وقال ابن سعد : كان قليل الحديث ، يستضعف.
وقال ابن حجر : ضعفه الساجي.
وقال ابن عبد البر : ضعيف ، بل ذكر أنه مجمع على ضعفه.
هذا ، والحديث عن أبيه عن جده ، وقد قال ابن حبان :
روى عن أبيه عن جده ، وقد قال ابن حبان :
روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية إلا على وجه التّعجب.
وقال ابن السكن : يروي عن أبيه عن جدّه أحاديث فيها نظر.
وقال الحاكم : حدث عن أبيه عن جده نسخة فيها مناكير.
* وأما ( المستدرك ) فقد أخرجه من طريق ابن أبي أويس عن عكرمة عن ابن عباس ، ثم قال : « وقد وجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة » فأخرجه عنه من طريق صالح بن موسى الطلحي (1).
لكن يكفينا النظر في حال « إسماعيل بن أبي أويس » و« صالح بن
____________
(1) المستدرك على الصحيحين 1 | 93.
( 35 )

موسى الطلحي الكوفي ».
أما الأول ، فهذه كلماتهم فيه (1) :
قال معاوية بن صالح عن ابن معين : هو وأبوه ضعيفان.
وعنه أيضا : ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث.
وعنه : مخلّط ، يكذب ، ليس بشيء.
وقال النسائي : ضعيف.
وقال في موضع آخر : غير ثقة.
وقال اللالكائي : بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدي إلى تركه ، ولعله بأن له ما لم يبن لغيره ، لان كلام هؤلاء كلهم يؤول إلى أنه ضعيف.
وقال ابن عدي : روى عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد.
وقال الدولابي في الضعفاء : سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول : ابن أبي أويس كذاب.
وقا العقيلي في الضعفاء : ثنا أسامة الزفاف ـ بصري ـ سمعت يحيى ابن معين يقول : ابن أبي أويس لا يسوى فلسين.
وقا الدارقطني : لا أختاره في الصحيح.
وقال ابن حزم في المحلى قال أبو الفتح الأزدي : حدثني سيف بن محمد : أن أبي أويس كان يضع الحديث.
قال سلمة بن شبيب : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة اذا اختلفوا في شيء فيما بينهم.
وأما الثاني ، فهذه كلماتهم فيه (2) :
____________
(1) تهذيب التهذيب 1 | 271.
(2) تهذيب التهذيب 4 | 354.

( 36 )

قال ابن معين : ليس بشيء.
وقال أيضا : صالح وإسحاق ابنا موسى ليسا بشيء ولا يكتب حديثهما.
وقال هاشم بن مرثد عن ابن معين : ليس بثقة.
وقال الجوزجاني : ضعيف الحديث على حسنه.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : ضعيف الحديث جدا ، كثير المناكير عن الثقات. قلت : يكتب حديثه ؟ قال : ليس يعجبني حديثه.
وقال البخاري : منكر الحديث عن سهل بن أبي صالح.
وقال النسائي : لا يكتب حديثه ، ضعيف.
وقال في موضع آخر : متروك الحديث.
وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد ، وهو عندي ممن لا يتعمد الكذب ، وليس يشبّه عليه ويخطئ ، وأكثر ما يرويه عن جده من الفضائل ما لا يتابعه عليه أحد.
وقال الترمذي : تكلم فيه بعض أهل العلم.
وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عنه فقال : ما أدري ، كأنه لم يرضه.
وقال العقيلي : لا يتابع على شيء من حديثه.
وقال ابن حبان : كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، حتى يشهد المستمع لها أنها معمولة أو مقلوبة ، لا يجوز الاحتجاج به.
وقال أبو نعيم : متروك ، يروي المناكير.
أقول :
هذه أسانيده في أهم الكتب المخرجة له ، وقد عرفت حالها. فظهر أنه ليس بحديث صادر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... فلا


( 37 )

يجوز الاحتجاج به فضلا عن ان يقابل به مثل حديث الثقلين « الكتاب والعترة أهل البيت » وغيره من الاحاديث القطعية.
هذا ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى رسالتنا فيه (1).
والخلاصة. أن السيد يدعو إلى الوئام بين المسلمين عن طريق البحث الصحيح والجدل الحق ، في الحديث والسيرة والتاريخ وغير ذلك ، لا عن طريق تناسي الماضي ، لأن هذا لو أفاد في برهة من الزمن فلا يكاد يجدي على المدى البعيد ، ولا يعطي النتيجة المطلوبة ، بل إن معنى ذلك بقاء الانطباعات عن القضايا في النفوس والأذهان ، وهذا ما يؤدي ـ بطبيعة الحال ـ إلى مضاعفات لا تكاد تقبل العلاج من أي طرف كان.
وقد عرفت السيد إلى من أهدى كتابه ! وأي شيء ترجى منه !
هذا تمام الكلام حول المكابرات ، المتعلقة بمقدمة المراجعات.

***

____________
(1) مجلّة ( تراثنا ) العدد 29 ، شوّال 1412 هـ ، ص 171 ـ 187 .