وصايا الرسول لزوج البتول ::: 286 ـ 300
(286)
.........................

أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليُظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون.
    ثمّ إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين ، لا شريك له وبذلك اُمرتُ وأنا من المسلمين.
    ثمّ إنّي اُوصيك ياحسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربّكم ، فلا تموتنّ إلاّ وأنت مسلمون. وإعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا. فإنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ، « صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصوم ، وإنّ البِغضة حالقة الدين وفساد ذات البين » ، ولا قوّة إلاّ بالله.
    اُنظروا ذوي أرحامكم فصِلوهم يُهوّن الله عليكم الحساب.
    والله الله في الأيتام فلا تغيّروا (1) أفواههم ، ولا تضيّعوا من بحضرتكم ، فقد سمعتُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ، « من عالَ يتيماً حتّى يستغني أوجب الله له بذلك الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار ».
    والله الله في القرآن ، لا يسبقكم إلى العمل به غيركم.
    والله الله في جيرانكم ، فإنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى بهم.
    والله الله في بيت ربّكم ، فلا يخلونّ منكم ما بقيتم ، فإنّه إن يُترك لم تناظروا. وإنّ أدنى ما يرجع به من اَمّه أن يُغفر له ما قد سلف.
    والله الله في الصلاة ، فإنّها خير العمل ، وإنّها عمود دينكم.
    والله الله في الزكاة ، فإنّها تُطفىء غضب ربّكم.
    والله الله في شهر رمضان ، فإنّ صيامه جُنّة من النار.

1 ـ في البحار ( فلا تغبوا ) اى لا تجيعوهم بأن تطعموهم يوماً وتتركوهم يوماً ، وبمعناه لا تغيّروا بحار الانوار ج 42 ص 256 ـ 257.

(287)
.........................

    والله الله في الفقراء والمساكين ، فشارِكوهم في معيشتكم.
    والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ، فإنّما يجاهد في سبيل الله رجلان ، إمام هدىً ، ومطيع له مقتد بهداه.
    والله الله في ذرّية نبيّكم ، فلا يُظلمنَّ بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.
    والله الله في أصحاب نبيّكم الذين لم يُحدثوا حَدَثاً ولم يؤوا محدثاً ، فإنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى بهم ولعن الُمحدث منهم ومن غَيرهم والمؤوي للمُحدث.
    والله الله في النساء وما ملكت أيمانكم ، لا تخافنّ في الله لومة لائم فيكفيكهم الله وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله.
    ولا تتركنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي الله الأمر أشراركم وتدعون فلا يستجاب لكم.
    عليكم يابنيَّ بالتواصل والتباذل والتبارّ ، وإيّاكم والنفاق والتقاطع والتدابر والتفرّق ، وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب.
    حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيّكم. أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام.
    ثمّ لم يزل يقول « لا إله إلاّ الله » حتّى قُبض ( عليه السلام ) في أوّل ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان ليلة إحدى وعشرين ، ليلة الجمعة ، سنة أربعين من الهجرة.



(288)
    ومن الوصايا النبوية الشريفة المستفادة من وصيّة أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن ( عليهما السلام ) ما رواه الشيخ السديد المفيد في أماليه (1) عن عمر بن محمّد بن علي الصيرفي ، عن محمّد بن همام الإسكافي ، عن جعفر بن محمّد بن مالك ، عن أحمد بن سلامة الغنوي ، عن محمّد بن الحسين العامري ، عن أبي معمّر ، عن أبي بكر بن عيّاش ، عن الفجيع العقيلي ، عن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) ، عن أبيه أنّه قال له فيما أوصاه لمّا حضرته الوفاة ، ...
    ثمّ إنّي اُوصيكَ ياحسن ـ وكفى بكَ وصيّاً ـ بما أوصاني به رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإذا كانَ ذلك يا بُنيّ فالزَم بيتَك ، وابْكِ على خطيئتِك ،

    (1) لا يخفى أنّ هذه الوصيّة غير الوصيّة المفصّلة المعروفة التي كتبها أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن ( عليه السلام ) عند مراجعته من صفّين والتي أوّلها ، « من الوالد الفان ، المقرّ للزمان ... » التي وردت في النهج ، وقال عنها السيّد ابن طاووس ، أنّه لو كان من الحكمة ما يجب أن يكتب بالذهب لكانت هذه.
    والحقّ أنّ جميع كلامه وخطبه وكلماته يحقّ أن تكتب بالتّبر ، وتكون قدوة في كلّ عصر ، ومنها هذه الوصيّة الآتية التي أوصى بها رسول الله عليّاً ، وأوصى به الإمام علي ولده الإمام الحسن ( عليهما السلام ) ، وهما أبوا هذه الاُمّة ، وقد أوصيا كلّ الخير لهذه الاُمّة على لسان الوصيّة للإمام أمير المؤمنين أو الإمام الحسن سلام الله عليهما.



(289)
ولا تكُن الدنيا أكبرَ همّك ، وأُوصيك يابنيّ بالصلاةِ عند وقتِها والزكاةَ في أهلِها عندَ محلّها (2) ، والصمتَ عند الشُبهة (3) ، والإقتصادَ (4) في العمل ، والعدلَ في الرضا والغَضَب ، وحُسنَ الجوار ، وإكرامَ الضَيف ، ورحمةَ المجهود (5) وأصحابِ البلاء ، وصلَة الرّحِم ، وحبَّ المساكين ومجالستَهم ، والتواضعَ فإنّه من أفضلِ العبادة ، وقصَر الأمل ، وذكرَ الموت ، والزُهدَ في الدنيا (6) فإنّك رهنُ الموت (7) ، وغرضُ بلاء ، وطريحُ سُقم (8).
    واُوصيك بخشيةِ اللّهِ في سرِّ أمركَ وعلانيتِه (9) ،

    (2) أي عندما يحلّ وقت وجوب الزكاة فيدفعها إلى أهلها المعيّن لها.
    (3) فإنّ الصمت أسلم عند الشبهات ، ودليل على الخيرات.
    (4) من القصد بمعنى الإعتدال والقصد في الاُمور هو السير الوسط بين الإفراط والتفريط.
    (5) المجهود هو منْ أصابته المشقّة وجهد البلاء ، وجهد البلاء هي الحالة التي يختار الإنسان عليها الموت ، وقيل هي قلّة المال وكثرة العيال (1).
    (6) في أمالي الشيخ الطوسي ، « واذْكُر الموت ، وازْهَد في الدنيا ».
    (7) في بعض النسخ ، رهين موت من الرهن بمعنى المرهون.
    (8) أي من يطرحه السقم والمرض ، وفي أمالي الطوسي ، وصريع سقم وصرعه أي طرحه على الأرض.
    (9) في أمالي الشيخ الطوسي ، « وعلانيتك ».

1 ـ مجمع البحرين ، ص 210.

(290)
وأنهاكَ عن التَسرّعِ بالقولِ والفعل (10) ، وإذا عَرَض شيءٌ من أمرِ الآخرة فابدأ به (11) ، وإذا عَرَض شيءٌ من أمرِ الدنيا فتأنَّه (12) حتّى تصيب رشدَك فيه ، وإيّاكَ ومواطن التُّهمة (13) والمجلس المظنون بهِ السُوء ، فإنّ قرينَ السوءُ يغيُّر جليسه (14) ، وكُن للّه يا بُنيّ عاملا ، وعن الخَنا (15) زَجوراً ، وبالمعروفِ آمراً ، وعن المنكرِ ناهياً ، وواخِ الاُخوانَ في اللّه ، وأحبَّ الصالحَ لصلاحِه ، ودارِ (16) الفاسقَ عن دينك ، وابغَضْهُ بقلبِك ، وزايلْه بأعمالِك ، لئلاّ تكونَ مثلَه.

    (10) أي أنهاك عن الإسراع والمبادرة إليهما بدون تأمّل وتدبّر ، فإنّه يورث الندامة.
    (11) فإنّ أمر الآخرة الدائمة مقدَّمٌ على أمر الدنيا الزائلة.
    (12) من التأنّي بمعنى الترفّق والتنظّر وعدم العجلة في الأمر ، وفي بعض النسخ المطبوعة فتأنَّ.
    (13) أي المواضع التي يتَّهم الإنسان بالسوء إذا حضرها ، وإنْ لم يأت بسيّئة فيها لسوء سمعة تلك المواضع.
    (14) وهذه من الحِكَم المجرّبة فإنّ صاحب الشرّ يُعدي ، وقرين السوء يغوي ، والمعاشرة مؤثّرة ، مع أنّ المرء يعرف بقرينه ، فينبغي إجتناب قرين السوء ، وإنتخاب القرين الصالح.
    لذلك جاء في وصيّته ( عليه السلام ) الاُخرى ، « قارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشرّ تَبين عنهم ».
    (15) الخَنا مقصوراً هو الفحش من القول.
    (16) من الدّرء بمعنى الدفع ، أي ادفعه عن دينك ، لا بمعنى المداراة ظاهراً.



(291)
وإيّاكَ والجلوس في الطُرُقات ، ودع المُماراةَ (17) ومجاراةَ من لا عقل له ولا علم (18). واقتصِد يا بني في معيشتِك ، واقتصدْ في عبادِتك (19) ، وعليك فيها بالأمرِ الدائمِ الذي تطيقه. والزَم الصّمتَ تَسْلم وقَدِّم لنفسِكَ تَغْنم ، وتَعلَّم الخيَر تَعْلَم ، وكنْ للّهِ ذاكراً على كلِّ حال ، وارحمْ من أهلِك الصَّغير ، ووقِّر منهُم الكبير ، ولا تأكلَنَّ طعاماً حتّى تصدَّق منه قبلَ أكله (20).

    (17) المماراة هي المجادلة ، وقد أُمرنا بترك المجادلة فيما فيه مريةٌ وشكّ لأنّها تؤول إلى العداوة والبغضاء.
    (18) المجارات هي المجرى في المناظرة والجدال ومجارات من لا عقل له ولا علم أي الخوض معه في الكلام شيءٌ عبث فيُترك ، نعم يحسن تعليم الجاهل لا مناظرته والجدال معه.
    (19) مرّ أنّ القَصْد بمعنى الإعتدال ، وحكمة الإعتدال هنا هو أنّه يطيقه الإنسان ويدوم عليه ولا يوجب له العسر والحرج. لذلك قال ( عليه السلام ) ، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه.
    (20) فإنّه يُستحبّ التصدّق ممّا يؤكل ، وفي حديث معمّر بن خلاّد الوارد في البحار ، كان أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) إذا أكل أُتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به ، فيأخذ من كلّ شيء شيئاً فيوضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها للمساكين. ثمّ يتلو هذه الآية ( فلا اقتَحَمَ العَقَبةَ ) ثمّ يقول ، علم الله عزّوجلّ أنْ ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة ، فجعل لهم السبيل إلى الجنّة (1).

1 ـ بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 348 ، ب 8 ، ح 3.

(292)
    وعليك بالصَّومِ فإنّه زكاةُ البَدَن وجُنّةٌ لأهلِه ، وجاهِدْ نفسَك ، واحذرْ جليسَك ، واجتنبْ عدوَّك ، وعليكَ بمجالِس الذِّكْر ، وأكْثِر من الدُعاء فإنّي لم آلِكَ يا بُنيّ نُصحاً (21) ، وهذا فراقُ بيني وبينَك.
    واُوصيك بأخيك محمد خيراً فإنّه شقيقُك وابنُ أبيك ، وقد تَعْلمُ حبّي له.
    وأمّا أخوك الحسينُ فهو ابن اُمِّك ، ولا أزيد الوصاةَ بذلك ، واللّهُ الخليفةُ عليكم ، وإيّاه أسألُ أنْ يصلحَكُم ، وأن يكُفَّ الطغاةَ البغاةَ عنكم ، والصّبر الصّبر حتّى يتولّى (22) اللّهُ الأمر ، ولا قوّةَ إلاّ باللّهِ العليّ العظيم (23).

    ثمّ بيّن العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) جعل السبيل إلى الجنّة أنّ الله تعالى خيّرهم بين العتق والإطعام بقوله ، ( فَكُّ رقَبة أو إطعامٌ ) الآية.
    (21) ألّى تأليةً ، قصّر وابطأ ، ولم يألُ جهداً أي لم يقصّر في جهده ولم يألُ في النصيحة أي لم يقصّر فيها.
    (22) في البحار ، حتّى ينزل الله الأمر.
    (23) أمالي الشيخ المفيد ، ص 220 ، المجلس السادس والعشرون ، ح 1. ورواه الشيخ الطوسي في أماليه ، ص 7 ، المجلس الأوّل ، ح 8. ونقله عنهما في البحار ، ج 42 ، ص 202 ، ب 127 ، ح 7. وفي مستدرك الوسائل ، ج 11 ، ص 383 ، ب 51 ، ح 2 ، المسلسل 13319.



(293)
    الكافي (1) ، [ عدّة من أصحابنا ] ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن أبيه قال ، سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) هل للمسلمينَ عيدٌ غير يومِ الجمعة والأضحى والفِطر ؟ قال :
    نعم أعظمُها حرمةً. قلتُ ، وأيّ عيد هو جُعِلْتُ فداك ؟ قال ، اليوم الذي نَصَبَ فيه رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) وقال ، مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه (2) ، قلتُ ، وأيُّ يوم هو (3) ؟

    (1) ورد هذا الحديث الشريف المشتمل على الإيصاء المبارك من الرسول للأمير عليهما وآلهما السلام في الكافي (1) ، وعنه في البحار (2) ، والوسائل (3) ، وورد بمضمونه أحاديث كثيرة اُخرى تؤيّد صحّته.
    (2) يمكنك ملاحظاً تفصيل بيان هذا الحديث الشريف المتواتر بين الفريقين المجمع عليه عند الطرفين في مبحث الإمامة من كتابنا العقائد الحقّة.
    (3) لعلّ السؤال عن أنّه أي يوم من أيّام الاسبوع التي هي تختلف بدوران

1 ـ فروع الكافي ، ج 4 ، ص 149 ، باب صيام الرغيب ، ح 3.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 37 ، ص 172 ، ب 54 ، ح 46.
3 ـ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 323 ، ب 14 ، ح 1.


(294)
    قال ، وما تصنعُ باليوم إنّ السنةَ تدور ، ولكنّه يومُ ثمانيةِ عَشَر من ذي الحجّة !؟
    فقلت ، وما ينبغي لنا أن نفعلَ في ذلكَ اليوم ؟
    قال ، تذكرونَ اللّهَ ( عزَّ ذكره ) فيه بالصيامِ والعبادةِ والذِّكر لمحمّد وآلِ محمّد فإنّ رسولَ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) أن يتّخذَ ذلك اليوم عيداً (4) وكذلك كانت الأنبياءُ ( عليهما السلام ) تفعل كانوا يوصُون أوصيائَهم بذلك فيتّخذونَه عيداً.

السنين.
    (4) هذا مورد الوصيّة وهذا اليوم هو اليوم الذي يقضي الدليل بكونه عيداً ، وذلك :
    أوّلا : أشاد به الله تعالى في كتابه الكريم ، ( اليَوْمَ أكمَلْتُ لكُم دينَكُم وأتمَمْتُ عليكُم نِعمَتي ورَضِيْتُ لكُمُ الإسْلامَ ديناً ) (1).
    ثانياً : جاء في السنّة الشريفة حيث اتّخذه عيداً رسوله العظيم الذي لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وحيٌ يوحى ، ففي حديث عبدالله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن آبائه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال :
    « يوم غدير خم أفضل أعياد اُمّتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب عَلَماً لاُمّتي ، يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتمّ على اُمّتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً ».

1 ـ سورة المائدة ، الآية 3.

(295)
.........................

كما في أمالي الصدوق (1) ، وبشارة المصطفى (2) ، وروضة الواعظين (3) ، والإقبال (4) ، وإثبات الهداة (5).
    بل أمر صلوات الله عليه وآله أن يهنّئوه ويهنّئوا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بهذه المناسبة السعيدة كما في حديث التهنئة الذي رواه من العامّة فقط ستّون عالماً في ستّين كتاباً أحصاها العلاّمة الأميني ( قدس سره ) (6).
    ولم نجد في تاريخ رسول الله وأفراحه أن يقول يوماً هنّئوني إلاّ في هذا اليوم. ممّا يكشف إنبثاق التعيّد في هذا اليوم من مصدر النبوّة ، وإنطلاق عيد الغدير من وحي الرسالة.
    وثالثاً : جاء في بيان العترة الطاهرة فقد طبّق أمر النبي وأجرى سنّة الرسول أوصياؤه وأُمناء وحيه ، أهل البيت وأئمّة العترة سلام الله عليهم أجمعين فسمّوا هذا اليوم عيداً ، وبيّنوا فضله ، وذكروا شأنه ، وأشادوا بعظمته.
    فأمير المؤمنين ( عليه السلام ) اقتفى أثر النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واتّخذه عيداً وخطب فيه سنة اتّفق فيها الغدير والجمعة وقال في خطبته التي رواها شيخ الطائفة بسنده عن الإمام الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال ،

1 ـ أمالي الصدوق ، ص 111.
2 ـ بشارة المصطفى ، ص 23.
3 ـ روضة الواعظين ، ص 124.
4 ـ الإقبال ، ص 466.
5 ـ إثبات الهداة ، ج 2 ، ص 423.
6 ـ الغدير ، ج 1 ، ص 270 ـ 283.


(296)
.........................

    « إنّ الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين لا يقوم أحدهما إلاّ بصاحبه ، ليكمل عندكم جميل صنيعته ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويشملكم منهاج قصده ، ويوفّر عليكم هنىء رفده ، فجعل الجمعة مجمعاً ندب إليه لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما كان أوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله ، وذكرى للمؤمنين ، وتبيان خشية المتّقين ، ووهب من ثواب الأعمال فيه أضعاف ما وهب لأهل طاعته في الأيّام قبله ، وجعله لا يتمّ إلاّ بالإيتمار لما أمر به والإنتهاء عمّا نهى عنه ، والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب إليه فلا يقبل توحيده إلاّ بالإعتراف لنبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنبوّته ، ولا يقبل ديناً إلاّ بولاية من أمر بولايته ولا تنظيم أسباب طاعته إلاّ بالتمسّك بعصمه وعصم أهل ولايته فأنزل على نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في يوم الدّوح (1) ما بيّن به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق فتأمّلوا رحمكم الله ما ندبكم الله إليه وحثّكم عليه ، واقصدوا شرعه (2) واسلكوا نهجه ، ولا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله.
    إنّ هذا يوم عظيم الشأن ، فيه وقع الفرج ، ورفعت الدرج ، ووضحت الحجج ، وهو يوم الإيضاح والإفصاح عن المقام الصراح (3) ، ويوم كمال الدين ، ويوم العهد المعهود ، ويوم الشاهد والمشهود ، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود ، ويوم

1 ـ الدُّوح ، جمع دوحة وهي الشجرة العظيمة ، إشارة إلى دوحات غدير خمّ.
2 ـ القصد ، إتيان الشيء ، يقال ، قصدته وقصدت له وقصدت إليه ، طلبته بعينه كما في مجمع البحرين ، ص 223.
3 ـ الصُراح هو الخالص من كلّ شيء وجميع التعلّقات.


(297)
.........................

البيان عن حقائق الإيمان ، ويوم دحر الشيطان ، ويوم البرهان هذا يوم الفصل الذي كنتم توعدون ، هذا يوم الملأ الأعلى الذي أنتم عنه معرضون. هذا يوم الإرشاد ويوم محنة العباد ويوم الدليل على الروّاد ، هذا يوم أبدى خفايا الصدور ومضمرات الاُمور ، هذا يوم النصوص على أهل الخصوص ... عودوا رحمكم الله بعد إنقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، والبرّ بإخوانكم ، والشكر لله عزّوجلّ على ما منحكم ، واجمعوا يجمع الله شملكم ، وتبارّوا يصل الله اُلفتكم ، وتهادوا نعم الله كما منّاكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله وبعده إلاّ في مثله ، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر ، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه ، وهيّؤا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البُشر فيما بينكم ، والسرور في ملاقاتكم ، والحمد لله على ما منحكم ، وعودوا بالمزيد من الخير على أهل التأميل لكم (1) ، وساووا بكم ضعفاءكم في مآكلكم وما تناله القدرة من استطاعتكم وعلى حسب إمكانكم فالدرهم فيه بمائة الف درهم والمزيد من الله عزّوجلّ » (2).
    ومن بعد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أئمّة العترة الطاهرة من ولده ( عليهم السلام ) خلّدوا ذكر الغدير واتّخذوه عيداً وأبانوا فضله وفضيلته.
    ففي الكافي عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن ابن راشد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، قلت ، جعلت فداك للمسلمين عيدٌ غير

1 ـ أي الذين يأملون فيكم الخير.
2 ـ مصباح المتهجّد ، ص 755.


(298)
.........................

العيدين ؟
    قال ، نعم ياحسن أعظمهما وأشرفهما.
    قلت ، وأي يوم هو ؟ قال ، هو يوم نصب أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فيه عَلَماً للناس.
    قلت ، جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟
    قال ، تصومه ياحسن ، وتُكثر الصلاة على محمّد وآله ، وتبرَّء إلى الله ممّن ظلمهم ، فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصيّ أن يتّخذ عيداً.
    قال ، قلت ، فما لمن صامه ؟
    قال ، صيام ستّين شهراً ، ولا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنّه هو اليوم الذي نزلت فيه النبوّة على محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وثوابه مثل ستّين شهراً لكم » (1).
    وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي ، قال ، حدّثني جعفر بن محمّد الأزدي قال ، حدّثنا محمّد ـ يعني محمّد بن الحسين الصائغ ـ قال ، حدّثنا الحسن بن علي الصيرفي عن محمّد البزّاز عن فرات بن أحنف :
    « عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، قلت ، جعلت فداك ! للمسلمين عيدٌ أفضل من الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة ؟ قال ، فقال لي ، نعم أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيّه ( اليَومَ أكمَلتُ لكُم دينَكُم وأتمَمتُ عليكُم نعمَتي ورَضيتُ لكُمُ الإسلامَ ديناً ) (2) قال ، قلت ،

1 ـ فروع الكافي ، ج 4 ، ص 148 ، باب صيام الترغيب ، ح 1.
2 ـ سورة المائدة ، الآية 3.


(299)
.........................

وأي يوم هو ؟ قال ، فقال لي ، إنّ أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصيّة والإمامة للوصي من بعده ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيداً ، وإنّه اليوم الذي نصب فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً للناس عَلَماً وأنزل فيه ما أنزل ، وكمل فيه الدين وتمّت فيه النعمة على المؤمنين. قال ، قلت ، وأي يوم هو في السنة ؟ قال ، فقال لي ، إنّ الأيّام تتقدّم وتتأخّر فربّما كان يوم السبت والأحد والإثنين إلى آخر الأيّام السبعة. قال ، قلت ، فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم ؟ قال ، هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله تعالى ، وحمد له وسرور لما مَنَّ الله به عليكم من ولايتنا وإنّي أحبّ لكم أن تصوموه » (1).
    وفي الوسائل بإسناد شيخ الطائفة عن الحسين بن الحسن الحسيني ، عن محمّد بن موسى الهمداني ، عن علي بن حسّان الواسطي ، عن علي بن الحسين العبديّ قال ، سمعت أبا عبدالله الصادق ( عليه السلام ) يقول ، « صيام يوم غدير خمّ يعدل صيام عمر الدنيا ، لو عاش إنسان ثمّ صام ما عمّرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله عزّوجلّ في كلّ عام مائة حجّة ومائة عمرة مبرورات متقبّلات ، وهو عيد الله الأكبر » (2) الحديث.
    وفي العوالم بالإسناد إلى المفضّل بن عمر قال ، قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) :
    « إذا كان يوم القيامة زُفّت أربعة أيّام إلى الله عزّوجلّ كما تزفّ العروس إلى خدرها ، يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم الجمعة ، ويوم الغدير.

1 ـ تفسير فرات الكوفي ، ص 117 ، ح 123.
2 ـ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 324 ، ب 14 ، ح 4.


(300)
.........................

ويوم غدير خمّ بين الفطر والأضحى كالقمر بين الكواكب ، وإنّ الله تعالى ليوكّل بغدير خمّ ملائكته المقرّبين وسيّدهم يومئذ جبرئيل ( عليه السلام ) ، وأنبياءه المرسلين وسيّدهم يومئذ محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأوصياء الله المنتجبين وسيّدهم يومئذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأولياء الله وساداتهم يومئذ سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار ، حتّى يورده الجنان كما يورد الراعي بغنمه الماء والكلأ.
    قال المفضّل ، سيّدي تأمرني بصيامه ؟ قال لي ، إي والله ، إي والله ، .. وإنّه اليوم الذي أقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً ( عليه السلام ) للناس عَلَماً وأبان فيه فضله ، فصام شكراً لله تعالى ذلك اليوم.
    وإنّه ليوم صيام وقيام وإطعام وصلة الإخوان ، وفيه مرضاة الرحمن ومرغمة الشيطان » (1).
    وفي المصباح عن داود الرقي ، عن أبي هارون عمّارة بن جوين العبدي قال ، دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) في يوم الثامن عشر من ذي الحجّة فوجدته صائماً ، فقال لي :
    « هذا يوم عظيم ، عظّم الله حرمته على المؤمنين وأكمل لهم فيه الدين وتمّم عليهم النعمة وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق ... » (2).
    وفي الإقبال ، الحديث الذي ذكره محمّد بن علي الطرازي في كتابه رويناه بإسنادنا إلى عبدالله بن جعفر الحميري ، عن هارون بن مسلم ، عن أبي الحسن الليثي ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) أنّه قال لمن حضره من مواليه

1 ـ عوالم العلوم ، ج 3 ـ 15 ، ص 212 ، ح 296.
2 ـ مصباح المتهجّد ، ص 680.
وصايا الرسول لزوج البتول ::: فهرس