|
|||
(241)
فيما تقدم من أدلة الزيادة.
فما في بعض الكلمات : من أن الزيادة التشريعية لا تقتضي البطلان واضح الفساد ، لصدق الزيادة على الزيادة التشريعية ، فيعمها قوله ـ عليه السلام ـ « من زاد في المكتوبة فعلية الإعادة ». هذا إذا لم يقصد الامتثال بمجموع الزائد والمزيد فيه ، وإلا فلا إشكال في البطلان ، لعدم قصد امتثال الامر. هذا إذا لم تكن الزيادة من سنخ الاجزاء. وإن كانت من سنخها ، فان كانت من سنخ الأقوال ـ كالقراءة والتسبيح ـ فيعتبر في صدق الزيادة عليها قصد الجزئية بها ، وإلا كان ذلك من الذكر والقرآن الغير المبطل. وإن كان من سنخ الافعال ـ كالقيام والسجود ـ فالظاهر أنه لا يعتبر في صدق الزيادة عليها يقصد الجزئية ، فان السجود الثالث يكون زيادة في العدد المعتبر من السجود في الصلاة في كل ركعة ولو لم يقصد بالسجود الثالث الجزئية. يرتبط بالصلاة كي يصدق أنه زاد فيه بحيث تكون الصلاة مزيدا فيه. نعم : مع قصد الجزئية ربما ينصرف أخبار الزيادة حينئذ إلى ما اعتبرت جزء للصلاة ، فلا يصدق الزيادة حينئذ بالنسبة إلى جزء الجزء ، فضلا عما ليس من سنخ الاجزاء. ومن هنا نقول : إنه قصد سورة وقرء مقدارا منها فله أن يبدله بسورة أخرى ، بل له تكرار السورة ، بل الحمد ، لو كان المعتبر في جزئية الصلاة مجموع الحمد والسورة ، كما لا يخفى. ومما ذكرنا أيضا ظهر فساد ما أفيد : من عدم احتياج زيادة الافعال إلى قصد الجزئية ، لما تقدم أنه ما لم يقصد الجزئية لا يرتبط بالصلاة كي يصدق زيادة فيه. وتوهم : صدق الزيادة على العدد المعتبر في الصلاة ، مدفوع بأنه مضافا إلى صدق هذا المعنى على القراءة المأتية لا بقصد الجزئية لأنه زيادة على العدد المعتبر في الصلاة أيضا ـ ولم يقل به أحد ـ أن الزيادة على العدد في صلاته غير الزيادة في نفس الصلاة ، إذ الصلاة في الأول ظرف للزيادة على العدد لا أنها مزيد فيها ، وفي الثانية تكون الصلاة مزيدا فيها ، والمنصرف من أدلة الزيادة هو الثاني لا الأول ، ومن المعلوم : أن هذا المعنى من الزيادة يحتاج إلى قصد الجزئية ، كما هو ظاهر ، فتدبر. (242)
نعم : لا يبعد عدم صدق الزيادة مع قصد الخلاف ، كما إذا قصد بالسجود الثالث سجدة العزيمة أو سجدة الشكر ، فإنه لا يقال : « إن المكلف زاد في صلاته سجدة الشكر » بل يقال : « إنه سجد سجدة الشكر أو العزيمة في أثناء صلاته ».
هذا ، ولكن يظهر من التعليل الوارد في بعض الأخبار الناهية عن قراءة العزيمة في الصلاة : من أن السجود زيادة في المكتوبة ، أنه لا يعتبر في صدق الزيادة عدم قصد الخلاف ، بل الاتيان بمطلق ما كان من سنخ أفعال الصلاة يكون زيادة في المكتوبة ، فيكون المنهي عنه في باب الزيادة معنى أعم من الزيادة العرفية. ولكن يمكن أن يقال : إن المقدار الذي يستفاد من التعليل هو صدق الزيادة على الفعل الذي لا يكون له حافظ وحدة ولم يكن بنفسه من العناوين المستقلة ، وأما إذا كان المأتي به في أثناء الصلاة من العناوين المستقلة بنفسه ـ كما إذا أتى المكلف بصلاة أخرى في أثناء صلاة الظهر ـ فالظاهر أنه لا يندرج في التعليل ، لان السجود والركوع المأتي بهما لصلاة أخرى لا دخل لهما بصلاة الظهر ولا يصدق على ذلك أنه زيادة في صلاة الظهر ، ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد في بعض الاخبار : من أنه لو ضاق وقت صلاة الآيات وخاف المكلف أنه لو أخرها إلى أن يفرغ من الصلاة اليومية يفوت وقتها صلى الآيات في أثناء صلاة اليومية ولا يجب عليه استينافها بعد الفراغ من صلاة الآيات بل يبني عليها ويتمها (1) وليس ذلك إلا من جهة عدم كون ذلك زيادة في الصلاة اليومية. وحينئذ يمكن التعدي عن مورد النص إلى عكس المسألة ، وهو ما إذا 1 ـ راجع الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 3 و 4. لكن مفاد أحاديث الباب هو إتيان صلاة اليومية أثناء الآيات ، لا العكس ، فتأمل ( المصحح ). (243)
تضيق وقت صلاة اليومية في أثناء صلاة الآيات ، فيمكن أن يقال : إنه يأتي باليومية في أثناء صلاة الآيات ولا تبطل بذلك ، فان بطلان صلاة الآيات إما أن يكون لأجل الزيادة وإما لأجل فوات الموالاة ، أما الزيادة : فالمفروض عدم صدقها على ما كان له عنوان مستقل ، وأما فوات الموالاة : فلا ضير فيه إذا كان ذلك لأجل تحصيل واجب أهم.
وعلى هذا يبتنى جواز الاتيان بسجدتي السهو من صلاة في أثناء صلاة أخرى إذا سهى المكلف عنهما في محلهما وتذكر بعدما شرع في صلاة أخرى ، بناء على وجوب سجود السهو فورا ، والمسألة فقهية لا ينبغي تطويل الكلام فيها في المقام ، وقد استقصينا البحث عن ذلك في كتاب الصلاة. ـ الامر الثاني ـ
لو تعذر أحد القيود الوجودية أو العدمية للمأمور به باضطرار ونحوه ، ففي سقوط التكليف عن المقيد وعدمه وجهان ، بل قولان : مبنيان على ثبوت القيدية في حال التعذر ، أو اختصاصها بحال التمكن ، وتحقيق الكلام في ذلك يستدعي تحرير محل النزاع.
فنقول : قد تقدم في الامر السابق أنه لا يمكن انتزاع الجزئية والشرطية من الأوامر النفسية ، فان أقصى ما يقتضيه الامر النفسي هو وجوب ما تعلق به ، وأما كونه جزء أو شرطا للمأمور به فلا يمكن أن يفيده الامر النفسي ، فالجزئية والشرطية لا ينتزعان إلا من الأوامر الغيرية (1). وأما المانعية : فيمكن انتزاعها من النهي الغيري والنهي النفسي ، كما في 1 ـ أقول : قد تقدم سابقا بأن الأوامر الغيرية أيضا لا يصلح أن يكون منشأ انتزاع الجزئية أو الشرطية ، بل المنشأ ليس إلا الامر النفسي المتعلق بالمركب أو المقيد ، وربما يكشف عنه الأوامر الغيرية أو الارشادية ، كما لا يخفى. (244)
باب النهي عن العبادة وكما في باب اجتماع الأمر والنهي بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي ، فإنه يكون من صغريات النهي عن العبادة على أحد الوجهين في تحرير المسألة ـ كما سيأتي الإشارة إليهما ـ ولا إشكال في دخول المانعية المنتزعة من النواهي الغيرية في محل النزاع ، كدخول الجزئية والشرطية فيه.
وأما المانعية المنتزعة من النواهي النفسية : ففي دخولها في محل النزاع إشكال ، ينشأ من أن السبب الموجب لمانعية متعلق النهي هل هو نفس النهي ؟ أو ملاكه ؟ فعلى الأول : تخرج المانعية المنتزعة من النهي النفسي عن حريم النزاع في المقام ، وعلى الثاني تدخل فيه. وتوضيح ذلك : هو أن النهي النفسي الذي يقتضي المانعية إما أن يكون هو النهي في باب النهي عن العبادة كالنهي عن الصلاة في الحرير ـ بناء على أن تكون مانعية الحرير لمكان حرمة لبسه ـ وإما أن يكون هو النهي في باب اجتماع الأمر والنهي. فان كان الأول ، فتارة : تكون المانعية مسببة عن نفس النهي المتعلق بالحرير ومعلولة لحرمة لبسه. وأخرى : تكون مسببة عن ملاك النهي ومعلولة للمفسدة التي أوجبت حرمة لبس الحرير ، فيكون النهي والمانعية معلولي علة ثالثة. فعلى الأول : تدور المانعية مدار وجود النهي وتسقط بسقوطه لا محال ، لأنه لا يعقل بقاء المعلول مع زوال علته ، فلو اضطر إلى لبس الحرير أو أكره عليه أو نحو ذلك من الأسباب التي توجب رفع النهي عن لبس الحرير ، فالمانعية أيضا ترتفع بتبع رفعه وتصح الصلاة فيه ، وعلى هذا تخرج المانعية المنتزعة من النهي عن العبادة عن حريم النزاع ، فان المانعية إنما كانت لأجل أن النهي عن الشيء لا يجتمع مع الامر به ، لما بينهما من المضادة ، فلابد من تقييد الامر بالصلاة مثلا بما عدا مورد النهي ، فإذا ارتفع النهي بأحد موجباته يبقى إطلاق الامر بالصلاة على حاله كأن لم يكن في البين نهي من أول الامر ، فلا موجب لتوهم سقوط (245)
الامر بالصلاة عند تعذر القيد والاضطرار إلى لبس الحرير مثلا ، وذلك واضح.
وعلى الثاني : لا تدور المانعية مدار وجود النهي ، فان المانعية إنما كانت معلولة لملاك النهي ، وسقوط النهي بالاضطرار أو الاكراه لا يوجب ارتفاع الملاك الذي اقتضى النهي عن لبس الحرير ، فإنه ليس للقدرة دخل في الملاك ، فلا موجب لارتفاع المانعية بارتفاع النهي ، بل لابد من بقائها لبقاء علتها وهي ملاك النهي ، وعلى هذا تكون المانعية المنتزعة من النهي عن العبادة كالمانعية المنتزعة من النهي الغيري داخلة في حريم النزاع في المقام ، فإنه يصح البحث عن أن الاضطرار إلى لبس الحرير في الصلاة هل يوجب سقوط الامر الصلاتي رأسا ؟ على تقدير أن تكون المانعية مطلقة تعم صورة التعذر ، أو أنه لا يوجب سقوط الامر الصلاتي ؟ على تقدير اختصاصها بصورة التمكن ، وهذا كله مما لا إشكال فيه. إنما الاشكال فيما فهو الصحيح من الوجهين ، فالمحكي عن المشهور : أن سقوط النهي يوجب سقوط المانعية ، وعلى بنوا جواز الصلاة في الحرير عند الاضطرار إلى لبسه ، وهذا لا يستقيم إلا بجعل المانعية مسببة عن نفس النهي لا عن ملاكه. ولكن الانصاف : أنه لا يمكن المساعدة على ذلك (1) بل الوجه الصحيح 1 ـ أقول : من التزم بمانعية النهي لوجود الامر بالصلاة بمناط المضادة له أن لا يلتزم بالمقدمية ، بل يدعي الملازمة بينهما ، وتعبيره بالمانعية بنحو من العناية ، فلا بأس حينئذ أن يلتزم بمجئ الامر بمحض سقوط النهي ، كما أنه لو التزم بالتقيد بعدم النهي لا يكون لازما الالتزام بالتقيد بالملاك ، بل كان نفس النهي الفعلي كافيا في القيدية ، وحينئذ لا يكون منشأ تقيد الامر الصلاتي به صرف مضادة الامر مع النهي ، بل الدليل الشرعي أوجب مثل هذا التقيد المستلزم لتأخر رتبة الامر عن النهي ، بل وتقيد مناط الامر بعدم النهي الفعلي ، لا بعدم ملاك النهي ، كما لا يخفى. ولعمري ! انه لا أرى من هذه الكلمات إلا مصادرات محضة. (246)
هو أن تكون المانعية معلولة للملاك لا للنهي ، فإنه لو كان وجود النهي سببا للمانعية وكان تقييد الامر الصلاتي بما عدا الحرير من لوازم وجود النهي يلزم أن يكون ارتفاع أحد الضدين مقدمة لوجود الضد الآخر وبالعكس ، فإنه لا وجه لتقيد الامر الصلاتي بما عدا مورد النهي إلا لما بين الأمر والنهي من المضادة ، فلو كان ارتفاع النهي باضطرار ونحوه يقتضي زوال المانعية وعود إطلاق الامر وشموله لمورد النهي ، كان ذلك عين القول بمقدمية عدم أحد الضدين لوجود الضد الآخر ومقدمية وجود أحدهما لعدم الآخر ، لان ارتفاع النهي يصير مقدمة لوجود الامر ، ووجود النهي يصير مقدمة لعدم الامر ، وهذا ينافي ما بنوا عليه في مبحث الضد : من إنكار المقدمية في الضدين من الجانبين ، وكأن المشهور غفلوا عما يترتب على مقالتهم : من كون المانعية معلولة لوجود النهي.
فاللازم بناء على إنكار المقدمية في الضدين هو أن تكون المانعية معلولة لملاك النهي ، فلا يكون زوال النهي سببا لزوال المانعية وعود الامر ، بل المانعية تبقى ببقاء علتها. هذا كله في المانعية المنتزعة من النهي عن العبادة. وأما المانعية المنتزعة من النهي في باب اجتماع الأمر والنهي ، فخلاصة الكلام فيها هي : أن البحث عن اجتماع الأمر والنهي يقع في مقامين : الأول : في أنه هل يلزم من تصادق عنوان المأمور به والمنهي عنه في مورد أن يتعلق الامر بعين ما تعلق به النهي وبالعكس ؟ أو أنه لا يلزم من تصادق العنوانين تعلق كل منهما بعين ما تعلق به الآخر ؟ فيكون النزاع في هذا المقام صغرويا راجعا إلى أصل اجتماع الأمر والنهي وعدمه بعد الفراغ عن امتناع اجتماعهما لما بينهما من المضادة. المقام الثاني : في أنه عند وجود المندوحة والقدرة على إيجاد متعلق الامر في مورد لا يجتمع معه متعلق النهي وبالعكس هل يجب تخصيص إطلاق الامر بما عدا الفرد المجامع لمتعلق النهي ؟ أو تخصيص إطلاق النهي بما عدا الفرد المجامع (247)
لمتعلق الامر ؟ أو أنه لا يجب ذلك بل يبقى إطلاق كل من الأمر والنهي على حاله ؟ ولا يخفى أن البحث عن المقام الثاني إنما يصح بعد البناء على أن تصادق العنوانين لا يقتضي أن يتعلق الامر بعين ما تعلق به النهي فلا يلزم اجتماع الضدين ، وإلا سقط البحث عن المقام الثاني بالمرة ، بداهة أنه لو بنينا في المقام الأول على الامتناع وأنه يلزم من تصادق العنوانين اجتماع الضدين ، فلا يبقى مجال للبحث عن أن وجود المندوحة يقتضي تقييد الاطلاق أو لا يقتضيه ، فان وجود المندوحة وعدمه لا دخل له باجتماع الضدين وعدمه ، لاستحالة الامر بالضدين ولو فرض محالا قدرة المكلف على الجمع بينهما ، لأنه لا يمكن ثبوتا تعلق الإرادة والكراهة والحب والبغض في شيء واحد ، وقد أوضحنا الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه في مبحث اجتماع الأمر والنهي.
فلو بنينا على عدم كفاية تعدد الجهة وأنه يلزم من تصادق العنوانين أن يتعلق الامر بعين ما تعلق به النهي ، فلا محيص عن القول بتخصيص إطلاق الامر أو النهي بما عدا الفرد المجامع لمتعلق الآخر ، لكي لا يلزم اجتماع الضدين. وحينئذ لو قدمنا جانب النهي ـ إما لكون دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، وإما لكون الاطلاق فيه شموليا وإطلاق الامر بدليل والاطلاق الشمولي مقدم على الاطلاق البدلي ، أو غير ذلك من الوجوه التي ذكروها لتقديم إطلاق النهي وتخصيص إطلاق الامر بما عدا الفرد المجامع للمنهي عنه ـ فيكون النهي في باب اجتماع الأمر والنهي من صغريات النهي عن العبادة (1) 1 ـ أقول : لو كان موضوع البحث في النهي في العبادة اقتضاء النهي بوجوده الواقعي للفساد ، لا يكون ذلك إلا بتقيد مناط الامر بمورد النهي ، وحينئذ لا يكاد دخول النهي بمناط استحالة الاجتماع مع الامر في هذا الباب ، لبداهة عدم اقتضاء البرهان في هذا الباب تقيد المصلحة بغير مورد النهي ، ولذا نقول : إن النهي في باب الاجتماع ـ على القول بالاستحالة ـ بوجوده الواقعي لا يقتضي الفساد ، بل الفساد من لوازم تنجزه ، وبذلك يمتاز المسألتين عن الآخر ، ولا ربط لأحدهما بغيره ، فتدبر. (248)
فإنه لا فرق بين أن يتعلق النهي بالعبادة أولا وبالذات وبين أن يتعلق بشيء آخر يتحد مع العبادة وجودا ، فيسري النهي منه إلى العبادة ، وعلى هذا يكون حكم المانعية المنتزعة من النهي في باب اجتماع الأمر والنهي حكم المانعية المنتزعة من النهي في باب النهي عن العبادة ، ويأتي فيها الكلام السابق : من أن المانعية معلولة للنهي أو لملاكه ؟ فعلى الأول : لا تدخل في محل النزاع في المقام ، وعلى الثاني : تدخل ، بالبيان المتقدم. هذا إذا كان البحث في مسألة اجتماع الأمر والنهي عن المقام الأول.
وإن كان البحث فيها عن المقام الثاني ، وهو أن وجود المندوحة هل يقتضي بقاء الاطلاق في كل من طرف الأمر والنهي ؟ كما ذهب إليه بعض الاعلام ، أو أن وجود المندوحة لا يقتضي ذلك ؟ بل لابد من تقييد أحد الاطلاقين كما هو المختار ، فان غائلة التكليف بما لا يطاق لا ترتفع بوجود المندوحة ، كما أوضحناه في محله. فعلى الأول : يخرج عن موضوع البحث في المقام ، فان النهي لا يستتبع المانعية حتى يبحث عن أنها مقصورة بصورة التمكن أو تعم صورة التعذر أيضا ؟. وعلى الثاني : فان قلنا بتخصيص إطلاق النهي فلا كلام أيضا ، لأنه في مورد الاجتماع لا نهي حتى يبحث عما يستتبعه من المانعية. وإن قلنا بتخصيص إطلاق الامر ـ كما هو الحق ـ فالنهي في مورد الاجتماع وإن كان يستتبع المانعية ، إلا أن المانعية حينئذ تدور مدار وجود النهي وترتفع بارتفاعه باضطرار أو إكراه أو نحوها (1) ولا يتمشى فيها الكلام السابق : من أن المانعية 1 ـ أقول : بناء على عدم سراية الامر إلى مورد النهي ـ كما هو مبنى الكلام ـ فيصير المورد من قبيل المتضادين ، فنتيجة تخصيص الامر بالنهي يقتضي سقوط الامر الفعلي ، وأما مقام محبوبية العبادة فلا يكاد يسقط بالنهي عن عنوان آخر مجامع معه ، وحينئذ فعلى التحقيق : من كفاية صرف محبوبية الشيء في التقريب العبادي ، لا يوجب مثل هذا النهي الفعلي بطلان عبادته ، فمن أين حينئذ مجال انتزاع المانعية (249)
معلولة للنهي أو للملاك ؟ بل هي تتبع تنجز النهي فضلا عن وجوده ، فان تقديم النهي على هذا الوجه ليس لأجل تخصيص إطلاق الامر واقعا بما عدا الفرد المجامع للمنهي عنه ، بحيث لا يكون في الفرد المجامع ملاك الامر ـ كما هو الشأن في باب النهي عن العبادة ـ بل تقديم النهي إنما كان لأجل وقوع المزاحمة بينه وبين النهي ، فإذا سقط النهي يبقى الاطلاق في طرف الامر بلا مزاحم ـ كما هو الشأن في جميع موارد التزاحم ـ وحينئذ تخرج المانعية المنتزعة من النهي في باب اجتماع الأمر والنهي عن حريم النزاع في المقام ، لان تعذر القيد لا يوجب سقوط الامر عن المقيد قطعا.
فتحصل من جميع ما ذكرنا : أن النهي النفسي المستتبع للمانعية إن كان هو النهي في باب النهي عن العبادة أو في باب اجتماع الأمر والنهي على الوجه الأول ، كان اللازم بقاء المانعية عند سقوط النهي لاضطرار ونحو. وإن كان هو النهي في باب اجتماع الأمر والنهي على الوجه الثاني ، فالمانعية تدور مدار وجود النهي وتسقط بسقوطه. إذا عرفت ذلك : فلنرجع إلى محل البحث من أن تعذر القيد هل يقتضي سقوط المقيد رأسا أو لا ؟. والكلام في ذلك يقع في مقامين : المقام الأول : فيما تقتضيه القاعدة الأولية في باب القيود. المقام الثاني : في قيام الدليل على خلاف القاعدة. أما المقام الأول : فحاصل الكلام فيه : هو أن القيدية تارة : تستفاد من نفسا الامر بالمركب عن مثل هذا النهي ؟ كي يدور مدار وجوده. (250)
بما له من القيود والشرائط من دون أن يكون للقيد أمر يخصه ، بل كان هناك أمر واحد تعلق بعدة أمور على اختلاف في كيفية التعلق : من جزئية بعض وشرطية آخر ومانعية ثالث. وأخرى : تستفاد القيدية من أمر آخر تعلق بنفس القيد غير الامر الذي تعلق بالمركب ، كما إذا ورد عقيب الامر بالصلاة الامر بالسجود أو الطهارة فيها أو النهي عن لبس غير المأكول.
أما القسم الأول : فلا إشكال في سقوط الامر بالمقيد عند تعذر القيد ، إذ المفروض أنه ليس هناك إلا أمر واحد تعلق بالمجموع من القيد والمقيد ، وسقوط الامر الواحد بسقوط بعض قيود متعلقه بديهي لا يحتاج إلى البيان. نعم : يمكن أن يتعلق بالباقي أمر آخر بعد سقوط الامر الأول ، وسيأتي البحث فيه في المقام الثاني. وأما القسم الثاني : وهو ما إذا كان للقيد أمر يخصه ، فتارة : يكون للامر المتعلق به إطلاق شامل لصورة التمكن منه وعدمه. وأخرى : لا يكون للامر إطلاق ، بل كان الامر المتعلق بالمقيد مطلقا شاملا لصورة التمكن من القيد وعدمه. وثالثة : لا يكون لكل من الامر بالقيد والمقيد إطلاق ، بل كان كل منهما مجملا بالنسبة إلى حالة التمكن من القيد وعدمه. فان كان لدليل القيد إطلاق لصورة التمكن منه وعدمه ، فلا إشكال في اقتضاء الاطلاق ثبوت القيدية حتى في صورة تعذر القيد ، ويلزمه سقوط الامر بالمقيد عند تعذره ، فلا يجب فعل المقيد خاليا عن القيد ، إلا أن يثبت وجوبه بأمر آخر : من أصل أو قاعدة ـ على ما سيأتي بيانه ـ وهذا من غير فرق بين أن يكون للامر المتعلق بالمقيد إطلاق أو لم يكن ، فإن إطلاق دليل القيد حاكم على إطلاق دليل المقيد ، كحكومة إطلاق القرينة على ذيها. وإن كان للامر المتعلق بالمقيد إطلاق يعم صورة التمكن من القيد وعدمه من دون أن يكون لدليل القيد إطلاق لذلك ، كما إذا قام الاجماع على اعتبار (251)
شئ في الصلاة وكان المتيقن منه اختصاصه بصورة التمكن من ذلك الشيء ، فالمرجع عند تعذر القيد هو الرجوع إلى إطلاق الامر بالمقيد ، فيجب فعله خاليا عن القيد.
وإن لم يكن لكل من الامر بالقيد والمقيد إطلاق ، فالمرجع عند تعذر القيد هي الأصول العملية ، وهي تقتضي عدم وجوب الفاقد للقيد ، لأصالة البراءة عن وجوبه ، إلا إذا قلنا بجريان الاستصحاب ، وسيأتي البحث عنه. ثم إن ما ذكرنا : من الرجوع إلى إطلاق دليل المقيد في صورة إجمال دليل القيد إنما يستقيم لو قلنا بوضع الألفاظ للأعم. وأما لو قلنا بوضعها للصحيح الجامع للشرائط والاجزاء ، فلا يصح الرجوع إلى إطلاق دليل المقيد ، لاحتمال أن يكون للقيد المتعذر دخل في الصحة ، فيكون اللفظ مجملا لا يصح الاخذ بإطلاقه ، وهذا هو الفارق بين الصحيح والأعم ، كما ذكر في محله. وكيف كان : فقد عرفت أن مقتضى إطلاق دليل القيد سقوط الامر بالمقيد عند تعذر القيد مطلقا ، من غير فرق بين القيود المستفادة من مثل قوله : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » و « لا صلاة إلا بطهور » وبين القيود المستفادة من مثل قوله : « اسجد في الصلاة » أو « لا تلبس الحرير فيها » وأمثال ذلك من الأوامر والنواهي الغيرية. وقد نسب التفصيل بين ذلك إلى الوحيد البهبهاني ـ قدس سره ـ فذهب إلى سقوط الامر بالمقيد عند تعذر القيد في الأول دون الثاني. ويمكن توجيهه بأن الامر الغيري المتعلق بالجزء أو الشرط مقصور بصورة التمكن من ذلك الجزء أو الشرط ، لاشتراط كل خطاب بالقدرة على متعلقه ، فلابد من سقوط الامر بالقيد عند عدم التمكن منه ويبقى الامر بالباقي الفاقد للقيد على حاله ، كما إذا لم يرد أمر بالقيد من أو الامر. وهذا بخلاف القيدية المستفادة من متل قوله : « لا صلاة إلا بفاتحة (252)
الكتاب » ونحوه ، فإنه لم يتعلق أمر بالفاتحة والطهور حتى يشترط فيه القدرة عليهما ، بل إنما أفيد قيدية الطهور والفاتحة بلسان الوضع لا التكليف ، فان معنى قوله : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » هو أنه لا تصح الصلاة إلا بالفاتحة ، ولازم ذلك سقوط الامر بالصلاة عند تعذر الفاتحة ، لعدم تمكن المكلف من إيجاد الصلاة الصحيحة عند عدم تمكنه من الفاتحة أو الطهور ، هذا غاية ما يمكن أن يوجه به كلام الوحيد ـ رحمه الله ـ من التفصيل بين القيود.
ولا يخفى ما فيه ، فان القدرة إنما تعتبر في متعلقات التكاليف النفسية لكونها طلبا مولويا وبعثا فعليا نحو المتعلق ، والعقل يستقل بقبح تكليف العاجز ، بل لو فرض عدم استقلال العقل بذلك وقلنا بمقالة الأشاعرة : من جواز التكليف بما لا يطاق ، كان نفس الخطاب يقتضي القدرة على متعلقه في التكاليف النفسية ، لان التكليف النفسي يكون تحريكا وبعثا لإرادة المكلف نحو أحد طرفي المقدور : من الفعل أو الترك ، فكل خاطب يتضمن البعث والتحريك يتضمن القدرة لا محالة. وهذا بخلاف الخطابات الغيرية المتعلقة بالاجزاء والشرائط (1) فإنه يمكن أن يقال : إن مفادها ليس إلا الارشاد وبيان دخل متعلق الخطاب الغيري في متعلق الخطاب النفسي ـ كما هو الشأن في الخطابات الغيرية في باب الوضع والأسباب والمسببات ـ حيث إن مفادها ليس إلا الارشاد إلى دخل المتعلق في حصول المسبب ، ففي الحقيقة الخطابات الغيرية في باب التكاليف وفي باب الوضع تكون بمنزلة الاخبار ، من دون أن يكون فيها بعث وتحريك للإرادة حتى تقتضي القدرة على المتعلق. 1 ـ أقول : في اشتراط القدرة بحكم العقل لا يفرق بين الامر الغيري والنفسي. نعم : في الأوامر الارشادية لا يشترط القدرة ، وإرجاع أحدهما إلى الآخر غير وجيه ، بل لابد لهذا المجيب أن ينكر الغيرية ويثبت الارشادية ، لا أن يخلط أحدهما بالآخر. (253)
ثم إنه لو سلم الفرق بين الخطابات الغيرية في باب متعلقات التكاليف وفي باب الوضعيات وأنها في التكاليف تتضمن البعث والتحريك ، فلا إشكال في أنه ليس في آحاد الخطابات الغيرية ملاك البعث المولوي (1) وإلا خرجت عن كونها غيرية ، بل ملاك البعث المولوي قائم بالمجموع ، فالقدرة إنما تعتبر أيضا في المجموع لا في الآحاد ، وتعذر البعض يوجب سلب القدرة عن المجموع ، ولازم ذلك سقوط الامر من المجموع لا من خصوص ذلك البعض ، لان تعذر البعض يقتضي تعذر استيفاء الملاك القائم بالمجموع ، فلا فرق بين القيدية المستفادة من مثل قوله ـ عليه السلام ـ « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » والقيدية المستفادة من الامر أو النهي الغيري.
فظهر : أن مقتضى القاعدة الأولية سقوط الامر بالمقيد عند تعذر بعض قيوده إن لم يكن لدليل المقيد إطلاق يمكن التمسك به ، من غير فرق بين أن يكون لدليل القيد إطلاق أو لم يكن. المقام الثاني : في قيام الدليل على خلاف ما اقتضته القاعدة الأولية. ومجمل الكلام فيه : هو أنه ربما يتمسك لوجوب ما عدا القيد المتعذر بالاستصحاب وبقاعدة الميسور. 1 ـ أقول : إنه ليس في هذا الكلام إلا مصادرة محضة ! بل كل أمر مستقل مولوي نفسيا كان أم غيريا يقتضي بعثا مستقلا محتاجا إلى قدرة على متعلقه محضا ، لان نتيجة الامر بكل مقدمة ليس إلا سد باب عدم ذيها من قبله ، وحينئذ بعدم القدرة عليه يسقط هذ الامر. نعم : لولا ظهور الخطاب في دخل المأمور به بالامر الغيري بنحو الاطلاق في المأمور به بأمر آخر نفسي ، كان لاطلاق الامر النفسي بالمقيد مجال. ولكن الذي يسهل الخطب ظهور الخطابات الغيرية ولو بمادتها في دخل المتعلق بنحو الاطلاق في المقيد ، فلا يفي حينئذ سقوط الامر الغيري لاثبات الامر بالبقية بتوسيط خطابه ، كما لا يخفى. (254)
أما الاستصحاب : فسيأتي الكلام فيه.
وأما القاعدة : فالمدرك فيها هو قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » (1) وقوله ـ عليه السلام ـ « الميسور لا يسقط بالمعسور » (2) وقوله ـ عليه السلام ـ « ما لا يدرك كله لا يترك كله » (3). واشتهار هذه الروايات بين الأصحاب يغني عن التكلم في سندها ، فالمهم هو بيان مقدار دلالتها. أما قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ « إذا أمرتكم بشيء » الخبر ، فيشكل دلالته على ما نحن فيه : من وجوب الباقي عند تعذر بعض الاجزاء أو الشرائط ، فان المراد من الشيء المأمور به بقرينة المورد هو الكلي الذي له أفراد طولية لا الكل المركب من الاجزاء ، فإنه ورد في الحج عند سؤال بعض الصحابة عن وجوبه في كل عام وإعراضه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عن الجواب حتى كرر السائل سؤال مرتين أو ثلاث ، فقال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ « ويحك ! وما يؤمنك أن أقول نعم ، والله ! لو قلت نعم لوجب ، ولو وجب ما استطعتم » إلى أن قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ « فإذا أمرتكم بشيء فأتوا من ما استطعتم » الخبر. والمعنى « إذا أمرتكم بشيء كلي تحته أفراد فاتوا من تلك الافراد بقدر استطاعتكم » فيدل على استحباب الافراد الممكنة أو وجوبها ، ولا دلالة على وجوب الاجزاء الممكنة من المركب ، فان ذلك لا يناسب المورد وجهة السؤال. وتوهم : أنه يمكن أن يكون المراد من « الشيء » الأعم من الكل والكلي ، والمعنى « إذا أمرتكم بشيء ذي أجزاء أو ذي أفراد فأتوا من تلك الأجزاء أو الافراد بقدر ما استطعتم » فاسد ، إذ لا جامع بينهما ، فان لحاظ الافراد يباين لحاظ 1 ـ عوالي اللئالي : ج 4 ص 58 مع اختلاف يسير. 2 ـ عوالي اللئالي : ج 4 ص 58 مع تفاوت يسير. 3 ـ عوالي اللئالي : ج 4 ص 58. (255)
الاجزاء ولا يصح استعمال كلمة « من » في الأعم من الاجزاء والافراد ، وإن صح استعمال « الشيء » في الأعم من الكل والكلي (1).
فالانصاف : أن مورد الرواية يوجب وهن دلالتها على ما نحن فيه وإن كان لها ظهور في ذلك مع قطع النظر عن المورد ، فان كلمة « من » ظاهرة في التبعيض ، واحتمال أن تكون بيانية أو بمعنى الباء بعيد ، إلا أنه يقرب هذا الاحتمال مورد الرواية. وأما قوله ـ عليه السلام ـ « الميسور لا يسقط بالمعسور » فظهوره فيما نحن فيه مما لا يكاد يخفى ، إذ ليس فيه ما يوجب حمله على الميسور من الافراد ، بل ظاهره أن ميسور كل شيء لا يسقط بمعسوره ، والمراد من عدم سقوط الميسور عدم سقوطه بما له من الحكم الوجوبي أو الاستحبابي ، نظير قوله ـ عليه السلام ـ في أخبار الاستصحاب : « لا تنقض اليقين بالشك » فان معناه عدم نقض المتيقن بما له من الحكم بالشك ، ومن هنا يجري الاستصحاب في التكاليف الوجوبية والاستحبابية ، فالقاعدة تعم كلا من ميسور الواجب والمستحب. وبذلك يندفع ما ربما يتوهم : من عدم عموم القاعدة للتكاليف الوجوبية والاستحبابية ، فإنه إن أريد من النفي خصوص الاستحباب أو مطلق الرجحان فرجحان الميسور لا يلازم وجوبه ، وإن أريد من النفي خصوص الوجوب خرجت التكاليف الاستحبابية عن عموم القاعدة. وأما قوله ـ عليه السلام ـ « مالا يدرك كله لا يترك كله » فلا يبعد أيضا أن يكون المراد من الموصول الأعم من الكل والكلي ، بل ربما يقال بظهوره في 1 ـ أقول : تصور الجامع بلحاظ تبعض حصص الطبيعي في أفراده ، فإذا أريد من الشيء الأعم من الكل والكلي ، فلا بأس بإرادة التبعيض من الكلي بلحاظ حصصه الموجودة في ضمن أفراده والتبعيض من الكل من الاجزاء المندرجة في ضمنه ، وتطبيق العام على مورد خاص أيضا لا يوجب تخصيص العام به ، فتأمل. |
|||
|