|
|||
(76)
مدى الفساد الذي منيت به الفكرة الماركسية ، وانها لم تعتمد على الدليل والبرهان حيث أن مثل هذه النظريات لها جانب من الصحة وإن وقعت في أخطاء من جهة أخرى.
وتترتب على النظرية الماركسية أمور نادى بها الشيوعيون وهي تدعو الى تخريب الاقتصاد ، وتحطيم ما بناه الانسان من قواعد الأخلاق ، والقضاء على جميع النظم الانسانية والى القراء بعضها. ويترتب على نظرية ماركس من تحديد العمل للقيمة ان انتاج السلعة يختص بالعمال ، وان بقية الاصناف لاتساهم فيه ، وانها تعيش عالة على العمال إذ ليس عندها قوى انتاجية فهي تسرق ( فائض القيمة ) من دون أن تبذل في سبيله كداً أو جهداً. ولكن الدليل العلمي يخالف ذلك فان جهد العامل جزء في الانتاج ، وليس هو تمام السبب ، وان إبراز العمل بالشكل الذي هو فيه يستند الى جهود العمال وغيرهم ، وعلينا أن نبحث عن حقيقة الانتاج وعناصره ليتبين بذلك خطأ ماركس وبُعد قوله عن واقع الدليل والى القراء ذلك : (77)
1 ـ تعريفه
وعرف الانتاج بأنه ( استخراج المواد النافعة من خزائن الطبيعة ، وتنمية خاصة النفع الكامنة في تلك المواد بتغيير شكلها أو بنقلها ) فهذه الامور التي اشتمل عليها التعريف هي المكونة للانتاج فانه لولا استخراج الانسان المواد الطبيعية من الأرض لبقيت على حالها لا ينتفع بها ولا تعد صالحة للاستعمال ، فاي نفع للانسان من السمك السابح في الماء أو الطير المحلق في الهواء ، وأية فائدة يجنيها الانسان من الوحش السارح في الصحارى والقفار ، وما يستفيد الانسان من الفحم والحديد المدفونين تحت التراب اذا لم يعمل الانسان جهده على استخراجها من مناجمها ، ويتخذ منها بمعونة الوسائط الفنية المختلفة ما يستوفي به حاجاته من الملبس والمسكن والمأكل مما هو ضروري لحفظ حياته. إن كل ما يأتيه الانسان من ضروب الاعمال في سبيل بلوغ حاجاته وما يتعلق بتلك الاعمال أو يتفرع عليها من الشؤون يعد انتاجاً ويمكن تلخيص ذلك في المواد الآتية : أ ـ استخراج المواد النافعة من خزائن الطبيعة. (78)
ب ـ تحويل هذه المواد الى اشكال صالحة للاستعمال.
ج ـ نقل هذه المواد والأشياء من المحل الذي تتوفر فيه الى المكان الذي تقلّ فيه د ـ حفرها وادخارها في زمان كثرتها وإخراجها الى السوق أوان ندرتها (1). 2 ـ عناصره إن عناصر الانتاج في العصور الأولى للانسان هي الطبيعة والعمل ، واضيف اليهما في العصور الحديثة « رأس المال وأدوات الانتاج » ويضاف الى هذه الأمور في الانتاج الرأسمالي « المنظم » ولكن لا يتساوى تأثير هذه العناصر في الانتاج كما انه ليس من الضروري اشتراكها جميعاً في حصوله فقد يحصل بانتاج عاملين من هذه العوامل ، وقد يحدث أحياناً بتأثير عامل واحد كما اذا أفرغت نواة في الأرض عن شجرة لا من صنع الانسان فانه لا دخل للعمل ، ولا لرأس المال في الانتاج بل الطبيعة وحدها هي العامل في حصول هذه الثروة. أما الأصل في الانتاج فهو العمل لانه العنصر الفاعل ، وأما الطبيعة ورأس المال فكل منهما عنصر منفعل لا يسعه إلا 1 ـ علم الاقتصاد 2 ـ 2 ـ 4. (79)
الخضوع والانقياد لعمل الانسان ، وأول من قال بذلك هو « آدم سميث » أما الطبيعيون « الفيزيوقراطيون » فكانوا يعتبرون الطبيعة ـ بل الأرض ـ العنصر الوحيد العامل في الانتاج ويعتقدون أن لا شيء غير الأِض يولد الثروة وينميها.
ومهما يكن من أمر فلا بد لنا من بيان هذه العناصر ـ ولو إجمالاً ـ ليتسنى لنا الوقوف على الانتاج ومعرفة عناصره والى القراء ذلك : 1 ـ الطبيعة الطبيعة عنصر من عناصر الانتاج تشمل الأرض وما حوت في باطنها من معادن ، وما على سطحها من بحار وأنهار ، ونباتات طبيعية وما يسقط عليها من مطر ، وما ينالها من أشعة الشمس الى غير ذلك من المواد الطبيعية التي لا دخل للانسان في وجودها كما لا قدرة له على زيادة عنصر غير ما هو موجود فيها ، انها من صنع اللّه خالق الاشياء بقدرته وإرادته. 2 ـ العمل : وقد تقدم الكلام في ايضاحه وبيان حقيقته وأقسامه وله في نظر الاسلام أهمية عظمى ولذلك رتب عليه الأحكام التالية : 1 ـ من أحيى أرضاً فهي له ، كما جاء في الحديث. 2 ـ من كشف بالحفر عيناً طبيعية للماء ، فهو أحق بها. (80)
3 ـ اذا حاز الفرد الحيوان النافر بالصيد ، والخشب بالاحتطاب والحجر الطبيعي بحمله ، والماء من النهر باغترافه في آنية وغيرها ملكه بالحيازة. كما نص على ذلك الفقهاء جميعاً.
الاستنتاج : كل هذه الأحكام تشترك في ظاهرة واحدة ، وهي أن العمل مصدر للحقوق والملكيات الخاصة ( في الثروات الطبيعية ) التي تكتنف الانسان من كل جانب ، وبالرغم من أن هذه الظاهرة التشريعية نجدها في كل تلك الاحكام فاننا بالتدقيق فيها ، وفي نصوصها التشريعية وأدلتها يمكننا أن نكتشف عنصراً ثابتاً في هذه الظاهرة ، وعنصرين متغيرين يختلفان باختلاف أنواع الثروة وأقسامها ، فالعنصر الثابث هو : ربط الحقوق الخاصة للفرد في الثروات الطبيعية الخام بالعمل ، فما لم يقدم عملاً لا يحصل على شيء ، واذا اندمج مع ثروة طبيعية في عملية من العمليات ، استطاع أن يظفر بحق خاص فيها ، فالعلاقة بين العمل والحقوق الخاصة بشكل عام ، هي المضمون المشترك لكل تلك الاحكام والعنصر الثابت فيها (1). وأما العمل في غير الثروات الطبيعية فقد سمح له باسلوبين 1 ـ اقتصادنا ، الكتاب الثاني ص 144 ، 145 لمحمد باقر الصدر. (81)
من الكسب : اسلوب الأجور وتقاضي الأجرة عما بذله من العمل كالخياط يخيط الثوب والعامل ينجز عملاً معيناً بأجرة ، واسلوب المشاركة في الناتج والأرباح كما في المزارعة والمساقاة فان الفلاح بمقتضي عقدهما يكون شريكاً في الزرع والثمر وكما في المضاربة حيث يكون العامل شريكاً في الأرباح ويتحمل المالك الخسارة كلها.
3 ـ رأس المال وأدوات الانتاج رأس المال هو ثالث العناصر التي يتكون منها الانتاج ، وقد عرفه بعض العلماء بانه عبارة عن « الاعمال والمساعي المدخرة » وقال آخرون في تعريفه انه « جزء من الثروة المدخرة معد للاستعمال في انتاج ثروة أخرى » وهذا التعريف ناقص لأنه يخرج من عداد الثروة ما لا يستعمل في الانتاج ولكنه يكفل لصاحبه المنافع والأرباح كالنقود والحلي وغيرها ولذا عدل عن هذا التعريف وعرف بتعريف آخر وهو أنه « جزء من الثروة المدخرة سواء كان معداً للاستعمال في انتاج الثروة أم كان غير معد لذلك ، ولكنه يبقى زمناً طويلاً ويكفل (82)
لصاحبه النفع والثروة » (1).
وأما أدوات الانتاج : فهي التي تشترك فيها المواد الطبيعية مع الجهد البشري المبذول فيها فالحراث مثلاً مكون من الحديد الذي هو معدن خام مع الجهد البشري الذي أنفق في ذلك المعدن وجعله صالحاً للانتفاع به في الزراعة وهكذا أدوات المصانع وغيرها مما يستعان بها على الانتاج والاستثمار. وقد فرق الاسلام بين رأس المال وأداة الانتاج في أحكامه. ( وعلى أي حال فأداة الانتاج لا تساهم في الارباح وإنما يتقاضى الأجور فقط. فالكسب الناتج عن ملكية الأداة أضيق حدوداً من الكسب الناتج عن العمل ، لانه ذو لون واحد بينما سمح للعمل باسلوبين من الكسب. وعلى العكس من أدوات الانتاج رأس المال التجاري فانه لم يسمح له بالكسب على أساس الأجور ، فلا يجوز لصاحب النقد أن يقرض نقده بفائدة ، أي أن يدفعه للعامل ليتاجر به ويتقاضى من العامل أجراً على ذلك ، لأن الأجر يتمتع بميزة الضمان ، وعدم الارتباط بنتائج العملية وما تكتنفها 1 ـ علم الاقتصاد 2 ـ 95. (83)
من خسائر وأرباح ، وهذا هو الربا المحرم شرعاً كما مر في فقرة (1) وإنما يجوز لصاحب النقد أو السلعة أن يدفع ماله الى العامل ليتاجر به ويتحمل وحده الخسارة بينما يقاسمه الأرباح بنسبة مئوية اذا حققت العملية ربحاً فالمشاركة في الربح مع تحمل أعباء الخسارة هو الأسلوب الوحيد الذي أجيز لرأس المال التجاري باتخاذه.
وبهذا نعرف أن أداة الانتاج ورأس المال التجاري متعاكسان في الأسلوب المشروع للكسب ، فلكل منهما أسلوبه بينما يجمع العمل الاسلوبين (1). وقد بينا أحكاماً مفصلة في موضوع إحياء الموات والمزارعة والمساقاة والمضاربة وسيأتي البحث عنها بالتفصيل. وأما مركز الانسان في النظرية الاسلامية ( كما عرفت ) فهو مركز الغاية لا الوسيلة ، فليس هو في مستوى سائر الوسائل المادية لتنوزع الثروة المنتجة بين الانسان وتلك الوسائل جميعاً على نسق واحد كما هي في الرأسمالية. بل إن الوسائل المادية في الاسلام تعتبر خادمة للانسان في انجاز عملية الانتاج لان عملية الانتاج نفسها إنما هي لاجل الانسان. 1 ـ اقتصادنا ، الكتاب الثاني ص 265 ، 266 لمحمد باقر الصدر. (84)
وبهذا يفترق عن النظرية الماركسية أيضاً حيث حرمت سائر الوسائل من أدوات انتاج ورأس مال عن المساهمة في الانتاج والمشاركة فيه ولم تجعل له أي أجرة أو ربح مع ما عرفت من وجود جهود بشرية قد بذلت فيها وجعلتها صالحة للانتفاع والاستثمار.
وذهب ماركس الى أن فائض القيمة ، وهو الربح الذي يزيد عن قيمة الأجور المدفوعة الى العمال قد سرق منهم ودخل في جيوب الرأسماليين فان الفرق بين الأجر الذي يدفع الى العامل منتج السلعة ، وبين الثمن الذي تباع به وهو الفائض ـ أي الربح ـ لا تظفر به الطبقة العاملة ، ويسلبه منها اصحاب رؤوس الأموال الذين يعيشون من وجهة هذه النظرية عالة عليهم. ان أخذ فائض القيمة عند ماركس هو السر في تناقضات المجتمع وشقائه ، والمصدر الوحيد لترتب الطبقية ، وتضخم الأموال عند البرجوازيين ، الأمر الذي تتكون منه الرأسمالية التي شن عليها الحرب ودعا الى تحطيمها ، ونحن لسنا في مقام الدفاع عن النظام الرأسمالي فان فيه من المفاسد والظلم والاستغلال ما لا يقل عن النظام الشيوعي في جوره واستبداده وإنما يهمنا التعرف على صحة هذه النظرية ، والتقائها بمنطق الواقع. (85)
إن هذه الفكرة ـ كما ذكرنا سابقاً ـ تبتني على أن العمل محدد للقيمة وجوهر لها ، وقد ذكرنا المؤاخذات العلمية التي ترد عليها ، وأثبتنا ان القيمة لا يحددها العمل بل تستند الى عوامل أخرى كثيرة ، بالاضافة الى ان العامل لم يكن هو العلة في الانتاج بل هو أحد أسبابه ، فمدير المصنع والمخترع وصاحب المال قد ساهموا بشطر كبير في إبراز العمل وانتاجه وان جهود هؤلاء لا يقل عن جهود العامل وكده.
ولو سلمنا ـ مجاراة له ـ ان العمل هو جوهر القيمة والمحدد لها ، وان فائض القيمة قد نهب من العامل ، وان اللازم إرجاعه اليه ، فانا بدورنا نسأل أن العمال في ظل النظام الشيوعي القائم في روسيا ، وفي غيرها من الدول الشيوعية هل يظفرون بفائض القيمة أم لا ؟ ؟ انه مما لا ريب فيه ان العمال في الاتحاد السوفيتي وفي غيره من دول العالم لا يعطون فائض القيمة ، ولو حصلوا عليها لاستحال ايجاد الأموال اللازمة للتوسع الصناعي ، ولتجديد ما يستهلك من منشآت الانتاج ، وللانفاق على المسائل الادارية. إن جميع رواتب العاملين في جهاز الدولة من حكام ، وساسة ، ورجال الأمن والجيش وبقية الموظفين إنما يأخذون (86)
رواتبهم ـ على الاكثر ـ من فائض القيمة ، ولولا ذلك لما أمكن إقامة النظام العام للجهاز الاداري في جميع الدول بأي لون كان شكلها.
لقد شن الشيوعيون الحرب بغير هوادة على الرأسماليين فدعوا الى تحطيمهم في جميع المجالات لانهم يتناولون فائض القيمة من العمال ، ولكن الفائض في النظام الشيوعي عاد الى الدولة بشكل أفظع فقد استولت عليه بيد من حديد فاخذت تشتري البضائع من العمال والفلاحين بابخس الاثمان وتبيعها عليهم وعلى غيرهم باغلى الاثمان (1) ولم يتمكن العمال أن ينطقوا ولا ببنت شفة نظراً لقسوة الحكم وصرامته ، وما هذه القنابل الذرية والأقمار الصناعية التي تطلقها روسيا في كل فترة إلا من جهود العمال وعرق جبينهم وفائض قيمة أرباحهم ، لقد أصبحت الحكومة الروسية وهي من أثرى دول العالم ، والعمال الذين عندها يعانون الشقاء والحرمان والاضطهاد فلم لا ترفع عنهم كابوس البؤس وتعطيهم فائض القيمة ؟ إن مناداة الشيوعيين بسرقة الفائض لم يكن الغرض منه إلا التغرير بالعمال وسوقهم لميادين التضحية ، وجعلهم كبش الفداء. 1 ـ الاتحاد السوفياتي في مائة سؤال وجواب. (87)
حتى اذا ظفروا بما يريدون واستولوا على زمام الحكم ألهبوا ظهور العمال بالسياط وسلبوهم الحرية والاختيار ، وحطموا جميع أمانيهم وآمالهم.
ومن ضروريات المذهب الشيوعي الغاء الملكية الفردية ، والقضاء عليها في جميع المجالات سواء في مجال الانتاج ، أم في مجال الاستهلاك فكافة البضائع الاستهلاكية ، وجميع الوسائل الانتاجية لا بد أن تؤمم للمجموع. ولما استولى الحزب الشيوعي على زمام الحكم في روسيا صار له جميع العقارات ، والابنية والمصانع ، ولم يسمح للفرد أن يملك شيئاً منها ، وحجة الشيوعيين على ذلك ان الغاء الملكية يحول دون استغلال العمال ، وأخذ فائض القيمة منهم ، وان الملكية هي المنشأ لجميع الشرور ، والمنبع لجميع المفاسد والمصدر الوحيد لاضطهاد العمال وشقائهم ، فلا بد من قلعها عن الأرض ، ومحو ظلها ، وقالوا : ان الافراد ما كانت لهم حقوق الملكية الشخصية في بدء وجود الانسان ، وانما أحدثتها الطبقات القوية فيما بعد. ولا بد لنا من ذكر السبب الذي من أجله نجحت هذه (88)
الفكرة في روسيا ، وبيان المؤاخذات على هذه النظرية التي أصبحت من أوليات مقاصد الشيوعيين والى القراء ذلك :
1 ـ سبب نجاحها لم يكن متوقعاً بأي حال من الاحوال أن تحظى هذه الفكرة بأي قسط من النجاح والاستقرار نظراً لمجافاتها لطبيعة الانسان ، وعدم التقائها بمصالحه واتجاهاته ، ولكن ظروف المجتمع الروسي الذي يتألف سواده من العمال والفلاحين الذين سحقهم طغيان القيصرية ، والارستقراطية هي التي ساعدت على نجاح ذلك ، في الوقت الذي كان فيه الشيوعيون يخفون مقاصدهم على السواد ، ويظهرون العطف على الفقراء والمحرومين ، ويتذرعون بجميع وسائل الكذب والخداع لتضليل العمال والفلاحين بانهم ينشدون مصالحهم الخاصة ، ويطالبون بحقوقهم ، وأهم العوامل التي ساعدت على تنفيذ هذه الفكرة انشاء الجيش الاحمر الذي كان سياجاً للحزب الشيوعي ، وعاملاً مهماً في تنفيذ خططه والتطويح بخصومه والمعارضين له فأباد الرؤوس والصرس وقضى على جميع العناصر المعادية له. 2 ـ المؤاخذات ان تحريم الملكية الفردية من الافكار المهلهلة التي يحوطها (89)
الفساد من جميع الجهات ، وأصبحت من القضايا التي يؤمن بفسادها كل انسان يملك وعيه واختياره ، إلا الذين ينظرون الى الواقع بمنظار أسود ويتنكرون لجميع القيم الانسانية فانهم لا يرون بأساً في ذلك ، وعلينا أن نشير ـ ولو إجمالاً ـ الى بعض المؤاخذات التي ترد على تحريم الملكية والى القراء ذلك :
1 ـ الغاء المنفعة الذاتية إن الانسان منذ وجد وجدت معه غريزة حب الملك وعاطفة السعي لمنفعته الذاتية ، ويستحيل عليه أن يتجرد من هذه الظاهرة النفسية ، ولكن الشيوعيين لم يعتنوا بحقائق الاشياء وواقعها ، وقالوا : بان الاثرة ، والميل الى طلب المنفعة الذاتية ما هي إلا كلمات فارغة أو أسماء ليس لها مسميات ، وان الفرد لا بد أن تنتزع من قرارة نفسه هذه الظواهر وتنشأ فيه العقلية الجماعية ، ومعنى ذلك أن يصوغوا للانسان عقلية غير العقلية التي نشأ عليها وأن يبدلوا مشاعره بمشاعر أخرى ، وما هذه الأقاويل إلا لون من ألوان الخرافة لانها تصادم الواقع وتتنكر لفطرة الانسان وطبعه ، وكل شيء يتنافى مع ذلك ما هو إلا أمر وهمي وخيال محض لا يؤمن به إلا ذو العاهات والنقص. (90)
ومهما يكن من أمر فان الغاء الملكية يبتني على تجريد الانسان من حب الاثرة وعلى تبديل خصائصه وعقليته ، وجعله آلة صماء لا يعي ، ولا يعقل وهيهات أن يكون الانسان كذلك.
2 ـ الاثمان الباهضة إن تطبيق هذه الفكرة في الخارج يحتاج الى اثمان باهضة فانها تتوقف على الاسراف في الدماء وعلى ذيوع الفزع ونشر الخوف بين الناس فانه ليس من الطبيعي ولا من السهل انتزاع الأراضي والمعامل والأبنية والعمارات من أيدي أهلها الذين بذلوا عصارة جهودهم في الحصول عليها ، وتحويلها منهم الى الملكية الجماعية ، وقد تقدمت روسيا في سبيل ذلك ثمناً من أغلى الأثمان فقد قدرت الضحايا بخمسة ملايين نسمة كما أخبر بذلك ستالين تشرشل (1) بالإضافة الى الأشخاص الذين حكمتهم المحاكم الشعبية ؟ ؟ بالعقوبات المختلفة والذين نفتهم الى مجاهل سيبريا. ولكنه مع هذه الضحايا الغالية التي بذلتها روسيا ، لم تنجح الفكرة وباءت بالفشل فقد انحط الانتاج الزراعي والصناعي 1 ـ ادراك الحقائق عن روسيا : ص 76. |
|||
|