|
|||
(31)
التعليم وتكافؤ الفرص
وقد نضم صوتنا الى صوت المتسائلين عن معنى تكافؤ الفرص التعليمية في المجتمع الرأسمالي. فهل يعني ان افراد المجتمع لهم نفس الحق في الدخول الى الجامعات مثلاً ؟ ام ان افراد اي طبقة اجتماعية اذا توفرت فيهم الشروط سيحصلون على نفس الاحتمال المتوفر لغيرهم في الدخول الى تلك الجامعات ؟ يبدو ان المعنى الثاني هو الاقرب الى الواقع. فلو كان النظام التعليمي الرأسمالي عادلاً ، لانعدم التمييز والتفريق مثلا بين الطالب الاسود الذي توفرت له مستلزمات الدراسة وتفوق على اقرانه من الطلبة البيض ، وبين غيره من الطلبة في الدخول الى ارفع الجامعات من الناحية العلمية. ولكن النظام الرأسمالي لا يتفق مع نظرتنا هذه في تعريف تكافؤ الفرص. بل يفترض ان افراد المجتمع جميعاً لهم نفس الحق في الدخول الى الجامعات ، وهذا التصور تصور وهمي لا يقوم على اساس علمي بالمرة. حيث يمكننا تشبيه هذا التصور بمجموعة من المتسابقين في ساحة لعب واسعة ، متهيأين للانطلاق والتسابق ، ولكن الفرق بينهم وبين السباق السليم ان بعضهم معاق جسديا ، وبعضهم غير مدرب على الجري ، وبعضهم معلول من الناحية الصحية ، وبعضهم جائع ، والبعض الآخر القليل مدرب بكفأة واتقان. وبعد ذلك يطلق الحَكَم الرأسمالي صفارة الانذار ويعلن بدأ السباق ليرى من يصل الى النهاية المحددة ، لاستلام جائزته ، مكافأة لجهده المبذول. وهذا المثال يصور لنا معنى تكافؤ الفرص في النظام التعليمي الرأسمالي بكل دقة. ففي الوقت الذي يهيأ الرأسماليون ابنائهم منذ الطفولة للتحصيل (32)
العلمي والاكتساب والجد ، ويحصرون الجامعات الخاصة بابنائهم ، ويحرمون الفقراء من كل وسيلة للتفوق العلمي وكسر حاجز الجامعات المحصنة ، يعرض الرأسماليون فكرتهم الرائعة الموسومة بـ « تكافؤ الفرص » ويدعون انها من افضل ما جاء به العقل البشري من ناحية العدالة والانسانية والمساواة. لكننا نقول : نعم لو كانت الثروة موزعة بشكل عادل بين افراد المجتمع جميعاً لكانت فكرة تكافؤ الفرص من اروع الافكار التي جاء بها الانسان. ولكن طالما كانت الثروة متراكمة عند القلة الرأسمالية ، وكانت الكثرة مشغولة بسد رمقها واشباع حاجاتها الاساسية ، فكيف تتحقق عندئذ فكرة « تكافؤ الفرص » التي تزعم الرأسمالية نجاحها على ارضها ؟ وكيف يستطيع الجائع الحافي التنافس في نظام تكافؤ الفرص مع المترف الممتلئ ؟ اليس اشباع حاجات الانسان الاساسية بالعدالة والتساوي اولى من الحديث عن تكافؤ الفرص ؟ واذا كانت الحصة العظمى من هذه الفرص تذهب الى افراد الطبقة الرأسمالية فاين التكافؤ في فكرة ( تكافؤ الفرص ) ؟
واذا كانت الفرص متكافئة لكل الافراد ، فماذا يجيب انصار الفكرة الرأسمالية عن سبب فصل المدارس الابتدائية والثانوية في الولايات المتحدة على اساس لون البشرة حتى العقد السادس من القرن العشرين ، بل حتى نهاية القرن العشرين في مراكز المدن الكبيرة ؟ فالطلبة البيض لا يسجلون في المدارس التي تحتل مقاعدها اغلبية سوداء. ويدعم هذا القول دراسة « كولمان » المدعومة من قبل الحكومة الامريكية في الستينات والتي تبين ان المستوى الدراسي والتحصيل العلمي للطلبة السود اقل بكثير من التحصيل (33)
العلمي للطلبة البيض ، وتعزي السبب في ذلك الى ان الطبقة الاجتماعية للطالب الفقير هي الاصل في انخفاض مستواه العلمي. وطالما كانت الاغلبية من الافراد السود من الفقراء ، فان المستوى العلمي لابنائهم ادنى من المستوى العلمي لاقرانهم من الطلبة البيض. وقد اثبتت التجارب ان جميع المحاولات التي وضعت لرفع مستوى الطلبة السود علمياً قد فشلت لانها لم تعالج المشكلة الاساسية ، وهي مشكلة توزيع الثروة بالعدالة بين الطبقات الاجتماعية ، بل تناولت تلك المحاولات تقديم حلولاً ثانوية لمشكلات لا تحل الا بالحلول الجذرية.
وعندما ننتقد فكرة ( تكافؤ الفرص ) الامريكية ، لا نريد ان نحمّل الفكرة اكثر مما تستطيع ان تحمله ، بمعنى ان تكافؤ الفرص في التعليم لا يعني بالمرة المساواة بين الافراد في الوضع العلمي والاجتماعي ، لان الافراد متفاوتون حتما في قابلياتهم الفكرية والعملية. ولكننا نقول ان فكرة ( تكافؤ الفرص ) الرأسمالية الامريكية تعطي الفرصة للاقوى بربح السباق والفوز بالجائزة الاجتماعية المقدمة من قبل النظام الرأسمالي. وبطبيعة الحال فان المؤسسة التعليمية لا يمكن ان تغير نفسها مالم يتغير النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ، الا ان النظام الرأسمالي صب جهوده السياسية في انشاء نظام مدرسي يخدم اهدافه واغراضه في ترسيخ الفكرة الطبقية وتدريب الطلبة على المنافسة الاقتصادية ، بمعنى خلق شخصياتهم الرأسمالية منذ الطفولة. (34)
من اسباب فشل النظام التعليمي الرأسمالي
وتعكس المدارس في النظام الاجتماعي ، الحالة التي يعيشها المجتمع في فترة معينة من تأريخه. فاي تغير في النظام الاخلاقي او السياسي للمجتمع لابد وان يلقي بظلاله على النظام التعليمي ومناهجه المرسومة. ولا شك ان النظرة الحديثة للتعليم تدعو الى تخفيف العبأ الدراسي الملقى على الطالب حتى ينفتح ذهنه لاستيعاب معلومات اقل واعمق وادق. وهذه النظرة بالتأكيد تحتمل الخطأ والصواب ، فبعض المفكرين الرأسماليين يلقون تبعة فشل النظام التعليمي الرأسمالي على هذا القول الذي يدعو الى تخفيف المناهج الدراسية وتسهيل موادها. ولكن الرأي السديد يشير الى ان الطالب اليافع اذا توفرت له مستلزمات التحصيل ومواد الدراسة ، يستطيع تحمل مسؤولية التعلم بشكل كامل ، دون الرجوع الى تسهيل المادة الدراسية. والعامل المهم في كل ذلك هو التأديب والتهذيب وليس تخفيف وتسهيل المنهج العلمي. فاذا شجع التلميذ على حب العلم منذ نعومة اظفاره ، وهذبت غرائزه واخلاقه ، انفتحت ذهنيته لتقبل العلم وهضم المعارف الانسانية. ومع ان عقلية الطفل الرأسمالي متفتحة ، وذهنيته ارض خصبة لانبات العلم ، الا ان النظام التعليمي الامريكي في المرحلة الثانوية يعتبر من اسوأ الانظمة التعليمية في العالم الصناعي ، لماذا ؟ لا يجيب مفكروا النظام الرأسمالي على هذا السؤال بجواب واحد ، بل يعزون فشل النظام التعليمي الى عدة اسباب. الاول : ان عجز القانون الرأسمالي والنظام الاجتماعي عن تأديب اطفال (35)
الحضارة الحديثة ، وبالخصوص اطفال المجتمع الرأسمالي ، نابع من تناقض واضطراب دور البيت والمدرسة ، فيرى بعض علماء الاجتماع ان التأديب ليس من واجبات البيت ، بل هو من واجبات المدرسة. ويرى البعض الآخر ان من واجب المدرسة تقديم العلم للتلاميذ فحسب ، وليس من واجبها القيام مقام الاب او الام في تأديب الطفل ، وهذا الاضطراب في دور البيت والمدرسة تجاه تربية الطفل ، ادى الى ضعف النظام التعليمي الرأسمالي ، لان الطفل لم يلزم في الانصياع للتهذيب البيتي ، ولم يلزم لتحصيل العلم المدرسي.
الثاني : ان التغير المستمر في الوضع الاجتماعي الرأسمالي خصوصا على صعيد الانفصال العائلي والطلاق واجتماع الرجل والمرأة دون عقد زواج ، وكثرة الولادات غير الشرعية ، يؤدي الى عدم استقرار النظام العائلي الذي يعتبر ركيزة اساسية في تقدم الطفل في الميادين العلمية والاجتماعية. الثالث : تأثير الاجهزة الاعلامية الحديثة على الاطفال ، حيث يسلب هذا الجهاز الصغير ذو الشاشة المرئية ، اهتمامات الاطفال في القراءة والكتابة والتحصيل مما يسبب انخفاضا في مستوى تفكير الطالب الذي لو توفرت له الفرصة دون وجود مثل هذا الجهاز لابدع ونبغ في شتى المعارف. الرابع : ان المناهج الدراسية للمدارس الابتدائية والثانوية مناهج واسعة وشاملة لمواضيع عديدة الا انها لا تمتلك عمقاً كافيا للنهوض بالمستوى التعليمي المأمول. اضف الى ذلك ان مجلس ادارة المدرسة يضيف المواد الدراسية التي يعتقد انها نافعة للطلبة في تلك المحلة. فاذا كانت المحلة مبتلية بمشاكل الخمور والمخدرات فان المجلس يضيف دروسا تتناول تلك (36)
المواضيع. واذا كان الوضع الاخلاقي في المحلة متدهوراً من ناحية علاقة الرجل بالمرأة ، فانه يضيف دروساً حول التغشي بين الذكور والاناث ووسائل منع الحمل. وهذه المواضيع المليئة بالاحصاءات تسلب الوقت المخصص للدروس الاساسية الواجب على الطالب تعلمها.
الخامس : ان مستويات المعلمين متدنية علمياً بسبب تدني الاجور التي يتقاضاها هؤلاء ، فلا يفكر الاذكياء والنابغون دخول معاهد اعداد المعلمين لانها لا تدر ربحاً في مجتمع يتنافس فيه الناس على جني اقصى ما يمكن جنيه من الارباح. حيث يوزن الانسان في المجتمع الرأسمالي بالمال ، فان كان غنيا منحه المجتمع تقديراً واجلالا ، وان كان فقيرا شارك المجتمع في احتقاره واهانته. ولما كان المعلم من الطبقة الوسطى ـ السفلى ، افتقد عندها الهالة التي ينبغي ان تحيط به وتجعله محط انظار الطلبة ومحط احترامهم. وهذا الامر في غاية الاهمية في عملية الارسال والاستلام بين الطلبة والاستاذ خلال مراحل التحصيل العلمي ، وافتقادها يعني اختلال عملية التحصيل. السادس : التنافس على تحصيل اعلى الدرجات بين الطلبة ، وليس تحصيل الفهم كما ذكرنا ذلك سابقاً. ومع ان هذه الاسباب جديرة بخفض المستوى العلمي لاية مدرسة كانت ، وفي اي مجتمع كان ، الا ان النظام السياسي والتشريعي يغمض عينيه ويدعي ان المشكلة في انخفاض المستوى العلمي للمدارس الرأسمالية يرجع سببه الى قضيتين ، الاولى : المناهج المدرسية ، والثانية : المدرسين. بمعنى ان علاج المشكلة التعليمية تتم عن طريق اصلاح المناهج الدراسية ورفع اجور المدرسين فقط. وهذا التوجه يخدم مصالح النظام الرأسمالي خدمة (37)
عظمى لان تحوير المناهج التي يضعها النظام بحيث تصبح اداة لتمجيد النظام الرأسمالي ودرج حسناته وتبين مساوئ الانظمة الاخرى ، ورفع طبقة المدرسين الى مستوى الطبقة الوسطى ـ العليا ، سيساهم في تسخير هؤلاء المعلمين للتسبيح بحمد النظام الرأسمالي وتمجيد عدالته ، وبذلك يصبح النظام التعليمي الذي اريد به اساسا تعليم الجيل الناشىء العلم والادب والاخلاق ، اداة بيد الاغنياء ، ومطرقة بيد الرأسمالية حتى تُكمّ كل الافواه المعارضة التي لا تطلب اكثر من تطبيق العدالة الاجتماعية في المجتمع الرأسمالي الحديث.
(38)
(39)
دور العقل في عملية التحصيل * ملحق : حديث الامام موسى بن جعفر في العقل والعلم * نظرية التعليم في الاسلام * « المدرسة » في النظام الاجتماعي * التعليم والعدالة الاجتماعية في الاسلام.
(40)
(41)
دور العقل في عملية التحصيل
ذكر ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني في مقدمة كتابه ( اصول الكافي ) خلاصة رأي الاسلام في فضائل العلم واهمية العقل قائلاً : ( ان العقل هو القطب الذي عليه المدار وبه يحتج وله الثواب وعليه العقاب ) (1). وهذا قول يفسر الحديث الوارد عن الامام الصادق « ع » في اهمية العقل عند الخالق عز وجل حيث خاطبه بقوله : ( ... وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو احب اليَّ منك ولا اكملتك الاّ فيمن احب اما اني اياك آمر ، واياك انهي واياك اعاقب ، واياك اثيب ) (2). ويقرّب ما ورد ايضاً عنه في استدلاله على اهمية العقل في ادراك عظمة الخالق : ( ان اول الاُمور ومبدأها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شيء الا به ، العقل الذي جعله الله زينة لخلقه ونوراً لهم. فبالعقل عرف العباد خالقهم ، وانهم مخلوقون ، وانه المدبر لهم ، وانهم المدبرون ، وانه الباقي وهم الفانون ؛ واستدلوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه ، من سمائه وارضه ، وشمسه وقمره ، وليله ونهاره ، وبان له ولهم خالقاً ومدبراً لم يزل ولا يزول ، وعرفوا بها الحسن من القبيح ، وان الظلمة في الجهل ، وان النور في العلم ، فهذا ما دلهم عليه العقل ) (3). وهذا التعظيم والتكريم لاهمية العقل في حياة الفرد ، ليس وليد صدفة ، فالاسلام لا يمجد العقل باعتباره اداة لاستيعاب المعلومات 1 ـ الكافي ج 1 ص 9. 2 ـ الكافي ج 1 ص 10. 3 ـ الكافي ج 1 ص 29. (42)
وخزنها ، ثم استرجاعها وتحليلها فحسب ، بل يعتبره اهم اداة لمعرفة الخالق عز وجل ، ولولاه لاصبح الانسان بهيمة اخرى لا تعي من واقعها ولا تهتم بأمر مثل اهتمامها بغرائزها الحيوانية.
ولكن العقل البشري بدّل المعادلة الحيوانية وقلبها لصالح الانسان ، فاصبح هذا الكيان الكريم بحكم عقله مكلفاً بالمسؤوليات الشرعية ومحاسباً عليها. واصبح العقل ، الحجة التي يحتج بها الله عليه يوم القيامة. واذا كان العقل بهذه المنزلة الخطيرة في حياة الانسان ، فما هي ماهيته وما هي طبيعته ؟ وجواباً على هذا السؤال ، نقول ان الحكماء اجمعوا على ان العقل مرآة واقعية لتعقّل الاشياء وفهمها ، ومحطة ادراك الخير والشر والتمييز بينهما ، واعتبروه استعداد النفس لتحصيل النظريات والابتكارات. وبالاجمال فلكي يدرك العقل ويستوعب المعارف التي ينتفع بها ، فلابد للفرد من الاجتهاد في تنمية قوة ادراكه للخير والشر ، والتمييز بينهما عن طريق علوم الطبيعة والدين والاخلاق وما يتعلق بهما من معارف وغايات. فحينما يحاول العقل انشاء العلوم النافعة للانسان في حياته العملية ، فانه يستخدم طاقته الجبارة لانشاء نظرية معاشية تدله على تعلم العلوم التطبيقية لتدر عليه شتى انواع المنافع ، وتيسر له سبل العيش الانساني الكريم ، كعلوم الزراعة والصناعة والطب والهندسة والفضاء. ولا شك ان ترجمة الافكار التي ينشئها العقل ويحاول تطويرها وتنميتها لابد ان تتم عن طريق خاص يشترك فيه جميع الافراد في النظام الاجتماعي ، وهو النطق. فيتميز تحصيل العقل وترجمة الافكار التي يحملها بالنطق ، فالانسان كيان ناطق ، وهذا النطق الذي يمثل رمز التفاهم بين الناس يميز هذا الكائن (43)
المفكر عن غيره من العجماوات. وبطبيعة الحال ، فان علوم اللغة وما يتفرع عنها من معارف وحقول ، تمثل قابلية العقل على ترجمة الافكار الخافية الى رموز مسموعة تستفيد منها الانسانية في تعاملها الاجتماعي جيلاً بعد جيل ؛ وان استعداد النفس لتحصيل النظريات والفرضيات ، يساهم في تطوير العلوم التي تخدم مصلحة الانسان. فلو اراد العالِم التجريبي وضع نظرية تتناول حركة الالكترونات في الذرة مثلاً ، فما عليه الاّ ان يفترض افتراضاً نظرياً يتناول فيه حركة تلك الشحنات ، ويفصّلها تفصيلاً نظرياً. ثم يقوم بعد ذلك بتجارب خاصة لاثبات صحة فرضيته ، فاذا تم له ذلك بالتجربة والخطأ تطورت فرضيته القائمة على مجرد الظن الى نظرية قائمة على اساس ثبوت الحقائق. وهذا الاستعداد النفسي في انشاء الافتراض وتحصيل النظرية يرفع العلم التجريبي من المستوى النظري المجرد الى مستوى عال من الدقة التجريبية والمهارة والاتقان.
وخلاصة القول ، فان الانسان العاقل المدرك يحتاج في حياته العملية الى اربعة اصناف من العلوم حتى يستطيع ان يكون عضواً نافعاً فعالاً في النظام الاجتماعي. الاول : علوم اللغة وما يتعلق بها من معارف ، فتعتبر عنصراً اساسياً من عناصر حفظ الاجتماع الانساني وتنميته ، لانه عن طريقها يتم التفاهم والاتصال بين الافراد في النظام الاجتماعي. الثاني : علوم الدين والاخلاق وما يتعلق بهما من معارف ، وهذا العنصر اساسي في استقرار النظام الاجتماعي ونشر العدالة الاجتماعية بين جميع الافراد. الثالث : العلوم النظرية ، وهي النظريات والفرضيات التي يحتاجها الانسان كقاعدة يبني عليها بناءه العلوي في العلوم التجربيبة. الرابع : العلوم (44)
التطبيقية ، وهي ثمرة العلوم الطبيعية التي يعتصر الانسان بواسطتها كل ما يتمكن اعتصاره من خيرات الارض ، بشكل يمكّنه من توفير وتيسير سبل العيش لكل افراد المجتمع الانساني.
وقد اكدت الروايات المروية عن ائمة اهل البيت « ع » على حاجة الانسان الى تلك العلوم والى ضرورة تعلمها ، من اجل المصلحة الاجتماعية. فعلى مستوى الصنف الاول ، ورد قول الامام جعفر بن محمد « ع » : ( تعلموا العربية فانها كلام الله الذي يكلم به خلقه ) (1). وعلى مستوى الصنف الثاني ، ورد في وصية الامام علي بن ابي طالب لابنه الحسن ( عليهما السلام ) : ( وان ابدأك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله ، وشرائع الاسلام واحكامه ، وحلاله وحرامه لا اجاوز ذلك بك الى غيره ) (2). وعلى مستوى الصنف الثالث ورد قول الامام علي بن ابي طالب ايضاً : ( لا علم كالتفكير ... ) (3). وعلى مستوى الصنف الرابع ورد عن الامام جعفر بن محمد « ع » ما يدعو الى التعليم المهني : ( .... فكل ما يتعلم العباد او يعلّمون غيرهم من صنوف الصناعات مثل الكتابة والحساب والتجارة والصياغة والسراجة والبناء والحياكة والقصارة والخياطة .... وانواع صنوف الآلات التي يحتاج اليها العباد التي منها منافعهم وبها قوامهم وفيها بلغة جميع حوائجهم فحلال فعله وتعليمه والعمل به وفيه ولنفسه او لغيره ، وان كانت تلك الصناعة وتلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد ووجوه المعاصي 1 ـ بحار الانوار ج 1 ص 212. 2 ـ بحار الانوار ج 1 ص 19. 3 ـ بحار الانوار ج 1 ص 179. (45)
ويكون معونة على الحق والباطل فلا بأس بصناعته وتعليمه نظير الكتابة التي هي على وجه من وجوه الفساد من تقوية معونة ولاة الجور ، وكذلك السكين والسيف والرمح والقوس وغير ذلك من وجوه الآلة التي قد تصرف الى جهات الصلاح وجهات الفساد وتكون آلة ومعونة عليها فلا بأس بتعليمه وتعلمه واخذ الاجر عليه وفيه العمل ، والعمل به وفيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق ، و محرّم عليهم فيه تصريفه الى جهات الفساد والمضار ، فليس على العالم والمتعلم اثم ولا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم وقوامهم به وبقائهم ... ) (1). ويستفاد من هذه الروايات جميعاً ، ان الاصل في العلوم الاجتماعية والتجريبية والدينية ، هو بناء النظام الاجتماعي ، وبناء الفرد بشكل يجعله مرتبطاً بالخالق سبحانه ، اولاً. وقادراً على تأدية التكاليف الشرعية ، ثانياً. وقادراً على اشباع حاجاته الاساسية ، ثالثاً.
وقد شجع الاسلام استخدام العقل بما يتناسب مع الاطار الفكري التي جاءت به الشريعة الاسلامية. فقد ميزت الشريعة بين العلوم الضارة والعلوم النافعة ، فاجازت وشجعت على تعلم وتعليم العلوم النافعة ، ومنعت تعلم العلوم الضارة. واشارت الى ان العلوم النافعة ، هي التي تدفع المفاسد ، وتجلب المصالح للناس. فاذا كان من ثمرة علوم الهندسة المدنية مثلاً ، بناء السدود التي تسيطر على مستويات كميات الماء في الاوقات الاستثنائية ، فان الاسلام يشجع الافراد على تعلمها واتقانها ، والابداع في تطويرها بما يتناسب مع حاجة الافراد في النظام الاجتماعي. واذا كانت العلوم الطبية 1 ـ تحف العقول ص 249. |
|||
|