أقول :
جاء هذا في كتاب « فضائل الصحابة » وهذا نصه :
« فيما كتب إلينا محمد بن عبيدالله بن سليمان يذكر أن موسى بن زياد حدثهم ، قال : ثنا يحيى بن يعلى ، عن بسام الصيرفي ، عن الحسن بن عمر الفقيمي. عن رشيد بن أبي راشد ، عن حبة ـ وهو العرني ـ ، عن علي ، قال :
نحن النجباء ، وأفراطنا أفراط الأنبياء ، وحزبنا حزب الله ، حزب الفئة الباغية حزب الشيطان ، ومن سوّى بيننا وبين عدونا فليس منا » (1).
وأخرجه الحافظ ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام ، قال :
« أخبرنا أبو القاسم السمرقندي ، أنبأنا أبو الحسين ابن النقور ، أنبأنا أبو طاهر المخلّص ، أنبأنا أحمد بن عبد الله بن يوسف ، أنبأنا عمر بن شبة ، أنبأنا أبو أحمد الزبيري ، أنبأنا الحسن بن صالح ، عن الحسن بن عمر ، عن رشيد ، عن حبة ، قال :
سمعت عليّا يقول : نحن النجباء ، وأفراطنا أفراط الأنبياء ، وحزبنا حزب الله ، والفئة الباغية حزب الشيطان ، ومن سوّى بيننا وبين عدونا فليس منا » (2).
وأخرجه الحافظ السخاوي في « استجلاب ارتقاء الغرف ».
وابن حجر المكي في « الصواعق المحرقة » في باب « خصوصياتهم الدالة على أعظم كراماتهم ».
هذا ، ولا يخفى اعتبار سند هذا الحديث ، وصحة الاحتجاج به ، لأن رواته أئمة في الحديث ، وفطاحل ثقات ، لا يظن بهم أن يعتمدوا رواية خبر مكذوب وهم يعلمون !
____________
(1) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل. طبعة جامعة أم القرى بمكة ، الحديث 1160.
(2) تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة امير المؤمنين عليه السلام ـ الحديث 1189.

( 84 )

أنظر إلى سنده في « تاريخ دمشق » (1) :
* فابن عساكر حافظ ثقة جليل ، غني عن التعريف.
* وأبو القاسم السمرقندي ، قال الذهبي : « الشيخ الإمام المحدث ، المفيد المسند ، أبو القاسم إسماعيل بن أحمد... » ثم نقل ثقته عن غير واحد ، وأرّخ وفاته بسنة 536 هـ (2).
* وأبو الحسين ابن النقور ، قال الذهبي : « الشيخ الجليل الصدوق ، مسند العراق ، أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد... » ثم نقل ثقته عن جماعة ، وأرخ وفاته بسنة 407 هـ (3).
* وأبو طاهر المخلّص ، قال الذهبي : « الشيخ المحدث المعمر الصدوق ، أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن... » ثم نقل ثقته عن جماعة ، وأرخ وفاته بسنة 393 هـ (4).
* وأحمد بن عبد الله بن سيف السجستاني ، ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام ، حوادث سنة 316 هـ ، والخطيب في تاريخه 4 | 225 ، والأسنوي في طبقات الشافعية 2 | 23 ، وابن قاضي شهبة 1 | 89 ، وقد أثنى عليه جميعهم.
* وعمر بن شبة ، قال الذهبي : « عمر بن شبة بن عبدة بن زيد بن رائطة العلامة الأخباري ، الحافظ الحجة ، صاحب التصانيف... » ونقل ثقته عن جماعة ، وأرخ وفاته بسنة 262 هـ ، عن 89 سنة إلا أياما (5).
وابو أحمد الزبيري ، محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم ، الحافظ الكبير المجود... » ثم نقل ثقته
____________
(1) نكتفي في الترجمة بقدر الضرورة اختصارا.
(2) سير أعلام النبلاء 20 | 28.
(3) سير اعلام النبلاء 18 | 372.
(4) سير اعلام النبلاء 16 | 478.
(5) سير أعلام النبلاء 12 | 369.

( 85 )

والثناء عليه ، وأرخ وفاته بسنة 203 هـ (1).
* والحسن بن صالح ، قال الذهبي : « الإمام الكبير ، أحد الأعلام ، أبو عبد الله الهمداني الثوري الكوفي ، الفقيه العابد... » ثم أطنب في ترجمته ، ونقل الكلمات في حقه ، وأرخ وفاته بسنة 169 (2). وقال ابن حجر : « ثقة ، فقيه عابد ، رمي بالتشيع » (3).
* والحسن بن عمر الفقيمي ، قال ابن حجر : « ثقة ثبت ، من السادسة ، مات سنة 142 » وجعل عليه علامة رواية : البخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجة ، عنه (4).
* ورشيد ، وهو الهجري ، من أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام يكفي لوثاقته رواية هؤلاء الأئمة لهذا الحديث عنه ، إلا أنهم نقموا عليه تشيعه للإمام عليه السلام ، وروايته لفضائله ومناقبه كما لا يخفى على من نظر في ترجمته في « لسان الميزان » وغيره ، فهم لا ينفون وثاقته ولا يرمونه بالكذب ، إلا أنهم يقولون ـ كما في « الأنساب » ـ : « كان يؤمن بالرجعة » وينقلون عن يحيى ابن معين ـ مثلا ـ أنه قال في جواب من سأله عنه : « ليس برشيد ولا أبوه ».
* وحبة العرني ، قال ابن حجر : « صدوق ، له أغلاط ، وكان غليا في التشيع ، من الثانية ، وأخطأ من زعم أن له صحبة » (5).
أقول :
وقد قصدنا ببيان اعتبار سند هذا الحديث الشريف ـ على أساس كتب القوم ـ امورا :
الأول : إن هذا الحديث معتبر سندا على ضوء كتبهم وآراء علمائهم ، وحينئذ يكون هذا الكلام القول الفصل ، وإن على الذي يدعون التمسك بالسنة
____________
(1) سير أعلام النبلاء 9 | 529.
(2) سير أعلام النبلاء 7 | 368.
(3) تقريب التهذيب 1 | 167.
(4) تقريب التهذيب 1 | 169.
(5) تقريب التهذيب 1 | 148.

( 86 )

الكريمة ، والسير على هدي الإسلام ، والاتّباع للأحاديث الصحيحة... الالتزام بهذا الحديث وبلوازمه...
والثاني : إن السيد ـ رحمه الله ـ يذكر بعض المصادر ويشير إلى سائرها بقوله : « رواه جماعة » اختصارا ، فلو كان أراد التفصيل لأورد أسماء رواته ودلل على اعتبار سنده وصحة الاحتجاج به ، لكن الشيخ البشري ـ وهو المخاطب له أولا وبالذات ـ مطلع على ما يقوله السيد ، فتكفي الإشارة.
والثالث : إن الحق مع السيد في قوله عن ابن حجر المكي : « وقد أرجف فأجحف » لأنه قال : « وجاء عن ابن عباس بسند ضعيف... » إذ قد عرفت اعتبار السند وصحة الاحتجاج لنا به.
قيل :
« قوله : ( ونقل هذه الكلمة عنه جماعة كثيرون ، أحدهم ابن حجر... » لا يغني عنه شيئا ، فهل يتحول الكذب إلى صدق إذا كثر ناقلوه ؟ ».
أقول :
هذا كلام باطل ، لأن الكذب لا يتحول إلى صدق إذا كثر ناقلوه ، لكن هذا الحديث حق وصدق لا « كذب ». على أنه لو كان كذبا لم يخل حال ناقليه عن أحد حالين :
أما أن يكونوا جاهلين بكونه كذبا... وهذا لا يلتزم به هذا القائل ولا غيره ، وكيف يلتزم بجهله نقله هذا الحديث بحاله ، وهم أئمة الحديث المرجوع إليهم في روايته ومعرفته ؟! إذ فيهم :
محمد بن سليمان المطين.
وعبد الله بن أحمد بن حنبل.
والحسن بن عمر الفقيمي.
والحسن بن صالح بن حي.


( 87 )

وأبو أحمد الزبيري الحبال.
وعمر بن شبة.
وأبو طاهر المخلص.
وابن السمرقندي.
وابن عساكر.
والسخاوي...
وإما أن يكونوا عالمين بكونه كذبا.. وهذا أيضا لا يلتزم به القائل ولا غيره ، لأن معناه أن يتعم هؤلاء الأئمة الثقات الفطاحل نقل حديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيسقطون عن العدالة والوثاقة ، ويعدون في جملة من تعمد الكذب عليه ، ومن كذب عليى الرسول الأمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين !
* قال السيد :
« وخطب الإمام المجتبى أبو محمد الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة فقال : إتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم ».
قال في الهامش : « فراجعها في أواخر باب وصية النبي بهم ، من الواعق المحرقة لابن حجر ، صفحة 137 ».

قيل :
« راجعناها في الصواعق 229 ، فوجدنا المؤلف الموسوي قد سلخها من كلام الحسن لأمر ما. يقول ابن حجر : وقد صرح الحسن رضي الله عنه بذلك ، فإنه حين استخلف وثب عليه رجل من بني أسد فطعنه وهو ساجد بخنجر لم يبلغ منه مبلغا ، ولذا عاش بعده عشر سنين فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله فينا ، فإنا أمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل فيهم : ( إنما


( 88 )

يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ). قالوا : ولأنتم هم ؟ قال : نعم.
ويكفي هذا الكلام ضعفا أن رواه الثعلبي في تفسيره كما صرح بذلك في الصواعق ».
أقول :
أولا : يكفي وروده في كتب أهل السنة ، إذ يكون بذلك مورد اتفاق المسلمين ، ولا ريب في وجوب الأخذ بكل أمر حق وقع الاتفاق عليه.
وثانيا : هذا الكلام رواه الحافظ الطبراني ، ونص الحافظ نور الدين الهيثمي ـ في كتابه الذي اعتمد عليه المعترض في مواضع ! ـ على أن « رجاله ثقات ». وهذا نص الرواية في باب فضل أهل البيت رضي الله عنهم :
« وعن أبي جميلة : إن الحسن بن علي حين قتل علي استخلف ، فبينا هو يصلي بالناس إذ وثب إليه رجل فطعنه بخنجر في وركه ، فتمرض منه أشهرا. ثم قام فخطب علىالمنبر فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم رجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ). فما زال يومئذ يتكلم حتى ما ترى في المسجد إلا باكيا.
رواه الطبراني. ورجاله ثقات » (1).
وفيه فوائد :
1 ـ قوله عليه السلام : « إتقوا الله فينا ». ثم علل أمره بتقوى الله فيهم بقوله : « فإنا أمراؤكم ».
2 ـ قوله عليه السلام : « ونحن أهل البيت الذين... » يفيد بكل وضوح
____________
(1) مجمع الزوائد 9 | 172.
( 89 )

حصر الآية الكريمة فيه وفي والديه وأخيه.
3 ـ ليس في هذه الرواية الصحيحة ـ باعتراف الحافظ الهيثمي ـ جملة : « لأنتم هم ؟ قال : نعم ». وعدمها في هذه الرواية الصحيحة دليل على أمور :
والثاني : إن بعض النواصب لما رأوا دلالة هذا الحديث على ما ذكرنا زادوا فيه تلك الجملة ، لتفيد جهل المسلمين أو شكهم فيما قاله الإمام عليه السلام واستدل به.
والثالث : إن ابن حجر المكي اختار اللفظ المشتمل على الجملة ، وما أشار غلى رواية الطبراني ! وما ذلك إلا لكونه بصدد الطعن في فضائل أهل البيت والرد على شيعتهم.. اللهم إلا أن يكون مضطرا إلى الإقرار بصحة حديث منها.
وثالثا : قوله : « يكفي هذا الكلام ضعفا أن رواه الثعلبي في تفسيره كما صرح بذلك في الصواعق » مردود بوجوه :
1 ـ قد ظهر أن الكلام صحيح لا ضعيف.
2 ـ قد ظهر أن روايته غير منحصرة بالثعلبي في تفسيره.
3 ـ إن رواية الثعلبي لفضيلة من فضائل أهل البيت عليهم السلام كافية لشيعتهم في مقام الاستدلال ، وذلك :
أ ـ لأن مجرد وجودها في كتب القوم كاف.
ب ـ لأن الرواية إذا صح سندها يجب الأخذ بها في أي كتاب من كتبهم كانت ، وهذا ما نص عليه المعترض.
ج ـ ولأن الثعلبي موصوف عندهم بصفات جليلة ، وتفسيره « الكشف البيان » من التفاسير المعتمدة عندهم ، كما لا يخفى على من راجع ترجمته في المصادر التالية :


( 90 )

وفيات الأعيان 1 | 61 ، والوافي بالوفيات 7 | 307 ، العبر 3 | 161 ، مرآة الجنان 3 | 46 ، تتمة المختصر 1 | 477 ، بغية الوعاة : 154 ، طبقات المفسرين 1 | 65 ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ 4 | 58 ، طبقات الشافعية ـ للأسنوي ـ 1 | 429 ، وغيرها.
قال السبكي : « وكان أوحد زمانه في علم القرآن... »
وقال الأسنوي : « ذكره ابن الصلاح والنووي من الفقهاء الشافعية ، وكان إماما في اللغة والنحو... ».
وقال الداودي : « كان أوحد أهل زمانه في علم القرآن ، حافظا للغة ، بارعا في العربية ، واعظا ، موثقا ».
لكن الثعلبي لما أكثر من نقل روايات فضائل العترة وأخبار نزول الآيات فيهم... رماه ابن تيمية وأتباعه بالتساهل في النقل ، وحاولوا إسقاط رواياته المسندة عن الاعتبار.
بقي : قوله : « قد سلخها من كلام الحسن لأمر ما ».
ولا يخفى : أنه كلام جاهل أو متجاهل ، إذ المهم هو الاستشهاد بكلام الإمام عليه السلام الثابت بالسند الصحيح.. أما أنه في أي مناسبة قاله ؟ وما كان المورد له ؟ فهذا لا علاقة له بالبحث ، ولا يخخ مدلول الكلام أبتة.

* قال السيد :
« وكان الإمام أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين إذا تلا قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) يدعو الله عز وجل دعاء طويلا... ».
قال الهامش : « فراجعه في صفحة 90 من الصواعق المحرقة لابن حجر ، في تفسير الآية الخامسة : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ) من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب 11 ».


( 91 )

أقول :
لم يتقول المعترض بشيء حول هذا الكلام المنقول عن الإمام زين العابدين عليه السلام.
وفي هذه الرواية فوائد :
1 ـ إشارة إلى نزول قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) فيهم عليهم السلام.
2 ـ إشارة إلى نزول قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم رجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) فيهم عليهم السلام.
3 ـ إشارة إلى نزول قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) فيهم عليهم السلام.
4 ـ إشارة إلى قوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي... ».
5 ـ تصريح بانحصار « الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم » فيهم.
6 ـ تصريح بانهم « الذين احتج الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة ».
وسكوت الرجل عن هذه الرواية ـ وهو في مقام الرد ـ دليل على إقراره بصحة سندها ، ولا مناص له من قبولها والالتزام بمضامينها.
ولا يخفى أن ذكر ابن حجر المكي هذه الرواية بتفسير قوله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ) شاهد على أن المراد من « حبل الله » فيها هم الأئمة من العترة النبوية ، وهو مروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، وبه قال بعض المفسرين (1).
____________
(1) منهم : الثعلبي الذي أشرنا إلى ترجمته قريبا ، نقل ذلك عنه جماعة منهم ابن حجر في « الصواعق ».
( 92 )

المراجعة ـ 8

* قال السيد رحمه الله :
« حيث قلنا إنه صلى الله عليه وآله وسلم قرنهم بمحكم الكتاب ، وجعلهم قدوة لأولي الألباب ، وسفن النجاة ، وأمان الأمة ، وباب حطة : إشارة إلى المأثور من هذه المضامين من السنن الصحيحة والنصوص الصريحة... »

قيل :
« نحن مع تسليمنا بصحة بعض الأخبار الواردة في مناقب عليّ ـ رضي الله عنه ـ وفي بينه ، لكننا لا نقر أن هذه الأخبار فيها حصر وجوب الاتباع لهم. ولذلك فإن تضييق مدلولات هذه الأخبار وقصرها على فئة من الصحابة دون فئة مما يأباه منطوق هذه النصوص ، فضلا عن أن صريح الكتاب والسنة وعمل الصحابة على غير ذلك. ومعلوم أن كثيرا من احتجاجات الرافضة لا تخلو من أحد خطأين : إما خطأ في الدليل ، وإما خطأ من المدلول ، وقد يجتمع فيها الخطآن معا. أما خطؤهم في الدليل فمن مثل احتجاجهم على أهل السنة بأحاديث ضعيفة وهالكة ، من أجل إقامة الحجة عليهم. وأما خطؤهم في المدلول فكاحتجاجهم بآيات قرآنية وأحاديث صحيحة ليس فيها دليل على ما يثيرونه من قضايا. وقد يحتجون بأحاديث ضعيفة أو موضوعة على قضايا غير صحيحة »

أقول :
هذا كلامه ! ثم استشهد بكلام لشيخ إسلامه ابن تيمية يفيد نفس الذي


( 93 )

قاله ، فلم يأت بشيء جديد.
ومن المراد بكلمة « نحن » في أول الكلام ؟!
إن كان المراد : علماء أهل السنة المحققين الشارحين للأحاديث النبوية ، والمبينين لما تدل عليه السنة المحمدية ، والذين عليهم الاعتماد وإليهم الاستناد في هذا الباب فسننقل أقاريرهم في دلالة تلك الأخبار المعتبرة على حصر وجوب الاتباع بأمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام.
وإن كان المراد ـ من « نحن » ـ : هو المتكلم نفسه... فقد وجدنا سكوته في قبال بعض الأدلة ـ ومنها الرواية المتقدمة قريبا عن الإمام السجاد عليه السلام ـ وسكوته في هكذا مواضع إقرار.
على أنه إذا لم يقر في موضع فهو محجوج بإقرار أئمة مذهبه ، ولا أظن أن يدعي هذا الرجل كونه أعلم وأفهم للأخبار من كبار علماء طائفته !

* قال السيد :
« 3 ـ وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ أهاب في الجاهلين ، وصرخ في الغافلين ، فنادى :
* يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ».
قال في الهامش : « أخرجه الترمذي والنسائي عن جابر ، ونقله عنهما المتقي الهندي في أول باب الاعتصام بالكتاب والسنة من كنز العمال ، ص 44 من جزئه الأول ».
* « وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
إني تركت فيكم ما إن تمسكتنم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».


( 94 )

قال في الهامش : « أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم ، وهو الحديث 874 من أحاديث كنز العمال ، في ص44 من جزئه الأول ».
* « وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ـ أو : ما بين السماء إلى الأرض ـ وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».
قال في الهامش : « أخرجه الإمام أحمد من حديث زيد بن ثابت ، بطريقين صحيحين ، أحدهما في أول صفحة 182 ، والثاني في آخر صفحة 189 من الجزء الخامس. أيضا : ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن ابي سعيد. وهو الحديث 945 من أحاديث الكنز ، في ص47 من جزئه الأول ».
* ـ « وقال صلى الله عليه وآهل وسلم :
إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وأهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».
قال في الهامش : « أخرج الحاكم في ص148 من الجزء الثالث من المستدرك ، ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفا بصحته على شرط الشيخين ».
* « وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل ، وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».
قال في الهامش : « أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري


( 95 )

من طريقين ، أحدهما في آخر ص 17 والثاني في آخر ص 26 من الجزء الثالث من مسنده. وأخرجه أيضا : ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد. وهو الحديث 945 من أحاديث الكنز في ص47 من جزئه الأول ».
* « ولما رجع صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقممن ، فقال :
كأني دعيت فأجبت ، وإني قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله تعالى ، وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.
ثم قال : إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن.
ثم أخذ بيد عليّ فقال : من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ». الحديث بطوله.
قال في الهامش : « أخرجه الحاكم عن زيد بن أرقم مرفوعا في صفحة 109 من الجزء الثالث من المستدرك ، ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله. وأخرجه عن طريق آخر عن زيد بن أرقم في ص 533 من الجزء الثالث من المستدرك ، ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قلت : وأورده الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته ».
* « وعن عبد الله بن حنطب ، قال : خطب رسول الله بالجحفة فقال :
ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : فإني سائلكم عن اثنين : القرآن وعترتي ».
قال في الهامش : « أخرجه الطبراني كما في الأربعين للنبهاني. وفي إحياء الميت للسيوطي.
وأنت تعلم بأن خطبته صلّى الله عليه وآله وسلّم يومئذ لم تكن مقصورة على هذه الكلمة ، فإنه لا يقال عمن اقتصر عليها : إنه خطبنا. لكن السياسة


( 96 )

كم اعتقلت ألسن المحدثين ، وحبست أقلام الكاتبين ! ومع ذلك فإن هذه القطرة من ذلك البحر ، والشذرة من ذلك البذر كافية وافية. والحمد لله ».

أقول :
أولا
: إن طرق وألفاظ حديث الثقلين كثيرة ومختلفة ، مما يشهد بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الكلام في مناسبات ومواضع متعددة. وذلك لأنه كان ينتهز كل فرصة للوصية بثقليه والأمر باتباعهما والأخذ منهما. ويؤيد ذلك كلام ابن حجر المكي الذي أورده السيد.
وثانيا : إن الذين نقل عنهم السيد حديث الثقلين هم أعظم وأكبر حفاظ وأئمة أهل السنة في الحديث ، بحيث لو يكون الحديث ـ الذي اتفق على إخراجه هؤلاء ـ كذبا ، لم تجد عندهم حديثا صحيحا أبدا !
إن الذين نقل عنهم حديث الثقلين هم :
1 ـ أبوبكر ابن أبي شيبة ، وهو شيخ البخاري.
2 ـ أحمد بن حنبل ، وهو أحد الأئمة الأربعة ، وكتاب « المسند » من أوثق كتبهم الحديثية.
3 ـ محمد بن سعد ، صاحب كتاب « الطبقات الكبير » وأحد أئمة الحديث ورجال الجرح والتعديل.
4 ـ محمد بن عيسى الترمذي ، صاحب « الجامع الصحيح » أحد الصحاح الستة عندهم.
5 ـ أحمد بن شعيب النسائي ، صاحب « السنن » أحد الصحاح الستة عندهم.
6 ـ ابو يعلى الموصلي ، صاحب « المسند » وهو من أعاظم حفاظهم.
7 ـ الحاكم النيسابوري ، صاحب « المستدرك » إمام المحدثين عندهم.
8 ـ شمس الدين الذهبي ، صاحب « تلخيص المستدرك » وغيره من


( 97 )

الكتب الكثيرة والمصنفات الشهيرة ، في الحديث والرجال والسير ، والمعتمد عند المتأخرين ، في هذه الفنون ، وهو الذي طالما استند إليه أتباع ابن تيمية في المكابرة مع الشيعة.
وثالثا : إن رواة هذا الحديث من نظراء أولئك الأئمة فمن دونهم أكثر وأكثر ، بحيث لو أردنا ذكر أسماء من وقفنا على روايتهم له لضاق بنا المجال ، وقد ألفت لجمع طرقه وألفاظه كتب مفردة من علماء الشيعة والسنة ، ومن أشهر علماء القوم المؤلفين فيه : الحافظ محمد بن طاهر المقدسي ـ المتوفى سنة 507 هـ ـ صاحب كتاب « الجمع بين رجال الصحيحين ».
ورابعاً : إن الذين نصوا على صحة حديث الثقلين من القدماء والمتأخرين ، أو أخرجوه في كتبهم التي التزموا فيها بالصحة من مشاهير أهل اسنة كثيرون كذلك. ونحن نكتفي بذكر بعضهم :
1 ـ إمام الأئمة ابن خزيمة ، صاحب « الصحيح ».
2 ـ الإمام الحافظ أبو عوانة الاسفرائني ، صاحب « الصحيح ».
3 ـ الحافظ المحاملي ، صاحب « الأمالي ».
4 ـ الحافظ البغوي الملقب بـ « محيي السنة » ، صاحب « مصابيح السنة ».
5 ـ الحافظ ضياء الدين المقدسي في « المختارة » الملتزم فيها بالصحة.
6 ـ الحافظ سراج الدين الفرغاني في « نصاب الأخبار » الملتزم فيه بالصحة.
7 ـ الحافظ المزي ، صاحب « تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف ».
8 ـ الحافظ ابن كثير الدمشقي ، صاحب « التفسير » المعروف.
9 ـ الحافظ الهيثمي ، صاحب « مجمع الزوائد ».
10 ـ الحافظ السيوطي ، صاحب « الجامع الصغير » وغيره.
11 ـ الحافظ السخاوي ، صاحب « استجلاب ارتقاء الغرف ».


( 98 )


12 ـ الحافظ السمهودي ، صاحب « جواهر العقدين ».
وخامسا : إنه يكفي للاحتجاج سند واحد من أسانيد واحد من ألفاظه ، لكن هذا الحديث من الأحاديث المتواترة قطعا ، إذ رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من ثلاثين من صحابته ، ورواته من الأئمة والحفاظ والمحدثين عبر القرون كثيرون جدا (1).
وسادسا : إن دلالة حديث الثقلين على ما تذهب إليه الشيعة ـ وهو حصر وجوب الاتباع في الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ـ واضحة جدا على من له أدنى معرفة بألفاظ اللغة العربية وأساليبها... لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قرنهم بمحكم الكتاب العزيز ، فكما يجب الأخذ والاتباع لما في الكتاب ولا يجوز تقديم غيره عليه ، كذلك الأئمة.
ولا بأس بإيراد نصوص عبارات بعض المحققين نم أهل السنة في الاعتراف بما قلناه :
قال الحكيم الترمذي : « حض على التمسك بهم ، لأن الأمر لهم معاينة ، فهم أبعد عن المحنة » (2).
وقال النووي : « قوله صلى الله علي [ وآله ] وسلم : وأنا تارك فيكم ثقلين ، فذكر كتاب الله وأهل بيته. قال العلماء : سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما ، وقيل لثقل العمل بهما » (3).
وقال ابن الأثير : « وفيه (4) : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي ؛ سماهما ثقلين لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل. ويقال لكل شيء خطير
____________
(1) انظر : الأجزاء الثلاثة الأولى من كتابنا الكبير « نفحات الأزهار ».
(2) نوادر الأصول. عنه شرح المواهب اللدنية 7 | 5.
(3) المنهاج في شرح صحيح مسلم 15 | 180.
(4) أي : في الحديث.

( 99 )

نفيس : ثقل ، فسماها ثقلين إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما » (1).
وقال القاري : « والمراد بالأخذ بهم : التمسك بمحبتهم ، ومحافظة حرمتهم ، والعمل بروايتهم ، والاعتماد على مقالتهم » (2).
وقال شهاب الدين الخفاجي : « أي : تمسكتم وعملتم واتبعتموه » (3).
وقال المناوي : « إني تارك فيكم بعد وفاتي خليفتين. زاد في رواية : أحدهما أكبر من الآخر. وفي رواية بدل خليفتين : ثقلين ، سماهما به لعظم شأنهما : كتاب الله القرآن ، حبل ، وقيل : السبب الموصل إلى رضاه. وعترتي ـ بمثناة فوقية ـ : أهل بيتي. تفصيل بعد إجمال ، بدلا أو بيانا ، وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا » (4).
وبعد ، فلننظر إلى ما قيل في قبال الاستدلال بحديث الثقلين :

قيل :
تعليقا على الحديث الأول عن الترمذي والنسائي عن جابر :
« هذا الحديث تفرد به زيد بن الحسن الأنماطي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر. والأنماطي قال فيه أبو حاتم : منكر الحديث.
واعلم أن المؤلف ـ لأمر يريده ـ تجاهل عمدا رواية مسلم التي فيها التصريح بأن أهل بيته ليسوا مقصورين على : عليّ وفاطمة والحسن والحسين.وإنما يدخل فيهم جميع آل علي ، وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
ثم إنه قد كرر سياق هذا الحديث الوارد في عدد من كتب الحديث ليوهم
____________
(1) النهاية : مادة « ثقل ».
(2) المرقاة في شرح المشكاة 5 | 600.
(3) نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض 3 | 410.
(4) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 | 14.

( 100 )

القارئ أنها أحاديث متعددة ، لإثبات موضوع واحد. مع أنه حديث واحد روي بروايات متعددة. وأصح رواياته رواية مسلم التي لا تخدم وجهة نظرة فتجاهلها.
هذا ، ولكن حديث المؤاخاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عنا لنبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنه قال : من كنت مولاه فعلي مولاه. وأما الزيادة وهي : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه. فلا ريب أنه كذب ».

أقول :
هذا كلامه ، فنقول :
1 ـ كلمة : « التي فيها التصريح » هذا التصريح ليس من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ليكون حجة ، بل هو من « زيد بن أرقم » لكن الرجل أبهم لكي يوهم القارئ (1) !
2 ـ كلمة : « الوارد في عدد من كتب الحديث » وحق الكلمة : « الوارد في أكثر كتب الحديث بما فيها الصحاح والمسانيد ».
3 ـ قوله : « لكن حديث المؤاخاة » تبع في تسمية حديث : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » بـ « حديث المؤاخاة » بعض أسلافه ، فقد وجدت في كلام الذهبي : « وعملت الرافضة عيد الغدير ، يعني يوم المؤاخاة... » (2) ولعلهم يريدون أن هذا الحديث لا يفيد إلا « المؤاخاة » !!
4 ـ جملة : « اللهم وال من والاه... » سيظهر أنها ليست بكذب ، وأن
____________
(1) وأيضا : لكيلا يراجع القارئ نص الكلام في مصادره المعتمدة ، ففي ( صحيح مسلم ) وغيره أنه سئل : نساؤه من أهل بيته ؟ قال : « لا ، وأيم الله ، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها » فزوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لسن من « أهل البيت » عند « زيد بن أرقم » !!
(2) سير أعلام النبلاء 15 | 129.

( 101 )

رميها بذلك هو الكذب.
5 ـ لم يكرر السيد سياق هذا الحديث ، وإنما تكرر صدوره عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد أذعن بذلك جماعة ممن تقدم منهم وتأخر ، كصاحب « الصواعق » ابن حجر...
فالإشكال الذي يستحق النظ فيه ـ لكونه في الظاهر علميا ـ هو الإشكال السندي بالنسبة إلى الحديث الأول... فنقول :
أولا : يكفينا الأحاديث الأخرى التي سلم بصحتها.
وثانيا : إن الحديث الذي ناقش في سنده من أحاديث « الجامع الصحيح » للترمذي ، و« السنن » للنسائي.. وهذان الكتابان من الصحاج الستة عندهم.
وثالثا : إنه لم يناقش في سنده إلا من جهة ( زيد بن الحسن الأنماطي ) واستنادا إلى كلمة أبي حاتم. لكن هذه المناقشة مردودة :
قال ابن حجر : « ت ـ الترمذي. زيد بن الحسن القرشي أبو الحسن الكوفي ، صاحب الأنماط. روى عن : جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ومعروف بن خربوذ ، وعلي بن المبارك الهنائي.
وعنه : إسحاق بن راهوية ، وسعيد بن سليمان الواسطي ، وعلي بن المديني ، ونصر بن عبد الرحمن الوشاء ، ونصر بن مزاحم.
قال أبو حاتم : كوفي قدم بغداد ، منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الترمذي حديثا واحدا في الحج » (1).
فقد ذكر ابن حج أسماء جماعة من الأئمة رووا عن زيد بن الحسن ، وأن ابن حبان ذكره في الثقات.
ويبقى قول أبي حاتم « منكر الحديث » وهو غير مسموع :
____________
(1) تهذيب التهذيب 3 | 350.
( 102 )

أما أولا : فلأنه لو كان منكر الحديث لما أخرج عنه هؤلاء كابن راهويه وابن المديني وسعيد بن سليمان والترمذي.
وأما ثانيا : فلأن « أبا حاتم » متعنت في الرجال ، ولا يبنى على تجريحه ، كما نص عليه الحافظ الذهبي بترجمته إذ قال :
« إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله ، فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث. وإذا لين رجلا أو قال فيه : لايحتج به ، فلا ، توقف حتى ترى ما قال غيره فيه ، وإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنه متعنت في الرجال ، قد قال في طائفةٍ من رجال الصحاح : ليس بحجة ، ليس بقوي ، أو نحو ذلك » (1).

تنبيه :
قد توهم هذا الرجل أن حديث الثقلين في ( صحيح مسلم ) لا يدل على ما تذهب إليه الشيعة الإمامية من وجوب اتباع أهل البيت والتمسك بهم والأخذ عنهم...
وقد سبقه في هذا التوهم غيره ، قال الدكتور عليّ أحمد السالوس : « فرق كبير بين التذكير بأهل البيت والتمسك بهم. فالعطف على الصغير ، ورعاية اليتيم ، والأخذ بيد الجاهل ، غير الأخذ من العالم العابد العامل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ».
وقد دفعنا هذا الوهم في ردنا على الدكتور المذكور ، وبينا عدم الفرق بين رواية مسلم ورواية أحمد والترمذي وغيرهما ، فالحديث هو الحديث ، والمدلول واحد ، والنتيجة واحدة... فراجعه بالتفصيل (2).
____________
(1) سير أعلام النبلاء 13 | 247.
(2) حديث الثقلين.. تواتره ، فقهه كما في كتب السنة ـ ط 1413 هـ.