( 7 )
أُم البّراء بنت صفوان
من الشاعرات المواليات لأمير المؤمنين عليه السلام ، والحاضرات معه في
صفين ، لها شعر تحض الرجال على القتال وتشجعهم في مواجهة العدو ، ولها شعر
ترثي به الإمام علي عليه السلام بعد أن قتله ابن ملجم لعنة الله عليه .
وقال ابن طيفور في بلاغات النساء : حدثنا العباس بن بكار ، حدثنا سهيل
بن أبي سفيان التميمي ، عن أبيه ، عن جعدة بن هبيرة المخزومي ، قال :
استأذنت اُم البراء بنت صفوان بن هلال على معاوية فأذن لها ، فدخلت
في ثلاثة دروع
(1) تسحبها ، وقد كان على رأسها كور
(2) كهيئة المنسف
(3) ، فسلمت
ثم جلست ، فقال : كيف أنت يا بنت صفوان ؟ .
قالت : بخير يا أمير المؤمنين .
قال كيف حالك ؟ .
قالت : ضعفت بعد جلد ، وكسلت بعد نشاط .
____________
(1) درع المرأة : قميصها . الصحاح 3 : 1206 « درع » .
(2) كار العمامة على رأسه يكورها : أي لاثها ، اي : دارها . الصحاح 2 : 809 « كَوَرَ » ، القاموس المحيط 2 : 129 « كور » .
(3) المِنْسَف : ما ينسف به الطعام ، وهو شيء طويل منصوب الصدر وأعلاه مرتفع . الصحاح 4 : 1431
« نسف » .
( 56 )
قال : شتان بينك اليوم وحين تقولين :
يا عمرو دونك صارماً ذا رونق | * | عضب المهزة ليـس بالخـوار (1)
|
أسـرج جوادك مسرعاً ومشمراً | * | للحرب غير معـردٍ (2) لفـــرار
|
أجــب الإمام ودب تحت لوائه | * | وأغر العدو بصـارم بتــــار
|
يــاليتني أصبحت ليس بعورة | * | فأذب عنه عساكـر الفجــــار
|
قالت : قد كان ذاك يا أمير المؤمنين ، ومثلك عفا ، والله تعالى يقول : (
عفا
الله عما سلف )
(3) .
قال : هيهات أما أنه لو عاد لعدت ، ولكنه اخترم دونك ، فكيف قولك حين
قتل ؟ .
قالت : نسيته .
فقال بعض جلسائه : هي والله حين تقول يا أمير المؤمنين :
يا للرجال لعظم هول مصيبة * فدحت فليس مصابها الهـازل
____________
(1) العضب : السيف القاطع . الصحاح 1 : 183 « عضب » .
(2) عرد الرجل تعريداً : اذا فر . الصحاح 2 : 508 « عرد » .
(3) المائدة : 95 .
( 57 )
الشمس كـاسفة لفقد إمامنــــا | * | خير الخلائــق والإمـام العـادل
|
يا خير من ركب المطي ومن مشى | * | فوق التراب لمحتـف أو ناعــل
|
حـــاشا النبي لقد هدّدَتَ قواءنا | * | فالحق أصبــح خاضعـاً للباطل
|
فقال معاوية : قاتلك الله يا بنت صفوان ، ما تركت لقائل مقالاً ! أذكري
حاجتك .
قالت : هيهات بعد هذا والله لا سألتك شيئاً ، ثم قامت فعثرت فقالت :
تعس شانئ علي .
فقال : يا بنت صفوان زعمتي أن لا اُحبه ؟
قالت : هو ما علمت
(1) .
____________
(1) بلاغات النساء : 75 . وانظر : أعيان الشيعة 3 : 475 ، أعيان النساء : 46 ، رياحين الشريعة 3 : 366 .
( 58 )
( 8 )
أُم حكيم البيضاء
بنت عبد الملطب بن هاشم ، عمة النبي صلى الله عليه وآله ، كانت فصيحة
اللسان بليغة الكلام ، شاعرة .
اُمها : فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم .
وهي توأمة عبد الله ، وقد اختلف في ذلك ولم يختلف أنها شقيقته وشقيقة أبي
طالب والزبير . كانت عند كرز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد
مناف ، فولدت له عامراً وبنات .
وكانت كأخواتها شاعرة ، ومن شعرها ما رثت به أباها عبد المطلب في
حياته ، وذلك انه جمع بناته في مرضه وهن : أروى ، واُم حكيم البيضاء ، واُميمة ،
وبرة ، وصفية ، وعاتكة . وأمرهن بأن يقلن في حياته ما يردن أن يرثينه بعد وفاته
ليسمع ما تريد أن تقول كل واحدة منهن ، فأنشأت كل واحدة منهن أبياتاً في
رثائه فقالت اُم حكيم :
ألا يا عين جـودي واستهلي * وابكي ذا النـدى والمكــرمات
ألا يا عيـن ويحك اسعفيني * بدمع مـن دمـوع هاطــلات
وابكي خير من ركب المطايا * أباك الخيـر تيــار الفــرات
( 59 )
طويل الباع شيبة ذي المعالي * كريم الخيم محمود الهبات (1)
***
____________
(1) انظري : اُسد الغابة 5 : 227 ، أعلام النساء 1 : 32 ، أعيان الشيعة 3 : 247 ، رياحين الشريعة 3 : 380 .
( 60 )
( 9 )
اُم ذر الغفاري
زوجة أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، الصحابي الجليل الذي ذكره
الرسول صلى الله عليه وآله بقوله : « ما أظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء أصدق
لهجة من أبي ذر » .
وهي شاعرة من شواعر العرب ، لها صحبة مع رسول الله صلى الله عليه
وآله . وهي من المواليات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولها ذكر
في وفاة أبي ذر .
وكان رسول الله صلى الله عيه وآله إذا أراد أن يبتسم قال لأبي ذر : « يا
أبا ذر حدثنا ببدء اسلامك » .
قال أبو ذر : كان لنا صنم يقال له : نهم ، فأتيته فصببت له لبناً ووليت ،
فحانت مني التفاتة فإذا لكلب يشرب ذلك اللبن ، فلما فرغ رفع رجله فبال على
الصنم ، فأنشأت أقول :
ألا يــا نهم إني قد بدا لـي * مدى شرف يبعد منك قربــاً
رأيت الكلب سامك حظ خسف * فلم يمنع قفاك اليــوم كلبـاً
فسمعتني ام ذر فقالت : لقد أتيت جرماً ، وأصبت عظماً ، حين هجرت نهما .
فلما أخبرتها بالخبر فقالت :
الا فابغنــا ربــاً كريمــاً * جواداً في الفضائـل يا بن وهب
فمـــا من سامه كلب حقير * فلـم تمنــع يـداه لنــا برب
( 61 )
فمــا عبد الحجارة غير غاوٍ * ركيــك العقـل ليس بـذي لــب
فقال صلى الله عليه وآله « صدقت اُم ذر ، فما عبد الحجارة غير غاوٍ »
(1) .
***
____________
(1) اُسد الغابة 5 : 581 ، رياحين الشريعة 3 : 392 .
( 62 )
( 10 )
أُم ذريح العبدية
شاعرة عربية موالية لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، حضرت معه يوم
الجمل .
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة نقلاً عن أبي مخنف : إن علياً
دفع مصحفاً يوم الجمل إلى غلام اُسمه مسلم ليدعو أهل الجمل إلى ما فيه
فقطعوا يديه وقتلوه ، فقالت اُم ذريح العبدية في ذلك :
يــا رب إن مسلماً أتاهم * بمصحف أرسله مولاهــم
للعـدل والإيمان قد دعاهم * يتلوا كتاب الله لا يخشاهـم
فخضبـوا من دمه طباهم * واُمهم واقفـة تراهــــم
تأمرهم بالغي لا تنهاهم (1)
وذكر الطبري في موضعين من تأريخه : أن التي رثته هي اُمه :
الأول :
قال : حدثني عمر بن شبة ، قال : حدثنا أبو الحسن ، قال : حدثنا شبر بن
عاصم ، عن الحجاج بن أرطأة ، عن عمار بن معاوية الدهني ، قال : أخذ علي
مصحفاً يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال : من يأخذ هذا المصحف يدعوهم
____________
(1) شرح نهج البلاغة 9 : 112 .
( 63 )
إلى ما فيه وهو مقتول ؟ فقام إليه فتى من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشو
فقال : أنا ، فأعرض عنه ، ثم كرر كلامه سلام الله عليه ثانياً وثالثاً فكان الفتى
يقوم له قائلاً : أنا ، فدفعه إليه فدعاهم فقطعوا يده اليمنى ، فأخذه بيده اليسرى
فدعاهم فقطعوا يده اليسرى ، فأخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه ، فقتل
رضى الله عنه ، فقال علي : « الآن حل قتالهم » فقالت اُم الفتى بعد ذلك فيما ترثي :
لاهم إن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم
وأمهــم قائمة تراهم * يأتمرون الغي لا تنهاهم
قد خضبت منه علق لحاهم (1)
الثاني :
قال : كتب إلي السري عن شعيب ، عن سيف ، عن مخلد بن كثير ، عن
أبيه قال : أرسلنا مسلم بن عبد الله يدعو بني أبينا فرشقوه ـ كما صنع القلب
بكعب ـ رشقاً واحداً فقتلوه ، فكان أول من قتل بين يدي عائشة ، فقالت اُم مسلم
ترثيه :
لاهم إن مسلماً أتاهــم * مستسلماً للموت إذ دعاهــم
إلى كتاب الله لا يخشاهم * فرملـوه من دمٍ إذ جــاهم
واُمهم قائمـة تراهــم * يأتمرون الغي لا تنهاهـم (2)
ويمكن أن يكون كل من اُمه واُم ذريح قد رثته ، والله العالم
(3) .
____________
(1) تأريخ الطبري 4 : 511 .
(2) تأريخ الطبري 4 : 529 .
(3) أعيان الشيعة 3 : 477 .