(الفصل الثالث)
في ذكر طرف من خصائصه ومناقبه عليه السلام
روي عن جابر بن عبدالله قال : لمّا ولدت فاطمة الحسن عليهما السلام قالت : لعلي «سمّه» فقال : «ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم» فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «ما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّجلاًّ» فأوحى الله جلّ جلاله إلى جبرئيل عليه السلام : «أنّه قد ولد لمحمد ابن فاهبط إليه وهنّئه وقل له : إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى ، فسمّه باسم ابن هارون » .
فهبط جبرئيل عليه السلام فهنّأه من الله تعالى جلّ جلاله ، ثمّ قال : «إنّ اللهّ تعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون » .
قال : «وما كان اسمه ؟»
قال : «شبّر» .
قال : «لسِاني عربيّ » .
قال : «سمّه الحسن » فسمّاه الحسن (1) .
أورده الاُستاذ أبو سعيد الواعظ في كتاب «شرف النبيّ » مرفوعاً إلى جابر(2).
وعن جابر أيضاً قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «من سرّه أن ينظرإلى سيّد شباب الجنّة فلينظر إلى الحسن بن عليّ »(3).

_________
(1) علل الشرائع : 137 |ضمن حديث 5 ، ونحوه في : ذخائر العقبى : 120 .
(2) شرف النبي صلىالله عليه واله . . .
(3) منَاقب ابن شهرآشوب 4 : 20، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسن (ع ) ـ :

=


( 412 )
عبداللهّ بن بريدة، عن ابن عباس قال : انطلقت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فنادى على باب فاطمة ثلاثاً فلم يجبه أحدٌ ، فمال إلى حائط فقعد فيه وقعدت إلى جانبه ، فبينا هوكذلك إذ خرج الحسن بن عليّ قد غسل وجهه وعلّقت عليه سبحة، قال : فبسط النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يده ومدّها ثمّ ضمّ الحسن إلى صدره وقبّله وقال : «إنّ ابن هذا سيّد، ولعلّ الله عزّ وجلّ يصلح به بين فئتين من المسلمين »(1).
وروى إبراهيم بن عليّ الرافعي عن أبيه ، عن جدّته زينب بنت أبي رافع قالت : أتت فاطمة عليها السلام بابنيها الحسن والحسين عليهما السلام إلى رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم في شكواه التي توفّي فيها فقالت : «يا رسول الله ، هذان إبناك فورّثهما شيئاً» .
فقال : «أمّا الحسن فإنّ له هيبتي وسؤددي ، وأمّا الحسين فإنّ له جودي وشجاعتي »(2).
ويصدّق هذا الخبر ما رواه محمّد بن إسحاق قال : ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم ما بلغ الحسن بن عليّ ، كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق فما مرّ أحدٌ من خلق الله إجلالاً له ، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس ، ولقد رأيته في طريق مكّة
_________

=

78 | 136 .
(1) ورد ذيله في : مسند الطيالسي : 118 | 4 87، مصنف عبدالرزاق 11: 452، وصحيح البخاري 5: 32، ومسند أحمد5 : 37 و51 ، والمعجم الكبير للطبراني 3 : 22 | 2591 ، وحلية الأولياء 2 :35، والاستيعاب 1 : 370، مجمع الزوائد 9 : 175 .
(2) الخصال : 77 | 122 ، ارشاد المفيد 2 : 6 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 396، مقتل الخوارزمي 1 : 105 ،تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسن (ع ) ـ : 123 |197 ، اُسد الغابة5: 467 ، كفاية الطالب : 424 ، الاصابة 4 : 316، وفي بعضها باختلاف يسير.

( 413 )
نزل عن راحلته فمشى فما من خلق الله أحد إلاّ نزل ومشى ، حتّى رأيت سعد ابن أبي وقّاص قد نزل ومشى إلى جنبه (1).
وروي عن أنس بن مالك قال : لم يكن أحد أشبه برسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم من الحسن بن عليّ عليهما السلام (2).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : «إنّ الحسن ابني أشبه برسول الله صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين عليه السلام أسفل من ذلك »(3) .
وأشباه هذه الأخبار كثيرة ، وفيما أوردناه كَفاية .

_________
(1) مناقب ابن شهرآشوب 4 : 7 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 5 ، صحيح البخاري 5 : 33، صحيح الترمذي 5 : 659 | 3776، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام الحسن (ع ) ـ :28 |48 .
(3) صحيح الترمذي 5 : 660 | 3779، مورد الضمآن بزوائد ابن حبان : 553 | رقم 2235 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسن (ع ) ـ : 33 | 60 .

( 414 )
( الفصل الرابع)
في ذكر سبب وفاته عليه السلام
وبعض ماجاء في ذلك
عبدالله بن إبراهيم ، عن زياد المحاربي قال : لمّا حضرت الحسن عليه السلام الوفاة استدعى الحسين عليه السلام وقال له : «يا أخي إنّني مفارقك ولاحق بربّي ، وقد سقيت السمّ ورميت بكبدي في الطست ، وإنّي لعارف بمن سقاني ومن أين دهيت ، وأنا اُخاصمه إلى الله عزّوجلّ ، فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء ، وانتظر ما يحدث الله تبارك وتعالى فيّ ، فإذا قضيت فغسّلني وكفّنّي ، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم لاُجدّد به عهداً، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة فادفنّي هناك ، وستعلم يابن اُمّ إنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيجلبون في منعكم من ذلك ، وباللهّ اُقسم عليكم أن تهريق في أمري محجمة من دم » .
ثمّ وصّى إليه بأهله وولده وتركاته وما كان وصّى أمير المؤمنين عليه السلام حين استخلفه .
فلمّا مضى لسبيله وغسّله الحسين عليه السلام وكفّنه وحمله على سريره لم يشكّ مروان وبنو اُميّة أنّهم سيدفنونه عند رسول اللهّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فتجمّعوا ولبسوا السلاح ، فلمّا توجّه به الحسين عليه السلام إلى قبرجدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليجدّد به عهداً أقبلوا في جمعهم ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول : نحوا ابنكم عن بيتي فإنّه لا يدفن فيه
( 415 )
ويهتك عليه حجابه (1).
وفي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر عليه السلام فقال الحسين لها : «قديماً أنت هتكتي حجاب رسول الله وادخلت بيته من أبغضه ، إن الله سائلك عن ذلك ، إن أخي أمرني أن أقرّبه من رسول الله ليجدد به عهداً» إلى آخر كلامه .
قال : ثمّ تكلّم محمد بن الحنفية فقال : يا عائشة يوماً على بغل ويوماً على جمل فما تملكين نفسك عداوة لبني هاشم !
قال : فأقبلت عليه وقالت : يا ابن الحنفيّة، هؤلاء بنو الفواطم يتكلّمون فما كلامك ؟
فقال الحسين عليه السلام : «وأنّى تفقدين (2) محمّداً من الفواطم ، فوالله لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ، وفاطمة بنت ربيعة ، وفاطمة بنت أسد» .
فقالت عائشة : نحّوا ابنكم واذهبوا، فإنّكم قوم خَصمون .
فمضى الحسين بالحسن عليهما السلام إلى البقيع ودفنه هناك (3) .

_________
(1) ارشاد المفيد 2 : 17 ، كشف الغمة ا :585، ونحوه في : مقاتل الطالبيين : 74، ودلائل الامامة : 61 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 49 . (2) كذا في نسخنا، وفي الكافي : تُبعدين . وهو الصواب . (3) الكافي 1 : 240|ضمن حديث 3.
( 416 )
(الفصل الخامس)
في ذكر ولد الحسن عليه السلام
وعددهم وأسمائهم
له من الأولاد ستّة عشر(1) ولداً ذكراً واُنثى : زيد بن الحسن ، واُختاه اُمّ الحسن ، واُمّ الحسين ، اُمّهم اُمّ بشير بنت أبي مسعود الخزرجيّة .
والحسن بن الحسن اُمّه خولة بنت منظور الفزاريّة .
وعمر بن الحسن وأخواه : عبدالله ، والقاسم ابنا الحسن قتلا مع الحسين عليه السلام بكربلاء، اُمّهم اُمّ ولد .
وعبدالرحمن بن الحسن اُمّه اُمّ ولد.
والحسين بن الحسن الملقّب بالأثرم ، وأخوه طلحة، وأختهما فاطمة، اُمّهم اُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيداللهّ التيميّ .
وأبو بكرقتل مع الحسين عليه السلام .
واُمّ عبدالله ، وفاطمة ، واُمّ سلمة ، ورقيّة ، لاُمّهات أولاد شتّى(2) .
وكان زيد بن الحسن عليه السلام يلي صدقات رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم ، وكان جليل القدر كثير البرّ، ومات وله تسعون سنة، وخرج من الدنيا ولم يدّع الإمامة ولا ادّعاها له مدّع من الشيعة ولا غيرهم (3).

_________
(1) اختلف البعض في ذكر عدد أولاده عليه السلام ، حيث عدهم الشيخ المفيد بخمسة عشر دون ذكر لأبي بكر حيث عده عين عبدالله المتقدم عليه ، وإلى ذلك ذهب الموضح النسابة فتأمل . «أنظر مصادر النص » .
(2) ارشاد المفيد 2 : 20 ، المجدي في أنساب الطالبيين : 19، عمدة الطالب : 68 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 20 ، كشف الغمة 1 : 576.

( 417 )
وأمّا الحسن بن الحسن عليهما السلام فكان جليلاً فاضلاً، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين عليه السلام ، دخل على عبدالملك بن مروان محرشاً(1) على الحجّاج فقال له عبدالملك بعد أن رحّب به وأحسن مسألته : لقد أسرع إليك الشيب يا أبا محمد وكان عنده يحيى بن اُمّ الحكم وقد وعده أن ينفعه عنده .
فقال يحيى : وما يمنعه يا أمير المؤمنين ؟ شيّبته أمانيّ أهل العراق ، تفد عليه الوفود يمنّونه الخلافة .
فاقبل عليه الحسن وقال : بئس ـ والله ـ الرفد رفدت ، ليس كما قلت ، ولكنّا أهل بيت يسرع إلينا الشيب .
فأقبل عليه عبدالملك وقال : هلّم ما قدمت له .
فقال : إنّ الحجّاج يقول : أدخل عمر بن عليّ معك في صدقة أبيك .
فقال عبد الملك : ليس ذلك له ، اكتب إليه كتاباً لا يجاوزه .
فكتب إليه وأحسن صلة الحسن وأكرمه ، فلمّا خرج من عنده لقيه يحيى بن اُمّ الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره فقال له يحيى: أيهاً عنك ، فوالله لا يزال يهابك ، ولولا هيبتك لم يقض لك حاجة، وما ألوتك رفداً(2).
وروي : أنه خطب إلى عمّه الحسين عليه السلام إحدى ابنتيه ، فقال له الحسين عليه السلام : «يا بنيّ اخترأحبّهما إليك » فاستحيى الحسن فقال له الحسين عليه السلام : «فإنّي قد اخترت لك ابنتي فاطمة، فهي أكثرهما
_________
(1) الحرش : اغراء الانسان ليقع بقرنه ، وحرش بينهم : افسد واغرى بعضهم ببعض . «انظر:لسان العرب 6 : 279» .
(2) ارشاد المفيد 2 : 23 ، أنساب الأشراف 3 : 73 | 85 .

( 418 )
شبهاً باُمّي فاطمة بنت رسول اللهّ صلى اللهّ عليه وآله وسلّم»(1).
وقبض الحسن بن الحسن وله خمس وثلاثون سنة، وأوصى إلى أخيه من اُمّه إبراهيم بن محمّد بن طلحة .
وكان عبدالله بن الحسن قد زوّجه الحسين عليه السلام ابنته سكينة فقتل قبل أن يبني بها(2).

_________
(1) ارشاد المفيد 2 :5 2 ، كشف الغمة 1 : 579، مقاتل الطالبيين : 180 ، الأغاني 21 : 115 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 25 .

( 419 )
(الباب الثاني)
في ذكر السبط الشهيد أبي عبدالله
الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام
سيِّد شباب أهل الجنّة
وهو خمسة فصول :

( 420 )
(الفصل الأول)
في ذكر تاريخ مولده ومبلغ سنه
ولد عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء، وقيل : يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان (1)، وقيل : لخمس خلون منه سنة أربع من الهجرة(2)، وقيل : ولد اخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة(3) ولم يكن بينه وبين أخيه الحسن عليهما السلام إلاّ الحمل والحمل ستّة .
وجاءت به فاطمة الزهراء أمه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمّاه حسيناً وعقّ عنه كبشاً.
وعاش سبعاً وخمسين سنة وخمسة أشهر، كان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سبع سنين ، ومع أمير المؤمنين سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن عليه السلام سبعاً وأربعين سنة، وكانت مدّة خلافته عشر سنين وأشهراً .
وقتل صلوات اللهّ عليه يوم عاشوراء يوم السبت ، وقيل : يوم الاثنين (4)، وقيل : يوم الجمعة سنة إحدى وستّين من الهجرة(5).

_________
(1) مسار الشيعة : 61، مصباح المتهجد: 758.
(2) ارشاد المفيد 2 : 27 ، مناقب ابن شهراشوب 4 : 76 ، مقاتل الطالبيين : 78 ، اُسد الغابة 2 : 18 .
(3) المقنعة : 467 ، التهذيب للطوسي 6 : 41 .
(4) الكافي ا : 385 | ب 115 ، التهذيب للطوسي 6 : 42 ، مقاتل الطالبيين : 78.
(5) التهذيب للطوسي 6 : 42 ، مقاتل الطالبيين : 78 .

( 421 )
(الفصل الثاني)
في ذكر الدلائل على إمامته
وأنه المنصوص عليه من جهة أبيه وأخيه
تدلّ على إمامته عليه السلام جميع الطرق الاعتبارية والإخباريّة التي ذكرناها في إمامة الحسن عليه السلام بعينها، فإن جميعها كما تدلّ على إمامته تدلّ على إمامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام من بعده مثلاً بمثل ، وقد صرّح النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم على إمامته أيضاً بقوله : «إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا»(1) .
وأيضاً فإنّ وصيّة الحسن عليه السلام إليه تدلّ على إمامته كما دنت وصيّة أميرالمؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام على إمامته ، بحسب ما دلّت وصيّة رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم إلى أمير المؤمنين عليه السلام على إمامته من بعده .
وممّا جاء من الأخبار في وصيّة الحسن عليه السلام إليه ما رواه محمد ابن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن محمد ابن سليمان الديلميّ ، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفرمحمد بن علي عليهما السلام يقول : «لمّا احتضر الحسن عليه السلام قال للحسين : يا أخي إنّي اُوصيك بوصيّة (فاحفظها)(2) إذا أنا متّ فهيئني ووجّهني إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأحدث به
_________
(1) تقدّم في صفحة : 407 هامش (3).
(2) أثبتناها من المصدر.

( 422 )
عهداً، ثمّ اصرفني إلى اُمّي فاطمة عليها السلام ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع »(1) إلى آخر الخبر.
وروى محمد بن يعقوب بإسناده ، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «لمّا حضرت الحسن الوفاة قال : يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غيرآل محمد؟ فقال : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : امض فادع لي محمد بن علي (2).
قال : فاتيته ، فلمّا دخلت عليه قال : هل حدث إلاّ خير؟ قلت : أجب أبا محمد .
فعجّل على شسع نعله فلم يسوّه ، فخرج معي يعدو، فلمّا قام بين يديه سلّم فقال له الحسن عليه السلام : إجلس فليس مثلك يغيب عن سماع كلام يُحيى به الأموات ويموت به الأحياء ، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى ، فإنّ ضوء النهار بعضه أضوء من بعض ، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ جعل ولد إبراهيم أئمة وفضّل بعضهم على بعض وآتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر [به] محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم .
يا محمد بن علي ، إنّي أخاف عليك الحسد، وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال :( كفّاراً حَسَداً مِن عِندِ أنفُسِهِم مِن بَعدِفا تَبيَّنَ لَهُم الحقّ ) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً .
يا محمد بن عليّ ، ألا اُخبرك بما سمعت من أبيك عليه السلام فيك ؟
قال : بلى .
قال : سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني في الدنيا
_________
(1) الكافي 1 : 30 | 24، ونقله المجلسي في بحارالأنوار 44 : 174 |1 .
(2)هو أخوه محمّد بن الحنفية .

( 423 )
والآخرة فليبر محمداً ولدي.
يا محمّد بن عليّ ، لو شئت أن اُخبرك وأنت نطفة في ظهرأبيك لأخبرتك .
يا محمّد بن عليّ ، أما علمت أنّ الحسين بن عليّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي ، وعند الله في الكتاب وراثة من النبيّ أضافها الله له في وراثة أبيه واُمّه ، علم الله أنّكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمّداً واختار محمّدٌ عليّاً واختارني عليّ للإمامة واخترت أنا الحسين .
فقال له محمّد بن عليّ : أنت إمامي وسيّدي ألا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء ، ولا تغيّره نغمة الرياح ، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل ، وإنّه لكلام يكلّ به لسان الناطق ويد الكاتب ، حتّى لا يجد قلماً ، ويؤتوا بالقرطاس حمماً ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوّة إلاّ بالله ، الحسين أعلمنا علماً ، وأثقلنا حلماً ، وأقربنا من رسول الله رحماً ، كان إماماً قبل أن يُخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولوعلم الله أنّ أحداً خيراً منّا ما اصطفى محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فلما اختار محمداً اختار محمد عليّاً إماماً واختارك عليٌّ بعده واخترتَ الحسين عليه السلام بعدك ، سلّمنا ورضينا بمن هو الرضى وبمن نسلم به من المشكلات »(1).
وفي حديث حبابة الوالبيّة الذي رويناه هناك(2) ما فيه من ظهور الآية المعجزة على يده الدالّة على إمامته فلا معنى لتكريره وإعادته .
فكانت إمامته عليه السلام ثابتة بعد أخيه الحسن عليه السلام وإن لم
_________
(1) الكافي 1 : 239| 2 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44 : 174 |2 .
(2) تقدم في صفحة: 458 .

( 424 )
يدع إلى نفسه ؛ للهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، وجرى في ذلك مجرى أبيه في ثبوت إمامته بعد النبي عليه وآله السلام مع الكفّ والصموت ، ومجرى أخيه عليه السلام في زمان الهدنة والسكوت ، فلمّا انقضى زمان الهدنة بهلاك معاوية ، واجتمع له في الظاهر الأنصار، أظهر أمره بعض الإظهار، وتشمّر للقتال ، وقدّم إلى العراق ابن عمّه عليه السلام مسلماً للاستنصار .
فبايعه أهل الكوفة وضمنوا له النصرة، ثمّ نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه ، وخرجوا إليه فحصروه حيث لا يجد ناصراً ولا مهرباً، وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتّى تمكّنوا منه فقتلوه شهيداً كما استشهد أبوه وأخوه عليهم السلام .

***

( 425 )
(الفصل الثالث )
في ذكر بعض خصائصه ومناقبه
وفضائله صلوات الله عليه
كان عليه السلام يشبه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من صدره إلى رجليه وكان الحسن عليه السلام يشبهه من صدره إلى رأسه كما تقدم (1) .
وروى سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرّة قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم يقول : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط »(2) .
وروى عبدالله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال : «إصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إيهاً(3) حسن خذ حسيناً،
_________
(1) تقدم في صفحة: 413
(2) كامل الزيارات : 52 و 53 ، ارشاد المفيد 2 : 127 ، المصنّف لابن أبي شيبة 12 : 102 | 12244 ، سنن ابن ماجة 1 : 51، الأدب المفرد للبخاري 1 : 364 | 455، والتاريخ الكبير 8: 414 | 3536، مسند أحمد 4 : 172 ، صحيح الترمذي 5: 658 | 3775، المعجم الكبير للطبراني 3 : 20 | 2586 و 2587 و 2589 ، مستدرك الحاكم 3 : 177 ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام الحسين (ع ) ـ : 79 | 112 ، اُسد الغابة 2 : 19 ، جامع الأصول 9 : 29 ، ذخائر العقبى: 33 1 ، سيرأعلام النبلاء 3 : 190 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 3 4 : 270 | 35 .
(3) إيهِ : اسم سُميَ به الفعل ، لأن معناه الأمر. تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل : إيهِ (بكسر الهاء) . قال ابن السكيت : فإن وصلت نؤنت فقلت : إيهٍ حدثنا . »الصحاح ـ أيه ـ 6: 2226» .

( 426 )
فقالت فاطمة عليها السلام : يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : هذا جبرئيل يقول للحسين : ايهاً حسين خذ حسناً»(1).
وروى الأوزاعي ، عن عبدالله بن شدّاد، عن اُمّ الفضل ، أنّها دخلت على رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم فقالت : يا رسول الله رأيت الليلة حُلماً منكراً.
قال : «وما رأيت ؟» .
فقالت : إنّه شديد .
قال : «وما هو؟» .
قالعت : رأيت كانّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري .
فقال رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم : «خيراً رأيت ، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك » .
فولدت الحسين عليه السلام وكان في حجري كما قال صلوات الله عليه وآله .
قالت : فدخلت به يوماً على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول اللهّ صلّى الله عليه واله وسلّم تهرقان بالدموع ، فقلت : بابي أنت واُمّي يا رسول الله مالك ؟
قال : «أتاني جبرئيل فاخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة
_________
(1) قرب الاسناد : 101 | 339، أمالي الصدوق : 361، ارشاد المفيد 2 : 128 ، أمالي الطوسي 2 : 172 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 393، مقتل الخوارزمي : 105 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين (ع ) ـ 116 ـ 117 |154 ـ 156 ، أسد الغابة 2 : 19 ، ذخائر العقبى : 134 ، الاصابة : 1 : 332، وفي بعضها باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار43: 276 | 45 .

( 427 )
من تربته حمراء»(1).
وفي مسند الرضا عليه السلام : عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : «حدّثتني أسماء بنت عميس قالت : لمّا كان بعد حول من مولد الحسن عليه السلام ولد الحسين عليه السلام فجاء النبيّ عليه وآله السلام فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذّن في اُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره وبكى .
قالت أسماء : فداك أبي واُمّي ممّ بكاؤك ؟
قال : من ابني هذا.
قلت : إنّه ولد الساعة!
قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي ، ثمّ قال : يا أسماء، لا تخبري فاطمة فإنّها حديث عهد بولادته ، ثمّ قال لعليّ : أيّ شيءٍ سمّيت ابني هذا؟
قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت اُحبّ أن اُسمّيه حرباً.
فقال رسول الله : ما كنت لأسبق باسمه ربّي .
فأتاه جبرئيل فقال : الجبّار يقرئك السلام ويقول : سمّه باسم ابن هارون.
فقال : وما اسم ابن هارون ؟
قال : شبير.

_________
(1) ارشاد المفيد 2 : 129 ، دلائل الامامة : 72 ، مستدرك الحاكم 3 : 176 ، دلائل النبوة للبيهقي 6 : 468 ، مقتل الخوارزمي 1 : 158 ، البداية والنهاية 6 : 230 .

( 428 )
قال : لساني عربيّ .
قال : سمّه الحسين .
فسمّاه الحسين ، ثمّ عقّ عنه يوم سابعه بكبشين أملحين ، وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره وَرِقاً، وطلى رأسه بالخلوق وقال : الدم فعل الجاهليّة، وأعطى القابلة فخذ كبش »(1).
وروى الضحّاك ، عن ابن المخارق ، عن اُمّ سلمة رضي الله عنها قالت : بينا رسول الله صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم ذات يوم جالس والحسين عليه السلام في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت : يا رسول الله أراك تبكي جعلت فداك ؟
قال : «جاءني جبرئيل عليه السلام فعزّاني بابني الحسين ، وأخبرني أنّ طائفة من اُمّتي ستقتله ، لا أنالهم الله شفاعتي »(2).
وروي بإسناد آخر عن اُمّ سلمة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلاً ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت له : يا رسول الله ، ما لي أراك شَعِثاً مغبرّاً؟
فقال : «اُسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق يقال له : كربلاء، فاُريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط منه دماءهم فها هي في يدي » وبسطها فقال : «خذيه واحتفظي به » .
فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها، فلمّا خرج الحسين عليه السلام متوجّها نحو العراق كنت اُخرج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فاشمّها وأنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه ،
_________
(1) عيون أخبار الرضا (ع ) 2 : 25 | ضمن حديث 5 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 130 ، كشف الغمة 2 : 7 .

( 429 )
فلمّا كان يوم العاشر من المحرّم ـ وهو اليوم الذي قُتل فيه ـ أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها ثمّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دمٌ عبيط ، فصحت في بيتي وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتّى جاء الناعي ينعاه ، فحقّق ما رأيت (1).
وعن ابن عبّاس رضي الله عنه ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : «قال لي جبرئيل عليه السلام : إنّ الله جلّ جلاله قتل بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفاً، وهو قاتل بدم ابنك الحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفاً»(2) .
وروى سفيان بن عيينة، عن عليّ بن زيد، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : «خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلاّ ذكر يحيى بن زكريّا، وقال يوماً: من هوان الدنيا على الله عزّ وجلّ أنّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل »(3) .
وروى يوسف بن عبدة قال : سمعت محمّد بن سيرين يقول : لم تُرَ هذه الحمرة في السماء إلاّ بعد قتل الحسين عليه السلام (4).

_________
(1) ارشاد المفيد 2 : 130 ، كشف الغمة 2 : 8، وروى مضمونه اليعقوبي في تاريخه 2 : 245.
(2) تاريخ بغداد ا : 2 4 1 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين (ع ) ـ 241 | 286، الفردوس لابن شيرويه 3 : 187 | 4515 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 32 1 ، مجمع البيان 3 : 502 ، كشف الغمة 2 : 9 .
(4) ارشاد المفيد 2 : 132 ، كشف الغمة 2 : 9، طبقات ابن سعد ـ ترجمة الامام الحسين
(ع ) ـ ج 8 انظر : مجلة تراثنا العدد10 : ص 200 ح 326، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام
علي (ع ) ـ : 245 | 298 ، وباختلاف يسير في : المعجم الكبير للطبراني 3 : 122 | 2840 ، ونحوه في : سير أعلام النبلاء 3 : 312، وتاريخ الاسلام للذهبي : ص 15حوادث سنة 61 .

( 430 )
وذكر الحافظ الشيخ أبوبكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة قال : أخبرنا القطّان : حدّثنا عبدالله بن جعفر، حدّثنا يعقوب بن سفيان ، حدّثنا سليمان ابن حرب ، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن معمر قال : أوّل ما عُرف الزهري تكلّم في مجلس الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن عليّ ؟
فقال الزهري : بلغني أنّه لم يُقلب حجرٌ إلاّ وجد تحته دمٌ عبيط (1).
قال : وأخبرنا القطّان بإسناده ، عن عليّ بن مسهر قال : حدّثتني جدّتي قالت : كنت أيّام الحسين عليه السلام جارية شابّة فكانت السماء أيّاماً علقة(2).
قال : وأخبرنا القطّان بإسناده ، عن جميل بن مرّة قال : أصابوا إبلاً في عسكر الحسين عليه السلام يوم قُتل فنحروها وطبخوها، قال : فصارت مثل العلقم فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاً(3).
وعن ابن عبّاس قال : رأيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ما هذه ؟

_________
(1) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 471 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3 : 127 |2856 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء 3 : 314، وتاريخ الاسلام : ص 16 حوادث سنة 61، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 197 .
(2) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 472 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3 : 120 | 2836 ، وابن عساكر في تاريخه ـ ترجمة الامام الحسين (ع ) ـ : 242 | 289 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 196 .
(3) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 472 ، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 3 : 313 ، وتاريخ الاسلام : ص 15 حوادث سنة 61 .