* وأخرج ابن الأثير : « روى حكيم بن جبير ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : كنت أجالس أشياخا لنا ، إذ مر علينا علي بن الحسين ـ وقد كان بينه وبين أناس من قريش منازعة في امرأة تزوجها منهم لم يرض منكحها ـ فقال أشياخ الأنصار : ألا دعوتنا أمس لما كان بينك وبين بني ؟! إن أشياخنا حدثونا أنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقالوا : يا محمد ! ألا نخرج إليك من ديارنا ومن أموالنا لما أعطانا الله بك وفضلنا بك وأكرمنا بك ؟ فأنزل الله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ). ونحن ندلكم على الناس. أخرجه ابن مندة » (1).
* وأخرج ابن كثير : « وقول ثالث ، وهو ما حكاه البخاري وغيره رواية عن سعيد بن جبير... وقال السدي عن أبي الديلم ، قال : لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنه أسيرا... وقال أبو إسحاق السبيعي : سألت عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) فقال : قربى النبي. رواهما ابن جرير.
ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا عبد السلام ، حدثني يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس...
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن علي بن الحسين ، عن عبد المؤمن ابن علي ، عن عبد السلام ، عن يزيد بن أبي زياد ـ وهو ضعيف ـ بإسناده ، مثله أو قريبا منه.
____________
(1) اُسد الغابة في معرفة الصحابة 5 | 367.
( 250 )

وفي الصحيحين في قسم غنائم حنين قريب من هذا السياق ، ولكن ليس فيه ذكر نزول هذه الآية...
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا رجل سماه ، حدثنا حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ، قال : لما نزلت هذه الآية ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال : فاطمة وولدها. رضي الله عنهم. وهذا إسناد ضعيف ، فيه مبهم لايعرف ، عن شيخ شيعي محترق وهو حسين الأشقر » (1).
* وروى الهيثمي : « عن ابن عباس قال : لما نزلت ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذي وجبت علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وابناهما.
رواه الطبري من رواية حرب بن الحسن الطحان عن حسين الأشقر عن قيس بن الربيع ، وقد وثقوا كلهم وضعفهم جماعة ، وبقية رجاله ثقات » (2).
ورواه مرة أخرى كذلك وقال : « فيه جماعة ضعفاء وقد وثقوا » (3).
وروى خطبة الإمام الحسن عليه السلام قائلا : « باب خطبة الحسن ابن علي رضي الله عنهما :
عن أبي الطفيل ، قال : خطبنا الحسن بن علي بن أبي طالب ، فحمد
____________
(1) تفسير القرآن العظيم 4 | 100.
(2) مجمع الزوائد 7 | 100.
(3) مجمع الزوائد 9 | 168.

( 251 )

الله وأثنى عليه وذكر أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه خاتم الأوصياء ووصي الأنبياء وأمين الصديقين والشهداء ، ثم قال : يا أيها الناس ، لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون. لقد كان رسول الله يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه. ولقد قبضه الله في الليلة التي قبض فيها وصي موسى وعرج بروحه في الليلة التي...
ثم قال : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم. ثم تلا هذه الآية قول يوسف : ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) ثم أخذ في كتاب الله.
ثم قال : أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، وأنا ابن النبي ، أنا ابن الداعي إلىالله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وولايتهم فقال في ما أنزل على محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ».
قال الهيثمي : « رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار... وأبو يعلى باختصار ، والبزار بنحوه... ورواه أحمد باختصار كثير !
وإسناد أحمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان » (1).
وروى السيوطي الحديث عن طاووس عن ابن عباس كما تقدم.
____________
(1) مجمع الزوائد 9 | 146.
( 252 )

قال : « وأخرج ابن مردويه من طريق ابن المبارك عن ابن عباس في قوله : ( إلا المودة في القربى ) قال : تحفظوني في قرابتي ».
قال : « وأخرج ابن جرير وابن ابي حاتم وابن مردويه من طريق مقسم ، عن ابن عباس ، قال : قالت الأنصار... » الحديث ، وقد تقدم.
قال : « وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير ، قال : قالت الأنصار فيما بينهم : لو جمعنا لرسول الله... » الحديث ، وقد تقدم.
قال : « وأخرج أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، أن تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي ».
قال : « وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال لما نزلت هذه الآية ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وولداها ».
قال : « وأخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن جبير : ( إلا المودة في القربى ) قال : قربى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ».
قال : « وأخرج ابن جرير عن أبي الديلم ، قال : لما جيء بعلي بن الحسين... » الحديث ، وقد تقدم.
ثم روى السيوطي حديث الثقلين وغيره مما فيه الوصية باتباع أهل


( 253 )

البيت والتحذير من بغضهم... (1).
* وقال الآلوسي : « وذهب جماعة إلى أن المعنى : لا أطلب منكم أجرا إلا محبتكم أهل بيتي وقرابتي. وفي البحر : أنه قول ابن جبير والسدي وعمرو بن شعيب. و« في » عليه للظرفية المجازية ، و« القربى » بمعنى الأقرباء ، والجار والمجرور في موضع الحال. أي : إلا المودة ثابتة في أقربائي متمكنة فيهم ، ولمكانة هذا المعنى لم يقل : إلا مودة القربى... وروى ذلك مرفوعا :
أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، من طريق ابن جبير عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية... » الحديث ، كما تقدم. قال : « وسند هذا الخبر ـ على ما قال السيوطي في الدر المنثور ـ ضعيف ، ونص على ضعفه في تخريج أحاديث الكشاف ابن حجر.
وأيضا : لو صح لم يق ل ابن عباس ما حكي عنه في الصحيحين وغيرهما وقد تقدم. إلا أنه روي عن جماعة من أهل البيت ما يؤيده ذلك : أخرج ابن جرير عن أبي الديلم ، قال : لما جيء بعلي بن الحسين... » الحديث ، وقد تقدم.
« وروى زاذان عن علي كرّم الله تعالى وجهه ، قال : فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا مؤمن ؛ ثم قرا هذه الآية.
وإلى هذا أشار الكميت في قوله :

وجدنا لكم في آل حم آية * تأولـها منـا تقي ومعرب

ولله تعالى در السيد الهيتي ـ أحد الأقارب المعاصرين ـ حيث
____________
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 6 | 6 ـ 7.
( 254 )

يقول :

بـأيـة آية يــأتي يــزيـد * غـداة صحائـف الأعمال تـتلى
وقام رسول رب العـرش يتلـو * وقد صمت جميع الخلق ( قل لا )

والخطاب على هذا القول لجميع الأمر لا للأنصار فقط ، وإن ورد ما يوهم ذلك ، فإنهم كلهم مكلفون بمودة أهل البيت ، فقد أخرج مسلم والترمذي والنسائي... » فروى حديث الثقلين ، ونحوه ، ثم قال : « إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من الأخبار » (1).
* وروى الشوكاني الأخبار التي نقلناها عن « الدر المنثور » كالحديث الذي رواه الأئمة من طريق مقسم عن ابن عباس. ثم قال : « وفي إسناده يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف » وما رواه أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد عن ابن عباس ، ولم يتكلم في سنده ، وما رواه الجماعة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : « قال السيوطي : بسند ضعيف ».
ثم إنّه أشار إلى التعارض الموجود بين الأخبار في ما روي عن ابن عباس ، ورجح ما أخرج عنه في كتابي البخاري ومسلم ، وقال : « وقد أغنى الله آل محمد عن هذا بما لهم من الفضائل الجليلة والمزايا الجميلة ، وقد بينا بعض ذلك عند تفسيرنا لقوله ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) » (2).

تنبيه :
حاول القوم أن لا ينقلوا خطبة الإمام الحسن عليه السلام كاملة ،
____________
(1) روح المعاني 25 | 31 ـ 32.
(2) فتح القدير 4 | 536 ـ 537.

( 255 )

وحتى المنقوص منها تصرفوا في لفظه ! فراجع : المسند 1 | 199 ، والمناقب ـ لأحمد ـ الرقم 135 و136 ، والمعجم الكبير ـ للطبراني ـ 3 | الرقم 2717 إلى 2725 ، وتاريخ الطبري 5 | 157 ، والمستدرك 3 | 172 ، والكامل 3 | 400 ، ومجمع الزوائد 9 | 146 ، وقارن بين الألفاظ لترى مدى إخلاص أمناء الحديث وحرصهم على حفظه ونقله !!
ولننقل الخبر كما رواه أبو الفرج وبأسانيد مختلفة ، فقال :
« حدثني أحمد بن عيسى العجلي ، قال : حدثنا حسين بن نصر ، قال : حدثنا زيد بن المعذل ، عن يحيى بن شعيب ، عن أبي مخنف ، قال : حدثني أشعث بن سوار ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن سعيد بن رويم.
وحدثني عليّ بن إسحاق المخرمي وأحمد بن الجعد ، قالا : حدثنا عبد الله بن عمر مشكدانة ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن حبشي.
وحدثني عليّ بن إسحاق ، قال : حدثنا عبدالله بنعمر ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن الأشعث بن أبي إسحاق ، موقوفا.
حدثني محمد بن الحسين الخثعمي ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة بن يريم ، قال :
قال عمرو بن ثابت : كنت أختلف إلى أبي إسحاق السبيعي سنة أسأله عن خطبة الحسن بن علي ، فلا يحدثني بها ، فدخلت إليه في بوم شات وهو في الشمس وعليه برنسه كأنه غول ، فقال لي : من أنت ؟ فأخبرته ، فبكى وقال : كيف أبوك ؟ كيف أهلك ؟ قلت : صالحون. قال : في أي شيء تردد منذ سنة ؟ قلت : في خطبة الحسن بن علي بعد وفاة أبيه.
قال : حدثني هبيرة بن يريم ، وحدثني محمد بن محمد الباغندي


( 256 )

ومحمد بن حمدان الصيدلاني ، قالا : حدثنا إسماعيل بن محمد العلوي ، قال : حدثني عمي علي بن جعفر بن محمد ، عن الحسين بن زيد بن علي ابن الحسين بن زيد بن الحسن ، عن أبيه ـ دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، والمعنى قريب ـ قالوا :
خطب الحسن بن علي بعد وفاة أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون بعمل ، ولقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقيه بنفسه ، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه ، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ، ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.
ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه.
ثم قال : أيها الناس ! من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول : ( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
قال أبو مخنف عن رجاله : ثم قام ابن عباس بين يديه فدعا الناس إلى بيعته ، فاستجابوا له وقالوا : ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة ؛ فبايعوه.


( 257 )

ثم نزل عن المنبر » (1).

أقول :
وهكذا روى الشيخ المفيد بإسناده (2).
وذيل الخبر من الشواهد على بطلان خبر طاووس عن سعيد عن ابن عباس ، كما لا يخفى.

***

____________
(1) مقاتل الطالبيين 61 ـ 62.
(2) الإرشاد 2 | 7 ـ 8.

( 258 )

الفصل الثاني
في تصحيح أسانيد هذه الأخبار


قد ذكرنا في الفصل الأول طرفا من الأخبار في أن المراد من « القربى » في « آية المودة » هم « أهل البيت » ، وقد جاء في بعضها التصريح بأنهم « علي وفاطمة وابناهما ».
وقد نقلها تلك الأخبار عن أهم وأشهر كتب الحديث والتفسير عند أهل السنة ، من القدماء والمتأخرين... وبذلك يكون القول بنزول الآية المباركة في « أهل البيت » قولا متفقا عليه بين الخاصة والعامة.
فأما ما رواه طاووس من جزم سعيد بن جبير بأن المراد هم « أهل البيت » عليهم السلام خاصة ، وهو الذي أخرجه الشيخان وأحمد والترمذي وغيرهم... فلم أجد طاعنا في سنده... وإن كان لنا كلام فيه ، وسيأتي.
وأما ما أخرج في ( المناقب ) لأحمد بن حنبل فهو من الزيادات ، فالقائل « كتب إلينا » هو « القطيعي » : أبو بكر أحمد بن جعفر الحنبلي ـ المتوفى سنة 368 ـ وهو رواي : المسند ، والزند ، والمناقب ، لأحمد بن حنبل.
حدث عنه : الدارقطني ، والحاكم ، وابن رزقويه ، وابن شاهين ، والبرقاني ، وأبو نعيم ، وغيرهم من كبار الأئمة.
ووثقه الدارقطني قائلا : ثقة زاهد قديم ، سمعت أنه مجاب الدعوة ؛ وقال البرقاني : ثبت عندي أنه صدوق ، وقد ليّنته عند الحاكم فأنكر عليّ


( 259 )

وحسّن حاله وقال : كان شيخي ؛ قالوا : قد ضعف واختل في آخر عمره ، وتوقف بعضهم في الرواية عنه لذلك.
ومن هنا أورده الذهبي في ( ميزانه ) مع التصريح بصدقه ، وهذه عبارته : « [ صح ] أحمد بن جعفر بن حمدان أبو بكر القطيعي ، صدوق في نفسه مقبول ، تغير قليلا. قال الخطيب : لم نز أحدا ترك الاحتجاج به » ثم نقل ثقته عن الدارقطني وغيره ، ورد على من تكلم فيه لاختلاله في آخر عمره (1).
و« محمد بن عبدالله بن سلميان الحضرمي » هو « مطين » المتوفى سنة 297 ، قال الدارقطني : ثقة جبل ، وقال الخليلي : ثقة حافظ ، وقال الذهبي : الشيخ الحافظ الصادق ، محدث الكوفة... (2).
وسيأتي الكلام على سائر رجاله ؛ بما يثبت صحة السند وحجية الخبر.
وأما ما رواه ابنجرير الطبري حجة للقول بنزول الآية في « أهل البيت » وقد كان أربع روايات... فما تكلم إلا في الثاني منها ، وهذا إسناده :
« حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مالك بن إسماعيل ، قال : ثنا عبدالسلام ، قال : ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن مِقسَم ، عن ابن عباس... ».
قال ابن كثير : « وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن علي بن الحسين ، عن عبد المؤمن بن علي ، عن عبد السلام ، عن يزيد بن أبي زياد ـ وهو ضعيف ـ بإسناده مثله أو قريبا منه ».
____________
(1) تاريخ بغداد 4 | 73 ، المنتظم 7 | 92 ، سير أعلام النبلاء 16 | 210 ، ميزان الاعتدال 1 | 87 ، الوافي بالوفيات 6 | 290 ، وغيرها.
(2) تذكرة الحفظ 2 | 662 ، الوافي بالوفيات 3 | 345 ، سير اعلام النبلاء 14 | 41.

( 260 )

وتبعه الشوكاني حيث أنه بعد أن رواه قال : « وفي إسناده يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف ».
وأما ما رواه الأئمة ، كابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، وعنهم السيوطي سنده ، وتبعه الشهاب الآلوسي ، وقد سبقهما إلى ذلك الهيثمي وابن كثير وابن حجر العسقلاني ، قال الأخير في شرح البخاري :
« وهذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعا ، فأخرج الطبراني وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم ؟... الحديث. وإسناده ضعيف... وقد جزم بهذا التفسير جماعةمن المفسرين ، واستندوا إلى ما ذكرته عن ابن عباس من الطبراني وابن أبي حاتم ، وإسناده واه ، فيه ضعيف ورافضي » (1).
وقال في تخريج أحاديث الكشاف : « أخرجه الطبراني وابن أبي حاتم والحاكم في مناقب الشافعي ، من رواية حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وحسين ضعيف ساقط » (2).
وقال ابن كثير : « وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا رجل سماه ، حدثنا حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن
____________
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 | 458.
(2) الكاف الشاف في تخريج الكشاف ـ مع الكشاف ـ 4 | 220.

( 261 )

جبير ، عن ابن عباس... وهذا إسناد ضعيف ، فيه مبهم لا يعرف ، عن شيح شيعي محترق ، وهو حسين الأشقر ».
وتبعه القسطلاني بقوله : « وأما حديث ابن عباس أيضا عند ابن أبي حاتم ، قال : لما نزلت هذه الآية ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال : فاطمة وولدها عليهم السلام. فقال ابن كثير إسناده ضعيف ، فيه متهم لا يعرف إلا عن شيخ شيعي محترق ، وهو حسين الأشقر » (1).
وقال الهيثمي : « رواه الطبراني من رواية حرب بن الحسن الطحان ، عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، وقد وثقوا كلهم وضعفهم جماعة وبقية رجاله ثقات ».

أقول :
فالأخبار الدالة على القول الحق ، المروية في كتب القوم ، منقسمة بحسب آرائهم في رجالها إلى ثلاثة أقسام :
1 ـ ما اتفقوا على القول بصحته ؛ وهو حديث طاووس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
2 ـ ما ذكروه وسكتوا عن التكلم في سنده ولم يتفوهوا حوله ببنت شفة ! بل منه ما لم يجدوا بدا من الاعتراف باعتباره ، كأخبار قول النبي لمن سأله عما يطلب في قبال دعوته ، وخطبة الإمام الحسن عليه السلام بعد وفاة أبيه ،
____________
(1) إرشاد الساري : 7 | 331.
( 262 )

وكلام الإمام السجاد في الشام ، ونحو ذلك.
3 ـ ما رووه وتكلموا في سنده.
أما الأول فلنا كلام حوله ، وسيأتي في أول الفصل الرابع.
وأما القسم الثاني ، فلا حاجة إلى بيان صحة بعد أن أقر القوم بذلك.
وأما القسم الثالث ، فهو المقصود بالبحث هنا.
ولنفصل الكلام في تراجم من ضعفوه من رجال أسانيد هذه الأخبار ، ليتبين أن جميع ما ذكروه ساقط مردود ! على ضوء كلمات أعلام الجرح والتعديل منهم :

1 ـ ترجمة يزيد بن أبي زياد :
وهو : القرشي الهاشمي الكوفي ، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل.
هو من رجال الكتب الستة ، قال المزي : « قال البخاري في اللباس من صحيحه عقيب حديث عاصم بن كليب عن أبي بردة : قلنا لعلي : ما القسية ؟ وقال جرير عن يزيد في حديثه : القسية ثياب مضلعة... الحديث.
وروى له في كتاب رفع اليدين في الصلاة. وفي الأدب. وروى له مسلم مقرونا بغيره ، واحتج به الباقون » (1).
وروى عنه جماعة كبيرة من أعلام الأئمة كسفيان الثوري ، وسفيان عيينة ، وشريك بن عبدالله ، وشعبة بن الحجاج ، وعبدالله بن نمير ،
____________
(1) تهذيب الكمال في أسماء الرجال 32 | 140.
( 263 )

وأمثالهم (1).
قال الذهبي : حدّث عنه شعبة مع براعته في نقد الرجال (2).

أقول :
يكفي في جواز الاعتماد عليه وصحة الاحتجاج به رواية أصحاب الكتب الستة وكبار الأئمة عنه.
مضافا إلى قول مسلم في مقدمة كتابه : « فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم ، كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم » (3).
وقد وثّقه عدة من الأئمة أيضا :
قال ابن سعد : كان ثقة في نفسه إلا أنه اختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب.
وقال ابن شاهين ـ في الثقات ـ : قال أحمد بن صالح المصري : يزيد ابن أبي زياد ثقة ولا يعجبني قول من تكلم فيه.
وقال ابن حبان : كان صدوقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير ، وكان يلقن ما لقّن فوقعت المناكير في حديثه.
وقال الآجري عن أبي داود : لا أعلم أحدا ترك حديثه ، وغيره أحب إليّ منه.
____________
(1) تهذيب الكمال 32 | 137 ، سير أعلام النبلاء 6 | 129 ، تهذيب التهذيب 11 | 287 رقم 531.
(2) سير أعلام النبلاء 6 | 130.
(3) صحيح مسلم 1 | 5 ـ 6.

( 264 )

وقال يعقوب بن سفيان : ويزيد وإن كانوا يتكلمون فيه لتغيره فهو على العدالة الوثقة وإن لم يكن مثل الحكم ومنصور (1).
ثم إنا نظرنا في كلمات القادحين ـ بالرغم من كون الرجل من رجال الكتب الستة ، إذ احتج به الأربعة وروى له الشيخان ـ فوجدنا أول شيء يقولونه :
كان من أئمة الشيعة الكبار (2).
فسألنا : ما المراد من « الشيعة » ؟ ومن أين عرف كونه « من أئمة الشيعة الكبار » ؟
فجاء الجواب : تدل على ذلك أحاديث رواها ، موضوعة (3).
فنظرنا فإذا به يروي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، عن أبي برزة ، قال : « تغنّى معاوية وعمرو بن العاص ، فقال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ، ودعهما في النار دعّا » (4).
فهذا الحديث موضوع (5) أو غريب منكر (6) لأنه ذم لمعاوية رأس
____________
(1) هذه الكلمات بترجمته من تهذيب التهذيب 6 | 288 ـ 289 ، وغيره.
(2) الكامل ـ لابن عدي ـ 7 | 2729 ، تهذيب الكمال 32 | 138 ، تهذيب التهذيب 11 | 288.
(3) تهذيب الكمال 32 | 138. الهامش.
(4) أخرجه أحمد في المسند 4 | 421 ، والطبراني والبزار كما في مجمع الزوائد 8 | 121.
(5) الموضوعات لابن الجوزي ، لكن لا يخفى أنه لم يطعن في الحديث إلا من جهة « يزيد » ولم يقل فيه إلا « كان يلقّن بأخرة فيتلقّن » ، ولذا تعقّبه السيوطي بما سنذكره.
(6) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 4 | 424.

( 265 )

الفئة الباغية وعمرو بن العاص رأس النفاق !! فيكون راوهي « من أئمة الشيعة الكبار » !!
لكن يبدو أنهم ما اكتفوا ـ في مقام الدفاع عن معاوية وعمرو ـ برمي الحديث بالوضع وراويه بالتشيع ، فالتجأوا إلى تحريف لفظ الحديث ، ووضع كلمة « فلان وفلان » في موضع الاسمين ، ففي المسند :
« حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن محمد ـ وسمعته أنا من عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ـ ، ثنا محمد بن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم في سفر ، فسمع رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر وهو يقول :

لا يزال جوادي تلوح عظامه * ذوي الحرب عنه أن يجن فيقبرا

فقال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : انظروا من هما ؟ قال : فقالوا : فلان وفلان !!
قال : فقال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : اللهم اركسهما ركسا ، ودعهما إلى النار دعا ».
وكأن هذا المقدار لم يشف غليل القوم ، أو كان هذا التحريف لأجل الإبهام ، فيكون مقدمة ليأتي آخر فيزيله ويضع « معاوية » و« عمرا » آخرين !! بخبر مختلق :
قال السيوطي ـ بعد أن أورد الحديث عن أبي يعلى وتعقب ابن الجوزي بقوله : هذا لا يقتضي الوضع ، والحديث أخرجه أحمد في مسنده :


( 266 )

حدثنا... وله شاهد من حديث ابن عباس : قال الطبراني في الكبير... ـ : « وقال ابن قانع في معجمه : حدثنا محمد بن عبدوس كامل ، حدثنا عبد الله بن عمر ، حدثنا سعيد أبو العباس التيمي ، حدثنا سيف بن عمر ، حدثني أبو عمر مولى إبراهيم بن طلحة ، عن زيد بن أسلم ، عن صالح ، عن شقران ، قال : بينما نحن ليلة في سفر ، إذا سمع النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم صوتا فقال : ما هذا ؟! فذهبت أنظر ، فإذا هو معاوية بن رافع ، وعمرو بن رفاعة بن تابوت يقول :

لا يزال جوادي تلوح عظامه * ذوى الحرب عنه أن يموت فيقبرا

فأتيت النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فأخبرته فقال : اللهم اركسهما ودعهما إلى نار جهنم دعا. فمات عمرو بن رفاعة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم من السفر ».
قال السيوطي : « وهذه الرواية أزالت الإشكال وبيّنت أن الوهم وقع في الحديث الأول ، في لفظة واحدة وهي قوله : ابن العاص ، وإنما هو ابن رفاعة أحد المنافقين ، وكذلك معاوية بن رافع أحد المنافقين ، والله أعلم » (1).
بل السيوطي نفسه أيضا يعلم واقع الحال وحقيقة الأمر ، وإلا فما أجهله !!
أما أولا : فلم يكن في الحديث الأول الإشكال أو وهم حتى يزال !! غاية ما هناك أن في « المسند » لفظ « فلان وفلان » بدل « معاوية وعمرو » والسيوطي يعلم ـ كغيره ـ أنه تحريف ، إن لم يكن عن عمد فعن سهو !!
____________
(1) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1 | 427.
( 267 )

على أنه لم يوافق ابن الجوزي في الطعن في الحديث ، بل ذكر له ما يشهد له بالصحة.
وأما ثانيا : فلو سلمنا وجود إبهام وإشكال في الحديث الأول ، فهل عمر »... ولنلق نظرة سريعة في ترجمته (1).
قال ابن معين : ضعيف الحديث.
وقال ابو حاتم : متروك الحديث.
وقال أبو داود : ليس بشيء.
وقال النسائي : ضعيف.
وقال الدارقطني : ضعيف.
وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها.
وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الاثبات. قالوا : كان يضع الحديث ، اتهم بالزندقة.
وقال البرقاني عن الدارقطني : متروك.
وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط.
والعجيب أن السيوطي نفسه يرد أحاديثه قائلا : « إنه وضّاع » (2) !

أقول :
فلينظر الباحث المنصف كيف يردون حديثا ـ يروونه عن رجل
____________
(1) تهذيب التهذيب 4 | 259.
(2) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1 | 199.

( 268 )

اعتمد عليه أباب الصحاح الستة ـ لكونه في ذم ابن هند وابنا النابغة ، وهم شيعة لهما... ويقابلونه بحديث يرويه رجل اتفقوا على سقوطه واتهموه بالوضع والزندقة !!
فلينظر ! كيف يتلاعبون بالدين وسنة رسول رب العالمين !!
ولا يتوهّمنّ أن هذه طريقتهم في أبواب المناقب والمثالب فحسب ، بل هي في الأصولين والفقه أيضا !!
فلنرجع إلى ما كنا بصدده ، ونقول :
إن « يزيد بن أبي زياد » ثقة ، ومن رجال الكتب الستة ، ولا عيب فيه إلا روايته بعض مثالب أئمة القوم !! ولذا جعلوه « من أئمة الشيعة الكبار » !!
على أن كون الراوي شيعيا ، بل رافضيا ـ حسب اصطلاحهم ـ لا يضر بوثاقته كما قرروا في محله وبنوا عليه في مواضع كثيرة (1).

2 ـ ترجمة حسين الأشقر :
وقد ترجمنا لأبي عبدالله الحسين بن حسن الاشقر الفزاري الكوفي ، في مبحث آية التطهير ، وقلنا هناك بأنه من رجال النسائي في ( صحيحه ) وأنهم قد ذكروا أنّ للنسائي شرطا في صحيحه أشد من شرط الشيخين (2).
وأنه روى عنه كبار الأئمة الأعلام : كأحمد بن حنبل ، وابن معين ،
____________
(1) مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري : 398.
(2) تذكرة الحفاظ 2 | 700.

( 269 )

والفلاس ، وابن سعد ، وأمثالهم (1).
وقد حكى الحافظ ابن حجر بترجمته عن العقيلي ، عن أحمد بن محمد بن هانئ ، قال : قلت : لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ تحدث عن حسين الأشقر ؟ قال : لم يكن عندي ممن يكذب.
وذكر عنه التشيع فقال له العباس بن عبد العظيم : إنه يحدث في أبي بكر وعمر ، وقلت أنا : يا أبا عبد الله ، إنه صنف بابا في معايبهما ! فقال : ليس هذا بأهل أن يحدث عنه (2).
وهذا هو السبب في تضعيف غير أحمد.
وعن الجوزجاني : غال من الشتامين للخيرة (2).
ولذا يقولون : « له مناكير » وأمثال هذه الكلمة ، مما يدل على طعنهم في أحاديث الرجل في فضل عليّ أو الحط من مناوئيه ، وليس لهم طعن في الرجل نفسه ، ولذا قال يحيى بن معين :
كان من الشيعة الغالية ، فقيل له : فكيف حديثه ؟! قال : لا بأس به. قيل : صدوق ؟ قال : نعم ، كتبت عنه (4).
هذا : ، فالرجل ثقة وصدوق عند : أحمد ، والنسائي ، ويحيى بن معين ، وابن حبّان... وإنما ذنبه الوحيد هو « التشيع » وقد نصوا على أنه غير مضر.
____________
(1) تهذيب التهذيب 2 | 291.
(2) تهذيب التهذيب 2 | 291 ـ 292.
(3) تهذيب التهذيب 2 | 291 ـ 292.
(4) تهذيب التهذيب 2 | 291 ـ 292.