عليّ بن أبي طالب
وروايات المسح


(266)


(267)

بعد أن بيّنّا حال الطرق الغسليّة عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، صار لابد من بيان حال الطرق المسحيّة عن علي.
والباحث المتتبع لأسانيد مرويات علي الغسليّة يعلمُ بأن أحسن الطرق فيها هي رواية عبد خير عن عليّ بن أبي طالب وهذه الرواية معارضة بما جاء عنه في المسح ، فالبحث إذن يفرض علينا أن نرى رواياته المسحيّة لنعلم قيمتها ومدى حجيتها. وإليك روايات عبد خير المسحيّة كي تقف على حقيقة الحال :

أ ـ مرويات عبد خير المسحيّة

الإسناد الأول
قال الحميدي : حدثنا سفيان (1) ، حدثني ابو السوداء (2) ـ عمروالنهدي ـ عن ابن عبد خير (3) عن أبيه (4) قال : رأيت علي بن أبي طالب يمسح ظهور قدميه ، ويقول : لولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله مسح على ظهورهما لظننت أنّ بطونهما أحق (5).
____________
(1) هو سفيان بن عيينة ، الإمام المعروف ، ابو محمد الكوفي ، احتج به الجماعة وغيرهم (انظر تهذيب الكمال 12 : 178 ، سير أعلام النبلاء 8 : 400 ، تهذيب التهذيب 4 : 117) وغيرها من المصادر.
(2) هو عمرو بن عمران ، ابو السوداء النهدي الكوفي ، احتج به النسائي وابو داود (انظر تهذيب الكمال 22 : 171 ، تهذيب التهذيب 8 : 84 ، التاريخ الكبير للبخاري 6 : الترجمة 2634) وغيرهامن المصادر.
(3) هو المسيب بن عبد خير الهمداني ، احتج به ابو داود والنسائي (انظر تهذيب الكمال 27 : 588 ، التاريخ الكبير للبخاري 7 : الترجمة 1788 ، تهذيب التهذيب 10 : 153) وغيرها من المصادر.
(4) هو عبد خير بن يزيد ، ابو عمارة الكوفي روى له أصحاب السنن الأربعة (انظر تهذيب الكمال 16 : 47 ، تهذيب التهذيب 6 : 124) وغيرها من المصادر.
(5) مسند الحميدي 1 : 26 ح 47.

(268)

الإسناد الثاني
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا إسحاق (1) ، حدثنا سفيان ، عن أبي السوداء ، عن ابن عبد خير ، عن أبيه ، قال : رأيت علياً توضّأ فمسح ظهورهما (2).

المناقشة
وهذان الإسنادان صحيحان وليس ثمة ما يوجب الطعن فيهما ، فرواتهما من أهل الصدق والأمانة ، عدول ثقات ، ضابطون ، غير مخلّطين...
فأمّا الحميدي وسفيان بن عيينة وعبد الله بن أحمد بن حنبل. فهم أئمة لايحتاجون إلى مزيد بيان.
وأمّا أبو السوداء فهو ثقة ، على ما هو صريح كثير من أهل العلم.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : ثقة (3).
وقال ابو بكر بن أبي خيثمة ، عن يحيى بن معين : ثقة (4).
وقال ابن حجر في التقريب : ثقة (5).
وقال ابو حاتم : ما بحديثه بأس (6).
ووثقه ابن نمير وغيره (7).
وأما ابن عبد خير (المسيَّب) فقد وثّقه ابن حبّان (8). وقال إسحاق بن منصور ،
____________
(1) هو مردد بين الأيلي والطالقاني ، والترديد هنا غير مضرّ لأنّ كلاهما ثقة ، محتج به (انظر تهذيب الكمال 2 : 408 ـ 411 وج 1 : 437 وج 14 : 286).
(2) مسند احمد بن حنبل 1 : 124.
(3) تهذيب الكمال 22 : 172.
(4) المصدر نفسه والجرح والتعديل 6 الترجمة 1389.
(5) تقريب التهذيب 2 : 75.
(6) تهذيب الكمال 22 : 172 ، الجرح والتعديل 6 الترجمة 1389.
(7) انظر هامش تهذيب الكمال 22 : 173.
(8) الثقات لابن حبان 7 : 497.

(269)

عن يحيى بن معين : ثقة (1).
وقال ابن حجر في التقريب : ثقة (2).
وأمّا إسحاق بن إسماعيل فلم نعثر على قول تناوله بسوء ، بل نصّ أهل العلم على توثيقه :
قال يعقوب بن شيبة : كان يحيى بن معين يوثّق إسحاق بن إسماعيل جداً (3).
وقال ابو داود : ثقة (4) ، وكذا قال الدارقطني (5).
وقال عثمان بن خرزاد : ثقة ، ثقة (6).
وأمّا عبد خير فالحديث عنه تحصيل للحاصل ؛ اذ هو ثقة عند جميع الأئمة.
نعم ذكر ابن حجر في التهذيب أنّ الأزديّ ضعفه (7) ، ولكنّ تضعيفه هذا لميتابعه عليه أحد ، على أنّه تضعيفٌ غير مفسَّر ، فلا يعارض توثيق أهل العلم له ، وقد بيّنّا سابقاً أنّ التعديل لا يعارضه الجرح غير المفسر وإن كثرة عدد الجارحين ، فكيف بانفراد الأزدي هنا !!

الإسناد الثالث
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدّثني أبي ، حدثنا وكيع (8) ، حدثنا الأعمش (9) ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير ، عن علي رضي الله عنه : قال : كنت أرى أنّ باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما ، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح ظاهرهما (10).
____________
(1) تهذيب الكمال 27 : 589 ، الجرح والتعديل 8 الترجمة 1350.
(2) تقريب التهذيب 2 : 250.
(3 ـ 5) تهذيب الكمال 2 : 412 ، تاريخ بغداد 6 : 336.
(6) تهذيب الكمال 2 : 412.
(7) تهذيب التهذيب 10 : 154.
(8) هو وكيع بن الجراح الرواسي ، ابو سفيان الكوفي ، احتج به الجماعة وغيرهم (انظر تهذيب الكمال 30 : 462 ، سير أعلام النبلاء 9 : 140 ، تهذيب التهذيب 11 : 123) وغيرها من المصادر.
(9) سيأتي الحديث عنه في الإسناد الخامس الآتي.
(10) مسند أحمد بن حنبل 1 : 95.

(270)

المناقشة
في هذا الطريق وكيع بن الجراح ، وشهرته عند أهل الحديث أبين من النهار وأوضح من الشمس ، ومثله حال باقي رجال السند اللهم إلاّ أن يقال : إنّ هذا السند لا يمكن الاحتجاج به بسبب عنعنة أبي إسحاق السبيعي المدلس عن عبد خير ، وعدم تصريحه بالسماع عنه في مكان آخر ، وهذا ما يجعل الإسناد منقطعاً ، فلا يمكن الاحتجاج به.
لكن يقال في جواب هذا الاعتراض : إنّ الكلام المتقدّم صحيح ، فيما لو أخذ هذا الطريق لوحده ، لكنّ واقع الحال أنّ لهذا الطريق أكثر من تابع صحيح ـ على ما تقدم وسيأتي ـ فالطريق إذن يمكن تصحيحه لا بنفسه بل لوجود التابع الصحيح له.

الإسناد الرابع
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني أبي ، حدثنا إسحاق بن يوسف (1) ، عن شريك (2) َ ، عن السُّدّي (3) ، عن عبد خير ، قال : رأيت عليّاً رضي الله عنه دعا بماء ليتوضأ فتمسّح به تمسحاً ، ومسح على ظهر قدميه ، ثمّ قال : هذا وضوء من لم يحدث ، ثمّ قال : لولا إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله مسح على ظهر قدميه ، رأيت أنّ بطونهما أحقّ ، ثمّ شرب فضل وضوئه وهو قائم ، ثمّ قال : أين الذين يزعمون أنّه لاينبغي لأحد أن يشرب قائماً (4).
____________
(1) هو إسحاق بن يوسف ، القرشي ، المخزومي ، ابو محمد الواسطي المعروف بالأزرق ، احتج به الجماعة (انظر تهذيب الكمال 2 : 496 ، تاريخ بغداد 6 : 330 ، لابن سعد 7 : 62) وغيرها من المصادر.
(2) هو شريك بن عبد الله النخعي ، روى له الجماعة ، إلاّ أنّ البخاري أخرج له استشهاداً ومسلم في المتابعات (انظر تهذيب الكمال 12 : 462 ، تهذيب التهذيب 4 : 333 ، سير أعلام النبلاء 8 : 178) وغيرها من المصادر.
(3) هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، ابو محمد القرشي الكوفي ، الأعور ، احتج به الجماعة غير أنّ البخاري لم يخرج له شيئاً (انظر تهذيب الكمال 3 : 132 ، سير أعلام النبلاء 5 : 264 ، الجرح والتعديل1 الترجمة 184) وغيرها من المصادر.
(4) مسند أحمد بن حنبل 1 : 116.

(271)

وأخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار (1) ، عن محمد بن الأصبهاني (2) ، قال : أخبرنا شريك ، عن السدّي ، عن عبد خير ، عن عليّ رضي الله عنه : أنّه توضأ فمسح على ظهر القدم ، وقال : لولا إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله فعله لكان باطن القدم أحقّ من ظاهره.

المناقشة
وحال رجال هذا الإسناد كالتالي :
فأمّا إسحاق بن يوسف : فهو ثقة من دون نزاع من أحد ، فقد قال عثمان بن سعيد الدارمي ، عن يحيى بن معين : ثقة (3).
وسئل أحمد بن حنبل : أهو ثقة ؟ فقال : إي والله ثقة (4).
وقال العجلي : ثقة (5).
وقال أحمد بن علي : ورد بغداد وحدّث بها ، وكان من الثقات المأمونين ، وأحد عباد الله الصالحين (6).
وقال ابو حاتم : صحيح الحديث ، صدوق ، لا بأس به (7).
وأما شريك ، فهو صدوق بلا نزاع ، وثِقةُ في نفسه بلاكلام ، إلاّ أنّه أخذ عليه سوء حفظه وقلّة ضبطه.
قال يحيى بن معين : شريك ثقة إلاّ أنه لا يتقن (8) ، وقال أيضاً : شريك ثقة ،
____________
(1) شرح معاني الآثار 1 : 35 ح 159.
(2) هو محمد بن سعيد الكوفي ، ابو جعفر بن الاصفهاني ، ثقة ، احتج به البخاري والترمذي والنسائي (انظر تهذيب الكمال 25 : 272 ، تهذيب التهذيب 9 : 188 ، التاريخ الكبير للبخاري 1 : الترجمة 258) وغيرها من المصادر.
(3ـ4) تهذيب الكمال 2 : 498.
(5) تهذيب الكمال 2 : 499.
(6) تاريخ بغداد 6 : 320 ، تهذيب الكمال 2 : 499.
(7) الجرح والتعديل 1 : 1 | 238.
(8) تهذيب الكمال 12 : 468.

(272)

وهو أحبّ إليّ من أبي الأحوص وجرير (1). وقال أيضاً : هو ثقة ثقة (2).
وقال أيضاً : صدوق ، ثقة ، إلاّ أنّه إذا خالف فغيرُهُ أحبُّ إلينا (3). ومثله قول أحمد بن حنبل (4).
وقيل ليحيى بن سعيد القطان : زعموا أنّ شريكا إنّما خلّط بأخرة. قال : ما زال مخلّطاً (5).
وقال وكيع : لم يكن أحد أروى عن الكوفيين من شريك (6) ، ومثله قال خديج بن معاوية (7).
وقال يعقوب بن شيبة : شريك صدوق ثقة ، سيء الحفظ جدّاً (8).
وقال أيضاً : شريك صدوق ثقة صحيح الكتاب ، رديء الحفظ مضطربه (9).
وقال ابو حاتم : شريك أحبّ اليَّ من أبي الاحوص ، وقد كان له أغاليط (10).
وقال النسائي : ليس به بأس (11).
فهذه الأقوال صريحة بوثاقته وأمانته ، وهي أيضاً صريحة في سوء حفظه وقلّة إتقانه ، لكنّ سوء حفظه لا يتصوّر في رواية نقلها إسحاق بن يوسف الازرق أو عباد بن العوّام أويزيد ، لأنّ هؤلاء كانوا ينقلون عن كتابه ، الذي هو صحيح كما هو صريح يعقوب بن شيبة (12).
قال أحمد بن حنبل : إسحاق بن يوسف الأزرق ، وعباد بن العوام ، ويزيد ، كتبوا عن شريك بواسط من كتابه ، قال : قدم عليهم شريك في حفر نهر ، وكان رجلاً له عقل ـ يعني شريك ـ (13).
____________
(1ـ2) تهذيب الكمال 12 : 468.
(3ـ4) تهذيب الكمال 12 : 469.
(5ـ7) الجرح والتعديل 4 الترجمة 1602.
(8) تهذيب الكمال 12 : 471 ، تاريخ بغداد 9 : 284.
(9) تاريخ بغداد 9 : 284.
(10) الجرح والتعديل 4 الترجمة 1602.
(11) تهذيب الكمال 12 : 472.
(12) تاريخ بغداد 9 : 284.
(13) تهذيب الكمال 2 : 498 ، تاريخ بغداد 6 : 320.

(273)

وقال أحمد بن علي الأبّار : سألت عبد الحميد بن بيان عن إسحاق الأزرق ، وكيف سمع من شريك ؟ قال : سمع منه بواسط ، قلت له : في أي شيءٍ جاء إلى واسط ؟ قال : جاء في كري الأنهار ، فأخذ إسحاق كتابه ، قلت : أيهما أكثر سماعاً من شريك ، إسحاق أو يزيد بن هارون ؟ قال : إسحاق نحوٌ من ثمانية آلآف ويزيد نحوٌ من ثلاثة آلاف (1).
وعلى الإجمال فرواية إسحاق عن شريك صحيحة ، وكذا رواية شريك عن غيره إذا كانت من أصل كتابه.
وأما السُّدِّيُّ فهو الآخر ثقة في نفسه صدوق ، إلاّ أنّ أهل العلم ليّنوه : قال علي بن المديني ، عن يحيى بن سعيد القطان : لا بأس به ، ما سمعت أحداً يذكره إلاّ بخير ، وما تركه أحد (2).
وقال ابو طالب عن أحمد بن حنبل : السُّدي ثقة (3).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت يحيى بن معين عن السُّدي وإبراهيم ابن مهاجر ، فقال : متقاربان في الضعف (4).
وقال عباس الدوري : سألت يحيى بن معين عن السدّي ، فقال : في حديثه ضعف (5).
وقال ابو زرعة : لين (6).
وقال النسائي : صالح (7) ، وفي موضع آخر : لا بأس به (8).
وقال ابو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتجّ به (9).
____________
(1) تهذيب الكمال 2 : 498 ، تاريخ بغداد 6 : 320.
(2) التاريخ الكبير للبخاري 1 : 1 | 361.
(3) تهذيب الكمال 3 : 134 ، الكامل لابن عدي 1 : 278.
(4) الكامل ، لابن عدي 1 : 277.
(5) تهذيب الكمال 3 : 135.
(6) الجرح والتعديل 1 : 1 | 185 ، تهذيب الكمال 3 : 137.
(7ـ8) تهذيب الكمال 3 : 137.
(9) الجرح والتعديل 1 : 1 | 185 ، تهذيب الكمال 3 : 137.

(274)

وقال ابو أحمد بن عديّ في الكامل : له أحاديث يرويها عن عدّة شيوخ ، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق ، لا بأس به (1).
وقال العجلي : ثقة ، عالم بالتفسير ، راويةٌ له (2).
والحاصل : فإنّ القول بوثاقة السدّي هو الأقوى ، وذلك لتوثيق الإمام أحمد والعجلي إياه ومدح باقي الأئمة له ، ويبقى تليينه غير مفسَّر فلا يعارض التوثيقات الصريحة ، خصوصاً وإنّ عبد الرحمن بن مهدي ـ وهو من أساطين الرجاليين ـ غضب حين سمع يحيى بن معين يضعف السدّي (3).
وقال الحاكم في المدخل في باب الرواة الذين عيب على مسلم إخراج حديثهم : تعديل عبد الرحمن بن مهدي أقوى عند مسلم ممّن جرَّحه بجرح غير مفسّر (4).
بل الذي يظهر بوضوح هو أنّ مبعث التكلّم في السدّي كان بسبب العقائد ، فقد قال حسين بن واقد المروزي : سمعت من السدّي فما قمت حتى سمعته يشتم ابا بكر وعمر ، فلم أعد إليه (5). ولذلك حمل عليه السَّعدي فقال : هو كذابٌ شتّام (6).
وقد تنبه لذلك محقّق تهذيب الكمال فأجاد بقوله : وظاهر كلام من تكلّم فيه إنّما كان بسبب العقائد (7). ولعل الذهبي أيضاً التفت لذلك فوثقه في كتابه « من تكلم فيه وهو موثق » وقال : وثقه بعضهم (8).
فعلى ذلك يكون هذا الطريق صحيحاً بنفسه ، وإلاّ فهو صحيح بغيره لوجود التابع الصحيح له فيما تقدم وما سيأتي.
____________
(1) الكامل لابن عدي 1 : 278.
(2) انظر هامش تهذيب الكمال 3 : 137 ، 138.
(3) انظر تهذيب الكمال 3 : 135.
(4) انظر هامش تهذيب الكمال 3 : 137.
(5) انظر هامش تهذيب الكمال 3 : 138.
(6) تهذيب الكمال 3 : 135.
(7) هامش تهذيب الكمال 3 : 138.
(8) انظر هامش تهذيب الكمال 3 : 138.

(275)

الإسناد الخامس
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثنا إسحاق بن إسماعيل وابو خيثمة (1) ، قالا : حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش (2) ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير ، عن علي ، قال : كنت أرى أنّ باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح ظاهرهما (3).

المناقشة
وفي بيان حال رواة هذا الإسناد نقول :
أمّا ابو خيثمة ، فهو ثقة بلا كلام ، قال معاوية بن صالح ، عن يحيى بن معين : ثقة (4).
وقال ابو عبيد الآجري : قلت لأبي داود : ابو خيثمة حجة في الرجال ؟ قال : ماكان أحسن علمه (5) ؟.
وقال النسائي : ثقة مأمون (6).
وقال الحسين بن فهم : ثقة ثبت (7).
وقال ابو بكر الخطيب البغدادي : كان ثقة ثبتاً حافظاً متقناً (8).
وأمّا الأعمش ، فهو علاّمة الإسلام على ما قاله يحيى بن سعيد القطان (9) ،
____________
(1) هو زهير بن حرب الحرشي ، ابو خيثمة النسائي ، احتج به الجماعة إلاّ أنّ الترمذي لم يرو له شيئاً ، (انظر تهذيب الكمال 9 : 402 ، تهذيب التهذيب 3 : 342 ، التاريخ الكبير للبخاري 3 : الترجمة 375) وغيرها من المصادر.
(2) هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي ، مولاهم ، ابو محمد الكوفي الأعمش ، احتج به الجماعة وغيرهم (انظر تهذيب الكمال 12 : 76 ، سير أعلام النبلاء 6 : 226) وغيرها من المصادر.
(3) مسند أحمد 1 : 124.
(4ـ7) تهذيب الكمال 9 : 404 ، 405 ، تاريخ بغداد 8 : 482 ، 483.
(8) تاريخ بغداد 8 : 482 ، تهذيب الكمال 9 : 405.
(9) تهذيب الكمال 12 : 88 ، تاريخ بغداد 9 : 8 ، حلية الاولياء 5 : 50.

(276)

ولم يشك أحد في وثاقته ، ولكنه أُخذ عليه كثرة التدليس والإرسال (1) عموماً واضطراب روايته عن أبي إسحاق السبيعي خصوصاً (2) ، على ما هو صريح القطّان نفسه. هذا من جهة الأعمش ،
وأما من جهة أبي إسحاق فقد بيّنا لك أنّه عنعن روايته عن عبد خير وهو ممن يدلس ، فتكون روايته كالمنقطعة.
وعليه فإن كان هذا الطريق ضعيف في نفسه ، فإنّ له تابعاً صحيحاً مما تقدم ومما يأتي من مرويّات النزّال بن سبرة ، فانتظر.

الإسناد السادس
قال الدارمي : أخبرنا ابو نعيم (3) ، حدّثنا يونس (4) ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير قال : رأيت علياً توضأ ومسح على نعلين ، فوسع ثمّ قال : لولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله فعل كما رأيتموني فعلت لرأيت أنّ باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما (5).
وروى مثله الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (6) ، وليس فيه كلمة (فوسع).

المناقشة
يمكن الغمز في هذا الطريق بعنعنة أبي إسحق المدلس ولوجود يونس الموثق عند جماعة والملين عند آخرين ، وإليك أهم الأقوال فيه :
قال علي بن المديني : سمعت يحيى ، وذكر يونس بن أبي إسحاق ، فقال : كانت
____________
(1) انظر تهذيب الكمال مع هامشه 12 : 83 ـ 92.
(2) مقدمة الجرح والتعديل : 237.
(3) هو الفضل بن دكين تقدمت ترجمته في ما رواه زر بن حبيش عن عليّ بن أبي طالب في الغسل.
(4) هو يونس بن أبي إسحاق ، ابو إسرائيل الكوفي ، روى له أصحاب السن فضلاً عن الشيخين (انظر تهذيب الكمال 32 : 488 ، تهذيب التهذيب 11 : 433 ، الجرح والتعديل 9 الترجمة 1024) وغيرها من المصادر.
(5) سنن الدارمي 1 : 181 باب المسح على النعلين.
(6) مسند أحمد1 : 148.

(277)

فيه غفلة ، وكانت فيه سَجِيّة (1).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عنه ، فقال : حديثه مضطرب (2).
وقال عثمان الدارمي وإسحاق بن منصور وأحمد بن سعد بن أبي مريم ، كلهم عن يحيى بن معين : ثقة (3).
وقال النسائي : ليس به بأس (4).
وقال ابو حاتم : كان صدوقاً ، إلاّ أنّه لا يحتجّ بحديثه (5).
وذكره ابن حبان في الثقات (6) ، ووثّقه ابن سعد (7) والعجليّ وابن شاهين (8).
فأمّا قوله : (ومسح على نعلين) في المتن ، فإن عنى به المسح على القدمين ، أي أنّه مسح عليهما ورجلاه في النعلين ، فهذا صواب من القول ، ضرورة أنّ القائل بالمسح على القدمين يمكنه في الوضوء أن يمسح على القدمين حتى لو كانتا في نعلين ؛ إذ النعلين العربيين لا يحجزان من ظاهر القدم الا مقدار شراكي النعال ، وهما لا يمنعان من المسح ، وهذا واضح لمن كان له أدنى تأمل.
وإن أراد غير المسح على القدمين ـ كالمسح على النعلين حقيقةً بدون قدميه فهذا غير صحيح ، لعدم تجويز أحد من المسلمين المسح على النعلين هكذا ، فعلى هذا فلابد من عدم الركون إلى هذا التفسير الذي لا يستند إلى شيء يشفي الغليل.
وسيأتيك لاحقاً ـ كما قد تقدم عليك سابقاً ـ أسانيد أخرى موضحة أنّ مذهب علي في الوضوء هو المسح لا غير.
____________
(1) تهذيب الكمال 32 : 491 وفي الكامل ، لابن عدي 7 : 178 شجية (بالشين) وليس فيه : كانت فيه غفلة.
(2) تهذيب الكمال 32 : 492.
(3 ـ 4) تهذيب الكمال 32 : 492.
(5) الجرح والتعديل 9 الترجمة 1024.
(6) الثقات لابن حبان 7 : 650.
(7) الطبقات الكبرى لابن سعد 6 : 363.
(8) انظر هامش تهذيب الكمال 32 : 493.