|
|||
(76)
10. إذا زاحم الصوم ، حفظ نفس الغير أو عرضه أو زاحمه حفظ مال أهمّ في نظر الشارع من الصوم ، ومع ذلك صام ، فالصحّة مبنية على أحد الأمرين الترتّب أو القول بكفاية الملاك. (1)
11. إذا كان اعتكاف الزوجة منافياً لحقّ الزوج ، أو اعتكاف المستأجر منافياً لحقّ الأجير ، فلو خالف وصام واعتكف ، فتصحيح العبادة بأحد الأمرين كما مرّ. (2) 12. إذا كان عليه خمس من عام الربح الماضي ، وكان عليه دين حال ، فيقدّم الدين على الخمس ، فلو خالف ولم يؤدّ الدين يمكن القول بوجوب الخمس مترتّباً على العصيان. (3) 13. لو صلّى العصر قبل الظهر في الوقت المشترك نسياناً فلا مانع من الإتيان بالظهر في الوقت المختصّ بالعصر. فلو ترك الإتيان بالظهر في هذا الوقت واشتغل بصلاة أُخرى قضاءً فيمكن أن يقال إنّ اشتغال الذمّة بالواجب الفوريّ ـ أعني : صلاة الظهر ـ لا ينافي صحّة عبادة أُخرى مضادّة له بناء على تعلّق الأمر بالموسّع ـ أعني : صلاة القضاء ـ فعلاً أيضاً على الترتّب. (4) 14. لو فرضت حرمة الإقامة على المسافر من أوّل الفجر إلى الزوال ، فلو 1. لاحظ العروة الوثقى ، كتاب الصوم ، فصل في شرائط صحّة الصوم ، في ذيل قوله : « الشرط السادس ». 2. لاحظ العروة الوثقى ، كتاب الاعتكاف ، فصل : يشترط في صحّته أُمور : السابع. 3. لاحظ فوائد الأُصول : 1/358. 4. كتاب الصلاة للحائري اليزدي : 16. (77)
فرض أنّه عصى هذا الخطاب وأقام ، فلا إشكال في أنّه يجب عليه الصوم ويكون مخاطباً به ، فيكون في الآن الأوّل الحقيقي من الفجر قد توجّه إليه كلّ من حرمة الإقامة ووجوب الصوم ولكن مترتّباً ، فيكون وجوب الصوم أو وجوب التمام مترتّباً على عصيان حرمة الإقامة. وكأنّه يقول : تحرم لك الإقامة ، وإن عصيت بنيّة الإقامة ، فصُم واتمم.
15. لو فرض وجوب الإقامة على المسافر من أوّل الزوال ، فلو عصى ولم ينو الإقامة وجب عليه القصر وإفطار الصوم ، وكأنّه يقول : أقم وإن عصيت فقصّر وأفطر. (1) 1. فوائد الأُصول : 1/357 ـ 358. (78)
خاتمة المطاف
نظرية الأمر بالأهم والمهم عرضاً لا بنحو الترتّب
إنّ سيّدنا الأُستاذ الإمام الخميني ( قدس سره ) لمّا لم يرتض بالترتّب على النحو الذي أقام دعائمه المحقّق النائيني ، سلك مسلكاً آخر في تصحيح الأمر بالمهم مع الأمر بالأهم.
وحاصل النظرية : عبارة عن حفظ الأمر على الموضوعين بلا تقييد المهم بالعصيان ، وذلك بترتيب مقدّمات مفصّلة ، نذكر ملخّصاً منها : الأُولى : الأحكام تتعلّق بالطبائع إنّ الأحكام الشرعية تتعلّق بنفس العناوين الكلّية ، لا بها مع سائر الخصوصيات ، فانّ الطبيعي في الخارج لا ينفك عن الزمان والمكان وسائر الملابسات ، لكن المأمور به نفس الصلاة لا ضمائمها الكلّية ، وهكذا النواهي ، وذلك لأنّ المحصِّل للغرض هو نفس وجود الطبيعة دون الضمائم وإن كانت الطبيعة لا تنفك عنها. وبذلك يُعلم أنّ مراد القائل بتعلّق الأحكام بالأفراد ليس هو المصاديق (79)
الخارجية ، بل الضمائم والمشخّصات الكلّية ، فالوجوب في الصلاة يتعلّق بنفس الطبيعة لا بملازماتها ، كالصلاة في المساجد والبيوت والشوارع ؛ وقس على ذلك ، النواهي.
الثانية : الإطلاق : كون الطبيعة تمام موضوع الحكم إنّ الإطلاق عبارة عن كون الطبيعة تمام الموضوع للحكم ، ففي قولنا : اعتق رقبة « الرقبة » مطلق ومرسل عن القيد باسم المؤمنة ، فهي تمام الموضوع ، بخلاف المقيّد ، فالمطلق فيها جزء الموضوع. وأمّا تفسير الإطلاق بلحاظ سريان الطبيعة في أفرادها وأصنافها بأن يلاحظ المولى الرقبة في ضمن المؤمنة والكافرة والعادلة والفاسقة وهكذا فليس بتام ، فما ربّما يفسر الإطلاق بكون الرقبة واجبة سواء أكانت مؤمنة أم كافرة وهكذا ، فهو إطلاق لحاظي غير ثابت ولا دليل عليه ، إذ يكفي بالاحتجاج بالمطلق جعله تمام الموضوع من دون لحاظ سيلانه أو سريانه في أصنافه ومصاديقه. الثالثة : انّ الدليل غير ناظر لحال التزاحم إذا تعلّق الحكم بنفس الإزالة فالمقنن في حال التقنين لا يلاحظ زمان تزاحمه بالصلاة وغيرها ، وذلك لأنّ الحكم المتعلّق بالصلاة متأخّر عن الحكم بوجوب الإزالة بمرحلتين ، وما يتأخّر عن الشيء بمرحلتين ، لا يصحّ أن يكون الحكم ناظراً إليه ، وذلك لأنّ الحكم بالإزالة متقدّم على تطبيق الحكم على الصعيد العملي ، أعني : مقام الامتثال ، كما هو متقدّم على حدوث التزاحم بينه وبين سائر الواجبات ، فيكون الحكم بالإزالة متقدّماً على التزاحم برتبتين ، فكيف يكون ناظراً لحال ما يتأخّر عنه برتبتين ؟ (80)
أضف إلى ذلك انّ الأمر بالإزالة مشتمل على الهيئة والمادة ، والهيئة تدلّ على الوجوب والمادة على الطبيعة فليس هناك دالّ على صورة التزاحم.
الرابعة : ليس للحكم إلا مرحلتان المعروف أنّ للحكم الشرعي مراتب أربعة : الف : مرحلة الاقتضاء ، وهي مرحلة المصالح والمفاسد المقتضية لإنشاء الحكم. ب : مرحلة الإنشاء ، وهي إنشاء الحكم على وفق المصالح والمفاسد بالإيجاب في الأُولى والنهي في الثانية. ج : مرحلة الفعلية : وهي مرحلة بيان الحكم على المناهج المعروفة سابقاً ولاحقاً. د : مرحلة التنجّز : وهي قيام الحجّة عند المكلّف على حكم المولى. لكنّه ( قدس سره ) أنكر كون الأُولى والرابعة من مراحل الحكم ، قائلاً : بأنّ مرحلة الاقتضاء من مقدّمات الحكم لا نفسه ، كما أنّ مرحلة التنجّز مرحلة متأخّرة عن الحكم ، وهو حكم العقل بتنجّز الحكم على المكلّف وأثره استحقاق الثواب والعقاب ولا صلة للتنجّز بالحكم. الخامسة : الخطاب الشرعي خطاب قانوني واحد إنّ الخطابات الشرعية بل الأحكام مطلقاً ـ سواء أكان هناك خطاب أم لا ـ خطاب أو حكم واحد ، وهو بوحدته حجّة على عامّة المكلّفين ، فالحكم أو الخطاب واحد ، والمتعلّق كثير ، مثلاً ، قوله سبحانه : ( وَللّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ (81)
الْبَيت ) (1) حكم واحد لا كثرة فيه وإن كان المتعلّق ( الناس ) فيه الكثرة لكن الحكم بوحدته بما انّه متعلّق بالناس حجّة على الجميع ، فكلّ فرد وقف على ذلك الحكم ، تتمّ الحجّة عليه لكونه من مصاديق الناس ، ولا حاجة لتكثير الحكم والخطاب حسب تعدد المكلّفين بأن يكون لكلّ فرد من أفراد المكلّفين حكم خاص أو خطاب كذلك.
ويشهد على ذلك الأُمور التالية : 1. قضاء الوجدان ، فانّ من يخاطب الجمع الكثير لإنجاز عمل فإنّما يدعوهم إليه بخطاب واحد ولا يدعو كلّ فرد بخطاب خاص لكفاية وحدة الخطاب مع تعدد المتعلّق مع كون كلّ مكلّف مصداقاً للمتعلّق ومخاطباً به بنفس الخطاب الواحد. 2. لو صحّ انحلال الخطاب الواحد إلى خطابات في الجمل الإنشائية لصحّ في الجمل الإخبارية ، فإذا أخبر بأنّ القوم جاءوا ، والحال انّه لم يجئ منهم أحد ، فلو قلنا بالانحلال يلزم أن يحكم عليه بأنّه كذب حسب تعدد الأفراد مع أنّه لم يكذب إلا كذبة واحدة. 3. لو قلنا بانحلال الخطاب يلزم خروج الكفّار والعصاة عن مصبِّ الخطابات ، وذلك لأنّ خطاب العاصي والكافر أمر قبيح لا يصدر من الحكيم ، فانّ من نعلم أنّه يعصي على وجه القطع والجزم لا نطلب منه شيئاً على وجه الجد ، مع أنّ العصاة والكفّار محكومون بالفروع ، كما أنّهم محكومون بالأُصول ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا إنّ الخطاب واحد وهو حجّة على الكلّ سواء أطاع أم خالف ، ولا يشترط في الخطاب القانوني إلا وجود جماعة ينبعثون من بعث المولى أو ينتهون 1. آل عمران : 97. (82)
من نهيه ، ولا يشترط انبعاث الكلّ أو انزجارهم.
وقد اشتهرت هذه المقدّمة عن سيّدنا الأُستاذ بأنّه يفرّق بين الخطابات الشخصية والخطابات القانونية ، وانّه لا حاجة في الخطاب القانوني إلى الانحلال في الخطاب والحكم. وعلى هذه المقدّمة تدور رحى النظريّة : اجتماع خطابين عرضيين في وقت واحد. السادسة : انّ الأحكام غير مقيّدة بالقدرة المعروف أنّ الأحكام الشرعية مقيّدة عقلاً بالقدرة ، وذلك لأنّ خطاب العاجز أمر قبيح ، بل أمر محال ، إذ لا تنقدح الإرادة في ذهن المولى الذي يعلم بعجز المخاطب. هذا هو المعروف ، غير أنّ سيدنا الأُستاذ أنكر هذه المقدّمة وذهب إلى أنّه ليس للعقل التصرّف في حكم الغير والشرع غير العقل فلا تكون الأحكام مقيّدة بالقدرة. فإن قلت : إنّ خطاب العاجز قبيح بل محال فكيف للشارع الأمر به أو الحكم عليه ؟ قلت : فرق بين الخطاب القانوني والخطاب الشخصي ، فما ذكرته صحيح في الخطاب الشخصي ، إذ لا يصحّ خطاب العاجز مع العلم بعجزه ، بخلاف الخطابات القانونية فانّ الحكم فيها واحد والكثرة في المتعلّق ، وليس لكلّ فرد حكم وخطاب حتّى يطلب لنفسه التقيّد بالقدرة ، بل خطاب واحد متعلّق بالعنوان وهو حجّة على الجميع. نعم يشترط في الخطاب القانوني وجود جماعة مستعدّة لامتثال أمر المولى (83)
والانتهاء بنهيه حتّى لا يكون جعل الحكم لغواً.
فإن قلت : هذا يدلّ على أنّ الحكم الشرعي غير مقيّد بالقدرة عقلاً ولكن لا مانع من القول بتقيّد الأحكام بالقدرة الشرعية. قلت : إنّ لازم هذه النظرية هو إجراء البراءة عند الشكّ في القدرة ، لأنّ مرجع الشكّ إلى الشكّ في وجود شرط التكليف ، والأصل عدم وجوده ، مع أنّهم لا يلتزمون بها عند الشكّ في القدرة ، بل الكلّ صائرون إلى القول بالاحتياط مع الشكّ فيها ، ولذلك لو شكّ في الاستطاعة أو بلوغ النتاج ، النصاب وجب الفحص ، ولا تجري البراءة. السابعة : كلّ من الضدين أمر مقدور إنّ المأمور به هو كلّ من الضدّين بما هو هو وذلك أمر مقدور ، وأمّا غير المقدور فهو الجمع بين الضدّين وهو ليس بمأمور به ، مثلاً : إذا زالت الشمس وقامت حجّة على إزالة النجاسة عن المسجد وقامت حجّة أُخرى على صلاة الظهر ، فهناك حجّتان تامتان قامتا على العبد كلّ يطلب نفسه ولا يطلب الجمع ، فقيامهما في هذه الحالة كقيام الحجّتين عند طلوع الفجر في شهر رمضان فكلّ حجّة في مفاده سواء أكانتا غير متزاحمتين كما في الصوم والصلاة أو متزاحمتين كما في الإزالة والصلاة. هذا هو حال الشرع ، وأمّا العقل فإن رأى التكليفين متساويين في الأهمية حكم بالتخيير بين الأمرين ، فيكون في ترك الأمر الآخر معذوراً (84)
من دون أن يقيد أحد الأمرين بترك الآخر ، وأمّا لو كان أحدهما أهم من الآخر فيحكم العقل بتقديم الأهم على المهم على نحو لو اشتغل بالأهم يكون في ترك الآخر معذوراً ولو اشتغل بالمهم فقد امتثل أحد التكليفين لكن لا يكون معذوراً في ترك الأهم ، كما أنّه لو ترك اشتغاله بالأهمّ والمهمّ معاً فلا يكون معذوراً في ترك الأمرين.
إذا عرفت هذه المقدّمات السبع ، فقد استنتج ( قدس سره ) من هذه المقدّمات بقاء الحكمين أو الخطابين على الموضوعين من دون تقييد الأمر بالمهم بالعصيان ، وذلك لما مرّ في المقدّمة الخامسة من أنّ الخطابات الشخصية تختلف عن الخطابات القانونية ، فالخطاب الشخصي ناظر إلى صورة الابتلاء فلا محيص من تقييد الخطاب بالمهم بترك الأهم وعصيانه ، وأمّا الخطابات القانونية فبما انّ الخطاب واحد وهو غير ناظر إلى حالة التزاحم بحكم المقدّمة الرابعة فلا داعي لتقييد امتثال الأمر بالمهم بعصيان الأوّل. فخرج بهذه النتيجة بقاء الحكمين والخطابين بحالهما عند الابتلاء بالتزاحم غاية الأمر للمكلّف تحصيل العذر في ترك أحدهما ، فلو امتثل الأمر بالأهم فقد حصّل العذر ، وإن امتثل الأمر بالمهم لم يحصّل العذر في ترك الأهم ، وإن عصى كلا الأمرين فلم يحصّل عذراً أبداً. وبهذا تبين انّ الأهم والمهم نظير المتساويين في أنّ كلّ واحد مأمور به في عرض الآخر ، وهذان الأمران العرضيان فعليّان متعلّقان بعنوانين كلّيين من غير تعرّض لهما لحال التزاحم وعجز المكلّف ، إذ المطاردة التي تحصل في مقام الإتيان لا توجب تقييد الآخرين أو أحدهما أو اشتراطهما أو اشتراط أحدهما بحال عصيان الآخر لا شرعاً ولا عقلاً ، بل تلك المطاردة لا توجب عقلاً إلا المعذورية العقلية في ترك أحد التكليفين حال الاشتغال بالآخر في المتساويين وفي ترك المهم حال اشتغاله بالأهم. (1) 1. تهذيب الأُصول : 1/302 ـ 312. (85)
نظرنا في المقدّمات والنتيجة
هذا ما أفاده سيدنا الأُستاذ ( قدس سره ) ـ شكر اللّه مساعيه ـ ولكنّ لنا في بعض المقدّمات والنتيجة نظراً نطرحه على صعيد البحث ؟ 1. انّ ما استدلّ على نفي الانحلال بأنّه لو صحّ الانحلال في الإنشاء لصحّ في الإخبار ، ولو صحّ في الإخبار يلزم أن يُحكم على القائل بأنّ النار باردة انّه كذب بعدد وجود النار في العالم ماضية وحاضرة ، غير تام ، وذلك إذ لا ملازمة بين الانحلال وتعدّد الكذب ، لأنّ الثاني من صفات الكلام المتفوَّه به ، فإذا كان ما تفوَّه به كلاماً واحداً وإن كان الموضوع وسيعاً فلا يلزم إلا كذباً واحداً ، فلو جاء القوم ولم يجئ واحد منهم لم يكذب إلا كذباً واحداً ، إذ لم يصدر منه إلا كلام واحد مع وحدة المجلس. 2. انّ ما أفاده فـي المقـدّمة السادسة بـأنّ الأحكـام الشرعية غير متقيـّدة بالقدرة عقلاً وإلا يلزم تصرّف العقل في حكم الغير ، ولا شرعاً وإلا يلزم إجراء البراءة عند الشكّ في التكليف ، غير تام ، لأنّ موقف العقل في المقام موقـف الكشف لا التصرّف ، فإذا وقف العقل على صفات الشارع يستكشف بما انّه حكيم انّه لا يوجه الحكم إلا إلى القادر لا الأعم منه والعاجز ، فالأحكام الشرعية مقيّدة بالقدرة الشرعية دلّ على ذلك العقل دون أن يتصرّف في حكم الشرع. ومع الاعتراف بأنّ الأحكام الشرعية مقيّدة بالقدرة فمع الشكّ في القدرة يجب الاحتياط ولا يجوز إجراء البراءة ، لما قلنا في محلّه من أنّ كلّ شرط لا يعلم وجوده وعدمه إلا بالفحص يجب الفحص عنه ، ولذلك يجب التفحّص عن (86)
الاستطاعة في الحج ، والنصاب في الزكاة والقدرة في كلّ الأحكام ، وإلا يلزم تعطيل قسم كبير من الأحكام.
هذا كلّه حول بعض ما أفاده في المقدّمات. وأمّا النتيجة التي استنتجها من هذه المقدّمات فهي مبنيّة على مقدّمتين : المقدمة الأُولى : الإطلاق هو كون ما وقع تحت دائرة الطلب تمام الموضوع من دون سريان حكمه إلى حالات الموضوع المختلفة. المقدمة الثانية : انّ الدليل غير ناظر إلى صورة التزاحم. فنقول : إنّ ما ذكره صحيح في عالم الإثبات دون الثبوت ، والدليل وإن كان غير ناظر إلى حالات المكلّف من الابتلاء والتزاحم إلا انّ المولى يمكنه التفطّن إلى صورة الابتلاء ، وعندئذ نسأل هل يرى المولى نوع المكلّف محكوماً بالحجّتين وملزماً بالعمل بهما أو لا ؟ فعلى الأوّل يلزم التكليف بغير المقدور ، وعلى الثاني يلزم رفع اليد عن إحدى الحجّتين تعييناً أو تخييراً. وإن شئت قلت : إنّ الأحكام الشرعية متقيّدة بالقدرة بالمعنى الذي عرفت ، وعلى ضوء ذلك فلو سئل المولى عن انبساط طلبه وشموله لصورة التزاحم في حقّ نوع المكلّف ، لا شخصه حتّى يقال انّ الخطاب قانوني لا شخصي فامّا أن يجيب بالإثبات لزم الأمر بغير المقدور ، وإن أجاب بالسلب فمعنى هذا انّه رفع يده عن إحدى الحجّتين تعييناً أو تخييراً ، وهذا ما يجرّنا إلى القول بعدم التحفّظ بالأمرين معاً. والحاصل : انّه قد وقع الخلط بين مقام الإثبات ومقام الثبوت ، فما ذكره صحيح في مقام الإثبات ، فالدليل غير ناظر لصورة التزاحم والخطاب واحد (87)
وليس هناك خطابات ، إلا انّ الكلام في مقام الثبوت وتوجّه المولى إلى أنّه ربّما يبتلي نوع المكلّف بالأمرين ، ومن المعلوم أنّ هذا الموقف لا يقبل الإهمال ، فإمّا أن يكون هناك إرادتان وحجّتان على المكلّف من دون رفع اليد عن أحدهما تخييراً أو تعييناً فيلزم الأمر بغير المقدور أو لا يكون إلا إحدى الحجّتين تعييناً أو تخييراً فهو على جانب النقيض ممّا اختاره.
(88)
الفصل السادس
في جواز الأمر
هل يجوز أمر الآمر مع علم الآمر بانتفاء شرطه ، أو لا ؟
مع العلم بانتفاء شرطه ظاهر العنوان يعرب عن أنّه من فروع مسألة « التكليف بما لا يطاق » فالأشاعرة على الجواز والعدلية على المنع ، وعلى كلّ تقدير ففي مرجع الضمير في قوله « بانتفاء شرطه » وجوه. الأوّل : انّ الضمير يرجع إلى نفس الأمر ، والمراد من شرط الآمر هو علل وجوده ، فانّ الأمر ظاهرة كونيّة ولكلّ ظاهرة علّة ومن أجزاء العلّة هو الشرط. فيقع الكلام في جواز الأمر مع انتفاء شرط من شرائط علّة وجود الأمر. وأمّا علّة وجود الأمر فهو عبارة عن تصور الشيء ، والتصديق بفائدته ، والشوق المؤكّد إليه ، ودفع موانعه و.... وعليه يكون المراد من الجواز هو الإمكان الوقوعي ، وأنّه هل يصدر الأمر من الآمر في هذا الظرف أو لا يصدر ؟ والجواب هو عدم الجواز ، لأنّ صدور المعلول مع عدم العلّة التامّة أشبه بصدور المعلول بلا علّة ، وهو محال وقوعاً ـ وإن كان بالذات ممكناً ـ وهذا شأن (89)
كلّ معلول ممكن بالذات ، ممتنع بعدم وجود علّته ، فيكون ممكناً بالذات ممتنعاً بالغير ، وهذا هو الذي يعبر عنه بالامتناع الوقوعي.
الثاني : انّ الضمير يرجع إلى الأمر مثل الاحتمال الأوّل ، لكن يراد من المرجع نفس الأمر ومن الضمير الراجع إليه بعض مراتبه على نحو الاستخدام ، بأن يقال : هل يجوز أمر الآمر مع علم الآمر بانتفاء شرط الفعلية أو شرط التنجز ؟ وهذا هو الذي اختاره المحقّق الخراساني وقال : إنّ داعي إنشاء الطلب لا ينحصر بالبعث والتحريك حقيقة وقد يكون صورياً وربما يكون غير ذلك. ويؤيد ذلك انّ القائلين بالجواز يستدلّون بأمره تعالى إبراهيمَ الخليلَ بذبح ولده إسماعيل مع علمه تعالى بفقدان شرط فعلية الأمر أو تنجّزه ، والشرط هو عدم النسخ ، وقد كان منتفياً والأمر منسوخاً ، وإلى هذا الاحتمال يرجع ما ذكره العلاّمة الطباطبائي في تعليقته على الكفاية من رجوع الضمير إلى الامتثال. أي هل يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرط الامتثال ؟ وهذا التعبير أفضل وأوضح من تعبير المحقّق الخراساني. وقد سبق منّا القول بأنّ شرط فعلية الأمر هو بيان المولى والمفروض انّه سبحانه بيّن أمره للخليل ، وإنّما المنتفي هو شرط التنجز وهو عدم النسخ فهو شرط تنجز الأمر لا فعليته. ثمّ إنّ المحقّق الخراساني ذكر انّ هذا الاحتمال يرفع النزاع من البين ويقع التصالح بين الجانبين فالقائل بالجواز يريد من الأمر بالشيء هو الإنشاء الصوري مع عدم بلوغ الأمر إلى مرحلة الفعلية والتنجّز ، كما أنّ القائل بالامتناع يريد من الأمر بالشيء هو الأمر به بعامّة مراتبه حتّى التنجز ، فعندئذ لا نزاع بين النافي والمثبت. (90)
الثالث : ما اختاره سيدنا الأُستاذ ( قدس سره ) وهو انّ المراد الأمر بالشيء مع انتفاء شرائط المأمور به ، كما إذا أمر بالصلاة مع الطهارة وهو يعلم عدم تمكّن المكلّف منها ، ثمّ إنّه ( قدس سره ) قال بجوازه وذلك مستنداً بما اختاره في البحث السابق من وجود الفرق بين الخطاب الشخصي والخطاب القانوني حيث لا يصحّ توجيه الخطاب الشخصي إلى الفاقد بأن يقول لفاقد الماء والتراب ، صل مع الطهارة.
وأمّا الخطاب القانوني فيصحّ ، وذلك لأنّه ليس خطاباً شخصياً ، بل خطاباً لعامّة المكلّفين ، وهم بين واجد للشرط وفاقد له ، فيصحّ خطاب الجميع بالأمر وإن كان بعضهم فاقداً للشرط ، إذ عند الفقدان تصل النوبة إلى العقل فيعد العاجز معذوراً والواجد غير معذور. يلاحظ عليه : بأنّ ما ذكره لا ينطبق على المثال الذي طرحه كلّ من النافي والمثبت ، وهو أمر الخليل بذبح إسماعيل مع عدم شرطه ، إذ لم يكن الخطاب في هذا المورد إلا خطاباً شخصياً لا قانونياً. أضف إلى ذلك ما ذكرناه سابقاً من أنّ الخطابات القانونية وإن كانت غير ناظرة إلى صورة التزاحم أو إلى صورة فقد المكلّف شرط المأمور به ، لكن عدم النظارة يختص بعالم الإثبات فالدليل في مقام الدلالة غير ناظر إلى صورة التزاحم وفقد الشرط. لكن المولى سبحانه واقف باختلاف المكلّفين من حيث الشروط وأنّهم بين واجد لشرط المكلّف به وفاقد له وعندئذ فهل يبقى خطابه ـ عند التوجه إلى اختلاف المكلّفين في الشرط ـ أو لا ؟ فعلى الأوّل عاد محذور التكليف بالمحال وعلى الثاني لا يكون للخطاب القانوني دور في المقام ، لأنّ الخطاب الشخصي أيضاً مثله. |
|||
|