تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 286 ـ 300
(286)
لكل صلاة ) (1) ، ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام : « وصلّت كلّ صلاة بوضوء » (2) ولأن الدم ناقض وهو متجدد فتنتقض الطهارة به ، وسقط اعتباره بالنسبة إلى الصلاة الواحدة دفعا للمشقة ، وخلاصا عن تكليف ما لا يطاق.
    وقال الشافعي : تتوضأ لكلّ صلاة فريضة ، ولا تجمع بين فريضتين بطهارة واحدة ، وتُصلّي مع الفريضة النوافل (3) ، لقوله عليه السلام في المستحاضة : ( تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتُصلّي ، وتتوضأ عند كلّ صلاة ) (4) وهو حجة لنا.
    وقال أبو حنيفة ، وأحمد : تجمع بين فريضتين في وقت واحد (5) ، وتبطل طهارتها بخروج وقت الصلاة ، لأنّه عليه السلام قال لفاطمة بنت أبي حبيش : ( توضئي لوقت كلّ صلاة ) (6) ولا حجة فيه ، إذ وقت كلّ صلاة ما يفعل فيه.
1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 204 / 624 ، سنن أبي داود 1 : 80 / 298 ، سنن الدارقطني1 : 212 / 35 ، سنن البيهقي 1 : 345 ، والحديث في المصادر عن فاطمة بنت أبي حبيش.
2 ـ الكافي 3 : 88 / 2 ، التهذيب 1 : 106 / 277.
3 ـ المجموع 2 : 535 و 541 ، فتح العزيز 2 : 435 ، مغني المحتاج 1 : 112 ، عمدة القارئ 3 : 277 ، الشرح الكبير 1 : 392.
4 ـ سنن أبي داود 1 : 80 / 297.
5 ـ شرح فتح القدير 1 : 159 ، شرح العناية 1 : 159 ، اللباب 1 : 46 ، المغني 1 : 390 ، الشرح الكبير 1 : 392 ، المجموع 2 : 535.
6 ـ اُنظر سنن البيهقي 1 : 344 ، سنن الترمذي 1 : 218 / 125.


(287)
    وقال ربيعة ، ومالك ، وداود : لا وضوء على المستحاضة (1) ، لأنّه عليه السلام قال لاُم حبيبة بنت جحش : ( إنّ هذه ليست بالحيضة ، ولكن هذا عرق ، فاغتسلي وصلي ) (2) ولم يأمرها بالوضوء. ويعارضه ما تقدم ، والإهمال للعلم بالحكم.
    وقال الأوزاعي ، والليث : تجمع بطهارتها بين الظهر والعصر لأنّ لها أن تجمع بين نوافل ، فجاز أن تجمع بين فرائض كغير المستحاضة (3). والحكم في الأصل ممنوع.

فروع :
    أ ـ صاحب السلس والمبطون يتوضآن لكلّ صلاة ، ولا يجمعان بين صلاتين بوضوء واحد ، لوجود الحدث.
    ب ـ المبطون إذا تمكن من تحفّظ نفسه في وقت الصلاة وجب إيقاعها فيه ، وإن لم يتمكن توضأ وصلّى ، فإن فجأه الحدث ، قيل : يتطهر ويبني (4) ، والأقوى عدم الالتفات كالسلس.
    ج ـ قال الشيخ في المبسوط : ولو توضأت بعد وقت الصلاة غير
1 ـ بداية المجتهد 1 : 60 ، المجموع 2 : 535 ، شرح النووي لصحيح مسلم 1 : 388 ، عمدةالقارئ 3 : 277 ، سبل السلام 1 : 100 ، المحلى 1 : 253 ، المغني 1 : 389.
2 ـ صحيح البخاري 1 : 89 ـ 90 ، صحيح مسلم 1 : 263 / 334 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 626 ، سنن ابي داود 1 : 73 / 281 و 77 / 288 ، سنن البيهقي 1 : 348 و 349و 350 ، المستدرك للحاكم 1 : 173 ، مسند أحمد 6 : 83 ، سنن النسائي 1 : 121 و 181 و 182 ، سنن الترمذي 1 : 229 / 129.
3 ـ مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 127 ـ 128.
4 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 43.


(288)
متشاغلة بها ثم صلّت لم تصح ، لأنّ المأخوذ عليها أن تتوضأ عند كلّ صلاة (1) ، وهو يعطي المقارنة.
    وقال أصحاب الشافعي : إنّ أخرت لشغلها بأسباب الصلاة كالسترة والخروج إلى المسجد ، وانتظار الصلاة جاز ، وإن كان لغير ذلك فوجهان : المنع لأنّه لا حاجة بها إلى ذلك ، والجواز لأنّه قد جوّز لها تأخير الصلاة إلى آخر الوقت ، فهذا تأخير مأذون فيه (2).
    د ـ قال الشيخ في المبسوط : إذا توضأت للفرض جاز أن تصلّي معه ماشاء‌ت من النوافل (3) ، وبه قال الشافعي (4) ، وفيه نظر ، فإن الدم حدث ، فيستباح بالوضوء معه ما لا بدّ منه ، وهو الصلاة الواحدة ، ولقول الصادق : « توضأت وصلّت كلّ صلاة بوضوء » (5).
    هـ ـ لو توضأت قبل دخول الوقت لم يصح ، وبه قال الشافعي (6) إذ لاضرورة إليه.
    ولو توضأت لفريضة فأخرت الصلاة إلى أن خرج الوقت ، قال بعض الشافعية : لا يصح أن تصلّي بذلك الوضوء ـ وهو مذهبنا ـ وجوز بعضهم ، لأنّ الطهارة عند الشافعي لا تبطل بخروج الوقت (7).
    و ـ لو توضأت ودخلت في الصلاة وخرج الدم قبل دخولها أو بعده ،
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68.
2 ـ المجموع 2 : 537 ، فتح العزيز 2 : 435 ، السراج الوهاج : 31 ، شرح النووي لصحيح مسلم 1 : 389.
3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68.
4 ـ المجموع 2 : 535 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 388 ـ 389.
5 ـ الكافي 3 : 88 ـ 89 / 2 ، التهذيب 1 : 106 ـ 107 / 277.
6 ـ المجموع 2 : 537 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 389.
7 ـ المجموع 2 : 537 ـ 538 ، المهذب للشيرازي 1 : 53


(289)
فإن كان لرخاوة الشدّ وجب إعادة الشدّ والطهارة ، وإن كان لغلبة الدم وقوته لم تجب إعادة الصلاة ، لعدم الاحتراز من ذلك ، وبه قال الشافعي (1).
    ز ـ لو توضأت والدم بحاله ، ثم انقطع قبل الدخول في الصلاة ، قال الشيخ : تستأنف الوضوء (2) ـ وبه قال الشافعي (3) ـ ، لأنّ دمها حدث ، وقد زال العذر فظهر حكم الحدث ، فإن صلّت والحال هذه أعادت ، لعدم الطهارة ، سواء عاد قبل الفراغ أو بعده.
    ولو انقطع في أثناء الصلاة ، قال في المبسوط والخلاف : لا يجب الاستئناف ، لأنّها دخلت دخولا مشروعا (4) ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : الاستئناف بعد الطهارة وغسل ما بها من الدم لأنّ عليها نجاسة ، وقد تجدد منها حدث لم تأت عنه بطهارة ، فوجب عليها استئناف الطهارة (5) ، وهو الاصح عندهم.
    ح ـ إذا كان دم الاستحاضة يجري تارة ويمسك أخرى ، فإن كان زمن الإمساك يتسع للطهارة والصلاة وجب إيقاعهما فيه ، وانتظرته ما لم يخرج الوقت ، وإن ضاق جاز لها أن تتوضأ وتُصلّي حال جريانه ، فإن توضأت في حال جريانه ثم انقطع ثم دخلت في الصلاة جاز ، فإن اتصل انقطاعه بطلت صلاتها ـ وهو قول الشافعية (6) ـ لأنّا بيّنا أن هذا الانقطاع قد أبطل طهارتها قبل الشروع في الصلاة ، ولهم وجه آخر.
    ولو كان دمها متصلاً فتوضأت فقبل أن تدخل في الصلاة انقطع ،
1 ـ فتح العزيز 2 : 437.
2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68.
3 ـ المجموع 2 : 540 ، فتح العزيز 2 : 439.
4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68 ، الخلاف 1 : 252 ، مسألة 222.
5 ـ المجموع 2 : 539.
6 ـ المجموع 2 : 540 ، فتح العزيز 1 : 441.


(290)
فدخلت في الصلاة ولم تعد الطهارة ، ثم عاودها الدم في الصلاة قبل أن يمضي زمان يتسع للطهارة والصلاة ، فالوجه عندي عدم البطلان ، والشيخ أبطلهما (1) ـ وهو قول الشافعية (2) ـ ، لأنّ ذلك الانقطاع أوجب عليها الطهارة ، فلم تفعل وإن كان لو علمت بعوده لم تلزمها الإعادة ، فقد لزمها بظاهره إعادةالطهارة فإذا لم تفعل وصلّت لم تصح صلاتها.
    ط ـ قال أبو حنيفة : المستحاضة ، ومن به السلس ، والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ يتوضؤون لوقت كلّ صلاة ، فيصلون به ما شاء‌وا من الفرائض والنوافل ، فإن خرج الوقت بطل وضوؤهم ، وكان عليهم استئناف الوضوء لصلاة اُخرى عند أبي حنيفة ، ومحمد (3).
    وقال زفر : ينتقض بدخول الوقت لا غير (4) ، وقال أبو يوسف : ينتقض بأيهما كان (5).
    وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا توضأت بعد طلوع الشمس ثم دخل وقت الظهر ، فإن الوضوء لا يبطل عند أبي حنيفة ، ومحمد ، ويبطل عند زفر وأبي يوسف.
    ولو توضأت قبل طلوع الشمس ثم طلعت فإنها تنتقض ، وقياس قول زفر ، أنها لا تنتقض ، وعندنا أن الطهارة تتعدد بتعدد الصلاة.

    مسألة 95 : إذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها من الاغسال ، والوضوء
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68.
2 ـ المجموع 2 : 540 ، فتح العزيز 2 : 441.
3 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 17 ، شرح فتح القدير 1 : 159 ، شرح العناية 1 : 159 ، المجموع 2 : 535 ، فتح العزيز 2 : 437 ، فتح الباري 1 : 325 ، الباب 1 : 46 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 388 ، نيل الأوطار 1 : 347 ، المحلى 1 : 253.
4 ـ شرح فتح القدير 1 : 160 ، شرح العناية 1 : 160.
5 ـ شرح فتح القدير 1 : 161 ، شرح العناية 1 : 161.


(291)
والتغيير للقطنة ، أو الخرقة صارت بحكم الطاهر ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ويجوز لها استباحة كلّ شيء يستبيحه الطُهر كالصلاة ، والطواف ودخول المساجد وحل الوطء.
    ولو لم تفعل كان حدثها باقيا ولم يجز أن تستبيح شيئاً مما يشترط فيه الطهارة.
    أما الصلاة فظاهر ، وأما الصوم فإن أخلت بالاغسال مع وجوبها بطل ، ووجب عليها الإعادة ، ولا كفارة إلّا مع فعل المفطر ، ولو لم يجب الاغسال فأخلت بالوضوء لم يبطل صومها ، لعدم اشتراطه بالوضوء.
    وأما الوطء فالظاهر من عبارة علمائنا اشتراط الطهارة في إباحته قالوا : يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.
    وقال المفيد : لا يجوز لزوجها وطؤها إلّا بعد فعل ما ذكرناه من نزع الخرق ، وغسل الفرج بالماء (1). والأقرب الكراهة ، لقوله تعالى : ( فإذا تطهّرن فأتوهن ) (2) يريد من الحيض ، ولأن حمنة كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها (3) ، وقال الصادق عليه السلام : « المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها إلّا أيام قرئها » (4).
    أما الجمهور فاختلفوا ، فقال الشافعي : يجوز وطئ المستحاضة ، ولم يشترط غسلاً ولا وضوء‌اً ، وبه قال أكثر أهل العلم (5) لحديث حمنة (6).
1 ـ المقنعة : 7.
2 ـ البقرة : 222.
3 ـ سنن ابي داود 1 : 83 / 310 ، سنن البيهقي 1 : 329.
4 ـ الكافي 3 : 90 / 5.
5 ـ الاُم 1 : 63 ، المجموع 2 : 372 ، بداية المجتهد 1 : 63 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 386 ، نيل الأوطار 1 : 356 واُنظر سنن البيهقي 1 : 329.
6 ـ سنن أبي داود 1 : 83 / 130 ، سنن البيهقي 1 : 329.


(292)
    وقال الحكم ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي ، وأحمد بن حنبل : لا يحل وطؤها مطلقاًً إلّا أن يخاف على نفسه العَنَت ، لأنّه أذى فأشبه الحيض (1) ، وهو غلط فإنه لا يتعلق به شيء من أحكام الحيض ، بل يشبه دم البواسير.

فروع :
    أ ـ لو كان الدم كثيراً فاغتسلت أول النهار وصامت ثم انقطع قبل الزوال لم يجب غسل آخر عند الزوال لا للصوم ، ولا للصلاة إن كان البرء ، ولو كان لا له وجب ، ولو كانت تعلم عوده ليلا ، أو قبل الفجر وجبت الاغسال الثلاثة.
    ب ـ لو كان الدم قليلاً فأخلت بالوضوء أو فعلته وصامت ، ثم كثر في أثناء النهار فإن كان قبل الزوال وجب الغُسل عنده للصلاة والصوم ، فإن أخلت به احتمل بطلان الصوم ، إذ لم تفعل ما هو شرطه ، والصحة لانعقاده أولا فلا تؤثر فيه عدم الطهارة كالجنابة المتجددة ، وإن كان بعد أن صلّت لم يجب للصلاة اذ قد فعلتها ، وفي وجوبه للصوم نظر.
    ج ـ لو أخلت ذات الدم الكثير بالغسل لصلاة العشاء‌ين بطلت الصلاة ، والوجه صحة الصوم لوقوعه قبل تجدد وجوب الغسل.

المطلب الثاني : في أقسام المستحاضات
    مقدمة : قد بيّنا أن أكثر الحيض عشرة أيام ، فإن زاد الدم على ذلك فقد استحيضت المرأة وامتزج حيضها بطهرها ، ولعُسر التمييز بينهما وضع
1 ـ المغني 1 : 387 ، الشرح الكبير 1 : 401 ، المجموع 2 : 372 ، بداية المجتهد 1 : 63 ، تفسير القرطبي 3 : 86 ، المحلى 2 : 218 ، نيل الأوطار 1 : 356 ، شرح النووي لصحيح مسلم2 : 387.

(293)
الشارع قوانين لذلك ، ومداره على سنن ثلاث وضعها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فإن جماعة سألوا الصادق عليه السلام عن الحيض فقال : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله سن في الحيض ثلاث سنن بين فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها ، حتى أنّه لم يدع لاحد مقالا فيه بالرأي.
    أما إحدى السنن : الحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، ثم استحاضت فاستمر بها الدم وهي في ذلك تعرف أيامها ومبلغ عددها ، فإن امرأة يقال لها فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت فأتت أم سلمة فسألت رسول الله صلّى الله عليه وآله عن ذلك ، فقال : تدع الصلاة قدر أقرائها وقدر حيضها ، وقال : إنّما هو عرق ، فأمرها أن تغتسل وتستثفر بثوب وتُصلّي ، قال الصادق عليه السلام : هذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لم تختلط عليها.
    ثم قال : وأما سنة التي كانت لها أيام متقدمة ، ثم اختلط عليها من طول الدم ، وزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر ، فإن سنّتها غير ذلك ، وذلك أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبيّ صلّى الله عليه وآله فقالت : إني استحيض فلا أطهر ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : ليس ذلك بحيض ، إنّما هو عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ، فكانت تغتسل في كلّ صلاة.
    وقال الصادق عليه السلام : كان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين ، فلهذا احتاجت إلى أن تميز إقبال الدم من إدباره ، وتغير لونه من السواد إلى غيره.
    ثم قال : وأما السنة الثالثة فهي التي ليس لها أيام متقدمة ، ولم تر الدم قط ، ورأت أول ما أدركت واستمر بها ، فإن سنة هذه غير سنة الاُولى والثانية ، وذلك انَّ امرأة تسمى حمنة بنت جحش أتت رسول الله صلّى الله


(294)
عليه وآله فقالت : إني استحضت حيضة شديدة ، فقال : احتشي كرسفاً ، فقالت : إنّه أشد من ذلك إني أثجه ثجا ، فقال لها : تلجمي وتحيضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ، ثم اغتسلي غسلاً ، وصومي ثلاثاً وعشرين أو أربعاً وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلاً وأخري الظهر وعجلي العصر ، واغتسلي غسلاً وأخري المغرب وعجلي العشاء ، واغتسلي غسلاً » (1).

    مسألة 96 : إذا انقطع الدم لعشرة ـ وهو مما يمكن أن يكون حيضاً ـ فهو حيض إجماعاً ، فإن تجاوز فلا تخلو المرأة إمّا أن تكون مبتدأة أو ذات عادة ، فهنا بحثان :
    الأول : المبتدأة ، فإن كان لها تمييز عملت عليه ، ويشترط فيه اختلاف لون الدم ، وأن ما هو بصفة دم الحيض لا يقصر عن ثلاثة ، ولا يزيد على عشرة ، وأن يتجاوز المجموع العشرة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد (2) ـ لقوله عليه السلام : ( إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، فاذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ) (3) وفي رواية : ( فإذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر توضئي إنّما هو عرق ) (4) وقول الصادق عليه السلام : « إنّ دم الحيض ليس به خفاء ، وهو دم حار محتدم له حرقة ، ودم الاستحاضة فاسد بارد » (5).
1 ـ الكافي 3 : 83 / 1 ، التهذيب 1 : 381 / 1183.
2 ـ المجموع 2 : 403 ـ 404 ، فتح العزيز 2 : 448 ، بداية المجتهد 1 : 54 و 55 ، المغني ، 1 : 358 ـ 359 ، الشرح الكبير 1 : 358 ـ 359.
3 ـ صحيح مسلم 1 : 262 / 333 ، سنن الترمذي 1 : 217 / 125 ، سنن أبي داود 1 : 74 / 282 ، سنن النسائي 1 : 124 ، الموطأ 1 : 61 / 104 ، سنن ابن ماجة 1 : 203 / 621 ، سنن الدارقطني 1 : 206 / 2.
4 ـ سنن النسائي 1 : 123 ، سنن الدارقطني 1 : 206 ـ 207 / 3.
5 ـ الكافي 3 : 91 ـ 92 / 3 ، التهذيب 1 : 151 / 431.


(295)
    وقال أصحاب الرأي : لا اعتبار بالتمييز (1) ، واختلفوا ، فقال أبو حنيفة : حيضها عشرة أيام من كلّ شهر ، لأنّ الشرع أقام الشهر مقام حيضة وطهر ، فيجعل عشرة من ذلك حيضاً لوجود الدم في ميقاته (2).
    وقال زفر : يؤخذ بالاقل لأنّه اليقين (3) ، وقال أبو يوسف : تأخذ في حكم انقطاع الرجعة بالاقل ، وفي الحِلَّ للأزواج والصوم والصلاة بالأكثر احتياطاً (4).
    فإن فقدت التمييز ، قال علماؤنا ترجع إلى عادة نسائها كالاخت والعمة وبنتيهما ، فإن فقدن أو اختلفن ، قال الشيخ في الخلاف : ترجع إلى الروايات (5). وقال المرتضى : تترك الصلاة ثلاثة أيام في كلّ شهر إلى عشرة (6).
    وقال الصدوق : فأكثر جلوسها عشرة أيام (7).
    وقال الشيخ : ترجع إلى أقرانها من بلدها ، فإن فقدن او اختلفن فإلى الروايات (8) ، وبالرجوع إلى النساء قال عطاء ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد في رواية (9) ، للتناسب القاضي بظن المساواة.
1 ـ المغني 1 : 359 ، حلية العلماء 1 : 223.
2 ـ المبسوط للسرخسي 3 : 153 ، شرح فتح القدير 1 : 158 ، المجموع 2 : 402 ، فتح العزيز 2 : 448 ، اللباب 1 : 46.
3 ـ المجموع 2 : 402.
4 ـ المبسوط للسرخسي 3 : 154 ، شرح فتح القدير 1 : 155 ، المجموع 2 : 402.
5 ـ الخلاف 1 : 234 ، مسألة : 200.
6 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 55.
7 ـ الفقيه 1 : 51.
8 ـ المبسوط للطوسي 1 : 46 ـ 47.
9 ـ المغني 1 : 377 و 378 ، الشرح الكبير 1 : 357.


(296)
    وسأله سماعة عن جارية حاضت أول حيضها ، فدام دمها ثلاثة أشهر قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كنَّ مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام ، وأقله ثلاثة أيام » (1) وقال الباقر عليه السلام : « المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ، ثم تستظهر على ذلك بيوم » (2).
    وللشافعي قولان ، أحدهما : تُردّ إلى أقل الحيض يوم وليلة ، وتقضي صلاة أربعة عشر يوماً ، فإنها تترك الصلاة إلى أكثره ، وبه قال أحمد في إحدى الروايات ، وأبو ثور ، وزفر ، لأنّه المتيقن ، وما زاد عليه مشكوك فيه فلا نثبته بالشك (3).
    والثاني : تُردّ إلى غالب عادة النساء ست أو سبع ، وبه قال عطاء والثوري والأوزاعي ، وإسحاق ، وأحمد في إحدى الروايات (4) ، لأنّ حمنة بنت جحش قالت : كنت استحاض حيضة كثيرة شديدة ، فجئت إلى النبي صلّى الله عليه وآله أستفتيه فوجدته في بيت اختي زينب ، فقلت : يا رسول الله إنّ لي إليك حاجة ، وإنه لحديث ما منه بد ، وإني لاستحي منه ، فقال : ( ما هو يا بنتاه ؟ ) قالت : إني امرأة استحاض حيضة كبيرة شديدة ، فما ترى فيها ؟ فقال : ( أثقب لك الكرسف ؟ ) فقلت : هو أشد من ذلك ، فقال : ( تلجمي ) فقلت : هو أشد من ذلك. فذكرت الخبر إلى أن قال : ( إنّها ركضة من ركضات الشيطان ، تحيضي فيعلم الله ستاً أو سبعاً ثم اغتسلي ، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستيقنت فصلي أربعة وعشرين ليلة وأيامها ، أو ثلاثة وعشرين ليلة وأيامها ، وصومي
1 ـ الكافي 3 : 79 / 3 ، التهذيب 1 : 380 / 1181 ، الاستبصار 1 : 138 / 471.
2 ـ التهذيب 1 : 401 / 1252 ، الاستبصار 1 : 138 / 472.
3 ـ المغني 1 : 380 ، الشرح الكبير 1 : 361 ، الاُم 1 : 61 ، المجموع 2 : 398 و 402 ، فتح العزيز 2 : 458 ، الوجيز 1 : 26 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 391.
4 ـ المغني 1 : 380 ، الشرح الكبير 1 : 361 ، المجموع 2 : 398 و 402 الاُم 1 : 61.


(297)
فإنه يجزيك ) (1) وظاهره أنها كانت مبتدأة لأنّه لم ينقل أنّه سألها عن حالها قبل ذلك ، ولو كانت معتادة لوجب ردها إلى عادتها.
    وقال مالك : تقعد عادة لداتها (2) ، وتستظهر بثلاثة أيام (3). وقال أبو حنيفة : تحيض أكثر الحيض (4). وعن مالك : تقعد خمسة عشر يوماً ـ وهو رواية عن أحمد ـ لأنّه لا يجوز لها ترك الصلاة إلى الأكثر ، فلا يلزمها القضاءبالشك (5) ، وقال أبو يوسف : تأخذ في الصوم والصلاة بالاقل ، وفي وطئ الزوج بالأكثر (6).

فروع :
    أ ـ لا يشترط في التمييز التكرار ، فلو رأت في شهر ثلاثة أسود ، وفي آخر خمسة ، وفي آخر سبعة ، كان ما تراه بصفة الحيض في كلّ شهر حيضا.
    ب ـ لو رأت الأسود والأحمر وتجاوز ، فالأسود حيض والأحمر طهر ، ولو رأت الأحمر والأصفر ، فالأحمر حيض والأصفر طهر ، سواء كان ما شابه الحيض أول أو أوسط أو آخر ، وهو أحد قولي الشافعية ، والآخر : اعتبار
1 ـ سنن ابي داود 1 : 76 / 287 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، سنن الترمذي 1 : 222 ـ 224/ 128 ، مسند أحمد 6 : 381 ـ 382 ، سنن الدار قطني 1 : 214 / 48 ، المستدرك للحاكم 1 : 172.
2 ـ لداتها : أترابها ومفردها لدة كعدة ، تاج العروس : 1 : 325 ، النهاية لابن الاثير 4 : 246 مادة « لدا ».
3 ـ المدونة الكبرى 1 : 49 ، حلية العلماء 1 : 221 ، فتح العزيز 2 : 461.
4 ـ شرح فتح القدير 1 : 158 ، المجموع 2 : 402 ، المغني 1 : 380 ، الشرح الكبير 1 : 361 ، حلية العلماء 1 : 221.
5 ـ المغني 1 : 378 ، الشرح الكبير 1 : 357 و 363 ، المدونة الكبرى 1 : 49.
6 ـ المبسوط للسرخسي 3 : 154 ، شرح فتح القدير 1 : 158 ، المجموع 2 : 402.


(298)
التقديم (1).
    ولو رأت ثلاثاً ثم انقطع يوم العاشر ، أو ما دونه ، كان الدمان وما بينهما من النقاء حيضاً كالجاري ، لقول الصادق عليه السلام : « إذا رأته قبل عشرة فهو من الحيضة الاُولى ، وإذا رأته بعد عشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (2).
    ج ـ لو رأت ثلاثة أسود وثلاثة أحمر ، ثم اصفر ، وتجاوز ، فالحيض الأسود ، ولو رأت ثلاثة أصفر ، وتركت الصلاة والصوم إلى العاشر ، فإن رأت بعد ذلك أسود تركت الصلاة أيضاً ، حتى تأخذ في الأسود عشرا ، فإن انقطع فالأسود حيض وما تقدمه طهر ، فإن تجاوز فلا تمييز لها.
    د ـ العادة قد تحصل من التمييز ، فلو مر بها شهران ورأت فيهما سواء ثم اختلف الدم في باقي الاشهر رجعت إلى عادتها في الشهرين ، ولا تنظر إلى اختلاف الدم ، لأنّ الأول صار عادة.
    هـ ـ قال في المبسوط : لو رأت المبتدأة أولاً دم الاستحاضة خمساً ، ثم أطبق الأسود إلى بقية الشهر حكم بحيضها من بدأة الأسود إلى تمام عشرة والباقي استحاضة (3) ، وهو مشكل ، فإن شرط التمييز عدم تجاوز العشرة ، والأقرب أنّه لا تمييز لها كما تقدم.
    ثم قال : لو رأت ثلاثة عشر بصفة الاستحاضة ، والباقي بصفة الحيض ، واستمر فثلاثة من أوّله حيض ، وعشرة طهر ، وما رأته بعد ذلك من
1 ـ المجموع 2 : 407 ، فتح العزيز 2 : 453 ، الوجيز 1 : 26 ، مغني المحتاج 1 : 113 ، حلية العلماء 1 : 223.
2 ـ التهذيب 1 : 156 / 448 ، الاستبصار 1 : 130 / 449.
3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 46.


(299)
الحيضة الثانية (1) وفيه إشكال ، إذ لا تمييز هنا ، إلّا أن تقصد اعتبار الأقل ، لأنّه المتيقن.
    قال : ولو رأت ثلاثة دم الحيض ، وثلاثة دم الاستحاضة ، ثم رأت بصفة الحيض تمام العشرة ، فالكل حيض ، وإن تجاوز الأسود إلى تمام ستة عشر كانت العشرة حيضاً ، والستة السابقة استحاضة تقضي صلاتها وصومها (2). والأقرب أنّه لا تمييز لها.
    و ـ إذا لم يكن للمبتدأة تمييز ولا أقارب ولا أقران ، تحيضت في كلّ شهر بستة أو سبعة على المشهور ، لقول الصادق عليه السلام : « إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لحمنة : تحيضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة » (3) وقد تقدم خلاف الجمهور.
    وفي قول لنا : تترك الصلاة والصوم في الأول أكثر أيام الحيض ، وفي الثاني أقلّه ، لقول الصادق عليه السلام : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ، ثم تصلّي عشرين يوماً ، وإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام ، وصلّت سبعة وعشرين يوماً » (4) وهما متقاربتان.
    ولنا قولان آخران ، أحدهما : أنها تترك الصلاة أقل أيام الحيض. والثاني : أكثره ، والأقرب الاول.
    ز ـ هل المراد بقوله عليه السلام : ( ستة أيام أو سبعة ) (5) التخيير ؟ أو العمل بما يؤدي اجتهادها إليه ويتغلب أنّه حيضها ؟ قيل : بالأول عملا
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 47.
2 ـ المبسوط 1 : 50.
3 ـ الكافي 3 : 86 ـ 87 / 1 ، التهذيب 1 : 383 / 1183.
4 ـ التهذيب 1 : 381 / 1182 ، الاستبصار 1 : 237 / 469.
5 ـ الكافي 3 : 87 / 1 ، التهذيب 1 : 383 / 1183.


(300)
بمقتضى الظاهر (1) وقيل : بالثاني لامتناع التخيير بين الواجب وتركه (2)
    ح ـ للشافعية وجهان في الرجوع إلى النساء ، أحدهما : نساء زمانها في الدنيا كلها ، وأصحهما : اعتبار عادة نساء عشيرتها وقومها ، لأنّ الحيض يعود إلى الجبلة والطبع ، فتكون هي كعشيرتها ، فإن لم يكن لها عشيرة فنساء بلدها ، لأنّها إليهن أقرب (3) وقد بيّنا مذهبنا.
    ط ـ الايام التي تجلسها من لا تمييز لها ، الأقرب أنها من أول الدم ، لقول الصادق عليه السلام : « تترك الصلاة عشرة أيام ثم تصلّي عشرين يوماً » (4) مع احتمال التخيير على ضعف.
    ي ـ إذا رددناها إلى الأقل فالثلاثة حيض بيقين ، وما زاد على العشرة طُهر بيقين ، وما بينهما هل هو طُهر بيقين أو مشكوك فيه يستعمل فيه الاحتياط؟ للشافعي قولان : الأول قياسا على طهر المعتادة ، والثاني كطهر الناسية فحينئذ تحتاط فيتجنبها زوجها ، وتُصلّي وتصوم وتقضيه (5).
    وإن رددناه إلى الست أو السبع ، فالاقل حيض بيقين ، والزائد على الأكثر طُهر بيقين ، وما زاد على الأقل إلى الست أو السبع هل هو حيض بيقين أو مشكوك فيه ؟ للشافعي قولان : الأول قياسا على زمان عادة المعتادة ، والثاني تستعمل الاحتياط بأن تقضي صلاة تلك الايام لاحتمال أنها طهر ولم تصلّ ، وفيما زاد على الست والسبع إلى العشر قولان (6) ، وكلا القولين في التقادير عندي محتمل.
    يا ـ شرط الشافعي للتمييز أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوماً ، ولا
1 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 56.
2 ـ حكاه المحقق أيضاً في المعتبر : 56.
3 ـ المجموع 2 : 399 ، فتح العزيز 2 : 458 ـ 459.
4 ـ التهذيب 1 : 381 / 1183 ، الاستبصار 1 : 137 / 469.
5 ـ المجموع 2 : 400 ، فتح العزيز 2 : 465 ـ 466 ، مغني المحتاج 1 : 114.
6 ـ المجموع 2 : 400 ، فتح العزيز : 465 ـ 466.
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس