|
||||
(241)
والمسبّب الأوّل مقطوع الارتفاع ، وحدوثه من السبب الثاني مشكوك ، فلايكون مؤثراً ، وهذا بخلاف الطهارة الحاصلة في أوّل الظهر ، فالعلم بها علم بالسبب الفعلي ، وانّها أزالت الحالة السابقة إمّا بتوسطها بين النوعين أو تعقبها بعد النوم الثاني.
ثمّ إنّ سيدنا الأُستاذ ذهب في هذه الصورة « إذا كان أحدهما معلومي التاريخ » إلى التفصيل ، وهو أنّه إذا كان المعلوم تاريخه ضداً للحالة السابقة المعلومة كما في المثال السابق ، فيؤخذ بالضد حيث كانت الحالة السابقة هي الحدث والمعلوم تاريخه هو الطهارة. وأمّا إذا كان المعلوم تاريخه مماثلاً للحالة السابقة ، كما إذا كان المعلوم تاريخه هو الحدث وكانت الحالة السابقة أيضاً هي الحدث يؤخذ بقول المشهور من لزوم إحراز الطهارة ، وذلك بحجّة انّ استصحاب الكلي لا مانع عنه ، لأنّ الكلي في أوّل الزوال معلوم التحقّق ومحتمل البقاء ، لأنّه يعلم في أوّل الظهر انّه محدث فيستصحب كلّي الحدث. (1) يلاحظ عليه : بأنّه لامجال لاستصحاب الكلّي ، لأنّه مردّد بين فرد قطعي الارتفاع ( الحدث الأوّل ) ومشكوك الحدوث ( أي النوم بعد الطهارة ). فإن قلت : ما الفرق بين المقام وبين استصحاب الكلّي من القسم الثالث إذا علمنا بوجود إنسان في الدار ثمّ علمنا خروجه واحتملنا دخول فرد في الدار حين خروجه ومثله المقام ، فانّ الحدث الأوّل مقطوع الارتفاع ولكنّه نحتمل ببقائه في ظل الفرد الثاني ؟ 1. الرسائل : 203. (242)
قلت : الفرق بين الموردين واضح ، فانّ تقارن الفرد في استصحاب الكلّي محقّق للاستصحاب ولايضرّ به ، ولكن التقارن هنا ( أي تقارن الحدثين ) موجب للعلم بارتفاع الحالة السابقة ، واحتمال الانفصال أي تحقّق الحدث بعد الطهارة يوجب الفصل بين زوال الفرد الأوّل وتحقّق الفرد الثاني المحتمل وعندئذ لايكون المورد شكّ في البقاء.
فالحقّ انّه يؤخذ بضدّ الحالة السابقة مثل الصور السابقة ، إذ لاعلم في أوّل الزوال بالسبب المؤثّر ، غايته كونه أمارة على وجود الحدث في هذا الزمان ، لكنّه لو كان مستنداً إلى السبب الأوّل ، فهو مقطوع الارتفاع. وحدوثه بالسبب الثاني مشكوك فينحلّ العلم الإجمالي. وفي الجملة : فكلّ سبب نعلم بكونه محدثاً للأثر على كلّ تقدير يؤخذ بأثره وهو الطهارة في هذا الفرض. وأمّا السبب الذي يؤثّر على تقدير دون تقدير كالنوم ، فبما انّه ليس بمنجّز ، فلايصحّ الأخذ بأثره إذ لاعلم به. وهناك فروع أُخرى نذكر عناوينها بلا تفصيل : 1. إذا ادّعى الزوج الرجوع في عدّة المطلقة الرجعية وادّعت الزوجة تأخّره عنها. 2. إذا ادّعى أحد المتعاملين في بيع الحيوان كون الفسخ في الثلاثة ، والآخر كونه بعد انتهاء الثلاثة. 3. إذا أذن المرتهن في البيع ثمّ رجع عن إذنه ، وباع الراهن ، فاختلفا في كون البيع قبل الرجوع أو بعده. 4. إذا تطهّر وصلّى وعلم بصدور حدث منه وشكّ في تقدّم الحدث على (243)
الصلاة أو بعدها إذا لم يمكن إجراء قاعدة الفراغ ، لأجل اشتراط الأذكرية المفقودة في المقام.
إلى غير ذلك من الفروع التي يمكن استخراج أحكامها ممّا ذكرنا. (244)
الأوّل : يشترط في صحّة التعبد بشيء ، ترتّب الأثر عليه حتى لايكون لغواً ، والتعبد ببقاء اليقين أو المتيقّن رهن ترتّب الأثر عليه. فعلى ذلك فالمستصحب إمّا حكم شرعي أو موضوع ذو أثر شرعي من دون فرق بين أن يكون الموضوع خارجياً أو لغويّاً أو اعتقادياً. فالأوّل كاستصحاب حياة زيد ، والثاني كاستصحاب ظهور لفظ في معنى ثمّ شك في بقائه ، وأمّا الثالث فهذا هو الأمر الباعث لعقد هذا التنبيه وسيتضح لك جريان الاستصحاب فيه. الثاني : ذهب المحقّقون إلى أنّ النسبة بين الإيمان واليقين عموم وخصوص من وجه ، فربما يكون يقين ولا إيمان بمعنى التسليم القلبي ، كما في آل فرعون حيث إنّهم رأوا آيات ربّهم التي جاء بها موسى واستيقنوا بأنّ موسى مرسل من ربّهم ومع ذلك أصرّوا على طغيانهم ، قال سبحانه : ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُفْسِدين ). (1) وكان سيدنا الأُستاذ يمثل بالإنسان الخائف من الميت ، فانّه على يقين بأنّه 1. النمل : 14. (245)
لا يضر ومع ذلك يخاف منه ، بخلاف الغسّال فانّه على يقين وإيمان.
وأُخرى يكون إيمان ولايقين ، كما يقول سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هؤلاءِ أَهْدى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ). (1) نزلت الآية في حقّ أهل الكتاب الذين يدّعون انّهم على دين إبراهيم ومع ذلك قالوا إنّ الوثنيين أهدى سبيلاً من المؤمنين ، تفوّهوا بتلك الكلمة في جواب سؤال قريش إيّاهم : نحن أميّون لانعلم ، فأيّنا أهدى طريقاً وأقرب إلى الحقّ ، أنحن أم محمد ؟ فقالوا : أنتم واللّه أهدى سبيلاً ممّا عليه محمّد ، فنزلت الآية. (2) فقد عقدوا قلوبهم بما تفوّهوا به وقد عبّر عنه سبحانه بالإيمان وكانوا على يقين ببطلان كلامهم. وثالثة : يجتمعان كما هو واضح. الثالث : قد مضى عند البحث في حجيّة الظن ، كفاية الظنّ في الاعتقادات وعدمها ، وقد أشبعنا الكلام فيه ، فلم يكن هنا حاجة إلى التكرار ، لكن الباعث لعقد هذا التنبيه في المناظرة الواقعة بين بعض الفضلاء من السادات وبعض أهل الكتاب في منطقة بين النجف وكربلاء تسمى بذي الكفل حيث تمسّك الكتابي في بقاء شريعته بالاستصحاب ، فدار الجدل بينهما بنحو مذكور في الكتب ، فصار ذلك سبباً لطرح ذلك في مبحث الاستصحاب ، فطرحه القمّي في قوانينه ، والشيخ في فرائده ، ومن جاء بعده. 1. النساء : 51. 2. مجمع البيان : 2 / 59. (246)
إذا عرفت ذلك ، فيقع الكلام في مقامات ثلاثة :
الأوّل : جريان الاستصحاب في الأُمور الاعتقادية. الثاني : جريان الاستصحاب في بقاء النبوة. الثالث : في انتفاع الكتابي بالتمسّك بالاستصحاب وعدمه. وإليك البحث في كلّ واحد من هذه المقامات : المقام الأوّل : جريان الاستصحاب في الأُمور الاعتقادية إنّ جريان الاستصحاب في الأُمور الاعتقادية مبني على جواز الفصل بين اليقين والعقيدة ، وإلاّ فلا معنى للاستصحاب في الأُمور التي ينوط وجودها باليقين ، وبما انّك عرفت جواز الفصل فنذكر ما ذكره المحقّق الخراساني على وجه الإيجاز. وحاصل كلامه : انّ الأُمور الاعتقادية على قسمين : قسم يكون المطلوب فيها هو الانقياد والتسليم وعقد القلب فقط وإن لم يكن معه يقين ، فهذا ما يجوز فيه الاستصحاب موضوعاً وحكماً. أمّا الأوّل : كما إذا كان سؤال القبر من دين اللّه فشككنا في بقائه على ما كان عليه ، فيستصحب انّه من دين اللّه. وأمّا الثاني : إذا قلنا بوجوب الالتزام بحكم اللّه سبحانه وشككنا في بقاء حكم المتعة من الجواز وعدمه حتى نلتزم به ، فيستصحب الجواز استصحاباً حكمياً ويقع موضوعاً لوجوب الالتزام. وقسم آخر يكون المطلوب فيه هو القطع بها ومعرفتها معرفة علمية ، فلا (247)
يجوز الاستصحاب فيها موضوعاً ، وإن جاز حكماً.
أمّا الأوّل : كمعرفة الإمام إذا شككنا في بقاء حياته ، فلايثبت بقاء حياته بالاستصحاب وجوب معرفته ، لأنّ المطلوب المعرفة اليقينية كما في قوله : « من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية » . وأمّا الثاني : كما إذا كان الإنسان على يقين بوجوب تحصيل العلم بتفاصيل القيامة وشك في بقاء وجوبه ، فيستصحب وجوبه. الفرق بين الأمرين هو أنّ الاكتفاء بالاستصحاب في الأوّل موجب للخلف ، إذ اللازم هو معرفة الإمام معرفة يقينيّة والاستصحاب لايفيد إلاّ الظن ، بخلاف الثاني ، فانّ الاستصحاب يؤيد لزوم المعرفة اليقينية حيث إنّ المستصحب هو لزوم تحصيل اليقين بتفاصيل القيامة فاستصحابه يدعم تحصيل العلم. هذا هو خلاصة التفصيل في المقام الأوّل. المقام الثاني : استصحاب النبوة فقد ذكر المحقّق الخراساني لهذا الاستصحاب وجوهاً ثلاثة : الأوّل : النبوّة بمعنى بلوغ النفس مرتبة من الكمال يوحى إليها ، والنبوّة بهذا المعنى غير قابلة للاستصحاب ، لعدم الشك في زوالها بعد بلوغ النفس إليها. مضافاً إلى كونها أمراً تكوينياً غير قابل للجعل. الثاني : النبوة بمعنى المنصب المجعول للنبيّ كالوكالة للوكيل ، والنبوة بهذا المعنى إذا شك في بقائها قابلة للاستصحاب ، ولكن يحتاج إلى دليل غير منوط بتلك النبوة ، وغير مأخوذ من ذلك الشرع ، كما إذا كان الاستصحاب حجّة من (248)
باب العقل ، وإلاّ فالشكّ في بقاء النبوة المنصبيّة يلازم الشك في بقاء حجّية الاستصحاب الذي ورد في شريعته ، فالتمسّك في بقاء النبوة بالاستصحاب الوارد في دينه مستلزم للدور.
الثالث : استصحاب النبوة بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من وصف بالنبوة ، وقد عرفت جوازها. الرابع : وهناك معنى رابع وهو استصحاب مجموع الأحكام الواردة في الشريعة السابقة ، وهذا المعنى قابل للاستصحاب ، ولكن يحتاج إلى الدليل في غير نفس الشريعة السابقة فإنّه لايمكن التمسك به لإثبات بقاء أحكام تلك الشريعة ، لأنّ حجّية الاستصحاب من جملة تلك الأحكام ، فيلزم التمسّك بالاستصحاب لاستصحاب بقاء نفسه وهو دور واضح. المقام الثالث : هل ينتفع الكتابي بالاستصحاب أو لا ؟ إن تمسّك الكتابي بالاستصحاب لايخلو من حالتين : إمّا أن يكون لإلزام المسلم ، أو لإقناع نفسه. أمّا الحالة الأُولى فلاينفع الاستصحاب فيها إلاّ إذا ثبتت الأُمور الثلاثة التالية : 1. إذا كان الخصم شاكاً في منسوخية نبوة النبي السابق. 2. إذا كان معترفاً بحجّية الاستصحاب في الأُصول. 3. إذا كانت هناك حالة سابقة. والكل غير موجود ، لأنّ المسلم ليس شاكاً في منسوخية النبي السابق ، ولا (249)
معترفاً بحجّيته في الأُصول ، ولامعترفاً بنبوة النبي السابق إلاّ عن طريق القرآن الكريم وأخبار النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، وأمّا التواتر فإنّما ثبت به وجود الكليم والمسيح وادّعائهما النبوة لاصحة نبوتهما.
وعلى ذلك فليس عند المسلم دليل على صحة نبوتهما إلاّ أخبار القرآن بأنّهما نبيّان مضت هذه رسالتها ونسخت شريعتهما ، ومع ذلك كيف يمكن لليهود استصحاب نبوة الكليم أو المسيح ؟ وإلى ما ذكرنا ينظر كلام الإمام الرضا ( عليه السلام ) في مناظرته مع الجاثليق ، حيث سأله الجاثليق بقوله : ما تقول في نبوة عيسى وكتابه ، وهل يلتزم منها شيئاً ؟ فأجاب : « إنّا نقرّ بنبوة عيسى وكتابه وما بشّر به أُمته وأقرّت به الحواريون ، وكافر بنبوة كلّ عيسى لم يقرّ بنبوة محمّد وكتابه ولم يبشر به أُمّته » . (1) هذا كلّه إلزاماً ، وأمّا إقناعاً. فلأنّ تمسّكه بالاستصحاب لإقناع نفسه يعرب عن كونه شاكاً والواجب عليه هو الفحص عن نبوة النبي اللاحق ، والنظر إلى حالاته ومعجزاته. ثمّ التمسّك بالاستصحاب رهن وجود الدليل ، ثمّ الدليل على حجّيته إمّا نفس الشريعة السابقة أو اللاحقة ، فلو كان الأوّل يلزم الدور ، لأنّ التمسّك به فرع بقاء الشريعة السابقة ، فلو ثبت بقاؤها به لزم الدور ، ولو كان الثاني يلزم الخلف ، لأنّ التمسّك بحكم شريعته فرع الاعتراف بكونه حقّاً ، والاعتراف بها يستلزم منسوخية الشريعة السابقة ، وهو خلاف ما يدّعيه المتمسك. 1. الاحتجاج : 2 / 202 ، ط النجف. (250)
هذا هو عنوان البحث ، وهو مركَّز على ما إذا كان التخصيص زمانياً لافرديّاً بمعنى عدم إخراج الفرد من تحت العام بتاتاً ، بل كان باقياً تحته في فترة وخرج عنه في فترة خاصة كزمان الغبن وشكّ في استمرار حكم المخصص أو عموم حكم العام ، كما أنّ محلّ الكلام عبارة عمّا إذا لم يكن للمخصص إطلاق ، أو عموم أزماني ، وإلاّ فلاتصل النوبة إلى الاستصحاب. وهناك أقوال بين المحقّقين سنشير إليها : 1. الفرق بين كون الزمان قيداً أو ظرفاً ذهب الشيخ إلى ثنائيّة التقسيم وانّ الزمان في جانب العام تارة يُؤخذ قيداً 1. المائدة : 1. (251)
للموضوع وأُخرى ظرفاً ، والمراد من الأوّل ما إذا كان الفرد في كلّ زمان فرداً خاصاً مغايراً له في الزمان الآخر ، فيكون عندئذ للفرد الواحد اطاعات وعصيانات حسب اختلاف زمانه.
كما أنّ المراد من الثاني ما إذا كان الزمان غير دخيل في موضوعية الموضوع ، وإنّما ذكر لأجل انّ الفعل المادي لاينفصل عن الزمان ، وإلاّ فالفرد في الزمان الأوّل نفس الفرد في الزمان الثاني ، وكلاهما موضوع واحد ، فلايكون لكلّ فرد إلاّ طاعة أو عصيان واحد. إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه إذا كان الزمان في دليل العام قيداً للموضوع يُتمسك بالعام ولايتمسّك بالاستصحاب ، وذلك لأنّ خروجه عن تحت العام في الفترة الثانية تخصيص ثان والأصل عدم التخصيص ، حتى لو لم يكن المرجع هو العام لايصلح الاستصحاب للدليلية لعدم وحدة القضية المتيقّنة مع القضية المشكوكة ، لكون الزمان مفرداً للموضوع. وأمّا إذا كان الزمان في جانب العام ظرفاً على نحو يكون خروج الفرد في قطعة أو قطعات من الزمان تخصيصاً واحداً فيتمسك باستصحاب حكم المخصص لوحدة القضية المتيقّنة والمشكوكة ، ولايتمسك بالعام لعدم استلزام الاعراض عنه تخصيصاً زائداً. 2. رباعية التقسيم ذهب المحقّق الخراساني إلى رباعيّة التقسيم ، وذلك لأنّ المخصص أيضاً كالعام ربما يكون الزمان فيه قيداً وأُخرى ظرفاً مثل دليل العام فتكون الصور أربع : (252)
الصورة الأُولى : أخذ الزمان ظرفاً في العام والخاص
إذا كان الزمان مأخوذاً في كلا الجانبين لبيان استمرار الحكم فشك في بقاء حكم المخصِّص بعد مضيِّ الزمان القطعي ، فلايرجع إلى العام لخروجه عنه وعدم استلزام الإعراض عنه تخصيصاً زائداً ، ويرجع إلى استصحاب حكم المخصص لوحدة القضيتين حتى لو لم يكن المرجع هو ذاك لايرجع إلى عموم العام ، لخروجه عنه وعوده إليه يتوقف على الدليل. الصورة الثانية : أخذ الزمان قيداً في العام والخاص إذا كان الزمان قيداً في كلّ من العام والخاص ، مكثِّراً للحكم ، ومفرِّداً للموضوع حسب تعدّد الآنات ، فالمرجع هو عموم العام ، وذلك لأنّ الفرد في الآن الثاني فرد مستقل كان العام شاملاً له ولم يعلم خروجه فيتمسك بعموم العام ، ولايرجع إلى استصحاب حكم المخصص ، لعدم وحدة القضيتين. الصورة الثالثة : أخذ الزمان ظرفاً في العام دون الخاص إذا كان الزمان مأخوذاً لبيان استمرار الحكم في ناحية العام ، ولكن قيداً في جانب المخصص حيث يكثِّر الحكم ويفرّد الموضوع فيه ، فلايصحّ التمسّك لابالعام ولابالخاص. أمّا العام : فلخروجه عنه وعدم استلزام الاعراض عن العام ، تخصيصاً جديداً. وأمّا الخاص : فلتعدّد القضيتين ، المتيقّنة والمشكوكة ، لافتراض انّ الزمان قيد يميِّز الفرد في الآن الأوّل عن الفرد في الآن الثاني. (253)
الصورة الرابعة : أخذ الزمان قيداً في العام دون الخاص
إذا أخذ الزمان في جانب العام قيداً للموضوع ومفرِّداً له ومكثِّراً له على نحو يكون لكل فرد حسب الآنات طاعة وعصيان ولكن يكون الزمان في جانب المخصِّص لبيان استمرار الحكم ، فيرجع إلى العام ، لأنّ الاعراض عنه يستلزم تخصيصاً زائداً على التخصيص المتيقّن ولايرجع إلى استصحاب حكم المخصص ، لعدم اجتماع شرائط العمل بالأصل ، فانّه حجّة إذا لم يكن هناك دليل اجتهادي ، والخاص دليل اجتهادي رافع لموضوع حجّية الأصل. وعلى هذا فالمحقّق الخراساني خالف الشيخ الأعظم في موردين : المورد الأوّل : انّ الشيخ اكتفى في تجويز استصحاب المخصص بكون الزمان مأخوذاً على نحو الظرفية في جانب العام ، مع أنّه غير كاف إلاّ إذا كان الزمان مأخوذاً في جانب الخاص أيضاً كذلك ، ففي مثله يترك الدليل العام ، ويُستصحب حكم المخصص. وأمّا إذا كان الزمان ظرفاً في جانب العام وقيداً في جانب الخاص فلايتمسّك بهما. أمّا العام فلخروج الخاص منه ، والاعراض عنه لايستلزم تخصيصاً زائداً ، وأمّا الخاص فلعدم وحدة القضيتين. وفي الحقيقة خالف المحقّق الخراساني في الصورة الثالثة من الصور الأربع حيث إنّ مقتضى إطلاق كلام الشيخ هو التمسّك بعموم العام ، وصريح المحقّق الخراساني عدم التمسك بواحد منهما. المورد الثاني : انّ استصحاب حكم المخصص فيما إذا كان الزمان في ناحية (254)
العام ، لبيان الاستمرار إنّما يصحّ إذا كان التخصيص زمانياً ، كما إذا ورد التخصيص لا من الأوّل بل بعد فترة ، يكون العام منطبقاً على ذلك الفرد ثمّ يعرضه التخصيص في فترة أُخرى كخروج عقد المغبون عند ظهور الغبن.
وأمّا إذا كان التخصيص ابتدائيّاً كما هو الحال في خيار المجلس ، فانّ البيّعان بالخيار من زمان عقد البيع ، فلو شكّ في بقائه بعد الافتراق الإكراهي ، يصحّ التمسك بعموم العام وإن كان الزمان ظرفاً ، وإلاّ يلزم أن يكون الفرد خارجاً بتاتاً ، قبل الإكراه لأجل خيار المجلس المتصل بزمان العقد ، وبعده لأجل الاستصحاب ، ويكون التخصيص افرادياً لا أزمانياً ، وهو خلف. فتلخص ممّا ذكرنا أنّ المحقّق الخراساني وافق الشيخ في جميع الصور إلاّ في صورتين : أحدهما : إذا كان الزمان ظرفاً في جانب العام وقيداً في جانب الخاص فلايرجع إليهما. ثانيهما : فيما إذا كان التخصيص ابتدائياً ، كخروج مجلس الخيار عن تحت الآية ، ففي مثله لايرجع إلى المخصص ، بل إلى العام وإن كان الزمان ظرفاً ، لأنّ الاعراض عنه يستلزم خروج الفرد عن تحت العام بتاتاً ، وهو خلاف الفرض. 3. التفريق بين كون الزمان قيداً للمتعلّق أو للحكم ذهب المحقّق النائيني كالشيخ الأعظم إلى أنّ صور المسألة ثنائيّة وفرّق بين كون الزمان قيداً للمتعلّق فالمرجع هو عموم العام ، وكونه قيد للحكم فالمرجع هو استصحاب حكم المخصص. وبعبارة أُخرى : الفرق بين كون مصبِّ العموم الزماني متعلّق الحكم وكان (255)
الحكم وارداً على العموم الزماني ، فيكون العموم تحت دائرة الحكم ، وبين كون مصبِّه نفس الحكم بحيث كان العموم الزماني محمولاً على الحكم وواقعاً فوق دائرة الحكم ، فالأوّل مجرى التمسّك بالعام ، والثاني مجرى التمسّك بالاستصحاب.
أمّا الأوّل : فكما إذا قال : لاتشرب الخمر أبداً ، وصم إلى الليل ، فإذا خرج حال الضرورة والمرض وشكّ بعد ارتفاعهما في جواز الشرب ، فيتمسك بعموم الدليل ، ولاتصل النوبة إلى استصحاب حكم المخصِّص. ومثله قوله سبحانه : ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (1) خرجت عنه أيام العادة ، فإذا شكّ في خروج غير تلك الفترة فالمحكم هو عموم العام. وذلك هو أنّ الدليل الاجتهادي قد تكفّل لبيان حكم كلّ زمان من أزمنة ظرف وجود متعلّق الحكم فقوله : « أكرم العلماء في كلّ يوم » دليل على وجوب إكرام كلّ فرد من أفراد العلماء في كلّ يوم من أيّام السنة أو الشهر ، فكان لكلّ يوم حكمٌ يخصّه لاربط له باليوم السابق أو اللاحق. وأمّا الثاني : أي إذا كان مصبُّ العموم الزماني نفسَ الحكم ، فلامجال للتمسّك فيه بالعموم إذا شكّ في مقدار التخصيص ، بل لابدّ من الرجوع إلى الاستصحاب ، كما إذا قال : شرب الخمر حرام والحرمة مستمرّة في كل آن آن ، وشككنا في بقاء التحريم بعد ارتفاع زمان المرض ، والسر في ذلك لأنّ الشكّ في مقدار التخصيص يرجع إلى الشكّ في الحكم ، وقد تقدّم أنّ الحكم يكون بمنزلة الموضوع للعموم الزماني ولايمكن أن يتكفّل العموم الزماني وجود الحكم ( الحرمة ) مع الشك فيه ، لأنّه يكون من قبيل إثبات الموضوع بالحكم ، فانّ العموم الزماني 1. البقرة : 223. |
||||
|