|
|||
(571)
بل لابد وأن يحصل فيها تغير واختلاف يوجب الشك في بقائها ، وعلى هذا يشكل إحراز اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة في كثير من الموارد (1) ولذلك اشتهر بين المتأخرين : « ان الموضوع في باب الاستصحاب إنما يؤخذ من العرف لا من العقل ولا من دليل الحكم » وتوضيح البحث في ذلك يستدعي تقديم أمور :
الأول : محل الكلام والاشكال إنما هو في الاستصحابات الحكمية ، وأما الاستصحابات الموضوعية : فالغالب فيها اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة موضوعا ومحمولا ، ولا يتفاوت الحال فيها بين أخذ الموضوع من العرف أو العقل أو الدليل ، ففي مثل استصحاب حياة زيد أو قيام عمرو تكون القضية المشكوكة عين القضية المتيقنة عقلا وعرفا ودليلا ، فلا يختلف العرف والعقل فيها. نعم : قد يتفق في بعض الاستصحابات الموضوعية اختلاف العرف والعقل في اتحاد القضيتين ، كما في استصحاب كرية الماء إذا نقص منه مقدار يشك في بقائه على الكرية ، وكما في استصحاب الزمان والزماني المبني على التقضي والتصرم ، فان القضية المشكوكة تباين القضية المتيقنة عقلا ولا تباينها عرفا ، بالبيان المتقدم في استصحاب الليل والنهار. وهذا بخلاف الاستصحابات الحكمية ، فان الغالب فيها اختلاف القضيتين (2) لأن الشك في بقاء الحكم مع بقاء الموضوع على ما كان عليه من الخصوصيات 1 ـ أقول : في كل مورد يكون الشك في بقاء المحمول من جهة الشك في علته الخارجة عن موضوعه ومعروضه لا يضر ذلك بالشك في بقاء ما تيقن حقيقته موضوعا ومحمولا ، بل القضية المشكوكة حينئذ عين القضية المتيقنة ، فتدبر. 2 ـ أقول : تنقيح المقام وتوضيح المرام يقتضي ان يقال أولا : انه لا اشكال في أن كل عنوان إذا أحرز مفهومه ومعناه بالرجوع إلى العرف في شرح لفظه ، فلا شبهة في أنه يحكي عن حقيقته ، من دون (572)
فرق بين عنوان بقاء الشيء أو الاتحاد بين الشيئين وغيرهما ، فإنهما أيضا كالماء والكلاء من المفاهيم المحرزة من العرف في مقام شرح لفظها ، وفي هذا المقام لا مجال للاختلاف بين العقل والشرع أصلا ، إذ لا طريق للعقل في كشف المفاهيم الحاكية عن حقيقة الشيء إلا العرف خاصا أم عاما. نعم : ربما يقع الاختلاف بينهما ، تارة : فيما قام به عنوان البقاء والاتحاد ، وأخرى : فيما ينتزع منه هذين العنوانين. وتوضيحه بان يقال : إنه تارة : يكون مثل هذين العنوانين في حيز الخطاب ، فلا شبهة في حكايتهما عن واقعهما وحقيقتهما دقة وعقلا ، وحينئذ لا يكون اختلاف العرف والعقل في نفس هذا العنوان ، وانما اختلافهما يتمحض فيما تقوم به هذا العنوان وهو موضوع الحكم في القضية المتيقنة ، إذ فيه ربما يرى العقل شيئا لا يصدق حقيقة في الزمان الثاني بقائه حتى لو التفت العرف إليه لا يرى بقائه ، ويرى العرف شيئا يصدق عليه البقاء حقيقة حتى بنظر العقل. فحينئذ اختلاف العرف والعقل ليس إلا فيما قام عليه عنوان البقاء حقيقة ، لا في نفسه ، ففي هذا الفرض لابد وان يرجع النزاع في الباب إلى ما سيق لسان التعبد ببقاء الشيء بلحاظ اي موضوع من العقلي أو العرفي ؟ بملاحظة ما يفهمون من دليل الكبرى ، أو ما يفهمون من نظائره من سنخ هذا الحكم من سائر أحكامهم. وتارة : لا يكون عنوان البقاء والاتحاد في حيز الخطاب ، بل انما ينتزع مثل هذه العناوين من ارجاع الشك إلى اليقين بتوسيط لحاظ اليقين بشيء في متعلق الشك ، إذ مثل هذا اللحاظ يقتضي نحوا من الاتحاد بينهما الموجب لانتزاع البقاء عنه أيضا. وحينئذ نقول : إن اتحاد هذا اللحاظ مختلفة ، فتارة : يكون اللحاظ متعلقا بالشئ بتمام خصوصياته المحفوظة فيه دقة ، وأخرى : يكون اللحاظ بالمتيقن لا بهذه الخصوصية ، ويعبر عنه بالنظر المسامحي. ثم الملحوظ تارة : نفس ذات الشيء ، وأخرى : ذاته بما هو مدلول الدليل. وذلك أيضا تارة : بما هو مدلوله بدوا ، وأخرى : مستقرا ، ولو بتوسيط القرائن متصلة أو منفصلة. ومن المعلوم : أنه من أي نحو من النظر ينتزع نحو من البقاء ، وفي هذه الصورة ليس مدار اختلاف العرف والعقل في صدق البقاء من جهة الاختلاف في حقيقة البقاء ولا من جهة اختلافهما في حقيقة الموضوع ، بل ربما يفهم حقيقة الموضوع الحكم في دليل الكبرى بنحو يراه العقل موضوعا بحيث لا يصدق عليه البقاء حقيقة حتى بنظر العرف ، ولكن مع ذلك في إرجاع الشك إلى اليقين ربما يكون بلحاظ ونظر مسامحي موجب لانتزاع عنوان البقاء والاتحاد المسامحي ، ولازم ذلك كفاية هذا المقدار في تطبيق عموم « لا تنقض » دقة عقلا ، ولكن لا يكفي في تطبيق عنوان « تعبد بالبقاء » على المورد دقة. ومن هنا ظهر : انه على هذا المسلك لا يحتاج إلى تنقيح موضوع كبرى الدليل كي يفرق بين الاحكام العقلية والنقلية ثم في العقلية يتشبث إلى فهم العرف موضوعا آخر بمناسبات ارتكازية عندهم ، (573)
لا يمكن إلا في باب النسخ ، وأما في غير باب النسخ : فالشك في بقاء الحكم غالبا أو دائما يستند إلى انتفاء بعض خصوصيات الموضوع ، فيحصل الاختلاف بين القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة ، من غير فرق في ذلك بين الأحكام الشرعية المستكشفة من المستقلات العقلية بقاعدة الملازمة وبين الأحكام الشرعية المستكشفة من الأدلة السمعية التي لا سبيل للعقل إلى إدراكها ، لاشتراك الكل في توقف حصول الشك على انتفاء بعض خصوصيات الموضوع ، ولذلك مست الحاجة إلى أخذ الموضوع من العرف والرجوع إليه في
بل الموضوع أيما كان حتى مع فرض معرفة العرف إياه دقة ، ولكن بعدما كان نظره في ارجاع الشك إلى المتيقن نظرا مسامحيا يكتفى بهذا المقدار في تطبيق عموم « لا تنقض » دقة ، ففي هذا المسلك أيضا لا يحتاج إلى جعل فهم العرف قرينة على كشف المراد من الدليل في الكبرى وجعل ظهوره على الخلاف بدويا ، بل يكفي في تطبيق عموم « لا تنقض » حينئذ دقة مجرد المسامحة في النظر في ارجاع الشك إلى اليقين ، وان كان الموضوع واقعا وحقيقة هو الذي اقتضاه ظهور دليله بلا قيام قرينة على خلافه ، وحينئذ نتيجة هذا المسلك جواز الاكتفاء ببقاء الموضوع مسامحة عرفية ، ولا يحتاج إلى المسامحة في موضوع الكبرى في فهم العرف من كبرى الدليل ولو بنظرهم دقة ، بخلاف المسلك الأول من تنقيح موضوع الدليل ، كي يصدق عنوان البقاء المأخوذ في حيز الخطاب على المورد دقة ، ولعمري ! ان المقرر نظر إلى المسلك الأول وقال ما قال. والتحقيق اختيار المسلك الثاني ، إذ ليس في البين عنوان « بقاء » وعنوان « اتحاد » في لسان الدليل أصلا ، وإنما ينتزع مثل هذه العناوين من ارجاع الشك إلى اليقين بالنظر الشخصي ، وحينئذ فلابد من تنقيح هذا النظر ، بلا احتياج إلى تنقيح موضوع الحكم في دليل الكبرى ، وعليه نقول : انه يكفي لاثبات كون النظر في ارجاع الشك إلى اليقين مسامحيا نفس مورد النصوص ، إذ من المعلوم بحسب المورد اليقين دقة متعلق بالحدوث والشك دقة متعلق بالبقاء ، فيستحيل ان يكون الشك راجعا إلى متعلق اليقين دقة ، بل لابد وأن يكون النظر في ارجاع الشك إلى اليقين مسامحيا ، وحينئذ يكفي في تطبيق هذا العام دقة مجرد اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة مسامحة ، ولا يحتاج إلى الاتحاد الحقيقي كي يحتاج إلى استفادة كون الموضوع في الكبرى شيئا قابلا للبقاء الحقيقي كي يصدق عليه الاتحاد دقة ، ومن التأمل فيما ذكرنا ظهر مواقع النظر في كلمات المقرر الناشي عن اعوجاج المسلك ، فتدبر في المقام فإنه من مزال الاقدام !. (574)
اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة ، لاختلاف العقل والعرف والدليل في ذلك ، على ما سيأتي بيانه ( إن شاء الله تعالى ).
الامر الثاني : لا إشكال في أن المرجع في مفاهيم الألفاظ ومداليلها إنما هو العرف العام (1) سواء وافق عرف اللغة أو خالفه ، ولا عبرة باللغة إذا كان العرف العام على خلافها ، فان الألفاظ تنصرف إلى مفاهيمها العرفية بحسب ما ارتكز في أذهان أهل المحاورات ، فعند تعارض العرف واللغة في مفهوم اللفظ يحمل على المفهوم العرفي ، سواء كان أعم من المفهوم اللغوي أو أخص منه ، بل ولو كان مباينا معه لو اتفق ذلك ، فلابد من الرجوع إلى العرف في تشخيص مفهوم الحنطة والزبيب والعنب والحطب وغير ذلك من الموضوعات الخارجية. الامر الثالث : لا عبرة بالمسامحات العرفية في شيء من الموارد ، ولا يرجع إلى العرف في تشخيص المصاديق بعد تشخيص المفهوم ، فقد يتسامح العرف في استعمال الألفاظ وإطلاقها على ما لايكون مصداقا لمعانيها الواقعية ، فإنه كثيرا ما يطلق لفظ « الكر » و « الفرسخ » و « الحقة » وغير ذلك من ألفاظ المقادير والأوزان على ما ينقص عن المقدار والوزن أو يزيد عنه بقليل. فالتعويل على العرف إنما يكون في باب المفاهيم ، ولا أثر لنظر العرف في باب المصاديق ، بل نظره إنما يكون متبعا في مفهوم « الكر » و « الفرسخ » و « الحقة » ونحو ذلك ، وأما تطبيق المفهوم على المصداق : فليس بيد العرف ، بل هو يدور مدار الواقع ، فان كان الشيء مصداقا للمفهوم ينطبق عليه قهرا ، وإن لم يكن مصداقا له فلا يمكن أن ينطبق عليه ، ولو فرض أن العرف يتسامح أو يخطئ في التطبيق ، فلا يجوز التعويل على العرف في تطبيق المفهوم على المصداق مع العلم بخطائه أو مسامحته أو مع الشك فيه ، بل لابد من العلم بكون 1 ـ أقول : بعد التأمل فيما ذكرنا في المقام ترى بأن هذه المقدمات أجنبية عن المطلب. (575)
الشئ مصداقا للمفهوم في مقام ترتيب الآثار.
إذا تمهد ذلك فنقول : قد يستشكل فيما أفاده الشيخ ـ قدس سره ـ من الترديد بين أخذ الموضوع من العقل أو العرف أو الدليل. أما أولا : فبأن الرجوع إلى العقل إنما يستقيم في المستقلات العقلية ، وأما الموضوعات الشرعية : فليس للعقل إليها سبيل (1) فان مناطات الأحكام الشرعية ليست بيد العقل ، فلا معنى للرجوع إلى العقل في موضوعات الأحكام الشرعية المستكشفة من الطرق السمعية. وأما ثانيا : فبأنه لا وجه للمقابلة بين ما اخذ في الدليل موضوعا وبين ما يراه العرف موضوعا ، فان العرف ليس مشرعا يجعل موضوعا في مقابل موضوع الدليل. وإن أريد من الرجوع إلى العرف الرجوع إليه في معرفة معنى موضوع الدليل وتشخيص مفهومه ، فهو صحيح ، إلا أنه لا يختص بالمقام ، بل تشخيص معنى اللفظ ومفهومه إنما يرجع فيه إلى العرف مطلقا ، فلا معنى لجعل الموضوع العرفي مقابلا لموضوع الدليل في خصوص باب الاستصحاب. وإن أريد من الموضوع العرفي ما يتسامح فيه العرف ويراه من مصاديق موضوع الدليل مع أنه ليس منها حقيقة ، فقد عرفت : أنه لا عبرة بالمسامحات العرفية. هذا ، ولكن الانصاف : أنه لا وقع لهذا الاشكال ، فان الترديد بين العقل والدليل والعرف إنما يكون بلحاظ مقام بقاء الموضوع واتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة ، لا بلحاظ مقام تعيين أصل الموضوع ، حتى يقال : إن تعيين الموضوع إنما يكون بيد الشرع وليس للعقل والعرف إلى ذلك سبيل ، فان ذلك مما لا ينبغي توهمه في المقام ، بل المقصود هو أنه هل يعتبر في اتحاد القضيتين أن يكون المشكوك فيه عين المتيقن عقلا مطلقا ؟ أو أنه يكفي في الاتحاد العينية 1 ـ أقول : هذا الكلام أيضا أجنبي عن المقصود بعد التأمل فيما ذكرناه مفصلا. (576)
العرفية مطلقا ؟ أو أنه لا هذا ولا ذلك بل تختلف الموارد حسب اختلاف ما يقتضيه ظاهر الدليل ؟.
وتوضيح ذلك : هو أن الشك في بقاء الحكم الشرعي من غير جهة النسخ لا يمكن إلا بأحد وجهين : إما لاحتمال وجود الرافع أو الغاية للحكم فيشك في بقائه ، وإما لانتفاء بعض الخصوصيات التي كان الموضوع واجدا له أو وجود بعض ما كان فاقدا له ، فيحصل الشك في بقاء الحكم الشرعي. فلو اعتبرنا في اتحاد القضيتين بقاء الموضوع عقلا يختص الاستصحاب بما إذا كان الشك في بقاء الحكم الشرعي على الوجه الأول ، ولا يجري الاستصحاب إذا كان الشك على الوجه الثاني ، بداهة أن كل خصوصية كان الموضوع واجدا أو عادما لها يحتمل عقلا أن يكون لها دخل في الموضوع ، فلا يمكن إحراز بقاء الموضوع بل يشك في بقائه ، فلا يجري استصحاب الحكم ، لما عرفت : من أنه لابد من الاستصحاب من إحراز بقاء الموضوع واتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة. فان كان منشأ الشك في بقاء الحكم انتفاء بعض الخصوصيات ينسد باب الاستصحاب إذا كان المعتبر فيه بقاء الموضوع عقلا ، لان انتفاء الخصوصية عن الموضوع وإن لم يلازم العلم بارتفاع الموضوع عقلا ، إلا أنه يلازم الشك في بقائه. ولا سبيل إلى دعوى العلم بارتفاع موضوعات الأحكام الشرعية عند انتفاء بعض الخصوصيات ، بل لا يمكن دعوى العلم بارتفاع الموضوع عند انتفاء بعض الخصوصيات في موضوعات الاحكام العقلية ، كما تقدم بيان ذلك. فما يظهر من كلام الشيخ ـ قدس سره ـ من أن انتفاء بعض الخصوصيات يوجب العلم بارتفاع الموضوع عقلا ، مما لا يمكن المساعدة عليه بل أقصى ما يقتضيه هو الشك في بقاء الموضوع ، لاحتمال أن تكون لتلك الخصوصية دخل في الموضوع ، ويحتمل أيضا أن لا تكون لها دخل فيه ، بل تكون علة (577)
لحدوث الحكم فقط ، وقد عرفت : أن الشك في بقاء الموضوع كالعلم بعدمه يمنع عن جريان الاستصحاب ، فبناء على اعتبار بقاء الموضوع عقلا لا يجري الاستصحاب إذا كان الشك في بقاء الحكم لأجل انتفاء بعض خصوصيات الموضوع ، وينحصر الاستصحاب بما إذا كان الشك في بقائه لأجل احتمال وجود الرافع أو الغاية ، لبقاء الموضوع فيهما حقيقة واتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة عقلا ، فان عدم الرافع والغاية ليس من قيود الموضوع وحدوده ليرجع الشك في وجودها إلى الشك في بقاء الموضوع ، بل ينعدم الموضوع بوجود الرافع والغاية قهرا ، فالرافع ما يكون وجوده معدما للموضوع ، لا أن عدمه قيد فيه ، وكيف يمكن أن يكون الموضوع مقيدا بما يوجب إعدامه ؟ (1).
وبالجملة : الرافع هو الذي لا يمكن أن يجتمع مع الموضوع في الزمان ، وهذا لا يقتضي أن يكون عدمه قيدا في الموضوع ، بل لا يمكن ذلك. وكذا الغاية ، فإنها ـ على ما عرفت في أوائل الاستصحاب ـ عبارة عن الزمان الذي ينتهي إليه أمد الموضوع وعمره ، فلا تكون عدم الغاية قيدا في الموضوع ، فالشك في بقاء الحكم لأجل الشك في وجود الرافع أو الغاية لا يرجع إلى الشك في الموضوع ، بل يشك في الحكم مع بقاء الموضوع على ما كان عليه عقلا ، فتتحد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة حقيقة بالمداقة العقلية ، فتأمل جيدا. ثم لا يخفى عليك : أن المراد من « الرافع » في المقام ما يقابل المانع ، 1 ـ أقول : بعد بطلان علية الوجود ومؤثريته في عدم شيء لاستحالة السنخية بين الوجود والعدم ، فامر المانع لا يتصور إلا بأحد الأمرين : إما بفرض المضادة بين الوجودين أو بتقيد الوجود بعدم غيره واخذ هذا التقيد في موضوع الحكم ، ولا مجال للمصير إلى الأول ، وإلا يخرج عدم المانع عن المقدمية ، وهو غير ملتزم به في جملة من كلماته ، فتعين الأخير ، ولازمه انتفاء الموضوع بنقيض قيده ، كما هو الشأن في جميع القيود. ومن العجب ! برهانه بأنه كيف يمكن ان يكون الموضوع مقيدا بما يوجب اعدامه ؟ إذ ما يوجب اعدامه هو وجوده ، وهو نقيض القيد ، لا نفسه. (578)
لا ما يقابل المقتضي ، فان الرافع يستعمل في معنيين :
أحدهما : الامر الوجودي الذي يوجب رفع الشيء وإعدامه عن صفحة الوجود بعد حدوثه ووجوده ، ويقابله المانع ، وهو الذي يمنع عن حدوث الشيء ويزاحم رشح المقتضي وتأثيره في وجود المقتضى ( بالفتح ). ثانيهما : الامر الزماني الذي يمنع عن تأثير المقتضي في اقتضائه لبقاء المقتضى ( بالفتح ) بعد تأثيره في الحدوث ، سواء كان الرافع وجوديا أو عدميا ، فالرافع المقابل للمقتضي أعم من الرافع المقابل للمانع ، لان الأول يعم الامر الوجودي والعدمي ، والثاني يختصن بالامر الوجودي ، فمثل زوال التغير عن الماء المتغير يكون رافعا بالمعنى الثاني (1) وهو الذي يقابل المقتضي ولا يكون رافعا بالمعنى الأول ، لان زوال التغير أمر عدمي لا يقابل المانع. وبذلك يندفع ما ربما يتوهم : من أنه بعد البناء على عدم جريان الاستصحاب في الشك في المقتضي لم يبق فرق بين أخذ الموضوع من العقل أو العرف أو الدليل ، فان المفروض : جريان الاستصحاب عند الشك في الرافع والغاية ولو مع اعتبار بقاء الموضوع عقلا ، فمهما رجع الشك في بقاء الحكم إلى الشك في وجود الرافع والغاية يجري الاستصحاب مطلقا ، سواء اخذ الموضوع من العقل أو العرف أو الدليل ، وإن كان الشك في بقاء الحكم لا لأجل الشك في وجود الرافع والغاية لا يجري الاستصحاب مطلقا ، سواء اخذ الموضوع من العقل أو العرف أو الدليل ، لأن الشك في بقاء الحكم من غير جهة الشك في وجود الرافع والغاية يرجع لا محالة إلى الشك في المقتضي ، والمفروض : عدم جريان الاستصحاب فيه ، فلم تظهر ثمرة بين أخذ الموضوع من العقل أو من العرف أو 1 ـ أقول : الظاهر أن مثل زوال التغير ما كان من الأمور العدمية الموجبة لعدم تأثير المقتضى كون وجوده شرطا لتأثير المقتضى ، فبانتفائه ينتفى تأثيره ، فادخالها في عنوان « الرافع » لا يخلو عن تمحل. نعم : لا بأس به بمعناه اللغوي ، كما لا يخفى. (579)
من الدليل.
وجه الدفع ، هو ما عرفت : من أن المراد من الرافع في محل البحث هو ما يقابل المانع ، لا ما يقابل المقتضي (1) وحينئذ تظهر الثمرة بين أخذ الموضوع من العقل أو من العرف أو من الدليل ، فإنه لو شك في بقاء النجاسة في الماء المتغير الزائل عنه التغير لا يجري الاستصحاب لو بنينا على اعتبار بقاء الموضوع عقلا ، لاحتمال أن يكون لوصف التغير دخل في موضوع النجاسة. وأما لو بنينا على اعتبار بقاء الموضوع عرفا فالاستصحاب يجري ، لبقاء الموضوع عرفا ، فان موضوع النجاسة ذات الماء وليس لوصف التغير دخل في الموضوع عرفا. وكذا لو بنينا على اعتبار بقاء الموضوع بحسب ما يقتضيه ظاهر الدليل ، فإنه يجري فيه الاستصحاب على بعض الوجوه ـ كما سيأتي بيانه ـ مع أن الشك في بقاء النجاسة في لا يرجع إلى الشك في وجود الرافع المقابل للمانع ، ولا إلى الشك في المقتضي ، وذلك واضح. هذا كله إذا كان المعتبر في اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة بقاء الموضوع عقلا. وإذا كان المعتبر في الاتحاد بقاء الموضوع بحسب ما يقتضيه ظاهر الدليل : فجريان الاستصحاب وعدمه يدور مدار ما يستفاد من ظاهر الدليل. فان استفيد منه كون الخصوصية التي كان الموضوع واجدا لها من قيود الموضوع ، فالاستصحاب لا يجري عند زوال تلك الخصوصية. وإن استفيد منه كون الخصوصية علة لثبوت الحكم وكان منشأ الشك في بقاء الحكم احتمال كونها علة له حدوثا وبقاء ، فالاستصحاب يجري. 1 ـ أقول : قد تقدم ان مرجع الرافع بالمعنى المزبور أيضا إلى كون عدمه قيدا ، وحينئذ لا فرق بين القيود من تلك الجهة في كون الشك فيها راجعا دقة إلى الشك في الموضوع. نعم : لو كان عدمه مأخوذا قيدا في ناحية الحكم لا بأس ببقائه دقة. (580)
وعلى هذا ينبغي أن يفرق بين قوله ـ عليه السلام ـ « الماء المغير نجس » وبين قوله : « الماء ينجس إذا تغير » (1) فان المعنى وإن كان لا يختلف ، إلا أن الأول ظاهر في كون التغير قيدا للماء فيكون موضوع الحكم مجموع الماء المتغير ، والثاني ظاهر في كون التغير علة لعروض النجاسة على الماء فيكون الموضوع ذات الماء. فان كان الدليل من قبيل الأول لا يجري الاستصحاب إذا زال التغير ، للشك في بقاء الموضوع. وإن كان الدليل من قبيل الثاني يجري الاستصحاب ، لبقاء الموضوع.
وهذا بخلاف ما إذا كان المعتبر بقاء الموضوع عقلا ، فإنه لا يجري الاستصحاب مطلقا ، لاحتمال أن يكون للتغير دخل في الموضوع وإن كان ظاهر الدليل لا يقتضي ذلك ، فلم يحرز بقاء الموضوع عقلا. وإن كان المعتبر في اتحاد القضيتين بقاء الموضوع عرفا : فينبغي أن لا يفرق في جريان الاستصحاب في المثال بين الوجهين ، لبقاء الموضوع عرفا ، فان العرف بحسب ما هو المرتكز في ذهنه ـ من مناسبة الحكم والموضوع ـ يرى موضوع النجاسة نفس الماء والتغير علة لعروضها عليه. فتتحد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة ، ويكون عدم ترتيب آثار النجاسة على الماء الذي زال عنه التغير من نقض اليقين بالشك بنظر العرف. وليس المراد من أخذ الموضوع من العرف الرجوع إليه في مفهوم الموضوع أو في مصداقه ، حتى يقال : إن الرجوع إلى العرف في المفهوم لا يختص بباب الاستصحاب بل تشخيص المفاهيم إنما يكون بيد العرف مطلقا في جميع المقامات ، أو يقال : إنه لا عبرة بنظر العرف في المصداق. بل المراد من أخذ الموضوع من العرف الرجوع إليه في تشخيص الموارد التي 1 ـ لم نجد حديثا بهذين التعبيرين ، فالظاهر أنه ـ رحمه الله ـ أراد النقل بالمعنى ( المصحح ). (581)
يصدق فيها نقض اليقين بالشك ، والرجوع إليه في الصدق غير الرجوع إليه في المصداق.
وتوضيح ذلك : هو أن الألفاظ وإن كانت موضوعة للمعاني النفس الأمرية ، إلا أن تشخيص معنى اللفظ وتمييزه عما عداه إنما يرع فيه إلى العرف ، فقد يكون المعنى معلوما بالتفصيل بجميع حدوده وقيوده لدى العرف ، وقد لا يكون معلوما لديهم بالتفصيل وإن كان أصل المعنى على سبيل الاجمال مرتكزا في ذهنه ، ولذلك قد يشك في صدق المعنى على بعض ماله من المراتب ، ألا ترى ؟ أن مفهوم « الماء » مع أنه من أوضح المفاهيم العرفية كثيرا ما يحصل الشك في صدقه على بعض الافراد ، كالماء المخلوط بمقدار من التراب على وجه لا يلحقه اسم الطين. وبالجملة : الشك في صدق المفهوم على بعض المراتب والافراد ليس بعزيز الوجود ، بل في غالب المفاهيم العرفية يشك العرف في صدقها على بعض المراتب. وكون المعنى مرتكزا في ذهنه لا ينافي حصول الشك في الصدق ، ومن المعلوم : أن المرجع عند الشك في صدق المفهوم على بعض المراتب والافراد إنما هو العرف. فلو شك في صدق مفهوم الحطب على القصب يرجع فيه إلى العرف ، فان صدق عليه عنوان الحطب عرفا يثبت له آثار الحطب ، وإن لم يصدق عليه عنوان الحطب عرفا ، فان صدق عليه عنوان آخر فهو ، وإن استقر الشك وكان العرف بنفسه مترددا في الصدق وعدمه ، فالمرجع هو الأصول العملية. فظهر : أن الرجوع إلى العرف في الصدق غير الرجوع إليه في المصداق ، فان مورد الرجوع إليه في المصداق إنما هو بعد تبين المفهوم وتشخيص المعنى ، وهذا هو الممنوع عنه ، لأنه لا عبرة بنظر العرف في المصداق ، بل لابد من إحراز المصداق بعد أخذ المفهوم من العرف. وأما الرجوع إليه في الصدق : فهو إنما يكون في مورد إجمال المفهوم وعدم تشخيص المعنى ، ولابد من الرجوع إليه في (582)
ذلك ، فان تشخيص المعنى من وظيفة العرف. هذا كله في المفاهيم الافرادية.
وأما الجمل التركيبية : فلابد فيها من اتباع نظر العرف فيما يستفاد منها ، لان المعتبر في الجمل التركيبية هو ظهور الجملة في المعنى بحسب المحاورات العرفية ، سواء وافق ظهور الجملة لظهور المفردات أو خالفه ، فإنه لا عبرة بالظهورات الافرادية ، بل المتبع هو الظهور النوعي للجملة. فلابد من الرجوع إلى المحاورات العرفية في تشخيص مدلول الجملة التركيبية ، من غير فرق في ذلك بين القضايا الشرعية وغيرها ، فكما يرجع إلى العرف فيما يستفاد من القضايا العرفية المستعملة في مقام إظهار مقاصدهم ، كذلك يرجع إلى العرف فيما يستفاد من القضايا الشرعية المستعملة في مقام إظهار الاحكام الواقعية أو الظاهرية. ومن جملة القضايا الشرعية قوله ـ عليه السلام ـ في أخبار الاستصحاب « لا تنقض اليقين بالشك » فإنه لابد من الرجوع إلى العرف في مفاد ذلك ، لان صدق نقض اليقين بالشك وعدم صدقه إنما يكون أمرا عرفيا ، فقد يكون رفع اليد عن اليقين السابق بالشك اللاحق نقضا لليقين بالشك عرفا ، وقد لا يكون نقضا عرفا ، وقد يشك أيضا في صدق النقض وعدمه. وهذا الاختلاف إنما يشنأ من اختلاف الموضوعات والاحكام بحسب ما يراه العرف من مناسبة الحكم والموضوع ، فان العناوين المأخوذة في موضوعات الاحكام تختلف. فرب عنوان يكون بنظر العرف مقوما للموضوع لمناسبة الحكم والموضوع ، فيدور الحكم مدار وجود العنوان ، كقوله : « يجب إعطاء الزكاة للفقير » (1) وكقوله : « يجب تقليد المجتهد الحي » فان مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن يكون لعنوان الفقر والاجتهاد والحياة دخل في وجوب إعطاء الزكاة والتقليد ، 1 ـ أقول : في كون الفقر والغناء من هذا القبيل ـ بحيث لا يجري استصحاب وجوب اعطائه عند الشك في فقره ـ إشكال. (583)
فيرتفع موضوع الحكم عرفا إذا صار الفقير غنيا أو مات المجتهد أو زالت عنه ملكة الاجتهاد ، لان الغني يباين الفقير عرفا ، وكذا الحي والمجتهد يباين الميت والعامي ، ومناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن يكون الموضوع لوجوب الزكاة والتقليد خصوص الفقير والمجتهد الحي ، لا ذات الانسان ، فارتفاع الحكم بارتفاع وصف الفقر والاجتهاد والحياة إنما يكون لارتفاع الموضوع عرفا ، وإن كان ثبوتا لارتفاع علة الحكم لا موضوعه ، ولكن بنظر العرف يكون من ارتفاع الموضوع وتبدله إلى موضوع ، آخر يباين الموضوع السابق ، بحيث لو قام دليل على جواز إعطاء الزكاة أو جواز التقليد لمن زال عنه وصف الفقر أو الاجتهاد كان ذلك بنظر العرف تسرية حكم من موضوع إلى موضوع آخر.
ورب عنوان يكون بنظر العرف من الوسائط الثبوتية لعروض الحكم على موضوعه من دون أن يكون له دخل في الموضوع عرفا لمناسبة الحكم والموضوع ، كقوله : « الماء المتغير نجس » فان النجاسة بنظر العرف من الاعراض القائمة بذوات الأشياء ، فيكون موضوع النجاسة ومعروضها ذات الماء ، لا الماء المتغير ، بل التغير إنما يكون عرفا علة لعروض النجاسة على الماء ، فيكون الموضوع محفوظا عرفا عند زوال التغير عن الماء ، بحيث لو قام دليل على طهارته كان ذلك بنظر العرف من رفع الحكم عن موضوعه ، لا رفع الحكم بارتفاع موضوعه ، من غير فرق في ذلك بين قوله : « الماء المتغير نجس » وبين قوله : « الماء ينجس إذا تغير » أو « إذا تغير الماء ينجس » فان اختلاف العبارة لا يوجب الاختلاف في نظر العرف ، لأنه على جميع التقادير معروض النجاسة ذات الماء والتغير واسطة لعروضها ، كما أنه لا فرق في القسم الأول بين قوله : « يجب إعطاء الزكاة للفقير » وبين قوله : « يجب إعطاء الزكاة للشخص إذا كان فقيرا » وغير ذلك من التعبيرات ، فإنه على كل حال يكون للفقر دخل في الموضوع عرفا. ورب عنوان يشك العرف في كونه من مقومات الموضوعات أو كونه من (584)
العلل والوسائط الثبوتية ، كقوله : « لا يجب الوفاء بالعقد الضرري » فإنه يشك في أن عنوان « الضرر » من المقومات حتى لا يجب الوفاء بالعقد عند ارتفاع الضرر بالتمكن من فسخ العقد آنا ما ـ وإن لم يفسخ ـ فيكون الخيار على الفور ، أو أنه علة لعدم وجوب الوفاء بالعقد ، فلا يرتفع جواز العقد بالتمكن من الفسخ ، فيكون الخيار على التراخي.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم : أنه يعتبر في جريان الاستصحاب صدق نقض اليقين بالشك عرفا عند عدم ترتيب آثار المتيقن على المشكوك ، وصدق ذلك يتوقف على أن يكون العنوان بنظر العرف علة لثبوت الحكم ـ لا مقوما للموضوع ـ ليكون المشكوك فيه عين المتيقن عرفا ، فإنه لو كان العنوان مقوما للموضوع كان المشكوك فيه مباينا للمتيقن ، فيكون من نقض اليقين باليقين لا من نقض اليقين بالشك ـ فلا يجري فيه الاستصحاب. وكذا لو شك في كون العنوان مقوما للموضوع أو علة لثبوت الحكم ، فإنه لا يجري الاستصحاب أيضا ، للشك في صدق النقض وعدمه ، فيكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، فالاستصحاب إنما يجري في مورد علم من مناسبة الحكم والموضوع كون العنوان من العلل والوسائط الثبوتية. وتوهم : أنه مع العلم بكون العنوان علة للحكم لا نحتاج إلى الاستصحاب لبقاء الموضوع فيكفي نفس دليل الحكم في إثباته عند ارتفاع العنوان ، فاسد فان مجرد كونه من العلل لا يكفي في بقاء الحكم بعد زواله ، لاحتمال أن يكون العنوان علة حدوثا وبقاء ، فيرتفع الحكم بارتفاع علته ، ولا دافع لهذا الاحتمال إلا التمسك بالاستصحاب. وبالجملة : ثبوت الحكم عند انتفاء ما اخذ في الدليل عنوانا للموضوع يتوقف على أمرين ـ أحدهما : كون العنوان من علل ثبوت الحكم لا من قيود موضوعه ، ثانيهما : كون علة لحدوث الحكم من دون أن يكون بقائه علة لبقاء (585)
الحكم ، والمتكفل لاثبات الامر الأول إنما يكون دليل الحكم بضم مناسبة الحكم والموضوع ، والمتكفل لاثبات الامر الثاني أخبار الاستصحاب ، لصدق نقض اليقين بالشك عند عدم ترتيب آثار المتيقن على المشكوك ، فمن مجموع الدليلين ـ أي دليل الحكم ودليل الاستصحاب ـ يستفاد بقاء الحكم عند ارتفاع العنوان.
فتحصل : أن التعويل على العرف في بقاء الموضوع في باب الاستصحاب ليس من التعويل عليه في مسامحاته وخطائه في التطبيق ، بل الوظيفة في أمثال المقام هو التعويل على العرف ، لان نظره هو المتبع. وقد ظهر مما ذكرنا ثمرة الترديد بين أخذ الموضوع من العرف أو من العقل أو من الدليل في باب الاستصحاب ، ففي مثال الماء المتغير الذي زال عنه التغير يجري استصحاب النجاسة مطلقا إن بنينا على أخذ الموضوع من العرف ، ولا يجري الاستصحاب مطلقا إن بنينا على أخذه من العقل ، التفصيل بين أخذ عنوان التغير قيدا للموضوع في ظاهر الدليل أو شرطا للحكم ـ ففي الأول لا يجري الاستصحاب وفي الثاني يجري ـ إن بنينا على أخذ الموضوع من الدليل. والأقوى : اتباع نظر العرف في بقاء الموضوع ولا عبرة بنظر العقل ، فإنه لا معنى للرجوع إلى العقل في مفاهيم الألفاظ وما يستفاد من دليل الحكم وخطاب « لا تنقض » (1) كما أنه لا عبرة بظاهر الدليل بعد ما كان المرتكز العرفي بحسب مناسبة الحكم والموضوع على خلاف ما يقتضيه ظاهر الدليل ابتداء ، فإنه بعد الالتفات إلى المرتكز العرفي وما تقتضيه مناسبة الحكم 1 ـ أقول : ولئن تأملت فيما أسلفناه لك ، لا ينبغي مجال لهذا الكلام ، كما أنه لا مجال لكلامه الآخر من قوله : « لا وجه للمقابلة بين الدليل والعرف » إذ لفهم العرف مضمون الخطاب مقام وللنظر في ارجاع الشك إلى اليقين مقام آخر ، إذ ربما يكون دائرة هذا النظر أوسع عندهم من الآخر. ولعمري ! إن هذه الكلمات من نتايج المغالطة في أساس المطلب ، فتدبر. |
|||
|