|
|||
(136)
القول بالصحيح سواء أكان شرطاً شرعياً كالطهارة ، أو شرطاً عقلياً غير قابل للأخذ في المتعلق كقصد الأمر ، أو شرطاً لتحقّق المأمور به كعدم الابتلاء بالضد.
ذهب الشيخ الأنصاري إلى خروج الشرائط عن تحت المسمّى ، قائلاً : بأنّ رتبة الأجزاء رتبة المقتضي ، ورتبة الشرائط متأخرة عن رتبة المقتضي ، فلا يسوغ إدخالها في المسمّى لتستوي مع الأجزاء رتبة. (1) يلاحظ عليه : بأنّ تقدّم الأجزاء على الشرائط في عالم العين والكون لا يكون مانعاً من اجتماعهما في مقام التسمية ، كما أنّ الواجب والممكن كذلك ولكنّهما داخلان تحت عنوان الوجود. أقول : الظاهر دخول الشرائط في المسمّى على القول بالصحيح ، بشهادة أنّ المحقّق الخراساني يجعل الموضوع له هو الجامع بين أفراد الصحيح الذي يترتب عليه النهي عن الفحشاء ، ومن المعلوم أنّ ذلك الأثر لا يترتب إلاّ على الجامع للأجزاء والشرائط ، ويدلّ على ذلك ( دخول الشرائط في المسمّى عند الصحيحي ) اعتراض الأعمّي على الصحيحي من أنّ القول بالوضع للصحيح يلزم تكرار معنى الطلب في الأوامر المتعلّقة بها ، لأنّ الأمر حينئذ يرجع إلى الأمر بالمطلوب إذ هو معنى الصحيح ، فيكون المعنى أطلب المطلوب. (2) ومن المعلوم أنّ المطلوب هو التام جزءاً وشرطاً. ومع ذلك فالرائج بين العقلاء هو الفرق بين شرائط الماهية وشرائط التحقق بإدخال الأوّل في المسمّى كالطهارة ، وعدم دخول الثاني « كعدم الابتلاء بالأهم منه » وأمّا قصد الأمر فهو متفرّع على القول بإمكان أخذه في المتعلق أو لا. فعلى الأوّل يكون داخلاً في المسمّى دون الثاني. 1 ـ مطارح الأنظار : 6. 2 ـ الفصول : 48. (137)
الجهة الرابعة
في لزوم جامع على كلا القولين
إنّ الأثر الفقهي المترتّب على المسألة هو صيرورة المسمّى مجملاً على القول بالصحيح ، ومبيّناً على القول بالأعم ، فلا يجوز التمسّك بالإطلاق على القول بالصحيح دون القول بالأعم. ومن المعلوم أنّ تصوير ذلك الأثر الفقهي فرع وجود جامع واقع تحت الأمر يكون مبيّناً على أحد القولين ومجملاً على القول الآخر.
أضف إلى ذلك أنّه لولا القول بوجود الجامع يلزم أن يكون لفظ العبادات مشتركاً لفظياً ، لأنّ للصحيح مراتب مختلفة كما للأعم كذلك ، وجواز الإطلاق على الجميع رهن أحد الأمرين : كونه مشتركاً معنوياً أو مشتركاً لفظياً والثاني باطل ، فتعيّن الأوّل ، وهو يلازم وجود الجامع في البين. إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ تصوير الجامع على القول بالأعم من السهولة بمكان ، لأنّه يقسم الأجزاء إلى قسمين : أجزاء المسمّى ، وأجزاء المأمور به ، فالأركان الأربعة مثلاً ، أجزاء للمسمّى ولا تخلو صلاة منها إمّا بعينها أوبأبدالها ، وخلوّ صلاة الغرقى غير مضر ، لأنّها ليست صلاة ، بل دعاء وابتهال ، بخلاف الصحيحي فانّ الاجزاء كلّها عنده أجزاء للمسمّى وليس من أجزاء المأمور به لديه عين ولا أثر ، وعندئذ يشكل تصوير جامع ، يصدق على عامة الصلوات الصحيحة رباعيتها ، وثلاثيتها ، وثنائيتها وأحاديتها ، مع أنّ لكلّ منها مراتب مختلفة حسب اختلاف حالات المكلّف ، لأنّ لازم كونها موضوعة للأجزاء الكثيرة (138)
هو خروج الصلوات الصحيحة القليلة الأجزاء عن المسمّى. كما أنّ وضعه للأجزاء القليلة من الصلوات الصحيحة يستلزم كون الأجزاء الأُخرى أمراً خارجاً عنها.
والحاصل : أنّ الأعمّي جعل بعض الأجزاء جزء المسمّى ، أعني : الأركان الأربعة ، والأجزاء الباقية جزء المأمور به وبذلك تخلّص عن الإشكال. وأمّا الصحيحي فبما أنّه يدّعي الوضع للصحيح يجعل الجميع جزء المسمّى وليس عنده من جزء المأمور به عين ولا أثر ، فعند ذلك يتوجه إليه الإشكال المتقدم ، حيث إنّ وضعها للأجزاء الكثيرة يوجب خروج الأجزاء القليلة عن المسمّى ، كما أنّوضعها للأجزاء القليلة يوجب اشتمال الأجزاء الكثيرة على الصلاة وغير الصلاة. ثمّ إنّ ذلك صار سبباً لالتجاء المحقّق الخراساني إلى الجامع البسيط حتى يتمكن له ادّعاء وجوده في عامة الصلوات قليلة كانت أو كثيرة. وبالجملة : انتخابه كون الموضوع له هو الأمر البسيط لأجل الفرار عن الإشكال المتقدم ، فإليك تقريبه مع سائر التقريبات الواردة للأعلام. التقريب الأوّل للمحقّق الخراساني حاصله : انّ الجامع بين أفراد الصلاة ليس مشخصاً باسمه ، ولكنّه يمكن الإشارة إليه بخواصه وآثاره ، قال : فانّ الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذاك الجامع ، فيصحّ تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلاً ، بالناهية عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن ونحوهما. (1) 1 ـ كفاية الأُصول : 1/36. (139)
يلاحظ عليه أوّلاً : وجود التعارض بين الصدر والذيل ، فالصدر ظاهر في أنّ الموضوع له شيء والأثر المترتب عليه معرف له ، ولكن الذيل ظاهر في أنّ الموضوع له هو نفس الناهية عن الفحشاء ، إلاّ أن يحمل حرف الباء في قوله بالناهية على السببية أي بسبب الناهية عن الفحشاء ومن خلالها.
وثانياً : أنّ الهدف من الوضع تفهيم ما قام في الذهن في المعنى ، فلو كان المعنى غير قابل للتفهيم إلاّ بالإشارة إليه بالأثر الخاص كان الوضع له لغواً ويتعين الوضع للأثر ، وهذا يجرّنا إلى القول بوجوب كون الجامع أمراً عرفياً مخطوراً إلى أذهان العرف. وثالثاً : أنّ استخدام قاعدة الواحد ـ أعني : « لا يصدر الواحد إلاّ عن الواحد » ـ في المقام حيث استدلّ باشتمال عامة الصلوات الصحيحة في الأثر الواحد ، أعني : النهي عن الفحشاء على وجود جامع بينها ، غير تام ، وذلك لأنّها حسب برهانها مختصة بالواحد الشخصي البسيط من جميع الجهات من دون أن يكون فيه أي شائبة كثرة وإلاّ فيخرج عن تحت القاعدة. وأمّا برهان القاعدة فهو أنّ المعلول الواحد البسيط من جميع الجهات الخالي عن شائبة أيّة كثرة يجب أن يصدر عن علّة معينة فقط ، وإلاّ فلو صدر عن كثير يلزم طروء الكثرة عليه. وذلك لأنّه يلزم أن يكون بين المعلول والعلة رابطة ظلية تصحح صدوره عنها ، وإلاّ فلو صدر عنها بلا تلك الرابطة يلزم صدور كلّ شيء من كلّ شيء ، وعلى ذلك فلو صدر المعلول البسيط عن علة فلابدّ أن يصدر عنها بحيثية خاصّة ، ومع ذلك فلو صدر عن علّة أُخرى يلزم أن يصدر عنها بحيثية مغايرة للحيثية الأُولى ، وهذا يستلزم انقلاب الواحد إلى الكثير ففرض كون المعلول واحداً (140)
بسيطاً لا كثرة فيه يساوق حصر صدوره عن علة واحدة.
وعلى ضوء ذلك فالقاعدة مختصة بالواحد البسيط من جميع الجهات ، وأين هو من النهي عن الفحشاء الذي هو واحد بالنوع حيث إنّ النهي عن الكذب غير النهي عن الغيبة وكلاهما غير النهي عن النميمة ؟! ورابعاً : انّ الأثر المترتب على الصلاة مختلف ، واختلافه يكشف عن وجود الكثرة في الصلاة ، فالصلاة كما هي تنهى عن الفحشاء ، فهي عمود الدين ، وقربان كلّ تقي ، ومعراج المؤمن ، فيلزم أن يكون في الصلاة جوامع كثيرة كلّ مصدر لأثر خاص. وخامساً : انّ القول بوضع الصلاة للجامع البسيط الموجود في جميع المراتب وإن كان يرفع الإشكال وهو وجود الجامع في عامة مراتب الصحيح أُحادية كانت الصلاة أو ثُنائية أو ثلاثية أو رباعية ، كانت الصلاة صلاة اختيار أو صلاة اضطرار ، لكنّه يوجب الإشكال في أمر آخر وهو أنّ مشاهير الأُصوليين في مبحث الشك في الجزئية والشرطية ذهبوا إلى القول بالبراءة بادّعاء انحلال العلم الإجمالي إلى أمر يقيني وشكّ بدوي ، وهذا إنّما يصحّ إذا تعلّق الأمر بأمر مركب ذي أبعاض حتى يكون بعضه متيقناً والبعض الآخر مشكوكاً ، الذي هو قوام الانحلال ، وأمّا إذا كان الأمر متعلّقاً بأمر بسيط وكانت نسبة الأجزاء إليه نسبة المحصِّل إلى المحصَّل يكون المرجع هو الاشتغال لكون المأمور به واضحاً ، والشكّ إنّما هو في محقّقه ودورانه بين الأقل والأكثر ، ومن المعلوم انّ العقل يحكم عندئذ بالاحتياط للعلم بالاشتغال القطعي والشكّ في سقوطه بالأقل ، وهذا ما يعبّر عنه تارة بالشكّ في المحصل أو الشكّ في السقوط. هذا هو الإشكال الذي تنبّه إليه المحقّق الخراساني وأجاب عنه بقوله : (141)
إنّ الجامع مفهوم واحد منتزع عن هذه المركّبات المختلفة زيادة ونقيصة ، بحسب اختلاف الحالات ، متّحد معها نحو اتحاد وفي مثله تجري البراءة ، وإنّما لا تجري فيما إذا كان المأمور به أمراً واحداً خارجياً مسبباً عن مركب مردّد بين الأقل والأكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما إذا شكّ في اجزائهما. (1)
توضيح الجواب : وجود الفرق بين المسبب الذي له وجود مستقل منفصل عن السبب ، وبين المنتزع عن المركب المتحقّق معه من دون أن يكون له وجود مستقل ، فالأُولى كالطهارة إذا فسِّرت بالطهارة النفسانية التي تتحقق بالغسلات والمسحات فظرف المسبب هو النفس كما أنّ ظرف السبب هو الخارج ، ففي هذا المورد إذا شكّ في حصول الطهارة النفسانية لأجل الشكّ في اعتبار الاستنشاق في الوضوء وعدمه يجب الاحتياط ، لأنّ الاشتغال اليقيني بالمسبب البسيط ، أعني : الطهارة النفسانية ، يقتضي البراءة اليقينية ولا يحصل إلاّ بضمّ الاستنشاق إليه والثاني كما في المقام ، فانّ للعنوان البسيط نحو اتحاد في الخارج مع الأجزاء والشرائط ولا يضر اختلاف المنتزع منه قلة وكثرة في انتزاعه كالإنسان المنتزع من الإنسان التام والناقص ، فوجود هذا الجامع البسيط عين وجود المركبات وليس مغايراً لها حتى يكون الشكّ في قلتها أو كثرتها من قبيل الشكّ في المحقّق. يلاحظ عليه : أنّ الالتزام بالجامع البسيط بأيّ نحو كان ، يوجب الاشتغال لا البراءة ، وكون المسبب غير السبب كما في الصورة الأُولى أو متّحداً معه كما في المقام ، لا تأثير له في اختلاف الأصل ، وذلك لأنّ متعلّق الأمر هو العنوان الكلي المنتزع وهو أمر بسيط ، لا المنتزع منه الذي يتّحد فيه الأمران ، فمنشأ الخلط تصوّر أنّ الأمر يتعلّق بالوجود الخارجي الذي يتّحد فيه المنتزع والمنتزع منه غافلاً عن 1 ـ كفاية الأُصول : 1/37. (142)
أنّ الأمر يتعلّق بالعنوان الكلي الموجود في الذهن لغاية الإيجاد ، وهو غير المنتزع منه في مقام تعلّق الأمر.
إلى هنا تمّ الكلام حول الجامع الأوّل ، وإليك الكلام في الجامع الثاني. التقريب الثاني للمحقّق الاصفهاني ذهب المحقّق الإصفهاني إلى أنّ الماهية إذا كانت من الماهيات الحقيقية تكون واضحة في مقام الذات ومبهمة من حيث الطوارئ والعوارض ، وهذا كالإنسان الذي هو معلوم جنساً وفصلاً ، وإنّما الإبهام في عوارضه المشخّصة. وإذا كانت الماهية من الأُمور المؤتلفة من عدّة أُمور بحيث تزيد و تنقص كمّاً وكيفاً ، فمقتضى الوضع لها أن تلاحظ على نحو مبهم في غاية الإبهام بمعرّفية بعض العناوين غير المنفكّة عنها ، وهذا كالصلاة حيث إنّها مركبة من ماهيات مختلفة : كالوضع ، والكيف والفعل ، فلا محيص من وضع اللفظ لسنخ عمل مبهم لا يعرف إلاّ من جانب أثره ، وهو النهي عن الفحشاء أو غيره من المعرّفات ، بل العرف لا ينتقل من سماع لفظ الصلاة إلاّ إلى سنخ عمل خاص مبهم إلاّ من حيث كونه مطلوباً في الأوقات وهذا هو الذي تصوّرناه في ما وصفت له الصلاة بتمام مراتبها ، من دون الالتزام بجامع ذاتي مقولي ، ومن دون الالتزام بالاشتراك اللفظي. (1) يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الصلاة مركّب اختراعي ، وكلّ مخترع أعرف بما اخترع من غيره ، يقول سبحانه : ( أَلا يَعْلَم مَنْ خَلَق وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبير ) (2) وعندئذ كيف يمكن اختراع مركب لغاية الأمر به وعدم التعرف عليه إلاّ من جانب أثره ؟! 1 ـ نهاية الدراية : 1/39. 2 ـ الملك : 14. (143)
وعلى ضوء هذا لا يصحّ كلامه بأنّ الصلاة مبهمة في ذاتها وفي مقام تجوهرها. كيف ! وانّ الآمر هو الذي يتصوّر الموضوع ويأمر به ، وعند ذلك لابدّ له من تصوّر ما يأمر به.
ثمّ إنّه قدَّس سرَّه قاس المقام بالخمر قائلاً « بأنّه مبهم من حيث اتخاذه من العنب والتمر وغيرهما ، ولذا لا يمكن وصفه إلاّ ببعض الآثار كالمسكرية » ولكن الفرق بين المقيس والمقيس عليه واضح ، فانّ الخمر من الأُمور التكوينية وليست ذاتها وتجوهرها رهن تصور متصوّر ولحاظ لاحظ ، فلا مانع من أن يكون لها واقع مبهم غير معلوم إلاّ من ناحية أثره كالاسكار ، وهذا بخلاف المركّبات الاختراعية الاعتبارية فانّ واقعيتها وتجوهرها بيد مخترعها ولاحظها فلابدّ أن تكون ذاتها معلومة لمخترعها في مقام الذات لا أن تكون مبهمة إلاّ من حيث الأثر. ثانياً : انّ ما ذكره قريب ممّا ذكره أُستاذه غير انّه يفارقه في أنّ الأُستاذ صرّح ببساطة الجامع دونه فيرد عليه ما أورد عليه أخيراً. (1) وهو انّ الموضوع له مع إبهامه وإجماله إمّا مركب أو بسيط ، والبسيط إمّا جامع مقولي أو جامع عنواني ، والمجموع غير تام. أمّا المركّب فيرد عليه أنّه مردّد بين الأقل والأكثر أجزاءً ، فلو وضعت الصلاة على الأكثر أجزاءً لا يصدق على القليل وإن وضعت على العكس يكون الأكثر أجزاءً صلاة مع شيء خارج عن ماهيتها. وأمّا البسيط ، فالمقولي منه غير متصوّر ، لأنّ الصلاة مركب من مقولات مختلفة كالوضع ، والكيف ، والفعل ، ومن المعلوم أنّ الجميع من الأجناس العالية التي ليس فوقها جنس فلو كانت للصلاة جامع مقولي يلزم أن يكون الجامع فوق 1 ـ قد تقدّم عند مناقشة قول المحقّق الخراساني تحت عنوان « وخامساً ». (144)
تلك الأجناس مع أنّها ليس فوقها جنس « ليس وراء عبادان قرية ».
وأمّا الجامع العنواني الذي يعبّر عنه بالانتزاعي كالناهي عن الفحشاء والمنكر فهو يستلزم خلاف المطلوب إذ يلزم عليه وجوب الاحتياط عند الشكّ في الأقل والأكثر. إلى هنا تمّ التقريبان للعلمين : المحقّق الخراساني والمحقّق الإصفهاني قدّس سرّهما ، وهناك تقريب ثالث للمحقّق النائيني. التقريب الثالث للمحقّق النائيني قال : إنّ الموضوع له هو خصوص التام الأجزاء والشرائط كصلاة المكلّف المختار ، وإطلاقها على الصلوات الناقصة الاضطرارية إنّما يكون بعد التصرّف في الأمر العقلي ، وجعل الصلوات العذرية المجزية مشابهة للصلوات التامّة في الإسقاط وعدم وجوب الإعادة والقضاء وتنزيلها منزلتها من جهة المسقطية والإجزاء وبعد هذا التنزيل صارت صلوات ادّعائية ثمّ أطلقت الصلاة عليها. (1) وحاصله : انّ الموضوع له أوّلاً هي المرتبة العليا الواجدة لتمام الأجزاء والشرائط ، والاستعمال في غيرها من المراتب الصحيحة على قول الصحيحي ، أو الأعمّ منها على الأعمّي ، من باب الادّعاء والتنزيل ، أي تنزيل الفاقد منزلة الواجد مسامحة ، كما في جملة من الاستعمالات. (2) يلاحظ عليه : بأنّ صلاة المكلّف المختار ليست على نمط واحد ، فالرباعية والثنائية كلاهما من صلاة المكلّف المختار ، فما هو الموضوع له ؟ فان وضعت 1 ـ هذا ما نقله شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ من كتاب نتائج الأفكار : 1/93 الذي هو تقرير لبحوث المحقّق الشاهرودي ، وكان من أبرز تلاميذ النائيني و محيطاً بآراء أُستاذه. 2 ـ السيد الخوئي : أجود التقريرات : 1/36. (145)
للثنائية تكون الرباعية مشتملة على الصلاة وغيرها ، ولو وضعت للرباعية تخرج الثنائية عن اسم الصلائية ، وبما انّه لا يتصوّر الجامع بين الواجد والفاقد فيلزم أحد المحذورين.
إلى هنا تمّت التقريبات الثلاثة للصحيحي وكلّها غير ناجعة. ثمّ إنّ هناك تقريبات أُخرى لتصوير الجامع على القول بالصحيح نذكرها تباعاً ، ولكن نود أن نشير إلى نكتة وهي أنّ الجامع المتصور للصحيحي يجب أن يعالج الأُمور التالية وهي : 1. شمول الجامع لعامة الصلوات الصحيحة بوضع واحد لا بأوضاع متعددة. 2. كون الاجزاء مطلقاً في الثنائية والثلاثية نفس الجامع دون أن يكون البعض جزء المسمّى ، والبعض الآخر جزء الماهية. 3. كون المرجع عند الشكّ في الجزئية والشرطية هو البراءة ، فكلّ تقريب يؤمِّن هذه الأهداف الثلاثة فهو ممّا يرتضيه الصحيحي ، وإليك دراسة التقريبات الباقية من هذا المنظار. التقريب الرابع للمحقّق البروجردي يقول : إنّ الجامع الذاتي المقولي لا يتصوّر في المقام ، فانّ الأشياء المتباينة بالذات لا يعقل فرض الجامع بينها بالوحدة الحقيقية الذاتية في مرتبة واحدة من مراتب الصلاة ، فكيف بالجامع بين جميع المراتب من الكامل المختار تام الأجزاء والشرائط إلى أنقص المراتب كمية وكيفية ؟ فتصوير الجامع الذاتي ممّا لا سبيل إليه. (146)
وأمّا الجامع العرضي فالذي يخطر ببالنا أنّ حال المركّبات العبادية كالصلاة والصوم والزكاة وأمثال ذلك حال المركّبات التحليلية كالإنسان ونظائره ، فكما أنّ الإنسان محفوظ في جميع أطوار أفراده زادت خصوصية من الخصوصيات أو نقصت ، كان في أقصى مراتب الكمال أو حضيض النقص ، وذلك لأنّ شيئية الشيء بصورته فكذلك حال المركبات الاعتبارية العبادية ، بمعنى انّه يمكن اعتبار صورة واحدة تمتاز بها عن غيرها وتكون تلك الصورة ، ما به الاجتماع لتمام الأفراد وجميع المراتب ، وتكون محفوظة في جميع المراحل ، وهذا الشيء هو الخشوع الخاص في الصلاة ، فانّ التخشّع الخاص ـ الذي كون محصل شيئية الصلاة وبه تصير الصلاة صلاة ـ محفوظ في جميع أفراد الصلاة ومراتبها المختلفة ، وهذا هو المناسب لمقام عبودية العبد بالنسبة إلى مولاه. (1)
وإن شئت قلت : إنّ جميع مراتب الصلاة بمالها من الاختلاف في الأجزاء والشرائط تشترك في كونها توجّهاً خاصّاً وتخشّعاً مخصوصاً من العبد ، ويوجد هذا التوجّه بإيجاد أوّل جزء منها و يبقى إلى أن تتم ، فيكون هذا التوجّه بمنزلة الصورة لتلك الأجزاء المتباينة بحسب الذات ، المختلفة كمالاً ونقصاً باختلاف المراتب ، فالتخشّع بوجوده الخارجي بمنزلة الصورة لهذه الأجزاء ، فهو موجود بعين وجودات الأجزاء فيكون الموضوع له لنفس الصلاة هذا المعنى المحفوظ في جميع المراتب. (2) وحاصله : انّ الصلاة عبارة عن توجّه الإنسان إلى اللّه سبحانه وتخشّعه وخضوعه متقارناً مع الأجزاء والشرائط بحيث يكون للمجموع من الصورة 1 ـ الحجة في الفقه مهدي الحائري اليزدي ، تقريراً لبحث العلاّمة البروجردي : 1/58. 2 ـ نهاية الأُصول : 1/40. (147)
والأجزاء وجود واحد.
يلاحظ عليه : أنّ التقرير المزبور غير دافع للإشكال ، وذلك لأنّه لو كان الموضوع له هو التوجّه والتخشّع القائم بالأجزاء والشرائط ، محدَّداً بحدّ خاص يتوجّه عليه الإشكال ، وهو انّه يلزم أن تكون الصلاة المشتملة على ذلك الحدّ وغيره من الصلوات الصحيحة ، مشتملة على الصلاة وغيرها ، كما يلزم أن لا يكون الأقل من المحدد في الهيئة والمادة مصداقاً للصلاة ، وذلك لازم التحديد من كلا الجانبين. اللّهمّ إلاّ أن يكون الموضوع له لابشرط من كلا الجانبين ، بمعنى أنّه يكون عين الصلاة عند الوجود وغير مضر عند الفقدان ، وكان على السيد البروجردي التصريح بهذا الأمر ، وإلاّ فمجرّد القول بكون الموضوع له التوجّه إلى اللّه المتّحد مع الأجزاء ، لا يدفع الإشكال. التقريب الخامس ما ذكره السيّد الأُستاذ إنّ المركّبات الاعتبارية إذا اشتملت على هيئة و مادة ، يمكن أن يؤخذ كلّ منهما في مقام الوضع لا بشرط. و المراد من أخذهما لابشرط هو أخذ المادة والهيئة بعرضها العريض. و ذلك كالمخترعات من الصنائع المستحدثة ، فإنّ مخترعها بعد أن صنعها من موادّ مختلفة و ألّفها على هيئة خاصّة ، وضع لها اسم الطيّارة أو السيّارة آخذاً كلاً من موادّها و هيئاتها لا بشرط. و لأجل ذلك ترى أنّ تكامل التصنيع كثيراً ما يوجب تغييراً في موادّها و هيئاتها ، و مع ذلك يطلق عليها اسمها ، كما كان يطلق في السابق و ليس ذلك إلاّ لأخذ الهيئة و المادّة لابشرط ، أي عدم لحاظ مادّة خاصّة و هيئة مقيّدة. (148)
وأوضح مقالته هذه بقوله : المركّبات الاعتبارية على قسمين : قسم يكون الملحوظ فيه كثرة معيّنة كالعشرة ، فإنّها على وجه لو فقد منها جزء ، تنعدم العشرة. و قسم يكون فيه الأمر الاعتباري ، على نحو لم تلحظ فيه كثرة معيّنة في ناحية الموادّ ، بحيث ما دامت هيئتها و صورتها العرضية موجودة ، يطلق عليها اللفظ الموضوع و إن قلّت موادّها أو تكثّرت.
والحاصل : أنّ المادّة لم تلحظ فيها كثرة معيّنة ، و يكفي فيها ذكر بعدَ ( التكبيرة ) ركوع و سجود و طهور و تصدق على الميسور من كلّواحد. وأمّا الهيئة فهي أيضاً مأخوذة بنحو اللابشرط مثل مادّتها ، بعرضها العريض ، و تكفي صورة اتصالية حافظة لمادّتها أخذت لابشرط في بعض الجهات. ونظير ذلك ، لفظ الدار والبيت فانّها من حيث المادة لابشرط ، سواء أخذت موادّها من الطين ، أو الآجر ، أو من الحجر والحديد ، كما أنّها من حيث الهيئة أيضاً كذلك ، سواء بنيت على هيئة المربع أو المثلث ، وعلى طبقة واحدة أو طبقتين ، فهو موضوع لهيئة مخصوصة غير معيّنة من بعض الجهات مع مواد فانية فيها. إذا عرفت ذلك نقول : إنّ لفظ الصلاة موضوع لنفس الهيئة اللابشرط ، الموجودة في الفرائض والنوافل قصرها و تمامها ، و ما وجب على الصحيح أو المريض بأقسامها ، فيكفي في صدقها ، وجود هيئة بمراتبها إلاّ بعض المراتب التي لا تكون صلاة كصلاة الغرقى ، لعدم وجود مواد من ذكر و قرآن و سجود و ركوع. (1) 1 ـ تهذيب الأُصول : 1/77 ـ 78 ، ط مؤسسة النشر الإسلامي. (149)
التقريب السادس للمحقّق الخوئي
إنّ كلّ مخترع هو أعرف بما اخترعه سواء كان المخترع شارعاً أم غيره ، و تدلّ الروايات على أنّ التكبيرة و التسليمة معتبرتان فيها حيث إنّ الصلاة أوّلها التكبير و آخرها التسليم ، كما أنّ الركوع والسجود والطهارة معتبرة فيها ، حيث إنّ كلاً منها ثُلث الصلاة ، وأمّا غير ذلك من الأجزاء والشرائط فهي خارجة عن حقيقتها و دخيلة في المأمور به على اختلاف الأشخاص والحالات ، و المراد من دخل الطهارة والركوع والسجود ، هو الأعمّ منها و من أبدالها ، ولا بأس أن يكون مقوّم الأمر الاعتباري على سبيل البدلية. كما أنّه لا مانع من دخول شيء في مركّب اعتباري عند وجوده ، وخروجه عنه عند عدمه إذا كان المسمّى بالنسبة مأخوذاً على نحو لابشرط كما هو الحال بالنسبة إلى غير المأخوذ في المسمّى من القراءة و التشهد و غيرهما فلو وجب يكون عينها ، ولو لم يجب ، لم يضرّ بتحقق الصلاة كما هو الحال في لفظ الدار فانّه موضوع بما اشتمل على ساحة وحيطان وغرفة ، فإن كان هناك إيوان ونهر و سرداب يكون جزءاً منه و إلاّ فلا يضرّ عدمه. (1) ففي ظل هذين التقريرين يرتفع الإشكال ويتحقق مطلوب الصحيحي. أمّا أوّلاً : فالجامع إذا أُخذ لابشرط من حيث الهيئة والمادة يصدق على عامة مراتب الصحيح ومصاديقه. وثانياً : انّ الاجزاء مطلقاً في الثنائية والثلاثية والرباعية نفس الجامع ، إذ هو مقتضى أخذه لابشرط دون أن يكون البعض جزء الماهية والآخر جزء المأمور به. 1 ـ تعليقة أجود التقريرات : 1/40 ـ 41. (150)
بما انّ الموضوع له هو الهيئة والمادة المركبة ففي ظرف الشك في الشرطية والجزئية الزائدة يكون المرجع هو البراءة لانحلال العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي.
التقريب السابع للعلاّمة الطباطبائي إذا هيّأ الإنسان معجوناً من المعاجين للحصول على أثر خاص ، ربّما يوصله التتبع إلى أنّ الأثر لا يقتصر على الأجزاء المعيّنة للمعجون فحسب بل ربما يترتب مع تبديل بعض أجزاء المعجون بأجزاء أُخرى مغايرة مع الأجزاء الأوّلية فيطلق عليه نفس الاسم لاشتراك جميع الأجزاء في الأثر ، وكأنّ الاشتراك في الأثر يكون سبباً لانتزاع جامع أعمّ من الجامع الأوّل ، وهكذا الحال إذا وجد ذلك الأثر في أجزاء أُخرى مغايرة لأجزاء المعجون الأصلية. وفي النتيجة يكون الاشتراك في الأثر سبباً لسبك جامع من جامع أوّلي وهكذا ، ونظيره صناعة الحلوى إذا عملها من دقيق البر ثمّ وجد انّ دقيق الشعير يفي بالغرض المطلوب فيسمّيه أيضاً بنفس الاسم ، ثمّ يقف على أنّ دقيق الارز والذرة يفيان بالغرض يتوسع في الاسم ، وما هذا إلاّ لأنّ الوحدة في الأثر تكون سبباً في كلّ مرتبة لانتزاع جامع أوسع من سابقه. ونظير ذلك المصباح فقد كان يطلق في البداية على الحطب المشتعل ، ثمّ وصل الإنسان بنضوج عقله إلى أنّه يمكن أن يصل إلى مُنيته من الدهن المائع إذا وقع فيه فتيلاً ليمس الدهن بسهولة فأسماه أيضاً مصباحاً مع البون الشاسع بين المسمّيين ، وبهذا المنوال سمّى المصباح الغازي أو الكهربائي مصباحاً ، وما هذا إلاّ لأنّ ترتّب الأثر المطلوب عليها صار سبباً لتبسيط الاسم توسيع الجامع. |
|||
|