
وهو الآن قاطن بأرض العجم ، ينشد لسان حاله :
أنا ابن الذي لم يخزني في حياته * ولم أخزه لما تغيب في الرجم

ويحيي بفضله مآثر أسلافه ، وينتشي مصطحبا ومغتبقا برحيق الأدب وسلافه ،
وله شعر مستعذب الجنى ، بديع المجتلى والمجتنى
(1).

ثم ذكر قطعة من شعره التي تلوح فيه آثار التدين والحث على مكارم
الأخلاق .

وقال صاحب مقابس الأنوار: العالم الفاضل ، الأديب الفقيه ، المحدث
الكامل ، الأديب الوجيه ، الجامع لشتات الأخبار والآثار، المرتب لأبواب تلك الأنوار
والأسرار، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المشغري الطوسي ، عامله الله بفضله
القدوسي
(2).

وقال العلامة الأميني في كتابه الغدير بعد كلام طويل في ترجمته :

فشيخنا المترجم له درة على تاج الزمن ، وغرة على جبهة الفضيلة ، متى
استكنهته تجد له في كل قدر مغرفة، وبكل فن معرفة، ولقد تقاصرت عنه جمل المدح
وزمر الثناء ، فكأنه عاد جثمان العلم وهيكل الأدب وشخصية الكمال البارزة ، وإن من
آثاره أو من مآثره تدوينه لأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام في مجلدات كثيرة ،
وتأليفه لهم بإثبات إمامتهم ونشر فضائلهم ، والاشادة بذكرهم ، وجمع شتات أحكامهم
وحكمهم ، ونظم عقود القريض في إطرائهم ، وإفراغ سبائك المدح في بوتقة الثناء
عليهم ، ولقد ابقت له الذكر الخالد كتبه القيمة
(3).

وممن أثنى عليه أيضا ، ثلة من أفاضل العلماء من الطائفتين ـ الشيعة والسنة ـ
____________
(1) سلافة العصر : 359.
(2) مقابس الانوار : 17 .
(3) الغدير : 11 | 336.
( 82 )
ومن هؤلاء الأعلام : الافندي في رياض العلماء
(1)، والأردبيلي في جامع الرواة
(2)،
والنوري في خاتمة مستدركه
(3)، والبغدادي في هدية العارفين
(4) ، والزركلي في الأعلام
(5)،
وكحالة في معجم المؤلفين
(6)، وغيرهم .
شعره :

امتلك شيخنا الحر عدة الشاعر وسلاحه ، فمن خلفية فكرية استوعبت
القران الكريم والحديث الشريف الى مشاعر قلب نابض وفياض تركّز بحب النبي
وآله عليهم السلام الى لسان اتقن لغة الضاد ، فانطلق شاعرا مبرزا يجول في ميادين
الشعر المختلفة فتجمعت لديه مايقارب عشرين الف بيت ضمها ديوانه واكثرها في
مدح أو رثاء النبي والائمة عليهم السلام . ويحتوي ديوانه ايضاً منظومة في المواريث
والزكاة والهندسة ، وتواريخ النبي والأئمة عليهم السلام . ويتميز شعره بطول النفس
في النظم بحيث تجد له قصائد كثيرة في مدح النبي وآله عليهم السلام جاوزت كل
منها مائة بيت ، ومنها همزيته التي نيفت على الأربعمائة بيت ، ومنها قوله :
كيف تحـظى بمجدك الاوصيـاء | * | وبـه قــد توسل الأنبيـاء |
ما لـخلق سوى النبي وسبطـيـه | * | السعـيديـن هـذه العليــاء |
فبكم آدم اسـتـغاث وقـد مسـ | * | ته بـعـد المـسرة الضـراء |
يوم أمسى في الأرض فرداً غريباً | * | ونأت عنه عرسـه حــواء |
____________
(1) رياض العلماء5: 67.
(2) جامع الرواة 2 : 90.
(3) مستدرك الوسائل 3 : 390.
(4) هدية العارفين 6 : 304.
(5) الأعلام للزركلي 6: 90 .
(6) معجم المؤلفين 9 : 204.
(7) أمل الآمل 1 : 145.
( 83 )
وبكى نادما على ما بدا منـ | * | ـه وجهد الصب الكئيب البكاء |
فتـلقـى مـن ربـه كلمات | * | شرفـتـها من ذكركم أسمـاء |

وقد حوت هذه الهمزية معاجزجمة من معاجز النبي صلى الله عليه وآله ، وجملة
وافرة من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي نطق بها القرآن الكريم أو جاء ذكرها
في الحديث الشريف .

وكذا طرق فنونا من الشعر صعبة المرتقى قل أن يبرز فيها غير الشاعر
المجيد ، فمن ذلك تسع وعشرون قصيدة محبوكة الطرفين على ترتيب حروف المعجم
في مدح الآل (عليهم السلام) ، فمن أحداها وهي في قافية الهمزة.
أغير أمير المؤمنين الذي به * تجمع شمل الـدين بعد ثناء
أبانت بـه الأيام كل عجيبة * فنيران بأس في بحورعطاء

ومن اخرى محبوكة الأطراف الأربعة يقول :
فإن تخف في لوصف من اسراف | * | فـلـذ بمدح السادة الأشـراف |
فـخـر لهـاشـمي أو مـنـافي | * | فـضـل سما مراتـب الالاف |
فعلمهم ظمهم للجهل شاف كافـي | * | فضلهم عـلـى الأنـام وافـي |
فــاقـوا الورى منتعلا وحافـي | * | فضل به العـدو ذو اعـتراف |
فهاكها مـحـبـوكـة الأطـراف | * | فـن غريـب ما قـفاه قـاف |

وله من قصيدة (ثمانين بيتا) خالية من الألف في مدحهم عليهم السلام :
وليي علي حيث كـنـت ولـيــه | * | ومخلصـه بل عـبـد عـبد لعــبده |
لعمرك قلبـي مغـرم بـمـحـبتي | * | له طـول عـمـري ثـم بعـد لولـده |
وهم مهجتي هم منيتي هم ذخيـرتي | * | وقلبي بحـبهـم مـصيـب لـرشـده |
وكل كبير مـنهـم شمس منـيـر | * | وكل صـغيـر منهـم شمس مـهـده |
وكـل كمي منهـم ليـث حربــه | * | وكــل كـريـم منهم غيـث وهـده |
بـذلـت لــه جهدي بمدح مهذب | * | بليغ ـ ومثلي ـ حسبه ـ بذل ـ جهده |
( 84 )

ويدلك على شدة تعلقه بأهل البيت عليهم السلام قوله :
أنا حر عبـد لهـم فـإذا ما | * | شرفوني بالعتق عـدت رقيقـا
|
إنا عبد لهم فلـو اعتـقوني | * | ألف عتق ما صرت يوما عتيقا
|

ومن لطيف شعره مزجه المدح بالغزل حيث يقول :
لئن طاب لي ذكر الحبـائب إنني | * | أرى مدح أهل البيت أحلى واطيبا |
فهن سلبن العلم والحـلم في الصبا | * | وهم وهبونا العلم والحلم في الصبا |
هــواهـن لي داء هواهم دواؤه | * | ومــن يـك ذا داء يرد متطبـبا |
لئن كان ذاك الحسن يعجب ناظرا | * | فـانـا رأينا ذلك الفـضل أعجبا |

وله يصور صدق التوكل على الله تعالى :
كـم حازم ليس له مطمع * إلا مـن الله كمـا قـد مجب
لأجل هذا قد غدا رزقـه * جميـعه من حيث لا يحتسب

وهو يشير بهذا الى قوله تعالى(
ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث
لا يحتسب )
(1) وهو ـ كما ترى ـ تضمين بديع.

ومن حكمياته اللطيفة قوله :
يا صاحب الجاه كن على حذر * لاتك ممـن يغـتـر بالجاه
فـان عز الدنيا كـذلـتـهـا * لا عـزّ إلاّ بـطـاعـة الله

ونكتفي بهذا المقدار من أشعاره ، ومن شاء الزيادة فليراجع ديوانه الذي
سيطبع قريبا إن شاء الله تعالى .
مؤلفاته :

كان الشيخ الحر قدس سره عالما عاملا دأب طول عمره الشريف على
خدمة الشريعة الغراء ، فمع المشاغل التي تتطلبها منه مشيخته للاسلام ، ومع انشغاله
____________
(1) الطلاق 2:65.
( 85 )
بالتدريس وتربية العلماء ، فقد اثرى المكتبة الاسلامية بكتب كثيرة يكفيك أن أحدها ،
وسائل الشيعة الذي أصبح بعد تأليفه إلى الان مورد استنباط الاحكام عند فقهاء
أهل البيت عليهم السلام .

ولنذكر كتبه كما ذكرها هو رحمه الله في أمل الآمل ، وكما ذكرها المترجمون له :
1 ـ تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة : وهو كتابنا الذي
نقدم له وسيأتي الكلام حوله مفصلاً
2 ـ فهرست وسائل الشيعة : يشتمل على عناوين الأبواب ، وعدد أحاديث
كل باب ، ومضمون الأحاديث ، ولاشتماله على جميع ماروي من فتاواهم (عليهم
السلام) سماه كتاب من لايحضره الامام.
3 ـ هداية الامة إلى أحكام الأئمة (عليهم السلام): منتخب من وسائل
الشيعة الكبير مع حذف الأسانيد والمكررات .
4 ـ الفوائد الطوسية: مجموع فوائد بلغت المائة فائدة في مطالب متفرقة .
5 ـ إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات : ويبحث في الدلائل على النبوة
الخاصة والامامة لكل إمام إمام حتى الامام الثاني عشر عجل الله فرجه ، بلغت
مصادره من كتب الشيعة والسنة اكثر من أربعمائة وتسعة وثلاثين مصدرا.
6 ـ أمل الآمل في علماء جبل عامل : قسمه إلى قسمين : الأول خاص بعلماء
جبل عامل ، والثاني عام لعلماء الشيعة في سائر الأقطار.
7 ـ الفصول المهمة في اصول الأئمة (عليهم السلام): يشتمل على القواعد
الكلية المنصوصة في اصول الدين واصول الفقه وفروع الفقه. . .
8 ـ العربية العلوية واللغة المروية.
9 ـ « الايقاظ من المجعة بالبرهان على الرجعة » : فيها أكثر من ستمائة حديث
وأربع وستين آية . ..
10 ـ رسالة الاثنى عشرية في الرد على الصوفية: فيها نحو ألف حديث في
الرد عليهم عموما وخصوصا في كل ما اختص بهم .
( 86 )
11 ـ رسالة في خلق الكافر وما يناسبه .
12 ـ « كشف التعمية في حكم التسمية ». وهي رسالة في تسمية المهدي عليه
السلام .
13 ـ رسالة الجمعة : وهي جواب من رد أدلة الشهيد الثاني في رسالته في
الجمعة.
14 ـ رسالة «نزهة الأسماع في حكم الاجماع ».
15 ـ رسالة تواتر القرآن .
16 ـ رسالة الرجال .
17 ـ رسالة أحوال الصحابة.
18 ـ تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان .
19 ـ رسالة بداية الهداية في الواجبات والمحرمات المنصوصة من أول الفقه
الى آخره ، وهي في غاية الاختصار ، انتهى فيها إلى أن الواجبات (1535)
والمحرما ت (1448) .
20 ـ الجواهر السنية في الأحاديث القدسية، وهو أول من جمع هذه
الاحاديث كما يقول صاحب الاعيان (1).
21 ـ الصحيفة السجادية الثانية، جمع فيها الأدعية المنسوبة إلى الامام
السجاد عليه السلام ، والتي لا توجد في الصحيفة الكاملة .
22 ـ ديوان شعر يقارب عشرين ألف بيت ، أكثره في النبي صلى الله عليه
واله والأئمة المعصومين عليهم السلام . ويتضمن كذلك بالاضافة الى
الشعر النظم التعليمي ، ففيه :

منظومة في المواريث ،

منظومة في الزكاة .
____________
(1) أعيان الشيعة 9 : 168.
( 87 )

منظومة في الهندسة .

منظومة في تواريخ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام .
23 ـ إجازات كثيرة لتلامذته .
24 ـ كان عازما على أن يشرح وسائل الشيعة بكتاب اسمه تحرير وسائل
الشيعة وتحبير مسائل الشريعة(1) ، ولكن الأجل لم يمهله لتنفيذ ماعزم عليه فلم يصدر
منه إلا جزء واحد.
وفاته :

قال أخوه الشيخ أحمد الحر في كتابه الدر المسلوك :

في اليوم الحادي والعشرين ، من شهر رمضان ، سنة 1104 هـ كان مغرب
شمس الفضيلة والافاضة والافادة ، ومحاق بدر العلم والعمل والعبادة ، شيخ الاسلام
والمسلمين ، وبقية الفقهاء والمحدثين ، الناطق بهداية الامة وبداية الشريعة، الصادق في
النصوص والمعجزات ووسائل الشيعة ، الامام الخطيب الشاعر الاديب ، عبد ربه
العظيم العلي ، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الحر العاملي ، المنتقل الى رحمة باريه
عند ثامن مواليه :
في ليلة القدر الوسطى وكان بها | * | وفاة حيدر الكـرار ذي الغـير |
يا من له جنة المأوى غدت نزلاً | * | ارقد هناك فقلبي منك في سعر |
طويـت عنا بسـاط العلم معتليا | * | فاهنأ بمقعد صدق عند مقتـدر |
تاريخ رحلـته عاما فجعت بـه | * | أسـرى لنعمة باريه على قدر |

وهو أخي الأكبر، صليت عليه في المسجد تحت القبة جنب المنبر، ودفن في
إيوان حجرة في صحن الروضة الملاصق لمدرسة ميرزا جعفر، وكان قد بلغ عمره
اثنين وسبعين ، وهو أكبر مني بثلاث سنين إلا ثلاثة أشهر
(2).
____________
(1) أمل الآمل 1 : 145.
(2) الفوائد الرضوية : 476 .
( 88 )
وسائل الشيعة :

هو الكتاب الضخم الفخم الذي رسم المؤلف منهجيته بكتاب مستقل ، ثم
كتبه جامعا له من مصادر معتمدة كل منها مرجع في حديث آل البيت عليهم السلام
عن جدهم صلى الله عليه واله .

فهو كتاب جامع للأحاديث الفقهية التي يعتمد عليها الفقهاء في استنباط
الأحكام الشرعية، وقد جمع من الأحاديث النبوية والولوية جملة وافرة تنيف على
عشرين ألف حديث ، استقاها من أهم المراجع الحديثية المعتبرة كالكتب الأربعة :
الكافي ، الفقيه ، التهذيب ، الاستبصار وجملة وافرة من الكتب المعتمدة الاخرى زادت
على سبعين كتابا.

وقد استهل الكتاب باحاديث في مقدمة العبادات ، ثم قسمه على كتب الفقه
المعروفة من الطهارة الى الديات ، ثم فصل لكل منها أبوابا عنونها بأحكام شرعية
بحيث استوعب جزءا كبيرا مما يمكن حصره من احكام الكتاب ، ثم ادرج تحت كل
باب أو عنوان أهم الاحاديث ذات الدلالة الواضحة عليه بتمام سندها ، ثم وبعد ان
يدرج الحديث عن مصدر أساسي واحد يذيله اما بذكر طرقه الاخرى ان روي باكثر
من طريق او يذكر اختلافات صيغ الرواية ان وجدت أو كلا الأمرين معا.

ثم ذيل اكثر الابواب بما اصطلح عليه بـ (تقدم) و(يأتي) يشير فيها الى أي
حديث سابق أو متأخر على هذا الباب ، ذا دلالة جانبية أو يستفاد منه بشكل أوآخر
في الحكم الشرعي للباب المعني ، فلو كان الباب المعني في الجزء الثامن مثلا ، فأي
حديث له علاقة بهذا الباب من الاجزاء السبعة المتقدمة يعينه بقوله :(تقدم ما يدل
عليه)أو أي حديث آخر سيأتي في الجزء التاسع وما بعده يعينه بقوله (يأتي ما يدل
عليه).

فإذا علمنا أن الكتاب حدود الثلاثين مجلدا في طبعته الحديثة، لامكننا أن
( 89 )
نتصور مقدار الجهد المبذول فيه والذي يحتاج إلى علم واسع واستحضار لكل
الاحاديث ، وصبر على طول التفتيش والتنقير.

وقد رزق هذا الكتاب ما لم يرزق غيره فكان عليه معول مجتهدي الشيعة من
عصر مؤلفه الى اليوم ، وما ذاك إلا لحسن ترتيبه وتبويبه
(1).

يقول الشيخ العلامة الاميني في غديره :

وأنت لا تقرأ في المعاجم ترجمة لشيخنا الحر إلا وتجد جمل الثناء على كتابه
الحافل (وسائل الشيعة) مبثوثة فيها، وقد أحسن وأجاد أخوه العلامة الصالح في
تقريظه بقوله :
هذا كتاب علا في الـديـن مرتبة | * | قـد قصرت دونهـا الأخبار والكتب |
ينير كالشمس في جو القلوب هدى | * | فتنتحي منـه عن أبصارنا الحجـب |
هذا صراط الهـدى ماضل سالكه | * | إلى المقامة بل تـسمو بـه الرتـب |
إن كان ذا الديـن حقـا فهو متبع | * | حقا إلى درجات الـمنتهى سبب (2) |

ولما كان كتاب الوسائل موضع عناية الفقهاء ، فقد كثرت حوله المؤلفات من
شروح وتعليقات ، أو إيضاحات لبعض ما أجمله.

فمن ذلك شرح المؤلف نفسه وأسماه «تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل
الشريعة» ذكر العلامة الشيخ آغا بزرك انه خرج منه مجلد واحد في شرح جملة من
مقدما ته
(3) .

ولمؤلفه ـ أيضا ـ شرح آخر على نحو التعليق ، فيه بيان اللغات ، وتوضيح
العبارات ، أو دفع الاشكال عن متن الحديث أو سنده ، أو غير ذلك ، ذكره العلامة
الطهراني أيضا
(4).
____________
(1) أعيان الشيعة 9 : 168.
(2) الغدير 11 : 336.
(3) الذريعة 3 : 393 | 1412 .
(4) الذريعة 4 : 353 .
( 90 )

وشرحه بعد مؤلفه جمع من الأعلام ، ولكن لم يتجاوزوا كتب العبادات ، منهم :

الشيخ محمد بن علي بن عبد النبي المقابي المعاصر لصاحب الحدائق .

والحاج المولى محمد رضي القزويني الشهيد في فتنة الأفاغنة.

والشيخ محمد بن سليمان المقابي المعاصر للشيخ عبدالله السماهيجي ، واسم
شرحه مجمع الاحكام .

والعلامة المحقق السيد حسن الصدر.

وألف اخرون في حل بعض مغلقاته ، منهم :

العلامة الشيخ عبد الصاحب حفيد صاحب الجواهر (المتوفى 1353 هـ) له
كتاب (الاشارات والدلالات إلى ما تقدم أو تأخر ، في الوسائل) . وطبع بالنجف
الاشرف عام 1356 هـ .

وسماحة اية الله العظمى السيد الخوئي له كتاب في بيان ما تقدم وما تأخر،
وبيان ما يستفاد من أحاديث الباب زائدا على ما استفاده صاحب الوسائل ، وذكر
حديث اخر لم يذكره الحر في الباب مع انه يستفاد منه ما في عنوان الباب .

هذا وقد استدرك عليه العلامة النوري كتابا كبيرا سماه مستدرك
الوسائل
(1)، أورد في خاتمته فوائد نافعة.

وقد اهتم بعض العلماء بجرد حواشي الحر ـ رحمه الله ـ على نسخته التي
بخط يده ، منهم العلامة المقدس الشيخ علي القمي ، لكنه فاته تشخيص مواضع
الحواشي من المتن .

ودونها ثانيا الميرزا محمد الطهراني نزيل سامراء.
وقد ذكرت هذه الحواشي كلها في هوامش طبعتنا هذه بتوقيع «منه رحمه الله ».
*
*
*
____________
(1)حقق ونشر سنة 1407هـ من قبل مؤسسة آل البيت لاحياء التراث.
( 91 )
منهج المؤلف :

صرح المؤلف بما انتهجه في الكتاب في المقدمة بنحو إجمالي ، فقال : « . . ولم
أنقل فيه الأحاديث إلا من الكتب المشهورة المعول عليها التي لا تعمل الشيعة إلا
بها، ولا ترجع إلا إليها .

مبتدئا باسم من نقلت الأحاديث من كتابه .

ذاكراً للطرق ، والكتب ، وما يتعلق بها في آخر الكتاب »
(1) .

وفصل القول عن النهج الذي سار عليه ، في آخر الكتاب ، فقال :

وصرحت بأسم الكتاب الذي نقلت الحديث منه ، وابتدأت بإسم مؤلفه ،
وعطفت ما بعده عليه ، إلا الكتب الأربعة ، فإني ابتدأت في أحاديثها بأسماء مؤلفيها،
ولم أصرح بأسمائها:

فما كان مبدوءا باسم « محمد بن يعقوب » فهو من (الكافي) وكذا ما كان معطوفا
عليه .

وما كان مبدؤا بإسم « محمد بن علي بن الحسين » فهو من (كتاب من لا
يحضره الفقيه).

وما كان مبدوءا بإسم « محمد بن الحسن » فهو من (التهذيب) أو من
(الاستبصار) ، وكذا ما كان معطوفا عليهما، ولا فرق بينهما ، بل (الاستبصار) قطعة من
(التهذيب)
(2).

وقد خفي منهج المؤلف في ترتيب كتابه على المبتدئين ، أو على من لا خبرة له
بالعلم ، فلم يعرف أغراض المؤلف مما بنى عليه أساس عمله ، فاقتضى توضيحه ،
فنقول : إن الشيخ الحر رحمه الله قد التزم في هذا الكتاب منهجا بديعا، يتميز بميزات
____________
(1)كتابنا هذا ، 7 | 1 .
(2) كتابنا هذا، الجزء الأخير، نهاية الكتاب .
( 92 )
فائقة ، هي التي سببت له الرواج بين العلماء ، نشير الى بعضها:
1 ـ تسهيل الأمر على طالبي الحديث ، لسرعة العثور على المطلوب ، وذلك
بترتيب الكتاب على ترتيب الكتب الفقهية بما فيها من الأبواب ، وحسب تسلسل
المواضيع المطروحة في الكتب المتداولة بين الفقهاء ، والتي يتعلمها الطلبة في المدارس
الابتدائية ، ويزوالها العلماء في المراحل النهائية .
وبذلك يتمكن الجميع ، وعلى أساس ما يحفظونه من تسلسل المواضيع
الفقهية المدروسة ، من العثور على الحديث في الباب المعين .
2 ـ ضم الحديث الى ما يناسبه في باب واحد، بحيث يتمكن الطالب من
الوقوف على جميع ما يرتبط بالباب من الأحاديث الموحدة في الدلالة، او المتحدة في
الاسناد والمتن ، في مكان واحد ، مجتمعة أمامه .

وهذا يمكنه بسهولة ويسر من المقارنة بين الأحاديث ، سندا ومتنا ، او دلالة
ومفهوما ، وبذلك تنكشف للطالب امور عديدة، اضافة على ما في كل حديث من زيادة
او نقصان ، بنظرة واحدة، من دون حاجة الى مراجعة المصادر المتعددة.
3 ـ الجمع بين شتات الأحاديث المرتبطة بباب واحد ، من مختلف المصادر أو
من مواضع متباعدة من مصدر واحد.

وهذا لم يتيسر للطالب إلا ببذل كثير من الجهد والطاقة.

وفي كل هذه الامور ، وغيرها من المزايا ، توفير الوقت العزيز ، على العلماء
والباحثين ، بما لا يخفى أثره على تقدم العلم وسرعة التوصل الى النتائج .

ان كل هذه الآثار انما ترتبت على ما التزمه المؤلف العظيم من المنهج القو يم.

ان الشيخ مع سعة دائرة عمله يبدو شديد الحرص على ضبط ما ينقله عن
المصادر بدقة تامة ، فأثبت ما فيها بشكل كامل بما في ذلك اختلافات النسخ وتفاوتاتها
بحذافيرها ، وذكرها كلها في هوامش الكتاب ، حتى في الحروف ، والكلمات ، فضلا عن
الجمل ، والفقرات .

فنجده كثيرا ما يضع على همزة (أو) علامة (نخ) للدلالة على أن بعض
( 93 )
النسخ لم ترد فيه الهمزة بل وردت فيه (و) فقط .

وكذلك في ضبط اسماء رجال السند ، فقد أثبت ـ كذلك ـ كل ما جاء في
النسخ من اختلافات ، واشار اليها بوضع علامة (نخ) كلما خلت نسخة من كلمة ، أو
أختلفت مع أخواتها.

وكذلك ، يستعمل هذا الاسلوب ، عند اختلاف المصادر، وهنا يشير الى أسم
المصدر الذي ورد فيه الخلاف باختصار .

ولم يحاول في أي مورد من موارد الاختلاف سواء في السند أو المتن الاشارة
الى ما هو المختار عنده ، او الذي يجب أن تكون عليه اصول المصادر ، من الصواب
والصحيح . ولا الى ما هو في النسخ المنقول عنها من التصحيف والسهو.

والسبب في ذلك كما يبدو لنا، هو:

اولا: هدفه من التاليف .

ان غرض المؤلف من الاقدام على تاليف هذا الكتاب هو ما ذكره في المقدمة
بقوله :

« إن من طالع كتب الحديث ، واطلع على ما فيها من الأحاديث ، وكلام
مؤلفيها، وجدها لا تخلو من التطويل ، وبعد التأويل ، وصعوبة التحصيل ، وتشتت
الاخبار ، واختلاف الاختيار ، وكثرة التكرار ، واشتمال الموسوم منها بالفقه على ما لا
يتضمن شيئا من الاحكام الفقهية ، وخلوه عن كثير من أحاديث المسائل الشرعية ،
وان كانت بجملتها كافية لاولي الالباب »
(1).

فنجد ان الهدف الاساس للمؤلف ، انما الجمع الكامل ، والتنسيق والتهذيب ،
دون الشرح والتعليق والتصحيح ، فتوقع مثل ذلك في غير محله والاعتراض عليه باي
شيء من ذلك ، خارج عن المنهج العلمي ، ولايقدم عليه إلا من جهل اساليب
العلماء ، وابتعد عن أهدافهم .
____________
(1) كتابنا هذا، 1| 5.
( 94 )

فإن المؤلف اذا رسم لنفسه منهجا معينا ، فعليه أن يلتزم به إلى اخر الكتاب ،
ولو خالف ذلك لاستحق الاعتراض .

وثانياً: ان ديدن المحدثين ـ كما هو المشهور بينهم ، وعليه عمل الكبار منهم ـ
هو إثبات ما في النسخ التي ينقلون عنها، من دون تصرف ، بل يعتبرون الذي يتصرف
في النسخ على اساس من ظنه ، غير أمين في عمله وفنه .

نعم منهم من يشترط تعريف الناقل بمواقع السهو المعلوم ، كما هو مشروح
في كتب الدراية والمصطلح .

أما من التزم بايراد ما في النسخ كما هي ، من دون تصرف فلا اعتراض عليه
خاصة ، اذا كان من أهل الورع والاحتياط في الدين ، فان الواجب الشرعي يفرض
عليه النقل كما بلغه من دون تغييرأو تصحيح ، وإلا لكان ناسباً الى الراوي له ، ما لم يقله .

والمؤلف وامثاله من أعلامنا منزهون عن التعدي على النصوص ، ولو على
اساس من اجتهادهم أو ظنونهم فلا يحق للجاهل بعرفهم أن يعترض عليهم ، ولا أن
ينسب اليهم ما يجده في المؤلفات الحاوية على النصوص المنقولة من اختلافات .

نعم ، لو كانوا بصدد الشرح أو التصحيح ، فانهم يتعرضون لكل ما ورد من
اختلافات ، لاختيار الصواب ، وهذا شأن كتب الشروح لا كتب النصوص .

وثالثاً : ان المؤلف قام بعملية جمع هذا الكتاب وتأليفه في مدة ثمانية عشر
سنة
(1) متنقلا بين جبل عامل ومدينة مشهد المقدسة، وأتم تاليفه سنة (1088) ، واعاد
النظر فيه ثلاث مرات على الأقل .

فقدم به الى العلماء خدمة عظيمة، وهو من الموسوعات القلائل التي تتوجت
بالاتمام ، بالرغم من سعة العمل وكبره ، وصعوبة المهمة وخطورتها وقد وفى بكل ما وعد
به ، من اغراض تأليفه ، وأودع فيه كل ما تمناه وأراده ، ولو بعد طول المدة ، وتحمل كل
شدة ، حتى قام بكتابته ثلاث مرات . ليتم ما أراد على أحسن وجه .
____________
(1) هذا الكتاب ، الخاتمة، الفائدة 12 ، ترجمة المؤلف « محمّد بن الحسن » .
( 95 )

هذا كله ، مع إنه اقتصر على إيراد النصوص ونقلها وتنظيمها فقط !

ولو أنه كان تصدى لكل تلك الاختلافات الواقعة في الأسانيد أو المتون ، لما
أنجز من الكتاب إلا معشاره ، لما يقتضيه ذلك من الوقت والمدة . وهو مع ذلك لم يغفل
هذا الجانب بالكلية ، فلقد قام في فترة تأليفه للكتاب بالتعليق على موارد ضرورية من
الكتاب ، سواء في السند ، أو المتن ، بتعاليق قيمة، وجدت في النسخة الثالثة التي قام
بكتابتها بخط يده رضوان الله عليه .

ولقد كان من من الله علينا أن وقعت في أيدينا فنقلنا جميع تلك التعاليق في
هامش طبعتنا هذه وفي مجال التحقيق في كل واحد واحد من الأحاديث والبحث عن
مشكلاتها السندية أو المتنية ، وإبداء رأيه فيها ، وكذلك البت في مفاداتها فقد تصدى له
المؤلف في شرحه العظيم الذي سماه «تحرير وسائل الشيعة» الذي لم يخرج منه إلا
جزؤه الأول
(1).

ولو تم عمله هذا ، لتكون بذلك حجر يلقم به من عوى ، وأراد التناول
من قدسية المؤلف ، والحط من شأنه .

وان من الجفاء ـ بل الغباء ـ ان نتهم الشيخ المحدث العظيم الحر العاملي ،
بوقوفنا على ما نراه في كتابه من اختلافات النسخ التي وصلت اليه .

فإنا نجده في مواضع عديدة يورد نصا فيه تصحيف واضح في السند أو المتن .

لكنه لا يتصرف فيه ولا يعلق عليه ، بل يورد بعده مباشرة ، نفس النص
والسند، من مصدر اخر، أو موضع آخر من نفس المصدر الأول ، بشكله الصائب خاليا
من التحريف أو التصحيف !

أفيتصور في حق علم محدث أمين ، قضى عمره في هذا الفن ، وكتب الوسائل
ـ ثلاث مرات ـ على الاقل ، وصرف عمره فيه تأليفا وتدريسا وشرحا وتحقيقا ، وهو
يكتب بخط يده الشريفة نصا بصورتين ، مصحفا ، وصوابا.

أفيتصورفي حقه أنه تخفى عليه نكتة التصحيف أو يخفى عليه وجه الصواب ،
____________
(1) الذريعة 3 | 393 و 4 | 353 و 16 | 328 .
( 96 )
أو يعجز عن تصويب الخطأ.

إن ايراده للنص الصحيح بعد النص المصحف مباشرة ، في مواضع عديدة ،
ومكررا، لدليل واضح على كمال تنبهه الى ما ورد في المورد الأول ، وأن تركه على حاله
انما كان عن معرفة وفطنة ، لكنها الأمانة العلمية ، والورع الديني ، وإتباع الحق في أداء
الحق الذي التزمه على نفسه .

ثم إن انجاز العمل إنما تم بهذه السرعة في (18) سنة ، بعد التزامه العملي
بترك البحث في كل حديث حديث ، مع قيامه باختزال الكتابة ، كما يلي :
1 ـ فهو يختصر الاسانيد الواردة في المصادر ، كلها إلى حد كبير، لا يخل
بالمقصود ، وذلك بحذف ألفاظ الاداء والتحمل ، وتبديلها كلها بالحرف (عن) ، وحذف
الالقاب والكنى واعمدة النسب ، كلما ذكرت في الأسانيد ، والاقتصار على الأسماء ، أو
الألقاب المعروفه ، مثلا يكتفي بكلمة(الحميري) عن ذكر (عبد الله بن جعفر الحميري).
2 ـ الجمع بين الأسانيد ، إذا وردت بنص واحد عن مصدر واحد ، فيما إذا
إختلفت مواضعها ، أو عن أكثر من مصدر ، بالدمج والتلفيق .
فيظن من لا خبرة له بالفن وقوع سهو منه ، لما يراه من زيادة في السند.
3 ـ عند إختلاف المصادر المتعددة في نص بشكل طفيف ، فإنه ينقل النص
من مصدر واحد ثم يعقبه بالمصدر الاخر قائلا «إلا انه زاد.. . كذا» أو«قال : كذا.. . ».

إن الشيخ الحر قدس الله روحه تمكن بهذا الاسلوب من جمع كل ما ورد من
الحديث مما يتعلق بجميع أبواب الفقه في هذه الموسوعة القيمة ، وفي المدة المذكورة ،
بل تمكن من إعادة النظر فيه .
ولولا ذلك لما تم هذا العمل الضخم قطعا فلو لم يختزل ، ولم يدمج ، ولم يختصر، لبلغت
مجلدات كتابه العشرات .

ولو بدا له أن يتكلم في كل حديث حديث متنا وسندا لبلغت مجلداته المئات .
ولو أطال في ذلك ، لما تم إنجاز هذا العمل لما يتطلبه الشرح من وقت ومدة
تقصر عنه أعمار البشر!
( 97 )

ولا يدرك مغزى هذه الحقيقة إلا أهل التحقيق والعلم والفقه ، ممن يزاول
البحوث العلمية ، فيجدون أن مسألة واحدة من المسائل الفقهية كم تستوعب من
الوقت والجهد ، وكم تتشعب فيه البحوث اللغوية ، والاصولية ، وتحقيق المتون ونقد
الأسانيد ، وملاحظة المعارضات والترجيحات ، ودفع المناقضات وما الى ذلك من جهود
جبارة يبذلها الفقهاء العظام ، لتحديد معالم الامة في العلم والعمل ، ببلورة المسائل
واستنباطها .

رابعا ـ وأخيراً ـ :

إن في ما قدمه المؤلف على وضعه بإثباته ما في النسخ ، وعدم تصرفه في
المنقولات ، فسح المجال للعلماء الذين يقفون على النص ـ بنسخه المختلفة ليتمكنوا من
ابداء آراءهم ، وإعمال خبراتهم في انتخاب ما تؤدي إليه أفكارهم ، دون ان يحملهم
اختياره للنص الذي أدى اليه نظره فقط ، فيسد باب الانتخاب والاجتهاد عليهم .

ورحم الله شيخنا الحر، فقد أدى واجبه بأفضل ما يمكن ، في تبليغ ما حمل
من العلم حسب النسخ المتوفرة لديه والتي احتاط في التوصل اليها بأحوط ما لديه
من طرق وقد ذكر جميع ذلك في الفائدة الرابعة من الخاتمة بالاجمال .

ثم ان المؤلف الحر رحمه الله قد عقد الفائدة الرابعة من خاتمة الكتاب ، لذكر
مصادر الكتاب التي قسمها إلى مصادر نقل عنها بلا واسطة وهي 82 كتاباوالى مصادر
نقل عنها بالواسطة وهي (96) كتابا وذكر في مقدمة هذه الفائدة ما يدل على عنايته
الفائقة بانتخاب النسخ الجيدة ، حسب الامكانات المتوفرة له ، بالطبع .

وهذا، وحده ، كاف للحكم ببراءة ذمته عما ورد في الكتاب من التصحيف
المستند الى تلك النسخ .

ولكن الاخفاق الذي لحق بالحديث لفترة مديدة في مدارسه حيث لم تجد لها
بين المسلمين ذلك الاندفاع الذي كان في عصر الازدهار بقيام الدروس لسماع الحديث
وقراءته ، اثر في إهمال هذا العلم من حيث الرعاية والمحافظة على النسخ وفقدان
النسخ الاصيلة للمؤلفات القديمة، والتي تعتبر اصول الحديث ، من جهة اخرى والتي
( 98 )
قام بتأليفها جهابذة الفن ممن كانت لهم الكلمة في حل مشكلاته ، ولا بد أن الاصول
تلك لا تشوبها شائبة، لما تدل عليه سائر آثار اولئك من رسوخ القدم في كل ما تعرضوا
له .

ان فقدانها بلا ريب يؤثر في وقوع كل هذا الاختلاف في النسخ .

إلا ان وجود هذا الكتاب بخط المؤلف ، وما اشبهه من المؤلفات التي تتميز
بالصحة والضبط ، وتشهد بذلك ما فيها من بلاغات السماع والقراءة على علماء أعلام
يخفف من وطأة تلك الاختلافات ، ويهون من اثر مضاعفاتها.

كما أن خبرة الفقهاء وبذلهم الجهود في دروسهم العميقة بامكانها حل
المشاكل العالقة ، بالحديث الشريف ، ونقاء المصادر مما خلفته الأيام من آثار غير
مقبولة . .

فرحم الله شيخنا المؤلف حيث أتعب نفسه المقدسة في تهيئة هذا الكنز
الثمين ، ووفر لنا هذه الجوهرة الغالية، فأداها الينا كما بلغه بأمانة ودقة .

وبقي علينا أن نحسن رعايتها والاستفادة منها.

ونشكر الله على أن وفقنا للوقوف على نسخة خط يد المؤلف رضوان الله عليه
ومكننا من أداء الواجب العلمي بتقديمنا نص ما أثبته رضوان الله عليه بشكل تام
ومتقن .
*
*
*
( 99 )
عملنا في الكتاب :

ان الجهود التي بذلها اصحاب السماحة محققا الوسائل في طبعته الحروفية
الاولى كانت بلا شك جهوداً مباركة، حيث أضنيا أنفسهما في تصحيح الكتاب وتخريج
احاديثه والتعليق عليه ، فأخرجاه من عالم الطباعة الحجرية الثقيل الظل الى حيث
يمكن تداوله وقراءته بسهولة ويسر.

ونحن اذ نقدم لهذا الكتاب في طبعته الحروفية الثانية لا بد لنا أولا من تثمين
دور من سبقنا في العمل وذلك من باب عدم بخس الناس اشياؤهم .

ولا بد لنا ثانيا من تقديم مبررات منطقية لاستئناف العمل بهذا الكتاب مرة
ثانية ، ويمكن حصرها فيما يلي .

أولا: لقد كان الخلل الاساسي في الطبعة الاولى هو عدم الاعتماد على نسخة
بخط المؤلف مع تواجد جل الكتاب في مكتبات ايران ، فقد اعتمد المحققان في
تصحيح نسختهما على نسخة العلامة الطباطبائي ـ صاحب تفسير الميزان ـ الذي
طابقها على نسخة سماحة الشيخ محمد الخمايسي ، والذي طابقها بدوره مع نسخة
المؤلف الشيخ الحر العاملي .

بينما اعتمدنا في عملنا على نسخة بخط المؤلف شملت أقساما كبيرة من
الكتاب ، أي اننا اختصرنا المسافة بالاعتماد على نسخة الام ، وذلك يؤدي بطبيعة الحال
الى ضبط المتن بشكل أدق وأصح .

ثانيا: كتب المصنف على هوامش نسخته شروحاً وبيانات تتعلق بتوضيح
عبارة أو تعريف مفردة لغوية أو دفع اشكال عن سند الحديث أو متنه لم تدرج كلها
في الطبعة الاولى ، بينما ادرجت في هذه الطبعة في الهوامش وذيلت بـ (منه قدس سره).

ثالثا: ان التطور الذي أصاب جوانب الحياة المختلفة . . وتلك سنة الله عز
وجل ، قد شمل فيما شمل فني التحقيق والاخراج ، ومن المؤسف اننا نجد أغلب
مصنفاتنا ما بين مخطوط قابع في زوايا النسيان ينظر بحنان الى أيدي تخرجه الى عالم
( 100 )
النور ، وما بين طبعات قديمة أصبحت بمرور الزمن غير ملائمة لمستوى العصر.

ولم يكن هدف وطموح المؤسسة يقتصر على الجانب الاول فقط ، لذا أقدمت
على العمل ثانية بتحقيق كتاب (وسائل الشيعة) كما هي عاكفة على العمل بتحقيق
(التبيان في تفسير القرآن) للشيخ الطوسي مع العلم انه قد طبع حروفيا في النجف
الاشرف قبل أكثر من عشرين عاما.

رابعا: ان الطبعة المتداولة لا تخلو من اخطاء واشتباهات ، ولعل ذلك قد زاد
في بعض المواضع عن الحد المعتاد، وقد توزعت هذه على اشكال مختلفة منها :
1 ـ الزيادة والنقصان في مفردات الحديث الواحد:
أ ـ الحديث 5من الباب 42 من أبواب الحيض . . . قال : لا، ليس به بأس .

والصواب : قال : ليس به بأس .
ب ـ الحديث 12 من الباب 11 من أبواب لباس المصلي . .. قال : لا بأس .

والصواب قال : لا.
ج ـ الحديث 7 من الباب 28 من أبواب الصوم المندوب فيه تكرار وزيادة
واضحة في الطبعة السابقة وغير واردة في النسخة الخطية.

2 ـ عدم ضبط سند الحديث من حيث الاسم الصحيح للرواة أو غير ذلك.
أ ـ الحديث 1 من الباب 12 من ابواب مقدمة العبادات كان سابقا محمد بن
يحيى العمركي الخراساني ، والصحيح محمد بن يحيى ، عن العمركي الخراساني كما في
المخطوطة .
ب ـ الحديث 4 من الباب 32 من ابواب المواقيت كان. . . سفيان بن عيينة،
عن الزبير. .

والصواب. . . عن أبي الزبير. كما في المخطوطة.