|
||||||||||||||||||||||||||||||
(286)
وكذا اختلفوا في الشرطية ، فمنعه قوم وأجازه آخرون إن كان في إحدى الجملتين عائد.
وفي الإفصاح : أنّ الوصل ب « نعم » و « بئس » و « جملة الشرط والجزاء » جائز باتّفاق. وذهب الفارسي إلى أنّه لا يوصل ب « نعم » و « بئس » إذا كان فاعلهما ضميراً بخلاف ما فيه الأقوال. والحقّ أنّ كلّ ما أُريد به الإنشاء لا يجوز أن يقع صلة ، فإن وقع فلابدّمن التأويل إلى الخبر وكلّ ما يكون خبراً يصحّ أن يكون صلة فلا وجه للمنع في الشرط والجزاء. وقد اشترط بعضهم فيها أن لا تكون مستدعية لفظاً قبل الموصول ، فلا يجوز نحو : جاءني الذي حتى أبوه قائم ، ولا مررتُ بالّذي لكنّه منطلق ، ولا : مررت بالّذي إذن ينطلق ، والأمر عندي كذلك. ثمّ إنّ الوصل بجملة مصدّرة ب « كان » جائز ، إذ لا مانع منه ، وقيل : الأحسن تركه لأنّها غيّرت مقتضى الجملة ، كما غيّرت « ليت » و « لعل ». قال نجم الأئمة رضوان اللّه عليه : إنّما وجب كون الصلة جملة ، لأنّ وضع الموصول على أن يطلقه المتكلّم على ما يعتقد أنّ المخاطب يعرفه بكونه محكوماً عليه بحكم معلوم الحصول له ، إمّا مستمراً ، نحو : باسم الذي يبقى ويفنى كلّ شيء ، أو : الذي هو باق ، أو في أحد الأزمنة ، نحو : الذي ضربني ، أو أضربه ، أو الذي هو ضارب ، أو يكون متعلّقه محكوماً عليه بحكم معلوم الحصول له مستمراً ، أو في أحد الأزمنة ، نحو : اللّه الذي يبقى ملكه ، أو : ملكه باق. وزيد الذي ضرب غلامه ، أو غلامه ضارب. أو يعتقد أنّ المخاطب يعرفه بكونه أو كون سببه حكماً على شيء : دائماً أو في بعض الأزمنة ، نحو : الذي أخوك هو ، أو الذي أخوك غلامه ، (287)
أو الذي مضروبك هو ، أو غلامه.
ثمّ قال : فهذا يصلح دليلاً على أشياء : أوّلها : أنّ الموصولات معارف وضعاً. وثانيها : أنّ الصلة ينبغي أن تكون معلومة للسامع في اعتقاد المتكلّم قبل ذكر الموصول. وثالثها : أنّ الصلة ينبغي أن تكون جملة. وخامسها (1) : أنّه لابدّ في الصلة من ضمير عائد (2). وبسط الكلام في كلّ من هذه الأُمور الخمسة مما لا يليق بهذا الكتاب. ثمّ إنّ لزوم العائد في الصلة ممّا لا خلاف فيه. والمشهور أنّه لا يكون إلاّ ضميراً ، وقد سمع ما ظاهره أنّ العائد ظاهر هو عين الموصول ، نحو قوله : وأنت الذي في رحمة اللّه أطمع ، وقيل : أبو سعيد الذي رويت عن الخدري ، والحجاج الذي رأيت ابن يوسف. فمن النحاة من أبقاه على الظاهر وعمّم العائد للمضمر والمظهر. ومنهم من يقدّر الضمير ويجعل الظاهر بدلاً منه. ثمّ الضمير العائد إمّا أن يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً ، فإن كان مرفوعاً لم يجز حذفه إلاّ إذا كان مبتدأً ، فالبصريّون على أنّه إن كان في صلة أي جاز حذفه بلا شرط كقوله تعالى : ( أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلى الرَّحْمنِ عِتِيّاً ) (3) وقوله : « فسلم على أيّهم أفضل » وإلاّ كان الحذف مشروطاً باستطالة الصلة كقوله تعالى : ( وَهُوَ الّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلهٌ ) (4) والكوفيّون يجوّزون الحذف مطلقاً كما قرئ في 1 ـ تجاوز النقطة الرابعة ولم يذكرها وهي : رابعها : أنه يجب أن تكون الصلة جملة خبريّة. 2 ـ شرح الرضي : 3 / 7 ـ 11. 3 ـ مريم : 69. 4 ـ الزخرف : 84. (288)
الشواذ على الذي أحسن.
وإن كان منصوباً ؛ فإنّ كان مفعولاً متّصلاً ، جاز حذفه وإلاّ لم يجز. وإن كان مجروراً ؛ فإن كان جرّه بإضافة اسم ناصب له تقديراً أو بحرف جرّ متعيّن يعلم عند الحذف ، جاز حذفه ، وقد يحذف مع الحرف الغير المتعين ، نحو : الذي مررت زيد ، لجواز أن يكون المراد « به » و « معه » و « له ». فذهب الكسائي فيه إلى التدريج في الحذف بأن يكون قد حذف الجار أوّلاً ووصل الضمير بالفعل ونصب به ثمّ حذف لكونه منصوباً. وذهب سيبويه والأخفش إلى أنّهما حذفا معاً لأنّ حذف الجار ليس قياسياً في كلّ موضع. وأجاز الفارسي خلو ّالصلة عن العائد إذا عطفت عليها بالفاء جملة فيها ضمير الموصول نحو : الذي يطير الذباب فيغضب زيد (1). وأجاز الكوفيّون والبغداديّون وابن مالك ؛ أن يتبع الموصول باسم معرف أو ب « مثلك » فيستغني عن الصلة نحو : ضربتُ الذي أخوكَ ، و ضربت الذي مثلك. وقد تحذف الصلة لدلالة صلة أُخرى عليها ، كقوله :
1 ـ وهو سؤال مقدر ، جوابه : الذي يطير فيغضب زيد : الذباب. 2 ـ من قصيدة لعبيد بن الأبرص يخاطب بها امرئ القيس بن حجر ، أوّلها :
(289)
أي نحن الأُولى عرفوا. بالشجاعة
وقوله :
وقيل : التقدير اللّتيّا دقت و اللّتيّا دقت ، لدلالة التصغير عليه. وقيل : بل يقدر : عظمت فيها ، لأنّ التصغير فيهما للتعظيم. وقيل : إنّ « التي » إذا كانت عبارة عن الذاهبة لم يحتج إلى صلة وهنا كذلك. هذا وإنّما أخّرنا هذه الجملة من أحكام الموصولات إلى هذا المقام ولم نقدّمها في البيت السادس ، لأنّ لفظ « الذي » أوّل ما يذكره القوم في تعداد الموصولات لتعيينه للمفرد المذكر ، ولأنّه متعيّن للموصولية لا يحتمل غيرها إلاّ في شواذ المذاهب كما ستطّلع عليه. ثمّ إنّ « الذي » وزنه عند البصريّين « فعل » وأصله « لذي ». وقال الكوفيون : أصله الذال الساكنة وحدها ، لما أُريد أن يدخل عليها الألف واللام وكان يلزم اجتماع اللام والذال الساكنين زادوا قبلها « لاماً » متحرّكة ، ثمّ كسروا الذال وأشبعوا كسرتها بالياء. وذهب الفرّاء إلى أنّ أصله « ذا » اسم إشارة. والسهل إلى أن أصله « ذو » بمعنى صاحب. ثمّ إنّ اللّغة الفُصحى فيه ، سكون الياء وقد تشدّد ، وحينئذ فذهب 1 ـ مغني اللبيب : 2 / 625. (290)
« الجرولي » إلى إعرابه ك « أي » ، وقيل تبنى على الكسر.
وحكى الزمخشري بناءه على الضمّ ، وقيل : يجوز البناء على الكسر والاعراب ، وقد تحذف الياء مع إبقاء الذال على الكسر ومع إسكانها ووضعه للمفرد المذكّر من ذوي العلم وغيرهم. وحكي عن بعضهم أنّه جاء بمعنى الرجل. وزعم يونس والفرّاء وتبعهما ابن مالك أنّه يسبك منه ومن صلته مصدر ، وخرجوا عليه قوله تعالى : ( ذلِكَ الّذِي يُبَشِّر اللّه عِبادَهُ ) (1) وقوله ( خُضْتُمْ كَالّذِي خاضُوا ) (2). « بان » الشيء بياناً : اتّضح فهو بيّن. والبيان : الفصاحة واللسن ، يقال : فلان أبيَن من فلان ، أي أفصح ؛ والبيان أيضاً ما يتبيّن به الشيء من الدلالة وغيرها. ويقال لكلّ كلام أو الواضح منه : بيان ، وفي الحديث : « إنّ من البيان لسحراً » (3). « اللاّم » لتقوية العامل أو للاختصاص أو للانتفاع. أو بمعنى عندكما في قولهم « كتبته لخمس خلون » وفي قوله تعالى : ( بَلْ كَذَّبُوا بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ ) (4) على قراءة الجحدري بكسر اللام وتخفيف الميم على ما قاله ابن جنّي. أو للتبليغ بتضمين البيان معنى القول ، أو تنزيله منزلته. « من » موصولة بمعنى « الذي » أو « الذين » أو موصوفة. 1 ـ الشورى : 23. 2 ـ التوبة : 69. 3 ـ ذكر الحديث الشيخ الصدوق في أماليه : 817 ح 987 مسنداً عن عبداللّه بن زهير ، وفي من لا يحضره الفقيه : 4 / 379. 4 ـ ق : 5. (291)
« كان » إمّا ناقصة أو تامّة.
« إذا » إمّا شرطية أو ظرفية محضة. « يعقل » يجوز أن يقرأ على صيغة الغائب المبني للفاعل ، و أن يُقرأ على صيغة الغائب المبني للمفعول ، وأن يقرأ على صيغة المخاطب المبني للفاعل ، وكذلك « يسمع ». والعقل في الأصل الإمساك والاستمساك ، كعقل البعير وعقل الدواء البطن ، وعقل المرأة شعرها ، ومنه قيل للحصن : معقل. ثمّ سميت القوّة المدركة للكلّيات : عقلاً ، لعقلها صاحبها عن القبائح ، كما سميت نهية لنهيها صاحبها عن القبائح ، وسمّي إدراكها أيضاً عقلاً ، يقال : عقلتُ الشيء ، أي فهمته. و ربّما خُصّ : بالعلم بصفات الأشياء من الحسن والقبح والكمال والنقصان. و ربّما خصّ : بالعلم بخير الخيرين وشرّ الشرّين. و تسمّى القوّة : عقلاً مطبوعاً ، وإدراكها : عقلاً مسموعاً ؛ قال أمير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه :
فمنها : أن تكون للشك في ثبوت الحكم لأحد الأمرين. 1 ـ مفردات الراغب : 342 و يقول بعده : و إلى الأوّل أشار ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بقوله : ما خلق اللّه خلقاً أكرم عليه من العقل ، و إلى الثاني أشار بقوله : ما كسب أحد شيئاً أفضل من عقل يهديه إلى هدىً أو يرده عن ردى. (292)
ومنها : معنى الواو ، أي تشريك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم قاله الكوفيّون والجرمي ، واحتجّوا بقوله تعالى : ( مائة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ ) (1) ، ويقول جرير :
ولا يقال زيد و (4) عمرو لصّان ، إلاّإذا كانت « أو » بمعنى » الواو » ، ونحو ذلك من الشواهد. وأجاب غيرهم عنها بأجوبة مذكورة في مواضعها. ومنها : الاضراب ك « بل » ، واشترط سيبويه لمجيئها بهذا المعنى شرطين : الأوّل : تقدّم نفي أو نهي ، والثاني : إعادة العامل نحو : ما قام زيد أو ما قام عمرو ، أو لا يقم زيد و (5) لا يقم عمرو. ولم يشترطهما الكوفيّون وابن جنّي والفارسي 1 ـ الصافات : 147. 2 ـ شرح شواهد المغني : 1 / 196 الشاهد : 86 ، وجَرير في هذا البيت يمدح عمر بن عبدالعزيز. 3 ـ لسان العرب : 1 / 349 « خرب ». 4 ـ الصحيح « أو » ويظهر أنّ الألف ساقطة من قلم النُّساخ. 5 ـ أيضاً الصحيح « أو ». (293)
فأثبتوه مطلقاً ، لقوله :
ومنها : التقسيم ، كقوله تعالى : ( إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً ) (3) ( وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى ) (4). وكقولهم : الكلمة اسم أو فعل أو حرف. « السمع » : قوّة مودعة في الصماخ يدرك بها الأصوات وإدراكها كالسماع ، فمن الأوّل : ( خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ ) (5) ومن الثاني : ( إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ) (6). وربّما أُطلق على الأُذن. وقد جاء بمعنى الفهم ، وبمعنى الطاعة لتسبّبهما عن السماع ، قال عزّ قائلاً : ( وَلا تَكُونُوا كَالّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) (7) وقال : ( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّة وَاسْمَعُوا ) (8). 1 ـ البيتان لجرير بن عطية ( شرح ابن عقيل الشاهد : 295 ). 2 ـ البقرة : 100. 3 ـ النساء : 135. 4 ـ البقرة : 111. 5 ـ البقرة : 7. 6 ـ الشعراء : 212. 7 ـ الأنفال : 21. 8 ـ البقرة : 93. (294)
الإعراب :
إن كانت الواو للعطف ، فجملة البيت معطوفة على قال مع ما في خبره. وإن كانت للحال ، فهي حال عن فاعل قال ، أو عن مفعوله ؛ وحينئذ فالموصول مع صلته هو العائد على ذي الحال. وإن كانت للاعتراض ، لم يكن للجملة محلّ من الإعراب ، و تكون معترضة بين جملتين للتنبيه ، على ما يفهم من قوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لئلا يغفل عنه السامعون. وإن كانت للاستئناف ، لم يكن أيضاً لها محلّ من الإعراب ويكون جواباً لسؤال من يقول : « لِمَ أعرض ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) عن بيان الخليفة رأساً وكتم عنهم هذا الأصل الأصيل من أُصول الدِّين ؟ فأجاب بأنّه شافي للخليفة. ثمّ إن كانت حالاً فالظرف عامل في المرفوع أعني « بيان » وهو فاعله. ويحتمل كما عرفت على قول أن يكون المرفوع مبتدأ والظرف خبره. وعلى سائر الاحتمالات فالمرفوع مبتدأ خبره الظرف عند البصريّين ، والظرف عامل عند الكوفيين. ويحتمل الأمران عند الأخفش وقد عرفت جميع ذلك. ولابتدائيّته بيان مصحّحات : أحدها : تقديم الخبر أو ظرفيته. وثانيها : تخصيصه بما يليه سواء كان متعلّقاً به أو صفة له. وثالثها : وقوعه في الحال. وإن كانت « في » زائدة كان ما في خبرها مبتدأ. « الذي » إن كانت موصولة ف « قال » صلتها والعائد محذوف ، أي الذي قال. (295)
ويحتمل أن تكون مصدريّة على رأي من رأى مجيئها كذلك ، وحينئذ لا حاجة إلى تقدير ضمير ، بل يكون المعنى وفي قوله.
و « كان » إن كانت ناقصة كان اسمها الضمير الراجع إلى « من » وكان خبرها محذوفاً ، أي لمن كان هناك أو حاضراً أو سائلاً ، أو لمن كان مفزعاً. وإن كانت تامّة ، لم يكن لها إلاّ فاعل وهو الضمير. فإن كان المراد الأوّل وكان « بيان » مصدراً ، فاللام في « لمن » للانتفاع أو للاختصاص أو للتبليغ ، أو بمعنى « عند » ؛ فعلى الثلاثة الأُول تكون متعلّقة بالبيان ، وعلى الأخير يكون الظرف مستقرّاً صفةً للبيان ، أو لغواً متعلّقاً بمعنى النسبة المفهومة من الجملة إن كانت اسمية ، وبالظرف الأوّل إن كان المرفوع فاعلاً له. وإن كان البيان بمعنى ما يبيّن به الشيء فاللام إمّا للانتفاع أو للاختصاص ، أو بمعنى « عند » والظرف إمّا مستقر صفة له ، أو لغواً متعلّق بالظرف الأوّل ، أو بمعنى النسبة المفهومة من الجملة. وإن كان المراد الثاني وكان « البيان » مصدراً ، وكانت للتقوية أو الاختصاص; ويحتمل بعيداً أن تكون للانتفاع ؛ فعلى الأوّل يكون الظرف لغواً متعلّقاً بالبيان ، وعلى الأخيرين يكون مستقرّاً صفة للبيان ، أو لغواً متعلّقاً بالظرف الأوّل ، أو بمعنى النسبة ، وإن كان المراد الثالث ، جرى فيه ما جرى في الأوّل إلاّ كون اللام للاختصاص ، فإنّه لا يجري فيه. وليعلم أنّه كلّما كان البيان مصدراً ولم يكن لامُ « لمن » للتقوية كان مفعول البيان محذوفاً ، أي بيان للمفزع لمن كان. وإن لم يكن مصدراً ولم يكن المراد ب « من » ذلك المفزع ، كان مقدّراً أيضاً إمّا (296)
في الكلام وإمّا في العناية.
ثمّ إن كان المراد ب « من كان » : الحاضرين أو المفزع ، فالظاهر أنّ « من » موصولة لا سيّما على الأوّل ، ويحتمل أن تكون موصوفة مراداً بها التعميم على الأوّل دون الثاني. وإن كان المراد به « من وجد » ف « من » موصوفة مراد بها التعميم. ثمّ إنّ وحدة الضمير العائد عليها في « كان » إن كانت موصوفة مطابقة للّفظ والمعنى جميعاً و كذا إن كانت موصولة ، مراداً بها « المفزع » وإلاّ كانت باعتبار اللفظ فإنّ المعنى جمع. « إذا » إن كانت ظرفاً محضاً كانت متعلّقة بالبيان إن كان مصدراً ، وإلاّ تعلّقت إمّا بالظرف الأوّل أو الثاني إن كان مستقرّاً أو بمعنى النسبة. وإن كانت شرطيّة كان الجواب محذوفاً ، أي إذا يعقل أو يسمع كان فيه بيان ، أو كان الجواب ما سنذكره عن قريب. وإذا الشرطية لا تجزم المضارع إلاّ في الضرورة.
1 ـ ذكره أبوبكر السرخسي في اصوله : 1 / 222 ، وابن هشام في مغني اللبيب : 1 / 97 و 3 / 698 ، والقرطبي في تفسيره : 5 / 338 وفيه « فتجمّل » بدل « فتحمّل » ومثله لسان العرب : 1 / 712 ، ولم يذكروا قايله. (297)
وإن كان المراد بها المفزع ، وجب أن تقرأ إمّا بصيغة الغائب المجهول ، أو المخاطب المعلوم.
وإن كان المراد بها من جد ، احتملت الثلاثة ؛ ثمّ على صيغة الغائب المعلوم احتمل أن يكون مفعولهما مقدّراً ، أي يعقل أو يسمع ما قاله النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وأن يكونا منزلين منزلة اللازم أي كان ذا عقل أو ذا سمع ، وأن يكونا متخالفين. وكذا إن كانا بصيغة الخطاب. وإن كانا بصيغة المجهول احتمل أن يكون مفعولهما القائم مقام الفاعل ضميراً عائداً إلى ما قاله النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، وأن يكون ضميراً عائداً إلى مصدريهما أي يعقل العقل أو يسمع السمع ، بمعنى يحصل العقل أو السمع ، كما يقال في نحو قوله تعالى : ( وَ حيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُون ) (1) ، إنّ التقدير حيل الحيلولة ، أي أوقعت الحيلولة ، وعلى صيغة الخطاب فالمراد خطاب كلّ من يصلح للخطاب لا شخص معيّن ، كما في قوله تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلى النّار ) (2) ونحوه على وجه. ثمّ إنّ جواب الشرط على صيغة المجهول أو الخطاب إن كانت « إذا » شرطيّة غير ما قدّمناه ، بل علم أو علمت ذلك أو صدق مقالي ونحو ذلك ، إلاّ إذا كان المراد ب « من » الحاضرين أو من وجد ، فإنّ تقدير الجواب المتقدّم جائز عليهما. المعنى : وكائن أو كان أو والحال أنّه كان أو كائن في الذي قاله النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، أو 1 ـ سبأ : 54. 2 ـ الأنعام : 27. (298)
بسببه ، أو في قوله ذلك المقال ، أو بسببه بيان المفزع عند الذين كانوا حاضرين ، أو عند أيّ شخص كان من الحضّار أو خاصّاً به أو لمنفعته ، أو بيان من كان مفزعاً ، أو بيان المفزع لمن وجد أيّاً من كان أي لمنفعته ، أو عنده ، أو من قوله بيان ، بمعنى أنّ البيان من أجزاء قوله ؛ وذلك لتضمّن ما قاله إيّاه فإنّ القول متجزّئ بتجزّؤ المقول ، فإذا كان المقول متضمّناً للبيان بمعنى ما يبيّن به الشيء كان القول متضمّناً للبيان بالمعنى المصدري ، أو في الذي قاله ، أو بسببه ، أو منه بيان أي ما يبين به المفزع كأين لمن كان حاضراً أي لمنفعته أو مختصاً به أو عنده ، أو لمن كان مفزعاً أي مختصّاً به أو لمنفعته ، أو لمن وجد أي لمنفعته ، أو عنده.
أو أنّ ثبوت البيان في الذي قال ، لمن كان حاضراً أو مفزعاً أو من وجد ، أو في قوله أو بسببه بيان بهذا المعنى أو الذي قاله بيان أي ما يبيّن به الشيء ، أو قوله بيان بالمعنى المصدري وإنّما فيه بيان إذا كان من كان حاضراً يعقل ويسمع مقال النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، أو إذا كان يعقله بل إذا كان يسمعه ، أو إذا كانوا منقسمين إلى من يعقله ومن يسمعه أي ذلك ظاهر لكلّ من عقله ومن سمعه ، أو إذا كان ذا عَقْل أو سَمع ، أو إذا كان ذاعقل أو سمعه ، أوإذا كان يعقله أو كان ذا سمع ، أو إذا كان من وجد كذا ، أو إذا وجد ذو عقل أو سمع ، أو إذا عقل أو سمع مقال النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، أوإذا يعقل أو يسمع ، أو يُعقل أو يُسمع ، كان فيه بيان أو علم ، صدق مقالي ، أو إذا عقلت أو سمعت علمت ، صدق مقالي ، على تقدير إرادة معنى الواو ب « أو » يجوز أن يكون المراد بالسمع الفهم. والحاصل أنّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ردّهم بما يتضمّن النصّ على ما سألوه عنه من المفزع بعده ، وذلك لأنّه لمّا قال : إنّي أخاف عليكم أن تصنعوا بخليفتي ما صنعت عَبَدَة العِجْلِ بهارون. دلّ على أنّ خليفته من هو من النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بمنزلة هارون من موسى (299)
وما هو إلاّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، والنصوص عليه من طرق العامّة وحدها بالغة حدّ التواتر كما لا يخفى على من له أدنى استقراء.
المعاني : فيه مسائل : الأُولى : التعبير عن معنى الباء أو من ب « في » ؛ لما عرفت سابقاً من المبالغة والتوجيه ، وإن كانت زائدة فزيادتها للتجريد المتضمّن لغاية المبالغة كأنّه من غاية كونه بياناً ، في ضمنه بيان آخر. الثانية : تقديم الظرف على المرفوع إن كان مبتدأ ، لازدياد التّخصيص ودفع الالتباس فإنّه لو أخّر التبس بالصفة ، ولتصدير الحال برابطيها أعني الواو والعائد ، وللتوجيه. الثالثة : حذف عائد الموصول للاختصار والوزن والتوجيه إن صحّ مجيئ « الذي » لجعل ما بعده بتأويل المصدر. الرابعة : تنكير « بيان » للتعظيم ، والظاهر تعظيمه من جهة كونه بياناً أي شدّة إيضاحه ، وللتوجيه فإنّه لو عرفه كان اللائق به تعريفه بالإضافة ، وحينئذ لا يكون فيه من الاحتمالات ما هي الآن. الخامسة : إن كانت « من » عبارة عن الحاضرين فالتعبير عنهم بها للتعميم ، وإن كانت عبارة عن المفزع فللتعظيم. وفيه على التقديرين التوجيه. السادسة : حذف خبر كان إن كانت ناقصة ؛ للاختصار والتوجيه. السابعة : حذف جواب الشرط إن كانت « إذا » شرطية ؛ للاختصار والاحتراز عن شبه العبث لكون ما قبلها مفسّراً له ، وللتوجيه في إذا وفي الفعل في الجواب ، (300)
لأنّه لو ذكر الجواب تعيّن هو وتعيّنت « إذا » للشرطية ؛ وتعيّن الفعل غيبة أو خطاباً.
الثامنة : حذف مفعولي الفعلين ؛ للاختصار والتوجيه من جهة التعدّي واللزوم فيهما ، وجهة الغيبة والخطاب ، وجهة البقاء للفاعل أو المفعول. التاسعة : زيادة قوله « أو يسمع » إن كانت « أو » بمعنى « بل » ، أو للتقسيم ؛ للمبالغة في وضوح البيان ، وإفادة أنّه من الوضوح بحيث يكفي في فهمه السماع ، وإن لم يكن عاقلاً البيان إن كانت « في » بمعنى « الباء » أو من كانت استعارة تبعية. |
||||||||||||||||||||||||||||||
|