قالت: «جواري في جوار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم».
قال: فتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس؟
قالت: «والله ما يدري ابناي ما يجيران من قريش».
فخرج فلقي عليّاً عليه السلام فقال: أنت أمسّ القوم بي رحماً، وقد اعتسرت عليّ الاُمور، فاجعل لي منها وجهاً.
قال: «أنت شيخ قريش تقوم على باب المسجد فتجير بين قريش ثمّ تقعد على راحلتك وتلحق بقومك».
قال: وهل ترى ذلك نافعي؟
قال: «لا أدري».
فقال: يا أيّها الناس إنّي قد أجرت بين قريش، ثمّ ركب بعيره وانطلق فقدم على قريش، فقالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمّداً فكلّمته فوالله ما ردّ عليّ شيئاً، ثمّ جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيراً، ثمّ جئت إلى ابن الخطّاب فكان كذلك، ثمّ دخلت على فاطمة فلم تجيبني، ثمّ لقيت عليّاً فأمرني أن أجير بين الناس ففعلت.
قالوا: هل أجاز ذلك محمد ؟
قال: لا أدري.
قالوا: ويحك، لعب بك الرجل، أوَأنت تجير بين قريش؟!(1).

فصل
قال: وخرج رسول الله يوم الجمعة حين صلّى العصر لليلتين مضتا من شهر رمضان، فاستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، ودعا
____________
(1) المناقب لابن شهر آشوب 1: 206، وتاريخ الطبري 3: 46، وسيرة ابن كثير 3: 530، وفي الأخيرين باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 126.

( 219 )
رئيس كلّ قوم فأمره أن يأتي قومه فيستنفرهم.
قال الباقر عليه السلام: «خرج رسول الله في غزوة الفتح فصام وصام الناس حتّى نزل كراع الغميم فأمر بالاِفطار فأفطر الناس، وصام قوم فسُمّوا العصاة لاَنّهم صاموا. ثمّ سار عليه السلام حتّى نزل مرّ الظهران ومعه نحو من عشرة آلاف رجل ونحو من أربعمائة فارس وقد عميت الأخبار من قريش، فخرج في تلك الليله أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء هل يسمعون خبراً، وقد كان العبّاس بن عبد المطّلب خرج يتلقّى رسول الله ومعه أبو سفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي اُميّة وقد تلقّاه بنيق العقاب ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في قبّته ـ وعلى حرسه يومئذ زياد بن اُسيد ـ فاستقبلهم زياد فقال: أمّا أنت يا أباالفضل فامض إلى القبّة، وأمّا أنتما فارجعا.
فمضى العبّاس حتّى دخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسلّم عليه وقال: بأبي أنت واُمّي هذا ابن عمّك قد جاء تائباً وابن عمّتك.
قال: «لا حاجة لي فيهما، إنّ ابن عمّي انتهك عرضي، وأمّا ابن عمّتي فهو الذي يقول بمكّة: لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً».
فلمّا خرج العبّاس كلّمته اُمّ سلمة وقالت: بأبي أنت واُمّي ابن عمّك قد جاء تائباً، لا يكون أشقى الناس بك، وأخي ابن عمّتك وصهرك فلا يكونّن شقيّاً بك.
ونادى أبو سفيان بن الحارث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: كن لنا كما قال العبد الصالح: لا تثريب عليكم، فدعاه وقبل منه، ودعا عبدالله بن أبي اُميّة فقبل منه.
وقال العبّاس: هو والله هلاك قريش إلى آخر الدهر إن دخلها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عنوة، قال: فركبت بغلة رسول الله صلّى الله
( 220 )
عليه وآله وسلّم البيضاء وخرجت أطلب الحطّابة أو صاحب لبن لعلّي آمره أن يأتي قريشاً فيركبون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يستأمنون إليه، إذ لقيت أبا سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام، وأبو سفيان يقول لبديل: ما هذه النيران؟ قال: هذه خزاعة.
قال: خزاعة أقلّ وأقلّ من أن تكون هذه نيرانهم، ولكن لعلّ هذه تميم أو ربيعة.
قال العبّاس: فعرفت صوت أبي سفيان، فقلت: أبا حنظلة، قال: لبّيك فمن أنت؟ قلت: أنا العبّاس، قال: فما هذه النيران فداك أبي واُمّي؟ قلت: هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عشرة آلاف من المسلمين، قال: فما الحيلة؟ قال: تركب في عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال: فأردفته خلفي ثمّ جئت به، فكلّما انتهيت إلى نار قاموا إليّ فإذا رأوني قالوا: هذا عمّ رسول الله خلّوا سبيله، حتّى انتهيت إلى باب عمر فعرف أبا سفيان فقال: عدوّ الله الحمد لله الذي أمكن منك، فركَّضت البغلة حتّى اجتمعنا على باب القبّة، ودخل عمر على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: هذا أبو سفيان قد أمكنك الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه.
قال: العبّاس: فجلست عند رأس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقلت: بأبي أنت واُمّي أبو سفيان وقد أجرته، قال: «أدخله».
فدخل فقام بين يديه فقال: «ويحك يا أبا سفيان أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله؟».
قال: بأبي أنت واُمّي ما أكرمك وأوصلك وأحملك، أمّا الله لو كان معه إله لاَغنى يوم بدر ويوم أحد، وأمّا أنّك رسول الله فوالله إنّ في نفسي منها لشيئاً.

( 221 )
قال العبّاس: يضرب والله عنقك الساعة أو تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال: فإنّي أشهد أن لا إلاّ الله وأنّك رسول الله ـ تلجلج بها فوه ـ.
فقال أبو سفيان للعبّاس: فما نصنع باللات والعزّى؟ فقال له عمر: اسلح(1) عليهما.
فقال أبو سفيان: اُفّ لك ما أفحشك، ما يدخلك يا عمر في كلامي وكلام ابن عمّي؟
فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «عند من تكون الليلة»؟
قال: عند أبي الفضل.
قال: «فاذهب به يا أبا الفضل فأبته عندك الليلة واغد به عليّ».
فلمّا أصبح سمع بلالاً يؤذّن، قال: ما هذا المنادي يا أبا الفضل؟ قال: هذا مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قم فتوضّأ وصلّ، قال: كيف أتوضّأ؟ فعلّمه.
قال: ونظر أبو سفيان إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يتوضّأ وأيدي المسلمين تحت شعره، فليس قطرة تصيب رجلاً منهم إلاّ مسح بها وجهه، فقال: بالله إن رأيت كاليوم قطّ كسرى ولا قيصر.
فلمّا صلّى غدا به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي اُحبّ أن تأذن لي [بالذهاب] إلى قومك فاُنذرهم وأدعوهم إلى الله ورسوله، فأذن له، فقال العبّاس: كيف أقول لهم؟ بيّن لي من ذلك أمراً يطمئنّون إليه.
فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «تقول لهم: من قال: لا إله إلاّ الله
____________
(1) السلح: النجو، وهو ما خرج من البطن من ريح وغيرها. «انظر: العين 6: 186».

( 222 )
وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً رسول الله، وكفّ يده فهو آمن، ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن.
فقال العباس : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فلو خصّصه بمعروف .
فقال عليه السلام: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن».
قال أبو سفيان: داري؟! قال: «دارك»، ثمّ قال: «من أغلق بابه فهو آمن».
ولمّا مضى أبو سفيان قال العبّاس: يارسول الله إنّ أبا سفيان رجلٌ من شأنه الغدر، وقد رأى من المسلمين تفرّقاً.
قال: «فأدركه واحبسه في مضايق الوادي حتّى يمرّ به جنود الله».
قال: فلحقه العبّاس فقال: أبا حنظلة! قال: أغدراً يا بني هاشم؟
قال: ستعلم أنّ الغدر ليس من شأننا، ولكن أصبر حتّى تنظر إلى جنود الله.
قال العبّاس: فمرّ خالد بن الوليد فقال أبو سفيان: هذا رسول الله؟ قال: لا ولكن هذا خالد بن الوليد في المقدّمة، ثمّ مرّ الزبير في جهينة وأشجع فقال أبو سفيان: يا عبّاس هذا محمّد؟ قال: لا، هذا الزبير، فجعلت الجنود تمرّ به حتّى مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الأنصار ثمّ انتهى إليه سعد بن عبادة، بيده راية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا أبا حنظلة.

اليوم يوم الملحمة * اليوم تستحلّ(1)الحرمة

يا معشر الأوس والخزرج ثاركم يوم الجبل.

____________
(1) في نسخة «م» والبحار: تسبى.

( 223 )
فلمّا سمعها من سعد خلّى العباس وسعى إلى رسول الله وزاحم حتّى مرّ تحت الرماح فأخذ غرزه(1)فقبّلها، ثمّ قال: بأبي أنت واُمّي أما تسمع ما يقول سعد؟ وذكر ذلك القول، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ليس ممّا قال سعد شيء» ثمّ قال لعليّ عليه السلام: «أدرك سعداً فخذ الراية منه وأدخلها إدخالاً رفيقاً»، فأخذها علي وأدخلها كما أمر.
قال: وأسلم يومئذ حكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، وجبير بن مطعم.
وأقبل أبو سفيان حتّى دخل مكّة وقد سطع الغبار من فوق الجبال وقريش لا تعلم، وأقبل أبو سفيان من أسفل الوادي يركض فاستقبلته قريش وقالوا: ما وراءك وما هذا الغبار؟ قال: محمّد في خلق، ثمّ صاح: ياآل غالب البيوت البيوت، من دخّل داري فهو آمن، فعرفت هند فأخذت تطردهم، ثمّ قالت: اقتلوا الشيخ الخبيث، لعنه الله من وافد قوم وطليعة قوم.
قال: ويلك إنّي رأيت ذات القرون، ورأيت فارس أبناء الكرام، ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير يسلمن آخر النهار، ويلك اسكتي فقد والله جاء الحقّ ودنت البليّة»(2)
فصل:
وكان قد عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكّة إلاّ من قاتلهم، سوى نفر كانوا يؤذون النبي صلوات الله عليه وآله، منهم: مقيس بن صبابة، وعبدالله بن سعد بن أبي

____________
(1) الغرر: ركاب الرحل. «لسان العرب 5: 386».
(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 127.

( 224 )
سرح، وعبدالله بن خطل، وقينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقال: «اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلّقين بأستار الكعبة».
فاُدرك ابن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمّار بن ياسر فسبق سعيد عمّاراً فقتله، وقتل مقيس بن صبابة في السوق، وقتل علي عليه السلام إحدى القينتين وأفلتت الاُخرى، وقتل عليه السلام أيضاً الحويرث بن نقيذ بن كعب.
وبلغه أنّ اُمّ هانىء بنت أبي طالب قد آوت ناساً من بني مخزوم منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب، فقصد نحو دارها مقنّعاً بالحديد، فنادى: «أخرجوا من آويتم» فجعلوا يذرقون كما يذرق الحبارى خوفاً منه.
فخرجت إليه اُمّ هانىء ـ وهي لا تعرفه ـ فقالت: يا عبدالله، أنا اُمّم هانىء بنت عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واُخت عليّ بن أبي طالب، انصرف عن داري.
فقال علي عليه السلام: «أخرجوهم».
فقالت: والله لاَشكونّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتدّ حتّى التزمته، فقالت: فديتك حلفت لاَشكونّك إلى رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم؟
فقال لها: «فاذهبي فبرّي قسمك، فإنّه بأعلى الوادي».
قالت اُمّ هانئ: فجئت إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو في قبّة يغتسل، وفاطمة عليها السلام تستره، فلمّا سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كلامي قال: «مرحباً بك يا اُمّ هانىء».
قلت: بأبي واُمّي ما لقيت من عليّ اليوم!
فقال عليه السلام: «قد أجرت من أجرت».
( 225 )
فقالت فاطمة عليها السلام: «إنّما جئت يا اُمّ هانىء تشكين عليّاً في أنّه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله؟!».
فقلت: احتمليني فديتك.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «قد شكر الله لعليّ سعيه، وأجرت من أجارت اُمّ هانىء لمكانها من عليّ بن أبي طالب»(1).
قال أبان : وحدثني بشير النبّال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «لمّا كان فتح مكّة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عند من المفتاح ؟
قالوا: عند اُمّ شيبة.
فدعا شيبة فقال: إذهب إلى اُمّك فقل لها ترسل بالمفتاح.
فقالت: قل له: قتلت مقاتلينا وتريد أن تأخذ منّا مكرمتنا.
فقال: لترسلنّ به أو لاَقتلنّك. فوضعته في يد الغلام فأخذه ودعا عمر فقال له: هذا تأويل رؤياي من قبل.
ثمّ قام صلّى الله عليه وآله وسلّم ففتحه وستره، فمن يومئذ يستر، ثمّ دعا الغلام فبسط رداءه فجعل فيه المفتاح وقال: ردّه إلى اُمّك.
قال: ودخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنّون أنّ السيف لا يرفع عنهم، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم البيت وأخذ بعضادتي الباب ثمّ قال: لا إله إلاّ الله أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده. ثمّ قال: ما تظنّون وما أنتم قائلون؟
فقال سهيل بن عمرو: نقول خيراً، ونظنّ خيراً، أخ كريم وابن عمّ.
قال: فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، ألا إنّ كلّ دم ومال ومأثرة كان في
____________
(1) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 131.

( 226 )
الجاهليّة فإنّه موضوع تحت قدمي، إلاّ سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنّهما مردوتان إلى أهليهما، ألا إنّ مكّة محرّمة بتحريم الله، لم تحلّ لاَحد كان قبلي ولم تحلّ لي إلاّ ساعة من نهار، فهي محرّمة إلى أن تقوم الساعة، لا يختلي خلاها، ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحلّ لقطتها إلاّ لمنشد.
ثمّ قال: ألا لبئس جيران النبيّ كنتم، لقد كذبتم وطردتم، وأخرجتم وفللتم، ثمّ ما رضيتم حتّى جئتموني في بلادي تقاتلونني، فاذهبوا فأنتم الطلقاء.
فخرج القوم كأنّما انشروا من القبور، ودخلوا في الاِسلام.
قال: ودخل رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم مكّة بغير إحرام وعليهم السلاح، ودخل البيت لم يدخله في حجّ ولا عمرة.
ودخل وقت الظهر فأمر بلال فصعد على الكعبة وأذّن، فقال عكرمة: والله إن كنت لاَكره أن أسمع صوت ابن رباح ينهق على الكعبة، وقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذي أكرم أبا عتّاب من هذا اليوم من أن يرى ابن رباح قائماً على الكعبة، قال سهيل: هي كعبة الله وهو يرى ولو شاء لغيّر ـ قال: وكان أقصدهم ـ وقال أبو سفيان: أمّا أنا فلا أقول شيئاً، والله لو نطقت لظننت أنّ هذه الجدر تخبر به محمّداً.
وبعث صلوات الله عليه وآله إليهم فأخبرهم بما قالوا، فقال عتّاب: قد والله قلنا يا رسول الله ذلك فنستغفر الله ونتوب إليه، فأسلم وحسن إسلامه وولاّه رسول الله مكّة.
قال: وكان فتح مكّة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، واستشهد
( 227 )
من المسلمين ثلاثة نفر دخلوا من أسفل مكة وأخطأوا الطريق فقتلوا»(1)

فصل :
وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السرايا فيما حول مكّة يدعون إلى الله عز وجلّ، ولم يأمرهم بقتال، فبعث غالب بن عبدالله إلى بني مدلج فقالوا: لسنا عليك ولسنا معك، فقال الناس: اُغزهم يا رسول الله، فقال: «إنّ لهم سيّداً أديباً أريباً، وربّ غاز من بني مدلج شهيد في سبيل الله»(2).
وبعث عمرو بن اُمّية الضمري إلى بني الدليل فدعاهم إلى الله ورسوله فأبوا أشدّ الإباء، فقال الناس: اُغزهم يا رسول الله، فقال: «أتاكم الآن سيّدهم قد أسلم فيقول لهم: أسلموا، فيقولون: نعم»(3).
وبعث عبدالله بن سهيل بن عمرو إلى بني محارب بن فهر فأسلموا وجاء معه نفر منهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(4)
وبعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر، وقد كانوا أصابوا في الجاهليّة من بني المغيرة نسوة وقتلوا عمّ خالد، فاستقبلوه وعليهم السلاح وقالوا: يا خالد إنّا لم نأخذ السلاح على الله وعلى رسوله ونحن مسلمون، فانظر فإن كان بعثك رسول الله ساعياً فهذه إبلنا وغنمنا فاغد عليها، فقال: ضعوا السلاح، قالوا: إنّا نخاف منك أن تأخذنا بإحنة الجاهليّة وقد أماتها الله ورسوله.
____________
(1) نقلوا المجلسي في بحار الأنوار 21: 132 | ذيل ح 22.
(2) مناقب ابن شهر آشوب 1: 210. نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 140 | ضمن ح 2.
(3) مناقب ابن شهر آشوب 1: 210. نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 140 | ضمن ح 2.
(4) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 140 | ضمن ح 2.

( 228 )
فانصرف عنهم بمن معه، فنزلوا قريباً ثمّ شنّ عليهم الخيل، فقتل وأسر منهم رجالاً، ثمّ قال: ليقتل كلّ رجل منكم أسيره، فقتلوا الأسرى، وجاء رسولهم إلى رسول الله فأخبره بما فعل خالدٌ بهم، فرفع عليه السلام يده إلى السماء وقال: «اللهم إنّي أبرأ إليك ممّا فعل خالد» وبكى ثمّ دعا عليّاً عليه السلام فقال: «اُخرج إليهم وانظر في أمرهم» وأعطاه سفطاً من ذهب، ففعل ما أمره وأرضاهم(1)
ثمّ كانت غزوة حنين، وذلك أنّ هوازن جمعت له جمعاً كثيراً، فذكر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ صفوان بن اُميّة عنده مائة درع فسأله ذلك، فقال: أغصباً يا محمّد؟ قال: «لا، ولكن عارية مضمونة» قال: لا بأس بهذا. فأعطاه.
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ألفين ـ من مكّة ـ وعشرة آلاف كانوا معه، فقال أحد أصحابه: لن نُغلب اليوم من قلّة. فشقّ ذلك على رسول الله فأنزل الله سبحانه (وَيَومَ حُنَينٍ إذ اَعجَبَتكُم) الآية(2).
وأقبل مالك بن عوف النصريّ فيمن معه من قبائل قيس وثقيف، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عبدالله بن أبي حدرد عيناً فسمع ابن عوف يقول: يا معشر هوازن إنّكم أحدٌ العرب وأعدّها، وإنّ هذا الرجل لم يلق قوماً يصدوقونه القتال، فإذا لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم واحملوا عليه حملة رجل واحد. فأتى ابن أبي حدرد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبره فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد؟ فقال: «قد
____________
(1) انظر: امالي الصدوق: 146 | 7، وارشاد المفيد 1: 139، صحيح البخاري 5: 203 كتاب المغازي، وتاريخ اليعقوبي 2: 61، وسيرة ابن هشام 4: 70، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 114، والكامل في التاريخ 2: 255، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 140 | 2.
(2) التوبة 9: 25.

( 229 )
كنت ضالاً فهداك الله يا عمر وابن أبي حدرد صادق»(1).
قال الصادق عليه السلام: «وكان مع هوازن دريد بن الصمّة، خرجوا به شيخاً كبيراً يتيمّنون برأيه، فلمّا نزلوا بأوطاس(2)قال: نعم مجال الخيل لا حزنّ(3) ضرس(4) ولا سهل دهس(5) ،ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم قال: فأين مالك؟ فدعي مالك له، فأتاه فقال: يا مالك، أصبحت رئيس قومك، وإنّ هذا اليوم كائن له ما بعده من الأيّام، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، وثغاء الشاة؟.
قال: أردت أن أجعل خلف كلّ رجل أهله وماله ليقاتل عنهم.
قال: ويحك لم تصنع شيئاً، قدّمت بيضة(6)هوازن في نحور الخيل، وهل يرد وجه المنهزم شيء؟! إنّها إن كانت لك لم ينفعك إلاّ رجلٌ بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك.
قال: إنّك قد كبرت وكبر عقلك.
فقال دريد: إن كنت قد كبرت فتورث غداً قومك ذلاًّ بتقصير رأيك
____________
(1) المناقب لابن شهر آشوب 1: 210، وانظر: المغازي للواقدي 3: 890 و 893، وسيرة ابن هشام 4: 82، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 121 و 130، والكامل في التاريخ 2: 262، ونقله المجلسي في بحار الأنوار21: 164 | 9.
(2) أوطاس: واد في ديار هوازن. «معجم البلدان 1: 281».
(3) الحزن: ما غلط من الأرض في ارتفاع. «لسان العرب 13: 114».
(4) الضرس: الأكمة الخشنة. «الصحاح ـ ضرس ـ 3: 942».
(5) الدهس: المكان السهل اللين، لا يبلغ أن يكون رملاً، وليس هو بتراب ولا طين، ولونه الدهسة. «الصحاح ـ دهس ـ 3: 931».
(6) البيضة: أصل القوم ومجتمعهم. «لسان العرب 7: 127».

( 230 )
وعقلك، هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه، ثمّ قال: حرب عوان(1)

يا ليتني فيها جذع * أخبّ فيها وأضع»(2)
قال جابر: فسرنا حتّى إذا استقبلنا وادي حنين، كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضائقه ، فما راعنا إلاّ كتائب الرجال بأيديها السيوف والعمد والقني، فشدّوا علينا شدّة رجل واحد، فانهزم الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد، وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذات اليمين، وأحدق ببغلته تسعة من بني عبدالمطّلب(3).
وأقبل مالك بن عوف يقول: أروني محمّداً، فأروه فحمل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وكان رجلاً أهوج(4)ـ فلقيه رجل من المسلمين فالتقيا ، فقتله مالك ـ وقيل : إنه أيمن بن اُم أيمن (5) ـ ثمّ أقدم فرسه فأبى أن يقدم نحو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وصاح كلدة بن الحنبل ـ وهو أخو صفوان بن اُميّة لاُمّه وصفوان يومئذ مشرك ـ: ألا بطل السحر اليوم، فقال صفوان: اسكت فضّ الله فاك، فوالله لاَن يُربني رجل من قريش أحبّ إليّ من أن يربني رجل من هوازن(6).

____________
(1) حرب عوان: أي حرب قوتل فيها مرة بعد الأخرى. «انظر: لسان العرب 13: 299».
(2) تفسير القمي 1: 285، المناقب لابن شهر آشوب 1: 210، وانظر: سيرة ابن هشام 4: 80، وتاريخ الطبري 3: 71، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 121، والكامل في التاريخ 2: 261، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 166 | ضمن ح 9.
(3) المناقب لابن شهر آشوب 1: 211، وسيرة ابن هشام 4: 85، وتاريخ الطبري 3: 74، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 126، والكامل في التاريخ 2: 262، وفيها باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 166 | ضمن ح 9.
(4) رجل أهوج: أي طويل وبه تسرّع وحمق. «الصحاح ـ هوج ـ 1: 351».
(5) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 211 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 166 / ضمن ح 9 .
(6) المغازي للواقدي 3: 910، وسيرة ابن هشام 4: 86، تاريخ الطبري 3: 74، ودلائل

=


( 231 )
قال محمّد بن إسحاق: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبدالدار: اليوم أدرك ثاري ـ وكان أبوه قتل يوم اُحد ـ اليوم أقتل محمّداً، قال: فأدرت برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لاَقتله فأقبل شيء حتّى تغشّى فؤادي، فلم أطلق ذلك، فعرفت أنّه ممنوع(1).
وروى عكرمة عن شيبة قال: لمّا رأيت رسول الله يوم حنين قد عري ذكرت أبي وعمّي وقتل عليّ وحمزة اياهما، فقلت: أدرك ثاري اليوم من محمّد، فذهبت لأجيئه عن يمينه، فإذا أنا بالعبّاس بن عبد المطّلب قائماً عليه درع بيضاء كأنّها فضّة يكشف عنها العجاج، فقلت: عمّه ولن يخذله، ثمّ جئته عن يساره، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحرث بن عبد المطّلب، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، ثمّ جئته من خلفه، فلم يبق إلاّ أنّ أسوره سورة بالسيف إذ رفع لي شواظ(2)من نار بيني وبينه كأنّه برق، فخفت أن يمحشني(3) فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى، والتفت رسول الله وقال: «يا شيب اُدن منّي، اللهمّ اذهب عنه الشيطان» قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحبّ إليّ من سمعي وبصري، وقال: «يا شيب قاتل الكفّار»(4).
وعن موسى بن عقبة قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في
____________
=
النبوة للبيهقي 5: 128، والكامل في التاريخ 2: 263، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 166 ضمن ح 9.
(1) المغازي للواقدي 3: 909، وسيرة ابن هشام 4: 87، وتاريخ الطبري 3: 75، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 128، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 166 | ضمن ح 9.
(2) الشُواظ والشواظ: اللهب الذي لا دخان له. «الصحاح ـ شوظ ـ 3: 351».
(3) المَحش: تناولٌ من لهب يحرق الجلد ويبدي العظم. «العين 3: 100».
(4) المغازي للواقدي 3: 909، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 145، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 166 | ضمن ح 9.

( 232 )
الركابين وهو على البغلة فرفع يديه إلى الله يدعوا ويقول: «اللهم إنّي أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا» ونادى أصحابه وذمرهم(1): «يا أصحاب البيعة يوم الحديبية الله الله الكرّة على نبيكّم».
وقيل: إنّه قال: «يا أنصار الله وأنصار رسوله، يابني الخزرج» وأمر العبّاس ابن عبد المطّلب فنادى في القوم بذلك، فأقبل إليه أصحابه سراعاً يبتدون.
وروي: أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «الآن حمِيَ الوطيس.

أنا النبيّ لا كذب * أنا ابن عبد المطّلب»(2)

قال سلمة بن الأكوع: ونزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن البغلة ثمّ قبض قبضة من تراب، ثمّ استقبل به وجوهم وقال: «شاهت الوجوه» فما خلي الله منهم إنساناً إلاّ ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة فولّوا مدبرين، واتبعهم المسلمون فقتلوهم، وغنّمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم(3).
وفرّ مالك بن عوف حتّى دخل حصن الطائف في ناس من أشراف قومهم، وأسلم عند ذلك كثير من أهل مكّة حين رأوا نصرالله وإعزاز دينه(4).
قال أبان: وحدّثني محمّد بن الحسن(5)بن زياد، عن أبي عبدالله عليه
____________
(1) ذمّرهم: لامهم وحضّهم وحثّهم. «لسان العرب 4: 311».
(2) دلائل النبوة للبيهقي 5: 131، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 167 | ضمن ح 9.
(3) صحيح مسلم 3: 1402 | 81، دلائل النبوة للبيهقي 5: 140، ونحوه في: تفسير القمي 1: 287، والطبقات الكبرى 2: 56، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 167.
(4) دلائل النبوة للبيهقي 5: 132، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 167.
(5) في نسختي «ق»و«ط» الحسين، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وهو محمّد بن الحسن بن زياد العطّار، كذلك عنونه النجاشي (369 | 1002) وقال عنه: كوفي ثقة، روى أبوه عن أبي عبدالله (عليه السلام)، له كتاب.
وكذا ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست: (149)، وابن داود في القسم الأول من رجاله

=


( 233 )
السلام قال: «سبى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم حنين أربعة آلاف رأس واثني عشر ألف ناقة، سوى ما لا يُعلم من الغنائم(1)وحلف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الأنفال والأموال والسبايا بالجعرانة(2)وافترق المشركون فريقتين، فأخذت الأعراب ومن تبعهم أوطاس، وأخذت ثقيف ومن تبعهم الطائف، وبعث رسول الله أبا عامر الأشعري إلى أوطاس فقاتل حتّى قُتل، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ـ وهو ابن عمّه ـ فقاتل بها حتّى فتح عليه»(3)
ثمّ كانت غزوة الطائف، سار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الطائف في شوّال سنة ثمان فحاصرهم بضع عشر يوماً، وخرج نافع بن غيلان ابن معتّب في خيل من ثقيف فلقيه عليّ عليه السلام في خيله، فالتقوا ببطن وَجّ(4)، فقتله عليّ وانهزم المشركون، ونزل من حصن الطائف إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جماعة من أرقائهم، منهم أبو بكرة ـ وكان عبداً للحارث بن كلدة المنبعث، وكان اسمه المضطجع، فسمّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المنبعث ـ ووردان ـ وكان عبداً لعبد الله بن ربيعة ـ
____________
=
(169 | 1348)، والعلاّمة الحلي في الخلاصة (160 | 139) والمامقاني في تنقيحه (3 | 101)، ولعل هذه الرواية وردت في كتابه المذكور. فتأمل.
(1) المناقب لابن شهر آشوب 1: 211، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 168.
(2) الجعرانة: ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب. «معجم البلدان 2: 142».
(3) انظر: الارشاد للمفيد 1: 151، وسيرة ابن هشام 4: 97، والمغازي للواقدي 3: 915، وصحيح البخاري 5: 197، وتاريخ الطبري 3: 79، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 152، والكافي في التاريخ 2: 265.
(4) وَجَ (بالفتح ثم التشديد): الطائف، والوج في اللغة: عيدان يتداوى بها، قال أبو منصور: وما أراه عربياً محضاً، والوج يعني: السرعة، والقطا، والنعام: «انظر: معجم البلدان 5: 361».

( 234 )
فأسلموا، فلمّا قدم وفد الطائف على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأسلموا قالوا: يا رسول الله ردّ علينا رقيقنا الذين أتوك، فقال: «لا، اُولئك عتقاء الله»(1)؟.
وذكر الواقديّ ـ عن شيوخه ـ قال : شاور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في بعض الطائف ، فقال له سلمان الفارسي رحمه الله قال: يا رسول الله أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فعمل المنجنيق، ويقال: قدّم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ودّبابتين ـ ويقال: خالد بن سعيد ـ فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فأحرقت الدبّابة.
فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقطع أعنابهم وتحريقها، فنادى سفيان بن عبدالله الثقفي: لِمَ تقطع أموالنا، إمّا أن تأخذها إن ظهرت علينا وإمّا أن تدعها لله والرحم، فقال رسول الله عليه السلام: «فإنّي أدعها لله والرحم» فتركها(2).
وأنفذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً عليه السلام في خيل عند محاصرته أهل الطائف وأمره أن يكسر كلّ صنم وجده، فخرج فلقيه جمع كثيرٌ من خثعم، فبرز له رجلٌ من القوم وقال: هل من مبارز، فلم يقم أحدٌ، فقام إليه عليّ عليه السلام، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: تكفاه أيّها الأمير، فقال: «لا، ولكن إن قُتلت فأنت على الناس».

____________
(1) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 211 ـ 212، وتاريخ اليعقوبي 2: 64، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 156 ـ 159، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 168.
(2) المغازي 3: 927، وانظر: الارشاد للمفيد 1: 53، دلائل النبوة للبيهقي 5: 161، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 168.