|
|||
(181)
الثالث : ظاهر لفظ النهي وإن كان هو النهي التحريمي ، إلا أن ملاك البحث يعم التنزيهي ، ومعه لا وجه لتخصيص العنوان (1) ، واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به ، كما لا يخفى.
كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي ، فيعم الغيري إذا كان أصليا ، وأما إذا كان تبعيا ، فهو وإن كان خارجا عن محل البحث ، لما عرفت أنه في دلالة النهي والتبعي منه من مقولة المعنى ، إلا أنه داخل فيما هو ملاكه ، فإن دلالته على الفساد على القول به فيما لم يكن للارشاد إليه ، إنما يكون لدلالته على الحرمة ، من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك ، كما توهمه القمي (2) ( قدس سره ) ويؤيد ذلك أنه جعل ثمرة النزاع في أن الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ، فساده إذا كان عبادة ، فتدبر جيدا. الرابع : ما يتعلق به النهي ، إما أن يكون عبادة أو غيرها ، والمراد بالعبادة ـ هاهنا ـ ما يكون بنفسه وبعنوانه عبادة له تعالى ، موجبا بذاته للتقرب من حضرته لولا حرمته ، كالسجود والخضوع والخشوع له وتسبيحه وتقديسه ، أو ما لو تعلق الامر به كان أمره أمرا عباديا ، لا يكاد يسقط إلا إذا أتى به بنحو قربى ، كسائر أمثاله ، نحو صوم العيدين والصلاة في أيام العادة ، لا ما أمر به 1 ـ ذهب إليه الشيخ ( قده ) ، مطارح الانظار / 157. 2 ـ قوانين الاصول 1 / 102. في المقدمة السادسة. هو ابو القاسم ابن المولى محمد حسن الجيلاني المعروف بالميرزا القمي. تولد سنة 1151 في جابلق ، فرغ من تشييد مقدمات الكمال في قم ، ثم انتقل إلى خونسار فاشتغل على المحقق الامير سيد حسين ثم توجه إلى العتبات العاليات ، تتلمذ عند العلامة المروج فاجاز له في الرواية والاجتهاد ، له مؤلفات كثيرة منها « القوانين » و « الغنائم » و « المناهج ». توفي سنة 1231 ( روضات الجنات 5 / 369 رقم 547 ). (182)
لاجل التعبد به (1) ، ولا ما يتوقف صحته على النية (2) ، ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء (3) ، كما عرف بكل منها العبادة ، ضرورة أنها بواحد منها ، لا يكاد يمكن أن يتعلق بها النهي ، مع ا أورد عليها بالانتقاض طردا أو عكسا ، أو بغيره ، كما يظهر من مراجعة المطولات (4) ، وإن كان الاشكال بذلك فيها في غير محله ، لاجل كون مثلها من التعريفات ، ليس بحد ولا برسم ، بل من قبيل شرح الاسم كما نبهنا عليه غير مرة ، فلا وجه لاطالة الكلام بالنقض والابرام في تعريف العبادة ، ولا في تعريف غيرها كما هو العادة.
الخامس : إنه لا يدخل في عنوان النزاع إلا ما كان قابلا للاتصاف بالصحة والفساد ، بأن يكون تارة تاما يترتب عليه ما يترقب عنه من الاثر ، وأخرى لا كذلك ، لاختلال بعض ما يعتبر في ترتبه ، أما ما لا أثر له شرعا ، أو كان أثره مما لا يكاد ينفك عنه ، كبعض أسباب الضمان ، فلا يدخل في عنوان النزاع لعدم طروء الفساد عليه كي ينازع في أن النهي عنه يقتضيه أو لا ، فالمراد بالشيء في العنوان هو العبادة بالمعنى الذي تقدم ، والمعاملة بالمعنى الاعم ، مما يتصف بالصحة والفساد ، عقدا كان أو إيقاعا أو غيرهما ، فافهم. السادس : إن الصحة والفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار والانظار ، فربما يكون شيء واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر وفاسدا بحسب آخر ، ومن هنا صح أن يقال : إن الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف ، بل فيهما بمعنى واحد وهو التمامية ، وإنما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار 1 ـ اختاره الشيخ ( قده ) مطارح الانظار / 158 ، في الامر الثالث. 2 ـ مال إليه المحقق القمي ، قوانين الاصول 1 / 154 ، في المقدمة الاولى. 3 ـ يزين الرب تلمحقق القمي أيضا ، المصدر السابق. 4 ـ راجع مطارح الانظار 158 ، والفصول / 139. (183)
التي بالقياس عليها تتصف بالتمامية وعدمها ، وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في صحة العبادة ، إنما يكون لاجل الاختلاف فيما هو المهم لكل منهما من الاثر ، بعد الاتفاق ظاهرا على أنها بمعنى التمامية ، كما هي معناها لغة وعرفا. فلما كان غرض الفقيه ، هو وجوب القضاء ، أو الاعادة ، أو عدم الوجوب ، فسر صحة العبادة بسقوطهما ، وكان غرض المتكلم هو حصول الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة ، فسرها بما يوافق الامر تارة ، وبما يوافق الشريعة اخرى.
وحيث أن الامر في الشريعة يكون على أقسام : من الواقعي الاولى ، والثانوي ، والظاهري ، والانظار تختلف في أن الاخيرين يفيدان الاجزاء أو لا يفيدان ، كان الاتيان بعبادة موافقة لامر ومخالفة لاخر ، أو مسقطا للقضاء والاعادة بنظر ، وغير مسقط لهما بنظر آخر ، فالعبادة الموافقة للامر الظاهري ، تكون صحيحة عند المتكلم والفقيه ، بناء على أن الامر في تفسير الصحة بموافقة الامر أعم من الظاهري ، مع اقتضائه للاجزاء ، وعدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته ، بناء على عدم الاجزاء ، وكونه مراعى بموافقة الامر الواقعي [ و ] (1) عند المتكلم ، بناء على كون الامر في تفسيرها خصوص الواقعي. تنبيه : وهو أنه لا شبهة في أن الصحة والفساد عند المتكلم ، وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتي به مع المأمور به وعدمها ، وأما الصحة بمعنى سقوط القضاء والاعادة عند الفقيه ، فهي من لوازم الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي الاولي عقلا ، حيث لا يكاد يعقل ثبوت الاعادة أو القضاء معه جزما ، فالصحة بهذا المعنى فيه ، وإن كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف ، إلا أنه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهم (2) ، بل مما يستقل به 1 ـ اثبتنا الزيادة من طبعة المشكيني. 2 ـ انظر مطارح الانظار / 160 ، في تذنيب الهداية الاولى من القول في اقتضاء النهي للفساد. العقل ، كما يستقل باستحقاق المثوبة به وفي غيره ، فالسقوط ربما يكون مجعولا ، وكان الحكم به تخفيفا ومنة على العباد ، مع ثبوت المقتضي لثبوتهما ، كما عرفت في مسألة الاجزاء ، كما ربما يحكم بثبوتهما ، فيكون الصحة والفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين. نعم ، الصحة والفساد في الموارد الخاصة ، لا يكاد يكونان مجعولين ، بل إنما هي تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به ، هذا في العبادات. وأما الصحة في المعاملات ، فهي تكون مجعولة ، حيث كان ترتب الاثر على معاملة إنما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو إمضاء ، ضرورة أنه لولا جعله ، لما كان يترتب عليه ، لاصالة الفساد. نعم صحة كل معاملة شخصية وفسادها ، ليس إلا لاجل انطباقها مع ما هو المجعول سببا وعدمه ، كما هو الحال في التكليفية من الاحكام ، ضرورة أن اتصاف المأتي به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما ، ليس إلا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام. السابع : لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعول عليه ، لو شك في دلالة النهي على الفساد. نعم ، كان الاصل في المسألة الفرعية الفساد ، لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة. وأما العبادة فكذلك ، لعدم الامر بها مع النهي عنها ، كما لا يخفى. الثامن : إن متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة ، أو جزأها ، أو شرطها الخارج عنها ، أو وصفها الملازم لها كالجهر والاخفات (1) للقراءة ، أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لاكوان الصلاة المنفكة عنها. 1 ـ فإن كل واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراءة ، وإن كانت هي تنفك عن أحدهما ، فالنهي عن أيهما يكون مساوقا للنهي عنها ، كما لا يخفى. ( منه قدس سره ). (185)
لا ريب في دخول القسم الاول في محل النزاع ، وكذا القسم الثاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة ، إلا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها ، إلا مع الاقتصار عليه ، لا مع الاتيان بغيره مما لا نهي عنه ، إلا أن يستلزم محذورا آخر.
وأما القسم الثالث ، فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة ، إلا فيما كان عبادة ، كي تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به. وبالجملة لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به ، لو لم يكن موجبا لفساده ، كما إذا كانت عبادة. وأما القسم الرابع ، فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه ، فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهي عنها ، لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها مأمورا بها ، مع كون الجهر بها منهيا عنه (1) فعلا ، كما لا يخفى. وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقا ، كما في القسم الخامس ، فإن النهي عنه لا يسري إلى الموصوف ، إلا فيما إذا اتحد معه وجودا ، بناء على امتناع الاجتماع ، وأما بناء على الجواز فلا يسري إليه ، كما عرفت في المسألة السابقة ، هذا حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف. وأما النهي عن العبادة لاجل أحد هذه الامور ، فحاله حال النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق. وبعبارة أخرى : كان النهي عنها بالعرض ، وإن كان النهي عنها على نحو الحقيقة ، والوصف بحاله ، وإن كان بواسطة أحدها ، إلا أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض ، كان حاله حال النهي في القسم الاول ، فلا تغفل. 1 ـ في « ب » : عنها. (186)
ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة ، يظهر حال الاقسام في المعاملة ، فلا يكون بيانها على حدة بمهم ، كما أن تفصيل الاقوال في الدلالة على الفساد وعدمها ، التي ربما تزيد على العشرة ـ على ما قيل (1) ـ كذلك ، إنما المهم بيان ما هو الحق في المسألة ، ولا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الاقوال ، من بسط المقال في مقامين :
الاول في العبادات : فنقول وعلى الله الاتكال : إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها ، ولو كانت جزء عبادة بما هو عبادة ـ كما عرفت ـ مقتض (2) لفسادها ، لدلالته على حرمتها ذاتا ، ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الامر أو الشريعة مع الحرمة ، وكذا بمعنى سقوط الاعادة ، فإنه مترتب على إتيانها بقصد القربة ، وكانت مما يصلح لان يتقرب به (3) ، ومع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك ، ويتأتى قصدها من الملتفت إلى حرمتها ، كما لا يخفى. لا يقال : هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية ، ولا يكاد يتصف بها العبادة ، لعدم الحرمة بدون قصد القربة ، وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلا تشريعا ، ومعه تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة ، ومعه لا تتصف بحرمة أخرى ، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين. فإنه يقال : لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة ـ لو كان مأمورا به ـ بالحرمة الذاتية ، مثلا صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها ، بمعنى أنه لو أمر به كان عبادة ، لا يسقط الامر به إلا إذا أتى به بقصد القربة ، كصوم سائر الايام ، هذا فيما إذا لم يكن ذاتا عبادة ، كالسجود لله تعالى ونحوه ، وإلا كان محرما مع 1 ـ مطارح الانظار / 162 ، في الهداية الثانية من القول في اقتضاء النهي للفساد. 2 ـ في « أ و ب » : مقتضى. 3 ـ هكذا في « أ و ب » : وفي بعض النسخ المطبوعة « بها ». (187)
كونه فعلا عبادة ، مثلا إذا نهي الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى ، كان عبادة محرمة ذاتا حينئذ ، لما فيه من المفسدة والمبغوضية في هذا الحال ، مع أنه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية ، بناء على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفا بالحرمة ، بل إنما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب ، كما هو الحال في التجري والانقياد ، فافهم.
هذا مع أنه لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة ، لكان دالا على الفساد ، لدلالته على الحرمة التشريعية ، فإنه لا أقل من دلالته على أنها ليست بمأمور بها ، وإن عمها إطلاق دليل الامر بها أو عمومه ، نعم لو لم يكن النهي عنها إلا عرضا ، كما إذا نهى عنها فيما كانت ضد الواجب مثلا ، لا يكون مقتضيا للفساد ، بناء على عدم اقتضاء الامر (1) بالشيء للنهي عن الضد الا كذلك أي عرضا ، فيخصص به أو يقيد. المقام الثاني في المعاملات : ونخبة القول ، أن النهي الدال على حرمتها لا يقتضي الفساد ، لعدم الملازمة فيها ـ لغة ولا عرفا ـ بين حرمتها وفسادها أصلا ، كانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة ، أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبب بها إليه ، وإن لم يكن السبب ولا المسبب بما هو فعل من الافعال بحرام ، وإنما يقتضي الفساد فيما إذا كان دالا على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها ، مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن في بيع أو بيع شئ. نعم لا يبعد دعوى ظهور النهي عن المعاملة في الارشاد إلى فسادها ، كما أن الامر بها يكون ظاهرا في الارشاد إلى صحتها من دون دلالته على إيجابها أو استحبابها ، كما لا يخفى ، لكنه في المعاملات بمعنى العقود والايقاعات ، لا المعاملات بالمعنى الاعم المقابل للعبادات ، فالمعول هو ملاحظة القرائن في 1 ـ في « ب » عدم الاقتضاء للامر بالشيء .. الخ. (188)
خصوص المقامات ، ومع عدمها لا محيص عن الاخذ بما هو قضية صيغة النهي من الحرمة ، وقد عرفت أنها غير مستتبعة للفساد ، لا لغة ولا عرفا.
نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعا ، من جهة دلالة غير واحد من الاخبار عليه ، منها ما رواه في الكافي والفقيه ، عن زرارة ، عن الباقر عليه السلام (1) : ( سأله عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذلك إلى سيده ، إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله تعالى ، إن الحكم بن عتيبة (2) وإبراهيم النخعي وأصحابهما ، يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا يحل إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليه السلام : إنه لم يعص الله ، إنما عصى سيده ، فإذا أجاز فهو له جائز ) حيث دل بظاهره ان النكاح لو كان مما حرمه الله تعالى عليه كان فاسدا ، ولا يخفى أن الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية هاهنا ، أن النكاح ليس مما لم يمضه الله ولم يشرعه كي يقع فاسدا ، ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى للفساد كما لا يخفى ، ولا بأس بإطلاق المعصية على عمل لم يمضه الله ولم يأذن به ، كما أطلق عليه (3) بمجرد عدم إذن السيد فيه أنه معصية. وبالجملة : لو لم يكن ظاهرا في ذلك ، لما كان ظاهرا فيما توهم ، وهكذا 1 ـ الكافي / 478 ، الحديث 3 ، باب المملوك يتزوج بغير إذن مولاه ، الفقيه 3 / 350 الحديث 4 باب طلاق العبد ـ التهذيب 7 / 351 الحديث 63 في العقود على الاماء. 2 ـ في « أ و ب » : حكم بن عتبة. 3 ـ وجه ذلك أن العبودية تقتضي عدم صدور العبد إلا عن أمر سيده وإذنه ، حيث أنه كل عليه لا يقدر على شيء ، فإذا استقل بأمر كان عاصيا حيث أتى بما ينافيه مقام عبوديته ، لا سيما مثل التزوج الذي كان خطيرا ، وأما وجه أنه لم يعص الله فيه ، فلاجل كون التزوج بالنسبة إليه أيضا كان مشروعا ماضيا ، غايته أنه يعتبر في تحققه إذن سيده ورضاه ، وليس كالنكاح في العدة غير مشروع من أصله ، فإذا أجاز ما صدر عنه بدون إذنه فقد وجد شرط نفوذه وارتفع محذور عصيانه ، فعصيانه لسيده. ( منه قدس سره ). (189)
حال سائر الاخبار الواردة في هذا الباب (1) ، فراجع وتأمل.
تذنيب : حكي عن أبي حنيفة (2) والشيباني (3) دلالة النهي على الصحة ، وعن الفخر (4) أنه وافقهما في ذلك ، والتحقيق (5) انه في المعاملات كذلك إذا كان عن المسبب أو التسبيب ، لاعتبار القدرة في متعلق النهي كالامر ، ولا يكاد يقدر عليهما إلا فيما كانت المعاملة مؤثرة صحيحة ، وأما إذا كان عن السبب ، فلا ، لكونه مقدورا وإن لم يكن صحيحا ، نعم قد عرفت أن النهي عنه لا ينافيها. وأما العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالسجود والركوع والخشوع والخضوع له تبارك وتعالى ، فمع النهي عنه يكون مقدورا ، كما إذا كان مأمورا به ، وما كان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فيه لو كان مأمورا به ، فلا يكاد يقدر عليه إلا إذا قيل باجتماع الامر والنهي في شيء ولو بعنوان واحد ، وهو محال ، وقد عرفت أن النهي في هذا القسم إنما يكون نهيا عن العبادة ، بمعنى أنه لو كان مأمورا به ، كان الامر به أمر عبادة لا يسقط إلا بقصد القربة ، فافهم. 1 ـ راجع وسائل الشيعة 14 ، الباب 23 إلى 25 من أبواب نكاح العبيد والاماء. 2 و 3 ـ شرح تنقيح الفصول ، 173. 4 ـ أي فخر المحققين ( ره ) نجل العلامة الحلي ( ره ). 5 ـ ملخصه أن الكبرى وهي : ان النهي ـ حقيقة ـ إذا تعلق بشيء ذي أثر كان دالا على صحته وترتب أثره عليه ، لاعتبار القدرة فيما تعلق به النهي كذلك وإن كانت مسلمة ، إلا أن النهي كذلك لا يكاد يتعلق بالعبادات ، ضرورة امتناع تعلق النهي كذلك بما تعلق به الامر كذلك ، وتعلقه بالعبادات بالمعنى الاول وإن كان ممكنا ، إلا أن أثر المرغوب منها عقلا أو شرعا غير مترتب عليها مطلقا ، بل على خصوص ما ليس بحرام منها وهكذا الحال في المعاملات ، فإن كان الاثر في معاملة مترتبا عليها ولازما لوجودها كان النهي عنها دالا على ترتبه عليها ، لما عرفت. ( منه قدس سره ). (190)
(191)
المقصد الثالث
المفاهيم (192)
(193)
وهي : إن المفهوم ـ كما يظهر من موارد إطلاقه ـ هو عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أريد من اللفظ ، بتلك الخصوصية ولو بقرينة الحكمة ، وكان يلزمه لذلك ، وافقه في الايجاب والسلب أو خالفه ، فمفهوم ( إن جاءك زيد فأكرمه ) مثلا ـ لو قيل به ـ قضية شرطية سالبة بشرطها وجزائها ، لازمة للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية ، وتكون لها خصوصية ، بتلك الخصوصية كانت مستلزمة لها ، فصح أن يقال : إن المفهوم إنما هو حكم غير مذكور ، لا أنه حكم لغير مذكور ، كما فسر (1) به ، وقد وقع فيه النقض والابرام بين الاعلام (2) ، مع أنه لا موقع له كما أشرنا إليه في غير مقام ، لانه من قبيل شرح الاسم ، كما في التفسير اللغوي.
ومنه قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام ، فلا يهمنا التصدي لذلك ، كما لا يهمنا بيان أنه من صفات المدلول أو الدلالة وإن كان بصفات 1 ـ كما عن العضدي ، راجع شرح العضدي على مختصر المنتهى لابن الحاجب / 306 ، في المنطوق والمفهوم. 2 ـ راجع تقريرات الشيخ مطارح الانظار / 167 والفصول / 145 والقوانين 1 / 167. (194)
المدلول أشبه ، وتوصيف الدلالة [ به ] (1) أحيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلق.
وقد انقدح من ذلك أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في الحقيقة ، إنما يكون في أن القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل تدل بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الاخرى ، أم لا ؟ فصل
الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء ، كما تدل على الثبوت عند الثبوت بلا كلام ، أم لا ؟ فيه خلاف بين الاعلام.
لا شبهة في استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام ، إنما الاشكال والخلاف في أنه بالوضع أو بقرينة عامة ، بحيث لابد من الحمل عليه لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال ، فلا بد للقائل بالدلالة من إقامة الدليل على الدلالة ، بأحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط ، نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة. وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة ، فإن له منع دلالتها على اللزوم ، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق ، أو منع دلالتها على الترتب ، أو على نحو الترتب على العلة ، أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية. لكن منع دلالتها على اللزوم ، ودعوى كونها اتفاقية ، في غاية السقوط ، لانسباق اللزوم منها قطعا ، وأما المنع عن أنه بنحو الترتب على العلة فضلا عن كونها منحصرة ، فله مجال واسع. ودعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ـ مع كثرة 1 ـ أثبتناه من « أ ». (195)
استعمالها في الترتب على نحو الترتب على الغير المنحصرة منها بل في مطلق اللزوم ـ بعيدة ، عهدتها على مدعيها ، كيف ؟ ولايرى في استعمالها فيهما (1) عناية ، ورعاية علاقة ، بل إنما تكون إرادته كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية ، كما يظهر على من أمعن النظر وأجال البصر (2) في موارد الاستعمالات ، وفي عدم الالزام والاخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات ، وصحة الجواب بأنه لم يكن لكلامه مفهوم ، وعدم صحته لو كان له ظهور فيه معلوم.
وأما دعوى الدلالة ، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل افرادها ، وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها ، ففاسدة جدا ، لعدم كون الاكملية موجبة للانصراف إلى الاكمل ، لاسيما مع كثرة الاستعمال في غيره ، كما لا يكاد يخفى. هذا مضافا إلى منع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة ، فإن الانحصار لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لا بد منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى. إن قلت : نعم ، ولكنه قضية الاطلاق بمقدمات الحكمة ، كما ان قضية إطلاق صيغة الامر هو الوجوب النفسي. قلت : أولا : هذا فيما تمت هناك مقدمات الحكمة ، ولا تكاد تتم فيما هو مفاد الحرف كما هاهنا ، وإلا لما كان معنى حرفيا ، كما يظهر وجهه بالتأمل. وثانيا : تعينه من بين أنحائه بالاطلاق المسوق في مقام البيان بلا معين ، ومقايسته مع تعين الوجوب النفسي بإطلاق صيغة الامر مع الفارق ، فإن النفسي هو الواجب على كل حال بخلاف الغيري ، فإنه واجب على تقدير دون 1 ـ في « ب » : فيها. 2 ـ في « ب » : البصيرة. |
|||
|