قال يحيى : فكنت أعجب من
وصفه إياه بما وصفه به ومن عيبه له وانحرافه عنه. (1) مقاتل بن سليمان وهو رابع النقلة لنزول الآية في نسائه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ويكفي في عدم حجية قوله ما نقله الذهبي في حقه في « سير أعلام النبلاء » قال : قال ابن عيينة : قلت لمقاتل : زعموا أنّك لم تسمع من الضحاك ؟ قال :
يغلق علي وعليه باب فقلت في نفسي : أجل باب المدينة.
وقيل : إنّه قال : سلوني
عمّا دون العرش ، فقالوا : أين أمعاء النملة ؟ فسكت ، وسألوه لما حج آدم من حلق
رأسه ؟ فقال : لا أدري. قال وكيع : كان كذّاباً.
وعن أبي حنيفة قال : أتانا
من المشرق رأيان خبيثان : جهم معطل (2) ومقاتل مشبّه ، مات مقاتل سنة
نيف وخمسين ومائة ، وقال البخاري : مقاتل لا شيء البتة. قلت : اجمعوا على تركه.
(3) تجد اتفاق المتكلمين من
الأشاعرة والمعتزلة ومن قبلهم على أنّ القول بالتشبيه انّما تسرب إلى الأوساط
الإسلامية من مقاتل ، فهو الزعيم الركن بالقول
1 ـ شرح النهج لابن أبي
الحديد : 102/4 ؛ وراجع سير أعلام النبلاء : 421/4 ـ 437 ما يدل على كونه من بغاة
الدنيا وطالبيها ، وقد بنى قصراً في العقيق وأنشد شعراً في مدحه ، وكان مقرباً
لدى الأمويين خصوصاً عبد الملكبن مروان.
2 ـ التعطيل : هو انّ لا تثبت
للّه الصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) والتشبيه : أن يُشبَه اللّه
سبحانه وتعالى بأحد من خلقه.
3 ـ سير أعلام النبلاء :
202/7.
(162)
بأنّ له سبحانه أعضاء مثل ما للإنسان من اليد
والرجل والوجه وغير ذلك ، قاتل اللّه مقاتل ، كيف يفتري على اللّه سبحانه كذباً
ويُفسر آياته بغير وجهها ؟!
وقال الذهبي أيضاً في
« ميزان الاعتدال » (1) ، ما هذا تلخيصه : قال النسائي : كان مقاتل يكذب.
وعن يحيى : حديثه ليس بشيء.
وقال الجوزجاني : كان دجّالاً جسوراً.
وقال ابن حبان : كان يأخذ من
اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان يشبّه الرب بالمخلوقات ،
وكان يكذب في الحديث.
وعن خارجة بن مصعب : لم
استحل دم يهودي ، ولو وجدت مقاتل بن سليمان خلوة لشققت بطنه.
وقال ابن أبي حاتم : حديثه يدل على أنّه ليس بصدوق.
مشكلة السياق ؟! قد تعرفت على ما هو المراد
من أهل البيت في الآية الشريفة من خلال الامعان فيها وفي ظل الروايات الواردة
في كلام النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، غير انّ هناك مشكلة باسم مشكلة السياق وهي انّ الآية وردت في
ثنايا الآيات المربوطة بنساء النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) على وجه يكون قبلها وبعدها راجعاً إليهنّ
ومع ذلك كيف يمكن أن تكون هذه الآية راجعة إلى أهل البيت بالمعنى الذي
عرفت ؟
وبعبارة أُخرى : إنّ آية
التطهير جزء من الآية الثالثة الثلاثين ، التي يرجع صدرها وذيلها إلى نساء
النبي ، فعندئذ كيف يصح القول بأنّها راجعة إلى
1 ـ ميزان الاعتدال : 172/4 ـ
175.
(163)
غيرهنّ ، فإنّ وحدة السياق قاضية على أنّ الكل
راجع إلى موضوع واحد ، وإرجاعها إلى غير نسائه يستلزم التفكيك بين أجزاء آية
واحدة ، نعم لو كانت آية التطهير آية مستقلة لكان الأمر سهلاً إذ كان الإشكال
أضعف ، ولكنّها جزء من آية واحدة نزلت في نساء النبي.
والجواب : لا شك أنّ السياق
من الأُمور التي يستدل بها على كشف المراد ويجعل صدر الكلام ووسطه وذيله قرينة
على المراد ، ووسيلة لتعيين ما أُريد منه ، ولكنه حجة إذا لم يقم دليل أقوى على
خلافه ، فلو قام ترفع اليد عن وحدة السياق وقرينيّته.
وبعبارة أُخرى : إنّ
الاعتماد على السياق إنّما يتم لو لم يكن هناك نص على خلافه ، وقد عرفت النصوص
الدالة على خلافه.
أضف إليه أنّ هناك دلائل
قاطعة على أنّ آية التطهير آية مستقلة نزلت كذلك ووقعت في ثنايا الآية المربوطة
بأزواج النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) لمصلحة كان صاحب الشريعة أعرف بها. (1) وإليك الدلائل الدالة على استقلالها :
الدليل الأُوّل : أطبقت الروايات المنتهية
إلى الأصحاب وأُمّهات المؤمنين والتابعين لهم بإحسان على نزولها مستقلة ، سواء
أقلنا بنزولها في حق العترة الطاهرة أو زوجات النبي أو أصحابه ، فالكل ـ مع قطع
النظر عن الاختلاف في المنزول فيه ـ اتفقوا
1 ـ نقل السيوطي عن ابن
الحصّار : إنّ ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنّما كان بالوحي كان رسول
اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) يقول : ضعوا آية كذا في موضع كذا. لاحظ الإتقان : 194/1 ، الفصل
الثامن عشر في جمع القرآن وترتيبه من طبعة مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني ، تحقيق
محمد أبو الفضل إبراهيم.
(164)
على نزولها مستقلة ، وقد مضت النصوص عن الطبري
و « الدر المنثور » والصحاح ترى أنّ أُمَّ سلمة تقول : نزلت في بيتي « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيراً » .
ويروي أبو سعيد الخدري ، عن
رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : « نزلت هذه الآية في خمسة : فيَّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين
« إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيراً » » .
وروت عائشة : خرج النبي
( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ذات غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله معه ،
ثم جاء الحسين فأدخله معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ، ثم جاء علي فأدخله معه ،
ثم قال : « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيراً » . إلى غير ذلك من
النصوص.
حتى انّ ظاهر كلام عكرمة
وعروة بن الزبير نزولها مستقلة بقول السيوطي : كان عكرمة ينادي في السوق
« إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت » نزلت في نساء النبي.
وأخرج ابن سعد عن عروة بن
الزبير أنّه قال : « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت » قال : أزواج النبي ، نزلت في بيت
عائشة. (1) فالموافق والمخالف اتفقا
على كونها آية مستقلة إمّا نزلت في بيت أُمّ سلمة أو بيت عائشة ، وإمّا في حق
العترة أو نسائه.
وعلى ذلك تسهل مخالفة
السياق ، والقول بنزولها في حق العترة الطاهرة ، وانّ الصدر والذيل راجعان إلى
نسائه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) لا ما ورد في ثناياها ، فهو راجع إلى غيرهن.
1 ـ لاحظ : 140 ـ 153 من هذا
الجزء.
(165)
ولا غرو في أن يكون الصدر
والذيل راجعين إلى موضوع وما ورد في الأثناء راجعاً إلى غيره فإنّ ذلك من فنون
البلاغة وأساليبها ، نرى نظيره في الذكر الحكيم وكلام البلغاء ، وعليه ديدن العرب
في محاوراتهم ، فربما يرد في موضوع قبل أن يفرغ من الموضوع الذي كان يبحث عنه ثم
يرجع إليه ثانياً.
يقول الطبرسي : من عادة
الفصحاء في كلامهم انّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه ، والقرآن من ذلك
مملوء ، وكذلك كلام العرب وأشعارهم. (1) قال الشيخ محمد عبده : إنّ
من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأن إلى شأن ثم يعود إلى مباحث المقصد
الواحد المرة بعد المرة. (2) وروي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السّلام ) : « إنّ
الآية من القرآن يكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء » . (3) ولأجل أن يقف القارئ على
صحة ما قاله هؤلاء الأكابر نأتي بشاهد ، فنقول : قال سبحانه ناقلاً عن « العزيز »
مخاطباً زوجته : « إِنّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ
كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِين » . (1) نرى أنّ العزيز يخاطب أوّلاً امرأته
بقوله : « إِنّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ » وقبل أن يفرغ من كلامه معها ، يخاطب يوسف بقوله :
« يُوسُفُ
1 ـ مجمع البيان : 4/357.
2 ـ تفسير المنار :
2/451.
3 ـ الكاشف : 6/217.
4 ـ يوسف : 28 ـ 29.
(166)
أَعْرِضْ عَنْ هَذَا » ... ثم يرجع إلى الموضوع الأوّل ويخاطب زوجته بقوله :
« وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ » ... فقوله « يُوسُفُ
أَعْرِضْ عَنْ هَذَا » جملة معترضة وقعت بين
الخطابين ، والمسوّغ لوقوعها بينهما كون المخاطب الثاني أحد المتخاصمين ، وكانت
له صلة تامّة بالواقعة التي رفعت إلى العزيز.
والضابطة الكليّة لهذا
النوع من الكلام هو وجود التناسب المقتضي للعدول من الأوّل إلى الثاني ، ثم منه
إلى الأوّل ، وهي أيضاً موجودة في المقام ، فإنّه سبحانه يخاطب نساء النبي
( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) بالخطابات التالية :
1. « يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب
ضعفين » .
2. « يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن ... » .
3. « وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأُولى » .
فعند ذلك صح أن ينتقل إلى
الكلام عن أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وذلك لوجهين :
1. تعريفهنّ على جماعة
بلغوا في التورع والتقى ، الذروة العليا ، وفي الطهارة عن الرذائل والمساوئ ،
القمة. وبذلك استحقوا أن يكونوا أُسوة في الحياة وقدوة في مجال العمل ، فيلزم
عليهن أن يقتدين بهم ويستضيئنّ بضوئهم.
2. التنبيه على أنّ حياتهنّ
مقرونة بحياة أُمّة طاهرة من الرجس ومطهرة من الدنس ، ولهن معهم لحمة القرابة
ووصلة الحسب ، واللازم عليهن التحفّظ على شوَون هذه القرابة بالابتعاد عن
المعاصي والمساوئ ، والتحلّي بما يرضيه سبحانه ولأجل ذلك يقول سبحانه :
« يا نساء النبي لستن كأحد من النساء » ، وما هذا إلا لقرابتهن منه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) وصلتهن بأهل بيته.
وهي لا تنفك عن المسؤولية الخاصة ، فالانتساب للنبي الأكرم ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ولبيته
الرفيع ، سبب المسؤولية ومنشؤها ، وفي ضوء
(167)
هذين الوجهين صح أن يطرح طهارة أهل البيت في
أثناء المحاورة مع نساء النبي والكلام حول شؤونهن.
ولقد قام محقّقو الإمامية
ببيان مناسبة العدول في الآية ، نأتي ببعض تحقيقاتهم ، قال السيد القاضي
التستري : « لا يبعد أن يكون اختلاف آية التطهير مع ما قبلها على طريق الالتفات
من الأزواج إلى النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) وأهل بيته ( عليهم السّلام ) على معنى أنّ تأديب الأزواج وترغيبهن إلى الصلاح والسداد ، من
توابع إذهاب الرجس والدنس عن أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، فالحاصل نظم الآية على هذا : انّ اللّه تعالى رغب
أزواج النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) إلى العفة والصلاح بأنّه إنّما أراد في الأزل أن يجعلكم
معصومين ياأهل البيت واللائق أن يكون المنسوب إلى المعصوم عفيفاً صالحاً كما
قال : « والطّيِّباتُ
لِلطَّيِّبِينَ (1)» .
(2) وقال العلاّمة المظفر :
وإنّما جعل سبحانه هذه الآية في أثناء ذكر الأزواج وخطابهن للتنبيه على أنّه
سبحانه أمرهن ونهاهن وأدّبهن إكراماً لأهل البيت وتنزيهاً لهم عن أن تنالهم
بسببهن وصمة ، وصوناً لهم عن أن يلحقهم من أجلهن عيب ، ورفعاً لهم عن أن يتصل بهم
أهل المعاصي ، ولذا استهل سبحانه الآيات بقوله : « يا
نساء النبي لستن كأحد من النساء » ضرورة أنّ هذا
التميّز انّما هو للاتصال بالنبي وآله ، لا لذواتهن فهن في محل ، و أهل البيت في
محل آخر ، فليست الآية الكريمة إلا كقول القائل : يا زوجة فلان لست كأزواج سائر
الناس فتعفّفي ، وتستّري ، وأطيعي اللّه تعالى ، إنّما زوجك من بيت أطهار يريد
اللّه حفظهم من الأدناس وصونهم عن النقائص. (3)1 ـ النور : 26.
2 ـ إحقاق الحق : 570/2.
3 ـ دلائل الصدق : 72/2.
(168)
الدليل الثاني إنّ لسان الآيات الواردة
حول نساء النبي لسان الإنذار والتهديد ، ولسان الآية المربوطة بأهل بيته لسان
المدح والثناء ، فجعل الآيتين آية واحدة وإرجاع الجميع إليهن ممّا لا يقبله
الذوق السليم ، فأين قوله سبحانه : « يا نساء النبي
من يأت منكنَّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب »
من قوله : « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيراً » ؟!
كما انّ لسان القرآن في
أزواج النبي ، لسان المدح والانذار ويكفيك الإمعان في آيات سورة التحريم
فلاحظ.
الدليل الثالث إنّ قوله سبحانه :
« إنّما يريد اللّه ... » في المصاحف جزء من الآية الثالثة والثلاثين فلو
رفعناه منها لم يتطرق أيّ خلل في نظم الآية ومضمونها وتتحصل من ضم الآية
الرابعة والثلاثين إلى ما بقيت ، آية تامة واضحة المضمون ، مبينة المرمى منسجمة
الفاصلة ، مع فواصل الآيات المتقدمة عليها ، وإليك تفصيل الآية في ضمن مقاطع :
ألف. « وقرن في بيوتكن ولا تبرَّجن تبرُّج الجاهلية الأُولى وأقمن
الصلاة وآتين الزكاة وأطعن اللّه ورسوله » .
ب. « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم
تطهيراً » (1)1 ـ الأحزاب : 33.
(169)
ج. « واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات اللّه والحكمة إنّ اللّه كان
لطيفاً خبيراً » . (1) فلو رفعنا قوله :
« إنّما يريد اللّه »
وضممنا ما تقدم عليه بما تأخر ، جاءت الآية تامة من دون حدوث خلل في المعنى
والنظم ، وهذا دليل على أنّ قوله تعالى : « إنّما
يريد اللّه » آية مستقلة وردت في ضمن الآية لمصلحة
ربما نشير إليها.
إنّ الأحاديث على كثرتها
صريحة في نزول الآية وحدها ، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزولها في ضمن آيات
نساء النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ولا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب
إلى عكرمة وعروة ، فالآية لم تكن حسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة
بها ، وانّما وضعت إمّا بأمر النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) أو عند التأليف بعد الرحلة.
ويؤيده أنّ آية
« وقرن في بيوتكن »
باقية على انسجامها واتصالها لو قدّر ارتفاع آية التطهير من بين جملها.
(2) وليس هذا أمراً بدعاً فله
نظير في القرآن الكريم.
فقد تضافرت السنّة ، وروى
الفريقان أن قوله سبحانه : « الْيَوْمَ يَئِسَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلأ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ
لَكُمُ الإسْلأمَ دِيناً (3)» نزلت
في غدير خم عندما نصّب النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) علياً إماماً للأُمّة وولياً للمؤمنين ، مع أنّه
في المصاحف جزء الآية الثالثة من « سورة المائدة » التي تبيّن أحكام اللّحوم ،
وإليك نفس الآية في مقاطع
1 ـ الأحزاب : 34.
2 ـ الميزان : 330/16.
3 ـ المائدة : 3.
(170)
ثلاثة :
ألف. « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ
وَالْمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ الْسَّبُعُ
إِلاَ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا
بِالأزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ » .
(1) ب. « اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت
لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً » .
ج. « فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لأثْمٍ
فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » . (2) فإذا رفعنا الجزء الثاني
يحصل من ضم الأوّل إلى الثالث آية تامة من دون طروء خلل في مضمونها ونظمها ،
وذلك دليل على أنّ الجزء الثاني آية مستقلة وردت في ضمن آية أُخرى بتصويب صاحب
الشريعة الغراء أو بتصويب من جامعي القرآن بعد رحلته ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ).
أضف إلى ذلك أنّ مضمون
الآية ـ أعني : أحكام اللحوم ـ قد ورد في آيات أُخر من دون أن تشتمل على هذه
الزيادة ، فهذه قرينة على أنّ ما ورد في الأثناء ليس من صميم الآية في سورة
المائدة ، وإنّما وضع في أثنائها بأمر من النبي الأكرم لمصلحة عامة نشير إليها.