وصايا الرسول لزوج البتول ::: 361 ـ 375
(361)
    أمالي الشيخ الصدوق ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، قال حدّثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم ، قال حدّثنا جعفر بن سلمة الأهوازي ، قال حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن إبراهيم بن موسى بن اُخت الواقدي ، قال حدّثنا أبو قتادة الحراني عن عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي ، عن سعيد بن المسيّب ، عن ابن عبّاس قال ، إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) فقال :
    اللّهمَّ انّكَ تعلمُ إنّ هؤلاء أهلُ بيتي وأكرمُ الناسِ عليّ ، فأحبَّ من أحبَّهم وأبغضْ من أبغضَهم ، ووالِ من والاهُم وعادِ من عاداهم ، وأعِن من أعانَهم ، واجعلْهم مطهَّرين من كلِّ رجس (1) معصومين من كلِّ ذنب وأيّدْهم بروحِ القُدُس (2) منك ، ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،

    (1) أي من كلّ عمل قبيح وإثم ووسوسة وقذارة ونجاسة.
    (2) روح القُدس هو الروح النوري الملكوتي المقدّس الذي لا يغفل ولا يلهو ولا يزهو بل يكون مع المعصوم ( عليه السلام ) يسدّده ويؤيّده وقد كان مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثمّ مع الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين كما تلاحظ تفصيله في أحاديثنا الشريفة (1).

1 ـ اُصول الكافي ، ج 1 ، ص 273 و 282.

(362)
    يا علي ، أنتَ إمامُ اُمّتي وخليفتي عليها بَعدي ، وأنت قائدُ المؤمنينَ إلى الجنّةِ وكأنّي أنظرُ إلى إبنتي فاطمة قد أقبلَتْ يومَ القيامةِ على نجيب (3) من نور عن يمينِها سبعونَ ألف ملك ، وعن يسارِها سبعونَ ألف ملك ، وبين يديها سبعونِ ألف ملَك ، وخلفها سبعونَ ألفَ مَلَك ، تقود مؤمناتِ اُمّتي إلى الجنّةِ (4).
    فأيُّما امرأة صَلَّت في اليومِ والليلةِ خمسَ صلَوات ، وصامَت شهرَ رمضان ، وحجَّت بيتَ اللّهِ الحرام ، وزكّت مالَها وأطاعَت زوجَها ، ووالَت علياً ، بعدي دَخَلَت الجنّةَ بشفاعةِ إبنتي فاطمة (5) وإنّها لسيّدةُ نساءِ العالمين ، فقيل يا رسولَ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أهي سيّدةٌ لنساءِ عالمِها فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ذاك لمريمَ بنتِ عِمران ، فأمّا إبنتي فاطمةُ فهي سيّدةُ نساءِ العالمينَ من الأوّلينَ والآخرِين ، وإنّها لتقومُ في محرابها فيُسلّم عليها سبعونَ ألفِ مَلَك من الملائكةِ المقرّبين وينادونَها بما نادَت به الملائكةُ مريمَ فيقولونَ ، يا فاطمةُ إنّ اللّهَ إصطفاكِ وطهّركِ وإصطفاكِ على نساءِ العالمين ، ثمّ التفت إلى علي ( عليه السلام ) ، فقال ،

    (3) النجيب هو الفاضل من كلّ حيوان والنفيس منه ، ونجائب الإبل هي الإبل القويّة الخفيفة السريعة.
    (4) وهذا موكب الجلالة لها ، حتّى يعرف الناس قدرها ، بعد أن كانت في الدنيا مجهولة القدر والقبر معاً.
    (5) فانّها صاحبة المقام السامي للشفاعة من الله الغفّار ، فتشفع لشيعتها



(363)
    يا علي ، إنّ فاطمَة بضعةٌ منّي وهي نورُ عيني وثمرةُ فؤادي يَسوءُني ما ساءَها ويَسرُّني ما سرَّها ، وإنّها أوّلُ من يلحقني من أهلِ بيتي فأحسِنْ إليها بعدي.
    وأمّا الحسنُ والحسين فهما إبنايَ وريحانتايَ ، وهما سيّدا شبابِ أهلِ الجنّةِ ، فَليْكُرما عليكَ كسمعِكَ وبصرِك.
    ثمّ رفع ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يدَه إلى السماء فقال ، اللّهم إنّي أُشهدُكَ إنّي محبٌ لمن أحبَّهم ، ومبغضٌ لمن أبغضَهم ، وسلمٌ لمن سالَمهُم :
    وحربٌ لمن حاربَهم ، وعدوٌ لمن عاداهم ، ووليٌّ لمن والاهم (6).

الأبرار كما تلاحظه في الأحاديث المعتبرة من الخاصة والعامة (1).
    (6) الأمالي ، ص 393 ، المجلس الثالث والسبعون ، ح 18 ، وقد وردت فقراتها في الأحاديث المتظافرة.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 8 ، ص 51 ، ب 21 ، ح 58. وج 43 ، ص 64 ، ب 3 ، ح 57. وإحقاق الحقّ ، ج 10 ، ص 367.

(364)
    أمالي الشيخ الصدوق ، حدّثنا أبي ، قال حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال حدّثنا محمّد ابن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن عيسى بن عبدالله العلوي ، عن أبيه عبدالله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي ( عليه السلام ) قال سألتُ رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الرجل ينام فيرى الرؤيا فربّما كانت حقّاً وربّما كانت باطلا ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    يا علي ، ما من عَبد ينام إلاّ عُرج بروحِه إلى ربِّ العالمين (1) ، فما رأى عند ربِّ العالمين فهو حقّ ، ثمّ إذا أمرَ اللّه العزيزُ الجبّار بِرَدّ روحِه إلى جسدِه فصارت الروحُ بين السماءِ والأرض ، فما رأته فهو أضغاثُ أحلام (2) (3).

    (1) وقد قال تعالى ، ( اللّهُ يَتَوفّى الأنفُسَ حينَ مَوتِها والتي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها ) (1).
    (2) أضغاث أحلام ، أي أخلاطها يعني الأحلام المختلطة.
    (3) الأمالي ، ص 125 ، المجلسى التاسع والعشرون ، ح 17.

1 ـ سورة الزمر ، الآية 42.

(365)
    أمالي الشيخ الصدوق ، ابن الوليد ، عن محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الصيرفي ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه ( عليهم السلام ) قال بلغ أُمّ سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّ مولىً لها ينتقصُ عليّاً ( عليه السلام ) ويتناوله (1). فأرسلَتْ إليه فلمّا أنْ صارَ إليها قالت له ، يا بُنيّ ! بلغَني أنّك تتنقّصُ علياً وتتناولُه. قال لها ، نعم يا اُمّاه قالت ، اُقعُدْ ثكلتك أُمّك حتّى اُحدّثك بحديث سمعتُه من رسولِ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثمّ اختَرْ لنفسِك :
    إنّا كنّا عند رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تسعُ نسوة وكانت ليلتي ويومي من رسولِ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فدخل النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو متهلّل (2) ، أصابعُه في أصابعِ علي واضعاً يدَه عليه ، فقال يا اُمّ سلمة أُخرجي من البيت وأخليه لنا فخرجتُ ، وأَقبلا يتناجيان أسمعُ الكلامَ وما أدري ما يقولان ، حتّى إذا [ قلت قد انتصف النهار ] قمتُ فأتيتُ الباب (3) فقلتُ ، أدخلُ يا رسولَ اللّه ؟ قال لا ،

    (1) أي يتناوله بالسبّ وسوء القول فيه والعياذ بالله تعالى كما يظهر من آخر الحديث.
    (2) أي مسرور ، يقال ، تهلّل وجه الرجل من فرحه ، أي إستنار وظهرت عليه أمارة السرور.
    (3) أثبتناه من البحار.



(366)
    فكبوتُ كَبوةً شديدة (4) مخافة أنْ يكونَ ردّني من سخطه أو نزلَ فيَّ شيءٌ من السماء ، ثمّ لم ألبثْ أنْ أتيتُ الباب الثانية فقلت ، أدخلُ يا رسولَ اللّه ؟ فقال ، لا. فكبوتُ كبوةٌ أشدَّ من الاُولى ، ثمّ لم ألبثْ حتّى أتيتُ الباب الثالثة فقلتُ ، أدخلُ يا رسولَ اللّه ؟ فقال ادخلي يا اُمّ سلمة. فدخلتُ وعلي ( عليه السلام ) جَاث بين يَديه (5) وهو يقولُ ، فداك أبي واُمّي يا رسولَ اللّه إذا كان كذا وكذا فما تأمرُني ؟ قال ، آمرك بالصّبر ، ثمّ أعادَ عليه القولَ الثانية ، فأمره بالصبر ، فأعادَ عليه القولُ الثالثة فقال له :
    يا علي ! يا أخي ! إذا كان ذاك منهُم فسُلَّ سيفَك وضَعْهُ على عاتقِك واضرِبْ به قِدْماً قِدْماً حتّى تلقاني وسيفُك شاهرٌ يقطرُ من دمائِهم ، ثمّ التفتَ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إليّ فقال لي ، واللّهِ ما هذه الكآبةُ يا اُمّ سلمة ؟ قلت ، للذي كانَ من ردّك لي يا رسولَ اللّه. فقال لي ، واللّهِ ما رددتُكِ من مَوْجدِة (6) وإنّك لعلى خير من اللّهِ ورسولِه ، لكن أتيتيني وجبرئيلُ عن يميني وعليٌ عن يساري وجبرئيل يخبرني بالأحداثِ التي تكونُ من بعدي وأمرني أنْ اُوصي بذلك علياً ، يا اُمُّ سلمة ! إسمعي وإشهدي ، هذا علي ابن أبي طالب أخي في الدنيا وأخي في الآخرة ، يا اُمّ سملة إسمعي وإشهدي ، هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة يا اُمّ سلمة إسمعي وإشهدي ،

    (4) يقال كبا لوجهه يكبو كبواً أي سقط.
    (5) من الجثو بمعنى الجلوس على الركبة وأطراف الأصابع.
    (6) أي من غضب ، يقال وجد عليه مَوْجدة أي غضب عليه.



(367)
هذا علي بن أبي طالب حاملُ لوائي في الدنيا وحاملُ لوائي غداً في القيامةِ ، يا اُمَّ سلمة إسمعي وإشهدي ، هذا علي بن أبي طالب وصيّي ، وخليفتي من بَعدي ، وقاضي عِداتي والذائدُ (7) عن حوضي ، يا اُمّ سلمة إسمعي وإشهدي ، هذا علي بن أبي طالب سيّدُ المسلمينَ ، وإمامُ المتّقينَ ، وقائدُ الغرِّ المحجّلينَ ، وقاتلُ الناكثينَ (8) والقاسطينَ (9) والمارقينَ (10). قلتُ يا رسولَ اللّه ، مَن الناكثُون ؟ قال ، الذين يبايعونَه بالمدينةِ وينكثُون بالبصرةِ قلتُ ، مَن القاسطون ؟ قال معاويةُ وأصحابُه مِنْ أهلِ الشام ، قلت ، مَن المارقوُن ؟ قال ، أصحابُ النهروان. فقال مولى اُمّ سلَمة ، فرّجتِ عنّي فرّجَ اللّهُ عنكِ ، واللّهِ لا سَبَبْتُ علياً أبداً (11).

    (7) من الذَّود وهو الطرد ، أي يطرد الأعداء عن الحوض يوم القيامة.
    (8) الذين نكثوا البيعة ، وهم أصحاب الجمل.
    (9) أي الجائرين ، وهم أصحاب صفّين.
    (10) أي الخارجين عن الدين ، وهم أهل النهروان ذو الثدية وابن وهب وأصحابهما.
    (11) الأمالي ، ص 311 ، المجلس الستّون ، ح 10. وعنه البحار ، ج 22 ، ص 221 ، ب 3 ، ح 1. وجاء في أمالي الشيخ الطوسي ، ص 424 ، المجلس الخامس عشر ، ح 9 ، المسلسل 952.



(368)
    الخصال ، عن الدقّاق والمكتب والسناني ، عن الأسدي ، عن النخعي ، عن عمّه النوفلي ، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي والسكوني جميعاً ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ( عليهم السلام ) قال ، إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وكان فيما أوصى به أنْ قال له :
    يا علي ، مَن حفظ من اُمّتي أربعينَ حديثاً (1) يطلبُ بذلكَ وجهَ اللّهِ عزَّوجلّ والدارَ الآخرة (2) ، حشرهُ اللّهُ يومَ القيامةِ مع النبيينَ والصدّيقينَ والشهداءِ والصالحينَ وحَسُنَ اُولئكَ رفيقاً.
    فقال علي ( عليه السلام ) ، يا رسولَ اللّه ! أخبِرْني ما هذه الأحاديث ؟

    (1) حَفِظَ يحفَظُ على وزن عِلمَ يعلَم ومصدره الحفظ بكسر الحاء بمعنى الحفاظة عن الإندراس ، ولعلّه أراد بالحِفظ هنا ما يعمّ الحفظ عن ظهر القلب ، والكتابة ، والنقل بين الناس ولو من الكتاب ، وهذا أظهر الوجوه المحتملة في المقام ، وقيل أراد بالحفظ ما كان عن ظهر القلب (1).
    (2) أي قربة إلى الله تعالى وطلباً لثواب الآخرة لا للأغراض الدنيوية.

1 ـ مجمع البحرين ، ص 368.

(369)
فقال (3) ، أنْ تؤمنَ باللّهِ وحدَه لا شريك له ، وتعبده ولا تعبد غيرَه ، وتقيمَ الصلاة بوضوء سابغ (4) في مواقيتِها ولا تؤخرَها فإنّ في تأخيرِها مِن غيرِ علّة غضبُ اللّهِ عزّوجلّ ، وتؤدّيَ الزكاةَ ، وتصومَ شهرَ رمضان ، وتحجَّ البيتَ إذا كان لك مالٌ وكنتَ مستطيعاً ، وأنْ لا تَعُقَّ والدَيك (5) ، ولا تأكلَ مالَ اليتيمِ ظُلماً ، ولا تأكلَ الرّبا ، ولا تشربَ الخَمرَ ولا شيئاً من الأشربةِ المسكرة ، ولا تزني ، ولا تلُوطَ ، ولا تمشي بالنميمة ، ولا تَحلفَ باللّهِ كاذباً ، ولا تسرقَ ، ولا تشهدَ شهادةَ الزُّور لأحد قريباً كان أو بعيداً ، وأنْ تقبلَ الحقَّ ممّن جاء بهِ صغيراً كان أو كبيراً ، وأنْ لا تركَنَ إلى ظالمِ ...

    (3) بَيّن صلوات الله عليه وآله لأمير المؤمنين أربعين حديث حكمة وموعظة في العقيدة والعمل للدنيا والآخرة.
    واعلم أنّه عقد العلاّمة المجلسي باباً في فضل حفظ أربعين حديثاً تلاحظه في البحار (1) من ذلك انّه يبعثه الله تعالى يوم القيامة عالماً فقيهاً وتشمله الشفاعة.
    والحديث الجامع للأربعين حديث هو حديث الوصيّة هذه التي ينبغي حفظها ليُعدّ الإنسان من حفظة الأربعين.
    (4) إسباغ الوضوء هو إتمامه وإكماله وإفاضة الماء فيه كاملا ، وإيصاله إلى مواضعه شاملا ، وإيفاء كل عضو حقّه.
    (5) يقال ، عقّ الولد أباه ، إذا آذاه ، وعصاه ، وترك الإحسان إليه ، وأصله من العقّ وهو الشقّ والقطع كما تقدّم.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 2 ، ص 153 ، ب 20 ، الأحاديث.

(370)
وإنْ كان حميماً (6) قريباً ، وأنْ لا تعملَ بالهَوى ، ولا تقذفَ المحصِنةَ (7) ، ولا تُرائي فإنّ أيسرَ الرّياءِ شركٌ باللّهِ عزّوجلّ ، وأنْ لا تقولَ لقصير ياقصير ولا لطويل ياطويل تريدُ بذلكَ عيبَه ، وأنْ لا تسخرَ من أحد من خَلقِ اللّه ، وأنْ تصبرَ على البلاءِ والمصيبة ، وأنْ تشكرَ نعمَ اللّهِ التي أنعمَ بها عليكَ ، وأنْ لا تأمنَ عقابَ اللّهِ على ذنب تصيبه ، وأنْ لا تقنطَ من رحمةِ اللّه ، وأنْ تتوبَ إلى اللّه عزّوجلّ من ذنوبِك فإنَّ التائبَ من ذنوبِه كمَن لا ذنبَ له ، وأنْ لا تُصرَّ على الذنوبِ (8) مع الإستغفارِ فتكون كالمستهزىءِ باللّهِ وآياتِه ورسِله ، وأنْ تعلمَ أنّ ما أصابك لم يكنْ ليخطئك وأنّ ما أخطأك لم يكُ ليصيبك ، وأنْ لا تطلب سخطَ الخالقِ برضى المخلوق ، وأنْ لا تُؤثر الدنيا (9) على الآخرةِ لأنّ الدنيا فانيةٌ والآخرةُ باقية ، وأنْ لا تبخلَ على إخوانِكَ بما تقدرُ عليه ، وأنْ تكونَ سريرتُك كعلانيتِك ، وأن لا تكونَ علانيتُك حسنةً وسريرتُك قبيحة ، فإنْ فعلتَ ذلكَ كنتَ من المنافقين ، وأنْ لا تكذبَ ،

    (6) الحميم هو القريب في النسب.
    (7) قذف المحصنة هي رمي المرأة ذات البعل بالفحشاء ، وأصل الإحصان ، المنع ، وأحصنت المرأة ، إذا تزوّجت فهي مُحصِنة.
    (8) الإصرار على الذنب هي مداومته والإقامة عليه ، والإصرار على الذنب ذنبٌ آخر.
    (9) أي لا تقدّم ولا تفضّل الدنيا على الآخرة خصوصاً فيما دار الأمر بينهما ، وحصل في عمل تعارضهما.



(371)
وأنْ لا تخالطَ الكذّابين ، وأنْ لا تغضب إذا سمعتَ حقّاً ، وأنْ تؤدِّبَ نفسَك وأهلَك وولدَك وجيرانَك على حسب الطّاقة ، وأنْ تعملَ بما علمتَ ، ولا تعاملنّ أحداً من خلقِ اللّه عزّوجلّ إلاّ بالحقّ ، وأنْ تكونَ سهلا (10) للقريبِ والبعيد ، وأن لا تكونَ جبّاراً عنيداً وأنْ تُكثِرَ من التسبيحِ ، والتهليلِ ، والدعاءِ ، وذِكْرِ الموت ، وما بعدَه من القيامةِ والجنّةِ والنار ، وأنْ تُكثرَ من قراءةِ القرآنِ وتعمل بما فيه ، وأن تستغنِمَ البِرَّ والكرامةَ بالمؤمنينَ والمؤمنات ، وأنْ تنظرَإلى كلِّ ما لا ترضى فعلَه لنفسِك فلا تفعلْه بأحد من المؤمنين (11) ، ولا تملَّ من فعلِ الخير ، وأنْ لا تُثقلَ على أحَد ، وأن لا تمنَّ على أحد إذا أنعمتَ عليه ، وأنْ تكونَ الدّنيا عندَك سجْناً حتّى يجعلَ اللّهُ لك جنّة (12).
    فهذه أربعون حديثاً (13) مَنْ استقامَ عليها وحفِظها عنّي من اُمّتي دخلَ الجنّةَ برحمةِ اللّه ،

    (10) سَهُل الشيء خلاف صَعُب ، وأرضٌ سهلة أي لا صلابة فيها.
    (11) وهذه الحكمة كأخواتها من أبلغ المواعظ الجامعة التي إنْ عُمل بها انتشر الخير والصلاح والسداد ، وارتفع الشرّ والشقاق والفساد ، بالنسبة إلى كلّ جماعة وعائلة ، بل كلّ اُمّة ودولة ، بل كلّ البشرية جمعاء.
    (12) فإنّ الدنيا بالنسبة إلى الاُخرى وبلحاظ نعيم الآخرة تُعد سجناً للمؤمن وإنْ كانت جنّةً للكافر وجميلةً في الظاهر.
    (13) أي أربعون رواية مجموعة ، وقد إشتمل بعضها على حِكَم متعدّدة وأحكام عديدة.



(372)
وكانَ من أفضلِ النّاس وأحبّهم إلى اللّه عزّوجلّ بعد النبيينَ والوصيّين ، وحشرهُ اللّهُ يومَ القيامةِ مع النبيينَ والصدّيقينَ والشهداءِ والصالحينَ وحَسُنَ اُولئكَ رفيقاً (14).

    (14) الخصال للشيخ الجليل الأقدم الصدوق ( قدس سره ) ، ص 543 ، باب الأربعين ، ح 19. وعنه بحار الأنوار ، ج 2 ، ص 154 ، ب 20 ، ح 7.


(373)
    الخصال ، حدّثنا أبو أحمد هانيء بن محمود بن هانىء العبدي ، قال ، حدّثنا أبي ، قال حدّثنا أبو الحسن محمّد بن محمّد بن الحسن القادري ، قال حدّثنا أبو محمّد عبدوس بن محمّد البلغاشاذي ، قال حدّثنا منصور بن أسد ، قال ، حدّثنا أحمد بن عبدالله ، قال أخبرنا إسحاق بن يحيى ، عن خصيف بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال :
    أَقبل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسأله شيئاً ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    يا علي ، والذي بعثني بالحقِّ نبيّاً ما عندي قليلٌ ولا كثيرٌ ، ولكنّي أُعلّمكَ شيئاً أتاني به جبرئيلُ خليلي فقال يا محمّد ، هذه هديةٌ لكَ من عندِ اللّهِ عزّوجلّ ، أكرمَكَ اللّهُ بها ، لم يُعطِها أحداً قبلَك من الأنبياءِ وهي تسعةُ عَشَرَ حرفاً (1) ، لا يدعُو بهنَّ ملهوفٌ ولا مكروبٌ ولا محزونٌ ولا مغمومٌ ، ولا عندَ سرق ولا حرق ، ولا يقولهنّ عبدٌ يخافُ سلطاناً إلاّ فرّجَ اللّهُ عنه ، وهي تسعةُ عَشَر حرفاً ، أربعةٌ منها مكتوبةٌ على جَبهةِ إسرافيل ، وأربعةٌ منها مكتوبةٌ على جَبهةِ ميكائيل ، وأربعةٌ منها مكتوبةٌ حولَ العرشِ ، وأربعةٌ منها مكتوبةٌ على جَبهةِ جبرئيل ،

    (1) لعلّ التسعة عشر بلحاظ إنتظامها تسع عشرة جملة دعائية.


(374)
وثلاثةٌ منها حيثُ شاءَ اللّه.
    فقال عليُّ بنَ أبي طالب ( عليه السلام ) كيفَ ندعُو بهنّ يا رسولَ اللّه ؟
    قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قل :
    « يا عمادَ مَن لا عمادَ له ، ويا ذُخرَ مَن لا ذُخرَ له ، ويا سَنَدَ مَن لا سَنَدَ له ، ويا حرزَ مَن لا حرزَ له ، ويا غياثَ مَن لا غياثَ له ، ويا كريمَ العَفو ، ويا حَسَنَ البلاء ، ويا عظيمَ الرّجاء ، ويا عونَ الضُّعفاء ، ويا مُنقذَ الغَرقى ، ويا مُنجيَ الهَلْكى ، يا محسنُ ، يا مُجملُ ، يا مُنعمُ ، يا مُفْضِل ، أنتَ الذي سَجَدَ لكَ (2) سوادُ اللَّيلِ ، ونورُ النهارِ ، وضوءُ القمرِ ، وشُعاعُ الشّمسِ ، ودَويُّ الماءِ ، وحَفيفُ الشَّجرِ ، يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، أنتَ وحَدكَ لا شريكَ لكَ ـ ثمّ تقول ـ اللّهُمَّ افعلْ بي ـ كذا وكذا ـ » ، فانّكَ لا تقومُ من مجلسِكَ حتّى تستجابُ لكَ ان شاءَ اللّه (3).

    (2) قال الشيخ الطريحي ، السجود في اللغة ، الميل والخضوع والتطامن والإذلال ، وكلّ شيء ذلّ فقد سجد ... قال سبحانه في سورة الحجّ الآية 18 ، ( ألَمْ تَرَ أنَّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن في السّماواتِ ومَنْ في الأرضِ والشَمسُ والقَمرُ والنُّجومُ والجِبالُ والشَجَرُ والدَّوابُّ وكثيرٌ مِنَ النّاسِ وكثيرٌ حَقَّ عليهِ العَذابُ ومَنْ يُهِنِ اللّهُ فما لَهُ مِن مُكرِم إنَّ اللّهَ يفْعَلُ ما يَشاء ) (1).
    (3) الخصال ، ص 510 ، باب التسعة عشر ، ح 1.

1 ـ مجمع البحرين ، ص 209.

(375)
    الخصال ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، وأحمد بن محمّد بن الهيثم العجلي ، وعلي ابن أحمد بن موسى ، ومحمّد بن أحمد السناني ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب ، وعلي بن عبدالله الورّاق رضي الله عنهم قالوا ، حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، عن بكر بن عبدالله بن حبيب ، قال حدّثنا محمّد بن زكريا ، قال حدّثنا عبدالله بن الضحّاك ، قال حدّثنا زيد بن موسى بن جعفر عن أبيه عن جدّه عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    يا علي ، بَشّر شيعتَك وأنصارَك بخصال عَشْر :
    أوّلُها ، طيبُ المَوْلِد ، وثانيها ، حسنُ إيمانِهم باللّه ، وثالثُها ، حبُّ اللّهِ عزّوجلّ لهُم ، ورابُعها ، الفُسْحةُ في قبورِهم ، وخامسُها ، النورُ على الصّراطِ بينَ أعينِهم ، وسادسُها ، نزعُ الفقرِ من بين أعينهم (1) ، وغنى قلوبهم ، وسابُعها ، المقتُ من اللّهِ عزّوجلّ لأعدائِهم ، وثامنُها ، الأمنُ من الجُذام (2).

    (1) فهم يرون أنفسهم أغنياء بولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكفى بها غنىً وثروة وكنزاً لا يُستبدل بها كلّ غال ونفيس.
    (2) هذا المقدار من النسخة الحجرية ، لكن في النسخة الحروفية المطبوعة بقم
وصايا الرسول لزوج البتول ::: فهرس