المراجعة ـ 12
حجج الكتاب

قيل :
« لابد قبل التعرض لاستشهاد المؤلف بالآيات على ما ذهب إليه ، من كلمة موجزة في منهج الشيعة في تفسير القرآن الكريم :
إن الدارس للفرق والمذاهب التي نشأت بعد حركة الفتح الإسلامي واستقرار الإسلام بدولته المترامية ، لا بد وأنه يلاحظ أولا أن هذه الفرق اتخذت القرآن الكريم وسيلة للاستدلال على آرائها ، ولكن الفرق بين أصحاب الآراء الصحيحة التي لا تخالف الأصول الإسلامية وبين غيرهم من أصحاب المذاهب المبتدعة : أن الأوائل كانوا تابعين لما تدل عليه معاني القرآن الكريم ، موضحين لدلالات ألفاظه كما فهمها سلف الأمة وعلماؤها ، وكما فسرها الرسول صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان ، فكانوا ضمن دائرة التمسك بالكتاب والسنة ، لم يشذوا عنها.
أما أصحاب البدع والأهواء ، فقد رأوا آراء ، واعتقدوا اعتقادات أرادوا أن يروّجوها على الناس ، فأعوزتهم الأدلّة ، فالتفتوا إلى القرآن الكريم... وهم كما قال ابن تيمية...
أمثلة من مواقف الشيعة في التفسير : يقول ملا حسن الكاشي في مقدمة كتابه : ( الصافي في تفسير القرآن الكريم )...


( 175 )

وملا محسن الكاشي ممن يرى أن القرآن قد حرف... ولا يتورع هذا الرافضي المفتري من الطعن على كبار الصحابة الكرام ، ويرميهم بكل نقيصة ، ويجردهم من كل مكرمة ، هكذا فعل مع عثمان في تفسير الآيتين 84 و85 من سورة البقرة ، وهكذا فعل مع أ[ي بكر في تفسير الآية 40 من سورة التوبة ، وكذلك طعن في أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة عند تفسيره أول سورة التحريم ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك... ).
ويعتقد عبدالله بن محم رضا العلوي ـ الشهير بشبر ـ المتوفى سنة 1242 أن القرآن قد حرّف... وعند تفسيره لقوله تعالى في الأية 40 من سورة التوبة ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ) الآية ، نجده يعرض عن تعيين هذا الذي صحب النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم في هجرته وهو أبو بكر ، ثم يصرح أو يلمح بما نقص من قدره أو يذهب بفضله المنسوب إليه والمنوّه به في القرآن الكريم ، فيقول... ».

أقول :
لابد قبل التعرض لاستدلال السيد ـ رحمه الله ـ بآيات الكتاب الكريم على ولاية أهل البيت عليهم السلام ، على ضوء الأخبار المتفق عليها بين علماء الفريقين ، من ذكر الأمور التالية بإيجاز :
1 ـ إنه كما لغير الشيعة الإمامية الاثني عشرية من الفرق الإسلامية منهج في تفسير القرآن الكريم ، وفهم حقائقه وأحكامه ، وأسباب نزول


( 176 )

آياته... كذلك الشيعة ، وإن منهجهم يتلخص في الرجوع إلى القرآن وما ورد عن العترة المعصومين بالأسانيد المعتبرة... وهذا أمر واضح وللتحقيق فيه مجال آخر.
2 ـ إلا أن منهج البحث في كتب المناظرة يختلف... فإن من الأصول التي يجب على الباحث المناظر الالتزام بها هو : الاستدلال بالروايات الواردة عن طريق رجال المذهب الذي يعتنقه الطرف المقابل ، وكلمات العلماء المحققين المعروفين من أبناء الطائفة التي ينتمي إليها.
فهذا مما يجب الالتزام به في كل بحث يتعلق بالفرق والمذاهب ، وإلا فإن كل فرقة ترى الحق في كتبها ورواياتها ، وتقول ببطلان ما ذهب إليه وقال به غيرها ، فتكون المناقشة بلا معنى والمناظرة بلا جدوى.
وعلى هذه القاعدة مشى السيد ـ رحمه الله ـ في ( مراجعاته ) مع شيخ الأزهر ( الشيخ البشري ).
وفي ( حجج الكتاب )... حيث يشير إلى المصادر السنية المقبولة لدى ( الشيخ )...
فكان القول بنزول الآية المباركة في أمير المؤمنين أو أهل البيت عليهم السلام قولا متفقا عليه بين الطرفين ، والحديث الوارد في ذلك سنة ثابتة يجب اتباعها والتمسك بها على كلا الفريقين.
وقد كانت هذه طريقة علمائنا المتقدمين...
3 ـ ولم نجد الالتزام بهذه الطريقة التي تفرضها طبيعة البحث والحوار في كلمات أكثر علماء أهل السنة...
ومن أراد التأكد من هذا الذي نقوله فلينظر ـ مثلا ـ إلى كتاب « منهاج


( 177 )

الكرامة في إثبات الإمامة » للعلامة الحلي ، وما قاله ابن تيمية في ( منهاجه ) في الرد عليه ، وليقارن بين المنهاجين ، خصوصا في فصل الاستدلال بالكتاب ، فبدلا من أن يلتزم ابن تيمية بالقواعد والآداب أخذ يسب العلامة ويشتمه ويتهمه بأنواع التهم ! ثم يضطر إلى اتهام كبار أئمة السنة في التفسير والحديث ـ الذين نقل عنهم العلامة القول بنزول الآيات في أهل البيت كالثعلبي والواحدي والبغوي ونظرائهم ـ بنقل الموضوعات ورواية المكذوبات ، وأمثال ذلك من الاتهامات ، وسنتعرض لذلك في خلال البحث عن الآيات.
ثم إن ابن تيمية أصبح ـ وللأسف ـ قدوة للذين يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى الله ورسوله ، فلووا رؤوسهم واستكبروا استكبارا ، أما الشيخ البشري وأمثاله ، فأذعنوا للحق واتبعوه ، فمنهم من أخفى ذلك ومنهم من أجهر به إجهارا...
4 ـ وفضائل الإمام علي وأهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم ، وما نزل فيهم من آياته الكريمة ، كثيرة جدا ، حتى أن جماعة من أعلام السنة أفردوا ذلك بالتأليف...
هذا ، بالرغم من الحصار الشديد المضروب على رواية هذا النوع من الأحاديث ورواته !
أما غير أهل البيت ، فلم يدع ـ حتى في كتب القوم ـ نزول شيء من الآيات في حقهم..!
أنظر إلى كلام القاضي عضد الدين الإيجي ـ المتوفى سنة 756 هـ ـ في كتابه « المواقف في علم الكلام » الذي هو من أجل متونهم في علم الكلام ، يقول :
« المقصد الرابع : في الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه [ وآله


( 178 )

وسلم ، وهو عندنا أبو بكر ، وعند الشيعة علي ، رضي الله عنهما. لنا وجهان : الأول : إن طريقه إما النص أو الإجماع. أما النص فلم يوجد... » (1).
نعم ، ذكر في المقصد الخامس ، في أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « هو عندنا وأكثر قدماء المعتزلة أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ، وعند الشيعة وأكثر متأخري المعتزلة علي. لنا وجوه الأول : قوله تعالى : ( وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى ) (2). قال أكثر المفسرين ـ واعتمد عليه العلماء ـ أنها نزلت في أبي بكر. الثاني : قوله عليه السلام... » (3).
فلم يستدل من الكتاب إلا بآية واحدة ، نسب إلى أكثر المفسرين نزولها في أبي بكر.
فهذه آية واحدة فقط !
وهناك آية ثانية ، وهي آية الغار ، جعلوها فضيلة لأبي بكر ، واستدلوا بها في الكتب.
أما آية الغار فممن تكلم في الاستدلال بها : المأمون العباسي ، الذي وصفه الحافظ السيوطي في كتابه « تاريخ الخلفاء وأمراء المؤمنين » فقال : « قرأ العلم في صغره وسمع الحديث من : أبيه ، وهشيم ، وعباد بن العوام ، ويوسف ابن عطية ، وأبي معاوية الضرير ، وإسماعيل بن علية ، وحجاج الأعور ، وطبقتهم. وأدبة اليزيدي ، وجمع الفقهاء من الآفاق ، وبرع في الفقه والعربية وأيام الناس ، ولما كبر عني بالفلسفة وعلوم الأوائل ومهر فيها ، فجره ذلك إلى القول بخلق القرآن.
____________
(1) المواقف في علم الكلام ـ بشرح الجرجاني ـ 8 | 354.
(2) سورة الليل 92 : 17 و18.
(3) المواقف في علم الكلام ـ بشرح الجرجاني ـ 8 | 365.

( 179 )

روى عنه : ولده الفضل ، ويحيى بن أكثم ، وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي ، والأمير عبد الله بن طاهر ، وأحمد بن الحارث الشيعي ، ودعبل الخزاعي ، وآخرون.
وكان أفضل رجال بين العباس حزما وعزما ، وحلما وعلما ، ورأيا ودهاء ، وهيبة وشجاعة ، وسؤددا وسماحة ، وله محاسن وسيرة طويلة ، لولا ما أتاه من محنة الناس في القول بخلق القرآن ، ولم يل الخلافة من بني العباس أعلم منه ، وكان فصيحا مفوها... » (1).
تكلم المأمون في آية الغار ، في مجلس ضم قاضي القضاة يحيى بن أكثم وأئمة العصر في الفقه والحديث ، في مسائل كثيرة من أبواب الفضائل والمناقب ، فكان أن قال لمخاطبه ـ وهو : إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد بن زيد ؛ والراوي إسحاق نفسه ـ :
«... فما فضله الذي قصدت له الساعة ؟ قلت قول الله عز وجل : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) (2) فنسبه إلى صحبته.
قال : يا إسحاق أما إني لا أحملك على الوعر من طريقتك ، إني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضي عن كافرا ، وهو قوله : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا * لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ) (3).
قلت : إن ذلك كان صاحبا كافرا ، وأبو بكر مؤمن.
قال : فإذا جاز أن ينسب إلى صحبة من رضيه كافرا ، جاز أن ينسب
____________
(1) تاريخ الخلفاء : 306.
(2) سورة التوبة 9 : 40.
(3) سورة الكهف 18 : 37 و38.

( 180 )

إلى صحبة نبيه مؤمنا ، وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث.
قلت : يا أمير المؤمنين ، إن قدر الآية عظيم.. إن الله يقول : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ).
قال : يا إسحاق ، تأبى الآن أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك ؛ أخبرني عن حزن أبي بكر ، أكان رضا أم سخطا ؟
قلت : إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم خوفا عليه وغما أن يصل إلى رسول الله شيء من المكروه.
قال : ليس هذا جوابي . إنما كان جوابي أن تقول رضا أم.
قلت : بل كان رضا لله.
قال : وكان الله جل ذكره بعث إلينا رسولا ينهى عن رضا الله عز وجل وعن طاعته ؟!
قلت : أعوذ بالله.
قال : أو ليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضا لله ؟!
قلت : بلى.
قال : أولم تجد أن القرآن يشهد أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال : لا تحزن. نهيا له عن الحزن ؟!
قلت : أعوذ بالله !
قال : يا إسحاق ، إن مذهبي الرفق بك ، لعل الله يردك إلى الحق ويعدل بك عن الباطل ، لكثرة ما تستعيذ به.
وحدثني عن قول الله : ( فأنزل الله سكينته عليه ) من عني بذلك رسول الله أم أبو بكر ؟
قلت : بل رسول الله.
قال : صدقت.


( 181 )

قال فحدثني عن قول الله عز وجل ( يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) إلى قوله ) ثم أنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) (1) أتعلم من المؤمنين الذين أراد الله في هذا الموضع ؟
قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين.
قال : الناس جميعا انهزموا يوم حنين ، فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إلا سبعة نفر من بني هاشم ، علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله ، والخمسة محدقون به خوفا من أن يناله من جراح القوم شيء ، حتى أعطى الله لرسوله الظفر ، فالمؤمنون في هذا الموضع علي خاصة ثم من حضره من بني هاشم.
قال : فمن أفضل ؟ من كان مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم في ذلك الوقت ، أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه ؟
قلت : بل من أنزلت عليه السكينة.
قال : يا إسحاق ، من أفضل ؟ من كان معه الغار ، أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه حتى تم لرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ما أراد الهجرة ؟
إن الله تبارك وتعالى أمر رسوله أن يأمر عليا بالنوم على فراشه وأن يقي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بذلك ، فبكى علي ـ رضي الله عنه ـ ، فقال له رسول الله : ما يبكيك يا علي ؟! أجزعا من الموت ؟!
قال : لا ، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ، ولكن خوفا عليك ،
____________
(1) سورة التوبة 9 : 25 و 26.
( 182 )

أفتسلم يا رسول الله ؟
قال : نعم.
قال : سمعا وطاعة نفسي بالفداء لك يا رسول الله.
ثم أتى مضجعه واضطجع وتسجى بثوبه. وجاء المشركون من قريش فحفوا به لا يشكون أنه رسول الله ، وقد أجمعوا أن يضربه من كل بطن من بطون قريش ضربة بالسيف لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطنا بدمه وعلي يسمع ما القوم فيه من تلاف نفسه ، ولم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحبه في الغار.
ولم يزل علي صابرا محتسبا ، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش ، حتى أصبح ، فلما أصبح قام ، فنظر القوم إليه ، فقالوا : أين محمد ؟! قال : وما علمي بمحمد أين هو ! قالوا : فلا نراك إلا مغرورا بنفسك منذ ليلتنا.
فلم يزل علي أفضل ، ما بدا به يزيد ولا ينقص ، حتى قبضه الله إليه » (1).
وأما الآية الأخرى ، فقد ذكرنا في تعليقة « المواقف » في الجواب عن الاستدلال بها وجوها :
الأول : إن نزولها في ابي بكر غير متفق عليه بين المفسرين من أهل السنة ، وحتى كونه قول أكثر المفسرين غير ثابت ، وإن جاء ذلك في شرح المواقف (2).
ومن المفسرين من حمل الآية على العموم ، ومنهم من قال بنزولها في
____________
(1) العقد الفريد 5 | 349.
(2) شرح المواقف 8 | 366.

( 183 )

قصة أبي الدحداح وصاحب النخلة ، كما ذكر السيوطي (1).
والثاني : إنّ رواة نزولها في حق أبي بكر ما هم إلا آل الزبير ، وهؤلاء قوم منحرفون عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ومعروفون بذلك.
والثالث : إن سند خبر نزولها في ابي بكر غير معتبر ، قال الحافظ الهيثمي :
« وعن عبدالله بن زبير ، قال : نزلت في أبي بكر الصديق : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى ) (2).
رواه الطبراني ، وفيه : مصعب بن ثابت. وفيه ضعف » (3).

قلت :
وهذا الرجل هو : مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ؛ ولاحظ الكلمات في تضعيفه بترجمته (4).
هذا بالنسبة إلى أبي بكر.
وأما عمر وعثمان ، فلم يزعموا نزول شيء فيهما من القرآن...
5 ـ بل لو تتبعت كتبهم في مختلف العلوم لوجدت للقوم مثالب في القرآن الكريم ، ونحن الآن في غني عن التعرض لمثل هذه الأمور ، غير أنا نشير إلى أن نزول قوله تعالى ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة
____________
(1) الدر المنثور 6 | 358.
(2) سورة الليل 92 : 19 | 21.
(3) مجمع الزوائد 9 | 50.
(4) تهذيب التهذيب 10 | 144.

( 184 )

إيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبّأها به قال من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير * إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات... ) (1) في عائشة وحفصة مذكور في أشهر كتب القوم من الصحاح وغيرها ، فراجع إن شئت :
مسند أحمد بن حنبل 1 | 33.
صحيح البخاري : كتاب النكاح ، باب في موعظة الرجل ابنته.
صحيح البخاري : كتاب التفسير ، بتفسير الآية : ( تبتغي مرضات أزواجك ).
صحيح مسلم : كتاب الرضاع ، باب في الإيلاء واعتزال النساء.
صحيح الترمذي 2 | 231.
صحيح النسائي 2 | 140.
وفي هذا القدر كفاية ، لتعلم أن القصة التي أوردها الشيخ محسن الكاشاني مذكورة في كتبهم ، ولتعرف من المتقول المفتري !!
وبعد المقدمة ، وقبل الورود في ( تشييد المراجعات ) نقول :
لقد كان ابن تيمية ـ كما أشرنا من قبل ـ قدوة للمكابرين من بعده ، فهم متى ما أعوزهم الدليل ، وعجزوا عن المناقشة ، لجأوا إلى كلماته المضطربة المتهافتة ، التي لا علاقة لها بالمطلب ، ولا أساس لها من الصحة... ومن ذلك هذا المورد ، وبيان ذلك بإيجاز هو :
____________
(1) سورة التحريم 66 : 1 ـ 5.
( 185 )

إنّ المقام ليس مقام البحث عن المناهج التفسيرية عند هذه الفرقة أو تلك ، وإنما المقصود ذكر الأخبار والأقوال الواردة في كتب أهل السنة المعروفة ، في طائفة من آيات الكتاب النازلة في حق أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام... فهذا هوالمقصود.
وأما أن منهج الشيعة في التفسير ما هو ؟ ومنهج غيرهم ما هو ؟ وأي منهما هو الصحيح ؟ فتلك بحوث تطرح في محلها.
ثم إن للشيعي أن يقول نفس هذا الكلام الذي قاله القائل ، فيقول : « إن الدارس للفِرق والمذاهب... ولكن الفرق بين أصحاب الآراء الصحيحة التي لا تخالف الأصول الإسلاميّة ، وبين غيرهم من أصحاب المذاهب المبتدعة... ».
لكن من هم « أصحاب الآراء الصحيحة » ؟! ومن هم « أصحاب المذاهب المبتدعة » ؟!
فنحن نقول : إن « أصحاب الآراء الصحيحة » في فهم القرآن الكريم ، هم أتباع الأئمة الطاهرين من أهل البيت ، كالإمامين الباقر والصادق عليهما السلام...
وإن « أصحاب المذاهب المبتدعة » هم : عكرمة البربري... وأمثاله.
وسنفصل الكلام في التعريف بعكرمة وأمثاله على ضوء كلمات أهل السنة.
وعلى الجملة : فإن السيد ـ رحمه الله ـ لم يستدل في بحوثه هذه بالآيات الكريمة على « منهج الشيعة في التفسير » ، وإنما استدل بروايات أهل السنة وأقوال مفسريهم المشاهير على ما هو « منهج البحث والمناظرة ».
وتعرض هذا القائل هنا لمسألة « تحريف القرآن ».. وهذه أيضا لا علاقة


( 186 )

لها بالبحث ، وإنما لاغرض من ذكرها هنا تشويه مذهب الشيعة ، ونحن نحيل القارئ المنصف إلى كتابنا المطبوع المنتشر في الموضوع وهو : « التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف » (1) ليظهر له رأينا في المسألة ، ويتبين له من القائل بالتحريف !
فلنشرع في ( تشييد المراجعات ) : في ( حجج الكتاب ) :
____________
(1) نشر أولا في حلقات في مجلة تراثنا ، في الأعداد 6 ـ 14 ، ثم نشرته مؤسسة دار القرآن الكريم في 371 صفحة ، ولعله خير كتاب أخرج للناس في موضوعه.
( 187 )

آية التطهير

قال السيد ،
مخاطبا الشيخ سليم البشري :
« إنكم ـ بحمد الله ـ ممن وسعوا الكتاب علما ، وأحاطوا بجليه وخفيه خبرا ، فهل نزل من آياته الباهرة في أحد ما نزل في العترة الطاهرة ؟! هل حكمت محكماته بذهاب الرجس عن غيرهم ؟! وهل لأحد من العالمين كآية تطهيرهم ؟! ».

أقول :
هذه الآية مباركة هي قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم رجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (1).
وقد استدل بها أصحابنا ـ تبعا لأئمة العترة الطاهرة ـ على عصمة « أهل البيت » ومن ثم فهي من أدلة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة الطاهرين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد كابر بشأنها الخوارج ، والنواصب ، والمخالفون لـ « أهل البيت » منذ اليوم الأول ، وإلى يومنا هذا... ولذا كانت هذه الآية موضع البحث والتحقيق ، والأخذ والرد ، وكتبت حولها الكتب والدارسات الكثيرة (2).
____________
(1) سورة الأحزاب 33 : 33.
(2) ولنا فيها كتاب ردا على كتيّب للدكتور علي أحمد السالوس ، أسماه : « آية التطهير بين أمهات المؤمنين وأهل الكساء » صدر بعنوان « مع الدكتور السالوس في آية التطهير » وهناك التفصيل الأكثر.

( 188 )

ونحن نذكر وجه الاستدلال ، ولينظر الناظرون هل هو « ضمن دائرة التمسك بالكتاب والسنة ».. أو لا ؟!
وهذه هي الأقوال في المسألة نقلا عن أحد المتعصبين ضد الشيعة الإمامية :
« وفي المراد بأهل البيت ها هنا ثلاثة أقوال :
أحدها : أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، لأنهن في بيته. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. وبه قال عكرمة وابن السائب ومقاتل. ويؤكد هذا القول أن ما قبله وما بعده متعلق بأزواج رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم. وعلى أرباب هذا القول اعتراض ، وهو : إن جمع المؤنث بالنون فكيف قيل ( عنكم ) و( يطهركم ) ؟ فالجواب : إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فيهن فغلب المذكر.
والثاني : إنه خاص في : رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين. قاله أبو سعيد الخدري ، وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك.
والثالث : إنهم أهل رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأزواجه ، قاله الضحاك » (18).
فهذه عبارة الحافظ ابن الجوزي..
فالقائل باختصاص الآية بالرسول وبضعته ووصيه وسبطيه عليهم الصلاة والسلام ، هم جماعة من الصحابة ، وعلى رأسهم : أم سلمة وعائشة... من زوجاته...
____________
(1) زاد المسير في علم التفسير ـ للحافظ ابن الجوزي ، المتوفى ستة 597 ـ 6 | 381 ـ 382.
( 189 )

وعلى رأس القائلين بكونها خاصة بالأزواج : عكرمة البربري... لما سيأتي من أن ابن عباس من القائلين بالقول الثاني.
أما القول الثالث فلم يحكه إلا عن الضحاك !
فمن هم « أصحاب الآراء الصحيحة » ؟! ولماذا أعرض الذين ادعوا أنهم « كانوا تابعين لما تدل عليه معاني القرآن الكريم ، موضحين لدلالات ألفاظه كما فهمها سلف الأمة وعلماؤها ، وكما فسرها الرسول صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان » عن قول أم سلمة وعائشة وجماعة من كبار الصحابة ومشاهيرهم ـ كما سيجيء ـ وأخذوا بقول « عكرمة » الذي ستعرفه ، وأمثاله ؟!
وأما تفصيل المطلب ، ففي فصول :