أقول :
إن من الواضح عدم جواز إلزام الخصم إلا بما يرويه خاصة أو ما اتفق الطرفان على روايته ، هذا إذا كان الخبر المستدل به معتبرا عند المستدل ، فإن لم يكن الخبر معتبرا حتى عند المستدل به فكيف يجوز له إلزام الطرف الآخر به ؟!
ليت الدهلوي استدل ـ كابن تيمية ـ بكتابي البخاري ومسلم المعروفين بالصحيحين ، فإن الأحاديث التي استدل بها كلها باطلة سندا ، وهذا هو السر في إعراض الآلوسي عنها وإسقاطه لها.
إن أحسن هذه الأحاديث ما أخرجه الترمذي في كتابه ـ وهو يعد أحد الصحاح الستة ـ من امتناع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة على الجنازة ؛ قال الترمذي :
« حدثنا الفضل بن أبي طالب البغدادي وغير واحد ، قالوا : حدثنا عثمان بن زفر ، حدثنا محمد بن زياد ، عن محمد بن عجلان ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : أتي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بجنازة رجل يصلي عليه فلم يصل عليه ، فقيل : يا رسول الله ! ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا ؟! قال : إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله » !
لكن هذا الحديث ساقط سندا حتى عند راويه الترمذي ! قال :
« هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ومحمد بن زياد


( 338 )

صاحب ميمون بن مهران ضعيف في الحديث جدا » (1).
ثم إن الجوزي أورده في ( الموضوعات ) بطريقين ، وقال : « الطريقان على محمد بن زياد. قال أحمد بن حنبل : هو كذاب خبيث يضع الحديث. وقال يحيى : كذاب خبيث. وقال السعدي والدارقطني : كذاب. وقال البخاري والنسائي والفلاس وأبو حاتم : متروك الحديث. وقال ابن حبان : كان يضع الحديث على الثقات ، لا يحل ذكره في الكتب إلا على وجه القدح فيه » (2).
فيظهر أنا لترمذي حيث قال : « ضعيف جدا » لم يقل الحق كما هو حقه !!
وظهر أن الحق مع الآلوسي حيث ترك الاستدلال به وهو أحسن ما ذكر الدهلوي ، فالعجب من الدهلوي كيف يستدل بحيث هذه حاله ، ويريد إلزام الشيعة به ، وفي مسألة أصولية ؟!
ولو وجدت مجالا لبينت حال بقية هذه الأحاديث ، لكن لا حاجة إلى ذلك بعد معرفة حال أحسنها سندا !!
فلنعد إلى الوجوه التي وافق فيها الآلوسي الدهلوي وأخذها منه ، فنقول :
أما الأول : فجوابه : إن الصغرى تامة كما تقدم بالتفصيل ، وقلنا بأن طلب الأجر إنما هو بناء على اتصال الاستثناء ، وقد عرفت حقيقة هذا الأجر وعوده إلى المسلمين أنفسهم ، فلا شبهة ولا تهمة. وأما بناء على
____________
(1) صحيح الترمذي 5 | 588.
(2) الموضوعات 2 | 332 ـ 333.

( 339 )

انقطاع الاستثناء فلا إشكال أصلا.
وأما الثاني : فإن الإمامية أجمعت على وجوب محبة العلوية ، بل كل مؤمن من المؤمنين ، ولكن الآية المباركة دالة على وجوب المحبة المطلقة لعلي والزهراء والحسنين ، فلا نقض ، ولذا لمي قل أحد منهم بوجوب محبة غير الأربعة والمعصومين محبة مطلقة... والكلام في المحبة المطلقة لا مطلق المحبة ، فما ذكراه جهل أو تجاهل !
وأما الثالث فيظهر جوابه مما ذكرناه ، فإنا نريد المحبة المطلقة المستلزمة للعصمة ، فأينما كانت ؛ كانت الإمامة الكبرى ، وأينما لم تكن ؛ لم تكن !
وأما الرابع فيظهر جوابه مما ذكرنا أيضا.

***


( 340 )

خلاصة البحث


فالحق مع السيد رحمه الله ، إذ قال :
« هل حكم بافتراض المودة لغيرهم محكم التنزيل ؟! ».
بقي أن نذكر الوجه في تفسيره « الحسنة » في قوله تعالى : ( ومن يقترف حسنة ) بـ « المودة »... فنقول :
هذا التفسير ورد عن الأئمة الأطهار من أهل البيت ، كالحسن السبط الزكي عليه السلام في خطبته التي رواها الحاكم وغيره ، وورد أيضا في غير واحد من تفاسير أهل السنة ، عن ابن عباس والسدي وغيرهما ، قال القرطبي : « قوله تعالى ( ومن يقترف حسنة ) أي : يكتسب ، وأصل القرف الكسب ، يقال... قال ابن عباس : ( ومن يقترف حسنة ) : المودة لآل محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، ( نزد له حسنا ) أي : نضاعف له الحسنة بعشر فصاعدا ، ( إن الله غفور شكور ) قال قتادة : غفور للذنوب شكور للحسنات. وقال السدي : غفور لذنوب آل محمد عليه السلام شكور لحسناتهم » (1).
وقال أبو حيان : « وعن ابن عباس والسدي : أنها المودة في آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... وقال السدي : غفور لذنوب آل محمد عليه السلام شكور لحسناتهم » (2).
____________
(1) تفسير القرطبي 16 | 24.
(2) البحر المحيط 7 | 516.

( 341 )

وقال الآلوسي : « روي ذلك عن ابن عباس والسدي » (1).
وهذا القدر كاف ، وهو للقلب السليم شاف ، وللمطلب واف.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين الأشراف.

***



____________
(1) روح المعاني 25 | 33 .
( 342 )

آية المباهلة


قال السيد طاب ثراه :
« وهل هبط بآية المباهلة بسواهم جبرئيل ؟! ».

فقال في الهامش :
« كلا ، وإنما هبط بآية المباهلة بهم خاصة ، فقال عز من قائل : ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم )الآية ».

فقيل :
« هذه الآية مما يتمسك به الشيعة على أنه دليل على الإمامة ، وعلى أن آل البيت هم بمرتبة النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فإن الآية لم تفرق بينهم وبينه ، بل ساوتهم به إذ جمعت أنفسهم مع نفسه ، فقال تعالى : ( وأنفسنا وأنفسكم ).
وهذا اللفظ لا يقتضي المساواة ، فقد قال تعالى : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) ( النور : 12 ) ، ولا يدل هذا على أن المؤمنين والمؤمنات متساوون ، ومن ذلك أيضا قوله تعالى : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) ( البقرة : 85 ) ، فهذا اللفظ يدل على المجانسة والمشابهة في أمور :
فقوله تعالى : ( وأنفسنا وأنفسكم ) أي : ورجالنا ورجالكم ، أي :
( 343 )

« الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب ، والمراد : التجانس مع الإيمان ». انتهى.

أقول :
وهذا أيضا خلاصة ما جاء به ابن تيمية ، في الجواب عن الاستدلال بالآية الكريمة ، وليس لهذا القائل منه شيء ولا كلمة !!
ونحن ذاكرون سبب نزول الآية المباركة ، ووجه الاستدلال بها ، والجواب عما قيل في ذلك ، فهاهنا فصول ، وبالله التوفيق.


( 344 )

الفصل الأول
في نزول الآية في أهل البيت عليهم السلام


قال الله عز وجل : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين * إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين ) (1).
هذه هي الآية المعروفة بآية المباهلة ، وسنورد قصتها في أول الفصل الآتي.
وقد خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المباهلة بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام.

ذكر من رواه من الصحابة والتابعين :
وروي هذا الخبر عن جماعة من أعلام الصحابة والتابعين ، نذكر هنا من جاءت الرواية عنه ف كتب غير الإمامية ، منهم :
1 ـ امير المؤمنين علي عليه السلام.
2 ـ عبد الله بن عباس.
____________
(1) سورة آل عمران 3 : 59 ـ 63.
( 345 )

3 ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.
4 ـ سعد بن أبي وقاص.
5 ـ عثمان بن عفان.
6 ـ سعيد بن زيد.
7 ـ طلحة بن عبيد الله.
8 ـ الزبير بن العوام.
9 ـ عبد الرحمن بن عوف.
10 ـ البراء بن عازب.
11 ـ حذيفة بن اليمان.
12 ـ أبو سعيد الخدري.
13 ـ أبو الطفيل الليثي.
14 ـ جد سلمة بن عبد يشوع.
15 ـ أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله.
16 ـ زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام.
17 ـ علباء بن أحمر اليشكري.
18 ـ الشعبي.
19 ـ الحسن البصري.
20 ـ مقاتل.
21 ـ الكلبي.
22 ـ السدي.
23 ـ قتادة.
24 ـ مجاهد.


( 346 )

أما أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ناشد القوم في الشورى بنزول الآية فيه... وسيأتي الخبر قريبا.
وأما عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعيد بن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن ابي وقاص ، فقد أقروا لعلي عليه السلام في ذلك.
كما روى سعد الخبر ، وكان مما به اعتذر عن سب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في صحيح الأثر... وسيأتي نصه.
وأما أبو الطفيل فهو راوي خبر المناشدة.
وأما الآخرون... فستأتي نصوص الأخبار في روايتهم.

ومن رواته من كبار الأئمة في الحديث والتفسير :
وقد اتفقت كتب الحديث والتفسير والكلام على رواية حديث المباهلة ، إما بالأسانيد ، وإما بإرساله إرسال المسلمات ، من أشهرهم :
1 ـ سعيد بن منصور ، المتوفى سنة 227.
2 ـ أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة ، المتوفى سنة 235.
3 ـ أحمد بن حنبل ، المتوفى سنة 241.
4 ـ عبد بن حميد ، المتوفى سنة 249.
5 ـ مسلم بن الحجاج ، المتوفى سنة 261.
6 ـ أبو زيد عمر بن شبة البصري ، المتوفى سنة 262.
7 ـ محمد بن عيسى الترمذي ، المتوفى سنة 279.
8 ـ أحمد بن شعيب النسائي ، المتوفى سنة 303.
9 ـ محمد بن جرير الطبري ، المتوفى سنة 310.
10 ـ أبو بكر ابن المنذر النيسابوري ، المتوفى سنة 318.


( 347 )

11 ـ أبوبكر الجصاص ، المتوفى سنة 370.
12 ـ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، المتوفى سنة 405.
13 ـ أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني ، المتوفى سنة 410.
14 ـ أبو إسحاق الثعلبي ، المتوفى سنة 427.
15 ـ أبو نعيم الأصفهاني ، المتوفى سنة 430.
16 ـ أبو بكر البيهقي ، المتوفى سنة 458.
17 ـ علي بن أحمد الواحدي ، المتوفى سنة 468.
18 ـ محيي السنة البغوي ، المتوفى سنة 516.
19 ـ جارالله الزمخشري ، المتوفى سنة 538.
20 ـ القاضي عياض اليحصبي ، المتوفى سنة 544.
21 ـ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي ، المتوفى سنة 571.
22 ـ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، المتوفى سنة 579.
23 ـ أبو السعادات ابن الأثر الجزري ، المتوفى سنة 606.
24 ـ الفخر الرازي ، المتوفى سنة 606.
25 ـ عز الدين أبو الحسن ابن الأثير الجزري ، المتوفى سنة 630.
26 ـ محمد بن طلحة الشافعي ، المتوفى سنة 652.
27 ـ شمس الدين سبط ابن الجوزي ، المتوفى سنة 654.
28 ـ أبو عبدالله القرطبي الأنصاري ، المتوفى سنة 656.
29 ـ القاضي البيضاوي ، المتوفى سنة 658.
30 ـ محب الدين الطبري ، المتوفى سنة 694.
31 ـ نظام الدين الأعرج النيسابوري ، المتوفى سنة
32 ـ أبو البركات النسفي ، المتوفى سنة 710.


( 348 )

33 ـ صدر الدين أبو المجامع إبراهيم الحموئي ، المتوفى سنة 722.
34 ـ أبو القاسم ابن الجزي الكلبي ، المتوفى سنة 741.
35 ـ علاء الدين الخازن ، المتوفى سنة 741.
36 ـ أبو حيان الأندلسي ، المتوفى سنة 745.
37 ـ شمس الدين الذهبي ، المتوفى سنة 748.
38 ـ ابن كثير الدمشقي ، المتوفى سنة 774.
39 ـ ولي الدين الخطيب التبريزي ، المتوفى سنة
40 ـ ابن حجر العسقلاني ، المتوفى سنة 852.
41 ـ نور الدين ابن الصباغ المالكي ، المتوفى سنة 855.
42 ـ جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911.
43 ـ أبو السعود العمادي ، المتوفى سنة 951.
44 ـ الخطيب الشربيني ، المتوفى سنة 968.
45 ـ ابن حجر الهيتمي المكي ، المتوفى سنة 973.
46 ـ علي بن سلطان القاري ، المتوفى سنة 1013.
47 ـ نور الدين الحلبي ، المتوفى سنة 1033.
48 ـ شهاب الدين الخفاجي ، المتوفى سنة 1069
49 ـ الزرقاني المالكي ، المتوفى سنة 1122.
50 ـ عبدالله الشبراوي ، المتوفى سنة 1162.
51 ـ قاضي القضاة الشوكاني ، المتوفى سنة 1250.
52 ـ شهاب الدين الآلوسي ، المتوفى سنة 1270.
وغيرهم من أعلام الحديث والتفسير والكلام والتاريخ في مختلف القرون.


( 349 )

من نصوص الحديث في الكتب المعتبرة :
وهذه الفاظ من الأخبار الواردة في نزول الآية المباركة في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كما رواها الحفاظ بأسانيدهم ، في الكتب المعتبرة :
* أخرج ابن عساكر بسنده ، وابن حجر من طريق الدارقطني ، عن أبي الطفيل : إن أمير المؤمنين عليه السلام ناشد أصحاب الشورى واحتج عليهم بجملة من فضائله ومناقبه ، ومن ذلك أن قال لهم :
« نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم في الرحم ، ومن جعله رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم نفسه ، وابناه وأبناءه ، ونساءه ونساءه غيري ؟!
قالوا : اللهم لا » (1).

أقول :
ومناشدة أمير المؤمنين في الشورى رواها عدد كبير من علماء الفريقين ، بأسانيدهم عن : أبي ذر وأبي الطفيل ، وممن أخرجها من حفاظ الجمهور : الدارقطني ، وابن مردويه ، وابن عبد البر ، والحاكم ، والسيوطي ، وابن حجر المكي ، والمتقي الهندي.
وسيأتي تفصيل ذلك حيث يتعرض لها السيد رحمه الله إن شاء الله تعالى.
____________
(1) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام ـ : 3 | 90 ح 1131.
( 350 )

* وفي « المسند » : « حدثنا عبد الله ، قال أبي : ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول له ، وخلفه في بعض مغازيه ، فقال علي رضي الله عنه : أتخلفني مع النساء والصبيان ؟!
قال : يا علي ! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ؟!
وسمعته يقول ـ يوم خيبر ـ : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليا رضي الله عنه فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية ( ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضوان الله عليهم أجمعين ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي » (1).
* وأخرج مسلم قائلا : « حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد ـ وتقاربا في اللفظ ـ قالا : حدثنا حاتم ـ وهو ابن اسماعيل ـ عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا ، فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟!
فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فلن أسبه ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم :
سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول له [ وقد ] خلفه
____________
(1) مسند أحمد بن حنبل 1 | 185.
( 351 )

في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله ! خلقتني مع النساء والصبيان !
فقال له رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله.
قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية : ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي » (1).
* وأخرجه الترمذي بالسند واللفظ ، فقال :
* هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه » (2).
* وأخرج النسائي : « أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي وهشام بن عمار الدمشقي ، قالا : حدثنا حاتم ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال : أمر معاوية سعدا فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب ؟!
فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فلن أسبه ، لأن يكون لي واحدة منهاأحب إليّ من حمر النعم :
سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول له ، وخلفه في
____________
(1) صحيح مسلم 7 | 120.
(2) صحيح الترمذي 5 | 596 كتاب المناقب ، مناقب علي.

( 352 )

بعض مغازيه فقال له علي : يا رسول الله ! أتخلفني مع النساء والصبيان ؟!
فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : أما ترض أن تكون مني بمنزلة هارون بموسى إلا أنه لا نبوة بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله.
فتطاولنا إليها فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق عينيه ودفع الراية إليه.
ولما نزلت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) دعا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي » (1).
* وأخرج الحاكم فقال : « أخبرني جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، ثنا موسى بن هارون ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن موسى ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : لما نزلت هذه الآية ( ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم فقال : اللهم هؤلاء أهلي.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » (2).
* ووافقه الذهبي في ( تلخيصه ).
* وستأتي رواية الحاكم عن جابر.
____________
(1) خصائص أمير المؤمنين 48 ـ 49.
(2) المستدرك على الصحيحين 3 | 150.

( 353 )

* وأخرجه عن ابن عباس ، قال : « ذكر النوع السابع عشر من علوم الحديث : هذا النوع من هذا العلم معرفة أولاد الصحابة ، فإن من جهل هذا النوع اشتبه عليه كثير من الروايات.
أول ما يلزم الحديثي معرفته من ذلك : أولاد سيد البشر محمد المصطفى صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ومن صحت الرواية عنه منهم :
حدثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة ، قال : حدثنا الحسين بن الحكم الحبري ، قال : ثنا الحسن بن الحسين العرني ، قال : ثنا حبان بن علي العنزي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله عز وجل : ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ـ إلى آخر ـ الكاذبين ) نزلت على رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، وعلي نفسه ، ( ونساءنا ونساءكم ) : فاطمة ، ( وأبناءنا وأبناءكم ) : حسن وحسين ، والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسيد وعبد المسيح وأصحابهم » (1).
* وقال ابن حجر العسقلاني بشرح حديث المنزلة : « ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي ، قال : قال معاوية لسعد : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟!
قال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فلن أسبه...
فذكر هذا الحديث ، وقوله لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله... وقوله : لما نزلت ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا عليا وفاطمة


____________
(1) معرفة علوم الحديث : 49 ـ 50 .
( 354 )

والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي » (1).

تنبيه :
الملاحظ أنهم يروون كلام سعد في جواب معاوية بأشكال مختلفة مع أن السند واحد ، والقضية واحدة !!
بل يرويه المحدث الواحد في الكتاب الواحد بأشكال ، فاللفظ الذي ذكرناه عن النسائي هو أحد ألفاظه.
وبينما رواه بلفظ آخر عن بكير بن مسمار ، قال : سمعت عامر بن سعد يقول : قال معاوية لسعد بن أبي وقاص : ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب ؟!
قال : لا أسبه ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله عليه [ وآله ] وسلم لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، ولا أسبه ما ذكرت حين نزل الوحي عليه ، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة ، فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال : رب هؤلاء أهل بيتي ـ أو : أهلي ـ... » (2).
ورواه بلفظ ثالث : إن معاوية ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال سعد بن أبي وقاص : والله لئن لي واحدة من خلال ثلاث أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.
لأن يكون قال لي ما قال له حين رده من تبوك : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاأنه لا نبي بعدي ؛ أحب إلي من أن يكون
____________
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 | 60.
(2) خصائص أمير المؤمنين : 81.

( 355 )

لي ما طلعت عليه الشمس.
ولأن يكون قال لي ما قاله له يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار ؛ أحب إليّمن أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.
ولأن يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس » (1).
ورواه بلفظ رابع عن سعد ، قال : « كنت جالسا فتنقصوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقلت : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول في علي خصالا ثلاث ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم.
سمعته يقول : إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
وسمعته يقول : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
وسمعته يقول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه » (2).
وهو عند ابن ماجة باللفظ الآتي : « قدم معاوية في بعض حجاته ، فدخل عليه سعد ، فذكروا عليا ، فنال منه ، فغضب سعد وقال : تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : من كنت مولا فعلي مولاه.
وسمعته يقول : أنت بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي
____________
(1) خصائص أمير المؤمنين : 116.
(2) خصائص أمير المؤمنين : 49 ـ 50.

( 356 )

بعدي.
وسمعته يقول : لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله » (1).

أقول :
إنه إن أمكن حمل اختلاف ألفاظ الروايات في الخصال الثلاث على وجه صحيح ، ولا يكون هناك تحريف ـ ومن هنا كان الأمر بالتأمل في بحثنا حول آية التطهير ـ فلا ريب في تحريف القوم للفظ في ناحية أخرى ، وهي قضية سب أمير المؤمنين عليه السلام والنيل منه ، خاصة مع السند الواحد ! فإن أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن عساكر (2) كلهم اشتركوا في الروابة بسند واحد ، فجاء عند غير أحمد : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟! فقال : أما ماذكرت ثلاثا... سمعت... ».
لكن أحمد حذف ذلك كله وبدأ الحديث من « سمعت... » وكأنه لم تكن هناك أية مناسبة لكلام سعد هذا !!
أما الحاكم فيروي الخبر بنفس السند ويحذف المناسبة وخصلتين من الخصال الثلاث !!
والنسائي يحذف المناسبة في لفظ ، ويقول : « إن معاوية ذكر علي بن أبي طالب ، فقال سعد... » !!
وفي آخر يحذفها ويضع بدلها كلمة « كنت جالسا فتنقصوا علي بن
____________
(1) سنن ابن ماجة 1 | 45.
(2) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام ـ 1 | 206 ح271.

( 357 )

أبي طالب... » !!
وابن ماجة ، قال : « قدم معاوية في بعض حجاته ، فدخل عليه سعد ، فذكروا عليا ، فنال منه ، فغضب سعد وقال... ».
فجاء ابن كثير وحذف منه « فنال منه ، فغضب سعد » (1).
وفي ( الفضائل ) لأحمد : « ذكر علي عند رجل وعنده سعد بن أبي وقاص ، فقالله سعد : أتذكر عليا ؟! » (2).
وأبو نعيم وبعضهم حذف القصة من أصلها ، فقال : « عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قال رسول الله : في علي ثلاث خلال... » (3).
هذا ، والسبب في ذلك كله معلوم ! إنهم يحاولون التغطية على مساوئ سادتهم ولو بالكذب والتزوير ! ولقد أفصح عن ذلك بعضهم ، كالنووي ، حيث قال : « قال العلماء : الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها ، قالوا : ولا يقع ففي روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله ، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه ، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب ، كأنه يقول : هل امتنعت تورعا أو خوفا أو غير ذلك ؟! فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب فأنت مصيب محسن ، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر.
لعل سعدا قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم ، وعجز عن الإنكار ، وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال.
قالوا : ويحتمل تأويلا آخرا ، أن معناه : ما منعك أن تخطئه في رأيه
____________
(1) تاريخ ابن كثير 7 | 340.
(2) فضائل علي ـ لأحمد بن حنبل ـ : مخطوط.
(3) حلية الأولياء 4 | 356.

( 358 )

واجتهاده ، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ ؟ ». انتهى (1).
ونقله المباركفوري بشرح الحديث (2).

أقول :
وهل ترتضي ـ أيها القارئ ـ هذا الكلام في مثل هذا المقام ؟!
أولا : إن كان هناك مجال لحمل كلام المتكلم على الصحة وتأويله على وجه مقبول ، فهذا لا يختص بكلام الصحابي دون غيره.
وثانيا : إذا كانت هذه قاعدة يجب اتباعها بالنسبة إلى أقوال الصحابة ، فلماذا لا يطبقونها بالنسبة لكل الصحابة ؟!
وثالثا : إذا كانت هذه القاعدة للأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي ! فلماذا يطبقونها في الأحاديث الواردة في فضل أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم يأخذوا بظواهرها ، بل أعرضوا عن النصوص منها ؟! ومنها حديث المباهلة ، حيث لا تأويل فحسب ، بل التعتيم والتحريف ، كما سنرى في الفصل الآتي.
ورابعا : إن التأويل والحمل على الصحة إنما يكون حيث يمكن ، وقولهم : « ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه ، وإنما سأله » كذب ، فقد تقدم في بعض النصوص التصريح بـ « الأمر » و« النيل » و« التنقيص » وهذا كله مع تهذيب العبارة ، كما لا يخفى.
بل ذكر ابن تيمية : أن معاوية أمر بسب علي (3).
____________
(1) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم بن الحجاج ـ 15 | 175.
(2) تحفة الأحوذي ـ شرح جامع الترمذي ـ 10 | 156.
(3) منهاج السنة 5 | 42.

( 359 )

بل جاءت الرواية عن مسلم والترمذي على واقعها ، ففي رواية القندوزي الحنفي عنهما ، قال : « وعن سهل بن سعد ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا أن يسب أبا التراب ، قال : أما ما ذكرت ثلاثا.... أخرجه مسلم والترمذي » (1).
وخامسا : قولهم : « كأنه يقول... فإن كان تورعا... فأنت مصيب محسن » يكذبه ما جاء التصريح به في بعض ألفاظ الخبر من أن سعدا خرج من مجلس معاوية غضبان وحلف إلا يعود إليه !!
وعلى كل حال... فهذا نموذج من تلاعبهم بمساوئ أسيادهم ، لإخفائها ، وسترى ـ في الفصل اللاحق ـ نموذج تلاعبهم بفضائل علي عليه السلام ، لإخفائها ، وهذا دين القوم وديدنهم ، حشرهم الله مع الذين يدافعون عنهم ويودونهم !!

* وروى ابن شبة ، المتوفى سنة 262 ، قال : « حدثنا الحزامي ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن من حدثه ، قال : جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بعرض عليهما الإسلام... قال : فدعاهما النبي إلى المباهلة وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ، فقال أحدهما للآخر : قد أنصفك الرجل.
فقالا : لا نباهلك.
وأقرا بالجزية وكرها الإسلام » (2).
____________
(1) ينابيع المودة : 193.
(2) تاريخ المدينة المنورة ، المجلد 1 | 583.

( 360 )

* وروى الحسين بن الحكم الحبري (1) ، المتوفى سنة 286 ، قال : « حدثني إسماعيل بن أبان ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : لما نزلت هذه الآية ( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) قال : فخرج رسول الله صلى عليه [ وآله ] وسلم بعلي وفاطمة والحسن والحسين » (2).
وأخرج الطبري : « حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن زيد بن علي ، في قوله : ( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية ، قال : كان النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ».
« حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم ) الآية ، فأخذ ـ يعني النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ـ بيد الحسن والحسين وفاطمة ، وقال لعلي : اتبعنا ، فخرج معهم ، فلم يخرج يومئذ النصارى وقالوا : إنا نخاف... ».
« حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من
____________
(1) وهو أيضا في طريق الحاكم في « المستدرك ».
(2) تفسير الحبري : 248.
قال محققه ـ وهو العلامة السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ـ : « الحديث عن أبي سعيد الخدري قد تفرد بنقله المؤلف ، فلم يروه غيره من المؤلفين ، بل ينحصر وجوده بنسختينا ولم يوجد في سائر النسخ ».
قلت : وما جاء في ذخائر العقبى ، ص25 : « عن أبي سعيد... » فغلط ، بقرينة قوله في الآخر : أخرجه مسلم والترمذي ، لأن الذي أخرجاه هو عن سعد.

( 361 )

العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) قال : بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم خرج ليلا عن أهل نجران ، فلما رأوه خرج هابوا وفرقوا فرجعوا.
قال معمر : قال قتادة : لما أراد النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين ، وقال لفاطمة : اتبعينا ، فلما رأى ذلك أعداء الله رجعوا ».
« حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا ابن زيد ، قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : لو لاعنت القوم ، بمن كنت تأتي حين قلت ( أبناءنا وأبناءكم ) ؟
قال : حسن وحسين ».
« حدثني محمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا المنذر ابن ثعلبة ، قال : ثنا علباء بن أحمر اليشكري ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، أرسل رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين... » (1).
* وقال السيوطي : « أخرج البيهقي في ( الدلائل ) من الطريق سلمة بن عبد يشوع ، عن أبيه ، عن جده : إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كتب إلى أهل نجران.. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر ، أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي خلف ظهره ، للملاعنة ، وله يومئذ عدة نسوة... ».
____________
(1) تفسير الطبري 3 | 212 ـ 213.
( 362 )

« وأخرج الحاكم ـ وصححه ـ وابن مردويه ، وأبو نعيم في ( الدلائل ) عن جابر ، قال : ... فغدا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين...
قال جابر : فيهم نزلت : ( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية.
قال جابر : ( أنفسنا وأنفسكم ) : رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وعلي. ( وأبناءنا ) : الحسن والحسين. ( ونساءنا ) : فاطمة ».
« وأخرج أبو نعيم في ( الدلائل ) من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : ... وقد كان رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم خرج ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : إن أنا دعوت فأمّنوا أنتم. فأبوا أن يلاعنون وصالحوه على اللجزية ».
« وأخرج ابن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو نعيم ، عن الشعبي... فغد النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة... ».
« وأخرج مسلم ، والترمذي ، وابن المنذر ، والحاكم ، والبيهقي في سننه ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، وقال : اللهم هؤلاء أهلي » (1).
* وقال الزمخشري : « وروي أنهم لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر ، فلما تخالوا قالوا للعاقب ـ وكان ذا رأيهم ـ : يا عبد المسيح !
____________
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2 | 38 ـ 39.
( 263 )

ما ترى ؟
فقال : والله لقد عرفتم ـ يا معشر النصارى ـ أن محمدا نبي مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما بأهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لنهلكن ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها ، وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمنوا.
فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى ! إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا : يا أبا القاسم ! راينا أن لا نباهلك ، وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا.
قال : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم. فأبوا.
قال : فإني أناجزكم.
قالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا على ديننا ، على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة ، ألف في صفر وألف في رجب ، وثلاثين درعا عادية من حديد.
فصالحهم على ذلك ، وقال : والذي نفسي بيده ، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم عليهم


( 264 )

الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا.
وعن عائشة رضي الله عنها : إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم خرج وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثم جاء الحسين فأدخله ، ثم فاطمة ، ثم علي ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ).
فإن قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا لتبيين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه ، فما معنى ضم الأبناء والنساء ؟
قلت : ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له ؛ وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة.
وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب ، وربما فداهم الرجال بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ، ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ، ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الظعائن.
وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها.
وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام.
وفيه برهان واضح على نبوة النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، لأنه


( 265 )

لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك » (1).
* وروى ابن الأثير حديث سعد في الخصال الثلاثة ، بإسناده عن الترمذي (2).
وأرسله في تاريخه إرسال المسلم ، قال : « وأما نصارى نجران فإنهم أرسلوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، وأرادوا مباهلته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ، فلما رأوهم قالوا : هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، ولم يباهلوه ، وصالحوه على ألفي حلة ، ثمن كل حلة أربعون درهما ، وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله. وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده ألا يفتنوا عن دينهم ولا يعشروا ، وشرط عليهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به » (3).
* وروى الحاكم الحسكاني بإسناده : « عن أبي إسحاق السبيعي ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : جاء العاقب والسيد ـ أسقفا نجران ـ يدعوان النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إلى الملاعنة ، فقال العاقب للسيد : إن لاعن بأصحابه فليس بنبي ، وإن لاعن بأهل بيته فهو نبي.
فقام رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فدعا عليا فأقامه عن يمينه ، ثم دعا الحسن فأقامه على يساره ، ثم دعا الحسين فأقامه عن يمين علي ، ثم دعا فاطمة فأقامها خلفه.
فقال العاقب للسيد : لا تلاعنه ، إنك إن لاعنته لا نفلح نحن ولا أعقابنا
____________
(1) الكشاف 1 | 369 ـ 370.
(2) اُسد الغابة في معرفة الصحابة 4 | 26.
(3) الكامل في التاريخ 2 | 293.

( 366 )

فقال رسول الله : لو لاعنوني ما بقيت بنجران عين تطرف » (1).

أقول :
وهذا نفس السند عند البخاري عن حذيفة ، لكنه حذف من الخبر ما يتعلق بـ « أهل البيت » ووضع مكانه فضيلة لـ « أبي عبيدة » وسيأتي في الفصل اللاحق فانتظر !!
* وقال ابن كثير : « وقال أبو بكر ابن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن داود المكي ، حدثنا بشر بن مهران ، حدثنا محمد ابن دينار ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن جابر ، قال : ... فغدا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين... قال جابر : وفيهم نزلت...
وهكذا رواه الحاكم في مستدركه ... ثم قال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا.
قال : وقد رواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن المغيرة ، عن الشعبي ، مرسلا. وهذا أصح.
وقد روي ابن عباس والبراء نجو ذلك » (2).
ولكنه ـ في ( التاريخ ) ـ ذكر أولا حديث البخاري المبتور ! ثم روى القصة عن البيهقي ، عن الحاكم بإسناده عن سلمة بن عبد يشوع ، عن أبيه ، عن جده ؛ وليس فيه ذكر لعلي عليه السلام ، كما سيأتي.
____________
(1) شواهد التنزيل 1 | 126.
(2) تفسير ابن كثير 1 | 319.

( 367 )

* وقال القاري بشرح الحديث : « عن سعد بن أبي وقاص ، قال : لما نزلت هذه الآية ـ أي المسماة بآية المباهلة ـ ( ندع أبناءنا وأبناءكم ) أولها ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليا ؛ فنزله منزلة نفسه لما بينهما من القرابة والأخوة ، وفاطمة ، أي لأنها أخص النساء من أقاربه ، وحسنا وحسينا ؛ فنزلهما منزلة ابنيه صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، أي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. رواه مسلم » (1).

كلمات حول السند :
ولنورد نصوص عبارات لبعض أئمة القوم في قطعية هذا الخبر :
قال الحاكم : « وقد تواترت الأخبار في التفاسير ، عن عبد الله بن عباس وغيره ، أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين ، وجعلوا فاطمة وراءهم ، ثم قال : هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا ، فهلموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين » (2).
وقال الجصاص : « إن رواة السير ونقلة الأثر لم يختلفوا في أن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي الله عنهم ، ودعا النصارى الذين حاجوه إلى المباهلة... » (3).
____________
(1) المرقاة في شرح المشكاة 5 | 589.
(2) معرفة علوم الحديث : 50.
(3) أحكام القران 2 | 16.

( 368 )

وقال ابن العربي المالكي : « روى المفسرون أن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ناظر أهل نجران حتى ظهل عليهم بالدليل والحجة ، فأبوا الانقياد والإسلام ، فأنزل الله هذه الآية ، فدعا حينئذ عليا وفاطمة والحسن والحسين ، ثم دعا النصارى إلى المباهلة » (1).
وقال ابن طلحة الشافعي : « أما آية المباهلة ، فقد نقل الرواة الثقات والنقلة الأثبات نزولها في حق علي ، وفاطمة والحسن والحسين » (2).
واعترف القاضي الأيجي والشريف الجرجاني بدلالة الأخبار والصحيحة والروايات الثابتة عند أهل النقل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليا وفاطمة وابنيهما فقط ، وستأتي عبارتهما كاملة في فصل الدلالة.

***

____________
(1) أحكام القران 1 | 115. ط السعادة بمصر ، وفي الطبعة الموجودة عندي 1 | 360 لا يوجد اسم علي ، فليتحقق.
(2) مطالب السؤول : 7.