|
|||
(166)
(167)
(168)
(169)
إن الأوامر التي يراد توجيهها إلى الطفل لابد أن تحمل في داخلها مصالح يراد من خلالها إفادة المأمور به ، أو مفاسد يراد تجنبها إلى المنهي عنه ، فعليه لابد أن تكون الأوامر الموجهة إلى الطفل ذات أهمية ، وغير عبثية حتى تعود على الطفل بالمنفعة له وللآخرين.
وهذه الأمور أو النواهي يجب أن تكون قابلة لتعقل الطفل وإلى عالمه البسيط ؛ حتى يستطيع أن يتفاعل مع هذه الأوامر. ومن المهم قبل أن نوجه الأمر إلى الطفل ـ وخصوصاً في النواهي والزجر ـ أن يرفع أساس هذا الأمر حتى لا يعود على نفسية الطفل بالإحباط والسلب ؛ فمثلاً عندما تريد أن تنهى طفلك عن العبث بالكتاب يجب عليك من الأول أن تزيل عن عينيه الكتاب حتى لا يعبث به ، ومن خلال ذلك توفر عليك توجيه الخطاب إلى الطفل. ويشير ابن سينا إلى هذا المطلب في كتابه ( القانون ) يقول : « يجب أن يكون وكد العناية مصروفاً إلى مراعاة أخلاق الصبي ، فيعدل وذلك بأن يحفظ كيلا يعرض له غضب شديد أو خوف شديد أو غم سهر ، وذلك بأن يتأمل كل وقت ما الذي يشتهيه ويحن إليه فيقرب إليه وما الذي يكرهه فينحى عن وجهه. وفي ذلك منفعتان أحدهما في نفسه بأن ينشأ من الطفولة حسن الأخلاق ، ويصير ذلك له ملكة لازمة ، والثانية لبدنه فإنه كما أن الأخلاق الرديئة تابعة لأنواع سوء المزاج فكذلك إذا حدثت عن العادة استنبعث سوء المزاج المناسب لها ، فإن الغضب يسخن جداً ، والغم يجفف جداً ، والبليد يرخي القوة النفسانية وتميل بالمزاج البلغمية ففي تعديل الأخلاقية حفظ للنفس والبدن جميعاً معاً » ج 1 ، ص 157. (170)
أقول : قد يقول شخص إن إعطاء الولد كل ما يريد قد يفسد أخلاقه ويجعله مايعاً ، أو من أين يمكن تنفيذ كل ما يرغب إليه الولد خصوصاً إذا كانت إمكانية الوالدين محدودة ؟
الجواب قلت : إن الطلب والرغبة متفرعة على المعرفة ، والعلم به وعند الجهل بها لا يمكن طلبها. لذا يسعى أن لا يطلع الطفل على الأشياء التي يجب أن لا يحصل عليها ، فالطفل الذي يعيش في الصحراء مثلاً لا يشتاق إلى الشوكلاته فضلاً عن عدم معرفته بها. هكذا نستطيع أن نتحكم في ميولات ورغبات الطفل من خلال رفعه من أمامه قبل مشاهدته حتى لا يطلبه. كما أنه من البديهي أن الطفل لأن يحصل على كل ما يريد بل التوازن بين القبول والرفض ، بين العطاء والمنع حتى لا يحدث تفريط ولا إفراط. وإذا تقرر هذا نقول : يجب أن يكون في طريقة الأمر أو النهي عدة أمور : الأمر الأول : توجيه الأمر أو النهي بشكل فيه الأدب والاحترام لشخصية الطفل ، كأن يقول له : ( من فضلك ارفع المنديل ) وهكذا ، أو بنبرة لا حدة فيها حتى لا يحس بالإهانة أو التحقير فضلاً عن عدم الأمر بصور التقريع أو الشتم. الأمر الثاني : أن يقرن الأمر أو النهي بتعليل بسيط الذي دعا لإيجاد الأمر حتى يكون الباعث إليه أشد وأقوى. بخلاف الأمر المجرد والذي يصدر إليه ويحس أنه مطالب به من غير معرفة ولماذا ؟ كأن نقول له : ( لا تقترب من الإبريق فإنه حار جداً ) فقد يتعقل الأمر والتعليل معاً ، وقد يحدوه الفضول وعدم التعقل إلى التجري والمخالفة من غير معرفة الآثار التي ستحدث له ، وقد يكون ترك الطفل لكي يخالف بعض الأوامر فيها إيجاب بشرط أن لا يكون ضررها أكثر من النفع ، ففي مثالنا (171)
السابق قد يقدم على لمس الإبريق فيلسعه ومنها يتعقل معنى الحرارة وأثر المخالفة. وعليه فإنه يستحيل أن يلمس إبريقاً آخر ما لم يتأكد من أنه غير حار.
الأمر الثالث : تطبيق الأمور التي يلزم بها الطفل سواء كانت سلباً أو إيجاباً ولو ظاهراً أمامه ، لأنه لا يفرق بين كونه صغيراً أو كبيراً ؛ فعندما تقول له ، : قم إلى النوم وأنتم تشاهدون التلفاز ، فإنه لا يفهم أنه صغير أو يلزمه النوم مبكراً حتى يذهب إلى المدرسة ، فإنه عندما يرى الكبار ، أو يراك لم تذهب إلى النوم فلن يذهب بل حتى لو ذهب لكان في نفسه شيء من هذا الأمر. لذا طبق ما تقوله له حتى يقتدي بك. الأمر الرابع : حبب إلى الطفل ما تريد أن تأمره به. وهذا الأمر من فنون توجيه الخطاب ليس إلى الطفل أو الصغير فحسب بل حتى الكبير يجب أن تصور له الفائدة التي سيحصل عليها من خلال استجابته للأمر ؛ كأن تصور له أن من يفعل هذا الفعل يكون ولداً محبوباً ، أو ذكياً كأن تقول له : الولد المؤدب هو الذي لا يعمل الفوضى عند مجيء الضيوف مثلاً. وبإمكانك أيضاً أن تقدم له الإغراءات من أجل استجابته للأمر ، كأن تقول له : إذا عملت واجباتك المدرسية سآخذك في نزهة قصيرة ، أو أشتري لك هدية وهكذا حتى يكون الباعث له للاستجابة قوياً. الأمر الخامس : مراعاة قدرة الطفل على تنفيذ المأمور به أي ملاحظة قابلية البدنية والنفسية للاستجابة للأمر والانبعاث نحو تنفيذه ؛ فلا يمكن قبول توجيه أمر لطفل لا يتجاوز عمره السابعة أو الثامنة من عمره في تحمل أعباء تنظيف البيت مثلاً. وخير ما قيل : ( إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع ). (172)
الأمر السادس : توجيه النقد للعمل وليس للطفل بعد أن يتصرف الولد بتصرف غير لائق في الخطوة الأولى والتي تسبق عملية العقاب هو أن نوجه النقد للعمل الذي قام به ، كأن نقول : هذا العمل غير جيد ، أو الولد المؤدب لا يفعل هذا.
وفائدة ذلك أن يحافظ على شخصية الطفل وكرامته أمام نفسه ؛ فهو ما زال مؤدباً وطفلاً جيداً ، ولكن هذا الفعل الذي صدر منه ليس من سجيته أو تعمده بل وقع خطأ واشتباهاً فيكون تغيره بالنسبة إليه أمراً سهلاً. الأمر السابع : توخي توجيه اللوم أو النقد للطفل وإرجاعه إلى نقطة إيجابية فيه ؛ فإن من شأن ذلك أن يجعل الطفل يتهرب من النقد بواسطة نفي النقطة الإيجابية التي يتحلى بها. وشيئاً فشيئاً قد تؤثر عليه سلباً كأن يقول لطفل : أنت تعتقد أنك ذكي فلماذا لم تحفظ هذا الشيء أو القصيدة ؟ مثلاً فيحاول في رفع اللوم عنه بأن يقول : أنا لست ذكياً فتؤثر عليه سلباً. الأمر الثامن : أن يكافأ الولد على الاستجابة ، أو يعاقب عند المخالفة بصورة فورية ، بحيث إن أحسن في فعله ورأى أثر هذا الفعل قد عاد عليه بالمنفعة تشتاق نفسه إلى هذا العمل لشوقها إلى العطاء الذي ناله ، نعم ، يشير علماء التربية إلى أن إهداء الطفل على شكل فترات متقطعة خير من إهدائه شيئاً دفعة واحدة ؛ فإعطاؤك الطفل خمس بلونات في أوقات متفرقة يجعله يشعر بأنه محبوب جداً وتجدد له السعادة أيضاً ، بخلاف العكس. وكذا العقاب على مخالفته الأوامر التي توجه إليه مع الملاحظة أن هذا العقاب مجرد تأديب لا تشفي ، أو إطفاء غضب. ومن هنا تعلم ما معنى قول (173)
أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : « ضربكم لأولادكم مثل السماد للزرع فإن زاد أو نقص أفسد ».
ومن الضروري أن لا يقوم بتأديبه أو ضربه أحد غير الوالدين وذلك حتى لا يحس الولد أنه حقير أو ذليل ، أو تنشأ عنده عقدة نفسية من جراء ذلك فتذهب شخصيته واحترامه لنفسه ، فإن العزيز لا يرضى أن يهان أو يحقر بأي صورة أو شكل وهذه العزة يجب أن تغرس فيه منذ طفولته. تنبيه : إن أهم نقطة والتي تشكل العمود الفقري في كل ما تقدم هي الهيبة التي يجب أن يتحلى بها الأب أو الأم حتى يكون انبعاثاً حقيقياً ، وإلا مع فقد الهيبة والاحترام والسلطنة فلا فائدة فيما تقدم. لذا يلزم المحافظة على صورة الأب أو الأم ولو ظاهرياً ، ومن هنا يجب على كل من الزوجين أن لا يخالف الأوامر التي يصدرها الآخر بخصوص الطفل ، فإذا قال الأب : لا تشاهد التلفاز في الوقت الفلاني ، أو لا تخرج في الساعة الفلانية مثلاً لا تأتي الأم وتسمح للطفل مخالفة أبيه وكذا العكس. نعم ، يمكن أن يظهر بصورة المتوسط الذي يدعو الطرف المقابل إلى التنازل عن رأيه لأجله وهكذا. الأمر التاسع : استخدام الإيحاء للطفل أي الإيحاء إليه أنه قادر على تنفيذ المأمور به ، كأن تقول له مثلاً : أنت شجاع تستطيع أن تحمل هذا الصحن إلى المطبخ ، أو أنت ذكي تستطيع أن تحل المسألة وتعمل الواجب وهكذا ؛ فبإستخدامك لهذا الإيحاء فإنه يمثل دوراً في نفسية الطفل في تأدية الشيء. قد يرتكب الولد خطأ فعند استجوابه من قبل والديه قد يقول الحق والصدق ، ففي هذه الصورة يجب أن لا يعاقب الولد على فعله ، لإنه إن (174)
عوقب قد يلتجئ لرفع العقاب عنه مرة أخرى بالكذب فينجو من العقاب مثلاً ، فعندها يعتقد أن الصدق غير جيد وأن الكذب حسن فيتعود هذا الأسلوب.
(175)
(176)
(177)
إن أول خطوات بناء الذات لطفلك هو أن يثق بنفسه ، ولا يمكن لطفل لا يتجاوز سنيه الأولى أن يحصل على الثقة بالنفس من تلقاء نفسه وذاته ، وعليه على الوالدين أن يسقياه الثقة ويمداه بها عبر نظراتهما ، وقد تحس بتفوق ابنك على أقرانه وزملائه فتجد عند بوادر التفوق أو النبوغ من خلال ملاحظاتك إلى اسئلته ، أو تصرفاته التي توحي أنها أكبر من عمره. من هنا يجب أن يبادر الوالدان إلى المحافظة على هذا المستوى ورفعه. وربما يفقد الولد نبوغه الظاهري بسبب استخفافه في دراسته ، أو العمل الذي يوكل إليه وهنا تتزعزع ثقة الوالدين بابنهما لا سيما إذا تكرر الفشل أو الإحباط للولد ؛ فينصرف الوالدان عن تشجيعه إلى تحبيطهن وهما لا يعلمان.
ولكن في الحقيقة يجب أن لا تضعف ثقتك بولدك مها تكرر فشله ؛ فقد يكون فشله راجعاً إلى عوامل غير المستوى الذهني أو الذكاء. بل قد أثبتت التجارب التي قام بها ( ليموف ) أن أكثر من ثلاثين بالمائة من التلاميذ الذين لم يكملوا دراستهم الثانوية تزيد نسبة ذكائهم على 135 درجة من نسبة الذكاء ( وعلى حسب تقرير ( كرونباخ ) أي شخص بنسبة ذكاء تزيد على 130 قادر على النجاح في أي عمل يسند إليه ). وقد أظهرت دراسات أخرى أن كثيراً من الأطفال المتفوقين كانوا من المتأخرين دراسياً. فعليه يلزم المحافظة على الثقة بالولد أو إيجادها في الواقع الخارجي ، لا مجرد تلفظ أجوف لا ينبئ عن حقيقة ، ولا يكفي أن تثق بابنك فقط بل لا بد أن يشعر هو بهذه الثقة ويحس بها. أما كيف يحس الولد بأنك تثق به ؟ فبعدة خطوات تلتزم بها وهي كالتالي : (178)
الخطوة الأولى : التشجيع والدعم الدائم من الوالدين وكل المحيطين به بمختلف مراتب التشجيع والتشويق سواء كان بالثناء والمدح لكل عمل يقوم به حسن وجيد ، أو بالفعل ، كأن يحصل على الهدايا التي يحبها حتى تكون حافزاً قوياً له للتقدم أكثر فأكثر.
فقد نصح علماء التربية الآباء الذين يشكون في تفوق أطفالهم أن يعاملوهم على أنهم متفوقون فعلاً على الأقل إلى أن يصلوا للسنة الثانية أو الثالثة الابتدائية ، ويجعلوا أي صفة إيجابية حتى يساعدوا الطفل لكي يثبت نفسه. الخطوة الثانية : الاستماع إلى الطفل ومشاركته في الحديث. إن الإصغاء إلى الطفل وهو يتحدث يعود على الوالدين بالفوائد الجمة ؛ فعندما تستمع لابنك وهو يتكلم فإنك تعرف ما يجول في خاطره ، وما يؤثر عليه ، ما يحب ، ما يكره ، وما يطمئن إليه وما يخاف منه بل دع ابنك يتحدث عن كل شيء عنده حتى لو سمعته يقول شيئاً لا تحبه منه ؛ فإن ذلك سيكشف لك ما الذي أثر فيه سلباً أو إيجاباً ؛ فتقيه من الشر وتحثه على الخير ، وخير لك أن تعرف ذلك قبل أن يتوغل هذا الاعتقاد أو ذاك في ابنك ويصعب بعدها علاج الأمر ولا يمكن أن تحصل على كل شيء منه ما لم يطمئن لك أنك لن توبخه أو تعنفه. وأما الذي يعود على الطفل بالفائدة فهو إشعارك إياه أن كلامه وأفكاره لها قيمة بحيث تجذبك إلى الاستماع إليه ومشاركتك إياه في الحديث ، وتبادل الآراء يؤثر في تفكيره ويقفز به إلى مراحل كبيرة جداً ، فمن ذلك تعلمه الاستماع وكيف يتحدث مع الآخرين ومتى. وللأسف أن بعض الأطفال يحسون بالاستصغار ، وعدم الاعتراف بهم ، خصوصاً إذا كان المجلس مجلس كبار وحديثهم ؛ فتجد بعض الأطفال (179)
يحب أن يشارك في الأحاديث ولكن يجد التوبيخ والزجر قبل أن يتكلم ، هذا إذا لم يطرد من المكان! فعامل ابنك على أنه كبير يكون كبيراً.
الخطوة الثالثة : اعتمد على طفلك في بعض الأمور. إن من أبرز مظاهر الثقة بولدك أن تعتمد عليه في بعض الأمور التي تناسب شأنه ولا تضر به ، كأن توكل إليه شراء بعض الحاجيات للبيت من المحل المجاور ، أو تطلب منه إدخال الضيوف والجلوس معهم حتى تأتي من الخارج وهكذا. وليكن هذا الاعتماد مصحوباً بالقول كأن تقول له : إني أعتمد عليك في هذا الأمر ، وإنك قادر على أدائه على أكمل وجه ؛ فإن من شأن ذلك كله أن يولد في نفسه الاعتزاز والثقة. (180)
|
|||
|