وصايا الرسول لزوج البتول ::: 16 ـ 30
(16)
    يا علي ، شرُّ الناسِ مَن أكرمهُ الناسُ اتّقاءَ فحشه ـ ورُوي شرّه ـ (9).
    يا علي ، شرُّ الناسِ مَن باع آخرتَه بدنياه (10) ، وشرٌّ من ذلك مَن باعَ آخرتَه بدنيا غيرِه (11).
    يا علي ، مَن لم يقبل العذرَ من متنصّل (12) صادقاً كان أو كاذباً لم يَنَلْ ...

    (9) وقد ورد في حديث أبي بصير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، « انّ من شرّ عباد الله من تُكره مجالسته لفحشه » (1).
    وفي حديث جابر بن عبدالله الأنصاري قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، « شرّ الناس يوم القيامة الذين يُكرمون اتّقاء شرّهم » (2).
    وقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، « ألا ومَن أكرمه الناس إتّقاء شرّه فليس منّي » (3).
    (10) فإنّها بئست الصفقة لمن يبيع آخرته الباقية بدنياه الفانية ، بأن يكذب ويدلّس مثلا فيما ينفعه لدنياه ، فيخسر آخرته.
    (11) وهذا أكثر شرّاً وأخسر صفقة بأن يبيع آخرته وحياته الأبدية لا لنفع نفسه بل لدنيا غيره ، كأن يشهد شهادةً باطلة حتّى تحصل لغيره منفعة دنيويّة ، ويخسر هو حياته الاُخروية.
    (12) التنصّل من الذنب هو التبرّي منه .. والمتنصِّل هو المتبرّي من ذنبه والمعتذر منه.

1 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 326 ، ح 1.
2 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 326 ، ح 4.
3 ـ سفينة البحار ، ج 1 ، ص 695.


(17)
... شفاعتي (13).
    يا علي ، إنّ اللهَ عزّوجلّ أَحبَّ الكذبَ في الصلاحِ (14) ، وأبغَضَ الصدقَ في الفساد (15).

    (13) فإنّ الندامة من الذنب كافية لقبول العذر وإن لم يكن عذره صحيحاً كما يرجو الإنسان من الله تعالى أن يقبل توبته ويعفو عن ذنبه وتشمله الشفاعة وإن لم يكن له عذر في المعصية.
    (14) للآثار الحسنة التي تترتّب عليه فلا يكون من الكذب المحرّم بل قيل ، أنّه لا يسمّى كذباً إصطلاحاً وإن كان كذباً لغةً ، لأنّ الكذب في الشرع هو ما لا يطابق الواقع ويذمّ قائله وهذا لا يذمّ قائله كما أفاده العلاّمة المجلسي (1) ، ذاكراً بعده أحوطيّة التورية في مثل هذه المقامات ، والتورية هي ، قصد المعنى الخفي الصادق من اللفظ.
    وقد ورد في فضيلة الإصلاح بين الناس باب واف من الأخبار الشريفة في اُصول الكافي ، منها ، حديث حبيب الأحول قال سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول ، « صدقة يحبّها الله ، إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا » (2).
    وفي حديث المفضّل قال ، قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) ، « إذا رأيت بين إثنين من شيعتنا منازعةً فافتدها من مالي » (3).
    (15) للآثار السيّئة التي تترتّب عليه وفي حديث المحاربي ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) قال ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، « ثلاث يحسن فيهنّ الكذب ، المكيدة في الحرب ، وعِدَتُك زوجتك ، والإصلاح بين الناس ، وقال ، ثلاث يقبح فيهنّ الصدق ، النميمة ، وإخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه ،

1 ـ مرآة العقول ، ج 9 ، ص 146.
2 و 3 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 209 ح 1 و 3.


(18)
    يا علي ، مَن ترك الخمرَ لغيرِ اللّهِ (16) سقاهُ اللّهُ من الرحيقِ المختوم (17) ، فقال علي ( عليه السلام ) ، لغيرِ اللّه ؟! قال ، نعم واللّهِ صيانةً لنفسهِ يشكرُه اللّهُ على ذلك (18).
    يا علي ، شاربُ الخمرِ كعابدِ وَثَن (19).

وتكذيبك الرجل عن الخبر ... » (1).
    (16) أفاد المولى التقي المجلسي ، الظاهر أنّ مجرد ترك المعاصي كاف في الإمتثال وعدم العقاب ، وأمّا الثواب على تركها فهو مشروط بالنيّة ، واستثنى منها ترك شرب الخمر فانّه يؤجر ويثاب عليه وان لم ينوِ القربة أو كان الترك لأجل صيانة النفس وحفظ شرفه وكرامته أو لسلامته عن أضرار الخمر الصحّية أو مفاسدها الإجتماعية.
    (17) الرحيق هو الشراب الخالص وخمر الجنّة ، والمختوم أي تكون رؤوس أوانيها مختومة بالمسك فلا يتغيّر طعمها بل تكون رائحتها برائحة المسك .. ويشهد له قوله تعالى : ( خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ ) (2).
    (18) أي يثيبه على الترك أو يذكره الله تعالى في الملأ الأعلى بأنّ عبدي لا يشرب الخمر.
    (19) أي مثله في أنّه لا يعرف ربّه في الساعة التي يسكر فيها كما يأتي في نفس حديث الوصيّة هذه ، ومثله أيضاً في العقوبة العظمى ولهذا قرنها الله بعبادة الأصنام في قوله تعالى : ( إنَّمَا الْخَمْرُ والمَيْسِرُ والأَنصَابُ والأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ

1 ـ بحار الأنوار ، ج 71 ، ب 60 ، ص 8 ، ح 11.
2 ـ سورة المطفّفين ، الآية 26.


(19)
    يا علي ، شاربُ الخمرِ لا يقبل اللّهُ عزّوجلّ صلاتَه أربعينَ يوماً (20) ، فإن ماتَ في الأربعينِ مات كافراً (*).

عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (1) ، وأمّا في مقدار العقوبة فلا يستويان لأنّ الكافر مخلّد في النار دون الفاسق الشارب للخمر إلاّ بالمعنى الذي وجّهه الصدوق ( قدس سره ) يعني مستحلّ الخمر فيكون هكذا شارب للخمر كافراً كالوَثَني.
    (20) قال الشيخ البهائي ، لعلّ المراد بعدم القبول هنا عدم ترتّب الثواب عليها في تلك المدّة لا عدم إجزائها فإنّها مجزية إتّفاقاً وهو يؤيّد ما يستفاد من كلام السيّد المرتضى ، من أنّ قبول العبادة أمر مغاير للإجزاء ، فالعبادة المجزية هي المبرأة للذمّة المخرجة عن عهدة التكليف .. بينما العبادة المقبولة هي ما يترتّب عليها الثواب ، ولا تلازم بينهما ولا إتّحاد كما يُظن ، وممّا يدلّ على ذلك قوله تعالى : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ المُتَّقِينَ ) (2) ، كما نقله السيّد الشبّر (3). ثمّ نقل عن العلاّمة المجلسي في توجيه كون عدم القبول في خصوص أربعين يوماً فقط إحتمال أن يكون بدن الإنسان على وجه يحصل التغيّر الكامل فيه بعد أربعين يوماً كالتغيّر من النطفة إلى العلقة وإلى سائر المراتب ، فالتغيّر عن الحالة التي حصلت في البدن من شرب الخمر إلى حالة اُخرى بحيث لا يبقى فيه أثر منها لا يكون إلاّ بعد مضيّ تلك المدّة ..
    وذلك في حديث الصدوق في علل الشرائع ، باسناده عن الحسين بن خالد قال ، قلت للرضا ( عليه السلام ) ، « إنّا روينا عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّ من شرب الخمر لم تحسب

* ـ قال الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) ، يعني إذا كان مستحلاًّ لها.
1 ـ سورة المائدة ، الآية 90.
2 ـ سورة المائدة ، الآية 27.
3 ـ مصابيح الأنوار ، ج 2 ، ص 208.


(20)
    يا علي ، كلُّ مسكر حرامٌ ، وما أسكر كثيرُه فالجرعةُ منه حرام (21).
    يا علي ، جُعِلَت الذنوبُ كلُّها في بيت ، وجُعِلَ مفتاحُها شُربُ الخمر (22).

صلاته أربعين صباحاً فقال ، صدقوا ، فقلت ، وكيف لا تحسب صلاته أربعين صباحاً لا أقلّ من ذلك ولا أكثر ؟ قال ، لأنّ الله تعالى قدّر خلق الإنسان فصيّر النطفة أربعين يوماً ، ثمّ نقلها فصيّرها علقة أربعين يوماً ، ثمّ نقلها فصيّرها مضغة أربعين يوماً ، وهكذا إذا شرب الخمر بقيت في حشاشته على قدر ما خلق منه ، وكذلك يجتمع غذاؤه وأكله وشربه تبقى في حشاشته أربعين يوماً » (1).
    (21) وتحريم الخمر موضع وفاق بين المسلمين وهو من ضروريّات الدين ، والمعتبر في التحريم إسكار كثيرها فيحرم قليلها أيضاً ، وحرمتها ثابتة في جميع الأديان كما يدلّ عليه حديث أبي بصير ، عن الإمام أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال ، « ما زالت الخمر في علم الله وعند الله حرام ، وإنّه لا يبعث الله نبيّاً ولا يرسل رسولا إلاّ ويجعل في شريعته تحريم الخمر ... » (2).
    (22) فإنّ شرب الخمر يفتح الباب إلى كلّ شرّ وذنب ، وفي الفقه الرضوي ، « وإنّ الله تعالى حرّم الخمر لما فيها من الفساد ، وبطلان العقول في الحقائق ، وذهاب الحياء من الوجه ، وأنّ الرجل إذا سكر فربما وقع على اُمّه أو قتل النفس التي حرّم الله ، ويفسد أمواله ، ويذهب بالدين ، ويسيء المعاشرة ، ويوقع العربدة ، وهو يورث الداء الدفين » (3).

1 ـ علل الشرائع ، ص 345 ، ب 52 ، ح 1.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 488 ، ب 1 ، ح 23.
3 ـ الفقه الرضوي ، ص 37.


(21)
    يا علي ، يأتي على شاربِ الخمرِ ساعةً لا يعرفُ فيها ربَّه عزّوجَلّ (23).
    يا علي ، إنّ إزالةَ الجبالِ الرواسي أهونُ (24) ...

والداء الدفين هو الداء المستتر ، ولعلّه إشارة إلى الأمراض الخطيرة التي يُورثها إدمان الخمر كالصرع والرعشة ، والفالج ، وتورّم الأحشاء ، والتهاب الكبد والكلى ، وترهّل البدن ، وإختلال الأعصاب ، وذات الرئة ، وسرطان جهاز الهضم ، وضياع المعدة وغيرها من المساوىء التي صرّحت بها الكتب الطبية وكشفتها المؤسّسات العالمية (1).
    (23) في حديث الإحتجاج سأل زنديقٌ أبا عبدالله ( عليه السلام ) ، لِمَ حرّم الله الخمر ولا لذّة أفضل منها ؟ فقال ، « حرّمها لأنّها اُمّ الخبائث ، ورأس كلّ شرّ ، يأتي على شاربها ساعة يُسلب لُبّه ، فلا يعرف ربّه ، ولا يترك معصية إلاّ ركبها ، ولا يترك حرمة إلاّ إنتهكها ، ولا رحماً ماسّة إلاّ قطعها ، ولا فاحشةً إلاّ أتاها ، والسكران زمامه بيد الشيطان ، إن أمره أن يسجد للأوثان سجد ، وينقاد حيثما قاده » (2).
    وما أحلى هذا الحديث من بيان ، وكشف الحقيقة للإنسان ، في تعرفة الآثار السيّئة ، والعواقب الرديئة ، بإرتكاب الشنائع والإتيان بالفجائع التي تجرّ الندم الدائم والشرّ الهائم في العباد والبلاد.
    (24) أي الجبال الثابتة في أماكنها التي هي راسخة لا تزول لعظمتها وأهون بمعنى أيسر.

1 ـ راجع كتاب المعتمد ، ص 136. ونسخة العطّار ، ص 538.
2 ـ الإحتجاج ، ج 2 ، ص 92.


(22)
    من إزالةِ مَلِك مؤجّل لم تنقضِ أيّامُه (25).
    يا علي ، مَن لم تنتفعْ بدينِه ولا دنياه فلا خيرَ لكَ في مجالستِه (26) ،

    (25) فإذا إنقضت أيّامه وإنتهت مدّته حصل أسباب زواله.
    (26) فانّه تضييع للعمر بل تعرّض للضرر الدنيوي أو الاُخروي غالباً .. وقد ورد في أحاديثهم الشريفة ذكر من ينبغي إجتناب مصاحبته وبيان من ينبغي إختيار صحبته.
    أمّا الأوّل : ففي حديث محمّد بن مسلم أو أبي حمزة ، عن أبي عبدالله الصادق ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال ، قال لي علي بن الحسين صلوات الله عليهما ، يابنيَّ انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا توافقهم في طريق فقلت ، يا أبة من هم ؟ قال ، إيّاك ومصاحبة الكذّاب فإنّه بمنزلة السراب يقرِّب لك البعيد ويباعد لك القريب ، وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنّه بايعُكَ بأُكلة أو أقلّ من ذلك ، وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه ، وإيّاك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك ، وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله عزّوجلّ في ثلاث مواضع ، قال الله عزّوجلّ : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * اُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (1) وقال ، ( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (2) وقال في سورة البقرة ، ( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِه وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ

1 ـ سورة محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الآية 22 ـ 23.
2 ـ سورة الرعد ، الآية 25.


(23)
ومن لم يوجبْ لكَ فلا توجبْ له ولا كرامة (27).
    يا علي ، ينبغي أن يكونَ في المؤمنِ ثمانُ خصال ، وقارٌ عندَ الهزاهز (28) ، وصبرٌ عندَ البلاء ، وشكرٌ عندَ الرَّخاء ، وقنوعٌ بما رزقه اللّهُ عزّوجَلّ (29) ، لا يظلمُ الأعداءَ (30) ،

بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ) (1) ـ (2).
    وأمّا الثاني ، فقد ورد في حديث جابر بن عبدالله الأنصاري عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ، « لا تجلسوا إلاّ عند كلّ عالم يدعوكم من خمس إلى خمس ، من الشكّ إلى اليقين ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الرغبة إلى الرهبة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن الغشّ إلى النصيحة » (3).
    وقال الحواريون لعيسى ( عليه السلام ) ، « مَن نجالس ؟ فقال ، من يذكّركم الله رؤيته ، ويرغّبكم في الآخرة عمله ، ويزيد في منطقكم علمه » (4).
    (27) أي من لا يعرف حقّك ولا يعظّمك فلا يجب عليك تعظيمه وتكريمه ..
    (28) أي يكون له حلم ورزانة وتثبّت عند الهزاهز وهي الفتن وتحريكات الحروب.
    (29) من القناعة بمعنى الرضا بما قُسم له.
    (30) فيلزم أن لا يخرج المؤمن عن حقّه ولا يفضى به سخطه إلى التعدّي إلى ما ليس له بحقّ حتّى على عدوّه.

1 ـ سورة البقرة ، الآية 27.
2 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 376 ، باب مجالسة أهل المعاصي ، ح 7.
3 ـ بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 188 ، ب 12 ، ح 18.
4 ـ بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 189 ، ب 13.


(24)
ولا يتحاملُ على الأصدقاءِ (31) ، بدنُه منه في تَعَب ، والناسُ منه في راحة (32).
    يا علي ، أربعةٌ لا تُردُّ لهم دعوة (33) ، إمامٌ عادل ، ووالدٌ لولدِه ، والرجلُ يدعو لأخيهِ بظهرِ الغيب ، والمظلوم ، يقول اللّه عزّوجلّ ، وعزّتي وجَلالي لأنتصرنَّ لكَ ولو بَعد حين.

    (31) أي لا يُلقي كَلَّه على أصدقائه ولا يكلّفهم ما لا يطيقون ، وفي حديث الكافي ، « ولا يتحامل للأصدقاء » باللام ، أي لا يتحمّل الآثام كشهادة الزور والحكم بالباطل وإرتكاب المعاصي لأجلهم.
    (32) هذه هي الصفات الفاضلة التي ينبغي أن يتحلّى بها المؤمن بوصيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويجدر في المقام التدبّر في صفات المؤمنين المتّقين أيضاً التي بيّنها وصيّه الحقّ أمير المؤمنين في خطبة همّام الواردة في نهج البلاغة (1).
    (33) وبمضمونه أحاديث كثيرة اُخرى يستفاد منها أنّ أدعية هؤلاء لا تحجب عن السماء فيستجيب الله عزّوجلّ لهم. وحبّذا لو روعيت آداب الدعاء والداعي مثل طيب المكسب ، والوثوق بالله تعالى ، وعدم القنوط ، والإقبال بالقلب ، والإلحاح في المسألة ، ورفع اليد بالدعاء ، والبكاء أو التباكي ، والإبتداء في الدعاء بحمد الله تعالى وذكر نعمه التي أنعم بها على الداعي ثمّ شكره ، ثمّ الصلاة على محمّد وآل محمّد ثمّ تذكّر الداعي ذنوبه والإستعاذة أو الإستغفار منها ثمّ يدعو ثمّ يصلّي بعد الدعاء أيضاً على النبي والآل ، ويكون الدعاء في صلاة الوتر أو بعد الفجر أو عند الزوال أو بعد الظهر أو بعد المغرب أو عند قراءة القرآن أو عند الأذان أو عند

1 ـ نهج البلاغة ، ص 303 ، الخطبة 193.

(25)
    يا علي ، ثمانيةٌ إن أُهينوا فلا يلومُوا إلاّ أنفسَهم (34) ، الذاهبُ إلى مائدة لم يُدعَ إليها ، والمتأمّرُ (35) على ربِّ البيت ، وطالبُ الخيرِ من أعدائِه ، وطالبُ الفضلِ من اللئام (36) ، والداخلُ بين إثنين في سرّ لم يُدخلاهُ فيه ، والمستخفُّ بالسُلطان ، والجالسُ في مجلس ليس له بأهل (37) ، والمقبلُ بالحديثِ على من لا يسمعُ منه.
    يا علي ، حَرّمَ اللّهُ الجنّةَ على كلِّ فاحش بذيّ (38) لا يُبالي ما قال ولا ما قيل له.

نزول الغيث أو عند التقاء الصفّين للشهادة ، أو في سحر ليلة الجمعة ممّا تلاحظها في أبواب الدعاء.
    (34) حيث انّهم عرّضوا أنفسهم للإهانة في موردها فكان إقداماً منهم على إهانة النفس.
    (35) أي المتسلّط بالأمر بإحضار شيء أو إبعاد شيء.
    (36) اللئام ـ جمع اللئيم ـ ، وهو من كان دنيء الأصل وخسيس النفس.
    (37) أي ليس من شأنه الجلوس في ذلك المجلس والمكان .. مثل أن يكون المجلس أرفع من شأنه وأعلى من قدره.
    (38) البذيء على وزن فعيل أي بذيء اللسان من قولهم ، بذا على القوم أي سفه عليهم وأفحش في منطقه وليس هو من صفات الكرام ففي حديث الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، « سلاح اللئام قبيح الكلام » (1).

1 ـ سفينة البحار ، ج 7 ، ص 31.

(26)
    يا علي ، طُوبى (39) لمن طالَ عُمرهُ وحَسُنَ عملُه (40).
    يا علي ، لا تمزحْ فيذهب بهاؤُك ، ولا تكذب فيذهب نورُك ، وإيّاكَ وخصلتين ، الضجر (41) والكسل ، فانّك إن ضجرتَ لم تصبر على حقّ ، وإن كسلت لم تؤدِّ حقّاً.
    يا علي ، لكلّ ذنب توبة إلاّ سوءُ الخُلُق ، فإنّ صاحبَه كلّما خرج من ذنب دَخَل في ذنب (42).
    يا علي ، أربعةٌ أسرعُ شيء عقوبةً ، رجلٌ أحسنتَ إليه فكافأك بالإحسانِ إساءة ، ورجلٌ لا تبغي عليه وهو يبغي ...

    (39) طوبى ، على وزن فُعلى بالضمّ ، مأخوذة من الطيب ، مصدر طاب ، مثل بُشرى مصدر بَشِرَ ، دعاء الخير بأطيب العيش وأحسنه في الجنّة ، وهي في أصل المعنى شجرة مباركة في الجنّة أصلها في دار رسول الله وأمير المؤمنين سلام الله عليهما وآلهما ، وفي دار كلّ مؤمن في الجنّة غصن منها ، لا يخطر على قلب المؤمن ما يشتهيه إلاّ وأتاه به ذلك الغصن (1).
    (40) فتكثر أعماله الحسنة بكثرة سني عمره.
    (41) الضَجَر ، القلق من الشيء والإغتمام منه ، والمنهي عنه هنا هو إظهاره ، فانّ المؤمن حزنه في قلبه وبُشره في وجهه ، مع أنّه يمكن رفع الهمّ والقلق وتسكين النفس بالمواعظ الربّانية .. ( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ ) (2).
    (42) يُدخله في ذلك سوء خُلُقه ويدعوه إليه رذالة أخلاقه .. وفي بعض النسخ [ في ذنب آخر ].

1 ـ بحار الأنوار ، ج 8 ، ص 117 ، ب 23 ، ح 2 ـ 3. ومجمع البحرين ، ص 125.
2 ـ سورة الرعد ، الآية 28.


(27)
عليك (43) ، ورجلٌ عاهدتَه على أمر فوفيت له وغدرَ بك (44) ، ورجلٌ وَصَل قرابتَه فقطعوه.
    يا علي ، من استولى عليه الضجَر رحلت عنهُ الرّاحة.
    يا علي ، إثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجلِ المسلمِ أن يتعلّمها على المائدة ، أربعٌ منها فريضة ، وأربعٌ منها سنّة ، وأربعٌ منها أدَب (45) ، فأمّا الفريضةُ ، فالمعرفةُ بما يأكل (46) والتسميةُ والشكرُ والرضا ، وأمّا السنّةُ ، فالجلوسُ على الرِّجْلِ اليُسرى ، والأكلُ بثلاثِ أصابع ، وأن يأكلَ ممّا يليه ، ومصُّ الأصابع ، وأمّا الأدبُ ، فتصغيرُ اللقمةِ ، والمضغُ الشديدُ ، وقلّةُ النظرِ في وجوهِ الناس ، وغسلُ اليدين.
    يا علي ، خَلَقَ اللّه عزّوجلّ الجنّةَ من لبنتين ، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ، وجعل حيطانَها الياقوت وسقفَها الزَّبرجد ، وحصاها اللؤلؤ ، وترابُها الزعفران والمسكُ الأذفر (47) ، ثمّ قال لها ، تكلّمي فقالت ،

    (43) من البغي بمعنى الظلم والفساد والتجاوز والإعتداء.
    (44) الغدر ، نقض العهد وترك الوفاء.
    (45) أي من محاسن الأخلاق والسجايا الطيّبة.
    (46) فيلزم أن يعرف أنّه ممّا يحلّ له أكله ويجوز له تناوله ، ويكون طيّباً غير خبيث ، وطاهراً غير نجس ، وحكي عن بعض النسخ [ فالمعرفة ] بدون قوله ، بما يأكل ، وفسّر بمعرفة المنعم أو الحلال والحرام.
    (47) المسك هو الطيب المعروف والأذفر بمعنى الجيّد .. وهو المسك الذي تفوح منه الرائحة الطيّبة الشديدة .. من الذَفَر بمعنى شدّة ذكاء الرائحة.



(28)
لا إله إلاّ اللّهُ الحيُّ القيّومُ قد سَعَدَ من يدخلني ، قال اللّهُ جلّ جلالُه ، وعزّتي وجَلالي لا يدخُلها مدمنُ خمر (48) ، ولا نمّام (49) ، ولا دَيّوث (50) ، ولا شُرطيُّ (51) ، ولا مُخنّث (52) ، ولا نَبّاش (53) ، ولا عَشّار (54) ، ولا قاطعُ رَحِم (55) ، ولا قَدَري (56).

    (48) يقال ، فلان مدمن خمر أي مداوم على شربها ، وفي الحديث ، « ليس مدمن الخمر الذي يشربها كلّ يوم ولكن يوطّنُ نفسه إذا وجدها شربها » (1).
    (49) من النميمة وهي نقل الحديث من شخص إلى شخص أو من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد والفتنة.
    (50) الديّوث هو الذي تزني امرأته وهو يعلم بها ، ومن يدخل الرجل على زوجته ، ومن لا غيرة له على أهله.
    (51) الشرطي هو المنسوب إلى الشرطة وهم أعوان الظلمة والسلاطين والولاة.
    (52) المخنّث هو من يوطىءُ في دبره .. مأخوذ من الإنخناث بمعنى اللين والتكسّر.
    (53) أي من ينبش القبور ويسرق من الموتى.
    (54) هو آخذ العُشر من أموال الناس بأمر الظالم.
    (55) أي من لا يصل أرحامه وأقاربه ويأتي إن شاء الله تعالى بيان معنى الرحم وصلته وقطعه عند قوله ( عليه السلام ) (2) ، « سرّ سنة صل رحمك ».
    (56) القدريّة هم الذين يقولون ، أنّ العبد مستقل بنفسه في الأفعال ولا مَدْخل لتوفيق الله تعالى فيها فكانوا بضلالتهم من المفوّضة.

1 ـ مجمع البحرين ، مادّة دَين ، ص 557.
2 ـ الآتي في صفحة 48 من هذا الكتاب.


(29)
    يا علي ، كَفَرَ باللّهِ العظيم (57) من هذه الاُمّة عشرةٌ ، القتّاتُ (58) ، والساحرُ ، والديّوثُ ، وناكحُ المرأةِ حراماً في دبرِها (59) ، وناكحُ البهيمةِ ، ومن نكح ذاتَ مَحْرم ، والساعي في الفتنةِ (60) ، وبايعُ السلاحِ من أهلِ الحربِ ، ومانعُ الزكاةِ ، ومَن وجدَ سعةً فمات ولم يَحجُّ.
    يا علي ، لا وليمة (61) إلاّ في خمس :

    (57) الكفر في هذه الموارد يكون مع الإستحلال أو الجحود .. بأن يرى حليّة النميمة مثلا أو يجحد وجوب الحجّ فرضاً كما يستفاد من الشيخ الطوسي (1) في تفسير قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلا وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمَينَ ) (2).
    وقال والد المجلسي ( قدس سره ) ، « الظاهر أنّه كفر الكبائر وإطلاقه عليه شائع » (3).
    (58) وهو النمّام وقد تقدّم معناه كما تقدّم معنى الديّوث أيضاً.
    (59) التقييد بالدبر لعلّه لدفع توهّم أنّ الوطي في الدبر ليس بزنا ، ولأجل كونه أقبح بواسطة إجتماع الحرمة والكراهة فيه وتخيّل الواطىء الحليّة كان كفراً بالإستحلال.
    (60) أي الساعي في الشرّ والفساد والعداوة بين المؤمنين.
    (61) الوليمة في اللغة تطلق على طعام العرس ، وكلّ إطعام سُنّة لدعوة وغيرها ، وكلّ طعام يتّخذ لجمع ونحوه.

1 ـ التبيان ، ج 2 ، ص 537.
2 ـ سورة آل عمران ، الآية 97.
3 ـ روضة المتّقين ، ج 12 ، ص 63.


(30)
في عِرس أو خُرس أو عذار أو وكار أو ركاز ، فالعرس التزويج ، والخرس النفاس بالولد ، والعذار الختان ، والوكار في بناء الدار وشرائها ، والركاز الرجل يقدم من مكّة (62).
    يا علي ، لا ينبغي للعاقلِ أن يكونَ ظاعناً (63) إلاّ في ثَلاث ، مرمّةٌ لمعاش (64) ،

    (62) أفاد الشيخ الصدوق هنا ما نصّه ، « قال مصنّف هذا الكتاب ( رحمه الله ) ، سمعت بعض أهل اللغة يقول في معنى الوكار ، يقال للطعام الذي يدعى إليه الناس عند بناء الدار أو شرائها ، ( الوكيرة ) والوكار منه ، والطعام الذي يتّخذ للقدوم من السفر يقال له ، ( النقيعة ) ويقال له ، ( الركاز ) أيضاً ، والرِّكاز الغنيمة كأنّه يريد أنّ في اتّخاذ الطعام للقدوم من مكّة غنيمة لصاحبه من الثواب الجزيل ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ) » (1).
    وجاء هذا الكلام منه في معاني الأخبار وأضاف عليه ما يلي ، « وقال أهل العراق ، الركاز ، المعادن كلّها ، وقال أهل الحجاز ، الركاز ، المال المدفون خاصّة ممّا كنزه بنو آدم قبل الإسلام ، كذلك ذكره أبو عبيدة ... أخبرنا بذلك أبو الحسين محمّد ابن هارون الزنجاني فيما كتب إليّ عن علي بن عبدالعزيز ، عن أبي عبيدة القاسم بن سلام » (2).
    (63) الظعن على وزن نفع هو السير والإرتحال .. والظاعن هو السائر في السفر وغيره.
    (64) رممت الشيء بمعنى أصلحته ومرمّة المعاش هو إصلاح المعيشة واُمورها.

1 ـ من لا يحضره الفقيه ، ج 4 ، ص 356.
2 ـ معاني الأخبار ، ص 272.
وصايا الرسول لزوج البتول ::: فهرس