فوائد الاصول ـ الجزء الثالث ::: 331 ـ 345
(331)
الأخباريين.
    وقد استدل على البراءة بالأدلة الأربعة.
    أما الكتاب : فبآيات منها : قوله تعالى « لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها » (1) والاستدلال بها مبنى على أن يكون المراد من « الموصول » التكليف ومن « الايتاء » الوصول والإعلام ، فيكون المعنى « لا يكلف الله نفسا إلا بتكليف واصل إلى المكلف » وفي حال الشك لا يكون التكليف واصلا ، فلا تكليف.
    وفيه أولا : أن المحتملات في الموصول ثلاثة : أحدها : ما ذكر في تقريب الاستدلال. ثانيها : أن يكون المراد من « الموصول » المال ومن « الايتاء » الملك ، فيكون المعنى : « لا يكلف الله نفسا بمال إلا بما ملكه » ثالثها : أن يكون المراد من « الموصول » مطلق الشيء ، ومن « الايتاء » الإقدار ، أي « لا يكلف الله نفسا بشيء إلا بما أقدرها ومكنها عليه ».
    والآية المباركة ليس لها ظهور في الوجه الأول ، بل يمكن أن يقال بظهورها في الوجه الثالث ، لظهور « الموصول » في كونه مفعولا به ، وعلى الوجه الأول لابد وأن يكون « الموصول » مفعولا مطلق ، لأنه لا يعقل أن يتعلق التكليف بالتكليف إلا على وجه تعلق الفعل بالمفعول المطلق.
    ولا يمكن أن يراد من « الموصول » الأعم من التكليف والمال والشيء (2) فإنه لا جامع بين المفعول به والمفعول المطلق ، لأن نحو تعلق الفعل بالمفعول به يباين نحو تعلقه بالمفعول المطلق.
1 ـ سورة الطلاق الآية 7
2 ـ أقول : لو لم نقل بأن تعلق الفعل بالجامع بين المفاعيل تعلق آخر غير مرتبط بأحد التعليقات الثلاثة ، مع أنه لو كان ذلك بنحو الدالين والمدلولين لا بأس بتعلقه بالموصول المتخصص بالخصوصيات بدال آخر ، وكان تعلقه بكل خاص نحوا من التعلق غير الآخر ، كما لا يخفى.


(332)
    نعم : ربما يستظهر من استشهاد الامام ـ عليه السلام ـ بالآية المباركة عن السؤال عن تكليف الناس بالمعرفة ، وجوابه ـ عليه السلام ـ « لا ، على الله البيان ـ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها » (1) أن المراد من « الموصول » التكليف ، لا المال ولا مطلق الشيء ، فيكون المراد من « الايتاء » الوصول والإعلام ، وإن كان يمكن أن يقال : إن المراد من المعرفة المسؤول عنها المعرفة التفصيلية بصفات الباري وأحوال الحشر والنبوة الخاصة ونحو ذلك ، لا المعرفة الإجمالية بوجود الباري تعالى ، فان المعرفة الإجمالية لا يمكن أن يتعلق التكليف بها إلا على وجه دائر ، والمعرفة التفصيلية لا يمكن إلا باقدار الله تعالى عليها ، لأنه لا يتمكن العبد من ذلك إلا بعناية الله تعالى وإقداره ، هذا.
    ولكن الإنصاف : أنه يمكن أن يراد من « الموصول » الأعم من التكليف وموضوعه ، وايتاء كل شيء إنما يكون بحسبه ، فان إيتاء التكليف إنما يكون بالوصول والإعلام ، وايتاء المال إنما يكون باعطاء الله تعالى وتمليكه ، وايتاء الشيء فعلا أو تركا إنما يكون باقدار الله تعالى عليه ، فان للايتاء معنى ينطبق على الإعطاء وعلى الإقدار ، ولا يلزم أن يكون المراد من « الموصول » الأعم من المفعول به والمفعول المطلق ، بل يراد منه خصوص المفعول به.
    وتوهم : أن المفعول به لابد وأن يكون له نحو وجود وتحقق في وعائه قبل ورود الفعل عليه ويكون الفعل موجبا لايجاد وصف على ذات المفعول به التي كانت مفروضة التحقق والوجود (2) كزيد في قولك : « إضرب زيدا » فان زيدا كان موجودا قبل ورود الضرب عليه ـ وعلى ذلك يبتني إشكال « الزمخشري » في
1 ـ أصول الكافي : كتاب التوحيد ، باب البيان والتعريف ولزوم الحجة ، الحديث 5
2 ـ أقول : لو كان المراد من التكليف معناه اللغوي من الكلفة فلا بأس بجعل « الموصول » عبارة عن الخطاب والحكم مع الالتزام بهذه القاعدة في المفعول به بلا عناية ، إذ معنى الآية حينئذ « إن الله لا يوقع العباد في كلفة حكمه وخطابه إلا خطابا أعلمه لهم وآتاهم » وهذا المقدار يكفي للقائل بالبرائة.


(333)
قوله تعالى : « خلق الله السماوات » من أنه لا يمكن أن تكون السماوات مفعولا به لأنه لا وجود للسماوات قبل ورود الخلق عليها مع أن المشهور جعلوا السماوات مفعولا به فعلى هذا لا يمكن أن يتعلق التكليف بالتكليف على نحو تعلق الفعل بالمفعول به لأنه ليس للتكليف نحو وجود سابق عن تعلق التكليف به بل وجوده إنما يكون بنفس إنشاء التكليف لأن المفعول المطلق من كيفيات الفعل فلا يمكن وجوده قبله ـ فاسد ، فان المفعول المطلق النوعي والعددي يصح جعله مفعولا به بنحو من العناية ، مثلا الوجوب والتحريم وإن كان وجودهما بنفس الإيجاب والإنشاء وليس لهما نحو تحقق في المرتبة السابقة ، إلا أنهما باعتبار ما لهما من المعنى الاسم المصدري يصح تعلق التكليف بهما. نعم : هما بمعنى المصدر لا يصح تعلق التكليف بهما ، فتأمل.
    وثانيا : على فرض ظهور الآية الشريفة في إرادة التكليف من « الموصول » وإرادة الوصول والإعلام من « الايتاء » فأقصى ما تدل عليه الآية المباركة هو أن المؤاخذة والعقوبة لا تحسن إلا بعد بعث الرسل وإنزال الكتب وتبليغ الأحكام والتكاليف إلى العباد (1) وهذا لا ربط له بما نحن فيه من الشك في التكليف بعد البعث والإنزال والتبليغ وعروض اختفاء التكليف لبعض الموجبات التي لا دخل للشارع فيها ، فالآية المباركة لا تدل على البراءة ، بل مفادها مفاد قوله تعالى : « وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا » (2).
    وقد قيل : إن هذه الآية أظهر الآيات التي استدل بها للبرائة.
    وأنت خبير : بأن مفادها أجنبي عن البراءة ، فان مفادها الأخبار بنفي التعذيب قبل إتمام الحجة ، كما هو حال الأمم السابقة ، فلا دلالة لها على
1 ـ أقول : إذا كان المراد من بعث الرسل إتمام الحجة بالايصال إليهم يكفي هذا المقدار للقائل بالبرائة. نعم : لو كان المراد مجرد بعث الرسل واقعا ولو لم يصل إلى العباد لا يفيد ذلك للبرائة ، ولكن بهذا المعنى لا يصح حتى بالنسبة إلى الأمم السابقة ، كما لا يخفى.
2 ـ سورة الإسراء الآية 15


(334)
حكم مشتبه الحكم من حيث إنه مشتبه ، فهي أجنبية عما نحن فيه.
    كما أن مفادها أجنبي عما زعمه الأخباريون : من دلالتها على نفي الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، بتقريب : أن الملازمة تقتضي ثبوت العذاب عند استقلال العقل بقبح شيء ولو مع عدم بعث الرسل والآية تنفى العذاب مع عدم بعث الرسل فلا ملازمة بين حكم العقل والعذاب ويلزمه عدم الملازمة بين حكمه وحكم الشرع وإلا لما احتاج التعذيب إلى بعث الرسل.
    وأنت خبير : بأن الرسول في الآية الشريفة كناية عن الحجة ، فيعم الرسول الباطني والرسول الظاهري.
    وقد قيل في رد مقالة الأخباريين : إن أقصى ما تدل عليه الآية المباركة هو نفي فعلية التعذيب قبل بعث الرسل ، والملازمة المدعاة إنما هي بين حكم العقل واستحقاق العقوبة ، ونفى فعلية العذاب لا يقتضي نفي الملازمة ، فإنه من الممكن أن يكون الشارع قد حكم بحرمة ما استقل بقبحه العقل وكانت مخالفة الحكم الشرعي تقتضي استحقاق العقوبة ، ولكن الشارع تفضل بالعفو وأخبر به ، كما تفضل بالعفو عن نية السيئة (1) وكما تفضل بالعفو عن الصغائر عند الاجتناب عن الكبائر (2) وكما تفضل بالعفو عن الظهار مع حرمته (3) على ما قيل.
    ولا يخفى ما فيه ـ أما أولا فلأن الاستدلال بالآية المباركة على البراءة لا يجتمع مع القول بأن مفادها نفي فعلية التعذيب لا استحقاقه (4) لأن النزاع في البراءة إنما هو في استحقاق العقاب على ارتكاب الشبهة وعدم استحقاقه ، لا في
1 ـ الوسائل : الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 6 و 7 و 8 و 10
2 ـ الوسائل : الباب 45 من أبواب جهاد النفس الحديث 4 و 5
3 ـ الوسائل : الباب 1 من أبواب الظهار الحديث 2
4 ـ أقول : ذلك كذلك لولا دعوى عدم القول بالفصل بين نفي الفعلية في الشبهات مع نفي الاستحقاق بين المجتهدين والأخباريين ـ كما هو المدعى في كلماتهم ـ فراجع.


(335)
فعلية العقاب ، فالاستدلال بها على البراءة يتوقف على أن يكون المراد من نفي العذاب نفي الاستحقاق ، وذلك ينافي رد مقالة الأخباريين المنكرين للملازمة بما تقدم : من أن المراد من نفي العذاب نفي الفعلية لا الاستحقاق ، وإلى ذلك ينظر كلام المحقق القمي (ره) حيث قال : « إن من جمع في الآية بين الاستدلال بها على البراءة وبين رد الأخباريين لإثبات الملازمة يكون قد جمع بين النقيضين ».
    وأما ثانيا : فلأن الحرمة الشرعية مع إخبار الشارع بنفي التعذيب والتفضل بالعفو لا يجتمعان ، لأنه يلزم أن يحمل الشارع العباد على التجري بفعل الحرام ، فان الإخبار بالعفو يوجب إقدامهم على فعل الحرام المعفو عنه ، فيلزم لغوية جعل الحرمة (1).
    نعم : لا مانع من الإخبار بالعفو بالنسبة إلى المعصية التي لا يكون الإخبار به موجبا للتجري وإقدام العباد عليها ، كالإخبار بالعفو عن نية السيئة ، فان المخبر به هو العفو عن نية السيئة المجردة عن تعقبها بالسيئة ، ولا يمكن للعبد التجري على ذلك ، فان القصد والتجري على النية المجردة لا يعقل ، إذ لا يتحقق العزم على العزم المجرد.
    وكالإخبار بالعفو عن الصغاير عند الاجتناب عن الكبائر ، فان المخبر به هو العفو عن الصغاير إذا كان العبد مجتنبا عن الكبائر ما دام العمر وفي تمام أزمنة حياته (2) ولا يمكن بحسب العادة أن يعتقد الشخص أنه يجتنب عن الكبائر في مدة حياته حتى يتحقق منه التجري والإقدام على الصغاير اعتمادا
1 ـ أقول : يكفي في صحة جعله إحداث موضوع العفو وإبراز مقام الغفورية ، إذ فيه مصلحة ظاهرة يكفي لتصحيح إنشاء الحرمة في مورد مع العفو ، فلا يلزم من كشف العفو عن عدم الحرمة ، كما توهم في الظهار نعم : الأولى أن يقال : إن الظاهر من الآية والتعبير ب‍ « ما كنا معذبين » أن مثل هذا ليس شأننا وهذا غير باب العفو الذي شأنهم العذاب مع عفوه عنهم رأفة ورحمة ، كما لا يخفى.
2 ـ أقول : في هذا الشرط نظر.


(336)
على العفو عنها ، لأنه بعد التفاته إلى أن العفو عنها مشروط بعدم ارتكاب الكبيرة أبدا ما دام العمر لا يمكن أن يكون الإخبار بالعفو موجبا لتجريه.
    وأما العفو على الظهار فلم يثبت وإن قيل به ، وآية الظهار لا تدل على ذلك ، ولو ثبت العفو عنه فلابد من القول بعدم حرمته.
    ثم إنه قد استدل للبرائة بآيات اخر لا دلالة لها على ذلك.
    فالأولى عطف عنان الكلام إلى بيان الأخبار التي استدل بها للبرائة. أظهرها وعمدتها « حديث الرفع » وهو قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ « رفع عن أمتي تسعة أشياء الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه والطيرة والحسد والوسوسة في الخلق » واشتهار الحديث المبارك بين الأصحاب واعتمادهم عليه يغنى عن التكلم في سنده ، مع أنه من الصحاح ، فالمهم بيان فقه الحديث وما يستفاد منه ، وذلك يتم برسم أمور :
    الأمر الأول :
    لا يصح استعمال « الرفع » وكذا « الدفع » إلا بعد تحقق مقتضى الوجود ، بحيث لو لم يرد الرفع أو الدفع على الشيء لكان موجودا في وعائه المناسب له ، سواء كان وعائه وعاء العين والتكوين أو وعاء الاعتبار والتشريع ، لوضوح أن كلا من الرفع والدفع لا يرد على ما يكون معدوما في حد ذاته لا وجود له ولا اقتضاء الوجود ، فالعناية المصححة لاستعمال كلمة « الرفع » و « الدفع » إنما هي بعد فرض ثبوت مقتضى الوجود ، وهذا المقدار مما لا بد منه في صحة استعمالهما ، وبعد ذلك يفترق « الرفع » عن « الدفع » فان استعمال « الرفع » إنما يكون غالبا في المورد الذي فرض وجوده في الزمان السابق أو في
1 ـ الخصال : باب التسعة الحديث 9

(337)
المرتبة السابقة عن ورود الرفع ، و « الدفع » يستعمل غالبا في المورد الذي فرض ثبوت المقتضى لوجود الشيء قبل إشغاله لصفحة الوجود في الوعاء المناسب له ، فيكون الرفع مانعا عن استمرار الوجود ، والدفع مانعا عن تأثير المقتضى للوجود.
    ولكن هذا المقدار من الفرق لا يمنع عن صحة استعمال « الرفع » بدل « الدفع » على وجه الحقيقة بلا تصرف وعناية ، فان الرفع في الحقيقة يمنع ويدفع المقتضى عن التأثير في الزمان اللاحق أو المرتبة اللاحقة (1) لأن بقاء الشيء كحدوثه يحتاج إلى علة البقاء وإفاضة الوجود عليه من المبدء الفياض في كل آن ، فالرفع في مرتبة وروده على الشيء إنما يكون دفعا حقيقة باعتبار علة البقاء وإن كان رفعا باعتبار الوجود السابق ، فاستعمال « الرفع » في مقام « الدفع » لا يحتاج إلى علاقة المجاز ، بل لا يحتاج إلى عناية أصلا ، بل لا يكون خلاف ما يقتضيه ظاهر اللفظ ، لأن غلبة استعمال « الرفع » فيما يكون له وجود سابق لا يقتضي ظهوره في ذلك.
    ومما ذكرنا من معنى « الرفع » و « الدفع » يظهر : أنه لا مانع من جعل « الرفع » في الحديث المبارك بمعنى « الدفع » في جميع الأشياء التسعة المرفوعة ، ولا يلزم من ذلك مجاز في الكلمة ، ولا في الإسناد.
    أما عدم المجازية في الإسناد : فلما سيأتي من أن إسناد الرفع إلى المذكورات يكون على وجه الحقيقة بلا تقدير وإضمار.
    وأما في الكلمة : فلما عرفت : من أن حقيقة الرفع هي الدفع ، فيكون المراد من رفع التسعة دفع المقتضى عن تأثيره في جعل الحكم وتشريعه في الموارد التسعة.
1 ـ أقول : ذلك كذلك لو كان مصحح صدق « الرفع » مجرد منع المقتضى عن تأثيره ، وإما لو قلنا بأن المصحح في صدقه علاوة عن ذلك عدم قصور في تأثير المقتضى في زمان سابق عن وروده قبل « الدفع » المعتبر فيه المقارنة ، فلا مجال حينئذ لتصحيح صدقه على الدفع بتدريجية إفاضة الفيض عليه ، إذ تشبه ذلك باثبات اللغة بالعرفان !.

(338)
    غايته أنه في الثلاثة الأخيرة ـ وهي الحسد والطيرة والوسوسة في الخلق ـ يكون المراد دفع المقتضى عن تأثيره في أصل تشريع الحكم وجعله فيها مع ثبوت المقتضى له منة على العباد وتوسعة عليهم ، وسيأتي بيان المراد من الحكم الذي كان له اقتضاء الجعل والتشريع في الحسد وأخويه.
    وفي غير « ما لا يعلمون » من الخمسة الاخر ـ وهي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يطيقون وما اضطروا إليه ـ يكون المراد دفع تأثير المقتضى عن شمول الحكم واطراده لحال النسيان والاضطرار والإكراه والخطأ و ما لا يطاق ، فتكون نتيجة الدفع تخصيص الحكم بما عدا هذه الموارد ، وسيأتي أن التخصيص في ذلك يكون من التخصيص الواقعي وليس من التخصيص الظاهري.
    وفي « ما لا يعلمون » يكون المراد دفع مقتضيات الأحكام الواقعية عن تأثيرها في ايجاب الاحتياط ، مع أن ملاكاتها كانت تقتضي ايجاب الاحتياط (1).
    ويظهر من الشيخ ( قدس سره ) : أن « الدفع » من أول الأمر ورد على ايجاب الاحتياط ، لا أنه ورد على مقتضيات الأحكام الواقعية من حيث تأثيرها في ايجاب الاحتياط.
    قال ( قدس سره ) : « وحينئذ فنقول : معنى رفع أثر التحريم فيما لا يعلمون عدم ايجاب الاحتياط والتحفظ فيه الخ ».
    ولا يخفى ما فيه من المسامحة ، فان المراد من « الموصول » في قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ « رفع ما لا يعلمون » نفس الأحكام الواقعية ، لأنها هي
1 ـ أقول : ليس المراد نفي نفس المقتضيات الواقعية جزما ولا تأثيرها في الأحكام الواقعية كذلك ، بل المراد نفي « ما لا يعلمون » بالعناية ، باعتبار نفي تأثيرها الذي هو عين أثرها من إيجاب الاحتياط ظاهرا ، ومرجع كلام الشيخ ( قدس سره ) أيضا إلى ذلك ، فتدبر فيه.

(339)
المجهولة ، وما أريد من « الموصول » هو المرفوع ، فلابد وأن يرد الرفع على الحكم الواقعي (1) وإن كانت نتيجة رفعه عدم ايجاب الاحتياط ، لأنه لا يمكن رفعه حقيقة عن موطنه وهو عالم التشريع ، وإلا يلزم اختصاص الأحكام الواقعية بالعالمين بها ، وهو ينافي ما عليه أصول المخطئة.
    وورود الرفع على الأحكام الواقعية على وجه ينتج عدم ايجاب الاحتياط لا يمكن إلا بأن يراد دفع الأحكام الواقعية عن تأثير مقتضياتها في ايجاب الاحتياط ، وتكون النتيجة الترخيص الظاهري في ارتكاب الشبهة والاقتحام فيها.
    وتوضيح ذلك : هو أن أدلة الأحكام لما كانت قاصرة لأن تتكفل بيان وجود الأحكام في زمان الشك فيها ـ كما أن نفس الجعل والتشريع الأول للأحكام لا يمكن أن يتكفل لحال الشك فيها ـ فلابد من جعل ثانوي يكون هو المتكفل لبيان صورة الشك في الحكم من ثبوته وعدم ثبوته ، فيكون هذا الجعل الثانوي متمما للجعل الأولى ليس له ملاك يخصه ، نظير ما دل على اعتبار قصد التقرب في العبادات ، حيث إن الأمر الأولى لا يمكن أن يتكفل ببيان اعتبار ذلك ، بل لابد من جعل ثانوي يتكفل ببيان ذلك ويكون من متممات الجعل الأولى ، وقد تقدم في بعض المباحث السابقة : أنه في كثير من الموارد نحتاج إلى متمم الجعل بجعل ثانوي.
    والحكم الذي يتكفله الجعل الثانوي يختلف ، فقد يكون حكما واقعيا بإضافة قيد في المأمور به الواقعي ، مثل ما دل على اعتبار قصد التقرب ، ومثل ما
1 ـ أقول : الأولى أن يقال : لو كان المراد من « الرفع » الرفع الحقيقي كيف يعقل وروده عن الحكم الواقعي في ظرف الجهل به ؟ إذ العدم في ظرف الجهل بشيء يستحيل وروده على الشيء الملحوظ في الرتبة السابقة عن الجهل بنفسه ، فلا محيص من كون المراد به رفعه بالعناية ، ومرجعه إلى رفع أثره حقيقة ، فالرفع الحقيقي متوجه إلى إيجاب الاحتياط بدوا ، بلا توجيهه إلى « ما لا يعلمون » ولو بنينا على التصويب واختصاص الحكم بالعالمين ، فتدبر تعرف.

(340)
دل على اعتبار غسل المستحاضة قبل الفجر.
    وقد يكون حكما طريقيا ، مثل ما دل على وجوب السير للحج قبل الموسم.
    وقد يكون حكما ظاهريا ، وهو ما إذا اخذ الشك في الحكم الواقعي في موضوعه ، فان الحكم المجعول في ظرف الشك في الحكم الواقعي لا يمكن أن يكون حكما واقعيا ، بل لابد أن يكون حكما ظاهريا ، على اختلاف مفاده ، فقد يكون مفاده وضع الحكم الواقعي في موطن الشك بجعل ايجاب الاحتياط ، وقد يكون مفاده رفع الحكم الواقعي بلسان الحل والترخيص ، كقوله ـ عليه السلام « كل شيء لك حلال » أو بلسان الرفع ، كقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ « رفع عن أمتي تسعة أشياء » ومنها ما لا يعلمون.
    وهذا الاختلاف ينشأ عن اختلاف ملاكات الأحكام الواقعية ومناطاتها ، فقد يكون الملاك بمرتبة من الأهمية في نظر الشارع يقتضي جعل ايجاب الاحتياط في ظرف الشك تحرزا عن الوقوع في مخالفة الواقع.
    وقد لا يكون الملاك بتلك المثابة من الأهمية ، فللشارع الترخيص في ارتكاب الشبهة منة على العباد وتوسعة عليهم ، لأنه كان له التضييق عليهم بالزامهم على حفظ الملاكات بأي مرتبة كانت على أي وجه اتفق ولو بالاحتياط مطلقا في جميع موارد الشك ، ولكن الملة السهلة السمحة اقتضت عدم ايجاب الاحتياط ورفع تأثير المقتضيات والملاكات عن اقتضائها ايجاب الاحتياط ، ولازم ذلك : عدم المؤاخذة على الاقتحام في الشبهة لو صادف كونه مخالفا للواقع واتفق كون الشبهة من المحرمات الواقعية.
    وبذلك تمتاز البراءة الشرعية عن البراءة العقلية ، فان البراءة العقلية عبارة عن قبح المؤاخذة بلا بيان ، فالحكم العقلي من أول الأمر يتوجه على المؤاخذة واستحقاق العقوبة ، لأن استحقاق المؤاخذة والعقوبة من المدركات العقلية ليس من وظيفة الشارع وضعه ورفعه إلا بوضع ما يكون منشأ ذلك أو


(341)
رفعه ، كما أنه ليس من وظيفة العقل الحكم بجواز الاقتحام في الشبهة والترخيص في ارتكابها ، لأن ذلك من وظيفة الشارع. نعم : لازم حكم العقل بقبح المؤاخذة بلا بيان هو الترخيص في الارتكاب ، كما أن لازم حكم الشارع بالترخيص هو عدم المؤاخذة في الاقتحام ، فالبرائة الشرعية من أول الأمر تتوجه على جواز الارتكاب عكس البراءة العقلية.
    فتحصل مما ذكرنا : أن « الرفع » في الحديث المبارك بمعنى « الدفع » في جميع الأشياء التسعة ، ولا يلزم من ذلك تجوز ولا حمل اللفظ على خلاف ما يقتضيه ظاهره.
    وإن أبيت عن ذلك وجمدت على ما ينسبق إلى الذهن في بادئ الأمر : من أن العناية المصححة لورود الرفع على الشيء إنما هي باعتبار وجوده السابق ولا يكفي مجرد ثبوت مقتضى الوجود ، فيمكن الالتزام بذلك أيضا لوجود العناية المصححة لورود الرفع في جميع الأمور التسعة المذكورة في الحديث.
    أما في غير « ما لا يعلمون » من الثمانية الاخر فواضح ، فان الرفع قد أسند فيها إلى ما هو ثابت خارجا ، لوجود الخطأ والنسيان والاضطرار وغير ذلك خارجا ، فالرفع قد ورد على ما هو موجود في الخارج ، ولا منافاة بين ورود الرفع على المذكورات وبين بقائها على ما كانت عليه بعد ورود الرفع عليها ، لأن الرفع التشريعي لا ينافي الثبوت التكويني ، كما لا ينافي وجود الضرر خارجا مع نفيه تشريعا ، وسيأتي معنى الرفع التشريعي في المذكورات.
    وأما في « ما لا يعلمون » فقد يقال : إنه لا يمكن أن يكون الرفع فيه بمعناه ، فان المراد من « الموصول » نفس الحكم الشرعي ، فان كل الحكم في مورد الشك ثابت فلا يتصور رفعه إلا على سبيل النسخ ، وإن لم يكن ثابتا فلا يصح إسناد الرفع إليه ، لعدم سبق الوجود ، فلابد من جعل « الرفع » في قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ « رفع ما لا يعلمون » بمعنى « الدفع » هذا.
    ولكن يمكن ثبوت العناية المصححة لإسناد الرفع إلى الحكم من دون


(342)
أن يلزم النسخ أو التصويب. أما في الشبهات الموضوعية : فواضح ، فإنه في مورد الشك في خمرية الشيء يصح أن يقال : رفع الحكم بالحرمة عن المشكوك ، بلحاظ أن حرمة شرب الخمر قد ثبتت في الشريعة ، فصح أن يقال : رفعت حرمة شرب الخمر عن هذا المشتبه. وأما في الشبهات الحكمية : فيمكن أيضا فرض وجود العناية المصححة لاستعمال الرفع (1) فتأمل.
    ولكن هذا كله إتعاب للنفس وتبعيد للمسافة بلا ملزم ، فان استعمال « الرفع » بمعنى « الدفع » ليس بعزيز الوجود ، بل قد عرفت : أن الرفع حقيقة هو الدفع ، فيستقيم معنى الحديث المبارك بلا تصرف وتأويل.
    الأمر الثاني :
    قيل : إن دلالة الاقتضاء تقتضي تقديرا في الكلام ، لشهادة الوجدان والعيان على وجود الخطأ والنسيان في الخارج ، وكذا غير الخطأ والنسيان مما ذكر في الحديث الشريف ، فلابد من أن يكون المرفوع أمرا آخر مقدرا ، صونا لكلام الحكيم عن الكذب واللغوية.
    وقد وقع البحث والكلام في تعيين ما هو المقدر ، فقيل : إن المقدر هو المؤاخذة والعقوبة. وقيل : إنه عموم الآثار. وقيل : إنه أظهر الآثار بالنسبة إلى كل واحد من التسعة.
    والتحقيق : أنه لا حاجة إلى التقدير ، فان التقدير إنما يحتاج إليه إذا توقف تصحيح الكلام عليه ، كما إذا كان الكلام إخبارا عن أمر خارجي أو كان الرفع رفعا تكوينيا ، فلابد في تصحيح الكلام من تقدير أمر يخرجه عن الكذب. وأما إذا كان الرفع رفعا تشريعيا (2) فالكلام يصح بلا تقدير ، فان
1 ـ أقول : يكفي في العناية وجود الحكم المشكوك في الرتبة السابقة ، ويكون رفعه في الرتبة اللاحقة رفع مسبوق الوجود رتبة لا زمانا ، فتدبر.
2 ـ أقول : يا ليت أمثال هذه البيانات بتوقيع أو وحى ! إذ لو كان المراد من الرفع التشريعي تشريع رفع


(343)
الرفع التشريعي كالنفي التشريع ليس إخبارا عن أمر واقع بل إنشاء لحكم يكون وجوده التشريعي بنفس الرفع والنفي ، كقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ « لا ضرر ولا ضرار » وكقوله ـ عليه السلام ـ « لا شك لكثير الشك » ونحو ذلك مما يكون متلو النفي أمرا ثابتا في الخارج.
    وبالجملة : ما ورد في الأخبار مما سيق في هذا المساق سواء كان بلسان الرفع أو الدفع أو النفي إنما يكون في مقام تشريع الأحكام وإنشائها ، لا في مقام الإخبار عن رفع المذكورات أو نفيها حتى يحتاج إلى التقدير ، وسيأتي معنى الرفع التشريعي ونتيجته.
    والغرض في المقام مجرد بيان أن دلالة الاقتضاء لا تقتضي تقديرا في الكلام حتى يبحث عما هو المقدر.
    لا أقول : إن الرفع التشريعي تعلق بنفس المذكورات (1) فان المذكورات في الحديث غير « ما لا يعلمون » لا تقبل الرفع التشريعي ، لأنها من الأمور التكوينية الخارجية ، بل رفع المذكورات تشريعا إنما يكون برفع آثارها الشرعية ـ على ما سيأتي بيانه ـ ولكن ذلك لا ربط له بدلالة الاقتضاء وصون كلام الحكيم عن اللغوية والكذب ، بل ذلك لأجل أن رفع المذكورات في عالم التشريع هو رفع ما يترتب عليها من الآثار والأحكام الشرعية ، كما أن معنى « نفي الضرر » هو نفي الأحكام الضررية ، فتأمل جيدا.
هذه الأمور حقيقة فهو غلط ، وإن كان العرض جعل الشارع رفعها تنزيلا فهو يناسب مع الإخبارية أيضا ، وإن كان الغرض عدم جعلها في موارد أحكامه وتشريعاته فهو رفع حقيقي لهذه الأمور في دائرة أحكامه لا مطلقا ، فلا يخرج هذا الرفع أيضا عن التكوين ، غايته في مورد خاص ، إذ مرجع هذا المعنى إلى رفع الخطاء حقيقة في الشرعيات ، وهكذا ، فهو عين الرفع الحقيقي لها ، غاية الأمر لا مطلقا ، وهذا المعنى أيضا قابل للإخبارية ، فلا يبقى في البين إلا توهم تشريع الرفع بجعله غير ما ذكرنا ، وعليه بشرحه ، وهذا الذي لا نفهم له معنى محصلا.
1 ـ أقول : لا مجال لهذا الكلام ، إذ مرجع الرفع التشريعي إلى رفع الأمور الواقعية في عالم التشريع ، ومرجع هذا الرفع إلى رفع أثره ، وهذا عين قابلية الأمور التكوينية للرفع التشريعي ، فلا معنى لقوله توضيحا لمرامه « لا أقول » إلى آخره ، خصوصا لا يفهم فرق بين الرفع التشريعي وبين رفع المذكورات تشريعا ، فتدبر.


(344)
    الأمر الثالث :
    قيل : إن وحدة السياق تقتضي أن يكون المراد من « الموصول » في « ما لا يعلمون » الموضوع المشتبه ، لأن المراد من « الموصول » فيما استكرهوا وما اضطروا وما لا يطيقون ، هو الفعل الذي استكرهوا عليه أو اضطروا إليه أو لا يطيقونه ، فان هذه العناوين لا تعرض الأحكام الشرعية ، بل إنما تعرض الأفعال الخارجية ، ومقتضى وحدة السياق أن يكون المراد من « الموصول » في « ما لا يعلمون » أيضا الفعل الذي اشتبه عنوانه ، كالشرب الذي اشتبه كونه شرب التتن أو شرب الخمر ، فيختص الحديث المبارك بالشبهات الموضوعية ولا يعم الشبهات الحكمية ، مضافا إلى أنه لا جامع بين الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية بحيث يمكن أن يراد من « الموصول » معنى يعمها ، فان المرفوع في الشبهات الحكمية إنما هو نفس متعلق الجهل وما لا يعلمون ، وهو الحكم الشرعي (1) فاسناد الرفع إلى « الموصول » يكون من قبيل الإسناد إلى ما هو له ، لأن « الموصول » الذي تعلق الجهل به بنفسه قابل للوضع والرفع الشرعي. وأما الشبهات الموضوعية : فالذي تعلق الجهل به فيها أولا وبالذات إنما هو الموضوع الخارجي وبالتبع يتعلق بالحكم الشرعي ، والموضوع الخارجي بنفسه غير قابل للوضع والرفع الشرعي ، بل إسناد الرفع إليه يكون من قبيل الإسناد إلى غير ما هو له ، فمع قطع النظر عن وحدة السياق كان الأولى اختصاص الحديث
1 ـ أقول : محل البحث في أن متعلق الرفع في البقية أي شيء ؟ وذلك لا ينافي مع كون المرفوع بالأخرة حكم شرعي ، فالاختلاف في المتعلق يوجب خلاف السياق. والأولى في الجواب أن يقال : إن المراد من « الموصول » ما كان معروض وصفه حقيقة ، والفعل في الشبهات الموضوعية ما تعلق عدم العلم بنفسه ـ كما اضطروا إليه ـ بل تعلق عدم العلم بعنوانه ، وهو أيضا خلاف ظهور السياق ، وحينئذ الأمر يدور بين حفظ السياق من هذه الجهة فيحمل على الحكم أو حفظ السياق من حيث إرادة الفعل من « الموصول » وارتكاب خلاف السياق من جهة أخرى ، والعرف يرجح الأول ، فيحمل على الحكم في « ما لا يعلمون » فقط.

(345)
بالشبهات الحكمية ، إلا أن وحدة السياق تقتضي اختصاصه بالشبهات الموضوعية ، هذا.
    ولكن لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الضعف ، فان المرفوع في جميع الأشياء التسعة إنما هو الحكم الشرعي ، وإضافة الرفع في غير « ما لا يعلمون » إلى الأفعال الخارجية إنما هو لأجل أن الإكراه والاضطرار ونحو ذلك إنما يعرض الأفعال لا الأحكام ـ كما ذكر ـ وإلا فالمرفوع فيها هو الحكم الشرعي ، كما أن المرفوع في « ما لا يعلمون » أيضا هو الحكم الشرعي ، وهو المراد من « الموصول » والجامع بين الشبهات الحكمية والموضوعية.
    ومجرد اختلاف منشأ الجهل ـ وأنه في الشبهات الحكمية إنما يكون إجمال النص أو فقده أو تعارض النصين وفي الشبهات الموضوعية يكون المنشأ اختلاط الأمور الخارجية ـ لا يقتضي الاختلاف فيما أسند الرفع إليه ، فان الرفع قد أسند إلى عنوان « ما لا يعلم » ولمكان أن الرفع التشريعي لابد وأن يرد على ما يكون قابلا للوضع والرفع الشرعي ، فالمرفوع إنما يكون هو الحكم الشرعي ، سواء في ذلك الشبهات الحكمية والموضوعية ، فكما أن قوله ـ عليه السلام ـ « لا تنقض اليقين بالشك » يعم كلا الشبهتين بجامع واحد ، كذلك قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ « رفع عن أمتي تسعة أشياء » فتدبر.
    الأمر الرابع :
    قد عرفت : نتيجة الرفع في « ما لا يعلمون » وأنه بمعنى دفع مقتضيات الأحكام في تأثيرها لإيجاب الاحتياط ، من دون أن يمس الرفع فيه كرامة الحكم الواقعي بوجه من الوجوه من حيث الوجود والفعلية ، فلا نسخ ولا تصويب ولا صرف.
    وأما النتيجة في غير « ما لا يعلمون » فبالنسبة إلى رفع الحسد والطيرة والوسوسة في الخلق ، سيأتي البحث عنه. وأما بالنسبة إلى الخمسة الاخر : من
فوائد الاصول ـ الجزء الثالث ::: فهرس