|
|||
(167)
الباب السابع
يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس
أيّده الله تعالى : إعلمْ أنّني اعتبرت ما وقفت عليه ممّا ذكره شيوخ المعتزلة من
المتكلّمين ، وقَول من تابَعَهم على قولهم من المتقدّمين والمتأخّرين في أنّهم
ادّعوا أنّ للمكلّفِ مباحاً ليس له صفة زائدة على حسنه ، ولا أدبَ منِ الله ورسوله
( عليه السلام ) زائدٌ على إباحته ، فما وجدت هذا القول صحيحاًَ مع كثرة القائلين
به ، والمعتقدين لصحّته ، وإنمّا قلت ذلك لأمور ، منها ما أذكَره على سبيل الجملة ،
ومنها ما أذكره على سبيل بعض التفصيل.
أمّا الذي أذكره على سبيل الجملة ، فإنّني وجدت العبد المكلّف حاضراً بين يدي الله جلّ جلاله في سائر الحركات والسكنات ، وفي سائر (168)
الأوقات ، والله جلّ جلاله مطّلعٌ عليه بإحاطةِ العلم به ، وبإلاحسان إليه ، وللهِ جلّ جلاله
حرمةٌ باهرة ، وهيبةٌ قاهرة ، وجلالةٌ ظاهرة ، ونعَمٌ متواترة ، يستحقُ من عبده أن
يعرفها ، ويعبده بالقيام بحقّها ، لكونه جلّ جلاله أهلاً للعبادةِ بذلك ، فلا
ينفكُّ العبد من تكليفه بادب العبودية في سائر المواقف والمسالك (1) ،
فايُّ حركة أو سكونٍ يخلو فيها العبد من اطلاع الله عزّ وجلَّ عليه ، ومن إحسانه
إليه ، ومن لزوم علم العبد أنّه بين يدي مولاه ، وأنّه يراه ، حتى يكون متصرفاً
فيها بإباحةٍ مطلقةٍ تصرف الدوابّ ، وتكون خاليةً من التكليف بشيءٍ من الاداب ،
هذا (2) لا يقبلهُ من نظر بعين الصواب ، واعتمد على الله عزّ وجلَّ في
صدق الألباب ، فإنّ الإنسان يعلم من نفسه أنّ على العبد أدباً في العبودية متى كان
سيده يراه لا يجوز أن ينفك العبدُ منه ، أمّا أدباً قليلاً أو كثيراً ، بخلاف حال
العبد إذا كان سيده لا يراه ، وهذا واضحٌ لا يخفى على من عرف معناه.
جوابٌ آخر على سبيل الجملة : إعلم أنَّني عرفتُ أنّ كلّ ما في الوجود ممّا يسميه الناس مباحات لم يزل ملكاً لله تعالى جلّ جلاله ، فلمّا أطلقه للمكلّفينِ وأجراه عليهم على جهة الإحسان إليهم ، وكان إطلاقه وإجراؤه مستمراً مع بقائهم ، وجبَ عليهم استمرار أدب الاعتراف (3) بحقّ هذه النعمة ، والقيام بشكرها ، فإذا لم يكن للمكلّف انفكاكٌ من استمرار هذه النعم ، فكيف صحَّ أن يكون نعمه منها مستمرة في وقت من الأوقات خاليةً من استمرار أدب الاعتراف بها وشكرها ، حتى تصير تلك النعمة كما يقولون خاليةً من صفةٍ زائدةٍ على حسنها ، مثل إباحتها لغير المكلّفين وللدواب ، إنَ القولَ بذلك بعيدٌ من الصواب ، وهذا واضحٌ لأولي الألباب ، ولقد وجدت في 1 ـ في « د » : والمسائل. 2 ـ في « م » ز يا د ة : من. 3 ـ في « م » : استمرار الأدب ، والاعتراف. (169)
أخبار مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأخبار الصادقين ، وأخبار مولانا زين العابدين (
عليهم السلام ) ما ينبهُ المكلّفين على ما ذكرناه.
فمما أرويه عن مولانا علي ( عليه السلام ) بإسنادي إلى جدّي أبي جعفر الطوسي ، وهوما ذكره في المصباح ، في خطبة يوم الأضحى ، عن مولانا علي ( عليه السلام ) ، فقال ما هذا لفظه : « فواللهِ لو حننْتُمْ حنينَ الوالِهِ المِعْجالِ (1) ، ودعوتُمْ دعاءَ الحَمام ، وجأرْتُم (2) جُؤارَ متبتلِي الرهْبَانِ ، وخرجْتُمْ إلىالله منَ الأموالِ والأولادِ الْتِماسَ القُرْبةِ إليهِ في ارتفاعِ درجةٍ ، وغفْرانِ سيّئَةٍ ، أحصتْهَا كَتَبَتُهُ ، وحفِظَتْها رسلَهُ ، لكانَ قَليلاً فيما ترجونَ منْ ثوابهِ ، وتخشَوْنَ من عقابهِ ، وتاللهِ لو انْماثَتْ (3) قلوبكم انْمِياثاً ، وسالتْ منْ رهبةِ اللهِّ عيونكُمْ دماً ، ثئَمَ عُمِّرْتُمْ عمر الدنيا على أفضلِ اجْتِهادٍ وعملٍ ، ما جزتْ أعمالكُمْ حَقَّ نعمةِ اللهِ عليكمْ ، ولا استحقَقْتُمْ الجنةَ بسوى رحمتِهِ (4) ومنهِ عليكم » (5). وأمّا روايات الصادقين ومولانا زين العابدين ( عليه السلام ) فهي كثيرةٌ ، لا نطوّل بنشرها ، لكنّا نذكر روايةً منها لما نرجوه من فوائد ذكرها. حَدّثَ الشيخ أبو عبدالله محمد بن الحسين بن داود الخزاعي ، قال : وقرأتهُ عليه من أصله ، قال : حدّثنا ( علي بن الحسين بن يعقوب 1 ـ العجول من النساء وإلابل : الواله التي فقدت ولدها الثكلى لعجلتها في جيئتها وذهابها جزعاً ، والجمع عُجُل وعَجائل ومعاجيل. « لسان العرب ـ عجل ـ 11 : 427 ». 2 ـ الجؤار : رفع الصوت والاستغاثة. « النهاية ـ جأر ـ 1 : 232 ». 3 ـ يقال مثتُ الشيء في الماء من باب قال أموثه موثاً وموثاناً : إذا أذبته ، فانماث هوفيه انمياثاً « مجمع البحرين ـ موث ـ 2 : 265 ». 4 ـ في المصدر : رحمة الله. 5 ـ مصباح المتهجد : 608. (170)
الهمداني ) (1) قال : حدّثنا أبو عبدالله جعفر بن محمد الحسني (2) رضي
الله عنه ، قال : حدّثنا الامديّ ، قال : حدّثنا عبدالرحمن بن قريب ، قال : حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهريّ ، قال : دخلتُ مع عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) على عبدالملك بن مروان ، قال : فاستعظم عبدالملك ما رأى من أثر السجود بين عيني عليّ بن الحسين ، فقال : يا أبا محمد لقد بينَ عليك الاجتهاد ، ولقد سبق لك من الله الحسنى ، وأنت بضعة من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، قريب (3) النسب ، وكيد السبب ، وإنك لذو فضل (4) على أهلِ بيتك ، وذوي عصرك ، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين
والورع ما لم يؤته أحدٌ مثلك ولا قبلك ، إلآ مَنْ مضى مِن سلفك. وأقبل عبدالملك
يثني عليه ويقرظه (5).
قال : فقال عليُّ بن الحسين : « كُلما ذكرتَهُ ووصفتَهُ من فضل الله سبحانه وتأييده وتوفيقه ، فاين شكره على ما أنعم يا أمير المؤمنين ؟ كان رسول الله ( صلّى الله عليه واله ) يقف في الصلاة حتى يَرِم (6) قدماه ، ويظمأ في الصيام حتى يَعصِبَ فُوه (7) ، فقيل له : يا رسول الله ألم يغفر لك الله ما 1 ـ في « ش » : أبو الحسين محمد بن علي بن الحسن المقري ، وفي « د » : أبو الحسين محمد بن علي بن الحسن المقرىء قال حدثنا علي بن الحسين بن يعقوب الهمداني ، وفي البحار : عن أبيه ومحمد بن علي بن حسن المقرىء عن علي بن الحسين بن أبي يعقوب الهمداني. 2 ـ في البحار : الحسيني. 3 ـ في « د » : صريح. 4 ـ في البحار زيادة : عظيم. 5 ـ في البحار والمستدرك : ويطريه. 6 ـ قال ابن الأثير في النهاية 5 : 177 ـ مادة ورم ـ : فيه « أنه قام حق وَرِمَتْ قدماهُ » أي انتفخت من طول قيامه في صلاة الليل. يقال : وَرِمَ يَرِمُ ، والقياس : يَورَمُ ، وهو أحد ما جاء على هذا البناء. 7 ـ عصب الريق بفيه ، إذا يبس عليه ، والمراد هنا شده الظمأ والعطش ، أنظر « الصحاح ـ عصب ـ 1 : 83 ». (171)
تقدّم من ذنبك وما تأخّر (1) ؟ فيقول ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : أفلا أكون
عبداً شكوراً.
الحمد للهّ على ما أولى وأبلى ، وله الحمد في الاخرة والأولى ، واللّه لو تقطّعت أعضائي ، وسالت مُقلتايَ على صدري ، لن أقومَ للّهِ عزّ وجلّ بشكرِ عشر العشير من نعمةٍ واحدةٍ من جميع نعمه التي لا يحصيها العادّون ، ولا يبلغ حدّ نعمةٍ منها عليَّ (2) جميع حمد الحامدين ، لا والله أو يراني الله لا يشغلني شيء عن شكره وذكره في ليل ولا نهار ، ولا سرّ ولا علانية. ولولا أنّ لأهلي عَلي حقاً ، ولسائر الناس من خاصّهم وعامّهم عَليّ حقوقاً لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤدِّيَها إليهم ، لرميت بطرفي إلى السماء ، وبقلبي إلى الله ، ثمّ لم أرُدَّهما ، حتى يقضي اللهّ على نفسي وهو خير الحاكمين ». وبكى ( عليه السلام ) ، وبكى عبدالملك وقال : شتّان بين عبدٍ طلب الاخرة وسعى لها سعيها ، وبين مَنْ (3) طلب الدنيا مِن أين أجابته (4) ، ما له في الاخرة من خلاق ، ثمّ أقبل يسأله عن حاجاته ، وعمّا قصدَ له ، فشفّعَهُ فيمن شفع ، ووصله بمالٍ (5). يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس أيّده الله تعالى : أما ترى حديث مولانا أمير المؤمنين وحديث مولانا زين العابدين 1 ـ قال الله عز وجل : ( لِيغفِرَ لَكَ الله مَا تَقدمَ مِنْ ذَتبِكَ وَمَا تَاَخرَ وَيتمَّ نِعمَتَهُ عَلَيك ويَهْدِيَكَ صِرَاطاً مستَقيماً ). « الفتح 48 : 2 ». 2 ـ ليس في « د » و « ش ». 3 ـ في « م » : عبد. 4 ـ في البحار : جاءته. 5 ـ نقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 56 / 10 ، وأورده الشيخ النوري في مستدرك الوسانل 1 : 14 إلى قوله : وبكى عبدالملك. (172)
( عليهما السلام ) وعلى سلفهما وذرّيتهما الطاهرين ، يقتضيان أنّه ليس مع العبد المكلّفِ وقت
يخلو فيه من أدب الاعتراف بنعم اللهّ جلّ جلاله وحق شكرها ، فإنّهُ لا يسع عمره كُلّه القيام بحقِّ عظيم برّها ، فهل مع هذا يبقى للمكلّف وقتٌ تكون فيه نِعمُ اللّهِ مباحةً له (1) ، ليس لها صفة زائدة على حسنها مثل إباحتها للدوابّ وهي خالية من شيء من الآداب ؟ هذا لا ينبغي أن يعتقده ذوو الألباب.
وأمّا الجواب الآخر على سبيل بعض التفصيل ، فاعلم أنّني اعتبرت الذي ربّما ذكروا بأنّه مباحات كالأكل والشرب ، ولبس الثياب ، والنوم ، ودخول بيوت الطهارات ، والمشي ، والركوب ، والجلوس ، والتجارة ، والأسفار ، والقدوم ، والنكاح وغير ذلك من تصرّفات المكلَفين بالمعقولات والمنقولات ، فما وجدت شيئاً من هذه التي يسمّونها مباحات إلا وعليها آداب من الألباب (2) ، أو من المنقول في الكتاب أو السنّة ، على تفصيل يطول بشرحه مضمون هذا الكتاب ، امّا آداب في هيئات تلك الحركات والسكنات ، أو فيما يراد منها من الصفات ، أو في النيات ، أو بدعوات ، وما وجدت شيئاً عارياً للمكلّفين ، وخالياً من أن يكون عليه أدبٌ أو ندبٌ أو تحريم أو تحليل أو كراهية من سلطان العالمين بالعقل أو النقل ، وهذا لا يخفى على العارفين ، وانّما وجدت المباحات الخالية من الآداب مختصّةً ـ بغير المكلَفين من العباد ـ بالحيوانات (3) والدّواب ، أما بلغك قول مولانا عليّ ( عليه السلام ) عن المكلّفين : « وفي حلالها حساب » (4) فلا تقلّدني 1 ـ ليس في « د ». 2 ـ في « ش » : الاداب. 3 ـ في « ش » : وا لحيوانات. 4 ـ روي في تحف العقول : 201 ، نهج البلاغة : 156/ ط 82 ، كنز الفوائد : 160 ، مشكاة الأنوار : 270 ، غررالحكم : 260/ 295. (173)
وانظر فيما ذكرتُ فإنّه حق بغيرِ ارتياب ، ولا تنظر إلى كثرةِ القائلين بخلافِ ما قلت ، فانت
مكلَفٌ بما يبلغهُ عقلك ، ولست مكلّفاً في مثل هذا بتقليد القائلين ولو كانوا بعدد التراب.
أقول : وإذا كان الأمر كما (1) شرحناهُ وأوضحناهُ فما يبقى للمكلّف مباحٌ مطلقاً يستخير فيه حتى تتعلّق الاستخارة بالمباحات ، وصارت الاستخارات كلها في المندوبات والاداب والطاعات. وأما تاكيد ما ذكرناه من طريق الروايات ، فاعلم أنّ الرواية وردت عن مولانا زين العابدين ( عليه السلام ) بما أرويه وأشير إليه ، وإن كان في بعضها زيادات ، وفي بعضها نقصان ، ونحنُ نروي من ذلك ثلاث روايات ، فهي أبلغ في البيان. الرواية الأولى : أخبرني بها شيخي العالم الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهاني معاً ، عن الشيخ أبي الفرج علي بن السعيد أبي الحسين الراوندي ، عن والده ، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي ، عن السعيد أبي جعفر الطوسي ، عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، عن الشيخ أبي القاسم جعفربن محمد بن قولويه ، عن الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن عمروبن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان عليُّ بن الحسين ( صلوات الله عليه ) إذا همَ بامر حجٍ ، أو عُمرةٍ ، أو بيعٍ ، أو شراءٍ أو عتق تطهّرَ ثم صلى ركعتي الاستخارة ، يقرأ (2) فيهما بسورة الحشر وسورة الرحمن ، ثم يقرأ المعوذتين وقل هو الله 1 ـ في « ش » : على ما. 2 ـ في « د » والكافي : فقرأ. (174)
أحد ، إذا
فرغ وهو جالس في دبر الركعتين ، ثَم يقول ـ وفي رواية : قال في دبر الركعتين ـ : « اللهُم إنْ كَانَ كَذَا وكَذَا خَيراً لي في ديني ودنْيَاي ، وعاجِل أمري وآجِلِه ،
فصلِ على محمدٍ وآله ، ويَسّرْهُ لي على أحسنِ الوجوهِ
وأجْمَلها (1) ، اللهُمَّ وإنْ كان كذا وكذا شراً لي في دِيني ودنْيَايَ
وآخِرَتِي ، وعاجل أمْري وآجِله فصلِ على محمدٍ وآلِهِ وَاصْرِفه عني ، ربيَ صلِّ
على محمد والِ محمد ، واعزمْ لي على رشْدي وإن كرِهت ذلك ، أو أبَتْهُ نفسي » (2).
الرواية الثانية : وأخبرني بهذه الرواية أيضاً شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهاني ، بإسنادهما المذكور الى جدي أبي جعفر الطوسي ، عن ابن أبي جيد القمي ، عن محمد بن الحسن ، عن الحسين [ بن الحسن ] (3) بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وذكر هذا الحديث الأول كما ذكرناه إلا أنّه لم يقل فيه أنه يقرأ قل هو الله أحد. وقد ذكرها في كتاب تهذيب الأحكام (4). الرواية الثالة : أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهاني بإسنادهما الذي قدمناه إلى جدي أبي جعفر محمد بن الحسن 1 ـ في « ش » : وأجلها. 2 ـ رواه الكليني في الكافي 3 : 470/ 2 ، والبرقي في المحاسن : 600/ 11 ، والكفعمي في البلد الأمين : 160 ونقله المجلسي في بحار الأنوار 91 : 263/ ذيل ح 15. 3 ـ أثبتناه من بحار الأنوار وكتب الرجال ، أنظر « معجم رجال الحديث 5 : 212 ». 4 ـ تهذيب الأحكام 3 : 180/ 2. (175)
الطوسي فيما يرويه عن جابر بن يزيد الجعفي في أصله ، قال في إسناده إلى ما يرويه عن جابر : أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن
عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن المفضّل بن صالح ، عن جابر. قال : ورواه حميد بن زياد
، عن ابراهيم بن سليمان ، عن جابر (1).
عن إلامام الباقر ( عليه السلام ) أنّه قال : كان علي بن الحسين زين العابدين ( عليهما السلام ) إذا هَم بحجٍ ، أو عمرة ، أو بيعٍ ، أو شراءٍ ، أو عتقٍ ، أو غير ذلك تطهّرَ ثمَّ صلّى ركعتين للاستخارة يقرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتي الحشر والرحمن ثمّ يقرأ بعدهما المعوّذتين ، وقل هو الله أحد ، يفعل هذا في كلّ ركعة ، فإذا فرغ منها ، قال بعد التسليم ـ وهو جالس ـ : اللّهمَّ !نْ كان كذا وكذا خيراً لي في ديني ودنيايَ ، وعاجل أمري وآجله فيسِّرْهُ لي على أحسنِ الوجوهِ وأكمَلها (2) ، اللهمَّ وإنْ كان شرّاً لي في ديني ودنياي ، وعاجل أمرْي وَاجِلِه ، فاصرِفهُ عنّي ، ربِّ اعْزِمْ لي على رُشْدِي وإن كَرِهَتْهُ نفسي » (3). أقول : وربما قال قائلٌ : إن هذه الاستخارة المذكورة ما فيها ذكر عدد ألفاظ الاستخارات ، ولا فيها ذكر الرقاع التي يأتي فيها شرح الروايات. والجواب عن هذا وأمثاله من كلّ رواية لا تتضمّن ذكر الرقاع في الاستخارة سيأتي مشروحاً في الباب المتضمّن لترجيح العمل بالرقاع (4) ، بواضح المعاني ، وبيان العبارة ، فلا تعجل حتّى تقف عليه ، فإنّه شاف كما 1 ـ أنظرفهرست الشيخ : 73 / 139. 2 ـ في « ش » : كلها. 3 ـ رواه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد : 479 ، ونقله الشيخ المجلسي في بحار الأنوار 91 : 266/ 20 ، والشيخ النوري في مستدرك الوسائل 1 : 449/ 9. 4 ـ يأتي في الباب التاسع. (176)
نشيرإليه إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في الرسالة العزية ما هذا لفظه : باب صلاة الاستخارة : وإذا عرض للعبد المؤمن أمران فيما يخطر بباله من مصالحه في أمر دنياه ، كسفره وإقامته ومعيشتهِ في صنوفٍ يعرض له الفكر فيها ، أو عند نكاح وتركه ، وابتياع أمةٍ أو عبدٍ ، ونحو ذلك ، فمن السُنّة أن لايهجم (1) على أحد الأمرين ، وليتَوَقَّ حتّى يستخير الله عزّ وجلّ ، فإذا استخاره عزم على ما خطر (2) بباله على الأقوى في نفسه ، فإن تساوت ظنونه فيه توكّل على الله تعالى وفَعَلَ ما يتّفق له منه ، فإنّ الله عزّوجلّ يقضي له بالخيرإن شاء الله تعالى. ولا ينبغي للإنسان أن يستخير اللهّ تعالى في فِعْلِ شيء نهاهُ عنه ، ولا حاجة به في استخارة لأداء فرض ، وإنّما الاستخارة في المباح وترك نفل إلى نفل (3) لا يمكنه الجمع بينهما ، كالجهاد والحجّ تطوّعاً ، أو السفر لزيارةِ مشهدٍ دون مشهد ، أو صلة أخٍ مؤمن وصلة غيره بمثل ما يريد صلة الآخر به ، ونحوذلك. وللاستخارة صلاة موظَّفة مسنونة ، وهي ركعتان يقرأ الإنسان في إحداهما فاتحة الكتاب وسورة معها ، ويقرأ في الثانية الفاتحة وسورة معها ، ويقنت في الثانية قبل الركوع ، فإذا تشهّد وسلّم حمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على محمد وال محمد ، وقال (4) : « اللّهَم إنّي أستخيرك بعلمكَ وقدرتكَ ، وأستخيركَ بعزّتكَ ، وأسألكَ 1 ـ في « د » : لايهم. 2 ـ في « ش » : ما يخطر. 3 ـ في « د » : وترك فعل إلى فعل. 4 ـ في « د » و « ش » وبحار الأنوار : وصلى على محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال. (177)
منْ فضلكَ ،
فإنَكَ تَقْدِرُ ولا أقدِرُ ، وتعلمُ ولا أعلمُ ، وأنت علامُ الغيوبِ ، اللهَم إنْ
كان هذا الأمر الذي عَرَضَ لي خيْراً (1) في ديني ودنيايَ وآخرتِي ،
فيسرهُ لي ، وبارِكْ لي فيهِ ، وأعِني عليهِ ، وإنْ كان شراً لي فاصرِفْهُ عنيِ ،
واقْضِ لي الخيرَ حيْثُ كان ، ورضني بهِ ، حتى لا أحبّ تعجيلَ ما أخَرْت ، ولا
تاخير ما عجَّلتَ ».
وإن شاء قال : « إللهمَّ خِرْ لي فيمَا عَرَضَ لِي مِنْ أمرِ كذا وكذا ، واقْضِ لي بالخيرةَ فِيما وفَّقْتني له منه برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ » (2). أقول : فهذا كلام شيخنا المفيد يصرح أنّ الاستخارة في المندوبات والحج والجهاد والزيارات والصدقات ، وسيأتي ذكر كلام جدّي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ في كتاب النهاية والمبسوط وكتاب الاقتصاد وكتاب هداية المسترشد في الاستخارة في أمور الدين والدنيا في باب روايتنا لكلام من ذكر أنّ الاستخارة مائة مرة (3) ، ونكشف ذلك كشفاً يغني عن الفكرة ، إن شاء الله تعالى. 1 ـ في « د » و « م » زيادة : لي. 2 ـ نقله الشيخ المجلسي في بحار الأنوار 1 9 : 29 2 ، في باب الاستخارة بالرقاع ، وقال معقباً : « كان هذا بالأبواب المتعلّقة بالاستخارات المطلقة أنسب ، وإنما أوردته فا تبعاً للسيد « ره » مع العلم أن السيد ابن طاووس لم يورد النص المذكور في باب الاستخارة بالرقاع ، إذ ان عنوان الباب السابع ـ كما تقدم ـ هو « في بعغ ما رويته في أن حجة الله جل جلاله المعصوم عليه أفضل الصلوات لم يقتصر في الاستخارة على ما يسميه الناس مباحات ، وأنه استخار في المندوبات والطاعات ، والفتوى بذلك عن بعض أصحابنا الثقات « ، ولعل ما ذكره العلامة المجلسي مبتنياً على ما ورد في نسخته من الكتاب. 3 ـ يأتي في ص 241. (178)
(179)
الباب الثامن
إعلم أنّني اعتبرت
المشاورة لله تعالى في الأمور على التفصيل ، وبروز جوابه المقدّس في الحال على
التعجيل ، فرأيت هذه رحمة منِ الله جل جلاله باهرة كاشفة ، ونعمة زاهرة متضاعفة ،
ما أعرف أن أحداً من أهل الملل السالفة دلّهُ جلّ جلاله عليها ، وبلّغه إليها ، حتى
لو عرفتُ (1) يوم ابتداء رحمة الله جلّ جلاله لهذه الأمّة بها وتوفيقهم
لها ، لكان عندي من أيّام التعظيم والاحترام الذي يُؤثَرُ فيه شكر الله جلّ جلاله
على توفير هذه الأنعام ، ونحن نضرب مثلاً تفهم به جلالة ما أشرنا إليه ، ودلّنا
الله جل جلاله عليه.
وهوأنّه : لو أن (2) ملكاً من ملوك الدنيا محجوبٌ عن أكثر رعيّته ، ولا 1 ـ في « د » : عُرف. 2 ـ في « د » : كان. (180)
يقدر على الحضور في خدمته ولا مشاورته إلا بعض خاصّته ، فبلغت سعة رحمته إلى أن
جعل ـ في كلّ شهرٍ ، أو أسبوِع (1) ، أو عند صلاة ركعتين بخشوع وخضوع ،
أو في وقت معين ـ يوماً معيّناً يأذن فيه إذناً عاماً ، يدخل فيه إليه من شاء من
رعاياه وأهل بلاده ، يحدثونه بأسرارهم ، ويشاورونه مثل ما يشاوره خواصّه وأعزّ
أولاده ، ويعرّفهم جواب مشاورته في الحال ، ويكشف لهم عن مصالحهم الحاضرة
والمستقبلة بواضح المقال ، أما كان يوصف ذلك الملك بالرحمة الواسعة والمكارم
المتتابعة (2) ، ويحسد رعيّته غيرهم من رعايا ملوك البلاد ، ويجعلون ذلك
اليوم الذي يشاورونه فيه من أيّام الأعياد.
وكذا حال المشاورة لله تعالى في الأسباب ، ورحمته في تعجيل الجواب ، فإنّ هذا كان مقام الأنبياء والمرسلين ، والخواص من عباده المسعودين ، يطلبون منه الحاجات ، فيوحي إلى الذين يوحى إليهم على لسان الملائكة ، وُيلقي في قلوب من يشاء منهم ، ويسمع آذان من يُريد ، ويرفع الحجاب عنهم ، وكان هذا المقام لهم خاصّة ، لا يشاركهم فيه من لا يجري مجراهم من العباد. فصار إلاذن من الله جلّ جلاله لكلّ امّة محمد ( صلّى الله عليه واله ) في مشاورته تعالى فيما يحتاجون إلى المشاورة فيه من كل إصدار وإيراد أبلغ من رحمة ذلك الملك في تعيين وقتٍ لدخول كافّةِ رعيّته ، وإذنه لهم في مشاورته ، فما أدري كيف خفي هذا الأنعام الأعظم ، والمقام الأكرم ، على من خفي عنه ؟ وكيف آهمل حق الله تعالى وحقّ رسوله ( عليه الصلاة والسلام ) فيما قد بلغت الرحمة منه ؟ ولقد صار العبد المؤمن والرسول المهيمن والوصيّ المستخيرين يقف هو وهما بين يدي الله تعالى على بساط المشاورة لجلاله ، وينزل إليك الجواب متعجّلاً كما يبرز إليهما ( صلوات الله عليهما ). 1 ـ في « د » أو في كل أسبوع. 2 ـ في « د » : السابغة. |
|||
|