زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: 571 ـ 585
(571)
    على بَلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ، ومكاره تُصيبهم بأيدي أُناسٍ ينتحلون مِلّتك ، ويزعمون أنّهم من أمّتك ، بُراء من الله ومنك ، خبطاً خبطاً (1) وقتلاً قتلاً ، شتّى مصارعهم (2) نائية قبورهم ، خيرةٌ من الله لهم ولك فيهم ، فاحمَد الله ـ عز وجل ـ على خيرته ، و إرضَ بقضائه.
    فحَمِدتُ الله ، ورَضيتُ بقضائه بما اختاره لكم.
    ثم قال لي جبرئيل : يا محمد ! إنّ أخاك مُضطهدٌ بعدك ، مَغلوب على أمّتك ، متعوبٌ من أعدائك ، ثمّ مقتول بعدك ، يقتله أشرّ الخلق والخليقة ، وأشقى البريّة ، يكون نظير عاقر الناقة (3) ببلد تكون إليه هجرته ، وهو مغرَسُ شيعته وشيعة ولده ، وفيه ـ على كلّ حال ـ يكثُر بَلواهم ، ويعظم مصابهم.
1 ـ خبطاً خبطاً : أي : ضرباً ضرباً ، أو كسراً كسراً ، والخبطُ : شدّة الوَطء بأيدي الدَوابّ. كتاب « العين » للخليل بن أحمد. وقال ابن دُريد في « جَمهرة اللغة » : كلّ شيء ضربته بيدك فقد خَبَطتَه.      المحقق
2 ـ شتّى مصارعهم : متفرّقة أو مُتباعدة قبورهم. وقيل : المصارع ـ جمع مصرع ـ : هو المكان الذي يقع فيه المقتول.
3 ـ أي : عاقِرَ ( أي : قاتِل ) ناقة النبي صالح ، وإسمه « قدار » ، ويُعبّر عنه بـ « أشقى الأوّلين » أي : أشقى البشر الذين كانو قبل الإسلام. قال تعالى : « إذ انبعث أشقاها ، فقال لهم رسول الله : ناقة الله وسُقياها ، فكذّبوه فعقروها ... » ( سورة الشمس ، الآية 12 ـ 14 )


(572)
    وإنّ سبطك هذا ـ وأومأ بيده إلى الحسين (1) ـ مقتول في عصابة من ذريّتك وأهل بيتك ، وأخيارٍ من أمّتك ، بضِفّة الفرات (2) بأرضٍ يقال لها : كربلاء. من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريّتك في اليوم الذي لا يَنقضي كَربُه ، ولا تُفنى حَسرتُه.
    وهي أطيبُ بقاعِ الأرض وأعظمها حُرمةً ، يُقتلُ فيها سبطك وأهله ، وإنّها من بطحاء الجنّة.
    فإذا كان ذلك اليوم الذي يُقتَلُ فيه سبطُك وأهله ، وأحاطَت به كتائب أهل الكفر واللعنة ، تزعزعت الأرض من أقطارها ، ومادَت الجبال وكثُر إضطرابُها ، واصطفقت البحار بأمواجها ، وماجت السماوات بأهلها ، غَضَباً لك ـ يا محمد ـ ولذريّتك ، واستعظاماً لِما يُنتهكُ من حُرمتك ، ولشَرّ ما تُكافأ به في ذريّتك وعترتك.
    ولا يَبقى شيء من ذلك إلا استأذن الله ـ عز وجل ـ في نُصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجّة الله على خلقه بعدك.
    فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار ومَن
1 ـ أومَأ بيده : أشار بيده.
2 ـ الضِفّة : جانب النهر أو شاطئه. الفُرات : نَهر معروف في العراق.


(573)
فيهنّ :
    « إنّي أنا الله المَلِك القادر ، الذي لا يفوته هارب ، ولا يعجزه ممتنع ، وأنا أقدر على الإنتصار والإنتقام.
    وعزّتي وجلالي !! لأُعذّبَن مَن وَتَرَ رسولي وصَفيّي ، وانتهك حرمته ، وقَتَل عترته ، ونبذ عهده ، وظلم أهل بيته عذاباً لا أُعذّبه أحداً من العالمين ».
    فعند ذلك يضجّ كلّ شيء في السماوات والأرضين ، بِلَعنِ (1) من ظلم عترتك ، واستحلّ حُرمَتك.
    فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها (2) تولّى الله ـ عزّ وجل ـ قَبضَ أرواحها بيده ، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة ، معهم آنية من الياقوت والزمرّد ، مملوءة من ماء الحياة ، وحُلَل من حُلَل الجنّة ، وطيب من طيب الجنّة ، فغسّلوا جُثَثَهم بذلك الماء ، وألبَسوها الحُلَل ، وحنّطوها بذلك الطيب ، وصلّت الملائكة ـ صفّاً صفّاً ـ عليهم.
    ثمّ يبعث الله قوماً من أمّتك لا يعرفهم الكفّار ، لم يشركوا في تلك الدماء بقولٍ ولا فعلٍ ولا نيّة (3) ، فيُوارون أجسامهم ،
1 ـ وفي نسخة : يَلعَن.
2 ـ مضاجعها ـ هُنا ـ مصارعها ، أي : أماكن سقوط القَتيل على الأرض.      المحقق
3 ـ لعلّ الصحيح : لم يَشتركوا في تلك الدماء.      المحقق


(574)
ويقيمون رَسماً لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء ، يكون عَلَماً لأهل الحق ، وسبباً للمؤمنين إلى الفوز ، وتَحفّه ملائكة من كلّ سماء : مائة ألف مَلَك في كلّ يوم وليلة ويُصلّون عليه ، ويطوفون عليه ، ويسبّحون الله عنده ، ويستغفرون الله لمن زاره ، ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً من أمّتك ، متقرّباً إلى الله ـ تعالى ـ وإليك بذلك ، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم ويوسمون في وجوههم بمِيسَمِ (1) نور عرش الله : « هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء ».
    فإذا كان يوم القيامة سَطَعَ في وجوههم ـ من أثر ذلك الميسم ـ نور تغشى منه الأبصار ، يُدلّ عليهم ويُعرَفون به.
    وكأنّي بك ـ يا محمد ـ بيني وبين ميكائيل ، وعليٌ أمامَنا ، ومَعَنا من ملائكة الله ما لا يُحصى عددهم ، ونحن نلتقط ـ مَن ذلك الميسم في وجهه ـ من بين الخلائق ، حتى يُنجيهم الله مِن هَول ذلك اليوم وشدائده.
    وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك ـ يا محمد ـ أو قبر أخيك أو قبر سبطيك ، لا يُريد به غير الله عز وجل.
1 ـ المِيسَم : حديدة تحمى بالنار ، ثم توضع على جسم الحيوان فتكويه ، لتكون علامة لها ، لفرزها عن حيوانات القطيع الاخر ، والجمع : مَياسِم ومَواسِم. ويُقال ـ أيضاً ـ لكلّ جهازٍ يُستَعمَل لِوَضع علامة فارقة لِفَرز شيء عن شيء.      المحقق

(575)
    وسيَجتهد أُناسٌ ـ مِمّن حَقّت عليهم اللعنة من الله والسخط ـ أن يُعفوا رَسمَ ذلك القبر ، ويُمحوا أثره ، فلا يجعل الله ـ تبارك وتعالى ـ لهم إلى ذلك سبيلاً.
    ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهذا أبكاني وأحزَنَني.
    قالت زينب : فلمّا ضرب ابن ملجم ( لعنه الله ) أبي ( عليه السلام ) ورأيتُ عليه أثر الموت منه ، قلتُ له : يا أبَه حَدّثتَني أمّ أيمن بكذا وكذا ، وقد أحببتُ أن أسمعه منك.
    فقال : يا بُنيّه الحديث كما حدّثَتكِ أمّ أيمن ، وكأنّي بكِ وبنساء أهلكِ سبايا بهذا البلد ، أذلاء خاشعين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس.
    فصبراً صبراً ، فوالذي فَلَقَ الحبّة وبرأ النسمة ، ما لله على ظهر الأرض ـ يومئذ ـ وليٌّ غيركم وغير مُحبّيكم وشيعتكم.
    ولقد قال لنا رسول الله ـ حين أخبرنا بهذا الخبر ـ : « إنّ إبليس ( لعنه الله ) في ذلك اليوم يطير فرَحاً (1) فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته فيقول : يا معاشر الشياطين : قد أدركنا مِن ذريّة آدم الطلبة ، وبَلغنا في هلاكهم الغاية ، وأورَثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة ، فاجعلوا شُغلكم بِتَشكيك الناس
1 ـ ذلك اليوم : يوم قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهو يوم 10/محرم مِن سنة 61 للهجرة ، المشهور بـ « عاشوراء ».

(576)
فيهم وحَملِهم على عَداوتِهم ، وإغرائهم بهم وأوليائهم ، حتى تستَحكموا ضلالة الخَلق وكُفرهم ، ولا يَنجو منهم ناج.
    ولقد صَدَقَ عليهم إبليس ـ وهو كذوب ـ أنه لا يَنفعُ مَعَ عداوتكم عمل صالح ، ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر.
    قال زائدة : ثم قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) بعد أن حدّثني بهذا الحديث : خُذه إليك ، ما لو (1) ضَربتَ في طلبة آباط الإبل حَولاً (2) لكان قليلاً (3).
1 ـ وفي نسخة : أما لو.
2 ـ حَولاً : الحَول : السَنَة. كان البشرُ ـ في الزمن الماضي ، وقبل صُنع وسائل النقل الحديثة كالسيارات والقطارات والطائرات ـ يستعمل الدوابّ للإنتقال من مكان إلى مكان ، وللسفر من بلد إلى بلد ، وخاصة الإبل .. حيث كانت وسيلة نقل جيّدة لقطع المسافات الصحراوية ، لأنّ قدرتها على تحمّل العطش والجوع أكثر من الدواب الاخرى ، وحينما يَركب الإنسان على ظهر الإبل ( البعير ) تُحاذي قدمه إبط الإبل ، فإذا أبطأت في السير يضرب الراكب ـ أحياناً ـ بقدمه على إبط الإبل وبطنها لك تُسرع في المشي ، وبذلك يقطع مسافة أطول في مدة أقصر. فالضرب على إبط الإبل : هو كناية عن السفر من بلد إلى بلد ، وتحمّل الجوع والعطش والحرّ والبَرد ، من أجل الوصول إلى الهدف وهو البلد الآخر.      المحقق
3 ـ كامل الزيارات ، لابن قولويه المتوفى سنة 367 هـ ، ص 260 ـ 266 ، باب 88 ، ونقله عنه الشيخ المجلسي في كتاب بحار الأنوار ج 28 ، باب 2 ص 55 ـ 61.


(577)
    1 ـ روى الشيخ الطوسي باسناده عن السيدة زينب بنت علي ـ عليهما السلام ـ قالت :
    صلّى أبي مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلاة الفجر ، ثم أقبل على علي ( عليه السلام ) فقال : هل عندكم طعام ؟
    فقال : لم آكل منذ ثلاثة أيام طعاماً.
    فقال رسول الله : إمض بنا إلى إبنتي فاطمة.
    فدخلا عليها وهي تَتَلوّى من الجوع ! وإبناها معها. فقال رسول الله : يا فاطمة ! فِداك أبوكِ ، هل عندك شيء من الطعام.
    فاستَحيَت فاطمة أن تقول لا. وقامت واستقبلت القِبلة لِتُصلّي ركعتين. فأحسّت بحَسيس ، فالتفَتَت
1 ـ الثاقب في المناقب ، ص 221 ـ 222 و295.

(578)
وإذا بصفحة ملأى ثَريداً ولحماً ، فأتت بها ووضعتها بين يدي أبيها ، فدعى رسول الله بعليّ والحسن والحسين.
    ونظر عليّ إلى فاطمة متعجّباً وقال : يا بنت رسول الله ! أنّى لكِ هذا ؟
    فقالت : هو من عند الله ، إنّ الله يرزقُ من يشاء بغير حساب.
    فضحك النبي وقال : الحمد لله الذي جعل في أهلي نظير زكريّا ومريم ، إذ قال لها : أنّى لكِ هذا ؟ قالت : هو من عند الله ، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب ... (1)
    2 ـ وجاء في التاريخ : أنّ السيدة زينب ( عليها السلام ) كانت جالسة ذات يوم ، وعندها أخواها الإمامان الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وهما يتحدّثان في بعض أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). فقالت السيدة زينب سمعتُكُما تقولان : إنّ رسول الله قال : « الحلال بَيّن ، والحرامُ بيّن ، وشُبُهاتٌ لا يعلمها كثير من الناس ».
    ثمّ استمرّت السيدة زينب تُكمل الحديث وتقول : « مَن تَركها ( أي : تَرَك الشبهات ) صَلُحَ له أمر دينه وصَلُحت له مُروءَته وعِرضه ، ومن تلبّس بها ووقع فيها واتّبعها ..


(579)
كان كمن رعى غنمه قرب الحِمى (1) ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه أن يرعاها في الحمى ، ألا : وإنّ لكلّ مَلِكٍ حِمى ، وإنّ حمى الله محارمه ». (2)
1 ـ الحِمى : موضعٌ فيه كَلأٌ يُحمى من الناس مِن أن يَدخل قطيع غنمهم فيه ، وهو بمنزلة السور .. سواء كان مِن حائط أو شجر. وفي الحديث « ومَن حامَ حول الحمى أوشك أن يقع فيها ». كما يُستفاد من كتاب « العَين » للخليل.      المحقق
2 ـ يُعَبّر عن المكان القريب لدار مَلِك أو رئيس ، أو لمنطقة مخطورة بكلمة « حمى » ، وفي عالم اليوم .. نَجِدُ أنّ إدارة البلديّة تجعل سياجاً أو حزاماً أحمر حول المناطق المخطورة ، كالأراضي المزروعة بالألغام أو المتفجّرات ، أو الغابات التي تتواجد فيها الحيوانات المفترسة.
وهذا السياج : هو علامة تَعني : أيها الإنسان ! لا تدخل هذه المنطقة ، بل لا تقترب منها ، فإنّ اللازم عليك أن تبتعد عن المكان القريب من المنطقة المخطورة ، إذ مِن الممكن أن يكون المكان القريب منها مزروعاً ـ أيضاً ـ بالألغام مثلاً.
مِن هنا .. فقد جعل الله تعالى حول المعاصي والمحرّمات حِمىً وحَظراً دينيّاً كي يُساعد الانسان على الوقاية من التلوّث بالذنوب ، وعدم الإقتراب من أجواء الحرام.
ومنها الابتعاد عن الشبهات ، أي : الأمور او الأطعمة أو الأعمال التي لا يُعلَم ـ بالضبط ـ هل هي حرام أو حلال ؟



(580)
    3 ـ ثمّ رَوَت السيدة زينب ( عليها السلام ) حديثاً آخر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : « ألا : وإنّ في الجسد مُضغة (1) إذا صَلُحت صَلُح الجسد كلّه ، وإذا فَسَدت فسد الجسد كلّه ، ألا : وهي القَلب ». (2)
    ثمّ قالت السيدة : أما سمعتما رسول الله ( صلى الله عليه
فإذا لم يُراعِ الإنسان الإحتياط اللازم ، فسوف يكون مٍن السَهل عليه إرتكاب المحرّمات ، لأنّ مِن آثار الشبهات : هو حصول الجُرأة على الحرام.
وقد رُويَ عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ما مضمونه : لا تُفكّر في الحرام ، فإن ذلك ـ يجُرّك إلى التخطيط لإرتكابه ، وإذا بدأت بالتفكير فسوف تُفكّر في لذة الحرام ، وتَغفل عن العقوبات والمضاعفات الناتجة عن ذلك. ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى : « ولا تقربوا الزنا ... » وهذا يعني وَضع « حمى » حول هذه الجريمة ، ويوضّح هذا الحِمى قول الشاعر :
نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامُ فكـلامٌ فمـوعدٌ فلِقاءُ
1 ـ المُضغة : قِطعة لحم ، وقلب الإنسان مُضغة من جسده. كتاب « العَين » للخليل بن أحمد.
2 ـ وهي القلب : لعلّه كناية عن محلّ إصدار الأوامر في المُخ ، حيث جاء التعبير عن الفِكر والمُخ بالقلب في كثير من الروايات.      المحقق


(581)
وآله وسلم ) الذي تأدّب بأدب الله ( عز وجل ) ـ ويقول : « أدَّبَني رَبّي فأحسن تأديبي » ـ يقول : « الحلالُ : ما أحلّه الله ( عز وجل ) في القرآن الكريم وبيّنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مثل : البيع والشراء ، وإقام الصلاة في أوقاتها ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحجّ البيت لمن استطاع سبيلا ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وترك الكذب والنفاق والخيانة.
    والحرام : ما حرّمه الله ( عز وجل ) وذكره في القرآن الكريم وبيّنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والحرام نقيضُ الحلال.
    وأمّا الشبهات : فهي أمور لا يُعلَمُ حلالها وحرامها ، والمؤمن إذا لم يَعلم الشيء أنّه حلال أو حرام ، وكان يرجو سعادة الدنيا والآخرة ، فعليه أن لا يَتبَع الشُبُهات فالشبهات تَجُرّه إلى المُحرّمات ».
    فقال لها الإمام الحسن ( عليه السلام ) : « زادَكِ الله كمالاً ، نعم .. إنّه كما تقولين ، إنّكِ حَقّاً من شجرة النبوة ومِن معدن الرسالة ».
    4 ـ وروى أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي ، قال : كانت زينب بنت علي ( عليهما السلام ) تقول : « مَن أراد أن لا يكون الخَلقُ شُفعاءه إلى الله فليحمده ، ألم تسمع إلى قولهم :


(582)
« سمع الله لِمَن حمده » فَخِف الله .. لقُدرته عليك ، واستحِ منه لقُربه منك ». (1)
    5 ـ ورُويَ عن السيدة زينب ( عليها السلام ) أنّها قالت : « إنّ جدّي المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شَرَّع لنا حُقوقاً لأزواجنا كما شَرّع على الرجال حقوقاً مفروضة ». (2)
    6 ـ ورُوي عنها ( عليها السلام ) ـ أيضاً ـ : يقول جدّي الرسول الكريم : « إذا صلّت المرأةُ خَمسَها ، وصامَت شَهرها ، وحَفَظت فرجَها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها : أُدخُلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئتِ ». (3)
    7 ـ روَت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين ( عليهما السلام ) عن عمّتها زينب الكبرى ( عليها السلام ) أنّها قالت : رأيتُ أمّي فاطمة ( عليها السلام ) قامَت في محرابها ليلة جُمُعَتِها ، فلم تزل راكعة ساجدة ، حتى اتّضح عمود الصبح ، وسَمِعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات ،
1 ـ كتاب « زينب الكبرى » للشيخ النقدي ص 34 ، وهو ينقل ذلك عن كتاب « بلاغات النساء » لإبن طيفور.
2 ـ كتاب « عقيلة الطُهر والكَرم السيدة زينب » لموسى محمد علي ، وهو ينقل ذلك عن إبن الأنباري.
3 ـ نفس المصدر.


(583)
وتُسمّيهم وتُكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها شيء.
    فقال لها أخي الحسين ـ ذات يوم ـ يا أُمّاه ! لِمَ لا تَدعين لنفسكِ كما تَدعين لغيركِ ؟!
    قالت : بُنَي ! الجارُ ثمّ الدار. (1)
    8 ـ ورُويَ عن السيدة زينب ( عليها السلام ) ـ أيضاً ـ أنّها قالت : كان آخرُ عهد أبي إلى أخَوَي ( عليهما السلام ) أنّه قال لهما : يا بنيّ إذا أنا متّ فغسّلاني ثمّ نشّفاني بالبُردة التي نُشِّف بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفاطمة ، وحَنّطاني وسَجّياني على سريري ، ثم انظرا حتى إذا ارتفعَ لكما مقدّم السرير ، فاحمِلا مُؤخّره.
    قالت : فخَرجتُ أُشيّع جنازة أبي ، حتّى إذا كُنّا بظَهر الكوفة وقَدِمنا بظهر الغَري رُكزَ المُقدّم ، فوضعنا المُؤخّر ، ثمّ برزَ الحسن مرتدياً بالبُردة التي نُشِّفَ بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفاطمة وأمير المؤمنين ( عليهم السلام ) ثمّ أخذ المِعوَل فَضَرَب ضربَةً فانشقّ القبر عن ضريح (2) ، فإذا هو بساجَةٍ (3) مكتـوب عليهـا سطـران
1 ـ كتاب « رياحين الشريعة » للمحلاتي ، ج 3 ، ص 73.      المحقق
2 ـ ضريح : لَحد : أي قبر جاهز.
3 ـ ساجَة : قطعة من خشب مُعيّن. الساج : نوع من الشجر ،


(584)
بالسريانية : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا قبرٌ حَفَره نوح النبي لعلي وصيّ محمد قبلَ الطوفان بِسَبعمائة عام. (1)
    9 ـ ورَوَت السيدة زينب ( عليها السلام ) ـ أيضاً ـ عن أُمّها السيدة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّها قالت : قال رسول الله ـ لعليّ عليه السلام ـ « أما إنّك يا علي وشيعَتُك في الجنّة ». (2)
    10 ـ ورَوى الإمام زين العابدين عن عمّته زينب ( عليهما السلام ) عن السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أنّها قالت : « دَخَلَ عليَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند ولادة إبني الحسين ، فناولتُه إيّاه ، ... ثم قال : خُذيه يا فاطمة ! فإنّه إمـام إبنُ إمـام .. أبو الأئمّة التِسعـة ، مـِن صُلبه أئمّة أبرار ، والتاسع قائمهم ». (3)
لا تَنبُتُ إلا ببلاد الهِند ، لا تُبليه الأرض .. حتى لو بَقِيَ تحت التُراب مدةً طويلة. كما يُستفاد من كتاب « مجمع البحرين » للطريحي.      المحقق
1 ـ كتاب « زينب الكبرى » للشيخ جعفر النَقدي ، ص 37.
2 ـ كتاب « الخصائص الزينبيّة » للسيد الجزائري ، ص 92 ، وهو ينقل ذلك عن كتاب « دلائل الإمامة » للطبري.
3 ـ كتاب « كفاية الأثر » ، ص 193 ـ 194.      المحقق


(585)
    11 ـ وقد نُسِبَ إلى السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) هذه الأبيات الشعرية :
تَمَسَّـك بالكتـابِ و مَـن تلاهُ بهـم نَزَلَ الكتـابُ وهـم تَلَوهُ إمامي وَحّـدَ الرحمـن طفـلاً عليٌ كـان صِدّيـق البـرايـا شَفيعي فـي القيامة عند ربّـي وفـاطمةُ البَتـول وسيّـدا مَن علـى الطـف السلام وساكنيه نُفوس قُدّسَت في الأرض قِدماً فأهل البيتِ هـم أهل الكتـاب و هم أهـل الهداية للصـوابِ وآمنَ قبـلَ تشديـد الخطـاب علـيٌّ كـان فاروق العـذاب نَبيّـي و الوَصيّ أبـو تـرابِ يُخلَّدُ فـي الجنـان من الشباب ورَوح الله فـي تلـك القُبـاب وقد خَلُصت من النطف العذاب (1)

1 ـ وفي نسخة : وقد خُلِقَت من النطف العذاب.
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: فهرس