وصايا الرسول لزوج البتول ::: 451 ـ 465
(451)
    الجعفريات ، أخبرنا عبدالله ، أخبرنا محمّد ، حدّثني موسى ، قال حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه علي بن الحسين عن أبيه عن علي ( عليهم السلام ) قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    يا علي إيّاكَ واللّؤم (1) فإنَّ اللّؤمُ كفرٌ والكفر في النار ، وعليكَ بالبِرّ وبالسرّ والكَرَم فإنَّ السرَّ والكَرَم (2) يذيبُ الخطايا كما تذيبُ الشمسُ الجليدَ (3) ، إنّ اللّهَ تعالى يقولُ ، أنا اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنا ، وعزّتي وجَلالي ، لا يدخلُ جَنّتي لئيم (4).

    (1) لؤْم الرجل وهو لئيم أي دني الأصل شحيح النفس ، فاللؤم هو الشحّ والبُخل ، ولاحظ أحاديث ذمّ الشحّ والبخل في بابه (1).
    (2) في المستدرك ( فإنّ البرّ والسرّ والكرم ).
    (3) الجليد هو الثلج والماء الجامد بسبب البرد.
    (4) الجعفريات ، ص 151. وعنه المستدرك ، ج 7 ، ص 28 ، ب 5 ، ح 7 ، المسلسل 7558.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 73 ، ص 299 ، ب 136 ، الأحاديث.

(452)
    الجعفريات ، أخبرنا عبدالله ، أخبرنا محمّد ، حدّثني موسى ، قال ، حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين ( عليهم السلام ) أنّ رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعثَ مع علي ( عليه السلام ) ثلاثينَ فَرَساً في غزاةِ السَلاسل (1) فقال :
    يا علي ، أتلو عليكَ آيةً في نفقةِ الخيل ، ( الذّينَ يُنفقُونَ أموالَهُم باللَّيلِ والنَّهارِ سِرّاً وعَلانيَةً ) (2).

    (1) غزوة ذات السلاسل بفتح السين الاُولى كما هو المشهور ، وضبطه الجزري في النهاية بضمّ السين الاُولى (1) ، وهي الغزوة التي وقعت بوادي الرمل ، الذي يبعد عن المدينة المنوّرة بخمس مراحل وشُدّ بعض الأعداء فيه بالسلاسل (2) ، نزلت عندها سورة العاديات حين بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً ( عليه السلام ) إلى ذات السلاسل (3).
    (2) سورة البقرة ، الآية 274.

1 ـ سفينة البحار ، ج 4 ، ص 219.
2 ـ منتهى الآمال ، ج 1 ، ص 81.
3 ـ مجمع البيان ، ج 10 ، ص 528.


(453)
    يا علي ، هي النفقةُ على الخَيلِ يُنفقَ الرّجلُ سرّاً وعلانيَة (3) (4).

    (3) وورد هذا المضمون في حديث الراوندي طيّب الله مثواه (1) ، وجاء نظيره في حديث الدعائم أنّ رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ، « يا علي ، النفقة على الخير المرتبطة في سبيل الله هي النفقة التي قال الله عزّوجلّ : ( الّذينَ يُنفِقُونَ أموالَهُم باللّيلِ والنَّهارِ سِرّاً وعَلانيَة ) » (2).
    (4) الجعفريات ، ص 86. وعنه المستدرك ، ج 8 ، ص 253 ، ب 2 ، ح 1 ، المسلسل9377.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 21 ، ص 67 ، ب 25 ، ح 1.
2 ـ دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 344.


(454)
    الجعفريات ، أخبرنا عبدالله ، أخبرنا محمّد ، حدّثني موسى ، قال ، حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال ، لمّا بعثني رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى اليمنِ قال :
    يا علي ، لا تُقاتلَنَّ أحداً حتّى تدعُوهُ إلى الإسلامِ ، واللّهِ لئن يَهدِيَنَّ اللّهُ على يديَك رجلا خيرٌ لك ممّا طَلَعتْ عليهِ الشَّمسُ وغَرُبَت ، وَلكَ وِلاهُ (1) يا علي (2).

    (1) أي تكون أنت وليُّه ومولاهُ كما كنتَ مرشده وهاديه فتكون الهداية والدعوة إلى الإسلام قبل المقاتلة.
    فان حصلت الهداية كان الخير الأعظم ، وكان الولاء لمولى المؤمنين ( عليه السلام ).
    (2) الجعفريات ، ص 77. عنه المستدرك ، ج 11 ، ص 30 ، ب 9 ، ح 1 ، المسلسل 12357.



(455)
    الجعفريات ، أخبرنا عبدالله ، أخبرنا محمّد حدّثني موسى قال ، حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين ، عن أبيه أنّ علياً ( عليه السلام ) اشتكى عينيَه فعادَهُ رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإذا علي ( عليه السلام ) يصيحُ فقال لهُ النبيُّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أجَزَعاً أم وَجَعاً ؟ فقال علي ( عليه السلام ) ، ما وجعتُ وَجَعاً قطُّ أشقّ (1) منه. فقال :
    يا علي ، إنَّ مَلَكَ الموتِ إذا نزلَ لقبضِ روحِ الفاجر نزلَ معه بسَفّود (2) من نار ، فنزعِ روحَه فتصيحُ جهنّمُ ، فاستوى عليٌّ ( عليه السلام ) جالساً ، فقال ، يا رسولَ اللّهِ هل يصيبُ ذلكَ أحداً من اُمّتِك ؟ فقال ، نعم ، حاكمٌ جائر ، وآكلُ مالِ اليتيمِ ، وشاهدُ الزّور (3) (4).

    (1) في المستدرك ( أشدّ ).
    (2) سَفُّود بفتح السين وتشديد الفاء على وزن تنّور هي الحديدة التي يشوى بها اللحم ، المعروف بالصيخ (1).
    (3) الزور هو الكذب والباطل ، مأخوذ من التزوير بمعنى التحريف.
    (4) الجعفريات ، ص 146. وعنه المستدرك ، ج 17 ، ص 356 ، ح 1 ، المسلسل 21569. وورد مع إختلاف يسير بطريق الشيخ في التهذيب ، ج 6 ، ص 224 ، ب 87 ، ح 27 ، المسلسل 537. والوسائل ، ج 18 ، ص 166 ، ب 12 ، ح 1.

1 ـ مجمع البحرين ، ص 210.

(456)
    إرشاد القلوب ، في مرفوعة الشيخ المفيد إلى أنس بن مالك قال ، كنت أنا وأبو ذرّ وسلمان وزيد بن أرقم عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذ دخل الحسن والحسين ( عليهما السلام ) فقبّلهما رسول الله ، وقام أبو ذرّ فانكبّ عليهما وقبَّل أيديهما ثمّ رجع فقعد معنا فقلنا له ، سِرٌّ يا أبا ذرّ ، أنت رجل شيخ من أصحاب رسول الله تقوم إلى صبيين من بني هاشم فتنكبّ عليهما وتقبّل أيديهما ؟
    فقال ، نعم لو سمعتم ما سمعت فيهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لفعلتم لهما أكثر ممّا فعلت أنا ، فقلت ، وما سمعت يا أبا ذرّ ، قال ، سمعته يقول لعلي ( عليه السلام ) ولهما :
    يا علي ، واللّهِ لو أنّ رجلا صلّى وصامَ حتّى يصيرُ كالشنِّ البالي ـ أي القربة الخَلِقَة ـ إذاً ما نفَعْتُه صلاتُه ولا صومُه إلاّ بحبِّكم.
    يا علي ، من تَوسّلَ إلى اللّهِ جلَّ شأنُه بحبِّكم ، فحقّ على اللّهِ ان لا يردَّهُ.
    يا علي ، من أحبّكم وتمسّكَ بكُم فقد تَمسّكَ بالعُروةِ الوثقى.
    قال ، ثمّ قامَ أبو ذرّ وخَرج ، فتقدَّمْنا إلى رسولِ اللّهِ فقلنا ، أخبَرَنا أبو ذرّ عنكَ بكَيت وكَيت ، فقال ، صدقَ أبو ذرّ ، وصدقَ واللّهِ أبو ذرّ ، ما أظلَّتِ الخضراءُ ولا أقلَّتِ الغبراءُ (1) على ذي لَهجة أَصدَق من أبي ذرّ ،

    (1) أي ما أظلَّت السماء ولا حملت الأرض إذ تسمّى السماء بالخضراء لأنّها تعطي الخضرة في لونها ، وكذلك تسمّى الأرض بالغبراء لأنّها تعطي الغُبرة في لونها.


(457)
    ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، خلقني اللّهُ تباركَ وتعالى وأهلَ بيتي من نور واحد قبل أن يخلقَ آدمُ ( عليه السلام ) بسبعةِ آلافِ عام ، ثمّ نقَلنا إلى صُلبِ آدمَ ( عليه السلام ) ثمّ نقَلنا من صُلبِه إلى أصلابِ الطاهرينَ إلى أرحامِ الطاهراتِ ، فقلنا ، يا رسولَ اللّهِ فأينَ كُنتم وعلى أي مثال كنتم ، قال ، أشباحاً من نُور (2) تحتَ العرشِ نسبّحُ اللّهَ تعالى ونقدّسُه ونمجّدُه (3).

    (2) أي أبدانٌ نورانية بل أرواح ، فقد خلقهم الله تعالى أنواراً ، وجعلهم بعرشه محدقين ، وقد تظافرت وتواترت الأحاديث الشريفة في خلقتهم النورانية فلاحظ (1).
    (3) إرشاد القلوب ، ص 415.

1 ـ اُصول الكافي ، ج 1 ، ص 389 ، باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم ( عليهم السلام ). وبحار الأنوار ، ج 25 ، ص 1 ، باب 1 ، المشتمل على 46 حديثاً.

(458)
    إرشاد القلوب ، جاء في حديث حذيفة بن اليمان أنّه :
    أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خادمةً لاُمّ سلمة فقال ، اجمعي لي هؤلاء يعني نسائه فجمعتُهنّ له في منزل اُمّ سلمة ، فقال لهنّ ، اسمعن ما أقول لكُنّ :
    وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال لهنّ ، هذا أخي ووصيي ووارثي والقائم فيكُنَّ وفي الاُمّة من بعدي ، فأَطِعْنَه فيما يأمركُنَّ به ، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته. ثمّ قال :
    يا علي ، اُوصيكَ بهنَّ فأمسِكْهنَّ ما أطعنَ اللّهَ وأطعْنَكَ ، وأنفِقْ عليهنَّ من مالكَ ، وامُرهُنَّ بأمركَ ، وانهنَّ عمّا يُريبك ، وخلِّ سبيلهنَّ إن عصينَك ، فقال علي ( عليه السلام ) ، يا رسولَ اللّهِ إنّهُنَّ نساء ، وفيهن الوهن وضعفُ الرأي ، فقال ، ارفقْ بهنَّ ما كان الرفُق أمْثَل.
    فمن عصاكَ منهنَّ فطلّقْها طلاقاً يَبْرأ اللّهُ ورسولُهُ منها (1).

    (1) وهذا من مختصاته صلوات الله عليه وآله.
    وقد روي حتّى من طرق العامّة أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جعل طلاق نسائه إلى علي ( عليه السلام ) فيما رواه أبو الدرعل ، المرادي وصالح مولى التومة عن عائشة (1).

1 ـ بحار الأنوار ، ج 38 ، ص 74.

(459)
.........................

    وجاء في الحديث المروي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) انّه ، « لمّا كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والله ما أراني إلاّ مطلّقها ، فأنشد الله رجلا سمع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ، يا علي ، أمر نسائي بيدك من بعدي ، لما قام فشهد ؟ فقال :
    فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريان فشهدوا ، أنّهم سمعوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، يا علي ، أمر نسائي بيدك من بعدي ، قال ، فبكت عائشة عند ذلك حتّى سمعوا بكاءها ، فقال علي ( عليه السلام ) ، لقد أنبأني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنبأ فقال ، إنّ الله تعالى يمدّك يا علي يوم الجمل بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين » (1).
    ومعنى تطليقهنّ بعد وفاة النبي هو إسقاطهنّ من شرف الاُمومة ، مضافاً إلى تبري الله ورسوله منهنّ كما يستفاد من أسئلة سعد بن عبدالله الأشعري القمّي من مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه.
    ففي حديث الشيخ الصدوق ، عن محمّد بن علي بن محمّد النوفلي ، عن الوشاء ، عن أحمد بن طاهر القمّي ، عن الشيباني ، عن أحمد بن مسرور ، عن سعد بن عبدالله القمّي ، قال ، سألت الحجّة القائم ( عليه السلام ) ...
    قلت ، فأخبرني يابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوّض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حكمه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ؟
    قال ، إنّ الله ( تقدّس إسمه ) عظّم شأن نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فخصّهنّ بشرف الاُمّهات ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يا أبا الحسن إنّ هذا الشرف باق لهنّ ما دُمْن لله

1 ـ الإحتجاج ، ج 1 ، ص 240.

(460)
قال ، كلُّ نساءِ النبيّ قد صَمَتْن فما يَقُلْنَ شيئاً ، فتكلَّمَتْ عائشة فقالت ، يا رسولَ اللّه ما كنّا لتأمرنا بشَيء فنخالفَه إلى ما سواه ، فقال لها ، بلى قد خالفتِ أمْري أشدَّ خلاف وأيْمُ اللّه لتخالفين قولي هذا ، ولتعصينَّهُ بعدي ، ولتخرجينَ من البيتِ الذي أُخلُفكِ فيه ، متبرّجةً فيه قد حَفَّ بكِ فئاتٌ من الناسِ ، فتخالفينَهُ ظالمةً له ، عاصيةً لربّكِ ، ولتنبحنَّك في طريقك كلابُ الحَوْأبِ (2) ألا إنّ ذلكَ كائن ، ثمَّ قال ، قُمْنَ فانصرِفنَ إلى منازلكُنّ ، فقُمنَ فانصَرَفْن (3).

على الطاعة ، فأيّتهنّ عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج ، وأسقطها من شرف اُمومة المؤمنين ... (1).
    (2) الحوأب بفتح الحاء وسكون الواو وهمزة مفتوحة موضع في طريق البصرة محاذي البصرة ... موضع بئر نبحت كلابه على عائشة (2).
    (3) إرشاد القلوب ، ص 337 ، وتلاحظ نهي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عائشة عن الخروج وإعلامها بنبح كلاب الحوأب إيّاها ، وخروج الفساد منها في طرق العامّة المتظافرة مجموعةً في السبعة من السلف ، ص 173.
    وتلاحظ أحاديث تأنيب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها على ذلك من أحاديث العامّة مجموعة في هامش تلخيص الشافي ، ج 2 ، ص 133.
    ومن المناسب ملاحظة إستدلال الشيخ الطوسي ( قدس سره ) على كفر من حارب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إستدلالا بإجماع الفرقة المحقّة ، وبحديث « حربك يا علي حربي وسلمك يا علي سلمي » المتّفق عليه بين الفريقين (3).

1 ـ إكمال الدين ، ص 459 ، ب 43 ، ح 21.
2 ـ معجم البلدان ، ج 2 ، ص 314.
3 ـ تلخيص الشافي ، ج 4 ، ص 131.


(461)
    إرشاد القلوب ، في حديث سلمان الفارسي أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أقبل على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له :
    يا أخي ، إنّك ستبقى بَعدي ، وستلقى من قريش شدّةً من تظاهرِهم عليك (1) وظلمِهم لكَ ، فإن وَجدْتَ عليهم أعواناً فقاتِل من خالَفكَ بمن أطاعَكَ ووافقكَ ، وإن لم تجدْ أعواناً فاصبر وكُفَّ يدَك ولا تُلقِ بها إلى التهلكةِ ، فإنّكَ منّي بمنزلةِ هارونَ من موسى ، ولكَ بهارونَ اُسوةٌ حسنَة إذ استضعفُه قومَه وكادُوا يقتلونَه ، فاصبِر لظلِم قريش وإيّاكَ وتظاهرهِم عليكَ ، فإنّك بمنزلةِ هارونَ من موسى ومَن تَبِعهُ ، وهُم بمنزلةِ العِجْل ومَن تَبِعَه (2).
    يا علي ، إنَّ اللّهَ تباركَ وتعالى قد قضى الفُرقةَ والإختلافَ على هذهِ الاُمّةِ (3) ولو شاء لَجَمعهُم على الهُدى ...

    (1) أي من تعاونهم وتعاضدهم على إيذائك.
    (2) أي بمنزلة عجل السامري ومن تبعه من بني إسرائيل الذين خالفوا أمر موسى وعبدوا العجل.
    (3) وذلك بسبب سوء إختيارهم أنفسهم ، لا بإجبار من الله تعالى.



(462)
حتّى لا يختلفَ إثنان من هذِه الاُمّةِ ولا يُنازعَ في شيء من أمرِه ، ولا يجحَد المفضولُ ، إذ الفضلُ فضلُه ولو شاءَ لعجَّلَ النقمةَ.
    وكان منهُ التغييرُ حتّى يكذّبَ الظالمُ ويَعلمَ الحقُّ أين مصيرُه.
    ولكنّه جعلَ الدنيا دارَ الأعمالِ ، والآخرةَ دارَ القرارِ ليجزيَ الذّين أساؤُا بما عملُوا ويجزي الّذين أحسنُوا بالحُسنى (4) ، فقال ( عليه السلام ) ، الحمدُ للّهِ ، وشُكراً على نَعمائِه ، وصَبراً على بلائِه (5).

    (4) فكان بهذا الإمهال إمتحان الخلق وإختبار نواياهم وإظهار أعمالهم ، إتماماً للحجّة عليهم ولله تعالى الحجّة البالغة.
    (5) إرشاد القلوب ، ص 420.



(463)
    إرشاد القلوب ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    يا علي ، عليكَ بالبُكاءِ من خَشيةِ اللّه ، يُبنى لكَ بكُلِّ قَطرة بَيتاً في الجَنَّة (1) (2).

    (1) فللبكاء من خشية الله تعالى فضائل كثيرة وردت في الأحاديث الشريفة منها ، أنّه لا تبكي يوم القيامة عين بكت من خشية الله ، وأنّ القطرة منها تطفىء بحاراً من نار ، وأنّه تُرحم الاُمّة ببكائه ، وأنّه يكون في الرفيق الأعلى كما تلاحظه في كتاب الدعاء (1).
    ولقد كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) المثل الأعلى في هذا البكاء ، حتّى كان من شدّة البكاء يضع يده على الحائط ويصير شبيه الواله كما تلاحظه في حديث حبّة العرني ونوف البكالي (2) ، ويكفينا وصف ضرار بن ضمرة النهشلي له في حديثه المعروف الذي جاء فيه ، ( ولو رأيته إذ مَثُلَ في محرابه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، وهو قابض على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ... ) (3).
    (2) إرشاد القلوب للشيخ الجليل أبي محمّد الحسن بن محمّد الديلمي ، ص 87.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 93 ، ص 335 ، ب 19 ، الأحاديث.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 41 ، ص 23 ، ب 101 ، ح 13.
3 ـ بحار الأنوار ، ج 41 ، ص 15 ، ب 101 ، ح 6.


(464)
    جامع الأخبار ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه سأل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن تفسير الأذان (1) ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    يا علي ، الأذانُ حُجّةٌ على أُمّتي (2).
    وتفسيرُه ، إذا قالَ المُؤذّنُ ، اللّهُ أكبَرُ ، اللّهُ أكبرُ ، فإنّه يقولُ ، اللّهمَّ أنتَ الشاهدُ على ما أقولُ ، يا اُمَّةَ أحمد (3) قد حَضَرتْ الصَّلاةُ فتهيّؤُوا ودَعُوا عنكُم شُغلَ الدّنيا.
    وإذا قالَ ، أشهدُ أنْ لا إلَه إلاّ اللّهُ ، فإنّه يقولُ ، يااُمّةَ أحمد اُشهِدُ اللّهَ واُشهِدُ ملائكتَه أنّي أخبرتُكم بوقتِ الصلاةِ فتَفرّغُوا لها.
    وإذا قالَ ، أشهدُ أنَّ محمّداً رسولُ اللّهِ ، فإنّهُ يقولُ ، يَعلمِ اللّهُ ويعلمُ ملائكتُه أنّي قد أخبرتُكُم بوقتِ الصَّلاةِ ، فتفرّغُوا لها فانَّهُ خيرٌ لكم.

    (1) التفسير هو كشف المراد وإيضاح المعنى ، وتفسير الأذان هنا بمعنى بيان المراد من فصوله وإيضاح بطونه ، لا تفسير ألفاظه.
    (2) أي ممّا يحتجّ به الله تعالى على الاُمّة.
    (3) في البحار هكذا ، وفي جامع الأخبار بدل أحمد في جميع هذا الحديث جاء ، محمّد.



(465)
وإذا قالَ ، حيَّ على الصّلاةِ ، فإنّه يقولُ ، يااُمّةَ أحمد ، دينٌ قد أظهرُه اللّهُ لكُم ورسولُه فلا تُضيّعوه ، ولكنْ تَعاهُدوا (4) يغفِر اللّهُ لكم ، تَفرّغوا لصلاتِكم فإنّها عِمادُ دينِكم.
    وإذا قال ، حَيَّ على الفَلاحِ ، فإنّهُ يقولُ ، يا اُمَّةَ أحمد ، قد فتَحَ اللّهُ عليكم أبوابَ الرَّحمةِ ، فقومُوا وخذُوا نصيبَكم من الرّحمةِ تَربحُوا الدُنيا والآخرةِ.
    وإذا قالَ ، حَيَّ على خَيرِ العَمل (5) ، فإنّه يقولُ ، ترحَّمُوا على أنفسِكم ، فإنَّه لا أعلمُ لكُم عملا أفضلَ من هذِه ، فتفرّغُوا لصلاتِكم قبلَ النَّدامةِ.
    وإذا قالَ ، لا إلَه إلاّ اللّهُ ، فإنّهُ يقولُ ، يا اُمَّة أحمد إعلمُوا أنّي جعلتُ أمانةَ سبعِ سَماوات وسبعِ أرضين في أعناقِكم ، فإنْ شئتُم فاقبلُوا وإنْ شئتُم فأدبِرُوا ، فمَن أجابني فقد رَبِح ومَن لم يُجْبني فلا يضرُّني.
    ثمّ قالَ ، يا علي ، الأذانُ نورٌ ، فمن أجابَ (6) نجا ،

    (4) أي تعاهدوا هذا الدين وتحفّظوا عليه.
    (5) هكذا في البحار والمستدرك ، وقد أثبتناه هنا وإن كان في المصدر ، وإذا قال الله أكبر ، الله أكبر.
    (6) أي أجاب دعوات الأذان المتقدّمة في تفسير الأذان ، وأجاب دعواته إلى الصلاة والفلاح وخير العمل بواسطة قوله ، حيّ على الصلاة ، وعلى الفلاح ، وعلى خير العمل.
    فإنّ كلمة حيّ معناها هلُمَّ وأَقبِل ، وهي دعوة ممّن يدعو إلى الله وهو المؤذّن فتستدعي الجواب.
وصايا الرسول لزوج البتول ::: فهرس