الآثار السلبية التي يخلفها الذنب :
من المسلّمات في الدين والعلم والتجربة ان اعمال الانسان الحسنة والسيئة لها نتائج دنيوية واخروية . كزارع البذور فلو زرع احد بذر الورد لجنى ثماوه ورداً ، وزارع الشوك لا يجني الاّ شوكاً .
وبعبارة اخرى لكل عمل رد عمل رد فعل معاكس كالذي يضرب الكرة على الارض فترجع الكرة اليه ، ويجب الانتباه ايضاً الى ان جزاء العمل يراه في الدنيا والاخرة . ولكن نسبة الجزاء في الدنيا الى جزاء الاخرة قليل . وكذلك فان اعمال الانسان تاتي عليه بصور مختلفة ويجب ان لا نستبعد ان المصائب المختلفة التي تصيب الانسان في الدنيا أحياناً تكون جزاءً لعمل ما واحياناً امتحان الله سبحانه للانسان ولاجل ارتقائه سلم التكامل ، وله ثواب اضافي ومضاعف ، وفي ( الاية 155 )
(236)
من سورة البقرة اشارة الى هذا المطلب .
( ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع .... ) .
وهناك روايات كثيرة تدل على ذلك ، فمن جملتها قول الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« إنّ أشدّ الناس بلاءً الانبياء ثم الذين يلونهم ثمّ الامثل فالامثل » (1) .
الآثار الدنيوية للذنب في نظر القرآن الكريم :
وردت في القرآن الكريم عشرات الآيات في الآثار والنتائج التي يخلفها الذنب ونذكر هنا عدة نماذج :
1 ـ في الآية 59 من سورة البقرة :
( فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزاً من السّماء بما كانوا يفسقون ) .
2 ـ في الآية 49 من سورة المائدة :
( يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ) .
3 ـ في الآية 6 من سورة الانعام :
( .... فأهلكناهم بذنوبهم ) .
4 ـ في الآية 96 من سورة الأعراف :
( ..... فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) .
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 252 .
(237)
5 ـ في الآية 25 من سورة نوح :
( ممّا خطيئاتهم أغرقوا ) .
6 ـ في الآية 14 من سورة الشمس :
( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها ) .
7 ـ في الآية 11 من سورة الرعد :
( إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ) .
8 ـ في الآية 14 من سورة المطففين :
( كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .
9 ـ في الآية 30 من سورة الشورى :
( وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ ) .
قال امير المؤمنين ( عليه السلام ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :« خير آية في كتاب الله هذه الآية » .
ثم قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « يا علي ! ما من خدش عودٍ ولا نكبة قدمٍ الاّ بذنب » (1) .
بعض الآيات حول آثار الذنب في الآخرة :
1 ـ ( ومن جاء بالسّيئة فكبّت وجوههم في النّار هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون ) . ( النمل / 90 )
____________
(1) مجمع البيان ونفس المطلب ذكر عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في الكافي ج 2 ص 269 .
(238)
2 ـ وفي الآية 23 من سورة الجن :
( ومن يعص الله ورسوله فانّ له نار جهنّم خالدين فيها أبداً ) .
3 ـ في الآية ( 11 ـ 16 ) من سورة المعارج :
( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته الّتي تؤيه ومن في الأرض جميعاً ثمّ ينجيه كلاّ إنّها لظى نزّاعةً للشّوى ) .
4 ـ الآية 104 من سورة المؤمنون :
( تلفح وجوههم النّار وهم فيها كالحون ) .
احباط الاعمال الحسنة :
أحد الآثار السيئة التي يخلفها الذنب هو احباط الاعمال الحسنة . ومعناه أن المذنبين اذا عملوا عملاً صالحاً فانه لا نتيجة ولا جزاء له . وقد وردت كلمة ( الاحباط ) ستة عشر مرة في القرآن الكريم . وبهذا نحصل على نتيجة بان الذنوب الكبيرة مثل الكفر ، الشرك ، تكذيب الآيات الالهية وانكار المعاد ، الارتداد ، مخالفة الانبياء ، كل هذه الامور تحبط الاعمال .
فعلى سبيل المثال : اذا رفع شخص حجارة عن طريق المارة لئلا يصاب احد بضرر ( فان هذا العمل حسن ) ولكن لو ان نفس هذا الرجل القى الصخرة في مكان قريب وضيق على المارة ففي هذه
(239)
الحالة يكون قد ارتكب ذنباً كبيراً وهو ( خراب الطريق ) . اذن فان عمله الحسن رفع الصخرة عن الطريق لا اعتبار له ولا اثر له وقد احبطه بعمله السيء الآخر . وعلى هذا الاساس فان الذنوب الكبيرة تحبط الاعمال الحسنة . كما تكبر ابليس ولم يسجد لأمر الله سبحانه ( في مسألة السجود لآدم ) فقد احبط « ستة آلاف سنة من العبادة » (1) التي عبد بها ابليس الله سبحانه وتعالى . فيجب الانتباه الى ان الانسان المذنب لا يستطيع ان يغتر باعماله الحسنة ، اذ سرعان ما تحبط بسبب الذنوب التي يرتكبها .
الآثار المعنوية الرديئة التي يخلفها الذنب :
إنّ تكرار الذنب والاستمرار عليه يؤدي الى ظلمة القلب ومسخ الانسان عن انسانيته وتحوليه الى حيوانٍ يملك الصفات الحيوانية كلها ، ويكون مقترفاً للذنوب الكبيرة . فعلى سبيل المثال : ان المذنب اذا شرب الخمر لاول وهلة تراه يتردد ويتعذب وجدانه لانه مسلم ، ولكن في الوهلة الثانية يكون الشرب ابسط بكثير من الوهلة الاولى وهكذا الى ان يعتاد عليه . نعم الاستمرار على ارتكاب الذنب يجعل المذنب يقترف الذنوب الكبيرة بكل سهولة .
في الآية 108 من سورة النحل نقرأ :
( أولئك الّذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم
____________
(1) جاء في نهج البلاغة الخطبة 192 ( .... إذ حبط عمله الطويل .... ) .
(240)
وأولئك هم الغافلون ) .
وفي الآية 5 من سورة الصف نقرأ :
( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) .
وفي الآية 10 من سورة الروم نقرأ :
( ثمّ كان عاقبة الّذين أساؤوا السؤأى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن ) .
ونرى كثيراً في التاريخ ان الطواغيت الذين استمروا على اقتراف الذنوب قد تجاوزوا حد الكفر والانكار والتنكيل بالأنبياء والاستهزاء بهم ، وكل هذه الآثار السيئة قد خلفها الذنب ، وعلى العكس فالاستمرار على الاعمال الصالحة يعطي للقلب صفاءاً ويعطي نورانية للروح . وحول هذا الموضوع نأتي بالروايات التالية :
1 ـ قال الامام الصادق ( عليه السلام ) قال ابي ( عليه السلام ) :
« ما من شيء أفسد للقلب من خطيئةٍ ، إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله » (1) .
2 ـ وقال الامام الكاظم ( عليه السلام ) :
« أذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فان تاب إنمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً » (2) .
وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 268 .
(2) بحار الانوار ج 73 ص 327 ـ ميزان الحكمة ج 3 ص 464 .
(241)
« ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب ، وما قست القلوب الاّ لكثرة الذنوب » (1) .
وقال الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« وما من نكبةٍ تصيب العبد إلاّ بذنبٍ » (2) .
الآثار المختلفة للذنب :
نتج عن تحقيق الروايات السابقة ان الذنوب المختلفة لها آثار مختلفة ، نذكر منها .
1 ـ قساوة القلب وجفاف الدموع .
2 ـ سلب النعمة :
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) : ان أبي ( عليه السلام ) كان يقول دائماً :
« إن الله قضى قضاءً حتماً الا ينعم على العبد بنعمةٍ فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنباً يستحق بذلك النقمة » (3) .
3 ـ منع استجابة الدعاء .
« قال الامام الباقر ( عليه السلام ) : « ان العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها الى اجل قريب أو الى وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا تقض حاجته واحرمه إياها ، فانه
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 271 .
(2) نفس المصدر السابق ص 269 .
(3) اصول الكافي ج 2 ص 273 .
(242)
تعرض لسخطي واستوجب الحرمان منّي » (1) .
4 ـ الالحاد والانكار :
قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« فان المعاصي تستولي الخذلان على صاحبها حتى توقعه في ردّ ولاية وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودفع نبوة نبي الله ، ولا تزال أيضاً بذلك حتى توقعه في دفع توحيد الله والالحاد في دين الله » (2) .
5 ـ قطع الرزق :
قال الامام الباقر ( عليه السلام ) : « إنّ الرجل يذنب الذّنب فيدرأ عنه الرزق » (3) .
6 ـ الحرمان من صلاة اللّيل :
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) : « الرجل يذنب الذّنب فيحرم صلاة اللّيل » (4) .
7 ـ عدم الأمن من البلاء :
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « ولا يأمن البيات من عمل السيئات » (5) .
8 ـ انقطاع المطر . 9 ـ خراب البيت . 10 ـ الوقوف الطويل يوم
____________
(1) نفس المصدر : ص 217 بحار ج 73 ، ص 329 .
(2) بحار الانوار : ج 73 ، ص 360 .
(3) اصول الكافي : ج 2 ، ص 271 .
(4) اصول الكافي : ج 2 ، ص 272 .
(5) اصول الكافي : ج 2 ، ص 269 .
(243)
القيامة . 11 ـ الغضب واللعنة الالهية . 12 ـ المصائب الثقيلة. 13 ـ الندم . 14 ـ الخزي والفضيحة. 15 ـ نقصان العمر . 16 ـ الزلزلة . 17 ـ الفقر العام . 18 ـ الحزن . 19 ـ المرض . 20 ـ تسلط الاشرار .... وغيرها من الآثار المختلفة للذنوب التي تلحق بالبشر (1) .
وحول هذا الموضوع روايات كثيرة جداً ولاجل الاختصار نأتي بخمسٍ منها لنتم الموضوع .
أ ـ قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« من تهاون بصلاته ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة ، يرفع الله البركة من عمره ومن رزقه ، ويمحو الله تعالى سيماء الصالحين من وجهه ، وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه ، ولا يرفع دعائه الى السماء ، وليس له حظ في دعاء الصالحين ، ويموت ذليلاً وجائعاً وعطشاناً ، ويوكل الله به ملكاً يزعجه في قبره ويضيّق عليه قبره ، وتكون الظلمة في قبره ، ويوكل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون اليه ، ويحاسب حساباً شديداً ، ولا ينظر الله اليه ولا يزكيه وله عذاب اليم » (2) .
ب ـ قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للامام علي ( عليه السلام ) :
« للزاني ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، أما التي في الدنيا فيذهب بنور الوجه ويورث الفقر ويعجل الفناء ، وأما التي
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 272 الى 275 و 445 و 446 .
(2) سفينة البحار ج 2 ص 43 ـ 44 .
(244)
في الآخرة فسخط الرب وسوء الحساب والخلود في النار » (1) .
ج ـ صور عشرة اصناف من المذنبين يوم القيامة :
قال معاذ بن جبل : كنا في منزل ابي ايوب الانصاري في حضور رسول الله ( صلى الله عليه آله وسلم ) فسأل ابو ايوب الانصاري الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن معنى هذه الآية :
( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً ) ( النبأ ـ 20 ) .
فقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « يا معاذ سألت عن عظيم من الأمر ثم أرسل عينيه ثم قال : يحشر عشرة أصناف من امتي أشتاتاً قد ميّزهم الله من المسلمين وبدّل صورهم بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون ارجلهم من فوق وجوههم من تحت يسحبون عليها وبعضهم عمي يترددون وبعضهم صم بكم لا يعقلون وبعضهم يمضغون السنتهم فيسيل القيح من افواههم لعاباً يتقذرهم اهل الجمع وبعضهم مقطعة أيديهم وارجلهم وبعضهم مصلبون على جذوع من نار وبعضهم اشد نتناً من الجيف وبعضهم يلبسون جبايا سابغة من قطران لازقة بجلودهم .... » (2) .
د ـ قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« من ولي عشرة فلم يعدل فيهم ، جاء يوم القيامة ويداه ورجلاه
____________
(1) عقاب الاعمال للشيخ الصدوق ص 311 وسفينة البحار ج 2 ص 44 .
(2) مجمع البيان 10 ص 423 .
(245)
ورأسه في ثقب فأسٍ » (1) .
هـ ـ قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« من سوّد إسمه في ديوان ولد فلان حشره الله يوم القيامة خنزيراً » (2) .
د ـ قال الامام الباقر ( عليه السلام ) : وجدنا في كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« اذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجاة واذا طفف الميزان والمكيال اخذهم الله بالسنين والنقص ، واذا منعوا الزكاة منعت الارض بركاتها من الزرع والثمار والمعادن كلها واذا جاروا في الاحكام تعاونوا على الظلم والعدوان ، واذا نقضوا العهد سلّط الله عليهم عدوهم ، واذا قطعوا الارحام جعلت الاموال في أيدي الاشرار واذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتّبعوا الاخيار من أهل بيتي سلّط الله عليهم شرارهم فيدعوا خيارهم فلا يستجاب لهم » (3) .
____________
(1) عقاب الأموال للصدوق ص 260 .
(2) مجمع البيان ج 1 ص 594 .
(3) وسائل الشيعة ج 11 ص 513 .
(246)
اشارة :
انّ احدى النعم التي منّها الله سبحانه وتعالى على البشر هي نعمة التوبة وقبولها وهذا دليل الرحمة الواسعة واللطف الواسع لله جل جلاله . التوبة : معناها العزم على ترك الذنب والعودة الى الله سبحانه وتعالى والاعتذار اليه .
« يقول الراغب في مفرداته : الاعتذار على ثلاثه انواع ، اما ان يقول المعتذر لم أفعل أويقول فعلت لأجل كذا او فعلت واسأت وقد اقلعت » (1) .
فعلى سبيل المثال : التوبة هي خلع الثوب القذر من البدن وارتداء ثوب طاهر ونظيف او غسل البدن في الحمام من التلوث والقذارة او تنظيف المكان وفرشه بفراش جديد . لذلك نرى ان الهداية
____________
(1) مفردات الراغب ص 72 .
(247)
والدعوة الى الله سبحانه تأتى على اربعة اوجهٍ في سورة هود :
1 ـ اصل التوحيد . 2 ـ الحرب ضد الشرك . 3 ـ تهذيب الروح من الذنب . 4 ـ العودة الى الله سبحانه وتزيين الروح بزينة الصفات الالهية ( اصلان لهما علاقة بالعقيدة واصلان لهما علاقة بالعمل ) . وفي الآية 3 من سورة هود تبين لنا الاصلين الاخرين .
( وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا اليه ) .
فجاء الاستغفار والتوبة في هذه الآية يحكي عن امرين مختلفين اولهما : التهذيب والثاني : كسب الكمالات . وتقدم الاستغفار على التوبة ، ان الآية السابقة تقول : يجب على الانسان اولاً تطهير الروح من الذنوب وبعدها الاتصاف بالصفات الالهية . كما في الاول خلع اللباس الوسخ وارتداء الملابس النظيفة والطاهرة . او الاعتقاد اولاً ان كل معبود سوى الله سبحانه وتعالى باطل ومطرود من القلب ولا مكان له إلاّ عبادة الحق ومكانه في مكان القلب .
الاستغفار والتوبة في القرآن :
وردت كلمة ( الغفور ) ( 91 مرة في القرآن الكريم ) وكلمة ( الغفّار ) ( 5 مرات ) وآيات كثيرة تحث وتدعو الناس للعودة الى الله سبحانه وتعالى وطلب المغفرة منه . وجاءت اكثر من ثمانين مرة كلمة التوبة والعودة الى الله سبحانه وقبول التوبة .
ونذكر هنا عدة نماذج قرآنية منها :
(248)
1 ـ في الآية 135 من سورة آل عمران :
( والّذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) .
2 ـ الآية 110 من سورة النساء :
( ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر الله يجد الله غفورا رحيماً ) .
3 ـ في الآية 9 من سورة المائدة :
( وعد الله الذّين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرة وأجر عظيم ) .
4 ـ في الآية 53 من سورة الزمر :
( قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله انّ الله يغفر الذّنوب جميعاً إنّه هوّ الغفور الرّحيم ) .
5 ـ في الآية 186 من سورة البقرة :
( وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلّهم يرشدون ) .
6 ـ وفي الآية 31 من سورة النور :
( وتوبوا الى الله جميعاً أيّها المؤمنون ) .
7 ـ وفي الآية 25 من سورة الشورى .
( وهو الّذي يقبل التوبة من عباده ) .
8 ـ وفي الآية 222 من سورة البقرة .
(249)
( إنّ الله يحّب التّوّابين
) .
9 ـ وفي الآية 8 من سورة التحريم :
( يا ايّها الّذين آمنوا توبوا الى الله توبةً نصوحاً ) .
10 ـ وفي الآية 25 من سورة الشورى :
( وهو الذّي يقبل التّوبة عن عباده ويعفو عن السّيئات ) .
11 ـ وفي الآية 74 من سورة المائدة :
( أفلا يتوبون الى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ) .
في هذه الآية استفهام انكاري حيث تبين لنا ان الله سبحانه وتعالى يؤكد على الانسان ويدعوه الى التوبة والاستغفار ويحرك عواطف الانسان بذكر هاتين الصفتين وهما ( الغفور والرحيم ) لعله يرجع الى الله سبحانه ويغسل ذنوبه بماء الاستغفار ويستنير بنورها ليفضي عليه الكمال والفضائل .
التوبة في نظر الروايات :
عند استقراء الروايات التي لها علاقة بالتوبة والاستغفار نحصل على عدة مطالب متنوعة وجامعة أشير اليها في الآيات القرآنية السابقة وهنا نلخص قسماً مهماً من هذه المطالب .
1 ـ التوبة الحقيقية والنصوحة :
1 ـ ترك الذنب . 2 ـ الندم عن الذنب . 3 ـ العزم على ترك
(250)
الذنب . 4 ـ جبران الذنوب القابلة للجبران كـ ( اداء حق الله سبحانه وحقّ الناس و ... ) . 5 ـ الاستغفار باللسان .
ما هي التوبة النصوح ؟ ذكرنا سابقاً ان التوبة النصوح كما بينته لنا الآية 8 من سورة التحريم ( توبوا الى الله توبة نصوحاً ) .
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) في تفسير كلمة « النصوح » .
« هو الذنب الذي لا يعود فيه أبداً » (1) .
وقال الامام الهادي ( عليه السلام ) في معنى التوبة النصوح :
« أن يكون الباطن كالظاهر وافضل من ذلك » (2) .
وقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في معنى التوبة النصوح :
« أن يتوب التائب ثمّ يرجع في ذنبٍ كما لا يعود اللبن الى الضرع » (3) .
وقال الامام علي ( عليه السلام ) :
« ندم بالقلب واستغفار باللسان والقصد على أن لا يعود » (4) .
2 ـ شرائط صحة وكمال التوبة وقبولها :
قال احد المرائين امام الامام علي ( عليه السلام ) : ( استغفر الله ) فالتفت اليه الامام علي ( عليه السلام ) وقال له : ثكلتك امك اتدري ما الاستغفار ؟
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 432 .
(2) بحار الانوار ج 6 ص 22 .
(3) مجمع البيان ج 10 ص 318 .
(4) تحف العقول ص 149 .
(451)
الاستغفار درجة العليين ، هو اسم واقع على ستة معان ، أولها الندم على ما مضى ، والثاني العزم على ترك العود اليه أبداً ، والثالث أن نؤدي الى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله املس ليس عليك تبعة ، والرابع أن تعمد الى كل فريضة عليك ضيّعتها فتؤدي حقها ، والخامس أن تعمد الى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان ، حتى تلصق الجلد بالعظم ، وينشأ بينهما لحم جديد ، والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : « استغفر الله » (1) .
وعلى هذا الاساس نحصل على ان شرائط قبول التوبة اضافة الى ترك الذنب والعزم على تركه ، جبران ما أضاعه الذنب .
فمثلاً في مسألة قذف المرأة الطاهرة ، فقد جاء في القرآن الكريم ان يجلد القاذف ثمانين جلدة ، وبعده قال سبحانه :
( إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك و أصلحوا ) ( النور ـ 5 ) .
فجملة « أصلحوا » تبين لنا ان الشرط المهم في قبول التوبة هو جبران ما أضاعة الذنب . وهناك شرط آخر هو الاقرار بالذنب .
قال الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« والله ما ينجو من الذنب الاّ من أقر به » (2) .
وقال الامام علي ( عليه السلام ) :
____________
(1) نهج البلاغة حكمة 417 .
(2) وسائل الشيعة ج 11 ص 347 .
(252)
« المقرّ بالذّنب تائبّ » (1) .
3 ـ انواع التوبة ومراحلها :
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« وكلّ فرقة من العباد لهم توبة .... وتوبة الخاص ، من الاشتغال بغير الله تعالى ، وتوبة العام من الذنوب » (2) .
الأمر الآخر هو الندم والعزم على ترك الذنب ، وهذه اولى مراحل التوبة ، بعد هذه المرحلة يكون للمذنب حالة روحانية كان عليها قبل ارتكابه للذنب مثل المريض الذي ابتلي بالحمى فعند تعاطيه الدواء تذهب عنه الحمى ويتعاطى المنشطات ليستعيد صحته الاولى قبل المرض . ولربما كان قول الامام الباقر ( عليه السلام ) على هذا الاساس :
« التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزى » (3) .
4 ـ الرحمة الواسعة لقبول التوبة :
____________
(1) مستدرك الوسائل ج 2 ص 345 .
(2) مصباح الشريعة ص 98 .
(3) اصول الكافي ج 2 ص 435 ـ ( في القرآن الكريم ذكرت ثمان مرات ( تواب رحيم ) وهذا يبين لنا ان الانسان اذا تاب وعاد لا يقطع الامل في قبول التوبة لان الله سبحانه وتعالى ( تواب رحيم ) .
(253)
كما ذكرنا في الآية 53 من سورة الزمر :
( .... لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذّنوب جميعاً ) .
تبين لنا هذه الآية ان باب التوبة مفتوح امام الجميع ، حتى ينقل ان « وحشي » قاتل الحمزة ( عليه السلام ) عندما سمع هذه الآية جاء الى الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآل وسلم ) واظهر التوبة على يديه فقبل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) التوبة منه بشرط ان يغيب عن وجهه لانه لا يستطع النظر اليه ، وسأل البعض : هل ان هذه الآية مختصة بـ ( وحشي ) ام شاملة للجميع فأجاب الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « بل تشمل الجميع لوسعة الرحمة » (1) .
روي ان احداً في حضور الامام الرضا ( عليه السلام ) قال : « اللهم العن كل من حارب الامام علي ( عليه السلام ) فقال له الامام الرضا ( عليه السلام ) : « بل قل الاّ من تاب واصلح » .
وهذا يبين اللطف الالهي للمذنبين لان الاسلام لا يسد الابواب امام العائدين الى الله سبحانه وتعالى . حتى نرى في ( الآية 10 ) من سورة البروج :
( إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ) .
ويستفاد من مفهوم ( ثم لم يتوبوا ) إنّ الله تعالى ايضاً يقبل توبة المذنبين المعذّبين للمؤمنين .
____________
(1) سفينةالبحار ( وحشي ) فخر الرازي ج 27 ص 4 .
(254)
5 ـ محبة الله سبحانه الخاصة للتوابين :
جاء في الآية 222 من سورة البقرة :
( إنّ الله يحبّ التّوابين ) .
قال الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« ان الله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته وزاده في ليلةٍ ظلماء فوجدها فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها » (1) .
وعنه ( عليه السلام ) : « التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزىء » (2) .
وقال الامام الباقر ( عليه السلام ) ايضاً :
« الله أفرح بتوبةٍ عبده من العقيم الوالد ، ومن الضّال الواجد ، ومن الظمآن الوارد » .
وقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« مثل المؤمن عند الله عزّ وجلّ كمثل ملك مقرب وأن المؤمن عند الله أعظم من ذلك ، وليس شيء أحب الى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة » (3) .
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 435 .
(2) نفس المصدر السابق .
(3) سفينة البحار ج 1 ص 137 ـ عيون اخبار الرضا ج 2 ص 29 .
(255)
وقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ايضاً : « التائب حبيب الله » (1) .
6 ـ الملامة في تأخير التوبة :
الانسان مأمور من الله سبحانه وتعالى في كل لحظة بالتوبة اليه ( توبوا ) فيجب التعجيل في التوبة وعليه فالتأخير عن طاعة الاوامر الالهية معناه عدم الطاعة والتسويف في تنفيذ الاوامر الالهية .
قال الامام الجواد ( عليه السلام ) :
« تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة » (2) .
وقال الامام علي ( عليه السلام ) لرجلٍ طلب منه الموعظة :
« لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل ويرجي التوبة بطول الامل » (3) .
وقال الامام علي ( عليه السلام ) أيضاً :
« لا دين لمسوفٍ بتوبته » (4) .
وقال الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« إياك والتسويف فانّه بحر يغرق فيه الهلكى » (5) .
ويجب الانتباه الى ان التوبة لا تقبل عند حضور الموت ، كما انه
____________
(1) جامع السعادات ج 3 ص 51 .
(2) بحار الانوار ج 6 ص 30 .
(3) نهج البلاغة حكمة 150 .
(4) غرر الحكم ـ ميزان الحكمة ج 4 ص 589 .
(5) بحار الانوار ج 78 ص 164 .
(256)
لم يقبل ايمان وتوبة فرعون عند الغرق كما تصرح الآية ( 18 من سورة النساء ) قال محمد الهمداني : سألت الامام الرضا ( عليه السلام ) لماذا لم تقبل توبة فرعون مع العلم انه آمن بالله سبحانه ؟
فاجابه الامام الرضا ( عليه السلام ) : « لأنه أمن عند رؤية البأس والايمان عند رؤية البأس غير مقبول » (1) .
وهناك روايات متعددة تذكر ان المؤمن اذا ارتكب ذنباً يعطى مدة سبع ساعات للتوبة من هذا الذنب والاّ يكتب في صحيفة اعماله . وفي بعضها ان له من الصباح الى المساء .
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« ان العبد اذا أذنب ذنباً أجّل من غدوة الى الليل فان استغفر الله لم يكتب عليه » (2) .
7 ـ النتائج المشرقة للتوبة :
تعتبر التوبة وقبولها احدى النعم الالهية التي لا نظير لها ولها آثار ونتائج مضيئة ، منها التوبة الحقيقية التي تغير الانسان الى كمن لا ذنب عليه كما قال الامام الصادق ( عليه السلام ) : « التائب من لا ذنب له » (3) .
ومنها التوبة الحقيقية تؤدي الى محو آثار الذنوب وتستر العبد
____________
(1) بحار الانوار ج 6 ص 23 .
(2) اصول الكافي ج 2 ص 437 .
(3) اصول الكافي ج 2 ص 435 .
(257)
كما قال الامام الصادق ( عليه السلام ) . ان الانسان اذا تاب توبة نصوحاً يكون محبوباً عندالله ويستر ذنوبه في الدنيا والآخرة . وكل ذنب اذنبه يومي الى ملكيه بالنسيان فلا يبقى اثر للذنب عليه حتى جوارحة . « فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب » (1) .
نستنتج من الآية الثامنة من سورة التحريم ان للتوبة النصوح ثماراً خمساً وهي :
1 ـ غفران الذنوب .
2ـ الدخول في الجنة .
3 ـ الستر في يوم القيامة .
4 ـ نور الايمان والعمل يضيء له الطريق الى الجنة .
5 ـ يشتد عند التائب التوجه الى الله والاستغفار الكامل لذنوبه (2) .
قال الامام الكاظم ( عليه السلام ) :
« وأحبّ العباد الى الله تعالى المفتنون التوابون » (3) .
وفي روايات اخرى عن الائمة المعصومين ( عليهم السلام ) ان الله يهب للتوابين ثلاث مواهب لو اعطى واحدة منها لاهل السماوات والارض لنجوا بها وهي قوله عزّ وجلّ :
( إنّ الله يحبّ التّوّابين ويحب المتطهرين ) .
فمن أحبه الله لم يعذبه ، وقوله :
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 431 .
(2) تفسير نمونة ج 24 ص 292 .
(3) اصول الكافي ج 2 ص 432 .
(258)
( الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للّذين آمنوا ربنّا وسعت كلّ شيءٍ رحمةً وعلماً فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدنٍ الّتي وعدتّهم ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم إنك انت العزيز الحكيم * وقهم السّيئات ومن تق السّيئات يومئذٍ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ) (1) .
وقوله عزّ وجلّ :
( والّذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم الله الاّ بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً * الاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً ) (2) .
وفي الختام نقرأ مع الامام السجاد ( عليه السلام ) في مناجاته حول هذه الموهبة والمنة الالهية العظيمة :
« الهي أنت فتحت لعبادك باباً الى عفوك ، سميته التوبة فقلت : توبوا الى الله توبةً نصوحاً ، فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه » (3) .
____________
(1) سورة غافر آية 7 ـ 9 .
(2) سورة الفرقان آية 68 ـ 70 .
(3) بحار الانوار ج 94 ص 142 .