وسائل الشيعة ج30 ص247 ـ ص274
ومنها : موافقته للاحتياط :
لما عرفت في القضاء من الأحاديث الكثيرة الدالة على الأمر به (1) .
ومنها : اجتماع قرينتين فصاعدا مما ذكر .
ومنها : موافقته لدليل عقلي قطعي :
وهو راجع إلى موافقة النص المتواتر ، لأنه لا ينفك منه أصلا .
ومنها : موافقته لإجماع المسلمين .
ومنها : موافقته لإجماع الإمامية .
لما مر من النص (2) .
ومنها : موافقته للمشهور بين الإمامية :
لما مر (3) .
ومنها : موافقته لفتوى جماعة من علمائهم .
ومنها : كون الراوي غير متهم في تلك الرواية ، لعدم موافقتها لاعتقاده
أو غير ذلك :
ومن هذا الباب : رواية العامّة للنُصوص على الأئمة عليهم السلام ،
ومعجزاتهم وفضائلهم ، فإنهم بالنسبة إلى تلك الروايات ثقات ، وبالنسبة إلى
غيرها ضعفاء .
والقرائن كثيرة غير ذلك ، يعرفها الماهر في هذا الفن .
وإذا تأملت وجدت كل حديث من أحاديث هذا الكتاب محفوفا بقرائن
كثيرة ، وبعضها بأكثرها .
والله الموفق .
____________
(1) تقدم في كتاب القضاء أبواب صفات القاضي ، الباب ـ (12) باب وجوب التوقف
والاحتياط .
(2) مر في الاحاديث 1 ، 19 ، 43 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي .
(3) مر في الحديث 1 من الباب 9 من ابواب صفات القاضي .
( 248 )
( 249 )
الفائدة التاسعة
في ذكر الأدلة على صحة أحاديث الكتب المعتمدة ،
تفصيلا
( 250 )
( 251 )
في ذكر الاستدلال على صحة أحاديث الكتب التي نقلنا منها هذا
الكتاب وأمثالها ، تفصيلا ، ووجُوب العمل بها فقد عرفت الدليل على ذلك
إجمالا (1) .
ويظهر من ذلك ضعف الاصطلاح الجديد على تقسيم الحديث إلى
صحيح ، وحسن ، وموثق ، وضعيف ، الذي تجدد في زمن العلامة ، وشيخه
أحمد ابن طاووس .
____________
(1) عقد المؤلف ( الفائدة السادسة ) لذكر كلمات العلماء الدالة على التزامهم بصحة الكتب
المعتمدة في هذا الكتاب ، وعقد هذه الفائدة التاسعة لجمع الأدلة المستفادة من كلماتهم مع
تفصيل أكثر في البحث ، فلاحظ ما تقدم 191 ـ 218 .
ولابد من التنبيه على أن أكثر ما ذكره المؤلف ، من الوجوه المؤيدة لمرامه قد انتقدها
المحققون والعلماء ، بردود حاسمه ، كما أن المؤلف الحر العاملي ، نفسه ، قد أبدى توقفه
في بعضها ، في نهاية هذه الفائدة ، نفسها .
وبما أنا لم نقصد هنا إلا لتحقيق النص ، فقد أعرضنا عن التعليق عليه بما يلزم ، ولكن نلفت
توجه المراجع إلى بعض المصادر المتكفلة لذلك :
1 ـ رسالة الأخبار والأصول ، للشيخ المجدد الوحيد البهبهاني .
2 ـ وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة ، للحجة المحقق السيد محسن الأعرجي الكاظمي .
3 ـ نتيجة المقال في علم الرجال ، للشيخ محمد حسن البار فروشي .
وأكثر الكتب الرجالية ، تتعرض في مقدمتها لبيان ذلك ، والله الموفق .
( 252 )
والذي يدل على ذلك وجوه :
الأول :
أنا قد علمنا ـ علما قطعيا ، بالتواتر ، والأخبار المحفوفة بالقرائن ـ : أنه
قد كان دأب قدمائنا ، وأئمّتنا عليهم السلام ، في مدة تزيد على ثلاثمائة
سنة ، ضبط الأحاديث ، وتدوينها في مجالس الأئمة ، وغيرها .
وكانت همة علمائنا مصروفة ، في تلك المدة الطويلة ، في تأليف ما
يحتاج إليه من أحكام الدين ، لتعمل بها الشيعة .
وقد بذلوا أعمارهم في تصحيحها ، وضبطها ، وعرضها على أهل
العصمة .
واستمر ذلك إلى زمان الأئمة الثلاثة ، أصحاب الكتب الأربعة ، وبقيت
تلك المؤلفات بعدهم ـ أيضا ـ مدة .
وأنهم نقلوا كتبهم من تلك الكتب ، المعلومة ، المجمع على ثبوتها .
وكثير من تلك الكتب وصلت إلينا .
وقد اعترف بهذا جمع من الأصوليين ، أيضا .
الثاني :
أنا قد علمنا بوجود أصول ، صحيحة ، ثابتة ، كانت مرجع الطائفة
المحقة ، يعملون بها ، بأمر الأئمّة .
وأن أصحاب الكتب الأربعة ، وأمثالها ، كانو متمكنين من تمييز
الصحيح من غيره ، غاية التمكن .
وأنها كانت متميزة ، غير مشتبهة .
وأنهم كانوا يعلمون : أنه مع التمكن من تحصيل الأحكام الشرعية
بالقطع واليقين ـ لايجوز العمل بغيره .
( 253 )
وقد علمنا : أنهم لم يقصروا في ذلك ، ولو قصروا لم يشهدوا بصحه
تلك الأحاديث ، بل المعلوم ، من حال أرباب السير ، والتواريخ : أنهم لا
ينقلون من كتاب غير معتمد مع تمكنهم من النقل من كتاب معتمد ، فما الظن
برئيس المحدثين ، وثقة الإسلام ، ورئيس الطائفة المحقة ؟ ؟ ؟
ثم لو نقلوا من غيرالكتب المعتمدة ، كيف يجوز ـ عادة ـ أن يشهدوا
بصحة تلك الأحاديث ؟ ويقولوا : إنها حجة بينهم وبين الله ؟ ومع ذلك يكون
شهاداتهم باطلة ، ولا ينافي ذلك ثقتهم وجلالتهم ؟ ؟
هذا عجيب ممن يظنه بهم .
الثالث :
أن مقتضى الحكمة الربانية ، وشفقة الرسول والأئمة عليهم السلام
بالشيعة أن لا يضيع من في أصلاب الرجال منهم ، وأن تمهد لهم أصول
معتمدة يعملون بها زمن الغيبة .
ومصداق ذلك هو ثبوت الكتب المشار إليها ، وجواز العمل بها .
الرابع :
الأحاديث ، الكثيرة ، الدالة على أنهم أمروا أصحابهم بكتابة ما
يسمعونه منهم ، وتأليفه ، والعمل به ، في زمان الحضور والغيبة .
وأنه : « سيأتي زمان لايأنسون فيه إلا بكتبهم » .
وما قد علم ـ بما تقدم ـ من نقل ما في تلك الكتب إلى هذه الكتب
المشهورة .
مع أن كثيراً من الكتب التي ألفها ثقات الإمامية ، في زمان الأئمة
عليهم السلام موجودة الآن ، موافقة لما ألفوه في زمان الغيبة .
( 254 )
الخامس :
الأحاديثُ ، الكثيرة ، الدالة على صحة تلك الكتب ، والأمر بالعمل
بها .
وما تضمن من أنها عرضت على الأئمة عليهم السلام ، وسألوا عن
حالها ، عموما ، وخصوصا .
وقد تقدم بعضها .
وقد صرح المحقّق ـ فيما تقدم (1) ـ أن كتاب يونس بن عبد الرحمن ،
وكتاب الفضل بن شاذان ؛ كانا عنده ، ونقل منهما الأحاديث .
وقد ذكر المحدّثون ، وعلماء الرجال : أنهما عرضا على الأئمة
عليهم السلام ، كما مر .
فما الظن بالأئمة الثلاثة ، أصحاب الكتب الأربعة ؟
وقد صرح الصدوق ـ في مواضع ـ : أن كتاب محمد بن الحسن ؛
الصفار ـ المشتمل على مسائله ، وجوابات العسكري عليه السلام ـ كان
عنده ، بخط المعصوم (2) .
وكذلك كتاب عبيد الله بن علي ؛ الحلبيّ ، المعروض على الصادق
عليه السلام
وغير ذلك .
ثم إنك تراهم ، كثيرا ما يرجحون حديثا مرويا في غير الكتاب
المعروض على الحديث المروي فيه ! وهل لذلك وجه ، غير جزمهم بثبوت
أحاديث الكتابين ؟ وأنهما من الأصول المعتمدة ؟
____________
(1) مر في الفائدة السادسة ( ص 209 ) .
(2) لاحظ الفقيه 4 : 151 ب 99 ح 1 .
( 255 )
والحاصل : الأحاديثُ المتواترة دالة على وجوب العمل بأحاديث
الكتب ، المعتمدة ، ووجوب العمل بأحاديث الثقات .
فإن قلت : هذه الأحاديث من جملة أحاديث الكتب المعتمدة ، ومن
جملة روايات الثقات .
فالاستدلال دوري .
قلت : هذه الأحاديث موصوفة بصفات :
منها : كونها موجودةً في الكتب المعتمدة .
ومنها : كونها من روايات الثقات .
ومنها : كونها متواترة .
ومنها : كونها محفوفة بالقرائن القطعية .
ومنها : كونها مفيدة للعلم بقول المعصوم .
إلى غير ذلك .
فيمكن الاستدلال ـ بها باعتبار كل صفة من هذه الصفات ـ على حجية
الأقسام الباقية ، فاندفع الدوْر ، لاختلاف الحيثيّات ، والاعتبارات .
أو نستدل بأحاديث كل كتاب على حجية ماسواه من الكتب ، وبرواية
كل ثقة على حجية رواية غيره من الثقات .
كما أنا نستدل بنص كل إمام على غيره من الأئمة ، وبإعجاز كل إمام
على إمامة نفسه .
وما أجابوا به ـ هناك ـ أجبنا به ، أوبما هو أقوى منه ـ هنا ـ .
مع وجود أدلة أخرى ـ هنا ـ ومقدمات أخرى قطعية .
ثم يقال للمعترض : إنك تستدل بالدليل العقلي على مطالب كثيرة ،
منها : حجية الدليل السمعي ، فإن استدللت ـ على حجية الدليل العقلي ـ
( 256 )
بدليل عقلي أو سمعي ؛ لزم الدور .
وما اجبت به ، فهو جوابنا ، وهو ما مر .
السادس :
إن أكثر أحاديثنا كان موجودا في كتب الجماعة ، الذين أجمعوا على
تصحيح ما يصح عنهم ، وتصديقهم ، وأمر الأئمة عليهم السلام بالرجوع
إليهم ، والعمل بحديثهم ، ونصوا على توثيقهم ، كما مر .
والقرائن على ذلك كثيرة ، ظاهرة ، يعرفها المحدث ، الماهر .
السابع :
أنه لو لم تكن أحاديث كتبنا مأخوذة من الأصول ، المجمع على
صحتها ، والكتب التي أمر الأئمة عليهم السلام بالعمل بها ، لزم أن يكون
أكثر أحاديثنا غير صالح للاعتماد عليها .
والعادة قاضية ببطلانه ، وأن الأئمة عليهم السلام ، وعلماء الفرقة
الناجية لم يتسامحوا ، ولم يتساهلوا في الدين إلى هذه الغاية ، ولم يرضوا
بضلال الشيعة إلى يوم القيامة .
الثامن :
أن رئيس الطائفة في كتابي الأخبار ، وغيره من علمائنا ، إلى وقت
حدوث الاصطلاح الجديد ، بل بعده ، كثيرا ما يطرحون الأحاديث الصحيحة
عند المتأخرين ، ويعملون بأحاديث ضعيفة على اصطلاحهم .
فلولا ما ذكرناه ، لما صدر ذلك منهم ، عادة .
وكثيرا مايعتمدون على طرق ضعيفة ، مع تمكنهم من طرق اخرى
صحيحة ، كما صرح به صاحب المنتقى ، وغيره .
( 257 )
وذلك ظاهر في صحة تلك الأحاديث ، بوجوه اُخر من غيراعتبار
الأسانيد ، ودال على خلاف الاصطلاح الجديد ، لما يأتي تحقيقه .
وقد قال السيد محمد في ( المدراك ) ـ في بحث الاعتماد على أذان
الثقة ـ : نعم ، لو فرض إفادته العلم بدخول الوقت ـ كما قد يتفق كثيرا في
أذان الثقه ، الضابط ، الذي يعلم منه الاستظهار في الوقت ، إذا لم يكن
هناك مانع من العلم ـ جاز التعويل عليه ، قطعا .
انتهى (1) .
وصرح بمثله كثير من علمائنا ، في مواضع كثيرة .
التاسع :
ما تقدم من شهادة الشيخ ، والصدوق ؛ والكليني ، وغيرهم من
علمائنا ، بصحة هذه الكتب والأحاديث ، وبكونها منقولة من الأصول ،
والكتب المعتمدة .
ونحن نقطع ـ قطعا ، عاديا ، لا شك فيه ـ : أنهم لم يكذبوا ، وانعقاد
الإجماع على ذلك إلى زمان العلامة .
والعجب أن هؤلاء المتقدمين ، بل من تأخر عنهم ، كالمحقّق ،
والعلامة ، والشهيدين ، وغيرهم : إذا نقل واحد منهم قولا ، عن أبي حنيفة ،
أو غيره من علماء العامة ، أو الخاصة ، أو نقل كلاما من كتاب معين ،
ورجعنا إلى وجداننا ، نرى أنه قد حصل لنا العلم بصدق دعواه ، وصحة
نقله ، لا الظن ، وذلك علم عادي ـ كما نعلم أن الجبل لم ينقلب ذهبا ،
والبحر لم ينقلب دما ـ فكيف يحصل العلم من نقله عن غير المعصوم ، ولا
يحصل من نقله عن المعصوم غير الظن ؟
____________
(1) المدارك ، للعاملي ( ج 3 ص 98 ) .
( 258 )
مع أنه لا يتسامَحُ ولا يتساهل من له أدنى ورع وصلاح ، في القسم
الثاني ، وربما يتساهل في الأول ؟
والطرق إلى العلم واليقين كانت كثيرة ، بل بقي منها طرق متعددة ،
كما عرفت .
وكل ذلك واضح ، لولا الشبهة والتقليد ؟ ! .
فكيف إذا نقل جماعة كثيرة ، واتفقت شهادتهم على النقل ، والثبوت ،
والصحة ؟
وقد وجدت هذا المضمون في بعض تحقيقات الشيخ محمد ابن الشيخ
حسن ابن الشهيْد الثاني ، بخطه ، قدس سره .
العاشر :
أنا كثيرا ما نقطع ـ في حق كثير من الرواة ـ : أنهم لم يرضوا بالافتراء
في رواية الحديث .
والذي لم يعلم ذلك منه ، يعلم أنه طريق إلى رواية أصل الثقة الذي
نقل الحديث منه ، والفائدة في ذكره مجرد التبرك باتصال سلسلة المخاطبة
اللسانيّة ، ودفع تعيير العامة الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة ، بل منقولة من
أصول قدمائهم ! .
الحادي عشر :
أن طريقة القدماء موجبة للعلم مأخوذة عن أهل العصمة لأنهم قد أمروا
باتباعها ، وقرروا العمل بها ، فلم ينكروه ، وعمل بها الإمامية في مدة تقارب
سبعمائة سنة ، منها ـ في زمان ظهور الأئمة عليهم السلام ـ قريب من ثلاثمائة
سنة .
واصطلاح الجديد ليس كذلك قطعا ، فتعين العمل بطريقة القدماء .
( 259 )
الثاني عشر :
أن طريقة المتقدمين مباينة لطريقة العامة ، والاصطلاح الجديد موافق
لاعتقاد العامة ، واصطلاحهم ، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع ،
وكما يفهم من كلام الشيخ حسن ، وغيره .
وقد أمرنا الأئمة عليهم السلام باجتناب طريقة العامة .
وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك ، في القضاء في أحاديث ترجيح
الحديثين المختلفين ، وغيرها (1) .
الثالث عشر :
أن الاصطلاح الجديد يستلزم تخطئة جميع الطائفة المحقّة ، في زمن
الأئمة ، وفي زمن الغيبة ، كما ذكره المحقق ، في أصوله ، حيث قال :
أفرط قوم في العمل بخبر الواحد .
إلى أن قال : واقتصر بعض عن هذا الإفراط ، فقالوا : كل سليم السند
يعمل به .
وما علم أن الكاذب قد يصدق ، ولم يتفطن أن ذلك طعن في علماء
الشيعة ، وقدح في المذهب ، إذ لا مصنّف إلا وهو يعمل بخبر المجروح ،
كما يعمل بخبر العدل .
انتهى (2) .
ونحوه كلام الشيخ وغيره في عدة مواضع .
الرابع عشر :
أنه يستلزم ضعف أكثر الأحاديث ، التي قد علم نقلها من الأصول
____________
(1) تقدم في كتاب القضاء أبواب صفات القاضي الباب (9) .
(2) المعتبر ( ج 1 ص 29 ) .
( 260 )
المجمع عليها ، لأجل ضعف بعض رواتها ، أو جهالتهم ، أو عدم توثيقهم ،
فيكون تدوينها عبثا ، بل محرّما ، وشهادتهم بصحتها زورا وكذبا .
ويلزم بطلان الإجماع ، الذي علم دخول المعصوم فيه ـ أيضا ـ كما
تقدم .
واللوازم باطلة ، وكذا الملزوم .
بل يستلزم ضعف الأحاديث كلها ، عند التحقيق ، لأن الصحيح ـ
عندهم ـ : « ما رواه العدل ، الإماميّ ، الضابط ، في جميع الطبقات » .
ولم ينصوا على عدالة أحد من الرواة ، إلا نادراً ، وإنما نصوا على
التوثيق ، وهو لايستلزم العدالة ، قطعا ، بل بينهما عموم من وجه ، كما
صرح به الشهيد الثاني ، وغيره .
ودعوى بعض المتأخرين : أن « الثقة » بمعنى « العدل ، الضابط » .
ممنوعة ، وهو مطالب بدليلها .
وكيف ؟ وهم مصرحون بخلافها ، حيث يوثقون من يعتقدون فسقه ،
وكفره ، وفساد مذهبه ؟ !
وإنما المراد بالثقة : من يوثق بخبره ، ويؤمن منه الكذب عادة ، والتتبع
شاهد به ، وقد صرح بذلك جماعة من المتقدمين ، والمتأخرين .
ومن معلوم ـ الذي لاريب فيه ، عند منصف ـ : أن الثقة تجامع
الفسق ، بل الكفر .
وأصحاب الاصطلاح الجديد قد اشترطوا ـ في الراوي ـ العدالة فيلزم
من ذلك ضعف جميع أحاديثنا ، لعدم العلم بعدالة أحد منهم ؛ إلا نادرا .
ففي إحداث هذا الاصطلاح غفلة ، من جهات متعددة ، كما ترى .
وكذلك كون الراوي ضعيفا في الحديث لا يستلزم الفسق ، بل يجتمع
( 261 )
مع العدالة ، فإن العدل ، الكثير السهو ، ضعيف في الحديث ، والثقة ،
والضعف غاية ما يمكن معرفته من أحوال الرواة .
ومن هنا يظهر فساد خيال من ظن أن آية ( إن جائكم فاسق بنبأ )
[ الآية ( 6 ) من سورة الحجرات ( 49 ) ] تشعر بصحة الاصطلاح الجديد .
مضافا إلى كون دلالتها بالمفهوم الضعيف ، المختلف في حجيته .
ويبقى خبر مجهول الفسق :
فان أجابوا : بأصالة العدالة .
أجبنا : بأنه خلاف مذهبهم ، ولم يذهب إليه منهم إلا القليل .
ومع ذلك : يلزمهم الحكم بعدالة المجهولين ، والمهملين ، وهم لا
يقولون به .
ويبقى اشتراط العدالة بغير فائدة .
الخامس عشر :
أنه لو لم يجز لنا قبول شهادتهم في صحة أحاديث كتبهم ، وثبوتها ،
ونقلها من الأصول الصحيحة ، والكتب المعتمدة ، وقيام القرائن على
ثبوتها ، لما جاز لنا قبول شهادتهم في مدح الرواة ، وتوثيقهم .
فلا يبقى حديث ، صحيح ، ولاحسن ، ولاموثق ، بل يبقى جميع
أحاديث كتب الشيعة ضعيفة .
واللازم باطل ، فكذا الملزوم .
والملازمة ظاهرة ، وكذا بطلان اللازم .
بل الإخبار بالعدالة أعظم ، وأشكل ، وأولى بالاهتمام من الإخبار بنقل
الحديث من الكتب المعتمدة ، فإن ذلك أمر ، محسوس ، ظاهر ، والعدالة
عندهم أمر ، خفي ، عقلي ، يتعسر الاطلاع عليه .
( 262 )
وهذا إلزام لا مفرّ لهم عنه ، عند الإنصاف .
السادس عشر :
أن هذا الاصطلاح مستحدث ، في زمان العلامة ، أو شيخه ، أحمد
ابن طاوس ، كما هو معلوم ، وهم معترفون به .
وهو اجتهاد ، وظن منهما ، فيرد عليه جميع ما مر في أحاديث
الاستنباط ، والاجتهاد ، والظن في كتاب القضاء ، وغيره .
وهي مسألة أصولية ، لا يجوز التقليد فيها ، ولا العمل بدليل ظني ،
اتفاقا من الجميع ، وليس لهم هنا دليل قطعي ، فلا يجوز العمل به .
وما يتخيل ـ من الاستدلال به لهم ـ ظني السند أو الدلالة ، أو كليهما ،
فكيف يجوز الاستدلال بظن على ظن ، وهو دوريّ ؟ !
مع قولهم عليهم السلام : شر الأمور محدثاتها (1) .
وقولهم عليهم السلام : عليكم بالتلاد (2) .
السابع عشر :
أنهم اتفقوا على أن مورد التقسيم هو خبر الواحد ، الخالي عن
القرينة .
وقد عرفت : أن أخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن ، وقد اعترف
بذلك أصحاب الاصطلاح الجديد ، في عدة مواضع ، قد نقلنا بعضها .
فظهر ضعف التقسيم المذكور ، وعدم وجود موضوعة في الكتب
المعتمدة .
____________
(1) جامع الاحاديث للرازي ( ص 15 ) عن الصادق ( ع ) مسندا الى رسول الله ( ص ) .
(2) الكافي ( 2 | 466 ) كتاب العشرة ، باب من تجب مصادقته ومصاحبته ، الحديث (3) ورواه
المصنف في كتاب الحج ، أبواب أحكام العشرة ، باب (2) استحباب صحبة خيار الناس ،
الحديث (3) . وفيهما ( عليك ) .
( 263 )
وقد ذكر صاحب ( المنتقى ) : أن أكثرأنواع الحديث المذكورة في
دراية الحديث ، بين المتأخّرين ، من مستخرجات العامّة ، بعد وقوع معانيها
في أحاديثهم ، وأنه لا وجود لأكثرها في أحاديثنا (1) .
وإذا تأملت وجدت التقسيم المذكور من هذا القبيل .
الثامن عشر :
إجماع الطائفة المحقة ـ الذي نقله الشيخ ، والمحقّق ، وغيرهما ـ على
نقيض هذا الاصطلاح ، واستمرّ عملهم بخلافه ، من زمن الأئمة
عليهم السلام إلى زمن العلامة ، في مدة تقارب سبعمائة سنة .
وقد علم دخول المعصوم عليه السلام في ذلك الإجماع ، كما عرفت .
التاسع عشر :
أن علماءنا الأجلاء الثقات ، إذا نقلوا أحاديث ، وشهدوا بثبوتها ،
وصحتها ـ كما في أحاديث الكتب المذكورة سابقا ـ لم يبق عند التحقيق فرق
ـ في الاعتماد ، ووجوب العمل ـ بين ذلك ، وبين أن يدعوا : أنهم سمعوها من
إمام زمانهم :
لظهور علمهم ، وصلاحهم ، وصدقهم ، وجلالتهم .
وكثرة الأصول ، المتواترة ، المجمع عليها ، في زمانهم .
وكثرة طرق تحصيل اليقين ، والعلم ، عندهم .
وعلمهم بأنه مع إمكان العلم لا يجوز العمل بغيره .
وليس هذا بقياس ، بل عمل بعموم النص وإطلاقه .
وقد وردت الأحاديث الكثيرة ـ جدا ـ في الأمر بالرجوع إلى روايات
____________
(1) منتقى الجمان ( ج 1 ص 10 ) .
( 264 )
الثقات ، مطلقا ـ كما عرفت ـ فدخلت روايتهم عن المعصوم ، وروايتهم عن
كتاب معتمد .
المتمم العشرين :
أن نقول : هذه الأخبار الموجودة في الكتب المعتمدة ، التي هي
باصطلاح المتأخرين صحيحة ، لا نزاع فيها ،
والتي هي باصطلاحهم غير
صحيحة : إما أن تكون موافقة للأصل ، أو مخالفة له .
فإن كانت موافقة له :
فهم يعملون بالأصل ( الذي لم تثبت حجيته ، بل ثبت عدمها ) (1)
ويعملون بها ، لموافقتها له ، ولا يتوقفون فيها .
ونحن نعمل بهذه الأحاديث ، التي أمرنا بالعمل بها .
ومآل الأمرين واحد ، هنا .
وإن كانت مخالفة للأصل :
فهي موافقة للاحتياط ، ونحن مأمورون بالعمل به كما عرفت ، في
القضاء ، وغيره ، ولم يخالف أحد من العقلاء في جواز العمل به ، سواء
قالوا بحجية الأصل ، أم لا .
ولا يرد : أنه يلزم جواز العمل بأحاديث العامة ، والكتب التي ليست
بمعتمدة ؟
لأنا نجيب بالنص ، المتواتر ، في النهي عن العمل بذلك القسم ، فإن
لم يكن هناك نص ، كان عملنا بأحاديثنا الواردة في الاحتياط .
الحادي والعشرون :
أن أصحاب الكتب الأربعة ، وأمثالهم ، قد شهدوا بصحة أحاديث
____________
(1) يلاحظ أن عدة سطور في الأصل كانت مشطوبة ، ولكن كتب على الشطب كلمة ( صح ) وقد
جاء ما بين القوسين ضمن ذلك ، لكن لم يرد في المصححتين .
( 265 )
كتبهم ، وثبوتها ، ونقلها من الأصول المجمع عليها .
فان كانوا ثقاتا : تعين قبول قولهم ، وروايتهم ، ونقلهم ، لأنه شهادة
بمحسوس .
وإن كانوا غير ثقات : صارت أحاديث كتبهم ـ كلها ـ ضعيفة ، لضعف
مؤلفيها ، وعدم ثبوت كونهم ثقات ، بل ظهور تسامحهم ، وتساهلهم في
الدين ، وكذبهم في الشريعة .
واللازم باطل ، فالملزوم مثله .
الثاني والعشرون :
أن من تتبع كتب الاستدلال ؛ علم ـ قطعا ـ أنهم لايردون حديثا ،
لضعفه ـ باصطلاحهم الجديد ـ ويعملون بما هو أوثق منه . ولا مثله ، بل
يضطرون إلى العمل بما هو أضعف منه ، هذا إذا لم يكن له معارض من
الحديث .
ومعلوم أن ترجيح الأضعف على الأقوى غير جائز .
وقد ذكر أكثر هذه الوجوه بعض المحققين من المتأخرين ، وإن كان
بعضها يمكن المناقشة فيه فمجموعها لا يمكن رده ، عند الانصاف .
ومن تأمل ، وتتبع ؛ علم أن مجموع هذه الوجوه ، بل كل واحد منها ،
أقوى وأوثق من أكثر أدلة الأصول ، وناهيك بذلك برهانا ! فكيف إذا انضم
إليها الأحاديث المتواترة ، السابقة ، في كتاب القضاء .
وعلى كل حال ، فكونها أقوى ـ بمراتب ـ من دليل الاصطلاح
الجديد ، لاينبغي أن يرتاب فيه منصف .
والله الهادي .
( 266 )
( 267 )
الفائدة العشرة
[ الرد على الاعتراضات الموجّهة إلى مايراه المؤلف ]
( 268 )
( 269 )
في جواب ما عساه يرد على ما ذكرناه ، من الاعتراض .
قد عرفت هنا (1) وفي أول كتاب القضاء (2) معظم طريقة الأخباريين ،
ونبذة من أدلتهم .
فإن قلت : لامفر للأخباريين عن العمل بالظن ، وذلك : أن الحديث ـ
وإن علم وروده عن المعصوم ، بالقرائن المذكورة ، ونحوها ـ :
قد يحتمل التقية .
وقد تكون دلالته ظنية .
قلت :
أما احتمال التقية : فلا يضر ، ما لم يعلم ذلك بقرائن ، مع وجود
المعارض الراجح .
مع أنه قد ورد النص بجواز العمل بذلك ، كما مر ، وتقدم وجهه (3) .
والمعتبر من العلم ـ هنا ـ العلم بحكم الله في الواقع ، أو العلم بحكم
____________
(1) في هذه الخاتمة ، وخاصة الفائدة التاسعة .
(2) تقدم ، في كتاب القضاء أبواب صفات القاضي الباب ( 6 ، 7 ) .
(3) تقدم مايدل على وجوب التقية وتوجيهه في الابواب 24 ، 25 ، 26 وغيرها من أبواب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي الحديث 3 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي .
( 270 )
ورد عنهم عليهم السلام .
وأما ظنية الدلالة : فمدفوع بأن دلالة أكثر الأحاديث قد صارت قطعية ،
بمعونة القرائن اللفظية ، والمعنوية ، والسؤال ، والجواب ، وتعاضد
الأحاديث ، وتعدد النصوص ، وغير ذلك .
وعلى تقدير ضعف الدلالة ، وعدم الوثوق بها يتعين ـ عندهم ـ
التوقف ، والاحتياط .
على أن العلم حاصل بوجوب العمل بهذه الأخبار ، لما مرّ ، فكون
الدلالة ـ في بعضها ـ ظاهرة واضحة : كاف ، وإن بقي احتمال ضعيف .
والظن ـ حينئذ ـ ليس هو مناطُ العمل ، بل العلم بأنا مأمورون بالعمل
بها .
والانصاف : أن الاحتمال الضعيف ، لو كان معتبرا ، ومنافيا للعلم
العاديّ ، لم يحصل العلم من أدلة الأصول ومقدماتها ، ولا من
المحسوسات ـ كالمشاهدات ـ لاحتمال الخلاف ، بالنظر إلى قدرة الله ، وغير
ذلك ، من عمل ساحر ، ومشعبذ ، ونحوهما ، ومن تشكلات الملائكة ،
والجن ، والشياطين ، ونحو ذلك .
وقد قال العلامة في ( تهذيب الأصول ) : والعلم يستجمع الجزم ،
والمطابقة ، والثبات .
ولا ينتقض بالعاديّات ، لحصول الجزم ، واحتمال النقيض ،
باعتبارين .
انتهى (1) .
____________
(1) تهذيب الوصول الى علم الاصول للعلامة ( ص 3 ) نهاية الفصل الأول .
( 271 )
ولقد بالغ العلامة في ( نهج الحق ) ، وغيره ، في الرد على الأشاعرة ،
والسوفسطائية ، حيث لم يعلموا بالعلم العادي ، وجوزوا عليه النقيض بالنسبة
إلى قدرة الله .
وكرر ذلك الإنكار في عدة مواضع (1) .
وكذا غيره من المحققين .
وقد صرح العلماء في كتب المنطق ، وغيرها : بأن العاديات من جملة
اليقينيات الستة ، حيث إن المتواترات ، والمجربات ، والحدسيات ـ كلها ـ
من العاديات .
ولم يخالف في ذلك أحد .
واشتباه بعض أفراده ـ الغير الظاهرة الفردية ـ بالظن ـ احيانا ـ لاينافي
كونه يقينا ، كما في المشاهدات .
فان قلت : بقي احتمال السهو قائما ، لعدم عصمة الرواة ، والنسّاخ ،
فلا يحصل
العمل والوثوق .
قلت : احتمال السهو يندفع .
تارة : بتناسب أجزاء الحديث ، وتناسقها .
وتارة : بما تقدم في الجواب السابق .
وبعد التنزل ، نقول : قد علمنا بأن تلك المسائل عرضت على الأئمة
عليهم السلام ، وورد جوابها ، ودونت المسائل والأجوبة في الكتب
المشهورة ، واللازم أن تكون جميع الأجوبة المدونة جوابهم عليهم السلام أو
بعضها :
فإن لم ينقل في مسألة إلا حديث واحد ، أو أحاديث متفقة ، لم يبق
إشكال .
____________
(1) نهج الحق ، للعلامة ( ص 41 ـ 42 ) .
( 272 )
وإن نقلت أحاديث متخالفة ، فللتمييز علامات يعرفها الماهر ، وقد
تقدم مايدل على القاعدة التي يَجِبُ العمل بها عند اختلاف الحديث
وعرفت المرجحات المنصوصة في القضاء (1) .
فإن قلت : تواتر الكتب الأربعة السابقة ، وأكثر الكتب المذكورة ،
مسلّمٌ ، لا يخالف فيه الأصوليُّون ، ولكنها متواترة عن مؤلفيها إجمالا ، فبقي
التواتر منتهيا إلى خبر الواحد ، غالبا ، وبقي تواتر التفاصيل ، وبقية الكتب .
قلت : قد عرفت أن أكثرها متواتر ، لا نزاعَ فيه ، وأقلها ـ على تقدير
عدم ثبوت تواتره ـ فهو خبر محفوف بالقرينة القطعية .
ومعلوم ـ قطعا ، بالتتبع والتواتر ـ : أن تواتر تلك الكتب السابقة
وشهرتها ، أعظم ، وأوضح من تواتر كتب المتأخرين .
وعلى تقدير تخلف ذلك في بعض الأفراد ، فلا شك في كونه من قسم
الخبر المحفوف بالقرائن ، لا المجرد منها .
وأما تفاصيل الألفاظ : فلا فرق بينها ـ في الاعتبار ـ وبين تفاصيل ألفاظ
القرآن ، وذلك يعلم باتّفاق النسخ ، كما في القرآن ، فيحصل العلم بذلك .
وقد ثبت مقابله القرآن ، والحديث ، في زمن الرسول والائمة عليهم
السلام بالتواتر .
والوجدان شاهد صدق بحصول العلم بذلك .
بل ، ربما يقال : إن اختلاف النسخ المعتمدة نظير اختلاف القراءات
في القرآن ، فما يقال هُنا يُقالُ هنا .
____________
(1) تقدم في كتاب القضاء أبواب صفات القاضي الباب (9) وجوه الجمع بين الاحاديث
المختلفة .
( 273 )
وتواتر الكتب ـ المبحوث عنها ـ نظير تواتر القرآن ، وكذا العلم بهما
إجمالاً وتفصيلا .
على إن اختلاف النسخ لايتغير به المعنى ، غالبا ، بخلاف اختلاف
القراءآت .
ومع ذلك فاختلاف النسخ ، والروايات ، لايستلزم التناقض ، لجواز
كونهما حديثين متعددين وقعا في مجلسين أو في مجلسٍ واحد ، لحكمة أخرى ،
من تقية ونحوها ، بخلاف اختلاف القراءآت .
وبعد التنزل : فالذي يلزم : التوقف في الصورة المفروضة ، لا في
غيرها .
فان قلت : إن رئيس الطائفة كثيرا ما يطرح ـ في كتابي الأخبار ـ بعض الأحاديث ، التي يظهر من القرائن نقلها من الكتب المعتمدة ، معللا
بأنه « ضعيف » .
قلت : للصحيح ـ عند القدماء ، وساير الأخباريين ـ ثلاثة معان :
أحدها : ما علم وروده عن المعصوم .
وثانيها : ذلك ، مع قيد زائد ، وهو عدم معارض أقوى منه ،
بمخالفة التّقية ، ونحوها .
وثالثها : ما قطع بصحة مضمونة في الواقع ، أي : بأنه حكم الله ، ولو
لم يقطع بوروده عن المعصوم .
وللضعيف ـ عندهم ـ ثلاثة معان ، مقابلة لمعنى الصحيح :
أحدها : ما لم يعلم وروده عن المعصوم ، بشيء من القرائن .
وثانيها : ما علم وروده ، وظهر له معارض أقوى منه .
( 274 )
وثالثها : ما علم عدم صحة مضمونة في الواقع ، لمخافته
للضروريات ، ونحوها .
فتضعيف الشيخ ـ لبعض الأحاديث المذكورة ـ معناه : إن الحديث
ضعيف بالنسبة إلى معارضه ، وإن علم ثبوته بالقرائن .
وأما الضعيف ـ الذي لم يثبت عن المعصوم ، ولم يعلم كون مضمونه
حقا ـ فقد علم ـ بالتتبع ، والنقل ـ أنهم ما كانوا يثبتونه في كتاب معتمد ، ولا
يهتمون بروايته ، بل ينصون على عدم صحته .
فإن قلت : في ( كتاب من لا يحضره الفقيه ) ما يدل على الطعن في
بعض أحاديث ( الكافي ) .
وذلك قوله ـ في باب الرجل يوصي إلى رجلين ـ « لست اُفتي بهذا
الحديث ـ مشيرا إلى ما رواه الكليني ، عن الصادق عليه السلام ـ بل اُفتي بما
عندي بخط العسكري عليه السلام ، ولو صح الخبران لوجب الأخذ بالأخير ،
كما أمر به الصادق عليه السلام » (1) .
وقوله ـ في باب ، الوصي يمنع الوارث ـ « ما وجدت هذا الحديث إلا
في كتاب محمد بن يعقوب ، ولا رويته إلا من طريقه » (2) .
قلت :
أمّا الأوّل : فليس بصريح في نفي صحة الحديث ، الذي في
( الكافي ) ، لاحتمال إرادته نفي تساوي الصحة ، فإن خط المعصوم أقوى
من النقل بوسائط ، أو بسبب التقدم والتأخر خاصة ، فيكون تضعيفا بالنسبة إلى
قوة المعارض كما مر .
____________
(1) الفقيه ج 4 ص 151 ذيل الحديث 524 من الباب 99 .
(2) الفقيه ( ج 4 ص 165 ) ذيل الحديث 578 من الباب 115 .