1 ـ الأنفاق الإلزامي
ويشتمل على أمرين :
أ ـ الضرائب المترتبة على الأموال .
ب ـ الضرائب المترتبة على الأعمال
أ ـ الضرائب المترتبة على الأموا ل ..... وهي على قسمين :
1 ـ الزكاة .
2 ـ الخمس .
أولاً .. الزكاة ..
الزكاة في اللغة هي : النماء ، والطهارة ، وزكا الشيء نماء وتكاثر ، وزكت النفس طهرت ، ومنه قوله تعالى :
( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها )(1) .
تطهرهم من البخل والسحة وحب المال .
وتزكيهم بنماء أموالهم وحسناتهم ، وتهذيب نفوسهم ، وبذلك
____________
(1) سورة التوبة | آية 103 .
( 28 )
يرتفعون إلى منازل المخلصين الطيبين(1) .
أما الزكاة في المصطلح الشرعي فهي :
« أسم لحق يجب في المال يعتبر في وبجوه النصاب »(2) .
وعندما نعبر عن الزكاة بأنها ضريبة على المال الذي يحصل عليه الإنسان أو لحق يجب قي المال فلا ينافي هذا التعبير انها في الوقت نفسه عبادة مالية يتوخى الشارع من فرضها تنظيم الاقتصاد وترتيب الحياة بشكل متوازن بلا تخمة ولا حرمان بل حد وسط بين هذين الشبحين المرعبين .
يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
« إنما وضعت الزكاة اختباراً للأغنياء ومعونة للفقراء ، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقير محتاجاً ، ولا ستغنى بما فرض الله له وأن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء »(3) .
وإذا ما أردنا أن نعرف ما للزكاة من أهمية في نظر المشرع رجعنا إلى القران الكريم والسنة لنرى اللآيات ، والأحاديث قد أمرت باخراجها مقترنة بالأمر باقامة الصلاة في أكثر من عشرين آية ، وفي أحاديث عديدة حيث دأبت الآيات تكرر قوله تعالى : « أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة » .
وفي الحديث الذي بيّن فيه أمير المؤمنين ( عليه السلام )
____________
(1) أقرب الموارد : مادة « زكى » .
(2) جوهر الكلام 15 | 3 .
(3) وسائل الشيعة 6 | 4 .
( 29 )
دعائم الإسلام قال :
« وهي دعائم أولها الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام » إلى آخر الحديث (1) .
فجاء ترتيبها بعد الصلاة مقدمة على الصيام .
وفي حديث آخر عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) انه قال :
« عشر من لقى الله بهن دخل الجنة : شهادة ان لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، والاقرار بما جاء من عند الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ـ الخ ـ » (2) .
ولسنا في صدد ما للصلاة من أهمية في نظر المشرع ، وإنها من أهم أركان الإسلام ولكن على نحو العرض السريع نقول :
لقد نوهت الأحاديث بعظمة الصلاة في كثير من الموارد ، وبينت إنها عمود الدين ، وأنها إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها ، وأنها لا تترك بحال ، وحتى في حال الغرق لا بد من الاتيان بها ولو بالايماء بالعينين .
هذا الواجب العبادي ، وبهذا النحو من الأهمية نرى الشارع المقدس قد قرن معه الزكاة .
وبأكثر من هذا فقد دأبت الأحاديث الكريمة تصرح بأن بين أداء الزكاة وإقامة الصلاة نحو إرتباط .
فقد جاء عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قوله :
____________
(1) وسائل الشيعة 1 | 18.
(2) وسائل الشيعة 1 | 19.
( 30 )
« أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم » (1) .
وهل يستعظم الإنسان هذا النوع من الأرتباط فكيف ان من صلى ولم يزك أمواله لم تقبل صلاته مع أنه تقبل بحسب الموازين الشرعية ، ويأتي الإيضاح عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) في حديث له يقول فيه :
« إن الله تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فمن أقام الصلاة ، ولم يؤت الزكاة فكأنه لم يقم الصلاة » (2) .
وإذاً : فالارتباط بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أرتباط تنزيلي ، ويفهم من قوله « فكأنه لم يقم الصلاة » بمعنى أن تارك الزكاة صلاته ليست تلك الصلاة التي ينظر إليها الله بنحو من الأهمية ، والأعتبار .
وعلى الصعيد الأجتماعي لو تأملنا هذه المقارنة لرأينا من خلال كل هذه الآيات والأحاديث أن الشارع المقدس يتوخى من الأمر بهذين الواجبين على نحو الأرتباط ولو تنزيلاً أن يجعل المكلف إنساناً مهذباً كاملاً .
فبصلاته : ينشد إلى خالقه يسبحه ويحمده ويعترف بالعبودية له ، وبذلك تصفو نفسه شفافة تنطبع فيها كل سمات الخير والرحمة .
وبزكاته : ينشد الفرد إلى المجتمع ليتحسس بأحاسيس أفراده من الضعفاء والمعوزين فيمد لهم يد المساعدة ويبعد عنهم شبح
____________
(1) وسائل الشيعة 6 | 3 .
(2) وسائل الشيعة 6 | 11 .
( 31 )
الفقر وآلام الجوع .
وبهذا الصدد يقول الإمام الرضا ( عليه السلام ) :
« إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأعنياء ، لأن الله عزوجل كلف أهل الصحة القيام بشؤون أهل الزمانة (1) والبلوى كما قال الله تعالى :
« لتبلون في أموالكم وأنفسكم » .
في أموالكم : أخراج الزكاة ، وفي أنفسكم : توطين النفس على الصبر مع ما في ذلك من أداء الشكر لنعم الله عزوجل ، والطمع في الزيادة مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف على أهل المسكنة والحث لهم على المواساة ، وتقوية الفقراء والمعونة لهم على أمر الدين » (2) .
وقد نقلنا من الحديث هذا القدر لنعرض من خلاله ما يتوخاه الإمام ( عليه السلام ) من شد الأغنياء والتحامهم بالفقراء وبيان أن الله سبحانه في الوقت الذي يريد من عبده أن يتقرب إليه وتسمو نفسه فتسبح في الرحاب الأعلى بصلاته كذلك يريد منه أن لا يبعد فينقطع عن المجتمع بل لينزل إلى معترك الحياة ليعمل ويقدم من نتاج عمله إلى من أنهكهم الفقر ، وبذلك يكون قد جنب الفقير ويلات الحرمان وما يجره العوز عليه من إرهاصات قد تخرجه من وضعه الطبيعي فيجرم في حق الأخرين .
____________
(1) الزمانه : العاهة : وأهل الزمانه أصحاب العاهات .
(2) وسائل الشيعة 6 | 5 .
( 32 )
ونبقى نحن وجزاء من أقام الصلاة وآتى الزكاة لنهرع إلى القرآن الكريم لنراه يقرر ما جاء في قوله تعالى :
( والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجراً عظيما ) (1) . .
« اولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً » وإذا كان التعبير بالعظيم له أهمية لو جاء على لسان البشر فكيف به وقد جاء على لسان الله عزوجل وهوالرحيم بعباده .
من تجب عليه الزكاة (2) :
تجب الزكاة على الأشخاص التالية صفاتهم :
1 ـ البالغ .
2 ـ العاقل .
3 ـ الحر .
4 ـ المالك للمال .
____________
(1) سورة النساء | .آية : 162 .
(2) لما كانت فكرة البحث من هذا الكتاب هي بيان موارد الانفاق ، وانها من ابرز صور التكافل الاجتماعي واعطاء صورة مشوقة فيما يخص هذه الجهة لذا لا يسعنا الخوض على نحو من التفصيل فيما يتعلق ببحث الضرائب المالية من الزكاة والخمس وبقية الموارد من الكفارات ، وغيرها ، بل نحيل القاريء الكريم على مصادر الفقه خوفاً من الأطالة والخروج عن الخط البحث لذلك نقتصر على هذا القدر مما يتعلق بهذه العناوين من الناحية الفقهية .
( 33 )
5 ـ التمكن من التصرف .
من غير فرق بين الذكر والأنثى . .
ما تجب فيه الزكاة :
تجب الزكاة في :
1 ـ الأنعام الثلاثة : وهي الابل والبقر والغنم .
2 ـ الذهب والفضة المسكوكين .
3 ـ في الغلات الأربع : هي الحنطة والشعير والتمر والزبيب .
وتستحب فيما عدا ذلك مما تنبت الأرض مما يكال أو يوزن عدا الخضر .
أما أموال التجارات فقد اختلفوا فيها على قولين :
أحدهما : الوجوب .
ثانيهما : الاستحباب (1) .
من تصرف إليه الزكاة :
وقد ذكرتهم الآية الشريفة في قوله تعالى :
( إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليم حكيم ) (2) .
____________
(1) راجع لذلك كتاب الزكاة من جواهر الكلام بحث ما تجب فيه الزكاة .
(2) سورة التوبة | آية : 60 .
( 34 )
ثانياً . . الخمس (1)
الخمس حق مالي فرضه الله عز وجل على عباده في موارد مخصوصة فكلفهم بأخراج سهم واحد من كل خمسة أسهم مما يحصلون عليه من تلك الموارد أي ما يساوي 20% من الأصل .
الموارد التي يجب فيه الخمس :
يجب الخمس في الموارد التاليه :
1 ـ غنائم دار الحرب .
2 ـ المعادن .
3 ـ الغوص .
4 ـ الكنز .
5 ـ أرباح التجارات .
6 ـ المال الحرام المختلط بالحلال .
7 ـ أرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم .
____________
(1) لقد تعرضنا لبحث الخمس بشكل مفصل في كتابنا « اليتيم في القرآن والسنة » والبحث هنا مأخوذ منه على نحو الاختصار .
( 35 )
من يستحق الخمس :
يقسم الخمس بنص الآية الكريمة ، والأحاديث الوارده عن أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى ستة أقسام :
يقول سبحانه :
( واعلموا أنّما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) (1) .
وقد أوضحت الآية الكريمة ان هذه الأقسام الستة تنقسم ألى قسمين :
الأول : ويتمثل بما أفادته الآية من قوله تعالى :
« فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى » .
الثاني : وهو ما بقي من الأقسام :
« اليتامى والمساكين وإبن السبيل » .
ويقول فقهاء الأمامية بأن الأقسام الثلاثة الأولى هي بيد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أو الأمام ( عليه السلام ) من بعده حسبما أستفيد من الأخبار الواردة في هذا الباب .
وأما الأقسام الثلاثة الثانية فهي لليتامى والمساكين وابن السبيل من بني هاشم اعتماداً على ما ورد في هذا التخصيص من الأخبار التي أفادت بأن الله حرم على بني هاشم الصدقة فأبدلهم بالخمس ، وقد تعرضت مصادر الحديث للإمامية فذكرت بهذا الخصوص اخباراً كثيرة جاء فيها ما ألمحنا إليه من السبب في تخصيص بني هاشم ،
____________
(1) سورة الأنفال | آية : 41 .
( 36 )
ومن هم بنو هاشم ، وغير ذلك مما يتعلق بهذا الموضوع على نحو من التفصيل راجع كتاب وسائل الشيعة وغيره من كتب الحديث أبواب الخمس .
فكرة الخمس من التكافل :
هذا الحقل المالي عندما يخصص النصف منه إلى الإمام ، والنصف الثاني إلى اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم إنما هو صورة من صور التكافل الإجتماعي ، والذي يريده الإسلام ، ويحرص على تطبيقه حيث يجعل من الغني والفقير مجموعة واحدة يتحسس البغض منها بما يحيط بالآخر من العوز والحاجة .
فالفقير يشعر بهاذا العطف من الغني ، ولابد له يوماً ما من أن يقدر له هذا العواطف ليقف إلى جانبه فيما يبتلى به من القضايا التي يحتاج فيها إلى ما يساعده فيها .
وبذلك يكون المجتمع يداً واحدة بغض النظر عن الأفراد ، والقوميات ، وما يميز به الأفراد من فوارق عريقة ، ومذهبية .
ب ـ الضرائب المترتبة على الأعمال :
وهذه الضرائب يجمعها عنوان « الكفارات » ، وهي عقوبات دنيوية يقصد من ورائها تخفيف ما على الإنسان من العقوبات الأخروية نتيخة مخالفة يقوم المكلف بها بترك عمل مطلوب منه ، أو بالأقدام على عمل ممنوع عنه ، وهي على أنواع :
1 ـ كفارة القتل :
فإذا قتل الإنسان مؤمناً عمداً ظلماً ففي هذه الصورة فرض الشارع المقدس عليه
كفارة وهي :
( 37 )
عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكيناً .
وأما لو كان القتل خطأ فكفارته عتق رقبة ، فإن عجز صام شهرين متتابعين ، فإن عجز إطعم ستين مسكيناً .
2 ـ كفارة الأفطار في شهر رمضان
: فمن أفطر يوماً من شهر رمضان فكفارته عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكيناً .
3 ـ من أفطر يوماً : من قضاء شهر رمضان
بعد زوال الشمس فكفارته اطعام عشرة مساكين فأن عجز صام ثلاثة أيام .
4 ـ فدية الأفطار عن مرض :
وهذه الفدية تتحقق على من أفطر في شهر رمضان عاجزاً عن الصوم
لمرض نزل به ، واستمر به المرض إلى رمضان قابل حيث يعجز عن القضاء أيضاً فيفدي عن كل يوم باطعام مسكين واحد .
5 ـ كفارة الظهار :
وعملية الظهار هو أن الرجل يترك وطء زوجته معتبراً أياها كأمه فيقول له « أنتي علي كظهر أمي » وهي عبارة يراد منها أن المرأه حرام عليه كحرمة أمه عليه ، فلو أراد الرجوع إليها كفر عن هذه العملية بعتق رقبة فأن عجز صام شهرين متتابعين فإن عجز اطعم ستين مسكيناً .
6 ـ كفارة الايلاء :
والأيلاء هوالحلف على ترك وطء الزوجة وحينئذ فيكفر من يريد الرجوع بعتق
رقبة أو اطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات .
7 ـ كفارة اليمين :
وذلك حيث يحلف الإنسان ان يفعل شيئاً ، أو يتركه ، ثم يعدل عن ذلك ، وفي هذه السورة تكون كفارته
( 38 )
عتق رقبة ، أو اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فأن عجز صام ثلاثة أيام متواليات .
8 ـ كفارة النذر :
وهو أن ينذر لله تعالى نذراً ويكون عليه الإيفاء إذا تحقق فإذا أخل بذلك فكفارته عتق رقبة أو اطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات .
9 ـ كفارة العهد :
والعهد هو أن يقول « عاهدت الله على كذا أو عليَّ عهد الله أنه متى حصل الشيء الفلاني فعليّ الشيء الفلاني » ، فإن أخل فعليه الكفارة وهي عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو اطعام ستين مسكيناً .
10 ـ كفارة المخالفة في الاحرام :
فإذا أخل الحاج بشرط من شروط الحج في الإحرام يكفر عن ذلك بذبيحة على تفصيل مذكور في بحوث الحج من الفقه .
إذا استعرضنا هذه الكفارات رأيناها تحتوي على :
1 ـ عتق الرقبة .
2 ـ الصيام .
3 ـ الاطعام للمساكين .
هذه الأمور الثلاثة هي موضوع الكفارة المفروضة على المكلفين عند اخلالهم بشيء مما ذكرناه ، أو قيامهم بأمور لايريد الإسلام تحققها كالقتل والظهار والايلاء .
ومن خلالها تظهر لنا فكرة التكافل والتعاون جلية واضحة ولنستعرض كلاً منها :
( 39 )
1 ـ عتق رقبة : والمراد به تحرير العبد من الاسترقاق ، وهذه عملية انسانية تكافلية يشم فيها انسان نسمات الحرية بعد أن حكمت عليه الظروف أن يكون مملوكاً لآخرين .
ان العبد ليشعر بالجميل عليه وهو يرى نفسه وقد القى الطوق الذي كان يقيده ، ولابد له ان يكافىء ذلك الشخص الذي كان السبب في خلاصه من هذه العبودية ، وبذلك تلتحم القوى بين المعتِق والمعتَق ، ويتحسس كل منهما بما تحل بالآخر من أزمات .
2 ـ الصوم : ويصوم الشخص نتيجة ابتلائه بهذه الكفارة ليكون رادعاً له عن الرجوع لمثل هذه المخالفة ، وفي الوقت نفسه ليتحسس بالآم الفقراء والضعغاء ، وليشعر بلوعة الحرمان ، وما يسببه الجوع من ارهاصات قد تخرجه عن الوضع الطبيعي الذي اعتاد عليه ، وليعلم ان الفقير أيضاً بشر ومن حقه أن يتمتع بهذه الحياة ، ومن ثم ليملأ معدته بالطعام ، وهذا التحسس كاف لأن يخلق منه إنساناً تكافلياً قد أحسنت تأديبه الكفارة .
3 ـ الأطعام : قد لا يوطن الإنسان نفسه على أن ينفق على الفقير تبرعاً وبدون سبب ، ولكن الشارع بهذا الأجراء يجبره على أن يتفقد الفقير ويقدم له طعاماً ليرفع عنه غائلة الجوع ويشبعه جزاء ما صنعه من مخالفة ، وبذلك يكون الإسلام قد هيّأ للظعيف مورداً من موارد العيش يقدمه الغني له من غير من ، ولا جميل .
وعلى أي حال ان الإسلام بتشريعه لهذا النوع من العقوبات لا يريد أن يتشفى من المكلف بإيذائه ، بل يريد أن يخفف من عقابه في الآخرة ويصوغ منه إنساناً مهذباً في دنياه يحمل قلباً ملؤه الرحمة ونفساً عالية شفافة تكمن بين جوانبها كل سمات الخير والصلاح .
( 40 )
2 ـ الانفاق التبرعي
لقد حث القرآن الكريم في آيات عديدة ، وموارد كثيرة على البذل والانفاق إلى الطبقات الظعيفة لانعاشهم وإبعاد شبح الفقر عنهم .
كما وقد تعددت الإساليب التي عرض بها هذه الفكرة ، والطرق التي سلكها لتحبيبها إلى النفوس .
قبل أن نبدأ :
ولنا وقفة مع القارىء قبل أن نبدأ بعرض تلك الطرق لنوفق بين هذا النوع من الحث على الإنفاق ، وبين ما عرف عن الإسلام من أنه دين عمل وجد ونشاط .
فيقال : إن هذا الحث من الشارع المقدس على البذل والإنفاق قد يكون سبباً لانتشار البطالة وتشجيعاً على عدم العمل ، وما على الفرد إلا أن يجلس في بيته ويتكل على عطايا المحسنين ، أو يتكفف ويتسول ويقطع الشوارع يمد يداً لهذا وأخرى لذلك يتمتم بكلمات يستدر بها عطف المحسنين كما نشاهده في كثير من الطرقات .
وهذا النوع من الحث على الانفاق الموجب لهذا النوع من
( 41 )
البطالة ينافي ما عليه الإسلام ، وما هو معروف من مبادئه من انه ينكر البطالة ويحث عل العمل وعدم الاتكال على الآخرين .
ويقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
« ملعون من القى كلّه على الناس » (1) .
ويقول الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) :
« لنقـل الصخر من قلل الجبال * أعز الي من مـنـن الـرجال
يقول الناس لي في الكسب عار * فقلت العار في ذْل السؤال » (2)
بهذا الأسلوب يواجه الإسلام الأفراد فهو دين العزة والرفعة ، وهو دين الجد والعمل ، ولا يريد للمجتمع أن يعيش أفراده يتسكعون ويتكففون .
فلماذا اذاً يعودهم على الاتكال على غيرهم ؟ .
للأجابة على ذلك نقول :
إن الإسلام بتشريعه الانفاق بنوعيه الالزامي والتبرعي لم يرد للأفراد أن يتكلوا على غيرهم في مجال العيش والعمل بل على العكس نراه يحارب بشدة الاتكالية ، والاعتماد على أيديِ الآخرين .
بل الإسلام يكره للفرد أن يجلس في داره وله طاقة على العمل ، ويطلب الرزق من الله فكيف بالطلب من انسان مثله .
يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
____________
(1 و 2) المحجة البيضاء 7 | 420 .
( 42 )
« أربعة لا تستجاب لهم دعوة رجل جالس في بيته يقول : اللهم أرزقني فيقال له : ألم آمرك بالطلب ؟ » (1) .
وفي حديث آخر عنه ( عليه السلام ) فيمن ترد دعوته :
« ورجل جلس في بيته وقال : يا رب إرزقني » (2) .
وهناك احاديث أخرى جاءت بهذا المضمون ان الله الذي قال في أكثر من آية « ادعوني أستجب لكم » ، ووعد بالاستجابة بمجرد دعاء عبده ليكره على لسان هذه الأخبار وغيرها أن يدعوا العبد بالرزق ، وهو جالس لا يبدي أي نشاط وفعالية بالاسباب التي توجب الرزق .
واذاً فالإسلام عندما شرع بنوعية الإلزامي والتبرعي لم يشرعه لمثل هؤلاء المتسولين بل حاربهم ، واظهر غضبه عليهم .
فعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) إنه قال :
« ثلاثة يبغضهم الله ـ الشيخ الزاني ، والفقير المحتال ، والغني الظلوم » (3) .
إنما شرع الإنفاق للفقير الذي لا يملك قوت سنته ، وقد اضطره الفقر لأن يجلس في داره .
وقد تضمنت آية الزكاة مصرف الزكاة فحصرت الاصناف الذين يستحقونها في ثمانية اثنان منهم الفقراء ، والمساكين ، وستة أصناف لم يؤخذ الفقر صفة لهم بل لمصالح خاصة استحقوها :
____________
(1 و 2) أصول الكافي 2 | 511 ـ طبعة طهران ـ تصحيح وتعليق الغفاري .
(3) الدر المنثور في تفسير الآية 271 من صورة البقرة .
( 43 )
يقول سبحانه :
( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) (1) .
وأما مصرف بقية موارد الانفاق الإلزامي من كفارات ، والإنفاق التبرعي فكلفه للفقراء .
والفقراء في المصطلح الشرعي هم الذين يستحقون هذا النوع من المساعدة كلهم اخذ فيهم أن لا يملكوا قوت سنتهم ، أو كان ما عنده من المال لا يكفيه لقوت سنته أما من كان مالكاً لقوت سنته وأخذ منها فهو محتال وسارق لقوت غيره .
ولا يعطى من الصدقات ، وإذا اعطى من الصدقات فمن التبرعية لا الإلزاميه وله عند الله حسابه لو عّود نفسه على التكفف والتسوال والأخذ من الصدقات التبرعية ، وبه طاقة على العمل .
____________
(1) سورة التوبة | آية : 60 .