|
|||
(76)
الوارد الصافي العام لمجموع الأُمة ، تصرفه الدولة على المرافق الاجتماعية في الدولة.
والنصف الآخر منه ـ وهو سهم « اليتامى والمساكين وابن السبيل » ـ يعود لأشخاص الفقراء من بني هاشم فإن نقص عن حاجة الفقراء من بني هاشم فيكمله الإمام من سهم ولي الأمر ، وإن زاد على حاجتهم شيء أضاف الزائد إلى حصة الدولة (1). وخصص فقراء بني هاشم بهذا الجزء من الخمس لعدم استحقاقهم شيئاً من زكاة الآخرين. فجعل الله ذلك لهم عوضاً عن الزكاة. وإذا أُضيف الزائد من سهام الفقراء من بني هاشم إلى سهم ولي الأمر ـ وهي تزيد غالباً عن حاجاتهم ، إذا تشددت الدولة في جبايتها ـ بلغ وارد الدولة من صافي الأرباح والمكاسب حدود الخمس. وهذا وارد مالي ضخم ، يضاف إلى وارد الحكومة الإسلامية الآُخرى ، ويُمَكِّنها من القيام بكثير من المشاريع والمرافق والحاجات العامة في البلاد. ومما يدل على أن النصف الأول من السهام الستة ملك لجهة خاصة ، وهي الحكومة الإسلامية وليس ملكاً لشخص ولي الأمر هو أن الإمام القائم بالأمر يرث سهم الله وسهم الرسول. 1 ـ راجع مصباح الفقيه : الزكاة : 145. (77)
وواضح أن ملكية السهم الأول لله ـ سبحانه وتعالى ـ ليس من قبيل الملكية الاعتبارية القائمة بين الناس ، فله ـ سبحانه وتعالى ـ ملك السماوات والأرض ، وليس بحاجة إلى مثل هذه الاعتبارات والإضافات ، وإنما المقصود من إضافة السهم إليه تعالى هو ملكية الجهة التي يريد الله ـ تعالى ـ تخصيص هذا المال لها ، وهي جهة الولاية والحكومة الشرعية.
وكذلك سهم النبي (ص) فلم يعهد من النبي (ص) إنه كان يصرف هذا المال في حاجاته وحاجات أهله ، وإنما كان يصرفه في حاجات الجند والقضاء والإدارة وشؤون المجتمع والدولة. والمعني من إرث الإمام الحاكم لسهم الله ورسوله هو نهوض الإمام بعد النبي بشؤون الولاية والحكومة خلافة عن الله ورسوله وليس الغرض هو الوراثة النسبية والسببية. فالنصف الأول من السهام الستة يعود إذن إلى الحكومة الإسلامية التي يلي أمرها الحاكم الشرعي ، والنصف الثاني منها يعود إلى فقراء بني هاشم بعد إضافة الزائد منه إلى سهم ولي الأمر. ولأمر ما عطف « الرسول » و « ذوي القربى » على « الله » باللام ، ووحَّدها سياق جملي واحد وهو العطف باللام : « فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى » وعطف ( اليتامى ) و ( المساكين ) و ( ابن السبيل ) عليهم بغير اللام : « واليتامى والمساكين وابن السبيل ». (78)
ولا يخلو وجود هذين السياقين في التعاطف في النصف الأول والنصف الثاني من الآية الكريمة عن دلالة أو تأييد لوجود تفاوت في إضافة السهام إلى هاتين الطائفتين.
ولا يهمنا نحن بهذا الصدد الحديث عن عصر حضور الإمام ، وإنما نريد أن نحدد ملامح النظام في عصر الغيبة؛ حيث يتولى الفقيه الجامع للشرائط مهام الحكومة الشرعية والولاية نيابة عن الإمام. وفي مثل هذه الحالة لا تعود السهام إلى شخص الفقيه ، وإنما لجهة الولاية والحكومة التي يتولاها الفقيه ولا يرثها عنه ورثته ، وإنما ينتقل أمره إلى الفقيه الذي يليه في الولاية والحكومة على المسلمين. وبعد .. فهذا عرض موجز لنظام المال في الإسلام ، قدمناه إلى القراء بهذا الشكل من الإيجاز والاختصار ، ليكون تمهيداً لدراسة واسعة في هذا الموضوع إن شاء الله تعالى. (79)
القرآن :
الأموال : قاسم بن سلام ( أبو عبيد ) التبيان في تفسير القرآن : الشيخ الطوسي تذكرة الفقهاء : العلامة الحلي جامع البيان في تأويل آي القرآن : الطبري جواهر الكلام : الشيخ محمد حسن الحدائق الناضرة : الشيخ يوسف البحراني رياض المسائل : السيد الطباطبائي السنن : البيهقي شرايع الإسلام : المحقق الحلي العروة الوثقى : السيد كاظم اليزدي الفقه على المذاهب الأربعة : عبد الرحمن الجزيري المحاسن : البرقي مستمسك العروة الوثقى : السيد محسن الطباطبائي الحكيم مصباح الفقيه : المحقق الهمداني المكاسب : الشيخ الانصاري الميزان في تفسير القرآن : السيد محمد حسين الطباطبائي وسائل الشيعة : الحر العاملي (80)
(81)
(82)
(83)
أهمية تداول الثروة
تقوم الحياة الاجتماعية على قاعدة التبادل والمقايضة.
ولا يستطيع الإنسان أن يوفر لنفسه حاجاته الخاصة عن طريق الانتاج الشخصي ، حتى في أكثر صور الحياة البدائية. وقد أدرك الإنسان منذ عهد هذه الحقيقة ، واستحدث طريقة المقايضة والتداول لإشباع حاجاته .. بعد أن كان إنتاجه الشخصي لا يفيده مباشرة في إشباع حاجاته وسد رغباته. وزاول هذا النظام في حياته منذ أن أدرك نفسه وحاجاته .. وعمل على تطويره وتنظيمه كأي ظاهرة اجتماعية أُخرى. النظام المالي ، والاقتصاد السياسي ، وتداول الثروة : ولكي ندخل البحث عن بينة ، ينبغي أن نميّز بين هذه الأقسام الثلاثة من العلوم التي تنصب على « الثروة » جميعاً. ورغم ارتباط هذه الفروع الثلاثة من المعرفة البشرية ، فهناك حدود خاصة لكل واحد من هذه الفروع ، تميّزه عن الفرعين الآخرين. ف « النظام المالي » يبحث عن موارد الدولة المالية ومصارفها. و « الاقتصاد السياسي » يبحث عن إنتاج الثروة وتوزيعها واستهلاكها. .. بينما يبحث علم « تداول الثروة » عن انتقال الثروة من شخص إلى شخص آخر وتداولها في الأيدي. المقايضة : تعتبر المقايضة الشكل الأول لتداول الثروة .. مارسها الإنسان أول ما التجأ إلى مزاولة التداول في حياته وكانت المقايضة صورة بدائية عن التداول ، تكلف الإنسان كثيراً من المتاعب. فكان على صاحب الحنطة الذي يريد لحماً أن يعثر على شخص يملك لحماً ويرغب في تعويضه بحنطة. وكان القياس الوجيد لتقييم البضاعة هو حاجة الطرفين. فلم يعرف الإنسان بعد « وحدة » لقياس قيم البضائع. وعدم إمكان التجزئة كان هو الآخر من أهم مشاكل نظام المقايضة. فقد كان أحدهم يصحب معه حجراً كريماً إلى السوق ليشتري به كمية من الحبوب لا تعدل عشر قيمته ، فيحتار فيما يصنع بسلعته التي يعرضها في السوق والتي لا تقبل التجزئة. (85)
وكل ذلك دعا الإنسان إلى أن يبحث عن وسيط سهل التناول لتيسير عملية التداول.
وتمخضت عبقرية الإنسان بعد محاولات عدة عن النقود والنظام النقدي. الوسيط النقدي في المبادلة : اتخذ الإنسان النقود وسيطاً لعملية المبادلة في السوق .. بعد أن كانت المبادلة بين بضاعتين تجري بصورة مباشرة من غير توسيط شيء في البين ، مما كان يسبب للإنسان البدائي كثيراً من المشاكل. وكان أثر توسط النقود في عملية « المبادلة » ان انقسمت المبادلة إلى عمليتين مندمجتين : عملية مبادلة البضائع بالنقود. وعملية مبادلة النقود بالبضائع. واتخذ الإنسان النقود وحدة لقياس البضائع والخدمات وتقييمها في السوق ، بعد أن كان يعاني من عدم إمكان تجزئة السلع التي لا تقبل التجزؤ. وبهذه الصورة اهتدت عبقرية الإنسان إلى وسيلة للمبادلة تيسر له كثيراً من عقبات المقايضة. (86)
أطراف التداول
للتداول دائماً طرفان :
طرف منه هو المعوَّض ، والطرف الآخر منه هو العوض ، والمعوض والعوض قد يكونان من قبيل البضاعة والنقد ، وقد يكون بضاعة وبضاعة على طريقة المقايضة ، وقد يكون خدمة وبضاعة أو خدمة ونقداً ، أو حقاً ونقداً أو ما شابه ذلك. على أن الغالب في المعاملات ان يكون المعروض بضاعة أو خدمة والعوض نقداً. والتفكيك بين المعوض والعوض في المعاملة قد يكون واضحاً كما في موارد البضاعة والنقد ، فإن البضاعة تقع في هذه المواضع موضع المعوض والنقد يقع في موضع العوض. ولكن قد يصعب التفكيك بينهما فيما لو كان الطرفان بضاعة مثلاً. وللتفكيك في هذه الموارد بين المعوض والعوض ، ينبغي أن نفرق بين القيمة الاستعمالية للبضاعة والقيمة التبادلية لها ، فكل بضاعة أو خدمة تحمل قيمتين : 1 ـ قيمة استعمالية : وهي تمثل الخدمة الاستعمالية للبضاعة كالسير بالنسبة للسيارة ، والإشباع بالنسبة للخبز ، والتنظيف بالنسبة إلى الصابون. (87)
والمشتري يطلب من البضاعة هذه القيمة دائماً.
2 ـ قيمة تبادلية : وهي تمثل قيمة السلعة أو الخدمة عندما تعرض في السوق للتبادل في مقابل السلع الاخرى ، كما تتحدد قيمة الصابون الواحد بثلاثة أرغفة وأربعة أقلام وخمسة علب من علب الثقاب. وتتحدد هذه القيمة بقانون العرض والطلب. والبائع والمؤجر ، يطلب دائماً في السوق هذه القيمة ، من البيع والإيجار ، كما كان المشتري أو المستأجر يطلب القيمة الأُولى من الشراء. وبذلك يظهر أن ( المعوض ) يطلب دائماً لقيمته الاستعمالية سواءً كان المشتري يطلبه لاستعماله الخاص أو لاستعمال زبائنه ، والعوض يطلب دائماً لقيمته التبادلية ، ويتَّجه النظر فيه إلى ما يساويه وما يقابله من الأشياء الأخرى. وسوف نستعرض بإيجاز البحث عن كل من المعوض والعوض فيما يأتي من هذا البحث. (88)
1 ـ المعوَّض
ذكرنا قبل قليل أن كل ما يتمول من ( مال ) يحمل قيمتين ، قيمة استعمالية تمثل الخدمة الاستعمالية للمال ، وقيمة تبادلية ، تمثل ما يقابله في السوق من السلع والخدمات الاُخرى.
والمعوض هنا يطلب من جانب المشتري أو المستأجر لقيمته الاستعمالية ، بينما يطلب العوض لقيمته التبادلية. وما يقع معوضاً في المعاملة ( التداول ) أحد أشياء أربعة : 1 ـ الأعيان المتنقلة : كما لو وقع العقد على مدفأة أو غسالة أو سيارة من أعيان السلع. 2 ـ الأعيان الثابتة أو العقار : وذلك كما لو وقع العقد على دار للسكنى أو بستان. 3 ـ الحقوق المالية : وذلك كما لو وقع العقد على بعض الحقوق المالية ، كحق الإنسان في رقعة من الأرض بعد إعمارها أو غير ذلك من الحقوق المالية ، القابلة للنقل والانتقال. 4 ـ الخدمات : وذلك كما لو وقع العقد على تملك خدمة سيارة أو عامل لفترة من الزمن وهي على قسمين : (89)
( أ ) الخدمات البشرية : كما لو وقع عقد الإجارة على خدمات طبيب أو محامٍ أو سائق أو عامل.
( ب ) الخدمات السلعية : كما لو وقع العقد على استئجار خدمات سيارة أو دار للسكنى أو رافعة أثقال. (90)
2 ـ العوض أو ( النقد )
ذكرنا من قريب أن العوض يختلف عن المعوض في أنه يطلب لقيمته التبادلية ، بينما يطلب المعوض لقيمته الاستعمالية.
ولم يكن في أول عهد الإنسان بالتداول ، في عصر المقايضة عوضاً بالمعنى الصحيح للكلمة ، فلم يكن الإنسان يطلب بضاعة من البضائع لقيمتها التبادلية ، وإنما كان يطلب دائماً من البضاعة قيمتها الاستعمالية في طرفي التداول معاً. وعرف الإنسان ( العوض ) بمعناه العلمي ، أي ما يقصد لقيمته التبادلية ، عندما ابتدع الإنسان ( الوسيط النقدي ) في المعاملة كما تقدم. ففي هذا العصر؛ عصر الوساطة النقدية ، ابتدع الإنسان النقد ، كما تقدم في صدر هذا الحديث ، لتيسير المعاملة ، وتسهيل عملية التداول. تطور النظام النقدي : وكان الشكل الأول للنقود التي تداولها الإنسان هي « النقود السلعية » ... حيث اصطلح الإنسان الابتدائي على اعتبار بعض السلع وسيطاً في التبادل كالحبوب والانعام ، فكانت تحمل صفة ( النقد ) و ( البضاعة ) معاً. |
|||
|