ثورة النساء ::: 16 ـ 30
(16)
فامر باحضار الجواري والدفوف ونشر الاعلام والابواق ومظاهر الزينة وفعلا تم ذلك.
    فقالت ام كلثوم ، ما يقال لهذا البلد ؟ فقالوا بعلبك فقالت اباد الله تعالى خظرتكم لا عذب الله شرابهم ولا رفع الظلم عنهم. وباتو ليلتهم ورحلوا وادركهم المساء عند صومعة راهب فأنشأ علي ابن الحسين عليه السلام يقول :
    هو الزمان فما تفني عجائبه عن الكرام
    فليت شعري الى كم ذا تجاذبنا طروفه ولى كم نجاذ به
    يسيرنا على الأقتاب عارية
    وسائق العيس يحمى عنه غاربة
    كاننا من بنات الروم بينهم
    او كلما قاله المختار كاذبة
    كفرتم برسول الله ويلكم
    يا امة السوء قد ضاقت مذاهبه
    فلما جن الليل عليهم دفعوا الرأس الى جانب الصومعة فلما غشى الليل سمع الراهب دويا كدوي الرعد


(17)
وتسبيحا ونقديسا واستأنس انوارا ساطعة فالطلع الراهب رأسه من الصومعة فنظر الى الرأس فاذا هو يسطع نورا قد لحق النور بعنان السماء ونظر الى باب قد فتح من السماء والملائكة ينزلون كتائب ويقولون السلام عليك يا ابا عبدالله فجزع الراهب جزعاً شديدا فلما اصبحوا وهموا بالرحيل ، اشرف الراحب عليهم ونادى من زعيم القوم فقالوا خولي زعيمنا فقال الراهب ما الذي معكم قال رأس خارجي من العراق قتله ابن زياد فقال ما اسمه ؟ فقالوا له اسمه الحسين بن علي عليه السلام وامه فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه واله. فقال الراهب تبا لكم ولما جئتم في طاعته ، فقد صدقت الأخبار في قولهم انه اذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دماً عبيطا ولا يكون هذا الا في قتل نبي او وصي ثم قال اريد ان تدفعوا اليّ هذا الراس ساعة واحد ، فقال خولى لعنه الله لا اكشفه الا عند يزيد فاني اطمع في جائرة كبيرة ، قال الراهب وكم الجائزة ؟ قال خولي عشرة الاف مثقال ذهب قال ،


(18)
الراهب : انا أعطيك كل ما املك.
    قال خولي احضر ما عندك.
    عندها احضر الراهب الدراهم والدنانير ودفعها اليهم فدفعوا الى الراهب الرأس وهو على الرمح فجعل الراهب يقبله ويبكي ويقول يعز والله عليّ اذا لقيت جدك محمد صلى الله عليه وآله فشهد لي اني اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله واعاد الرأس اليهم ، وهم اصحاب خولي يقتسمون الدراهم فاذا هي خزف مكتوب عليها ( سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون ) ، فقال خولي لأصحابه : اكتموا هذا الخبر والله ان ذكره احدكم حزّيت رأسه. واتجه الركب الى حلب.
    لحد الآن سارة الركب في ثمانية عشر مدينة صغيرة وكبيرة هي :
    1 ـ تكريت ،
    2 ـ دير عروة ،


(19)     3 ـ صليتا ،
    4 ـ وادي نخلة ،
    5 ـ طريق النباعي ،
    6 ـ منطقة مكحول ،
    7 ـ الموصل ،
    8 ـ طريق تل أعفر ،
    9 ـ جبل سنجار ،
    10 ـ مدينة نصيبين ،
    11 ـ عين الوردة ،
    12 ـ قنسرين ،
    13 ـ معرة النعمان ،
    14 ـ شيزر ،
    15 ـ سيبور ،
    16 ـ حمأة ،
    17 ـ حمص ،
    18 ـ بعبلك ،


(20)
    19 ـ واخيرا حلب ثم دمشق.
    اكثر المدن التي مره بها السبايا كانت تتظامن مع السبايا ضد الامويين ما عدى ، أ : والى الموصل ، ب : اهل معرة النعمان ، ج : اهل بعلبعك ربما كانوا يجهلون الحقيقة.
    وما ان تقاربت مسيره الجيش الاموي بصحبة حرم رسول الله من مدينة حلب حتى أمر خولي قائد الجيش بالكتابة الى والي حلب ( ان تلقانا فإن معنا رأس الحسين عليه السلام الخارجي ) وسلم الكتاب الى احد الفرسان وقال له هذا كتابي الى والي حلب ، لا يقرأ الا عند الوالي وتحاشا الغرباء في الطريق وانطلق الفارس وسار يشق عنان الريح حتى دخل مدينة حلب ، وسأل عن الوالي فقادوه الى ديوان الوالي. قال الوالي من اين القادم قال : انا قيس الخزاعي قدمت اليكم بكتابي هذا من قبل خولي قائد الجيش ، القادم من الكوفة متجها الى دار الخلافة.
    قال الوالي : هات ما عندك ، وقرأ الكتاب . صمت


(21)
لحظة وصمت الجميع ليطلعوا على حقيقة الخبر ، نهض الوالي وقال ما بكم يا قوم لنبشر اهل المدينة وليعم الفرح ولنخرج ونستقبل الابطال الذين انتصروا على الخارجي وثبت الدين. وأمر الوالي بجمع الطبالين واهل الموسيقى والطرب وامر بأن ترفع الاعلام وتسقى الخمور وحاول ان يجعل للمدينة وكأنها تحيا ليلة عرسها.
    وفي هذه الاثناء كان في مجلس الوالي عبدالله بن عمر الانصاري قال : والله ان هذا رأس حسين بن علي عليه السلام انه ليس بخارجي بل انه من اهل البيت وخرج باكياً ونقسم القوم بين مصدق وبين اخر.
    اما عبدالله الانصاري فقد كانت له علاقة حميمة بالحسن والحسين عليه السلام من ايام جدهما المصطفى صلى الله عليه وآله اذ كان يحمل لهما الهدايا في كل زيارة يقوم لها اليهم وكانا لا يفارقانه طيلة فترة الزيارة ولما علم بموت الحسن عليه السلام مسموما بكاء مرّ بكاء وعمل قبراً رمزيا للحسن وجلّله وكلّله بالحرير والديباج وكان يندب


(22)
الحسن ويرثيه ويبكي عليه صباحاً ومساءاً ، ولما علم بحادثة الطف وقتل الحسين عليه السلام تجددت احزانه ومرت عليه سيولا جارفة من الألم ، نعم الامل أوسع من الفضاء وذهب الى بيته مهموما ودموعه تحكي المأساة فلقته ابنته درّة الصدف وقالت له ما بك يا ابتاه ما ابكاك ، هل قس الدهر عليك ام مصاب نزل فينا ، اخبرني با الله عليك قال لها يا بنيتي ماذا اقول لا اعلم لماذا لا تشق الارض ، لماذا لا تطبق السماء ولماذا لا تفور البحار. قالت : قل يا ابي ما الذي حصل حتى تقول هذا ، قال يا ابنتي ان اهل الشقاق والنفاق قتلوا حسيناً وسبوا حريمه والقوم سائرون بهم الى اللعين يزيد وهم على مقربة من حلب والوالي عزم ان يخرج ليلقاهم وعلامات السرور بوجه الوالي اللعين ، واجهش بالبكاء ، فقالت ابنته درّة الصدف : يا ابتاه لا خير في الحياة بعد قتل الهداة فو الله لأحرضن في خلاص الرأس والاسارى وادفن الرأس عندي في داري وانال شفاعة محمد صلى الله عليه واله وسلم وافتخر به


(23)
على اهل الارض والسماء ان شاء الله.
    ان درة الصدف كانت البنت الوحيدة لوالدها وكان لها ابناء عم قد تنافسوا في خطبتها لما تحوي من مواصفات الاصل والكمال والجمال والفصاحة والحلم ، كانت مضرب المثل في عشيرتها وكان احد ابناء عمها قد شغف بها حباً وقد تقدم عدة مرات للخطبة كانت ترفضه لانه كان دنيويا ولا يحمل محبة اهل البيت في قلبه ، مع العلم ان ابن عمها مصعب الانصارى كان شابا وسيما غنيا شجاعاً ، والعلاقات العشائرية تحقه بها خصوصا وهما ابناء عم.
    ولكن درة كانت مسلمة مؤمنة لا تلويها الصعاب ولا شكليات الدنيا.
    خرجت درة الصدف من دارها وهي تنادي في اطراف حلب وازقتها يا ويلكم قتل الدين يا ويلكم قتل الحسين عليه السلام والتقت مع بضعة فتيات من بنات عمها وقالت لها احداهن ما لك يا درة هل اصاب عقلك شيء ما لي اراك مهمومة مغمومة.


(24)
وقفت الدرة الصدف وقالت لهم يا بنات عمي لقد قتل الحسين بن علي عليهما السلام ابن فاطمة الزهراء عليها السلام قتلوه وآخذوا حريم رسول الله سبايا ورأس الحسين عليه السلام واهله على اسنة الرماح وهم الان يتقدمون نحو حلب هل تنصروني على تحرير الاسارى واستخلاص الرأس الشريف ودفنه. قالت احداهن ولماذا لا يقاتل الرجال. نحن لا طاقة لنا بالقتال قالت درة : من كانت منكم مؤمنه بالله وترغب ان تدافع عن الدين فلتبرز معي على القوم. ومن كانت تحلم بمحاسن الدنيا فلتقبع في دراها وتركتهن يتهامسن فيما بينهن لاتخاذ قرار ما.
    اما هي فسارت في اطراف حلب تحث الناس للنهوض حتى وصلت دار بكر ابن سعد الانصارى ، سلمت وستأذنت ودخلت ، رحبت بها نائلة بنت بكر الانصاري ، وقالت لها ماذا ورائك يا درة اراك كالقطة المذعورة ، قالت لها درة ، وا محمداه لقد قتل الحسين عليه السلام وجيش الامويين يقترب من حلب هم يسوقون حرم الله ورأس


(25)
الحسين عليه السلام على اسنة الرماح ، وعلا الصياح وبكتا معا ، قالت نائلة ، سأدخل على والدي لأخبرة كي يأذن لي بالخروج ، دخلت على والدها وأخبرته بذلك قال : يا ابنتي ان الحسين عليه السلام قتل وانتم نساء لا طاقة لكم ، دعو الأمر لنا ، فاني سوف أدعو القوم الى مجلسنا مساءاً كي نبحث هذه المسئلة. قالت نائلة يا ابت اذا جاء المخاض لا ننتظر مشورة الرجال ، ان كنت على دين محمد صلى الله عليه وآله أأذن لي وان كنت قد ارتددت عن الاسلام فلا طاعة عندي لك فأطرق مليا وقال : يا ابنتي اخاف ان تقتلين ، قالت : ( كل نفس ذائقة الموت ) ، وهل مقامي اعلى من مقام الحسين عليه السلام واهله ؟!
    لا والله يا أبت الآن اذنت لي بسكوتك ، فنعم المؤمن انت ، صمت الوالد وخرجت البنت.
    واخبرت درة الصدف بانها سوف تكون اول من يتقدم قالت درّة : اذن سوف اذهب الى داري لارتدي ملابس القتال ، ولأرى من ترغب في الجهاد ، خرجت الدرّة


(26)
الصدف ، وما طرقت شارع اوحى الا وكلّمت اهله بما جرى ، وبما يجب ان يجري وهي في طريقها التقت بمصعب الانصاري ابن عمها.
    وقفت امامه بدون كلام ، قال مصعب : يا ابنت العم جائني خبراً انك تحرطين على قتال جيش الامويين ؟ قالت : وما في ذلك يا مصعب ؟ قال : يا درة انا لست من تناديه باسمه انا ابن عمك وتعلمين منزلتكي فى قلبي ، قالت درة : يا اخي اني على عجلة من امري ، قال مصعب : او تناديني يا اخي ؟! قالت درة : اسمع يا بن العم ، لن اطاوعك على هواك وانت تناصب العداء لعلي عليه السلام ما دمت تسير في درب يزيد ابن معاوية.
    ارجوك اذهب عن طريقي ، وتركته وسارت حتى وصلت دارها.
    دخلت ووجدت والدها جالساً ، وافراد من عشيرتها جالسين ، سلمت وانصرفت للتجهيز للقتال.
    بعد برهة كانت مهيأة للقتال ، جائت الى والدها


(27)
قبلت يديه والى عمها الكبير كذلك ، وهمت بالخروج ، قال احد الجالسين : يا درّة الصدف يا عزيزة القوم ، هلا صبرتي حتى نتحزب وتتفق آرائنا ، وقفت درة الصدف وقالت : وفرو وقتكم ولا تبحثوا الامر اذ قد تتفقوا على ان لا تتفقوا ، تبا لتحزبكم ولاحزابكم ، وخرجت راكبة فرسها الاصيل ، وما هي الا دقائق حتى اجتمعت 70 فتاة مع درة الصدف ونائلة ، وخرجن من حلب يطلبون جيش معاوية وبدأة نائلة بالقاء المشعر واخرى الرجز وكانت الفتيات كأنهن ليوث. والغريب في ذلك ان شباب المدينة اصابهم الذهول ، لخروج بناتهم للقتال ، وتلكئهم في ان يتخذوا قرارا في نصرتهن ام لا.
    على بعد فرسخين من المدينة وقفت درة الصدف ، وجعلت الفتيات على مشكل دائرة والقت عليهم كلمة :
    البسمله ثم يا بنات عمي اهلي وعشيرتي واصحابي يا بنات المسلمين ، ان اعوان يزيد الملعون في الدينا قبل الاخرة ، قد جرموا جرماً لا حدود له ، وقد ابكى سكان


(28)
الارض والسماء ، وانتن سائرات الى ملاقات القوم ، لا تقولوا نحن فتيات ، وانما قولوا نحن مؤمنات والقوة من الله ، واوصيكم لا تقاتلوا فرادى بل قاتلوا على شكل مجاميع كراديس ، هكذا اوصى رسول الله صلى الله عيله واله مقاتيله و نحن في خروجنا لا نبغي سوى النصر او الشهادة ، والسلام على من اتبع دين الحق ونور الهدى ، فهلموا ، يا خواتي وفعلا سرن حتى جن الليل. فقالت : احداهن يا درة او نبيت ليلتنا هنا ، اجابتها درة : يا بنت العم ان كنتي تفكرين بالراحة ، فلا راحة قبل ان ننال من القوم ، واما اذا لعب في هواك شيئا ، قالت الفتاه مقاطعة كلام درة لا لا والله ما ساورني شيء وانما فكرت في الراحة كي نحسن القتال.
    قالت درة يا اختي ان راحتنا هي ان ننال من غايتنا فهل انت معنا ، قالت : نعم والله.
    وسار الركب وبعد منتصف الليل ، بزغ القمر وكانه شمس الضحى ، قالت احدى الفتيات هذه الليلة المقمرة


(29)
دليل على نصرنا على الاعداء الكفرة ، الذين اشتروا دنياهم باسعار بخسة.
    واستمر المسير حتى الصباح وفجأة قالت : نائلة الانصارى يا بنت العم هذه الغبرة ، اجتمعت الفتيات ليتخذن قرارا في الهجوم قالت درة : لنمكن حتى يمر العدوا لنرى قوته ونقاط الضعف فيه كي تسهل علينا عملية الهجوم والمباغته ، واتفقن على ذلك ومكثن حتى اقترب الركب ، وسمع بكاء الاطفال ونوح النساء ، والرماح تحمل الرؤوس المطهرة ، ومعهم جيش عرمرم كل من فيه شاهر السيف ، يقدر باكثر من اربعة الاف مقاتل ، لما رأت درّة ذلك شهقت بالبكاء هي وباقي الفيتان ، قالت : نائلة : يا بنات المؤمنين والله ما خرجتم الا لنصرة حرم رسول الله ولكن هذا الامر امامكن والرأي رأيكم ، وقالت درة الصدف : ارى ان لا طاقة لنا بهم ، لنذهب ونستنصر العشاير ، لعلنا نصل الى غايتنا ، قال الجميع : ونعم الرأى ، وتركن الموقع وانسحبن بهدوء حتى ابتعدن عن ذلك الموقع ، قالت


(30)
نائلة : يا درة لا نذهب الى المدينة فالوالي مرتد وهو اموي ، لنذهب الى القرى والعشاير ، قالت : ونعم الرأي ، وسرن نحو الريف والبادية ، وهن يعولنه ويبكين على ما شاهدن دون ان يتمكن من عمل شيئا ما.
     وسار جيش الامويين حتى قاربوا ابواب حلب فتلقاهم الوالي عند باب الاربعين ، الخولي يوصي قادة الوحدات العسكرية بالحذر والانتباه ، ودخلوا حلب من باب الاربعين وقد تجمع الناس فيها غير عارفين بما يجري الا القليل منهم. قال الوالي : مرحبا بخولي مرحبا يا اخ العرب مرحبا يا ناصر الدين مرحبا يا مثبت حكم امير المؤمنين يزيد ، اين تريد ان انصب الرأس ، وهل تريد ان اعذب الاسرى ، قال خولي : أتريد ان تعذب الاسارى ، لماذا ؟ قال الوالي لكي احظ بثقة يزيد وفي عطائه. قال خولي : والله ما عذابك لهم اكثر مما ذاقوه ، اما ان تصلب رأس الحسين عليه السلام فانى اريد مكانا تافها كي أنصب الرأس فيه لانى اود اذلال الحسين حتى بعد قتله هكذا اوصانا اميرنا.
ثورة النساء