|
|||
(196)
و من جانب آخر انّه موضوع لم يتعلّق به اليقين فلايكون الاستصحاب دليلاً على إبقائه.
وإن شئت قلت : إنّ التعبد بنبات اللحية يتحقّق من خلال أحد أمرين : أ : أن يتعلّق به اليقين وراء تعلّقه بالحياة ، وهو مفروض الانتفاء. ب : أن يكون التعبد ببقاء الحياة ملازماً للتعبد بنبات اللحية ، وقد عرفت انّ الملازمة غير ثابتة ، لأنّ الشارع يأمرنا بإبقاء اليقين بالحياة بما هو شارع ، وفي إطار الشرع ، وهذا يقتضي أن يترتب على التعبد بالحياة أثره الشرعي لا أثره التكويني. يلاحظ عليه : نحن نختار الشق الثاني ، وهو انّ التعبد بنبات اللحية إنّما يتحقّق من خلال التعبد ببقاء الحياة وكونه أمراً تكوينياً لاشرعياً انّما يمنع عن الالتزام به إذا لم يترتب على التعبد به أثر شرعي حتى يكون الالتزام به أمراً لغواً ، وأمّا إذا ترتب عليه أثر شرعي كالتصدق فلا مانع من التعبد بالحياة والالتزام بنبات اللحية لغاية أثره الشرعي ، إذ يكون التعبد عندئذ أمراً غير لغو لغاية ترتّب الأثر ولو بالواسطة. الوجه الخامس انّ دور الاستصحاب في مورد الأحكام غير دوره في الموضوعات ، إذ يكفي في استصحاب الأُولى كون المستصحب نفسَ الحكم الشرعي ، وأمّا الثانية ، فلايصحّ التعبد ببقاء الموضوع إلاّ إذا ترتب عليه أثر شرعي مستفاد من دليل اجتهادي ، على وجه يكون المستصحب صغرى له ويكون دور الاستصحاب بالنسبة إليه ، دور إحراز الصغرى للكبرى الكلية ، وعلى ضوء هذا ، لايصحّ التعبد ببقاء موضوع إلاّ أن يكون معه دليل شرعي يتخذ المستصحب موضوعاً لنفسه (197)
ويترتب عليه الأثر ، ولو فقد هذا الشرط لكان استصحاب الموضوع لغواً.
فلو صحّ استصحاب طهارة الماء الموجود في الإناء فإنّما هو لأجل وجود كبريات شرعية تتخذ طهارة الماء المحرزة صغرى لنفسها ويُستنتج منها حكم شرعي فيقال : هذا ماء طاهر ؛ وكلّ ماء طاهر يجوز شربه ، بيعه ، شراؤه ، وبه يطهر النجس ، إلى غير ذلك فتستنتج من ضمّ الكبريات إلى الصغرى المحرزة بالاستصحاب ، الأحكام التالية. فهذا يجوز شربه ، بيعه ، وشراؤه ، ويطهَّر النجس به. وفي مورد المثال ( الحياة ) تترتب الآثار الشرعية دون العقلية والعادية ، وذلك لوجود الكبرى الشرعية في الأُولى ، دون الثانية والثالثة ، فلو أحرزت حياة زيد بالاستصحاب وحكم عليه بكونه حيّاً تترتب عليه ، حرمة تقسيم أمواله ، وتزويج زوجته ، ويرث أباه لو مات ، وذلك للضابطة الكلية الواردة في الشريعة في ذلك المجال من : انّ الإنسان الحيّ ، يملك ماله ، ولاتقسم أمواله بين ذريته ولاتزوج زوجته ويرث أباه أو أُمّه. وهذا بخلاف الآثار العقلية والعادية إذ ليس هناك ضابطة شرعية حتى يكون المستصحب المحرز موضوعاً لها ، إذ لم يدل دليل على أنّه إذا كان الإنسان ابن عشرين سنة ، فقلبه ينبض أو لحيته نابتة. وبذلك يتضح عدم حجّية الأُصول المثبتة ، وذلك لفقدان الشرط اللازم في جريان الاستصحاب في الموضوعات. (198)
ولعلّ القوم زعموا انّ الاستصحاب بنفسه كاف في ترتب الأثر الشرعي ، فحاولوا إبداء الفرق بينه وبين غيره بالوجوه التي عرفت ضعفها ، وأمّا على ما قلنا من أنّ دور الاستصحاب إحراز الموضوع فقط ، وأمّا ترتّب الأثر فهو رهن الدليل الاجتهادي الذي يكون المستصحب المحرز موضوعاً ، فيظهر الفرق بين الأثر الشرعي وغيره
وبذلك يظهر أنّه إذا كان الأثر الأوّل موضوعاً لدليل اجتهادي ثان يترتب عليه أثر ذلك الدليل أيضاً وهكذا. مثلاً : إذا كانت عدالة زيد مستصحبة ، وشهد ـ مع شاهد آخر ـ برؤية هلال رمضان قبل ثلاثين يوماً يكون المستصحب صغرى لكبرى شرعية ، وهي « إذا شهد عند الإمام شاهدان [ عادلان ] انّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين ، أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم » . (1) فتكون النتيجة كون اليوم يوم الفطر ، فيترتب عليه شرعية صلاة العيدين لقوله ( عليه السلام ) : « صلاة العيدين فريضة » (2) ، أو لزوم دفع الفطرة لقوله : « إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل » . (3) المقام الثالث : الفرق بين الأُصول والأمارات ذهب المشهور إلى أنّ مثبتات الأمارات حجّة دون الأُصول ، ووقع الكلام في وجه الفرق ، نشير إليه : الوجه الأوّل : ما أفاده المحقّق الخراساني : انّ الأمارة كما تحكي عن المؤدى 1. الوسائل : 7 ، الباب 6 ، من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث 1. 2. الوسائل : الجزء 5 ، الباب 1 من أبواب صلاة العيدين ، الحديث 1. 3. الوسائل : الجزء 6 ، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة ، الحديث 1. (199)
و تشير إليه كذلك تحكي عن ملزومها ولازمها وملازمها ، وعلى ذلك كان مقتضى إطلاق أدلّة اعتبار الأمارة تصديقها في جميع حكاياتها وقضيته حجّية الأصل المثبت. (1)
توضيحه : أنّ الأمارة لها حكاية باعتبار الدلالة المطابقية ، كما أنّ لها حكاية حسب الدلالة التضمنية والالتزامية ، ولازم حجّية الأمارة الأخذ بجميع الدلالات. يلاحظ عليه : أنّ حكاية الأمارة عبارة عن حكاية المخبر ، ولكنّه ربما يكون غافلاً عن الدلالة التضمنية والالتزامية ، وقد عرفت في الجزء الأوّل أنّ الدلالة التصديقية ( أي نسبة الحكاية إلى المتكلم ) فرع إرادته والتفاته ، والمفروض انّه ربما يكون غافلاً عن الدلالتين. نعم هناك كلام آخر وهو انّه إذا قامت البينة على موضوع كان شرب زيد سمّاً ، ربما يحصل للمخاطب الاطمئنان بألوازم المؤدّى ككونه مقتولاً بالسم ، ولكنّه لا صلة له بحجّية مثبتات الأمارة وإنّما هو لأجل حجّية الاطمئنان الذي هو علم عرفي يؤخذ به من أي مصدر حصل. الوجه الثاني : ما أفاده المحقّق النائيني وأساسه ما اختاره في معنى حجّية الخبر الواحد من أنّها بمعنى جعل وصف المحرزية والكاشفية له ، قال : إنّ الأمارة إنّما تكون محرزة للمؤدّى وكاشفة عنه كشفاً ناقصاً ، والشارع بأدلّة اعتبارها قد أكمل جهة نقصها فصارت الأمارة ببركة اعتبارها كاشفة ومحرزة كالعلم ، وبعد انكشاف المؤدّى يترتب عليه جميع ما للمؤدّى من الخواص والآثار على قواعد سلسلة العلل والمعلولات واللوازم والملزومات كما هو الحال إذا أحرز 1. كفاية الأُصول : 2 / 329. (200)
الملازم بالعلم الوجداني. (1)
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ المحرزية والكاشفية والطريقية من الأُمور التكوينية التي لاتقبل الإنشاء والجعل وإنّما القابل له هو الأُمور الاعتبارية كالملكية والزوجية والسببية ، وعلى ذلك فما أُدُعي انّه المجعول أمر غير قابل للجعل ، كجعل المعدنية والحجرية لما ليس معدن وحجر. وثانياً : أنّ ما ذكره مبني على وجود لسان في مقام الحجية وليس في باب الأمارات دليل يتكفّل على جعل الحجّية ، وإنّما الموجود هو إمضاء ما بيد العقلاء إمضاءً عملياً أو قولياً ، وأين هو من جعل المحرزية والطريقية ؟! فانّ جعلهما ـ بعد تسليم قبولهما الجعل ـ إنّما يتصوّر فيما إذا كان الجاعل مؤسساً في الجعل لاتابعاً ممضياً لما في يد العقلاء. نعم ، أورد المحقّق الخوئي إشكالين على أُستاذه ، ذكرناهما في المحصول مع الدفاع عنهما ، فلاحظ. (2) الوجه الثالث : ما يستفاد من كلام سيدنا الأُستاذ ( قدَّس سرَّه ) ، وحاصله : انّ ما بأيدينا من الأمارات كلّها أمارات عقلائية أمضاها الشارع لمصالح في العمل بها ، ومن المعلوم أنّ عملهم بها ليس أمراً تعبدياً لأجل رفع التحيّر ، بل لأجل كونها طرقاً إلى الواقع ، فإذا كان كذلك فكما يثبت بالأمارة نفس الشيء ، يثبت لازمه وملزومه وملازمه ، ولا معنى للتبعيض في الطريقية. وإن شئت قلت : كما أنّ العلم بالشيء يلازم العلم بالأُمور الثلاثة ، فهكذا الوثوق به يوجب الوثوق بها. (3) 1. فوائد الأُصول : 4 / 487 ـ 488. 2. المحصول : 4 / 159 ـ 160. 3. الرسائل : 178. (201)
والفرق بين هذا البيان والبيانين المتقدمين ، هو انّ المحقّق الخراساني اعتمد على حكاية الأمارة عن الموضوع ولوازمه ، كما أنّ المحقق النائيني اعتمد على لسان حجية الأمارة وانّه عبارة عن إفاضة الطريقية وجعل الكاشفية ، وقد عرفت إشكال كلّ واحد منهما.
وأمّا هذا البيان فهو يعتمد على أنّ الأمارة مفيدة للوثوق والاطمئنان ، والمراد من الوثوق هو النوعي لا الشخصي ، والوثوق بالشيء موجب للوثوق بلوازمه وانّ عمل العقلاء لأجل هذا الملاك وانّ الشارع أمضى العمل بالأمارة لأجله أيضاً. وهذا البيان لاغبار عليه ، وبذلك يتبيّن الفرق بين الأمارة والعمل بالأصل ، فانّ الاولى طريق إلى الواقع في ظرف الشك رافع له ، بخلاف الأصل فانّه حجّة في ظرف الشك مع التحفظ عليه كما هو ظاهر قوله : « لاتنقض اليقين بالشكّ » ، فيأمر بعدم نقض اليقين مع حفظ الشكّ. المقام الرابع : مستثنيات الأُصول المثبتة قد استثني من عدم حجّية الأُصول المثبتة موردان : الأوّل : خفاء الواسطة قد استثنى الشيخُ الأعظم من عدم حجّية الأُصول المثبتة خفاءَ الواسطة وقال : إنّ بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة بين المستصحب والحكم الشرعي ، من الوسائط الخفية بحيث تعدُّ الأحكامُ الشرعية المترتبة عليها ، أحكاماً لنفس المستصحب عرفاً ، وهذا المعنى يختلف وضوحاً وخفاءً باختلاف مراتب خفاء الواسطة عن أنظار العرف ، ثمّ ضرب المثال التالي : (202)
إذا استصحب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر فيُحكم بنجاسته مع أنّ نجاسته ليس من أحكام رطوبة الملاقى المستصحبة ، بل من أحكام سراية النجاسة إليه وتأثره بها ، واستصحاب رطوبة النجس في الملاقى لايثبت تأثر الثوب وتنجسه بها ، وبالجملة فالمحرز بالاستصحاب هو الملاقاة بالنجس الرطب ، والموضوع للتنجيس سراية النجس ، والملازمة بين الملاقاة والسراية تكويناً ، صار سبباً لخفاء الواسطة والانتقال من الملاقاة إلى التنجيس.
يلاحظ عليه : بما مرّمن أنّ دور الاستصحاب ، دور إحراز الموضوع وإثبات الصغرى للكبرى الشرعية ، فلولا الكبرى الكلية لما ترتب على إحراز الصغرى أثر شرعي ، وعلى ذلك فلو كان الموضوع في الكبرى مجرد الملاقاة مع النجس الرطب فقد أُحرز الموضوع وترتب عليه الأثر وهو نجاسة الملاقي الجاف ، وأمّا ما لو كان الموضوع هو السراية والتأثر بها ، فلايحكم عليه لعدم إحراز الموضوع. وبالجملة : ليس لخفاء الواسطة دور في المقام ، ولعلّ إلى ما ذكر يرجع ما أفاده المحقّق النائيني حيث يقول : إنّ استصحاب رطوبة النجس من أحد المتلاقيين مع جفاف الآخر لإثبات نجاسة الطاهر منها لايخلو إلاّ من صورتين : 1. إمّا أن يدل الدليل على كفاية مجرّد مماسّته للنجس الرطب في ثبوت النجاسة أو يدل على أنّه لابدّ من انتقال النجاسة إلى الطاهر. فعلى الأوّل : يدخل المثال في باب الموضوعات المركبة المحرز بعض أجزائها بالوجدان كالملاقاة ، والآخر ( النجس الرطب ) بالأصل ، وعلى الثاني : لايكفي الاستصحاب ، لأنّ ذلك من اللوازم العقلية لبقاء الرطوبة في أحد المتلاقيين فالواسطة جليّة ويكون من أردأ أنحاء الأصل المثبت. (1) 1. فوائد الأُصول : 4 / 494 ـ 495. (203)
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الموضوع هو الثاني ولكن يرى العرف ما ليس مصداقاً للدليل مصداقاً له لأجل وجود الملازمة العرفية بين الملاقاة والسراية والعرف كما هو مرجع في تحديد المفاهيم فهكذا مرجع في تحديد المصاديق.
الثاني : وجود الملازمة العرفية قداستثنى المحقّق الخراساني ـ وراء خفاء الواسطة ـ مورداً آخر أيضاً وقال : كما ما لايبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لايمكن التفكيك عرفاً بينه وبين المستصحب كما لاتفكيك بينهما واقعاً لأجل وضوح لزومه أو ملازمته معه بمثابة عدّ أثره أثراً لهما فانّ عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضاً ليقينه بالشك أيضاً حسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفاً. (1) والأوّل كاستصحاب عدم الإتيان بالفريضة الملازم عرفاً لعنوان الفوت الذي هو الموضوع في لسان الدليل ، ولكن كما كان التفكيك بينهما غير ممكن يغني استصحاب العدم ، من إثبات عنوان الفوت. والثاني كالأُبوة والبنوة المعلولين لعلة ثالثة ، وهي تخلّق أحدهما من ماء الآخر ، فانّ تنزيل أُبوة زيد لعمرو مثلاً يلازم تنزيل بنوة عمرو له ، فيدلّ تنزيل أحدهما على تنزيل الآخر كما هو كذلك في المتضائفين. يلاحظ على القسم الثاني : بأنّه إذا كان أبوة زيد متيقنة في فترة من الزمان ، تكون بنوة عمرو أيضاً كذلك ، فكلّ منهما صالح للاستصحاب من دون حاجة لاستصحاب أحدهما لاثبات ملازمه وترتيب أثره ، على أنّ هذا المثال لايقبل الشك الاستصحابي وإن كان يقبل الشك الساري فلابدّ من تمثيل آخر. 1. كفاية الأُصول : 2 / 327. (204)
المقام الخامس في التطبيقات
أفتى الفقهاء في موارد بأحكام لاتصحّ إلاّ على القول بالأصل المثبت ، ولعلّ منشأ الإفتاء كون الاستصحاب عندهم حجّة ظنية كسائر الأمارات ، والظن بالشيء ظنّ بآثاره فرتبوا عليه كلّ الآثار الشرعية وغيرها ، وإليك بعضها : الأوّل : إذا شكّ في وجود المانع عن وصول الماء إلى البشرة حين الاغتسال ، صحّ غسله ، لأنّ الأصل عدم المانع والحاجب من وصوله إليها. أقول : إنّ هنا أُموراً ثلاثة : 1. المستصحب : وهو عدم الحاجب ، 2. ولازمه العقلي : غسل البشرة 3. أثره الشرعي : أي رفع الحدث ، والثالث متفرع على لازم المستصحب لا على نفسه فرتبوا أثر اللازم على المستصحب ولذلك قلنا في محله يجب على الشاك حين الاغتسال ، الفحصُ عن المانع ، فهذا الأصل أي استصحاب عدم المانع عقيم على مذهب المشهور لأنّه مثبت ، كما هو كذلك على المختار في باب الأصل الموضوعي فقد مرّ انّه لا دور له إلاّ إحراز الصغرى ولاينتج إلاّ بضم الكبرى وهي مفقودة ، إذ لم يدل دليل على أنّه إذا لم يكن الحاجب موجوداً ، فالحدث مرتفع بل الموجود إذا غسلت البشرة بعامتها فهو مرتفع. الثاني : لو اتّفق الوارثان على إسلام أحدهما المعين في أوّل شعبان والآخر في غرة رمضان ، ولكن اختلفا في موت المورِّث ، فادّعى الأوّل انّه توفّي في منتصف شعبان حتى لايرثه الوارث الثاني لأنّ الكافر لايرث المسلم ، وادّعى الآخر انّه توفّي في منتصف رمضان حتى يرثه ، فذهب المحقّق وجماعة قبله وبعده إلى أنّهما يرثان لأصالة حياة المورث إلى غرّة رمضان. (205)
يلاحظ عليه : أنّه لايتم إلاّ على القول بالأصل المثبت ، لأنّ موضوع الوراثة أحد الأمرين التاليين :
أ : موت المورّث عن وارث مسلم. ب : إسلام الوارث في حياة مورثه. أمّا الأوّل : فهو موضوع مركب لايثبته مجرد حياة المورث إلى غرّة رمضان ، وإنّما هو حصيلة علوم ثلاثة : 1. إسلام الوارث في الغرّة ، وهو ثابت بالوجدان. 2. حياة المورث إلى الغرّة ، وهو ثابت بالأصل. 3. موت المورث بعدها وهو لازم الأمرين الأوّلين. فباجتماع هذه الأُمور يحصل الموضوع أي موت المورث عن وارث مسلم فلايكفي الاستصحاب أي ثاني الأُمور في تحقّق ذلك الموضوع المركب. وأمّا الموضوع الثاني ، فقد قال الشيخ والمحقّق النائيني بأنّ الأصل غير مثبت ، وأوضحه المحقّق النائيني بقوله : إنّ الموضوع هو التوارث الناشئ من اجتماع حياة المورث وإسلام الوارث فيندرج في الموضوعات المركبة المحرز أحد جزئيهما بالوجدان ، وهو إسلام الوارث في غرّة رمضان ، والآخر بالأصل وهو حياة المورث إلى غرّة رمضان ، فيجتمعان في الزمان ، وهذا يكفي في التوارث ويلزم تنصيف المال بين الوارثين. (1) يلاحظ عليه : أنّ اجتماع الجزءين في الزمان غير كاف في تحقّق موضوع الدليل ، إذ ليس الدليل كلّ من الجزئين ولو كانا متفرقين ، بل الموضوع هو المركب 1. فوائد الأُصول : 4 / 501. (206)
منهما : أعني : إسلام الوارث مقروناً بحياة المورث ، وهو مركب من أُمور ثلاثة وهذا ليس له حالة سابقة ، والاقتران لازم الاستصحاب ، وهو استصحاب حياة المورث إلى غرّة رمضان.
وبعبارة أُخرى : لو كان لنا علم تكويني بالاقتران لكفى مجرد الاجتماع في الزمان في الحكم بالوراثة ولكنه لازم عقلي لبقاء حياة المورث إلى غرّة رمضان. اللّهمّ إلاّ أن يقال بخفاء الواسطة أو ظهور اللزوم مما يخرجه من عدم الحجّية إلى الحجّية. الثالث : لو ادّعى الجاني انّ المجني عليه مات بمرض السِّل ، وادّعى الولي انّه مات بسراية الجناية إلى اعضائه الرئيسيّة ، فهناك احتمالان : 1. الضمان. 2. عدم الضمان لأصالة عدم سبب آخر. يلاحظ عليه : أنّ المرجع هو عدم الضمان ، وأمّا الضمان فهو فرع ثبوت الموضوع في لسان الدليل ، والموضوع هو القتل في الدية والقصاص ، قال سبحانه : ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَدِيَةٌ مُسَلَّمَّةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا ) (1) ، وقال عزّ من قائل : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) (2) ومن المعلوم انّ ذلك الموضوع البسيط ، أي القتل لايثبت باستصحاب عدم سبب آخر ، لأنّه لازم عقلي لهذا الاستصحاب كما لايخفى. الرابع : إذا تلف شيء تحت يد شخص آخر فادّعى المالك الضمان وانّه 1. النساء : 92. 2. الإسراء : 33. (207)
استولى عليه بلا إذن ، وادعى الآخر انّه كان أمانة تحت يده فلاضمان ، وقد استدل على الضمان بوجوه ثلاثة :
الأوّل : التمسك بعموم قوله : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » . يلاحظ عليه : أنّه مخصص باليد غير العادية ، والتمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص غير صحيح. الثاني : التمسّك بقاعدة المقتضي والمانع ، لأنّ اليد مقتض للضمان ، والاذن مانع والأصل عدمه. يلاحظ عليه : عدم الدليل على حجّية تلك القاعدة كما قرر في محله. الثالث : ما ذكره المحقّق النائيني من أنّ الموضوع للضمان مركب من اليد وعدم إذن صاحب المال ، وهما عرضان لمحلين : أحدهما : صاحب اليد ، وثانيهما : صاحب المال ، ولاجامع بينهما إلاّ الاجتماع في الزمان فيكفي إحراز أحدهما بالأصل والآخر بالوجدان ، فاليد محرزة بالوجدان ، وعدم الإذن محرز بالأصل ، فيتحقق موضوع الضمان. (1) يلاحظ عليه : ما ذكرناه في مسألة الوارث حيث إنّ الموضوع للضمان ليس ذات الأمرين بما هما هما ـ وإن لم يكن بينهما صلة ولاربط ـ بل الموضوع هو الاستيلاء على الشيء المقترن بعدم رضاه ، وهذا الأمر المركب ليست له حالة سابقة ، وإنّما هو لازم إحراز عدم الرضا بالأصل والاستيلاء بالوجدان في زمان واحد ، ولو كان كلّ من الجزءين محرزاً بالعلم فيكون الاقتران محرزاً كذلك ، وأمّا إذا كان أحد الجزءين ـ أي عدم الاذن ـ محرزاً بالأصل ، فالاقتران يكون لازماً 1. فوائد الأُصول : 4 / 503. (208)
عقليّاً له فلايكون حجّة ، وقد ذكرنا في مورده انّ الحكم الواحد يحتاج إلى موضوع واحد ولايكون المتكثران واحداً إلاّ إذا كان بينهما صلة وربط.
والذي يمكن أن يقال في أنّ صاحب اليد ضامن ، هو أن الحكم الطبيعي في الأموال هو الضمان ، والقول بعدم الضمان رهن الدليل وله نظائر في الفقه. أ : الأصل في بيع الوقف هو البطلان ، ولايجري فيه أصالة الصحة ، والقائل بالصحة رهن إثبات مجوز له. ب : الأصل في النظر إلى المرأة هو الحرمة ، فالمرأة المرددة بين الأجنبية وغيرها يحرم النظر إليها لهذا الأصل ، وإنّما الجواز رهن الدليل. ج : إذا اتفقا على إذن المالك ، فقال صاحب المال : بعتك مالي بكذا ، وقال الآخر : وهبتني إياه ، فهو محكوم بالضمان لأنّ الأصل في الأموال الضمان. وبذلك يظهر النظر فيما أفاده صاحب المصباح حتى أنّه بعد ما قال : فيتعارض عدم البيع مع عدم الهبة ، قال : بأنّ الأصل الجاري هو عدم الضمان ، فانّه غفلة عما ذكرناه من القاعدة في باب الأموال. بقيت هناك أمثلة ذكرها الشيخ وغيره فلاحظ. (209)
أ : خفاء الواسطة. ب : وضوح اللزوم أو الملازمة. وقد وقفت على شرحهما. وهذان الموردان استثناء من حكم الأُصول المثبتة دون الموضوع. وهناك موارد أُخرى ربّما يتوهم أنّها من الأُصول المثبتة وليست منها موضوعاً ، وقد أوضح حالها المحقّق الخراساني في التنبيه الثامن والتاسع ، ولذلك كان عليه أن لايفصلهما عن البحوث السابقة لصلتهما بها ، وإليك ما أشار إليه في التنبيهين ونذكرها في مقاطع أربعة تبعاً لعبارات الكفاية ، وبذلك يدغم التاسع في الثامن ، ويكون الجميع تنبيهاً واحداً. أ : استصحاب الفرد وترتيب الأثر الكلي عليه إنّ الأثر تارة يترتب على نفس الفرد كإكرام زيد ، فإذا شك في بقائه يُستصحب ويترتب عليه حكمه ، وأُخرى يترتب عليه باعتبار انطباق عنوان كلي عليه على وجه يكون الموضوع للأثر هو الكلي ، لكن يُستصحب الفرد لغاية ترتيب (210)
أثر الكلي على الفرد ، وقد اختلفت فيه أنظارهم ، فمن قائل بعدم الصحة مطلقاً ، إلى آخر قائل بالصحة كذلك ، إلى ثالث مفصِّل حسب ما يأتي ، وهو خيرة المحقّق الخراساني.
وحاصل نظريته : أنّ الكلي إذا كان منتزعاً من حاق الذات ، أو كان حمله على الفرد من قبيل المحمول بالصميمة ( الخارج المحمول ) يصح استصحاب الفرد وترتيب أثر الكلي عليه ، دون ما إذا كان من قبيل المحمول بالضميمة فلايصحّ استصحاب الفرد وترتيب أثره عليه ، هذا إجمال مرامه في المقطع الأوّل وإليك توضيحه : إنّ الكلي بالنسبة إلى الفرد أو ما ينتزع منه على أقسام ثلاثة : 1. ما ينتزع من مقام الذات بما هي هي ، كالإنسان بالنسبة إلى أفراده. 2. ما ينتزع من الشيء لا من حاق ذاته ، بل باعتبار طروء حالات عليه على نحو لايكون بحذائها شيء في الخارج ، وذلك كنسبة الممكن إلى زيد ، فهو ينتزع لا من مقام الجنس والفصل بل باعتبار انّ نسبة الماهية إلى الوجود والعدم سواسية ، ومع ذلك ليس في مقابل هذه الحيثية مصداق في الخارج. ولكن المحقّق الخراساني مثّل بالملكية والغصبية ، والمحقّق الخوئي بالزوجية والولاية وسيوافيك عدم صحّة تلك الأمثلة. 3. ما ينتزع من الفرد باعتبار طروء حالات عليه يكون بحذائها شيء في الخارج وذلك كالأسود والأبيض اللّذين ينتزعان من الجسم باعتبار عروض البياض والسواد عليه اللّذين لهما حيثية عينية وحقيقة في الخارج وإن كان لايمكن الإشارة إلى الحيثية منفكة عن الإشارة إلى الجسم بل يكونان موجودين في ضمن شيء واحد. |
|||
|