« ولقد عرف علماء التشريح والفسيولوجيا الصفات المميزة للأنسجة والأعضاء أي جمعيات الخلايا ، منذ أمد بعيد ولكنهم نجحوا حديثاً فقط في تحليل صفات الخلايا نفسها ولقد أمكن دراسة الخلايا الحية في قنينة بسهولة كما يمكن دراسة النمل في الخلية . وذلك بسبب الطرق الحديثة المستخدمة في توزيع الأنسجة . ولقد كشفت هذه الخلايا عن نفسها وعما وهبته من قوى لا يرقى اليها الشك ذات صفات مذهلة ... ومع أن هذه الصفات تقديرية في أحوال الحياة الطبيعية ، فانها تصبح حقيقة تحت تأثير المرض حينما يتعرض الوسط العضوي إلى تغييرات ( طبيعية ـ كيماوية ) معينة » (2). « والخلايا ، كالحيوانات ، تنتمي إلى أجناس مختلفة ، وهذه الأجناس أو الأنواع تعين بصفات تكوينها ووظائفها المميزة لها » (3). « وحينما تربى مختلف هذه الأنواع من الخلايا في قنينة فإن |
صفاتها المميزة تصبح من الوضوح مثل الصفات المميزة لمختلف الجراثيم . فلكل نوع صفاته الفطرية الملازمة له والتي تظل محدودة حتى بعد أن تنقضي بضعة أعوام على انفصاله من الجسم ... » (1) « ويبدو أن الخلايا تتذكر وحدتها الأصلية حتى حينما تصبح عناصر مجهرة لا عدد لها .. أنها تعرف ، من تلقاء ذاتها ، الوظائف المطلوب منها تأديتها في الجسم كوحدة . فلو أننا زرعنا خلايا أبثيلية عدة أشهر ، وهي بعيدة عن الحيوان الذي تنتسب إليه ، فانها تنظم نفسها تنظيماً يشبه الفسيفساء كما لو كانت ستحمي سطحاً تاماً ومع ذلك فان هذا السطح يكون غير موجود ، كذلك فإن كرات الدم البيضاء التي تعيش في قنينة تبذل قصارى جهدها للفتك بالجراثيم والكرات الحمراء على الرغم من عدم وجود جسم تتولى حمايته من غزو هذه الأعداء . وذلك لأن إلمامها الفطري بالدور الذي يجب عليها أن تلعبه في الجسم إن هو إلا وسيلة للبقاء تلتزمها جميع عناصر الجسم ». « وتختص الخلايا المعزولة بقوة إعادة إنشاء التكوين الذي يتميز به كل عضو من غير إرشاد أو من غير غرض معين ، فلو أن عدة كرات حمراء انسالت بفعل الجاذبية ، من قطرة من الدم وضعت في وسائل البلازما وكونت مجرى دقيقاً ، فانها سرعان ما تنشىء له شاطئين ولن يلبث هذان الشاطئان أن يغطيا نفسيهما بخويطات من الليفين ويصبح المجرى أنبوية تنسال فيها الكرات الحمراء مثلما تنسال في وعاء دموي ، وتحيط نفسها بغشائها المتماوج . وفي هذه الأثناء يتخذ مجرى الدم مظهر وعاء شعري مغلف بطبقة من الخلايا القابضة وهكذا |
فإن كرات الدم الحمراء والبيضاء المعزولة تستطيع أن تنشىء قطاعاً صغيراً من جهاز الدورة الدموية على الرغم من عدم وجود قلب أو دورة دموية أو أنسجة لترويها » (1). |
اليوم أن البروفسور دانيل أحد علماء ـ الأحياء ـ الايطاليين استطاع أن يلقح نطفة الرجل والمرأة في خارج رحم الأم وأن يوجد جنيناً يقوم بتربيته بصورة صناعية » (1) . « لقد أكد العالم الايطالي أن الفلم الذي صوره يوضح كيفية دخول ( الحيمن المنوي ) في ( البويضة ) داخل أنبوبة الاختبار . والنطفة التي انعقدت بهذه الصورة استمرت في النمو لمدة 29 يوماً » (2). « إن المحافل الكاثوليكية ومجلس الفاتيكان يرون أن هذه الاختبارات تفسد روح البشرية وأخلاقها ويعتقدون بأن علماء العالم يجب أن يجتنبوا عن مثل هذه التجارب التي تؤدي إلى وجود موجود حي ثم قتله » (3). |
« تتميز أنواع الخلايا بطريقتها في الحركة ، وفي اتحاد إحداها مع الأخرى وشكل مجموعاتها ، ودرجة نموها واستجابتها لمختلف الكيميائيات ، والمواد التي تفرزها والطعام الذي تحتاجه ، كما تتميز بشكلها وبنيانها ... إن قوانين تنظيم كل مجموعة خلايا ـ أي كل عضو ـ مستمدة من هذه الخصائص العنصرية . وإذا كانت خلايا النسيج تملك فقط الصفات التي ينسبها علم التشريح لها ، لما كان في استطاعتها أن تنشئ جسماً حياً ... انها تملك قوى أخرى ، تكون مخبأة عادة ولكنها تصبح فعالة حينما تستجيب لتغييرات معينة في الوسيط ، وهكذا تتاح لها فرصة علاج الحوادث غير المتوقعة إبان الحياة العادية أو في أثناء المرض ... وتتحد الخلايا في جماهير كثيفة هي الأنسجة والأعضاء التي يتوقفها تنظيمها الهندسي على الاحتياجات التكوينية والوظيفية للجسم في مجموعة » (1). « وجميع الخلايا الحية تعتمد كل الاعتماد وبصفة خاصة على الوسيط الذي غاصت فيه وهي تعدل هذا الوسيط من غير توقف ، وتتعدل هي به من غير توقف أيضاً . بل الحقيقة أنها |
غير قابلة للانفصال عنه مثلما لا ينفصل جسمها عن نواته . وبنيانها يتبعان الأحول المادية ( الطبيعية ـ الكيميائية ) والكيميائية للسائل المحيط بها ... » (1). |
« إن الجنين أخذ شكله اللازم له طيلة ( 25 يوماً ) ، وتوقفت التجربة في اليوم ( 29 ) عمداً . لقد أعلن العالم لايطالي أنه أوقف التجربة عمداً ، لأنه كان من المحتمل أن ينشأ من نمو هذا الجنين عملاق ضخم ، ويكون النمو التالي للجنين غير طبيعي ». « هذا الأمر يدلنا على أن العلماء لم يستطيعوا بعد ، من إيجاد الظروف اللازمة لتربية النطفة وتحويلها إلى طفل جديد خارج بدن الانسان . ويبدو أن هناك أسراراً دقيقة حول تغيير أشكال الأنسجة ، ونفوذ الهورمونات بين نطفتين إنسانيتين لم تكشف لحد الآن » (2) |
« وبعد ألف سنة ، يتوصل الانسان إلى كشف سر الحياة ولكن لا يدل هذا على أن باستطاعة البشر أن يوجد ذبابة أو حشرة أخرى أو حتى خلية حية . لقد أعلن هذا الموضوع في مؤتمر انعقد باسم ( داروين ) . وقد أعلن ( البروفسور هانز ) العالم الأمريكي أن العلماء سيبحثون عن سر الحياة خلال الألف سنة القادمة » (1) |
« إن حشرة الآموفيل لا تأكل الديدان ، بل هي تتغذى على الأعشاب ، لكن صغارها تحتاج إلى الديدان في تغذيتها في أولى أدوار حياتها ، ولهذا فإن هذه الحشرة تلسع الديدان وتخدرها بالسم المخصوص الذي تفرزه ولكن لا تقتلها ... وذلك لكي تولد صغارها فتستطيع التغذي على هذه الديدان . إن حشرة الآموفيل تعلم أن الديدان لو قتلت قبل ولادة صغارها فانها تتعفن ولا تصلح غذاء لها . إن هذه الحشرة قد اكتشفت أنه لو لم تخدر الديدان بالدرجة الكافية فانها تستعيد نشاطها وتأخذ بالفرار ... فتموت صغارها جوعاً ، لذلك فانها تلسع الدودة بصورة غير قاتلة بل مخدرة فقط » (1). |
« لقد كتبت الجرائد الرسمية الامريكية ، في مطلع هذا العام أن في العام الماضي بلغ مصرف الأقراص المنومة والمهدئة للأعصاب ، والخاصة للأمراض الروحية المستعملة في أمريكا مائتي مليون دولار . هذا الرقم الهائل إنما هو للأدوية المستعملة في حالات ضعف الأعصاب والقلق الفكري ، أما الأقراص المسكنة للأوجاع أمثال الأسبرين فانها تشمل مبالغ طائلة أخرى من ميزانية الدولة » (1) |
« ومن العجيب أن الأمراض العقلية أكثر عدداً من جميع الأمراض الأخرى مجتمعة . ولهذا فإن مستشفيات المجاذيب تعج بنزلائها وتعجز عن استقبال جميع الذين يجب حجزهم ... ويقول س . و . بيرسي : إن شخصاً من كل 22 شخصاً من سكان نيويورك يجب إدخاله أحد مستشفيات الأمراض العقلية بين حين وحين ، وفي الولايات المتحدة تبدي المستشفيات عنايتها لعدد من ضعاف العقول يعادل أكثر من |
ثمانية أمثال عدد المصدومين . ففي كل عام يدخل مصحات الأمراض العقلية وما يماثلها من المؤسسات نحو 86000 حالة جديدة ». « إن أمراض العقل خطر داهم . انها أكثر خطورة من السل والسرطان وأمراض القلب والكلى ، بل التيفوس والطاعون والكوليرا ... ولا شك في أن كثرة عدد مرضى الأعصاب والنفوس دليل حاسم على النقص الخطير الذي تعاني منه المدنية العصرية ، وعلى أن عادات الحياة الجديدة لم تؤد مطلقاً إلى تحسين صحتنا العقلية » (1). |
عام 1955 عام 1956 عام 1957 |
2262450 جريمة 2563150 جريمة 2796400 جريمة ... |
« الجناية في فرنسا ، إسم كتاب ألفه رجلان من علماء الاجتماع في فرنسا أحدهما هو ( بول شولو ) ، والآخر ( جان سوزنين ) ، بعد أن استفادا من الاحصائيات والملفات الجنائية بمعونة البوليس . لقد ورد في إحدى تلك الاحصائيات ما يلي : ـ تقع في فرنسا سرقة واحدة في كل دقيقتين ، وعملية اختطاف واحدة في كل عشر دقائق ، وسرقة سيارة في كل ثلاثين دقيقة ن واتصال جنسي غير مشروع في كل ثلاث ساعات ، وجناية واحدة في كل أربع ساعات ... » (1) « لندن ـ أعلنت مؤسسة التحقيقات في الصحة النفسية : ان خمسة آلاف رجل وامرأة بريطانيين ينتحرون كل عام . وهذا العدد يساوي حالات الموت الناشئة من اصطدام السيارات في هذه البلاد . وفي مدينة لندن التي لا تزيد سكانها على التسع ملايين ، يكون معدل الانتحارات في كل يوم 3 انتحارات » (2). |
« إننا فقدنا جميع مقرراتنا الداخلية كما فقدنا تعاليمنا الدينية ، والأجيال الحاضرة تجهل حتى وجود مثل هذه القيم في الماضي . وهكذا فالعدالة ، الشرف ، الاستقامة ، المسؤولية ، الطهارة ، العطف على الناس ، الشهامة ... قد أضحت عبارات فارغة لا معنى لها ، وكلمات تقابل بالسخرية من قبل الشباب ، وإذا اتفق وأن رأينا منهم شوقاً نحو العقائد الدينية فذلك كاحترامهم للأشياء النادرة في المتاحف . إن الانسان الحديث لا يعرف لغير اللذة أساساً آخر لحياته وسلوكه » (1). |
« لا يستطيع أحد أن ينكر أن البشرية تخضع لقوى منبثقة من الفكر والعقائد . وكانت نتائج بعض الفكر المجردة أن غيرة محيطنا وقلبته رأساً على عقب ( وهي العلوم التجريبية والميكانيكية ) ، وتركت أثراً كبيراً في حياتنا الفردية والاجتماعية . ولكن يجب البحث عن العواطف الباطنية والالهامات الفطرية في ضمن الفكر التي يمكن تسميتها |
بـ ( الفكر العتلية ) (1) كالعقائد الأولية للطموح وحب الكمال والعقائد الدينية . وكل نظرية تغفل النظر إلى هذه الفكر ، وتسعى في سبيل إيجاد الراحة المادية للبشر كما تفعل بقطيع من الأغنام فإن تلك النظرية تكون ناقصة ومنحرفة » (2). |
في العمل على تكميل النفس الانسانية وصقلها وتهذيبها ، لا في تطوير الوسائل والأدوات التي يستخدها في ضمان راحته المادية . هذا المذهب الأخير هو مذهب الماديين الذي يجلب الخزي والعار للانسانية ، لأنه يبعد عن نظره أشرف الصفات في الانسان . وهذه الصفات فقط بامكانها أن تضمن سعادته التي هو أرقى من سعادة الأبقار المجترة ... » (1) |
« عزلت المادة نهائياً عن الروح . وحينئذ اتخذت التركيبات العضوية والآليات الفسيولوجية حقيقة أكبر كثيراً من التفكير والسرور والحزن والجمال . ولقد دفعت هذه الغلطة الحضارة إلى سلوك طريق أدى إلى فوز العلم وانحلال الانسان ». « فإذا كان على الحضارة العلمية أن تتخلى عن الطريق الذي سارت فيه منذ عصر النهضة وتعود إلى ملاحظة المادة الجامدة ببساطة فسوف تقع أحداث عجيبة على الفور ستفقد المادة سيادتها ، ويصبح النشاط العقلي مهماً كالنشاط الفسيولوجي ، وسيبدو أن لا مفر من دراسة الوظائف الأدبية والجمالية والدينية كدراسة الرياضيات والطبيعة والكيمياء . وسوف تبدو وسائل التعليم الراهنة سخيفة . وسيسأل علماء الصحة عن |
السبب الذي يحدوهم إلى الاهتمام فقط بمنع الأمراض العضوية دون الأمراض العقلية والاضطرابات العصبية ، كما سيسألون عما يجعلهم لا يبذلون إهتماماً بالصحة الروحية . ولماذا يعزلون المرضى بالأمراض المعدية ، ولا يعزلون أولئك الذين ينشرون الأمراض العقلية والأدبية ، ولماذا يعتبرون العادات المتولدة عن الأمراض العضوية عادات ضارة دون العادات التي قد تؤدي إلى الفساد والاجرام والجنون ؟! » (1) |