|
|||
(31)
ومنها : استعمال الصلاة وغيرها في غير واحد من الاخبار في الفاسدة ، كقوله عليه الصلاة والسلام ( بني الاسلام على خمس : الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية ، ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بأربع ، وتركوا هذه ، فلو أن أحدا صام نهاره وقام ليله ، ومات بغير ولاية ، لم يقبل له صوم ولا صلاة ) (1) ، فإن الاخذ بالاربع ، لا يكون بناء على بطلان عبادات تاركي الولاية ، إلا إذا كانت أسامي للاعم. وقوله عليه السلام : ( دعي الصلاة أيام اقرائك ) (2) ضرورة أنه لو لم يكن المراد منها الفاسدة ، لزم عدم صحة النهي عنها ، لعدم قدرة الحائض على الصحيحة منها.
وفيه : أن الاستعمال أعم من الحقيقة ، مع أن المراد في الرواية الاولى ، هو خصوص الصحيح بقرينة أنها مما بني عليها الاسلام ، ولا ينافي ذلك بطلان عبادة منكري الولاية ، إذ لعل أخذهم بها إنما كان بحسب اعتقادهم لا حقيقة ، وذلك لا يقتضي استعمالها في الفاسد أو الاعم ، والاستعمال في قوله : ( فلو أن أحدا صام نهاره ) [ إلى آخره ] (3) ، كان كذلك ـ أي بحسب اعتقادهم ـ أو للمشابهة والمشاكلة. وفي الرواية الثانية ، الارشاد (4) إلى عدم القدرة على الصلاة ، وإلا كان الاتيان بالاركان ، وسائر ما يعتبر في الصلاة ، بل بما يسمى في العرف بها ، 1 ـ الكافي 2 / 15 باب 13 دعائم الاسلام ـ الخصال / 277 باب الخمسة ، الحديث 21 غوالي اللآلي 1 / 82 ، الفصل الخامس ، الحديث 4. 2 ـ التهذيب 1 / 384 باب 19 الحيض والاستحاضة والنفاس ، الحديث 6 ـ الكافي 3 / 88 باب جامع في الحائض والمستحاضة الحديث 1. غوالي اللآلي 2 / 207 باب الطهارة الحديث 124. 3 ـ أثبتنا هذه العبارة من « ب ». 4 ـ وفي بعض النسخ المطبوعة ( النهي للارشاد ). (32)
ولو أخل بمالا يضر الاخلال به بالتسمية عرفا. محرما على الحائض ذاتا ، وإن لم تقصد به القربة.
ولا أظن أن يلتزم به المستدل بالرواية ، فتأمل جيدا. ومنها : أنه لا شبهة (1) في صحة تعلق النذر وشبهه بترك الصلاة في مكان تكره فيه. وحصول الحنث بفعلها ، ولو كانت الصلاة المنذور تركها خصوص الصحيحة ، لا يكاد يحصل به الحنث أصلا ، لفساد الصلاة المأتي بها لحرمتها ، كما لا يخفى ، بل يلزم المحال ، فإن النذر حسب الفرض قد تعلق بالصحيح منها ، ولا يكاد يكون معه صحيحة ، وما يلزم من فرض وجوده عدمه محال. قلت : لا يخفى أنه لو صح ذلك ، لا يقتضي إلا عدم صحة تعلق النذر بالصحيح ، لا عدم وضع اللفظ له شرعا ، مع أن الفساد من قبل النذر لا ينافي صحة متعلقة ، فلا يلزم من فرض وجودها عدمها. ومن هنا إنقدح أن حصول الحنث إنما يكون لاجل الصحة ، لولا تعلقه ، نعم لو فرض تعلقه بترك الصلاة المطلوبة بالفعل (2) ، لكان منع حصول الحنث بفعلها بمكان من الامكان. بقي أمور : الاول : إن أسامي المعاملات ، إن كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للاعم ، لعدم إتصافها بهما ، كما لا يخفى ، بل بالوجود تارة وبالعدم أخرى ، وأما إن كانت موضوعة للاسباب ، 1 ـ في نسخة « أ » : لا إشكال. 2 ـ ولو مع النذر ، ولكن صحته كذلك مشكل ، لعدم كون الصلاة معه صحيحة مطلوبة ، فتأمل جيدا. « منه قدس سره ». فللنزاع فيه مجال ، لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضا ، وان الموضوع له هو العقد المؤثر لاثر كذا شرعا وعرفا. والاختلاف بين الشرع والعرف فيما يعتبر في تأثير العقد ، لا يوجب الاختلاف بينهما في المعنى ، بل الاختلاف في المحققات والمصاديق ، وتخطئة الشرع العرف في تخيل كون العقد بدون ما اعتبره في تأثيره ، محققا لما هو المؤثر ، كما لا يخفى فافهم. الثاني : إن كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة ، لا يوجب إجمالها ، كألفاظ العبادات ، كي لا يصح التمسك بإطلاقها عند الشك في اعتبار شيء في تأثيرها (1) شرعا ، وذلك لان إطلاقها ـ لو كان مسوقا في مقام البيان ـ ينزل على أن المؤثر عند الشارع ، هو المؤثر عند أهل العرف ، ولم يعتبر في تأثيره عنده. غير ما اعتبر فيه عندهم ، كما ينزل عليه إطلاق كلام غيره ، حيث أنه منهم ، ولو اعتبر في تأثيره ما شك في اعتباره ، كان عليه البيان ونصب القرينة عليه ، وحيث لم ينصب ، بان عدم اعتباره عنده أيضا. ولذا يتمسكون بالاطلاق في أبواب المعاملات ، مع ذهابهم إلى كون ألفاظها موضوعة للصحيح. نعم لو شك في اعتبار شيء فيها عرفا ، فلا مجال للتمسك بإطلاقها في عدم اعتباره ، بل لابد من اعتباره ، لاصالة عدم الاثر بدونه ، فتأمل جيدا. الثالث : إن دخل شيء وجودي أو عدمي في المأمور به : تارة : بأن يكون داخلا فيما يأتلف منه ومن غيره ، وجعل جملته متعلقا للامر ، فيكون جزءا له وداخلا في قوامه. وأخرى : بأن يكون خارجا عنه ، لكنه كان مما لا يحصل الخصوصية 1 ـ في « أ » : تأثيره. المأخوذة فيه بدونه ، كما إذا أخذ شيء مسبوقا أو ملحوقا به أو مقارنا له ، متعلقا للامر ، فيكون من مقدماته لا مقوماته. وثالثة : بأن يكون مما يتشخص به المأمور به ، بحيث يصدق على المتشخص به عنوانه ، وربما يحصل له بسببه مزية أو نقيصة ، ودخل هذا فيه أيضا ، طورا بنحو الشطرية وآخر بنحو الشرطية ، فيكون الاخلال بما له دخل بأحد النحوين في حقيقة المأمور به وماهيته ، موجبا لفساده لا محالة ، بخلاف ماله الدخل في تشخصه وتحققه مطلقا. شطرا كان أو شرطا ، حيث لا يكون الاخلال به إلا إخلالا بتلك الخصوصية ، مع تحقق الماهية بخصوصية أخرى ، غير موجبة لتلك المزية ، بل كانت موجبة لنقصانها ، كما أشرنا إليه ، كالصلاة في الحمام. ثم إنه ربما يكون الشيء مما يندب إليه فيه ، بلا دخل له أصلا ـ لا شطرا ولا شرطا ـ في حقيقته ، ولا في خصوصيته وتشخصه ، بل له دخل ظرفا في مطلوبيته ، بحيث لا يكون مطلوبا إلا إذا وقع في أثنائه ، فيكون مطلوبا نفسيا في واجب أو مستحب ، كما إذا كان مطلوبا كذلك ، قبل أحدهما أو بعده ، فلا يكون الاخلال به موجبا للاخلال به ماهية ولا تشخصا وخصوصية أصلا. إذا عرفت هذا كله ، فلا شبهة في عدم دخل ما ندب إليه في العبادات نفسيا في التسمية بأساميها ، وكذا فيما له دخل في تشخصها مطلقا ، وأما ماله الدخل شرطا في أصل ماهيتها ، فيمكن الذهاب أيضا إلى عدم دخله في التسمية بها ، مع الذهاب إلى دخل ما له الدخل جزءا فيها ، فيكون الاخلال بالجزء مخلا بها ، دون الاخلال بالشرط ، لكنك عرفت أن الصحيح اعتبارهما فيها. الحق وقوع الاشتراك ، للنقل والتبادر ، وعدم صحة السلب ، بالنسبة إلى معنيين أو أكثر للفظ واحد. وان أحاله بعض ، لاخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرائن ، لمنع الاخلال أولا ، لامكان الاتكال على القرائن الواضحة ، ومنع كونه مخلا بالحكمة ثانيا ، لتعلق الغرض بالاجمال أحيانا ، كما أن استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توهم ، لاجل لزوم التطويل بلا طائل ، مع الاتكال على القرائن والاجمال في المقال ، لو لا الاتكال عليها. وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه ، كما لا يخفى ، وذلك لعدم لزوم التطويل ، فيما كان الاتكال على حال أو مقال أتي به لغرض آخر ، ومنع كون الاجمال غير لائق بكلامه تعالى ، مع كونه مما يتعلق به الغرض ، وإلا لما وقع المشتبه في كلامه ، وقد أخبر في كتابه الكريم (1) ، بوقوعه فيه قال الله تعالى « فيه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات » (2). وربما توهم وجوب وقوع الاشتراك في اللغات ، لاجل عدم تناهي المعاني ، وتناهي الالفاظ المركبات ، فلابد من الاشتراك فيها. وهو فاسد لوضوح (3) امتناع الاشتراك في هذه المعاني ، لاستدعائه الاوضاع الغير المتناهية ، ولو سلم لم يكد يجدي إلا في مقدار متناه ، مضافا إلى تناهي المعاني الكلية ، وجزئياتها وإن كانت غير متناهية ، إلا أن وضع الالفاظ بإزاء كلياتها ، يغنى عن وضع لفظ بإزائها ، كما لا يخفى ، مع أن المجاز باب واسع ، فافهم. 1 ـ لا توجد كلمة « الكريم » في نسخة « أ ». 2 ـ آل عمران / 7. 3 ـ في « ب » : بوضوح. إنه قد اختلفو في جواز استعمال اللفظ ، في أكثر من معنى على سبيل الانفراد والاستقلال ، بأن يراد منه كل واحد ، كما إذا لم يستعمل إلا فيه ، على أقوال (1) : أظهرها عدم جواز الاستعمال في الاكثر عقلا. وبيانه : إن حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لارادة المعنى ، بل جعله وجها وعنوانا له ، بل بوجه نفسه كأنه الملقى ، ولذا يسري إليه قبحه وحسنه كما لا يخفى ، ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك ، إلا لمعنى واحد ، ضرورة أن لحاظه هكذا في إرادة معنى ، ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر ، حيث أن لحاظه كذلك ، لا يكاد يكون إلا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه ، فناء الوجه في ذي الوجه ، والعنوان في المعنون ، ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في استعمال واحد ، ومع استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال. وبالجملة (2) : لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد ، لحاظه وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين ، إلا أن يكون اللاحظ أحول العينين. فانقدح بذلك امتناع استعمال اللفظ مطلقا ـ مفردا كان أو غيره ـ في أكثر من معنى بنحو الحقيقة أو المجاز ، ولو لا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه فإن اعتبار الوحدة في الموضوع له واضح المنع. وكون (3) الوضع في حال وحدة المعنى ، وتوقيفيته لا يقتضي عدم 1 ـ القوانين 1 / 67 ، في بيان الاشتراك ، معالم الدين في الاصول / 32. 2 ـ في « أ » : وفي الجملة. 3 ـ هذا رد على المحقق القمي ، القوانين 1 / 67. (37)
الجواز ، بعد ما لم تكن الوحدة قيدا للوضع ، ولا للموضوع له ، كما لا يخفى.
ثم لو تنزلنا عن ذلك ، فلا وجه للتفصيل (1) بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع ، وعلى نحو المجاز في المفرد ، مستدلا على كونه بنحو الحقيقة فيهما ، لكونهما بمنزلة تكرار اللفظ وبنحو المجاز فيه ، لكونه موضوعا للمعنى بقيد الوحدة ، فإذا استعمل في الاكثر لزم إلغاء قيد الوحدة ، فيكون مستعملا في جزء المعنى ، بعلاقة الكل والجزء ، فيكون مجازا ، وذلك لوضوح أن الالفاظ لا تكون موضوعة إلا لنفس المعاني ، بلا ملاحظة قيد الوحدة ، وإلا لما جاز الاستعمال في الاكثر ، لان الاكثر ليس جزء المقيد بالوحدة ، بل يباينه مباينة الشيء بشرط شيء ، والشيء بشرط لا ، كما لا يخفى. والتثنية والجمع وإن كانا بمنزلة التكرار في اللفظ ، إلا أن الظاهر أن اللفظ فيهما كأنه كرر وأريد من كل لفظ فرد من أفراد معناه ، لا أنه أريد منه معنى من معانيه ، فإذا قيل مثلا : ( جئني بعينين ) أريد فردان من العين الجارية ، لا العين الجارية والعين الباكية ، والتثنية والجمع في الاعلام ، إنما هو بتأويل المفرد إلى المسمى بها ، مع أنه لو قيل بعدم التأويل ، وكفاية الاتحاد في اللفظ ، في استعمالهما حقيقة ، بحيث جاز إرادة عين جارية وعين باكية من تثنية العين حقيقة ، لما كان هذا من باب استعمال اللفظ في الاكثر ، لان هيئتهما إنما تدل على إرادة المتعدد مما يراد من مفردهما ، فيكون استعمالهما وإرادة المتعدد من معانيه ، استعمالهما في معنى واحد ، كما إذا استعملا وأريد المتعدد من معنى واحد منهما ، كما لا يخفى. نعم لو أريد مثلا من عينين ، فردان من الجارية ، وفردان من الباكية ، كان من استعمال العينين في المعنيين ، إلا أن حديث التكرار لا يكاد يجدي في ذلك أصلا ، فإن فيه إلغاء قيد الوحدة المعتبرة أيضا ، ضرورة أن التثنية 1 ـ المفصل هو صاحب المعالم ، معالم الدين / 32. عنده إنما يكون لمعنيين ، أو لفردين بقيد الوحدة ، والفرق بينهما وبين المفرد إنما يكون في أنه موضوع للطبيعة ، وهي موضوعة لفردين منها أو معنيين ، كما هو أوضح من أن يخفى. وهم ودفع : لعلك تتوهم أن الاخبار الدالة على أن للقرآن بطونا ـ سبعة أو سبعين ـ تدل على وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، فضلا عن جوازه ، ولكنك غفلت عن أنه لا دلالة لها أصلا على أن إرادتها كان من باب إرادة المعنى من اللفظ ، فلعله كان بارادتها في أنفسها حال الاستعمال في المعنى ، لا من اللفظ ، كما إذا استعمل فيها ، أو كان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ ، وإن كان أفهامنا قاصرة عن إدراكها. إنه اختلفوا في أن المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدأ في الحال ، أو فيما يعمه وما انقضى عنه على أقوال ، بعد الاتفاق على كونه مجازا فيما يتلبس به في الاستقبال ، وقبل الخوض في المسألة ، وتفصيل الاقوال فيها ، وبيان الاستدلال عليها ، ينبغي تقديم أمور : أحدها : إن المراد بالمشتق هاهنا ليس مطلق المشتقات ، بل خصوص ما يجري منها على الذوات ، مما يكون مقهومه منتزعا عن الذات ، بملاحظة اتصافها بالمبدأ ، واتحادها معه بنحو من الاتحاد ، كان بنحو الحلول أو الانتزاع أو الصدور والايجاد (1) ، كأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات ، بل وصيغ المبالغة ، وأسماء الازمنة والامكنة والآلات ، كما هو ظاهر العنوانات ، وصريح بعض المحققين ، مع عدم صلاحية ما يوجب 1 ـ وفي بعض النسخ المطبوعة : أو الايجاد. اختصاص النزاع بالبعض إلا التمثيل به ، وهو غير صالح ، كما هو واضح. فلا وجه لما زعمه بعض الاجلة (1) ، من الاختصاص باسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما يلحق بها ، وخروج سائر الصفات ، ولعل منشأه توهم كون ما ذكره لكل منها من المعنى ، مما اتفق عليه الكل ، وهو كما ترى ، واختلاف انحاء التلبسات حسب تفاوت مبادي المشتقات ، بحسب الفعلية والشأنية والصناعة والملكة ـ حسبما نشير إليه (2) ـ لا يوجب تفاوتا في المهم من محل النزاع ها هنا ، كما لا يخفى. ثم إنه لا يبعد أن يراد بالمشتق في محل النزاع ، مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا عنها ، بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضي ولو كان جامدا ، كالزوج والزوجة والرق والحر. وإن (3) ابيت إلا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق ، كما هو قضية الجمود على ظاهر لفظه ، فهذا القسم من الجوامد أيضا محل النزاع. كما يشهد به ما عن الايضاح (4) في باب الرضاع ، في مسألة من كانت له زوجتان كبيرتان ، أرضعتا زوجته الصغيرة ، ما هذا لفظه : ( تحرم المرضعة الاولى والصغيرة مع الدخول ب [ إحدى ] (5) الكبيرتين [ بالإجماع ] وأما المرضعة الاخرى (6) ففي تحريمها خلاف ، فاختار والدي المصنف ( رحمه الله ) (7) وابن ادريس تحريمها لان هذه يصدق عليها [ انها ] اُم زوجته ، لانه لا يشترط في [ صدق ] المشتق بقاء [ المعنى ] المشتق منه فكذا (8) 1 ـ صاحب الفصول ، الفصول / 60 ، في المشتق. 2 ـ إشارة إلى ما سيأتي من تفصيل الكلام في الامر الرابع صفحة 43. 3 ـ في « ب » : فإن أبيت. 4 ـ إيضاح الفوائد 3 : 52 ، أحكام الرضاع. 5 ـ وردت الزيارات في المصدر. 6 ـ في الايضاح ( الأخيرة ) ، وفي النسخ ( الآخرة ). 7 ـ لم يوجد في الايضاح. 8 ـ هكذا في المصدر وفي النسخ ( هكذا هاهنا ). هنا ) (1). وما عن المسالك (2) في هذه المسألة ، من ابتناء الحكم فيها على الخلاف في مسألة المشتق. فعليه كلما كان مفهومه منتزعا من الذات ، بملاحظة اتصافها بالصفات الخارجة عن الذاتيات ـ كانت عرضا أو عرضيا ـ كالزوجية والرقية والحرية وغيرها من الاعتبارات والاضات ، كان محل النزاع وإن كان جامدا ، وهذا بخلاف ما كان مفهومه منتزعا عن مقام الذات والذاتيات ، فإنه لا نزاع في كونه حقيقة في خصوص ما إذا كانت الذات باقية بذاتياتها. ثانيها : قد عرفت أنه لا وجه لتخصيص النزاع ببعض المشتقات الجارية على الذوات ، إلا أنه ربما يشكل بعدم إمكان جريانه في اسم الزمان ، لان الذات فيه وهي الزمان بنفسه ينقضي وينصرم ، فكيف يمكن أن يقع النزاع في أن الوصف الجاري عليه حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال ، أو فيما يعم المتلبس به في المضي ؟ ويمكن حل الاشكال بأن انحصار مفهوم عام بفرد ـ كما في المقام ـ لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام ، وإلا لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة ، مع أن الواجب موضوع للمفهوم العام ، مع انحصاره فيه تبارك وتعالى. ثالثها : إنه من الواضح خروج الافعال والمصادر المزيد فيها عن حريم النزاع ، لكونها غير جارية على الذوات ، ضرورة أن المصادر المزيد فيها كالمجردة ، في الدلالة على ما يتصف به الذوات ويقوم بها ـ كما لا يخفى ـ وإن الافعال إنما تدل على قيام المبادي بها قيام صدور أو حلول أو طلب فعلها أو تركها منها ، على اختلافها. إزاحة شبهة : قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان ، حتى أخذوا (41)
الاقتران بها في تعريفه. وهو اشتباه ، ضرورة عدم دلالة الامر ولا النهي عليه ، بل على إنشاء طلب الفعل أو الترك ، غاية الامر نفس الانشاء بهما في الحال ، كما هو الحال في الاخبار بالماضي أو المستقبل أو بغيرهما ، كما لا يخفى ، بل يمكن منع دلالة غيرهما من الافعال على الزمان إلا بالاطلاق والاسناد إلى الزمانيات ، وإلا لزم القول بالمجاز والتجريد ، عند الاسناد إلى غيرها من نفس الزمان والمجردات.
نعم لا يبعد أن يكون لكل من الماضي والمضارع ـ بحسب المعنى ـ خصوصية أخرى موجبة للدلالة على وقوع النسبة ، في الزمان الماضي في الماضي ، وفي الحال أو الاستقبال في المضارع ، فيما كان الفاعل من الزمانيات ، ويؤيده أن المضارع يكون مشتركا معنويا بين الحال والاستقبال ، ولا معنى له إلا أن يكون له خصوص معنى صح انطباقه على كل منهما ، إلا أنه يدل على مفهوم زمان يعمهما ، كما أن الجملة الاسمية ك ( زيد ضارب ) يكون لها معنى صح انطباقه على كل واحد من الازمنة ، مع عدم دلالتها على واحد منها أصلا ، فكانت الجملة الفعلية مثلها. وربما يؤيد ذلك أن الزمان الماضي في فعله ، وزمان الحال أو الاستقبال في المضارع ، لا يكون ماضيا أو مستقبلا حقيقة لا محالة ، بل ربما يكون في الماضي مستقبلا حقيقة ، وفي المضارع ماضيا كذلك ، وإنما يكون ماضيا أو مستقبلا في فعلهما بالاضافة ، كما يظهر من مثل قوله : يجيئني زيد بعد عام ، وقد ضرب قبله بأيام ، وقوله : جاء زيد في شهر كذا ، وهو يضرب في ذلك الوقت ، أو فيما بعده مما مضى ، فتأمل جيدا. ثم لا باس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما به يمتاز الحرف عما عداه ، بما يناسب المقام ، لاجل الاطراد في الاستطراد في تمام الاقسام. فاعلم أنه وإن اشتهر بين الاعلام ، أن الحرف ما دل على معنى في (42)
غيره ، وقد بيناه في الفوائد (1) بما لا مزيد عليه ، إلا أنك عرفت فيما تقدم ، عدم الفرق بينه وبين الاسم بحسب المعنى ، وأنه فيهما ما لم يلحظ فيه الاستقلال بالمفهومية ، ولا عدم الاستقلال بها ، وإنما الفرق هو أنه وضع ليستعمل وأريد منه معناه حالة لغيره وبما هو في الغير ، ووضع غيره ليستعمل وأريد منه معناه بما هو هو.
وعليه يكون كل من الاستقلال بالمفهومية ، وعدم الاستقلال بها ، إنما اعتبر في جانب الاستعمال ، لا في المستعمل فيه ، ليكون بينهما تفاوت بحسب المعنى ، فلفظ ( الابتداء ) لو استعمل في المعنى الآلي ، ولفظة ( من ) في المعنى الاستقلالي ، لما كان مجازا واستعمالا له في غير ما وضع له ، وإن كان بغير ما وضع له ، فالمعنى في كليهما في نفسه كلي طبيعي يصدق على كثيرين ، ومقيدا باللحاظ الاستقلالي أو الآلي كلي (2) عقلي ، وإن كان بملاحظة أن لحاظه وجوده ذهنا كان جزئيا ذهنيا ، فإن الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ، وإن كان بالوجود الذهني ، فافهم وتأمل فيما وقع في المقام من الاعلام ، من الخلط والاشتباه ، وتوهم كون الموضوع له أو المستعمل فيه في الحروف خاصا ، بخلاف ما عداه فإنه عام. وليت شعري إن كان قصد الآلية فيها موجبا لكون المعنى جزئيا ، فلم لا يكون قصد الاستقلالية فيه موجبا له ؟ وهل يكون ذلك إلا لكون هذا القصد ، ليس مما يعتبر في الموضوع له ، ولا المستعمل فيه بل في الاستعمال ، فلم لا يكون فيها كذلك ؟ كيف ، وإلا لزم أن يكون معاني المتعلقات غير منطبقة على الجزئيات الخارجية ، لكونها على هذا كليات 1 ـ حاشية كتاب فرائد الاصول ، كتاب الفوائد / 305. 2 ـ في ( أ ) : الآلي الكلي. عقلية ، والكلي العقلي لا موطن له إلا الذهن ، فالسير والبصرة والكوفة (1) ، في ( سرت من البصرة إلى الكوفة ) (2) لا يكاد يصدق على السير والبصرة والكوفة (3) ، لتقيدها بما اعتبر فيه القصد فتصير عقلية ، فيستحيل انطباقها على الامور الخارجية. وبما حققناه (4) يوفق بين جزئية المعنى الحرفي بل الاسمي ، والصدق على الكثيرين (5) ، وإن الجزئية باعتبار تقيد المعنى باللحاظ في موارد الاستعمالات آليا أو استقلاليا ، وكليته بلحاظ نفس المعنى ، ومنه ظهر عدم اختصاص الاشكال والدفع بالحرف ، بل يعم غيره ، فتأمل في المقام فإنه دقيق ومزال الاقدام للاعلام ، وقد سبق في بعض الامور بعض الكلام ، والاعادة مع ذلك لما فيها من الفائدة والافادة ، فافهم. رابعها : إن اختلاف المشتقات في المبادئ ، وكون المبدأ في بعضها حرفة وصناعة ، وفي بعضها قوة وملكة ، وفي بعضها فعليا ، لا يوجب اختلافا في دلالتها بحسب الهيئة أصلا ، ولا تفاوتا في الجهة المبحوث عنها ، كما لا يخفى ، غاية الامر إنه يختلف التلبس به في المضي أو الحال ، فيكون التلبس به فعلا ، لو أخذ حرفة أو ملكة ، ولو لم يتلبس به إلى الحال ، أو انقضى عنه ، ويكون مما مضى أو يأتي لو أخذ فعلى ا ، فلا يتفاوت فيها أنحاء التلبسات وأنواع التعلقات ، كما أشرنا إليه (6). خامسها : إن المراد بالحال في عنوان المسألة ، هو حال التلبس 1 و 2 و 3 ـ في ( أ ) : تقديم الكوفة على البصرة. 4 ـ في هامش ( ب ) : ثم إنه قد انقدح بما ذكرنا أن المعنى بما هو معنى اسمي ، وملحوظ استقلالي ، أو بما هو معنى حرفي وملحوظ آلي ، كلي عقلي في غير الاعلام الشخصية ، وفيها جزئي كذلك ، وبما هو هو أي بلا أحد اللحاظين ، كلي طبيعي أو جزئي خارجي ، وبه ... ( نسخة بدل ). 5 ـ في ( أ ) : على كثيرين. 6 ـ اشار إليه في الامر الاول / 39. (44)
لا حال النطق ضرورة أن مثل ( كان زيد ضاربا أمس ) أو ( سيكون غدا ضاربا ) حقيقة إذا كان متلبسا بالضرب في الامس ، في المثال الاول ، ومتلبسا به في الغد في الثاني ، فجري المشتق حيث كان بلحاط حال التلبس ، وإن مضى زمانه في أحدهما ، ولم يأت بعد في آخر ، كان حقيقة بلا خلاف ، ولا ينافيه الاتفاق على أن مثل ( زيد ضارب غدا ) مجاز ، فإن الظاهر أنه فيما إذا كان الجري في الحال ، كما هو قضية الاطلاق ، والغد إنما يكون لبيان زمان التلبس ، فيكون الجري والاتصاف في الحال ، والتلبس في الاستقبال.
ومن هنا ظهر الحال في مثل ( زيد ضارب أمس ) وأنه داخل في محل الخلاف والاشكال. ولو كانت لفظة ( أمس ) أو ( غد ) قرينة على تعيين زمان النسبة والجري أيضا كان المثالان حقيقة. وبالجملة : لا ينبغي الاشكال في كون المشتق حقيقة ، فيما إذا جرى على الذات ، بلحاظ حال التلبس ، ولو كان في المضي أو الاستقبال ، وإنما الخلاف في كونه حقيقة في خصوصه ، أو فيما يعم ما إذا جرى عليها في الحال بعد ما انقضى عنه التلبس ، بعد الفراغ عن كونه مجازا فيما إذا جرى عليها فعلا بلحاظ التلبس في الاستقبال ، ويؤيد ذلك اتفاق أهل العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان ، ومنه الصفات الجارية على الذوات ، ولا ينافيه اشتراط العمل في بعضها بكونه بمعنى الحال ، أو الاستقبال ، ضرورة أن المراد الدلالة على أحدهما بقرينة ، كيف لا ؟ وقد اتفقوا على كونه مجازا في الاستقبال. لا يقال : يمكن أن يكون المراد بالحال في العنوان زمانه ، كما هو الظاهر منه عند إطلاقه ، وادعي أنه الظاهر في المشتقات ، إما لدعوى الانسباق من الاطلاق ، أو بمعونة قرينة الحكمة. لانا نقول : هذا الانسباق ، وإن كان مما لا ينكر ، إلا أنهم في هذا العنوان بصدد تعيين ما وضع له المشتق ، لا تعيين ما يراد بالقرينة منه. سادسها : إنه لا أصل في نفس هذه المسألة يعول عليه عند الشك ، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية ، مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم ، لا دليل على اعتبارها في تعيين الموضوع له. وأما ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز. إذا دار الامر بينهما لاجل الغلبة ، فممنوع ، لمنع الغلبة أولا ، ومنع نهوض حجة على الترجيح بها ثانيا. وأما الاصل العملي فيختلف في الموارد ، فأصالة البراءة في مثل ( أكرم كل عالم ) يقتضي عدم وجوب إكرام ما (1) انقضى عنه المبدأ قبل الايجاب ، كما أن قضية الاستصحاب وجوبه لو كان الايجاب قبل الانقضاء. > فإذا عرفت ما تلونا عليك ، فاعلم أن الاقوال في المسألة وإن كثرت ، إلا أنها حدثت بين المتأخرين ، بعد ما كانت ذات قولين بين المتقدمين ، لاجل توهم اختلاف المشتق باختلاف مباديه في المعنى ، أو بتفاوت ما يعتريه من الاحوال ، وقد مرت الاشارة (2) إلى أنه لا يوجب التفاوت فيما نحن بصدده ، ويأتي له مزيد بيان في أثناء الاستدلال على ما هو المختار ، وهو اعتبار التلبس في الحال ، وفاقا لمتأخري الاصحاب والاشاعرة ، وخلافا لمتقدميهم والمعتزلة ، ويدل عليه تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال ، وصحة السلب مطلقا عما انقضى عنه ، كالمتلبس به في الاستقبال ، وذلك لوضوح أن مثل : القائم والضارب والعالم ، وما يرادفها من سائر اللغات ، لا يصدق على من لم يكن متلبسا بالمبادئ ، وإن كان متلبسا بها قبل الجري والانتساب ، ويصح سلبها عنه ، كيف ؟ وما يضادها بحسب ما ارتكز من معناها في الاذهان يصدق عليه ، ضرورة صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود ، بعد انقضاء تلبسه بالقيام ، مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى ، كما لا يخفى. 1 ـ في ( أ ) : من انقضى. 2 ـ تقدم في الامر الرابع ، صفحة 43. |
|||
|