زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: 91 ـ 105
(91)
حتى أرعدت خصائله (1) ثم نزل عن السرير كالفنيق (2) فقال عمرو : مَه يا أبا جعفر ؟
    فقال له عبد الله : مَه ؟ لا أمّ لك ؟ ثم قال :
أظنّ الحِلمَ دلّ عليّ قومي وقد يتجهّل الرجل الحليم
    ثمّ حسَر عن ذراعيه (3) ، وقال :
    يا معاوية ! حتى متى نتجرّع غيظك ؟
    وإلى كم الصبر على مكروه قولك ، وسيّئ أدبَك ، وذَميم أخلاقك ؟
1 ـ ذُكر في أكثر كتب اللغة : أنّ الخصائل ـ جمع خصيلة ـ : كلّ لحمة فيها عصَب. والظاهر أنّ شدة الغضب جَعلت الرجفة تظهر على ملامح عبد الله وعلى يديه وأعضاء جسمه. المحقق
2 ـ الفنيق ـ من الناقة ـ : الفحل المُقرم الذي لا يؤذي ولا يُركَب. كما عن كتاب « العين » للخليل بن أحمد ، وجاء فيه ـ أيضاً ـ ناقة فَنَق : جَسيمة وحَسَنة الخَلق.
ولعلّ تشبيه عبد الله بالفنيق .. لأنّه كان ضخم الجسم. المحقق
3 ـ أي : رَفَع أكامم ثوبه وكشف عن ذراعيه ، إستعداداً للمواجهة الشديدة والحرب الكلاميّة مع معاوية ، الذي سكت عن الموقف العدواني لعمرو ، حيث إنّ المتكلّم الذي يريد استعمال إشارات يديه أثناء الكلام الجادّ .. يَرفع أكمامه ، مع الإنتباه إلى الأكمام الواسعة الطويلة التي كانت مُتعارفة في ملابس ذلك الزمان.      المحقق


(92)
    هَبَلَتك الهبول !! (1)
    أما يَزجُرك ذمامُ المجالسة من القَذع لجليسك (2) إذا لم يكن له حرمة من دينك تَنهاك عمّا لا يَجوز لك ؟!
    أما : والله لو عطفتك أواصر الأرحام ، أو حاميتَ عن سهمك من الإسلام ما أرخَيتَ ـ لبني الإماء المُتك (3) والعَبيد المُسك (4) ـ أعراض قومك.
    وما يَجهل موضع الصَفوة إلا أهل نَجوة (5).
1 ـ هبلتك الهَبول : هَبَلَت الأمّ ولدها : ثكلته ، فهي هَبول. كما في المعجم الوسيط.
2 ـ أي : أما يَمنعُك آداب المجالسة مَن منع مَن يريد إهانة جليسك وجَرح مشاعره ؟!
3 ـ الإماء ـ جَمع أمَة ـ : العَبدة. المُتك ـ بضمّ الميم ـ : جَمع متكاء : المرأة المُفضاة : وهي التي تَمزّق منها الغشاء الفاصل بين مخرج البول ومجرى دم الحيض ـ بسبب كثرة إستقبالها للرجال !! ـ وقيل : هي المرأة التي لا تستطيع ضَبط نفسها من البول. قال الخليل بن أحمد ـ في كتاب « العين » ـ : يُقال في السبّ : يابن المَتكاء. المحقق
4 ـ المُسَك ـ جَمع مَسيك ـ : البَخيل.
5 ـ لعلّ المعنى : وما يَجهل مكانة الشرفاء إلا أصحاب النفوس الدنيئة ، ونَجوة : المحل الذي يُتغوّط فيه. وفي نسخة : وما يجهل موضع الصفوة إلا أهل الجفوة.      المحقق


(93)
    وإنّك لتعرف وشائط قريش (1) ، وصقوة عوائدها ، فلا يَدعوّنك تصويبُ ما فَرط مِن خَطاك في سفك دماء المسلمين ، ومُحاربة أمير المؤمنين ، إلى التمادي فيما قد وضح لك الصواب في خلافه ، فاقصد لمنهج الحقّ ، فقد طال عمهُك عن سبيل الرشد (2) ، وخَبطُك في دَيجور ظلمة الغيّ ، فإن أبَيت إلا أن تُتابعَنا في قُبح اختيارك لنفسك فاعفِنا عن سوء القالة فينا إذا ضمّنا وإيّاك الندي (3) ، وشأنُك وما تريد إذا خلَوت ، والله حسيبُك ، فوالله لولا ما جعل الله لنا في يديك لما أتيناك.
    ثم قال : إنّك إن كلّفتني ما لم أُطِق ساءك ما سرّك منّي مِن خُلق.
    فقال معاوية : يا أبا جعفر : اقسمتُ عليك لَتجلسنّ ، لعن الله من أخرجَ ضبّ صدرك مِن وجاره (4) ، محمولٌ لك ما قلتَ ، ولكَ
1 ـ وشائظ : السَفَلة ، أو الدُخَلاء في القوم ، لَيسوا مِن صَميمهم. كما في « لسان العرب » لابن منظور.
2 ـ عَمهُك : تَرَدّيك في الضلالة. كما يُستفاد من كتاب « العَين » للخليل بن أحمد.
3 ـ النَديّ والنادي : مجلس القوم ، والجمعُ : أندية. ويُعبّر عنه حاليّاً بـ « الديوان » و « الديوانيّة ». المحقق
4 ـ أي : أخرَج غَيظ صدرك من مكانه ، أو : مِن حلقِك. يقال : وَجَرَ فُلاناً : أي : أسمعه ما يَكره. كما في كتاب المعجم الوسيط.


(94)
عندنا ما أمّلت ، فلو لم يكن مَجدك ومَنصِبُك لكان خَلقُك وخُلُقك شافِعَين لك إلينا ، وأنت إبن ذي الجناحين وسيد بني هاشم.
    فقال عبد الله : كلا ، بل سيّدا بَني هاشم حسنٌ وحسين ، لا يُنازعهما في ذلك أحَد.
    فقال معاوية : يا أبا جعفر أقسمتُ عليك لما ذكرتَ حاجة لك قضيتها كائنةً ما كانت ، ولو ذهبت بجميع ما أملك.
    فقال : أمّا في هذا المجلس فلا.
    ثمّ انصَرف ، فأتبعه معاوية بصُرّة. (1) فقال : والله لَكأنّه رسول الله ، مشيُه وخَلقه وخُلقه وإنّه لمن شكله ، ولودَدتُ أنّه أخي بنفيس ما أملك.
    ثمّ التفت إلى عمرو فقال : أبا عبد الله ما تَراه منَعَه مِن الكلام معك ؟
    قال : ما لا خفاء به عنك.
    قال : أظنّك تقول : إنّه هابَ جوابك ، لا والله ولكنّه ازدَراك (2) واستحقَرك ولم يَرك للكلام أهلاً ، أما رأيت إقباله عليَّ
1 ـ وفي نسخة : ببَصَره.
2 ـ إزدراك : إحتَقَرك واستخفّ بك.


(95)
دونَكَ ، زاهداً بنفسه عنك.
    فقال عمرو : هل لك أن تَسمع ما أعددته لجوابه ؟
    قال معاوية : إذهب ، إليك أبا عبد الله ، فلاتَ حين جواب سائر اليوم (1) ، ونهض معاوية وتفرّق الناس. (2)

    لماذا لم يخرج عبد الله مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) ؟
    هناك سؤال قد يتبادر إلى بعض الأذهان وهو : لماذا لم يَخرج عبدالله بن جعفر مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في رِحلته إلى العراق ؟
    لإجابة هذا السؤال : هناك أكثر من إحتمال ، لأنّنا لا نَعلم ـ بالضبط ـ الجواب الصحيح ، لكنّ الذي يتبادر إلى ذهني ـ والله العالم ـ : أنّه كان من اللازم أن تَبقى بقيّة من أهل البيت في المدينة المنوّرة ، لكي لا يَنجح بنو أميّة في إكمال خطّتهم الرامية إلى استئصال شجرة آل الرسول الكريم ، وكان اللازم أن تكون تلك البقيّة في مستوى رفيع من قوّة
1 ـ أي : ليس الآن وقتُ ذكرك للجواب. أو : لا أريد أن أسمع جوابك الآن .. إلى آخر النهار.
2 ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، طبع مصر ، عام 1385 هـ ، ج 6 ص 295 ـ 297.


(96)
الشخصية والمكانة الإجتماعية .. رجالاً ونساءً ، لكي يستطيعوا المحافظة على امتداد خط الإسلام الأصيل الذي يَنحصر في آل محمد وعلي ( عليهما وآلهما الصلاة والسلام ) ولكي يكونوا على درجة جيّدة بحيث يَحسب لهم الأعداء ألف حساب ، ولا يَسهُل عليهم إبادة تلك البقيّة.
    من هنا .. فاننا نقرأ ـ اسماء ثلة من الذين بقوا في المدينة المنورة ، ولم يخرجوا مع الامام الحسين (ع). ومن جملة هذه الثلة الطيبة نقرا في القائمة.
    1 ـ عبد الله بن جعفر ، مع الانتباه الى علاقاته الديبلوماسية الظاهرية المُسبَقة مع الطاغية معاوية ، والاحترام الفائق الذي كان معاوية يُظهره له.
    2 ـ محمد بن الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) المشهور بـ « ابن الحنفيّة ».
    3 ـ السيدة أم سلمة ، زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    4 ـ أمّ هاني ، أخت الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
    5 ـ السيدة أم البنين ، قرينة الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ووالدة أشباله الأربعة.
    6 ـ السيدة المكرّمة ليلى ، قرينة الامام الحسين ( عليه


(97)
السلام ) بناءً على القول بعدم وجودها في رحلة كربلاء.
    7 ـ السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين ( عليه السلام ) حيث كانت مريضة .. مرضاً يَصعُب معه السفر.
    هذا .. وهناك احتمال بأنّ سبب عدم ذهاب عبد الله بن جعفر كان كِبَر السنّ ، ولكن قد يُضعّف هذا الاحتمال ما ثَبت ـ تاريخيّاً ـ من أن عمره ـ يومذاك ـ كان حوالي خمس وخمسين سنة ، ولا يُعتبر هذا المقدار من العمر كثيراً ، إلا إذا كانت الحياة مقرونة بعواصف نفسيّة أو جسميّة تُسرع الشيخوخة والهرم إلى الانسان.
    وهناك إحتمال ثالث ذكره البعض : أن عبد الله بن جعفر كان قد فقد بصره قبل رحلة كربلاء ، وهذا الاحتمال يَصلح سبباً وجيهاً لعدم ذهابه ، لكن بشرط أن يَثبت تاريخياً. والله العالم بحقائق الأمور.


(98)

(99)
    أولاد السيدة زينب عليها السلام
    مروان يخطب بنت السيدة زينب عليها السلام ليزيد بن معاوية



(100)

(101)
    لقد اختلف المؤرّخون في عدد أولاد السيدة زينب ( عليها السلام ) وأسمائهم.
    ففي كتاب ( إعلام الورى ) للطبرسي :
    وقيل : علي ، وعون الأكبر ، ومحمد ، وعباس ، وأمّ كلثوم (2).
1 ـ كتاب « إعلام الورى بأعلام الهدى » للطبرسي ، طبع النجف الأشرف سنة 1390 هـ ، ص 204.
2 ـ تذكرة الخواص ، لسبط ابن الجوزي ، طبع لبنان ، سنة 1401 هـ ، ص 175.


(102)
    أما محمد وعون فقد استُشهدا في نُصرة خالهما : الإمام الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء بكربلاء.
    وأمّا أم كلثوم فقد تزوّج بها ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر ، وقد استُشهد في فاجعة كربلاء.


(103)
    لقد كان البيت الأموي معقّداً بعُقدة الحِقارة النفسيّة ، بالرغم من السلطة الزمنيّة التي اغتصبوها زوراً وبهتاناً ، وظلماً وعدوانا.
    فقد كانت صفحات تاريخهم ـ خَلَفاً عن سَلَف ـ سوداء مظلمة مُدلَهمّة ، ملوّثة مشوّهة من مساويهم ومَخازيهم.
    فتلك ( حمامة ) وهي مِن جَدّات معاوية ، وكانت مِن بغايا مكّة ومن ذوات الأعلام ، أي : كان العَلَم يُرفرف على دارها ( بيت الدعارة ) لِيَعرف الزُناة ذلك ، ويقصدوها للفجور بها. (1)
1 ـ جاء ذلك في كتاب ( الطرائف في معرفة مَذاهب الطوائف ) للسيد علي بن موسى بن طاووس ، المتوفّى سنة 664 هـ. ص 501 ، طبع ايران عام 1400 هـ. وهو يَحكي ذلك عن كتاب ( المثالب ) لهشام بن محمد الكلبي ـ وهو مِن مؤلّفي العامّة ـ. وهذا نصّ كلامه : « وأمّا حمامة فهي من بعض جدّات معاوية ، وكان لها راية بـ ( ذي المجاز ) يعني مِن ذَوي الرايات في الزنا ».      المحقق

(104)
    وتلك هند ـ والدة معاوية ـ السافلة القذرة ، ذات السوابق العَفِنة ، والملَفّ الأسود ، آكلة الأكباد ، المُمتلئة حِقداً وعداءً على الإسلام والمسلمين.
    وذاك أبو سفيان : قُطب المشركين ، وشيخ المُلحدين ، ورأس كلّ فتنة ، وحامل كلّ راية رُفعت لحرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقائد كلّ جيش خرج لقتال المسلمين في أيام النبي الكريم.
    وهذا معاوية ، خَلَفُ هذا السلف ، وحصيلة هذه الجراثيم ، وثمرة تلك الشجرة الملعونة في القرآن ، وهو يعلم أنّ الناس يعلمون هذه السوابق ، ويَعرفون معاوية حقّ المعرفة. (1)
1 ـ ويَجدُر ـ هنا ـ أن نذكر ما نظمه الشاعر العظيم السيد حيدر الحلّي رحمة الله عليه ، المتوفّى سنة 1305 هـ حيثَ ينظر إلى الملفّ الأسود لبني أميّة ـ رجالاً ونساءاً ، فيُخاطبهم بقوله :
أميّة غوري في الخُمول وأنجِدي هبوطاً إلى أحسابكم وانخفاضها تطاولتموا لا عن عُلاً فتراجعوا قديمكم ما قـد علمتـم ومِثلـه فماذا الذي أحسابكم شَرُفـت به فمـا لكِ في العَلياء فـوزةُ مشهدِ فلا نسـب زاكٍ ولا طيـبُ مولد إلى حيث أنتم ، و اقعدوا شرّ مقعد حديثكـم في خـزية المُـتجـدّد فأصعدكم في الملك أشرف مصعد

(105)
    فكيف يَجبر هذا الشعور بالنقص .. الذي لا يُفارقه ؟!
    وكيف يستر هذه العيوب التي أحاطت به وغَمرته ؟
    كان الإحساس والشعور ـ بهذه السوابق العفنة ، والملفّات الوسخة ـ يحُزّ في صدر معاوية.
صلابـة أعـلاكِ الذي بَلَلُ الحيـا بَنـي عبد شمسٍ لا سقى الله حفرةً ألِمّـا تكونـي فـي فُجورك دائماً وراءَك عنهـا لا أبـاً لـكِ إنّمـا عجِبـتُ لمـن في ذلّة النعل رأسه دَعوا هاشمـاً و الفخـر يعقِد تاجه ودونكمـوا والعار ضُمـّوا غِشاءَه يُرَشّـح لكن لا لشيء سـوى الخَنا وتتـرف لكن للبغـاء نسـاؤكـم و يَسقـي بمـاءٍ حَرثكم غير واحد ذهبتـم بها شنعـاء تبقى وصومها به جفّ ، أم فـي لين أسفَلكِ الندي تضُمـّكِ والفحشـاء في شرّ مَلحَدِ بمشغلةٍ عـن غَصـب أبناء أحمد تَقـدّمتِهـا لا عـن تقـدّم سـؤدد بـه يتـراءى عاقـداً تـاج سيـّد على الجبهات المستنيرات في الندي إليكم إلى وجهٍ مـن العـار أسـود وَ ليـدكم فيمـا يـروح ويغتـدي فيُـدنَس منها فـي الدجى كلّ مرقد فكيـف لكم تُرجـى طهارة مـولد لأحسابكم خزيـاً لـدى كلّ مشـهد
    المصدر : ديوان السيد حيدر الحلي ، طبع لبنان عام 1404 هـ ، ص 70.      المحقق
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: فهرس