|
|||
(16)
موارد الدولة
(17)
(18)
(19)
موارد الدولة المالية
يمتاز النظام المالي في الإسلام ـ كما سنستعرض جانباً منه في هذا الحديث ـ عن غيره من النظم المالية بصلاحيته الواسعة لموازنة مواردها المالية بنفقاتها العامة.
والدول الحديثة تنظم نفقاتها عادة على ضوء من رصيدها المالي. وعلى العكس تماماً ، نجد أن الدولة الإسلامية تنظم مواردها المالية في حدود نفقاتها العامة ومصروفاتها. وهذه الظاهرة تدل على وجود صلاحية فائقة في النظام المالي للفقه الإسلامي ، لمسايرة الحاجات المادية في المجتمع وتسيير المرافق العامة .. من دون أن يقع عبء هذه « المرونة » على كاهل الطبقة الفقيرة في المجتمع. وسوف نعرض على القارئ ملامح من التخطيط الشرعي لموارد الدولة؛ ليلمس القارئ بنفسه هذه الصلاحية المالية مقرونة بالعدالة الاجتماعية. ويمكننا هنا أن نقسّم الموارد المالية للدولة الإسلامية إلى أقسام خمسة : 1 ـ الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق الضرائب. 2 ـ الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق العقارات. (20)
3 ـ الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق قيامها بنشاطات اقتصادية.
4 ـ الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق القرض. 5 ـ الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق ولايتها العامة على المواطنين. (21)
وأهم الضرائب المالية في الإسلام : الزكاة ، والخمس ، والجزية ، والضرائب المالية الأُخرى التي تفرضها الدولة على المسلمين ، فيما إذا اقتضت ذلك الضرورة الاجتماعية (1).
الهدف من تشريع الضريبة في الإسلام : والمهم في تشريع الضرائب المالية في الإسلام أن الغرض منها ليس فقط تهيئة المال الكافي لتسيير المرافق الاجتماعية وتغطية نفقات الدولة الإسلامية ، وإن كان ذلك جزءً كبيراً من الغرض في التشريع الضريبي على كل حال .. بل المهم من تشريع الضرائب المالية امتصاص الثروات الفائضة عن دخول الطبقات الغنية وإعادتها إلى الطبقات الفقيرة أو إلى المرافق الاجتماعية التي تنشأ لصالح الفقراء. وتؤدي هذه العملية إلى توزيع الثروة في البلاد بصورة عادلة وتحقيق العدالة الاجتماعية في التوزيع ، كما تحول دون حصول التضخم المالي في المجتمع. 1 ـ قد تتم جباية وتوزيع الضرائب المالية بمباشرة واشراف الحاكم الشرعي الأعلى عند وجود الحاكم الشرعي ، كما قد يقوم المسلمون أنفسهم بتوزيع الحقوق المالية المفروضة عليهم على المستحقين مباشرة ، مع احراز الاستحقاق ، حال عدم وجود حكومة شرعية والنتيجة سواء. فالمهم توزيع هذا الفائض المالي على فئات الفقراء وعلى المرافق الاجتماعية ، مهما يكن شكل ذلك. (22)
وإلى هذا الأصل التشريعي تشير الآية الكريمة :
( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ، وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ... ) (1). فالتشريع الضريبي ، إذن ، يؤدي دوراً مزدوجاً في حياة الأمة ، فهو من جانب يؤدي إلى توفير المال الكافي لحاجات الفئات الفقيرة في المجتمع وإدارة المرافق الاجتماعية ، ومن جانب آخر يهدف إلى القضاء على التورّم المالي في طبقات أُخرى من المجتمع. 1 ـ سورة الحشر : 8. (23)
أقسام الضرائب المالية
تنقسم الضرائب في الإسلام إلى قسمين رئيسيين :
1 ـ الضرائب المالية المحددة من حيث الكمية والمتعلق والوقت ، وهي التي حدد الشارع كميتها ومتعلقها وزمان تعلقها. 2 ـ الضرائب المالية غير المحددة من حيث الكمية والمتعلق والوقت ، وهي التي لم يحددها الشارع ، وإنما ترك أمرها إلى نظر الحاكم فيما تقتضيه الظروف الاجتماعية والاقتصادية الطارئة. والضرائب المالية المحددة تنقسم بدورها إلى قسمين هما : ( أ ) الضرائب المالية التي تتعلق بالثروات بغضّ النظر عن أصحابها. ( ب ) الضرائب المالية التي تتعلق برؤوس الأشخاص ، بغضّ النظر عما يملكون من ثروة. وعليه فإن الضرائب المالية في الإسلام تنقسم إلى ثلاثة أقسام بالتفصيل كالآتي : 1 ـ الضرائب المالية المحددة التي تتعلق بالثروات : (24)
وهذا النوع من الضرائب يشكّل الجانب الأكبر والأهم من الضرائب المالية في الإسلام.
ومما يلفت النظر أن الثروات التي يتعلق بها هذا النوع من الضريبة المالية هي من الثروات التي لا تنقطع حاجة الإنسان اليها وإلى تداولها ، وطبيعي إن استمرارية تداول هذه الثروات بين أيدي الناس تضمن استمرارية تحصيل هذه الضرائب في المجتمع الإسلامي. ويجد القارئ ـ فيما يلي ـ عرضاً موجزاً لأهم الثروات التي تتعلق بها الضرائب المالية في الإسلام : ( أ ) الثروة النقدية : وهي تتكون من الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة ، وتجب عليهما الزكاة بشرط النصاب ومرور حول كامل على تملكها. ( ب ) الثروة الحيوانية : وتتكون من الإبل والبقر والغنم ، وتجب فيها الزكاة بعد بلوغها النصاب ومرور حول كامل ، لو كانت سائمة وغير عاملة ، أما المعلوفة والعاملة ـ ولو في بعض الحول ـ فلا يجب فيها شيء. ( ج ) الثروة النباتية : وتتكون من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وتجب فيها الزكاة بعد بلوغ النصاب ، لو تمت في ملك مالكها. (25)
( د ) الثروة المعدنية :
والمعادن على ثلاثة أقسام : منها ما يقبل الانطباع ، كالذهب والفضة والنحاس والحديد ، ومنها ما لا يقبل الانطباع ، كالياقوت والزبرجد وغيرهما من الأحجار الكريمة ، ومنها المايع ، كالنفط والزئبق ... ويجب فيها الخمس بعد إخراج المؤن. ( ه ) الثروة البحرية : وهي كل ما يستخرج من البحار بالغوص ، ويجب فيها الخمس. ( و ) الثروة الحربية : وهي كل ما يستولي عليه المسلمون في الحرب من أموال الكفار ، من أموال ثابتة وصالحة للنقل ، كالأسلحة والنقود وغير ذلك ، ويجب فيها الخمس إذا كانت الحرب والحيازة بإذن النبي أو الإمام ـ عليهما السلام ـ هذا في غير الأراضي ، أما في الأراضي فالمفتوحة العامرة منها تبقى موقوفة لمصالح المسلمين على استمرار العصور ، دون أن يحق لأحد من المسلمين تملكها ، وغير العامرة منها ملك للإمام. ( ز ) الثروة التجارية : وهي كل ما يفضل للتاجر عن مؤونة عياله سنة كاملة من أرباح التجارة ، ويتعلق بها الخمس ، ويميل بعض الفقهاء إلى اعتبار الزكاة فيها. (26)
( ح ) الثروة الصناعية :
وهي كل ما يفضل لذوي الصناعات من أرباح الصناعة بعد وضع المؤونة ومرور سنة كاملة ، ويتعلق بها الخمس. ( ط ) الثروة الزراعية : وهي كل ما يفضل للزارع عن مؤونة عياله سنة كاملة من أرباح الزراعة ، ويتعلق بها الخمس. ( ي ) الثروة الأرضية : وهي الأراضي التي يشتريها المواطن الذمي من المواطن المسلم ، سواءً كانت من الأراضي المفتوحة أو من الأراضي التي أسلم عليها أهلها ، ويجب فيها الخمس. ( ك ) الثروة المدخرة : وهو المال المدخر في الأرض الذي يعثر عليه المسلم في دار الحرب أو في الوطن الإسلامي ، من غير أن يعرف مالكه الشرعي ، ويتعلق بها الخمس. ( ل ) ضريبة الأموال المختلطة : المال المختلط يفرز منه المال الحرام ، ويرد إلى أصحابه الشرعيين إذا عرف قدره ، ويفرز منه الخمس لحساب الدولة إذا لم يعرف قدره وصاحبه. ... ذلك كله في الضرائب التي تتعلق بالثروات والأموال. (27)
2 ـ الضرائب المالية التي تتعلق بالرؤوس بغضّ النظر عن نوع الثروة وكمية الثروة التي يملكها أولئك :
وأهم هذه الضرائب هي : ( أ ) زكاة الفطرة : وتجب بحلول شهر شوّال على كل مكلف بالغ متمكن عن نفسه وعمن يعيله ، وهي صاع من القوت الذي يتناوله عادة من الحنطة والشعير والأرز والتمر أو غير ذلك. ( ب ) ضريبة الفداء : وهي ضريبة مالية ، تضرب على الأسرى المحاربين ليطلق سراحهم بعد انتهاء فترة الحرب. ( ج ) ضريبة الجزية : وهي ضريبة مالية يقررها الإمام حسب ما يراه من المصلحة على الرؤوس أو الأراضي على الذميين المسالمين ، الذين يعيشون في الوطن الإسلامي أو في الأقطار المحمية من قبل الدولة الإسلامية .. عوضاً عما تقوم به الدولة الإسلامية في هذه الأقطار من الخدمات العامة. ( د ) الأضحية التي تجب على كل حاجّ في منى من مكة وقد تتعدد الأضحية حسب ما يرتكبه الحاج من مخالفات في وقت الحج والاحرام. ذلك كله فيما يخصّ الضرائب المالية المحددة وشبه المحددة. (28)
3 ـ الضرائب المالية غير المحددة :
وقد تطرأ على الحياة الاجتماعية أوضاع طارئة غير عادية ، أو تحدث ثغرات مالية كبيِرة ، تتطلب نفقات كثيرة لا تغطيها الموارد المالية التي شرعت للحالات الاعتيادية ، كما يحدث ذلك في أوقات الحرب ... ففي مثل هذه الأحوال تلتجئ الدولة الإسلامية إلى فرض ضرائب مالية جديدة في حدود حاجة البلاد وإمكانيات الأُمة المادية ، لملء هذه الثغرات. ونجد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إشارات واضحة إلى تشريع هذا النوع من الضرائب : قال ـ تعالى ـ : ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الخيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ... ) (1). وقال ـ تعالى ـ : ( .. وَجاهِدوُا بِأَموالِكُمْ وَأَنفُسِكُم .. ) (2). قال ـ تعالى ـ : ( .. وَكرِهُوا أَنْ يُجاهِدوُا بِأموالِهِمْ وَأنفْسِهِمُ .. ) (3). والآية الأُولى صريحة في الأمر بإعداد العدة الحربية الكافية ، والآيتان الأخيرتان قرنتا الجهاد بالنفس بالجهاد بالمال ، ولما كان الجهاد بالنفس لا حدّ له في الشريعة الإسلامية ، كان الجهاد بالمال 1 ـ سورة الأنفال : 62. 2 ـ سورة التوبة : 41. 3 ـ سورة التوبة : 82. (29)
بحكمه لا يحده شيء غير الحاجة.
كل ذلك فيما إذا اقتضت الضرورة الحربية ذلك. وهناك حقوق خاصة للفقراء والضعفاء والمساكين والمحرومين غير الزكاة والخمس ، يقررها التشريع الإسلامي لصالح هؤلاء في حالات الضرورة المعاشية ، ويندب إليه في غير حالات الضرورة. يقول السيد الطباطبائي في « الميزان » : « وسبيل الله ، على ما يستفاد من كلامه ـ تعالى ـ هو ما توقف عليه قيام دين الله على ساقه ، وأن يسلم من انهدام بنيانه ، كالجهاد وجميع مصالح الدين الواجب حفظها ، وشؤون مجتمع المسلمين التي ينفسخ عقد المجتمع لو انفسخت ، والحقوق المالية الواجبة التي أقام الدين بها صلب المجتمع الديني. فمن كنز ذهباً أو فضة والحاجة قائمة والضرورة عاكفة فقد كنز الذهب والفضة ولم ينفقها في سبيل الله ، فليبشر بعذاب أليم؛ فإنه آثر نفسه على ربّه ، وقدم حاجة نفسه أو ولده الاحتمالية على حاجة المجتمع الديني القطعية ... ولا يتم هذا كله إلاّ بنشر المبراّت ، وفتح باب الخيرات ، والعمل بالواجبات على ما يليق بها ، والمندوبات على ما يليق بها وأما القصر على القدر الواجب وترك الإنفاق المندوب من الرأس ، فإن فيها هدماً لأساس الحياة الدينية ، وإبطالاً لغرض الشارع ، (30)
وسيراً حثيثاً إلى نظام مختل ، وهرج ومرج ، وفساد عريق لا يصلحه شيء ، كل ذلك عن المسامحة في إحياء غرض الدين والمداهنة مع الظالمين .. ( إلا تَفْعَلوُهُ تَكُنْ فِتنةٌ في الأرْضِ وَفَسادٌ كَبيرٌ ) (1).
وفي الحديث عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ : « ولكن الله ـ عزّ وجلّ ـ فرض في أموال الأغنياء حقوقاً غير الزكاة ، فقال ـ عزّ من قائل ـ : ( وَالَّذينَ في أموالهِم حقٌ معلوُمٌ ، للسائِلِ وَالمحروَمُ ). فالحق المعلوم غير الزكاة ، وهو شيء يفرضه الرجلَ على نفسه في ماله ، يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته وسعة ماله ، فيؤدي الذي فرض على نفسه » (2). وعن سماعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه السلام ، قلت : قوم عندهم فضول وبإخوانهم حاجة شديدة ، وليس تسعهم الزكاة ، أيسعهم أن يشبعوا ويجوع إخوانهم ، فإن الزمان شديد؟ ». فقال عليه السلام : « المسلم اخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحرمه؛ فيحق على المسلمين الاجتهاد فيه ، والتواصل والتعاون والمواساة لأهل الحاجة ، والعطف منكم ... تكونون على ما أمر الله فيهم : رحماء بينكم ، متراحمين » (3). 1 ـ الميزان في تفسير القرآن : 9 / 261 ـ 276. 2 ـ وسائل الشيعة : 6 / 270. 3 ـ رسائل الشيعة : 2 : 6 / 597. |
|||
|