|
|||
(16)
شخصياتهم. ان التكتم على الخوف أمر صعب الا ان الاطفال الاذكياء وذوي الفطنة قادرون على اداء هذا الدور بكل نجاح ؛ فهم يبذلون جهداً كبيراً للسيطرة على ارتعاش ابدانهم واخفاء تفاعلاتهم الذهنية بالاقدام او الاحجام.
الا انه من الواضح ان مثل هذا الموقف وهذا التصرف لا يكتب له الدوام والاستمرارية لافتقاده العمق والجذرية فتمر عليهم الدقائق صعبة وثقيلة ؛ وان ظلت موجبات الخوف قائمة ، فلن يمر وقت طويل حتى تنضب قدرتهم على المقاومة فيستسلمون ، الا ان زمن من الاستسلام هذا يختلف باختلاف الافراد. ولو انهم ارادوا الافصاح عما بهم لقالوا انهم قد ارتاعوا من الامر الفلاني وانخلعت قلوبهم فرقا ، وتغيرت احوالهم وأصابهم الاضطراب و .. الخ وهذه الحالة يمكن التعبير عنها بأساليب وسبل شتى حتى وان لم يتمخض عنها اية اعراض ظاهرية ولا سيما عند الاشخاص الذين لا يترك عليهم عامل الخوف مؤثرات فسيولوجية واضحة. رابعاً : المخاوف المزمنة : اذا كانت عوامل الخوف دائمية وتحولت الى ضاهرة مزمنة ، فانها ستترك آثاراً واعراضا على الشخص وتنفرز عنها نتائج واضحة يمكن الاشارة الى اهمها في ما يلي : 1 ـ الانطوائية والعيش بعيدا عن بقية المجتمع. 2 ـ مص الاصابع ، وقضم الاظافر ، وعض الشفة قلقا وقلع الشعر و ... الخ. 3 ـ حب البروز والظهور والضجيج بصورها المختلفة ، بل وحتى تغيير انماطها واشكالها. (17)
4 ـ الحياء والارتباك ، الدوار والانبهار ، وتتجسد هذه الصفات على هيئة قلة الكلام ، والاختفاء عن افراد المجتمع وعدم الاندكاك معهم.
5 ـ الحيرة والانكسار النفسي واليأس من الحياة والبرود في اداء الواجبات والاعمال. 6 ـ الارتباط والتعلق الشديد بالشخص الذي يجد فيه مأمناً وملاذاً. 7 ـ اضطراب النوم وهي صفة تبرز في حالات الاضطراب أيضاً. 8 ـ الميل الى الكذب والخداع وهي عادة تظهر عند الافراد في ظل تعودهم على الخوف. وصفوة القول هي :
ان الخوف يسلب من الانسان استعداده البدني وقدرته على الحركة والعمل ويحدث نوعاً من الاختلال في جسمه والأبعاد الاخرى من
حياته ، ويضعف الميول الغريزية عند الكبار الى ادنى درجة ممكنة ، إذ يؤدي الى شل حركة الشخص ويجعل منه تمثالاً لاروح فيه ولانشاط ، لا يمتلك القوة البدنية ولا الارادة ، فهو خال من القلب والشعور ، وأعماله اليومية معطلة ، والاهداف التي يسعى اليها عرضة للفناء والزوال.
(18)
انواع الخوف
يختلف الخوف عند الاشخاص من حيث الكيفية والمنشأ ، اذ يمكن مشاهدة الفوارق فيما بينهم بكل وضوح. وسنحاول هنا تقسيمها الى الابواب التالية لكي تتيسر دراستها ، وليلتفت اليها الوالدان والمربون ويتخذوا المواقف المدروسة ازاء كل واحد منها :
1 ـ الفطري والاكتسابي : قد تكون المخاوف فطرية ، ترافق الطفل منذ ولادته ، او قد تكون اكتسابية يتعلمها من المحيط ، ويمكن الاشارة الى نماذج من المخاوف الفطرية كالآتي : أ ـ الخوف من عدم وجود الملاذ ، فالطفل حينما يستيقظ من نومه مثلاً ولا يرى امه الى جانبه ، ويبدأ بالتأوه والبكاء ، اما كبار السن من امثالنا فاننا حينما نشعر بعدم وجود الملاذ الذي نأوي اليه ينتابنا شعور بأننا محكومون بالموت. ب ـ الخوف من الاصوات المرعبة بحيث ان الطفل يهب من نومه فزعاً حين سماعه لصوت مرعب وهو يصرخ وعلائم الهلع مرتسمة على عينيه. ج ـ الخوف من فقدان الإتزان ، فلو اننا سحبنا الوسادة من تحت رأس الطفل نراه يصاب الذعر الشديد. (19)
د ـ الخوف من السقوط ، او الوقوع ، والخوف من الألم ومن الأشخاص الغرباء ومن الاماكن العميقة والحفر والآبار. وقال البعض ان هذا الخوف يعد من انواع الخوف الفطري.
ويمكن الاشارة الى انواع أخرى من الخوف الاكتسابي ( سوى ما يتخذ طابعاً مرضياً وينبثق من اعماق الانسان ) ونحن على ثقة من ان الطفل قد أخذها عن أمه وابيه والاشخاص المحيطين به ... الخ. وهذا الصنف الاخير من الخوف يمكن معالجته بنسبة كبيرة. 2 ـ المنطقي والوهمي : بعض انواع الخوف له اساس منطقي والبعض الآخر وهمي لا اساس له. أ ـ وتطلق هنا كلمة الخوف المنطقي على الخوف الذي يقره العقلاء كالخوف من الوحش الكاسر حين يكون جائعاً وهائجاً ونقابله بأيدٍ عزلاء لا وسيلة لنا في الدفاع ولا قدرة لنا على الفرار. فهذا الخوف عقلائي من حيث كونه بمثابة الانذار الذي يحذر الانسان من العواقب الوخيمة ويدفعه لصيانة نفسه ، والعثور على سبيل للنجاة في الوقت المناسب. ب ـ اما الخوف الوهمي فهو مانصطلح عليه بالاوهام والخيالات المتأصلة في الانسان فمن الطبيعي اننا لانعتبر امثال هذه المخاوف منطقية او معقولة ؛ لان العقل لايقرها حتى وان كانت لدى الشخص الخائف ادلة وتبريرات يبرهن بها صحة هواجسه ، لقد ظهر من نتائج التحقيقات التي اجراها المتخصصون ان 80 ـ 90 % من مخاوف الاشخاص وهمية وليس لها اساس ولايؤيدها المنطق ولا العقل. ويمكن الاشارة الى امثلة منها في ما يلي : الخوف من الاشياء المرتفعة ، الخوف من الاماكن المفتوحة ، الخوف من الامراض المعدية ، الخوف من الازدحام ، الخوف من التسمم ، الخوف من عدم (20)
الوصول الى المكان الذي يريد الوصول اليه ، الخوف من الريح والمطر ، الخوف من الوحدة ، الخوف من الوقوف في الاماكن الخالية من الناس ، الخوف من الصعود في المصعد الكهربائي ، الخوف من دخول المناجم ، الخوف من الدخول في الميادين الواسعة لكي لا يخوض في ما قد يحصل فيه من اضطرابات ، الخوف من بلوغ طريق مسدود و ... الخ وقد أشار فريق من علماء النفس الى نوع من الخوف الوهمي يدعى فوبي او العصاب ( سنبحثه لاحقاً ).
ان امثال هذه المخاوف تعد بمثابة السد الذي يقف في طريق سعادتنا ويغلق امامنا سبل التكامل ويمهد النفوس للوقوع في المسكنة والذلة ، ويزعزع الارادة ، فلا بد اذن من اتخاذ موقف التصدي لها والعمل على ازالتها. 3 ـ الخوف العادي والمرضي : وقد تكون للامراض من وجهة نظر اخرى صورة عادية او مرضية : أ ـ فالخوف العادي هو ما يظهر لدى اغلب الناس نتيجة لسوء التربية ، وتجارب الحياة وسوابقها وما واجه من فشل وصدمات. فالطفل الذي أرعبته قطة او سببت له الفزع فليس من المستبعد اذا ظل يخشاها ، والطفل الذي هاجمه كلب او تعرض لصعقة التيار الكهربائي اثناء ملامسة يده للسلك الكهربائي ، من الطبيعي ان يخاف امثال هذه المشاهد. وعلى هذا الاساس فالاشخاص الذين تعرضوا لحوادث مخيفة في الماضي ، لهم الحق ـ الى حد ما ـ في ان يخافوا ؛ بل ويعد هذا أمراً طبيعياً من امثال الطفل الذي سقط في حوض الماء يوماً او لامست يده النار فاكتوى بها. ب ـ اما الخوف الذي نسميه بالخوف المرضي فهو المنبثق عن نوع من المرض او الاختلال في الجهاز العصبي او الاضطراب النفسي. ومن الامثلة الواضحة على هذه الحالة يمكننا الاشارة الى ما يلي : ـ (21)
أولاً : المخاوف غير الطبيعية المسماة بالرهاب اوالفوبيا وعرفوها بأنها اسلوب من أساليب الفرار من الصراعات. ( وهذا ما سنشرحه بالتفصيل فيما بعد ).
ثانياً : المخاوف الناتجة عن الوسوسة كالخوف من التلوث ، والخوف من التماس مع الآخرين ، والخوف من الأنفاس الملوثة بالجراثيم والخوف من ان يدفعه شخص اخرمن فوق سطح مرتفع و .. ثالثاً : الخوف من الاشياء الخطيرة كالخوف من المدية خشية ان تفتح وتجرحه. رابعاً : الخوف من الحوادث المؤلمة كخوفه من الإصابة بمرض السرطان. خامساً : الخوف من الوساوس الجنسية ، فهو يتوجس خيفة لئلا يكون ملوثاً جنسياً. سادساً : المخاوف العصبية او ما يسمى بالفزع الذي قد يهجم على القلب على حين غرة فيسلبه هدوءه واستقراره. وقد يتحول مثل هذا الخوف الى عادة تهيمن على كل وجوده من غير سبب واضح ... الخ. وقد وصف علماء النفس مايقارب الثلاثين نوعاً من هذه المخاوف وقدموا لها تعريفات محددة وواضحة ، ونبهوا الى ان غالبيتها ناشئة عن جذور من اللاوعي الذي ترسب في النفس منذ فترة الطفولة وحتى منذ ساعة الولادة ، ولا يمكن العثور على اسباب شخصية لها. وليس في استطاعة المرضى التغلب على مثل هذه الامراض ، ولهذا يصاب معظمهم بالقلق والاضطراب ، وقد تكون بعض أنواع الخوف ناتجةعن انعدام الجرأة ، وهو ما يمكن العثور على مصاديق له عند الكبار كالخوف من الجنون والخوف من الزواج والخوف من الصراعات والخوف من الفشل. 4 ـ الخوف الواقعي والوهمي : بعض انواع الخوف واقعي اما بعضها الآخر فهو وهمي ونقدم في ما يلي شرحاً مختصراً لكل منها : (22)
أ ـ الخوف الواقعي هو ذلك الخوف الناتج عن رؤية او سماع او لمس الاشياء الخطيرة كالخوف من الذئب او الحيوان المفترس ، وقد تكون لهذه المخاوف صورة منطقية او وهمية اوعادية وغير عادية.
ب ـ اما الخوف الوهمي فهي التسمية التي تطلق على الخوف الذي تنسجه قدرة التخيل عند الطفل ، وربما يتحول بعض انواع هذا الخوف الى مرض يبقى ملازماً لشخصيته ، ومن انواعه المعروفة الخوف من الظلام. والكوابيس ، والخوف من الزواج ، ومن علائمه الاستجابة الانفعالية الشديدة فقد يتصور الطفل البالغ من العمر ست سنوات بأن شخصاً يختفي تحت سريره ، او يتوهم الطفل وهو في سن الخامسة ان حيواناً مفترساً يوشك على الانقضاض عليه. اما السبب الذي من أجله يسمى هذا الخوف بالخيالي فهو عدم وجود اسبابه ومبرراته الحقيقية بل هو ناتج عن مرض او هواجس نفسية اوغير منفصل في الحقيقة عن بقية العوامل ، بل لا بد من وجود عوامل تثيره عند الاشخاص ؛ من جملة ذلك : التخمة والتحدث مع الاطفال الشديدي الخوف ومواجهتهم في حياتهم اليومية لمشاهد غريبة ومستعصية على اذهانهم. 5 ـ المخاوف الليلية والنهارية : الخوف بعضه نهاري وبعضه ليلي ، فالخوف الذي يراود الانسان في النهار يتعلق بصميم حياته العادية اليومية كالخوف من العقوبة ، والخوف من فقدان المحبوبية ، والخوف من الاستهزاء ، والخوف من حلول الاذى به ، والخوف من سوء التفاهم ، والخوف من التعرض للانتقاد ، والخوف من هيمنة الآخرين عليه ، والخوف من فقدان ماله او حياته او كرامته. اما الخوف الليلي فجذوره نابعة من الاوهام والتخيلات والهواجس وهو وان كان انعكاساً لحوادث الحياتية اليومية ، الا انه يجسد نفسه ليلا على صورة كوابيس مرعبة. فاذا ما شعر في بعض الاوقات بالحياء او تأنيب الضمير يبقى (23)
طوال الليل يعاني من ذلك حتى يسلبه الراحة والاستقرار ، شأنه في ذلك شأن خوف الطفل من حالة الصراع بين والديه وقلقه من احتمال ابتعاده عنهما ، او مثل الهواجس التي تنتابه حين يرتكب مخالفة فيظل خائفاً يترقب الحساب او العقوبة.
6 ـ الخوف الخاص والعام : قد يكون الخوف خاصاً حيناً ، وعاما أحيانا اخرى. أ ـ الخوف الخاص هو الذي يتعلق بمسألة خاصة دون سواها فنعرف على سبيل المثال ـ أشخاصا شجعان نسبياً إلا انهم يخافون من الصرصر أو الفأرة. ورغم عدم امتلاكهم الدليل المنطقي على خوفهم هذا ، الا انهم لايستطيعون نسيانه او التخلص منه. ولا شك ان السبب الرئيسي لخوف هؤلاء الاشخاص هو التجربة المؤلمة او الانعكاسات التربوية المغلوطة. ب ـ الخوف العام ويشمل الخوف من عوامل خارجية كثيرة والقلق منها وغالباً ما يلاحظ هذا على الاشخاص الجبناء فهم يخشون الكثير من الأشياء كالرعد والبرق مثلاً ، ويخافون كذلك من الجن والعفاريت ومن الحيوانات والاشخاص الغرباء و ... الخ. 7 ـ الخوف العلني والخفي : وقد يكون الخوف علنيا او خفياً. أ ـ فالخوف العلني يمكن مشاهدة آثاره بكل وضوح على الكثير من الناس اطفالاً وصبياناً وشباناً ، ونواجه يومياً عشرات الاشخاص الذين يخافون من اشياء وأشخاص وظروف مختلفة. فيظهر عليهم الارتعاش او الشحوب نتيجة لوجود هذا الخوف. ب ـ اما الخوف الخفي فهو الذي يعاني منه الاشخاص من ذوى الغرور والكبرياء ويحاولون جهد استطاعتهم كتمانه لكي لاتطفو مؤشراته على (24)
ملامحهم ؛ فالاضطراب يعصف في اعماقهم الا انهم يضغطون على انفسهم حتى لايتسرب شيء منهم الى الخارج.
يعاني مثل هؤلاء الاشخاص عادة الاضطراب وعدم السكينة اثناء النوم ويتجسد خوفهم على هيئة أحلام مزعجة وحركات عصبية وتبول غير ارادي. 8 ـ الخوف النافع والخوف الضار : واخيراً لابد من التنويه الى ان بعض انواع الخوف مفيد وبعضه الآخر مضر. أ ـ فالخوف المفيد هو ما يدفع الانسان للحركة والنشاط ويحثه على توفير الارضية التي تضمن بقاء الانسان وصيانة وجوده .. وهذا الخوف مفيد من حيث كونه بمثابة الانذار والتنبيه الذي يحذر الانسان من الاخطار التي قد يتعرض لها ، ولا بد لنا من التحلي بمثل هذا الخوف لنستطيع بواسطته حفظ سلامتنا وعزتنا وبقائنا. ب ـ وفي مقابل الخوف المفيد المضر ، وتكمن مضرته في كونه يمثل خطراً على الانسان وينأى به عن الواقع ويبعده عن حقائق الامور ، ويبعث في نفسه مزيداً من القلق والاضطراب والمتاعب. وحتى الخوف من الامتحان هو من نوع الخوف المضر وذلك لأن الانسان لابد وان يتعرض له شاء ذلك أم ابى ، لكي تتكشف حقيقة حاله له وللآخرين ، اذن فعليه ان لايخافه بل وعليه الاستعداد لمواجهته أيضاً ، وعدم التساهل في ذلك او الميل نحو الكسل والخمول. (25)
(26)
(27)
الخوف في مراحل العمر
لاشك ان الخوف لايتخذ طابعاً واحداً في جميع مراحل العمر ، بل له صورة وشكل في كل مرحلة من المراحل وهذا ماسنبحثه في الفصلين التاليين :
يختص الفصل الأول بتعريف الخوف في المراحل المختلفة وبحثه خلال تلك المراحل إذ أننا سندخل بعد ذكر المقدمة في بحث الخوف عند الأطفال حتى سن الثالثة ، ثم في السن المحصورة مابين ( 4 ـ 7 ) سنوات ، ثم في فترة ( 7 ـ 12 ) عاما ، ومن بعد ذلك في مرحلة المراهقة ، ومن بعده في مرحلة البلوغ ، ثم الشباب ، واخيرا في مرحلة النضوج ، لننتهي الى تقديم خلاصة للموضوع. وسنحاول في الفصل الثاني تبيان السمات البارزة لخوف الاطفال ، حيث سنخصص قسما منه لدراسة المخاوف المنتشرة بين الاطفال ، والقسم الآخر يتحدث عن اكثرها شيوعا وتأثيرا ، وسنتطرق فيه ايضا الى شرح الخصائص التي يتميز بها خوف الاطفال ، ثم نختتم الفصل بطرح الخلاصة الاجمالية في ذلك. (28)
الخوف في مختلف مراحل العمر
المقدمة :
قلنا بوجود مخاوف يكتسبها الانسان من الصغر ، وتبقى عالقة به الى آخر حياته ، ولهذه المخاوف طابع فطري ، من أمثال الخوف من الجوع والفقر والمرض والفشل ؛ وكل واحدة منها تعترض طريق الانسان بشكل من الاشكال وتعيقه عن النشاط والحركة ، وتحول بينه وبين بلوغ غاياته المنشودة ، وتختلف هذه المخاوف من حيث الكيفية والنوعية بين مرحلة واخرى من مراحل العمر ، فلها في سنوات الطفولة شكل بينما تتخذ في سنوات الشباب و النضوج شكلا آخر ، وسنحاول في ما يلي تتبع مسار الخوف منذ نشوئه عند الطفل وحتى غلبته واستفحاله في المراحل المتقدمة من العمر. 1 ـ الخوف حتى سن الثالثة متى يبدأ الخوف عند الانسان ؟ والجواب هو منذ حصول أي محفز شديد يثير الخوف في نفس الطفل. وهو مايلاحظ على الطفل منذ سن الثلاثة أشهر (29)
وعلى شكل استجابة عكسية ، ومنذ سن الستة اشهر تظهر على الطفل علائم الخوف من الاشخاص الغرباء.
وعندما يبلغ العام الاول من العمر تظهر عليه معالم الخوف من الحيوانات. وبما ان هذه المخاوف لاتتسم بالطابع الغريزي فإنها تضمحل تدريجيا في ظل التجربة واللمس والمعاينة ، الا ان هناك انواعاً اخرى تبقى مترسبة في شخصيته من امثال الخوف من الاشخاص الغرباء ، ومن الشعور بالوحدة وافتقاد الملاذ الذي يأويه. وفي سن الثانية من عمره يبدأ الطفل يخاف من كل شيء ومن كل حيوان مثل الكلب والسيارة والمرافق الصحية والظلام. كما وينشأ لديه في هذا العمر خوف من السقوط والضجيج والحركات الفجائية والوحدة والألم والأذى والحيوانات ومن الاشخاص المشلولين والعجزة. اما في سن الثالثة فتظهر لدى الطفل مخاوف عجيبة وغريبة وحادة ؛ الا انها مرحلة سريعة وعابرة ؛ والمخاوف التي نشأ فيها جديدة وغير واضحة المصدر فلا يدرى ان كانت غريزية ام تلقينية وبصورة عامة يمكن تلخيص انواع الخوف الرئيسية التي يعاني منها الطفل حتى هذه السن في الانواع التالية : الخوف من الظلام ، الخوف من الانفصال عن اهله وخاصة الام وهو ما يثير الخوف هلعه ، الخوف من تأخر الام في الوصول الى البيت ، الخوف من الألم ، الخوف من الصراع والتناحر ، الخوف من الشعور بالقضايا المريرة ، الخوف من الظلام ويستمر مع الطفل حتى سن العاشرة ؛ الا انه يبدأ بالاضمحلال اعتباراً من سن الخامسة فصاعداً ، الخوف من الاشكال غير المألوفة ، الخوف من الناس الغرباء ، الخوف من فقدان المكان الذي يشعر فيه بالأمن ، الخوف من صوت الرعد ، الخوف من اصوات الاطلاقات النارية والخوف حتى من صوت المكنسة (30)
الكهربائية ، الخوف من الالوان المعتمة ، الخوف من الاجسام الكبيرة ، الخوف من استبدال الموضع الذي هو فيه ، الخوف من الريح والمطر ، الخوف من البحر وامواجه ... الخوف من الظلام وهو اكثر انواع الخوف شيوعاً واكثرها تأثيراً.
2 ـ بين سن ( 4 ـ 7 ) سنوات يختلف الخوف في هذه المرحلة من العمرعما كان موجوداً في المرحلة السابقة وعما هو موجود في المرحلة اللاحقة ، فالخوف من الكلب والماء والحيوانات يبقى قائماً الا انه يأخذ بالتلاشي التدريجي في ظل القوة التي يشعر الطفل بأنه يمتلكها ويسعى بواسطتها الى التغلب على كل هذه المخاوف ، كأن يهش الكلاب بعصا او اية وسيلة اخرى ، فيما لو حاولت الاقتراب منه. لكن الخوف من بعض الحيوانات الاخرى يبقى ، بل قد يتضاعف لديه كالخوف من الحية مثلاً. في سن الخامسة يصبح الطفل على درجة شديدة من الخوف حتى يمكن القول ان الخوف يتغلب عليه. ونلاحظ في سن السادسة انه يخشى الجرح والكسر والدم رغم كل مايتكون لديه من جرأة وإقدام. وتظهر لديه في هذه السن بوادر الخوف من الأوهام والخرافات كالخوف من احتمال اختفاء شخص تحت سريره ، وهذا بحد ذاته يثير لديه الكثير من عوامل القلق والاضطرابات. ولاتفوتنا الاشارة هنا الى قوة ملكة التخيل عند الطفل في سن ( 3 ـ 5 ) سنوات ، وهذا هو الذي يجعله يتوهم وجود كائنات وهمية ويخشاها. ويظل حتى سن السابعة يخشى الوجوه المقنعة ، والاشخاص الكريهي المنظر والعفريت ، ومن الشخص الاعمى او الاعرج ومن الشرطي وماء البحر وخاصة |
|||
|