وثانيا : قد حرّف بعض الكلمات في حق الرجال.
وثالثا : قد ظلم الرجل غذ لم يتحقق كلمات الجرح ، وأنها إنما ترجع إلى وهم الرجل في روايته عن غفلة ، وأما هو في ذاته فصدوق جليل من خيار عباد الله الخشّن.
* وأما « علي بن زيد » فقد أخرج عنه البخاري في « الأدب المفرد » ، ومسلم ، والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة ، كما ذكر ابن حجر (1) ، وهؤلاء أرباب الصحاح الستة عندهم.
وذكر ابن حجر كلمات عدة من الأئمة في وثاقته وصدقه والثناء عليه... ونحن لا نحتاج إلى الإطناب في ترجمته لأمرين :
الأول : كونه من رجال مسلم والاربعة والبخاري في « الأدب المفرد » ، وهذا فوق المطلوب.
والثاني : إن السبب الأصلي لجرح من جرحه هو التشيع ! فلاحظ عباراتهم في « تهذيب التهذيب » ونكتفي بإيراد واحدة منها :
« وقال يزيد بن زريع : رأيته ولم أحمل عنه لأنه كان رافضيا ».
وقد جعلوا أنكر مار روى : ما حدث به حماد بن سلمة ، عنه ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، رفعه : إذا رأيتم معاوية على هذه الأعواد فاقتلوه قاله ابن حجر.
قلت : فإذا كان هذا الأمر ـ الحق الذي وافقه في روايته كثيرون ، وهو من الأحاديث الصادرة قطعا ـ هو أنكر ما روي عنه ، فاعرف حال بقية أحاديثه !
وعاشرا : لنا أن نحتج بكل من :
عبد الله بن داهر.
وابن لهيعة.
____________
(1) تهذيب التهذيب 7 | 283.
( 128 )

* أما « عبد الله بن داهر » فذنبه عند القوم أنه : « رافضي خبيث » وأن « عامة ما يرويه في فضائل علي وهو متهم في ذلك ».
وقد أورد في « الميزان » و« لسان الميزان » أحاديث عنه في فضل علي وأهل البيت عليهم السلام ، منها ما رواه بإسناده عن ابن عباس :
« ستكون فتنة فمن أدركها فعليه بالقرآن وعلي بن أبي طالب ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ـ وهو آخذ بيد علي ـ : هذا أول من آمن بي ، وآول من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمة ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو خليفتي من بعدي » (1).
* وأما « ابن لهيعة » فقد روى عنه كبار الأئمة من المتقدمين ، كالثوري ، والشعبي ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وابن المبارك.
وهو من رجال : مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة.
قال أبو داود عن أحمد : ومن كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه ؟!
وعن الثوري : عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع ، وحججت حجا لألقى ابن لهيعة.
وقال أبو الطاهر بن السرح : سمعت ابن وهب يقول : حدثني ـ والله ـ الصادق البار عبد الله بن لهيعة.
وقال يعقوب بن سفيان : سمعت أحمد بن صالح ـ وكان من خيار المتقنين ـ يثني عليه.
وعنه أيضا : ابن لهيعة صحيح الكتاب...
وعن ابن معين : قد كتبت حديث ابن لهيعة ، وما زال ابن وهب يكتب
____________
(1) ميزان الاعتدال 2 | 417 ، لسان الميزان 3 | 283.
( 129 )

عنه حتى مات.
وقال الحاكم : استشهد به مسلم في موضعين.
وقال ابن شاهين : قال أحمد بن صالح : ابن لهيعة ثقة ، وما روي عنه من الأحاديث فيها تخليط يطرح ذلك التخليط.
وقال مسعود عن الحاكم : لم يقصد الكذب ، وإنما حدث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ.
وقال ابن عدي : حديثه كأنه نسيان ، وهو ممن يكتب حديثه (1).
أقول : ألا يكفي هذا الاحتجاج بما رواه ؟!

بقي الكلام :
في : « حنش الكناني » و« سويد بن سعيد ».
* أما « حنش » فقد عرفت أنه من التابيعين من المشاهير ، وقد دأب القوم على تعديل التابعين أخذا بما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أحاديث : خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم... بل ذكره ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة كما ذكر ابن حجر.
وأورد ابن حجر كلمات التوثيق له عن أبي داود والعجلي وغيرهما.
وقد أخذ عليه أنه كان ينفرد عن علي بأشياء لا تشبه حديث الثقات !! حتى صار ممن لا يحتج بحديثه !! (2).
* وأما « سويد بن سعيد » فهو من رجال صحيح مسلم وصحيح ابن ماجة. قال ابن حجر :
« وعنه : مسلم ، وابن ماجة ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، ويعقوب بن شيبة وعبد الله بن أحمد ، ومطين ، وبقي بن مخلد ، وأبو الأزهر... ».
____________
(1) تهذيب التهذيب 5 | 372.
(2) تهذيب التهذيب 3 | 51.

( 130 )

قال ابن حجر : « قال عبد الله بن أحمد : عرضت على أبي أحاديث سويد عن ضمام بن إسماعيل فقال لي : اكتبها كلها فإنه صالح. أو قال : ثقة. وقال الميموني عن أحمد : ما علمت إلا خيرا. وقال البغوي : كان من الحفاظ ، وكان أحمد ينتقي عليه لولديه فيسمعان منه. وقال أبو داود عن أحمد : أرجو أن يكون صدوقا. وقال : لا بأس به. وقال أبو حاتم : كان صدوقا وكان يدلس ويكثر. وقال البخاري : كان قد عمي فيلقن ما ليس من حديثه. وقال يعقوب بن شيبة : صدوق مضطرب الحفظ ولا سيما بعدما عمي. وقال صالح بن محمد : صدوق إلا أنه كان عمي فكان يلقن أحاديث ليست من حديثه... » (1).
وقال الذهبي : « الحافظ الرحال المعمر ، حدث عن مالك بالموطأ وعنه م ، ق ، مطين ، وابن ناجية ، وعبدالله بن أحمد ، والباغندي ، والبغوي ، وخلق وقال أبوحاتم : صدوق كثير التدليس. وقال أبو زرعة : أما كتبه فصحاح ، وأما إذا حدّث من حفظه فلا » (2).
وقال ابن حجر : « صدوق في نفسه ، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه. وأفحش فيه ابن معين القول » (3).
أقول : تلخص :
1 ـ هو من رجال مسلم وابن ماجة ، ومن مشايخ كثير من الأئمة.
2 ـ هو « صدوق » عند أحمد وجماعة من أئمة الجرح والتعديل.
3 ـ عمدة ما انتقد عليه أنه لما عمي لقن ما ليس من حديثه.
4 ـ أفحش القول فيه يحيى بن معين... فقوله مردود عند الأئمة.
واعلم أن هذا المعترض ذكر العبارة التالية :
____________
(1) تهذيب التهذيب 4 | 272 ـ 275.
(2) تذكرة الحفاظ 2 | 454.
(3) تقريب التهذيب 1 | 340.

( 131 )

« وقال الحاكم : ويقال أن يحيى لما ذكر له هذا الحديث قال : لو كان لي فرس ورمح غزوت سويدا ».
لكن ما هو المراد من « هذا الحديث » ؟!
حديث السفينة ؟!
لا ، بل حديث آخر... لكن الرجل دلّس وحرّف !!
قال ابن حجر : « وقال ابن حبان : كان أتى عن الثقات بالمعضلات : روى عن أبي مسهر ـ يعني عن أبي يحيى القتات ـ عن مجاهد ، عن ابن عباس ، رفعه : من عشق وكتم وعف ومات شهيدا. قال : ومن روى مثل هذا الخبر عن أبي مسهر تجب مجانبة رواياته. هذا إلى ما لا يحصى من الآثار وتلك الأخبار.
وقال فيه يحيى بن معين : لو كان لي فرس ورمح لكنت أغزوه. قاله لما روى سويد هذا الحديث.
وكذا قال الحاكم أن ابن معين قال هذا في هذا الحديث » (1).

أقول :
هكذا يريدون الرد على كتبنا ، فاعرفوهم أيها المنصفون ! واحذروهم أيها المسلمون !!

* قال السيد رحمه الله :
« وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ( في الدين ) فإذا خالفتها قبيلة من العرب ( يعني : في أحكام الله عز وجل ) اختلفوا فصاروا حزب إبليس ».
____________
(1) تهذيب التهذيب 4 | 241.
( 132 )

قال في الهامش : « أخرجه الحاكم في ص149 من الجزء الثالث من المستدرك عن ابن عباس. ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ».

قيل :
« رواه الحاكم 3 | 149. وفي سنده ابن أركون ، قال الذهبي : ضعفوه. وكذا خليد ضعفه أحمد وغيره. وهو حديث موضوع كما ذكر الذهبي ».

أقول :
قال الحاكم : « حدثنا مكرم بن أحمد القاضي ، ثنا أحمد بن علي الآبار ، ثنا إسحاق بن سعيد بن أركون الدمشقي ، ثنا خليد بن دعلج أبو عمرو سدوسي ، أظنه عن قتادة ، عن عطاء ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله... هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ».
وقد رواه عن الحاكم أعيان علماء الحديث المتأخرين عنه وارتضوا تصحيحه ، ومنهم :
الحافظ السيوطي ، في : الخصائص الكبرى 3 | 364 ، وإحياء الميت بفضائل أهل البيت : رقم 29.
والحافظ السمهودي ، في : جواهر العقدين ق2 ج1 | 120.
والشبراوي ، في : الإتحاف بحب الاشراف : 20.
والحمزاوي ، في مشارق الأنوار : 86.
والصبان ، في : إسعاف الراغبين ـ هامش نور الأبصار : 130.
فنحن نستدل برواية هؤلاء...
أما الذهبي فقد عرفنا حاله وطريقته ، ولا يعتد بكلامه إلا من كان على شاكلته...


( 133 )

ثم إن لهذا الحديث الشريف مؤيدات كثيرة... كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « النجوم أمان لأهل الأرض ، وأهل بيتي أمان لأمتي ». أخرجه : ابن أبي شيبة ، ومسدد ، والحكيم الترمذي ، وأبو يعلى ، والطبراني ، وابن عساكر. وعنهم المتقي الهندي (1).
ولهذا نجدهم يعقدون في كتبهم أبوابا بهذا العنوان :
قال الحافظ محبّ الدين الطبري : « ذكر أنهم أمان لأمة محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم... » (2).
وقال الحافظ السخاوي : « باب الأمان ببقائهم والنجاة في اقتضائهم... » (3).
وقا الحافظ السمهودي : « الذكر الخامس : ذكر أنهم أمان الأمة ، وأنهم كسفينة نوح... » (4).

***

____________
(1) كنز العمال 13 | 88.
(2) ذخائر العقبى : 17.
(3) استجلاب ارتقاء الغرف ـ مخطوط.
(4) جواهر العقدين ـ ق2 ج1 | 119.

( 134 )

المراجعة ـ 10
* قال السيد رحمة الله تعالى عليه
مجيبا على طلب المزيد من النصوص النبوية :
1 (1) ـ أخرج الطبراني في الكبير ، والرافعي في مسنده ، بالإسناد إلى ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من سره ان يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ».
قال في الهامش : « هذا الحديث بعين لفظه هو الحديث 3819 من أحاديث الكنز ، في آخر ص 217 من جزئه 6. وقد اورده في منتخب الكنز أيضا ، فراجع من المنتخب ما هو في أوائل هامش ص 94 من الجزء 5 من مسند أحمد ، غير أنه قال : « ورزقوا فهمي » ولم يقل : « وعلمي » ولعله غلط من الناسخ. وأخرجه الحافظ أبو نعيم في حليته ، ونقله عنه علامة المعتزلة في ص 450 من المجلد الثاني من شرح النهج طبع مصر ، ونقل نحوه في ص449 عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل في كل من مسنده وكتاب فضائل علي بن ابي طالب ».
2 ـ وأخرج مطين ، والباوردي ، وابن جرير ، وابن شاهين ، وابن
____________
(1) هذا الترقيم منا ، اقتضته ضرورة البحوث الآتية هنا كما سيتضح.
( 135 )

مندة ، من طريق أبي إسحاق ، عن زياد بن مطرف ، قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من أحب أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنة التي وعدني ربي ـ وهي جنة الخلد ـ فليتول عليا وذريته من بعده ، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم باب ضلالة ».
قال في الهامش : « وهذا الحديث هو الحديث 2578 من أحاديث الكنز في ص155 من جزئه 6 ، وأورده في المنتخب أيضا فراجع من المنتخب ما هو في السطر الأخير من هامش ص32 من الحزء 5 من مسند أحمد. وأورده ابن حجر العسقلاني مختصرا في ترجمة زياد بن مطرف ، في القسم الاول من إصابته ، ثم قال : قلت : في إسناده ( يحيى بن يعلى المحاربي ) وهو واهي.
أقول : هذا غريب من مثل العسقلاني ، فإن ( يحيى بن يعلى المحاربي ) ثقة بالاتفاق ، وقد أخرج له البخاري في عمرة الحديبيّة من صحيحه ، وأخرج له مسلم في الحدود من صحيحه أيضا ، سمع أباه عند البخاري ، وسمع عند مسلم غيلان بن جامع ، وأرسل الذهبي في الميزان توثيقه إرسال المسلمات ، وعده الإمام القيسراني وغيره ممن احتج بهم الشيخان وغيرهما ».
3 ـ ومثله حديث زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من يريد أن يحيا حياتي ، ويموت موتي ، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي ، فليتول علي بن ابي طالب ، فإنه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلوكم في ضلالة ».


( 136 )

قال في الهامش : « أخرجه الحاكم في آخر ص128 من الجزء 3 من صحيحه المستدرك ، ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وأخرجه الطبراني في الكبير ، وأبو نعيم في فضائل الصحابة ، وهوالحديث 2577 من أحاديث الكنز في ص155 من جزئه 6 ، وأورده في منتخب الكنز أيضا ، فراجع هامش ص 32 من الجزء 5 من المسند ».
4 ـ وكذلك حديث عمار بن ياسر ، قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب ، فمن تولاه فد تولاني ، ومن تولاني فقد تولى الله ، ومن أحبه فقد أحبني ، ومن احبني فقد أحب الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل ».
قال في الهامش : « أخرجه الطبراني في الكبير ، وابن عساكر في تاريخه وهو الحديث 2571 من أحاديث الكنز ، في آخر ص 154 من جزئه 6 ».
5 ـ وعن عمار أيضا ، مرفوعا : « اللهم من آمن بي وصدقني ، فليتول عليّ ابن أبي طالب ، فإن ولايته ولايتي ، وولايتي ولاية الله تعالى ».
قال في الهامش : « أخرجه الطبراني في الكبير ، وابن عساكر في تاريخه ، وهو الحديث 2571 من أحاديث الكنز ، في آخر ص 154 من جزئه 6 ».
5 ـ وعن عمار أيضا ، مرفوعا « اللهم من آمن بي وصدقني ، فليتول عليّ ابن ابي طالب ، فإن ولايته ولايتي ، وولايتي ولاية الله تعالى ».
قال في الهامش : « أخرجه الطبراني في الكبير عن محمد بن أبي عبيدة ابن محمد بن عمار بن ياسر ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمار ؛ وهو الحديث 2576 من أحاديث الكنز ص155 من جزئه 6 ، وأورده في المنتخب أيضا ».

تحقيق أسانيد هذه الأحاديث
أقول : ولا بد من تحقيق أسانيد هذه الأحاديث ، والنظر فيما قيل ذلك من السابقين واللاحقين ، فنقول وبالله نستعين :

* أما الحديث الأول وهو الذي نقله السيد عن « كنز العمال » عن الطبراني والرافعي ، فهذا سنده عند الرافعي :
« الحسن بن حمزة العلوي الرازي ، أبو طاهر ، قدم قزوين وحدث بها عن


( 137 )

سليمان بن أحمد ، روى عنه : أبو مضر ربيعة بن علي العجلي ، فقال :
ثنا أبو طاهر الحسن بن حمزة العلوي ـ قدم علينا قزوين سنة 344 ـ ، ثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عمر بن حفس السدوسي ، ثنا إسحاق بن بشر الكاهلي ، ثنا يعقوب بن المغيرة الهاشمي ، عن ابن أبي رواد ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عكرمة ، عن ابن عباس » (1).
وبه يتبين سند الطبراني ، وهو سليمان بن أحمد.
قال السيد في الهامش : « وأخرجه الحافظ أبو نعيم في حليته ، ونقله عنه... ».

أقول :
هذا نص عبارة الحافظ أبي نعيم :
« حدثنا فهد بن إبراهيم بن فهد ، ثنا محمد بن زكريا الغلابي ، ثنا بشر بن مهران ، ثنا شريك ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : من سره أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده ثم قال لها : كوني فكانت ، فليتول علي بن ابي طالب من بعدي.
رواه شريك أيضا : عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم.
ورواه السدي عن زيد بن أرقم.
ورواه ابن عباس ، وهو غريب.
حدثنا محمد بن المظفر ، ثنا محمد بن جفعر بن عبدالرحيم ، ثنا أحمد ابن محمد بن يزيد بن سليم ، ثنا عبد الرحمن بن عمران بن أبي ليلى ـ أخو
____________
(1) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 4 | 334 عن مسند الرافعي ـ مخطوط.
( 138 )

محمد بن عمران ـ ثنا يعقوب بن موسى الهاشمي ، عن ابن أبي رواد ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : من سره أن يحيا حياتي... » (1).
فأبو نعيم أخرجه بعدة طرق عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دون طعن في شيء منها ، كما سنرى.
وأخرجه الحافظان ابن عساكر والكنجي من طريق أبي نعيم ، ثم قال الأول : « هذا حديث منكر ، وفيه غير واحد من المجهولين » (2).
وأيضا : أخرجه ابن عساكر بإسناد له عن : زيد بن وهب ، عن حذيفة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3).
وبإسناد آخر من طريق الحافظ الخطيب البغدادي ، عن أبي الطفيل ، عن سيدنا أبي ذر ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4).
فهذا الحديث مروي عندهم عن جماعة من الأصحاب ، وهم :
1 ـ عبد الله بن عباس.
2 ـ أبو ذر الغفاري.
3 ـ حذيفة بن يمان.
4 ـ زيد بن أرقم.

تحقيق السند :
أما طريقة عن أبي ذر وزيد بن أرقم فلا نجد من هؤلاء الرواة عنهما طعنا
____________
(1) حلية الأولياء 1 | 86.
(2) ترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق 2 | 95 رقم 596 ، كفاية الطالب في مناقب علي ابن أبي طالب : 214.
(3) ترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق 2 | 99.
(4) ترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق 2 | 98.

( 139 )

في شيء من الأسانيد... ولو كان لأفصحوا به ، كما وجدنا بالنسبة إلى حديث غيرهما :
فحديث ابن عباس... قال ابن عساكر بعد إخراجه من طريق أبي نعيم : « هذا حديث منكر ، وفيه غير واحد من المجهولين » وقال أبو نعيم : « غريب ».
وحديث حذيفة... وإن سكت عنه أبو نعيم وابن عساكر... فقد طعن الذهبي في سنده...
أما قول ابن عساكر : « فيه غير واحد من المجهولين » فيرده :
أولا : سكوت الطبراني والرافعي والمتقي الراوي عنهما ، مع طعنة في بعض الأحاديث كما سيأتي.
الثاني : كلام ابي نعيم ، إذ لم يقل إلا : « غريب » وسيأتي بيان معناه.
ثالثا : إن الراوي عن « ابن رواد » عند الطبراني والرافعي هو : « يعقوب بن المغيرة الهاشمي » وعند أبي نعيم وابن عساكر والكنجي هو : « يعقوب بن موسى الهاشمي » ، ولا استبعد أن تكون الجهالة على أثر اختلاف النسخ والاشتباه في اسم الراوي.
وأما قوله : « منكر » فلا يضر باعتبار الحديث ، لأن الحافظ النووي يقول في « معرفة المنكر » : « قال الحافظ البرديجي : هو الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه ، وكذا أطلقه كثيرون... » (1).
وأما قول أبي نعيم : « وهو غريب » فلا يضر كذلك ، لأن « الغرابة » تجتمع مع « الصحة » السندية ، ولذا نرى كثيرا ما يقولون : « غريب صحيح ».
وقال الحافظ النووي : « الغريب والعزيز : إذا انفرد عن الزهري وشبهه ممن يجمع حديثه رجل بحديث سمي : غريبا ، فإن انفرد اثنان أو ثلاثة سمي
____________
(1) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي 2 | 163.
( 140 )

عزيزا ، فإن رواه جماعة سمي : مشهورا.
ويدخل في الغريب ما انفرد راو بروايته أو بزيادة في متنه أو إسناده...
وينقسم إلى صحيح وغيره وهو الغالب » (1).
وأما طعن الذهبي في سند الحديث عن « حذيفة بن اليمان » فقد جاء بترجمة : « بشر بن مهران » إذ قال :
« بشر بن مهران الخصاف ، عن شريك. قال ابن أبي حاتم : ترك أبي حديثه. ويقال : بشير.
قلت : قد روى عنه محمد بن زكريا الغلابي ـ لكن الغلابي متهم ـ قال : حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسمل : من سره أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويتمسك بالقضيب الياقوت ، فليتول عليّ بن أبي طالب من بعدي » (2).

أقول :
أما ترك أبي حاتم حديث بشر فلا يعبأ به ، لقول الذهبي نفسه بترجمة أبي حاتم :
« إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله ، فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث. وإذا لين رجلا أو قال فيه : لا يحتج به ، فلا ، توقف حتى ترى ما قال غيره فيه ، وإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنه متعنت في الرجال ، قد قال في طائفة من رجال الصحاح : ليس بحجة ، ليس بقوي ، أو نحو ذلك » (3).
وقال بترجمة أبي زرعة الرازي : « يعجبني كثيرا كلام أبي زرعة في الجرح
____________
(1) تدريب الراوي ـ شرح تقريب الراوي 1 | 199.
(2) ميزان الاعتدال 1 | 325.
(3) سير أعلام النبلاء ـ ترجمة أبي حاتم 13 | 247.

( 141 )

والتعديل ، يبين عليه الورع والخبرة ، بخلاف رفيقه أبي حاتم ، فإنه جراح » (1).
وأما اتهامه « الغلابي » فمردود :
أولا : بأنه قد تابعه غيره في هذا الحديث عن بشر ، وهو : « أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل » في رواية ابن عساكر (2).
وثانيا : فإن كلمة « متهم » بحاجة إلى بيان ، فلماذا الإجمال ؟!
أما في « تذكرة الحفاظ » (3) و« سير أعلام النبلاء » (4) فذكره فيمن توفي سنة 290 هـ ولم يزد على ذلك شيئا.
وأما في « العبر » فقد ترجم له بقوله : « وفيها : محمد بن زكريا الغلابي الأخباري ، أبو جعفر ، بالبصرة. روى عن : عبد الله بن رجاء الغذاني ، وطبقته قال ابن حبان : يعتبر بحديثه إذا روى عن الثقات » انتهى (5).
أما في « ميزان الاعتدال » فقد غلبه التعصب فقال : « محمد بن زكريا الغلابي البصري الأخباري ، أبو جعفر ، عن : عبد الله بن رجاء الغداني ، وأبي الوليد ، والطبقة. وعنه : أبو القاسم الطبراني وطائفة. وهو ضعيف. وقد ذكره ابن حبان في كتاب ( الثقات ) وقال : يعتبر بحديثه إذا روى عن ثقة. وقال ابن مندة : تكلم فيه. وقال الدارقطني : يضع الحديث.
الصولي ، حدثنا الغلابي : حدثنا إبراهيم بن بشار ، عن سفيان ، عن أبي الزبير ، قال : كنا عند جابر ، فدخل علي بن الحسين ، فقال جابر : دخل الحسين فضمه النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إليه وقال : يولد لا بين هذا ابن يقال له علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ؛ ليقم سيد العابدين ، فيقوم
____________
(1) سير أعلام النبلاء ـ ترجمة أبي زرعة 13 | 65.
(2) ترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق 2 | 98.
(3) تذكرة الحفاظ 2 | 639.
(4) سير أعلام النبلاء 13 | 534.
(5) العبر في خبر من غبر 1 | 418.

( 142 )

هذا. ويولد له ولد يقال له : محمد ، إذا رأيته ـ يا جابر ـ فأقرأ عليه مني السلام.
فهذا كذب من الغلابي... » (1).
والآن ، عرف وجه الإتهام !!
لكن الأمر أكثر من ذلك ، فإن الرجل أخباري مؤرخ ، وجل مؤلفاته في أهل البيت عليهم السلام... بل الرجال من أصحابنا الإمامية ، قال الشيخ النجاشي :
« محمّد بن زكريّا بن دينار مولى بني غلاب ، أبو عبد الله ـ وبنو غلاب قبيلة بالبصرة من بني نضر بن معاوية ، وقيل : إنه ليس بغير البصرة منهم أحد ـ وكان هذا الرجل وجها من وجوه أصحابنا بالبصرة ، وكان أخباريا واسع العلم ، صنّف كتبا كثيرة. وقال لي أبو العباس ابن نوح : إنني أروي عن عشرة رجال عنه. له كتب منها : الجمل الكبير ، والجمل المختصر ، وكتاب صفّين الكبير ، وكتاب صفّين المختصر ، مقتل الحسين عليه السلام ، كتاب النهر ، كتاب الأجود ، كتاب الوافدين ، مقتل أمير المؤمنين عليه السلام ، أخبار زيد عليه السلام ، أخبار فاطمة ومنشأها ومولدها عليها السلام ، كتاب الحيل.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن نوح ، قال : حدثنا أبو الحسن علي ابن يحيى بن جعفر السلمي الحذاء ، وأبو علي أحمد بن الحسين بن إسحاق ابن شعبة الحافظ ، وعبد الجبار بن شيران الساكن بنهر خطي ، في آخرين ، قالوا : حدثنا محمد بن دينار الغلابي بجميع كتبه.
ومات محمد بن زكريا سنة 298 » (2).
إذن ، لا بد أن يتهمه الذهبي ، وأمثاله...!!
لكن لا يخفى أن هذا الجرح ساقط ، لما قررنا في مقدمات البحث
____________
(1) ميزان الاعتدال 3 | 55.
(2) رجال النجاشي : 244.

( 143 )

ـ وعلى ضوء كلمات أعلام القوم ـ من أن الجرح المستند إلى الاختلاف في العقيدة غير مسموع ، وأن التشيع ليس بضائر... مضافا إلى ما ذكرناه في التعريف بالذهبي وطريقته في الجرح...
وعلى هذا كله ، فإنه يبقى توثيق ابن حبان للغلابي بلا معارض.
فالحديث معتبر ، ويؤيده كثرة طرقه وسكوت أبي نعيم وابن عساكر وغيرهما عن الطعن فيه.

تنبيه :
الخبر المذكور ـ الذي لأجله كذب الذهبي اللابي ـ تلقاه غير واحد من الأعلام بالقبول ، ممن تقدم على الذهبي أو تأخر ، فأخرجه ابن عساكر بإسناده عن ابي بكر محمد بن يحيى الصولي ، عن الغلابي ، عن إبراهيم بن بشار ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري...
وعن ابن عساكر : الكنجي الشافعي ، قال : « هذا حديث ذكره محدث الشام في مناقبه كما أخرجناه ، وسنده معروف عند أهل النقل » (1).
وأرسله ابن حجر المكي إرسال المسلم فقال : « وكفاه شرفا أن ابن المديني روى عن جابر... » (2) فلو لم يكن الخبر صحيحا عنده لما أرسله ولما جعله مما « كفاه شرفا » !
ورواه كمال الدين محمد بن طلحة ، وهو من المتقدمين على الذهبي (3) وهو من الأئمة الفقهاء الأعلام ، ترجم له الذهبي نفسه في غير واحد من كتبه وأثنى عليه ، وكذلك غيره في كثير من المصادر ، لا سيما الكتب المؤلفة في طبقات فقهاء الشافعية.
____________
(1) كفاية الطالب : 448.
(2) الصواعق المحرقة : 120.
(3) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : 43.

( 144 )

أقول :
إن هذا الخبر إنما هو فضيلة من فضائل أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وتكذيب الذهبي ـ برمي الغلابي بالكذب ـ جريّ على عادته في رد فضائلهم عليهم السلام حتى نسب إلى النصب.
ولكني رأيت بعضهم (1) يرد خبر إبلاغ جابر الإمام باقر السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن فرقة من الشيعة ـ اخترعها وسماها بالباقرية ـ استدلت به على أن الباقر عليه السلام هو « المهدي المنتظر » فقالت هذه الطائفة : « ما أقرأه السلام إلا وهو المنتظر المهدي » قال : « يقال لهم بعد صحة الخبر : ينبغي أن يكون أويس القرني مهديا منتظرا ، لأنه صح... ».
ألا سائل يسأل الصفدي : من هذه الفرقة ؟! وأين كانت ؟! ومن أسسها ؟! ومن أين نقلت هذا الاستدلال ؟!...
ثم يقال له : إن في ذيل الخبر ـ عند ابن عساكر ـ : « يا جابر ، إعلم أن المهدي من ولده ، واعلم ـ يا جابر ـ أن بقاءك بعده قليل ».
فلماذا كل هذا السعي وراء رد فضيلة من فضائل العترة حتى بالافتراء والتزوير ؟!
وثالثا : أنا لو تنزلنا عن جميع ما ذكر ، وسلمنا ضعف طريق حديث حذيفة ، ففي الاحتجاج بحديث غيره كفاية ، فقد رأينا أن ابن عساكر ـ الذي طعن في حديث ابن عباس ـ لم يطعن في حديث زيد بن أرقم ، وحديث أبي ذر ، كما لم يطعن في حديث حذيفة.
ورابعا : لو سلمنا ضعف أسانيد جميع هذه الأحاديث ، فقد تقرر عندهم أن هكذا حديث ـ حتى لو كان كل طرقه ضفيفة ـ حجة :
____________
(1) هو الصفدي ، انظر : الوفاي بالوفيات 4 | 102 ـ 103.
( 145 )

قال المنّاوي ـ بعد الكلام على بعض الأخبار ردا على ابن تيمية ـ : « وهذه الأخبار وإن فرض ضعفها جميعا ، لكن لا ينكر تقوّي الحديث الضعيف ـ بكثرة طرفه وتعدد مخرجيه ـ إلا جاهل بالصناعة الحديثية أو معائد متعصب ، والظن به أنه من القبيل الثاني » (1).

قلت :
بل هو اليقين في مثل ابن تيمية والذهبي ! بالنظر إلى ما أسلفنا باختصار من ذكر ترجمتهما وتصريح غير واحد من الأعلام بكونهما معاندين يتكلمان بالتعصب والهوى.
* وقد قلدهما في الطعن في الأحاديث بهذه الطريقة بعض المعاصرين ، ثم أصبح ـ بدوره ـ قدوة لبعض الناشئة من الكتاب... وهو الشيخ ناصر الدين الألباني ، قال :
« 894 ـ من سره أن يحيا حياتي...
موضوع ، أخرجه أبو نعيم 1 | 86 من طريق... وقال : وهو غريب.
قلت : وهذا إسناد مظلم ، كل من دون ابن أبي رواد مجهولون ، لم أجد من ذكرهم غير أنه يترجح عندي أن أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم إنما هو : ابن مسلم الأنصاري الأطرابلسي المعروف بابن ابن الحناجر ، قال ابن أبي حاتم 1 | 1 | 73 : كتبنا عنه وهو صدوق ، وله ترجمة في تاريخ ابن عساكر 2 | ق113 ـ 114 | 1.
وأما سائرهم فلم أعرفهم ، فأحدهم هو الذي اختلق هذا الحديث الظاهر البطلان والتركيب. وفضل علي ـ رضي الله عنه ـ أشهر من أن يستدل عليه بمثل هذه الموضوعات الي يتشبث لاشيعة بها ، ويسودون كتبهم بالعشرات من
____________
(1) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 3 | 170.
( 146 )

أمثالها ، مجالدين بها في إثبات حقيقة لم يبق اليوم أحد يجحدها ، وهي فضيلة عليّ رضي الله عنه.
ثم الحديث عزاء في الجامع الكبير 2 | 53 2 | 1 للرافعي أيضا عن ابن عباس. ثم رأيت ابن عساكر أخرجه في تاريخ دمشق 12 | 130 | 2 من طريق أبي نعيم ثم قال عقبه : هذا حديث منكر ، وفيه غير واحد من المجهولين.
قلت : وكيف لا يكون منكرا ، وفيه مثل ذاك الدعاء : لا أنالهم الله شفاعتي ، الذي لا يعهد مثله عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، ولا يتناسب مع خلقه صلى الله عليه [ وآله ] وسلم رأفته ورحمته بأمته.
وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها صاحب المراجعات ، عبد الحسين الموسوي ، نقلا عن كنز العمال 6 | 155 و217 ـ 218 ، موهما أنه في مسند الإمام أحمد ، معرضا عن تضعيف صاحب الكنز إياه تبعا للسيوطي ».

أقول :
هذه عبارته حول هذا الحديث ، وهي قطعة من كلام طويل له ، تعرض فيه بالنقد لبعض الأحاديث التي احتج بها السيد في هذه المراجعة... وقد أورد الدكتور السالوس كلام هذا الشيخ بطوله في هامش كتيبه حول حديث الثقلين (1). وفيه مواقع للنظر.
أولها : في حكمه بوضع هذا الحديث إستنادا إلى أن « كل من دون ابن أبي رواد مجهولون... فلم أعرفهم ، فأحدهم هو الذي اختلق هذا الحديث ، إذ أنه باطل ومردود بوجوه :
1 ـ إن الذي أخرج الحديث في كتابه بواسطة مشايخه ، وكان أقرب عهدا
____________
(1) حديث الثقلين وفقهه ، هامش ص : 28 عن سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، الجزء الثاني.
( 147 )

وأكثر معرفة برواته ـ وهو الحافظ أبو نعيم ـ لم يرم الحديث بالضف فضلا عن الوضع ، بل غاية ما هنالك أنه قال : « وهو غريب ».
وقد بينا المراد من « الغريب » في اصطلاح علم الحديث ، والشيخ غير جاهل بذلك قطعا.
2 ـ إنه قد نبه الحافظ ابن عساكر من قبل على أن : « فيه غير واحد من المجهولين » ولم يحكم على الحديث إلا بأنه « منكر » ، وقد عرفنا معنى هذه الكلمة اصطلاحا ، فهل الكشف للشيخ ما خفي على ابن عساكر فأضاف أنه « موضوع » ؟!
3 ـ إن لنا أن نسأل الشيخ عن المبرر لنسبة « الأختلاق » إلى « من لا يعرفه » وأنه هل وصل إلى مرحلة من « المعرفة » !! تجوز له إلحاق من لم يعرفه بمن يعرفه بالاختلاق ؟!
وثانيها : في قوله ـ في الحديث ـ : « الظاهر البطلان والتركيب ، وفضل علي ـ رضي الله عنه ـ أشهر من أن يستدل عليه بمثل هذه الموضوعات التي يتشبث الشيعة بها ، ويسودون كتبهم بالعشرات من أمثالها... » فإن هذا الحديث واحد من عشرات الأحاديث المتفق عليها ، ومن النصوص الدالة على إمامة أمير المؤمنين وأئمة أهل البيت عليهم السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما لا يخفى على من تأمل في ألفاظها ، ولذا يعد عند هذا الشيخ النجيب ! وأمثاله نم أتباع ابن الجوزي « ظاهر البطلان والتركيب » !!
ثم الأجدر بنا أن نمر على سائر ما في هذه العبارة « كراما » ولا نقول إلا « سلاما ».
وثالثها : في قوله : « وكيف لا يكون منكرا ؟ وفيه مثل ذاك الدعاء... ولا يتناسب مع خلقه... » فإنه غفل أو تغافل عن المراد من « منكر » وقد ذكرنا أنه اصطلاح في علم الحديث وبينا معناه... وأما أن مثل هذا الدعاء لا يتناسب مع خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلام بارد جدا ، لأن من


( 148 )

كذب بفضل العترة النبوية الهادية ولم يقتد بها فهو ضال ، و( ماذا بعد الحق إلا الضلال ) (1) ، ومن قطع فيهم صلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان من الذين ( يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) (2) ، وحينئذ ( فما نتفعهم شفاعة الشافعين ) (3) وكيف تنال شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أعرض عن أهل بيته الطاهرين وهو القائل في حق الثقلين : « ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا » ؟!
وأما دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم على بعض الناس ، ولعنته البعض الآخر... فموارده في سيرته المباركة غير قليلة ، ومن اليسير الوقوف عليه بأدنى مراجعة.
ورابعها : قوله أخيرا : « وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها صاحب المراجعات... موهما... » فإنه فرية واضحة ، إذ ليس في كلام السيد أيّ إيهام بكون الحديث في مسند أحمد ، كما أنّا راجعنا « كنز العمّال » ونقلنا عبارته سابقا ولم نجد في ذاك الموضع تضعيفا منه للحديث !!

* وأما الحديث الثاني فقد أخرجه عدا من ذكر من الأعلام :
الإمام أبو جعفر الطبري ـ في منتخب ذيل المذيل : 589 ، في ذكر من روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من همدان ـ : « حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، قال : حدثنا أحمد بن أشكاب ، قال : حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي ، عن عمار بن زريق الضبي ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن زياد بن مطرف ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول :
____________
(1) سورة يونس 10 : 32.
(2) سورة الرعد 13 : 25.
(3) سورة المدثر 74 : 48.

( 149 )

من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي ، قضبانا من قضبانها غرسها في جنة الخلد ، فليتول علي بن أبي طالب وذريته من بعده ، فإنهم لن يخرجوهم من باب هدى ، ولن يدخلوهم في باب ضلالة ».
والحافظ الطبراني ، فقد قال الهيثمي : « وعن زياد بن مطرف ، عن زيد بن أرقم ، وربما لم يذكر زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : من أحب...
رواه الطبراني ، وفيه : يحيى بن يعلى الأسلمي ، وهو ضعيف » (1).
والمتقي الهندي ، عن مطين ، والبارودي ، وابن شاهين ، وابن مندة ، عن زياد بن مطرف. قال : « وهو واه » (2).
فهؤلاء كلهم رووا هذا الحديث عن ( زياد بن مطرف ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم نعرف تضعيفا منهم لسنده إلا من الهيثمي والمتقي ، وليس إلا لـ « يحيى بن يعلى الأسلمي ».

فظهر :
1 ـ إن هذا الحديث غير الحديث الآتي.
2 ـ إن مخرجي هذا الحديث جماعة من الأعلام ، ولم يطعن أحد منهم في سنده.
3 ـ إنه لم يضعف أحد من رجاله إلا « يحيى بن يعلى الأسلمي » ، وسيأتي تحقيق الحال في ذلك.

* وأما الحديث الثالث فيختلف عن الثاني من وجوه :
____________
(1) مجمع الزوائد 9 | 108.
(2) كنز العمال 11 | 611 رقم 32960 ، منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد 5 | 32.

( 150 )

أحدها : المتن ، كما لا يخفى على من قارن بين لفظيهما.
والثاني : الصحابي الراوي.
والثالث : الأعلام المخرجون ، فذاك لم يكن الحاكم وأبو نعيم من رواته ، وهذا لم يره الأئمة الرواة لذاك.
والرابع : التنصيص من بعض المخرجين على صحة هذا ، دون ذاك.
ولهذه الأمور وغيرها أفرد المتقي في كتابيه رواية كل منهما عن الآخر واختلف تعبيره عنهما.
وهذا الحديث ـ كما ذكر السيد رحمه الله ـ أخرجه الحاكم وصححه حيث قال : « حدثنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو ، ثنا إسحق ، ثنا القاسم بن أبي شيبة ، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي ، ثنا عمار بن زريق ، عن أبي إسحاق ، عن زياد بن مطرف ، عن زيد بن أرقم ـ رضي الله عنه ـ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من يردي أن يحيى حياتي ، ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي ، فليتول التي وعدني ربي ، فليتول علي بن أبي طالب ، فإنه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم في ضلالة.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » (1).
وأخرجه الحافظ أبو نعيم ، قال : « حدثنا محمد بن أحمد بن علي ، قال : ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : ثنا إبراهيم بن الحسن التغلبي ، قال : ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي ، قال : ثنا عمار بن زريق ، عن أبي إسحاق ، عن زياد بن مطرف ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم...
غريب من حديث أبي إسحاق تفرد به يحيى عن عمار.
وحدث به أبو حاتم الرازي ، عن أبي بكر الأعين ، عن يحيى الحماني
____________
(1) المستدرك على الصحيحين 3 | 128.
( 151 )

عن يحيى بن يعلى.
وحدثناه محمد بن أحمد بن إبراهيم ، قال : نا الوليد بن أبان ، قال : نا أبوحاتم به » (1).
وأخرجه الحافظ ابن عساكر بإسناده عن : « يحيى بن عبد الحميد الحماني ، أنبأنا يحيى بن يعلى ، عن عمار بن زريق ، عن أبي إسحاق ، عن زياد بن مطرف ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم... » (2).
وأخرجه الطبراني ، وعنه المتقي الهندي ، فإنه بعد أن رواه قال : « طب ، ك وتعقب ، وأبو نعيم في فضائل الصحابة ، عن زيد بن أرقم » (3).
تحقيق السند :
أقول : والمراد من « التعقب » ما ذكره الذهبي في ( تلخيصه ) : « قلت : أنى له الصحة ؟ والقاسم متروك ، وشيخه ضعيف ، واللفظ ركيك. فهو إلى الوضع أقرب » (4).
و« القاسم » هو « القاسم بن أبي شيبة ». و « شيخه » هو : « يحيى بن يعلى الأسلمي ».

أقول
لكن « القاسم » ـ سواء كان متروكا أو غير متروك ـ غير موجود في غير
____________
(1) حلية الأولياء 4 | 349 ـ 350.
(2) ترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق 2 | 99 حديث رقم 602 وفيه : عمار بن مطرف ، وهو غلط.
(3) كنز العمال 11 | 611 الحديث رقم 32959 ، منتخبه على هامش مسند أحمد 5 | 32.
(4) تلخيص المستدرك ـ على هامشه ـ 3 | 128.

( 152 )

الحاكم من طرق الحديث ، ولذا كان الإشكال من ناحية « يحيى بن يعلى الأسلمي » فقط.
لكن هذا الإشكال مندفع كذلك لوجوه :
الاول : إن الحافظين أبا نعيم وابن عساكر لم يتكلما في سند هذا الحديث أصلا ، وقد رأينا ابن عساكر كيف نبه ـ في الحديث الأول ـ على أن « فيه غير واحد من المجهولين » فلو كان « يحيى » هذا ضعيفا لكان أولى بالتنبيه عليه. ورأينا أيضا كيف يذكر أبو نعيم للحديث طرقا عدة ، عن جماعة من الأعلام ، ولا يتعرض لشيء قادح في سنده. أما قوله : « غريب من حديث أبي غسحاق » فقد عرفت معناه ، على أن « أبا إسحاق » وهو السبيعي غير موجود في بعض الطرق الأخرى.
والثاني : إن تضعيف « يحيى بن يعلى الأسلمي » معارض بتصحيح الحاكم للحديث ، الدال على ثقته.
والثالث : إن الرجل من رجال البخاري في « الأدب المفرد » والترمذي في ( صحيحه ) ومن مشايخ كثير من الأعلام كأبي بكر ابن أبي شيبة وأقرانه (1).
والرابع : إن غاية ما هناك تعارض الجرح والتعديل في حق الرجل ، لكن الجارح هو « أبو حاتم » القائل : « ضعيف الحديث ، ليس بالقوي » وابن حبان القائل في « الضعفاء » : « يروي عن الثقات المقلوبات ، فلا أدري ممن وقع ذلك ، منه أو من الراوي عنه أبي ضرار بن صرد ، فيجب التنكب عما رويا » والبزار القائل : « يغلط في الأسانيد » والبخاري القائل : « مضطرب الحديث » (2)
____________
(1) تهذيب التهذيب 11 | 266.
(2) تهذيب التهذيب 11 | 266.