 |
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 291 ـ 300 |
 |
(291)
الحياة ، و لكن السنَّة المروية عن أئمّة أهل
البيت ( عليهم السّلام ) فسرته
بالنحو التالي :
1. روى حفص البختري عن
الإمام الصادق ( عليه السّلام ) قال : « الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل أو ركاب (1) أو
قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم ، وكلّ أرض خربة ، وبطون الأودية ، فهو لرسول
اللّه ، وهو للإمام بعده يضعه حيث يشاء » . (2)
2. وروى حماد بن عيسى ، عن
بعض أصحابنا ، عن الإمام الكاظم عليه السَّلام في حديث : « والأنفال كلّ أرض خربة
باد أهلها ، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا
بأيديهم على غير قتال ، وله رؤوس الجبال ، وبطون الأودية والآجام ، وكلّ أرض
ميتة لا ربّ لها ، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب ، لأنّ
الغصب كلّه مردود ، وهو وارث من لا وارث له ، يعول من لا حيلة
له » . (3)
3. موثقة إسحاق بن عمّار
المروية في تفسير القمي قال : سألت أبا عبداللّه ( عليه السّلام ) عن الأنفال ، فقال ( عليه السّلام ) : « هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها ، فهي للّه
وللرسول ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، وما كان للملوك فهو للإمام ، و ما كان من الأرض الخربة لم
يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها ، من مات وليس له
مولى فماله من الأنفال » . (4)
إلى غير ذلك من الروايات.
وعلى الرواية الأُولى يكون
الفيء من أقسام الأنفال ، ولم نجد في تفاسير أهل السنَّة من يوافق الشيعة
الإمامية في تفسير الأنفال إلا شيئاً قليلاً ، فقد عقد أبو
1 ـ وعلى هذا يكون الفيء
قسماً من الأنفال.
2 و 3 و 4 ـ وسائل الشيعة : 6 ، الباب
الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث 1 ، 4 ، 20.
(292)
إسحاق الشيرازي باباً للأنفال وفسرها بقوله :
يجوز لأمير الجيش أن ينفل لمن فعل فعلاً يفضي إلى الظفر بالعدو ، كالتجسيس ،
والدلالة على طريق أو قلعة ، أو التقدم بالدخول إلى دار الحرب أو الرجوع إليها
بعد خروج الجيش منها. (1)
1 ـ المهذَّب في فقه الإمام
الشافعي : 243/2.
(293)
من حقوق أهل البيت ( عليهم السّلام )
لقد أذن اللّه تعالى في
ترفيع البيوت التي يذكر فيها اسمه ويسبِّح له بالغدوِّ والآصال في آية مباركة ،
وقال : « فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ
وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ وَالآصالِ * رِجالٌ
لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وإقامِ الصَّلاةِ
وإيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ
وَالأَبْصار » . (1)
وتفسير الآية رهن دراسة أمرين :
الأوّل : ما هو المقصود من البيوت ؟
الثاني : ما هو المراد من الرفع ؟
أمّا الأوّل فربما قيل انّ المراد من البيوت هو المساجد.
قال صاحب الكشّاف :
« في بيوت » يتعلّق
بما قبله ، مثل نوره كمشكاة في بعض بيوت اللّه ، وهي المساجد. (2)
ولكن الظاهر أنّ التفسير
غير صحيح ، لأنّ البيت هو البناء الذي يتشكَّل
1 ـ النور : 36 ـ 37.
2 ـ الكشاف : 389/2.
(294)
من جدران أربعة وعليها سقف قائم ، فالكعبة بيت
اللّه لأجل كونها ذات قوائم أربعة وعليها سقف ، والقرآن يعبِّر عن البيت بالمكان
المسقَّف ، ويقول : « وَلَولا أَنْ يَكُونَ النّاسُ
أُمّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ
سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمعارِج عَلَيْها يَظهَرُون » . (1)
فالمستفاد من الآية أنّ
البيت لا ينفك عن السقف ، هذا من جانب. ومن جانب آخر : لا يشترط في المساجد وجود
السقف ، هذا هو المسجد الحرام تراه مكشوفاً تحت السماء ودون سقف يظلّله.
وقد ورد لفظ البيوت في
القرآن الكريم ( 36 مرّة ) بصور مختلفة ، واستعمل في غير المسجد ، يقول سبحانه :
« طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفينَ وَالعاكِفِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُود » . (2) « وَاذْكُرْنَ ما يُتْلئ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَالحِكْمَة ) . (3)
إلى غير ذلك من الآيات ،
فكيف يمكن تفسيره بالمساجد ؟
وبما أنّ جميع المساجد ليس
على هذا الوصف ، التجأ صاحب الكشاف بإقحام كلمة « بعض » ، وقال : في بعض بيوت اللّه
وهي المساجد ، وهو كما ترى ، وهناك حوار دار بين قتادة فقيه البصرة وأبي جعفر
الباقر ( عليه السّلام ) يؤيد ما ذكرنا.
حضر قتادة في مجلس الإمام
أبي جعفر الباقر ( عليه السّلام ) فقال له الإمام : من أنت ؟
قال : أنا قتادة بن دعامة البصري.
فقال أبو جعفر : أنت فقيه
أهل البصرة ؟
فقال : نعم. قال قتادة :
أصلحك اللّه ، ولقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدّام
واحد منهم ، ما اضطرب قدّامك !
1 ـ الزخرف : 33.
2 ـ البقرة : 125.
3 ـ الأحزاب : 34.
(295)
فقال أبو جعفر ( عليه السّلام ) : ما تدري أين أنت ؟ أنت
بين يدي « بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ
وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ وَالآصال * رِجالٌ
لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وإقام الصَّلاة
وإيتاءِ الزَّكاة » ونحن أُولئك.
فقال له قتادة : صدقت ،
واللّه جعلني فداك ، واللّه ماهي بيوت حجارة ولا طين. (1)
و يؤيّد ما رواهالصدوق
في الخصال عن النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : ان اللّه اختار من البيوتات أربعة ثم قرأ هذه الآية :
« إنّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وآلَ
إِبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَةً بَعْضُها مِنْ
بَعْضٍ » (2) (3)
وعلى هذا
الحوار فالمراد من البيت ، بيت الوحي وبيت النبوَّة ، ومن يعيش في هذه البيوت من
رجال لهم الأوصاف المذكورة في الآية الكريمة.
هذا كلّه حول الأمر الأوّل.
وأمّا الأمر الثاني ، أعني :
ما هو المراد من الرفع ؟ فيحتمل وجهين :
الأوّل : أن يكون المراد
الرفع المادي الظاهري الذي يتحقَّق بإرساء القواعد وإقامة الجدار والبناء ، كما
قال سبحانه : « وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ
الْقَواعِدَ مِنْ البَيْتِ وَإِسماعيل » . (4) وعلى هذا تدل الآية على جواز تشييد
بيوت الأنبياء والأولياء وتعميرها في حياتهم بعد مماتهم.
الثاني : أن يكون المراد
الرفع المعنوي والعظمة المعنوية ، وعلى هذا تدل الآية بتكريم تلك البيوت
وتبجيلها وصيانتها وتطهيرها مما لا يليق بشأنها.
1 ـ البرهان في تفسير
القرآن : 138/3.
2 ـ آل عمران : 33 ـ 34.
3 ـ الخصال : 107/1.
4 ـ البقرة : 127.
(296)
قال الرازي : المراد من
رفعها ، بنائها لقوله تعالى : « رَفَعَ سَمْكَها
فَسَوّاها » (1) وثانيها « ترفع » اي تعظم. (2)
هذا كلّه حسب ما تدل عليه
الآية ، وأمّا بالنظر إلى الروايات فنذكر منها ما يلي :
1. روى الحافظ السيوطي عن
أنس بن مالك و بريدة ، انّ رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) قرأ قوله تعالى : « في بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ ترفَع » فقام إليه رجل وقال : أيّ بيوت هذه يا رسول اللّه ؟
فقال ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : « بيوت
الأنبياء » .
فقام إليه أبو بكر وقال : يا
رسول اللّه ، وهذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي و فاطمة عليهما السَّلام.
فقال النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) :
« نعم من أفاضلها » . (3)
2. روى ابن شهراشوب عن
تفسير مجاهد و أبي يوسف ، يعقوب بن سفين ، قال ابن عباس في قوله تعالى :
« وَإِذا رَأَوا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفضُّوا
إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً » (4) : إنّ دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من
الشام بالميرة ، فنزل عند أحجار الزيت ، ثمّ ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه ،
فمضوا الناس إليه إلاعلي والحسن والحسين وفاطمة ( عليهم السّلام ) وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب ، وتركوا النبي
( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) قائماً يخطب على المنبر ، فقال النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : قد نظر اللّه يوم الجمعة
إلى مسجدي فلولا
1 ـ النازعات : 28
2 ـ تفسير الفخر الرازي : 3/24.
3 ـ تفسير الدر
المنثور : 50/5.
4 ـ الجمعة : 11.
(297)
هؤلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لأضرمت
المدينة على أهلها ناراً ، وحُصبوا بالحجارة كقوم لوط ، ونزل فيهم رجال لا تلهيهم
تجارة. (1)
وقد وصف الإمام أمير
المؤمنين ( عليه السّلام ) هؤلاء الرجال الذين يسبِّحون في تلك البيوت ؛ عند تلاوته : « رِجالٌ لا تُلهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِاللّه » : وإنّ للذكر لأهلاً أخذوه من
الدُّنيا بدلاًً ، فلم يشغلهم تجارة ولا بيع عنه ، يقطعون به أيام الحياة ،
ويهتفون بالزواجر عن محارم اللّه في أسماع الغافلين ، ويأمرون بالقسط ويأتمرون
به ، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه فكأنَّما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها ،
فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنّما اطَّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه ،
وحقَّقت القيامة عليهم عِداتُها ، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا ، حتى كأنّهم
يرون ما لا يرى الناس ويسمعون مالا يسمعون. (2)
1 ـ البرهان في تفسير
القرآن : 139/3.
2 ـ نهج البلاغة : الخطبة
222.
(298)
خاتمة المطاف
أهل البيت
في كلام الإمام
علي ( عليه السّلام )
إلى هنا تمّ ما أردنا
استعراضه من سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم ، ولو حاول الباحث أن يستعرض
أوصافهم وخصوصيّاتهم الواردة في الأحاديث النبوية لاحتاج إلى تأليف مفرد ، و
بما انّ محور بحوثنا هو القرآن الكريم اقتصرنا على ذلك ، وهذا لا يمنعنا أن نذكر
ما روي عن علي ( عليه السّلام ) في
ذلك المجال :
1. يقول في حقّهم :
« ... فَإنّهم عيش العلم ، وموت الجهل ، هم الذين يُخبركم حُكمُهم عن علمهم ،
وصَمتُهم عن منطقهم ، وظاهرهُم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين ، ولا يختلفون فيه ،
فهو بينهم شاهدٌ صادق ، وصامت ناطق » . (1)
2. وفي خطبة أُخرى : « لا
يقاس بآل محمّد ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) من هذه الأُمّة أحد ، ولا يُسوَّى بهم مَن جرت نعمتهم عليه
أبداً ، هم أساسُ الدين ، وعمادُ اليقين ، إليهم يفيءُ الغالي ، وبهم يُلحق التالي ،
ولهم خصائص حقِّ الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ، الآنَ إذ رجع الحقّ إلى
أهله ، ونُقل إلى منتقله » . (2)
1 ـ نهج البلاغة : الخطبة
147.
2 ـ نهج البلاغة : الخطبة
2.
(299)
3. وقال ( عليه السّلام ) : « نحنُ الشعار والأصحاب ، والخزنة
والأبواب ، ولا تؤتى البيوتُ إلا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سُمّي
سارقاً » .
منها : « فيهم كرائمُ القرآن ،
وهم كنوز الرحمن ، إن نطقوا صدقوا ، وإن صمتوا لم يسبقوا » . (1)
4. وقال ( عليه السّلام ) : « ألا إنّ مثل آل محمّدٍ
( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، كَمَثَلِ نجوم السَّماء : إذا خوى نجم ، طَلَعَ نَجم ، فكأنّكم
قد تكاملت من اللّه فيكم الصنائع ، وأراكم ما كنتم تأملون » . (2)
5. وقال ( عليه السّلام ) : « ألا وإنّ لكلِّ دمٍ ثائراً ، ولكلِّ
حقٍّ طالباً. وإنَّ الثّائِرَ في دمائِنا كالحاكِمِ في حقِّ نفسِهِ ، وهُوَ
اللّهُ الذي لا يُعجِزُهُ من طَلَبَ ، ولا يفُوتُهُ من هرب » . (3)
6. وقال ( عليه السّلام ) : « أيّها الناس ، خذوها عن
خاتم النبيّين ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : إنّه يموت من ماتَ منّا وليس بميِّت ، ويبلى من بَلي منَّا
وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرِفُون ، فإنّ أكثرَ الحقِّ فيما تُنكِرون ،
واعذِروا من لا حُجّة لكم عليه ـ وهو أنّا ـ ألم أعمل فيكم بالثَّقل الأكبر ،
وأترُك فيكم الثَّقل الأصغر ، قد ركْزتُ فيكُمْ راية الإيمانِ ، ووقفتُكُم على
حُدودِ الحلالِ والحرام ، وألبستُكُمُ العافيةَ من عدلي ، وفرشتكم المعروف من
قولي وفعلي ، وأريتُكُم كرائمَ الأخلاقِ من نفسي ، فلا تستعملوا الرأيَ فيما لا
يُدْرِكُ قعرَهُ البصرُ ، ولا تتغلغل إليهِ الفِكرُ » . (4)
1 ـ نهج البلاغة :
الخطبة 154.
2 ـ نهج البلاغة :
الخطبة 100.
3 ـ نهج البلاغة : الخطبة 105.
4 ـ نهج البلاغة :
الخطبة 87.
(300)
إلى غير ذلك ، الكلمات
الناصعة في خطبه ورسائله وقصار كلمه مما نقله الرضي في « نهج البلاغة » وغيره في
الكتب الحديثية والتاريخية ، ولنقتصر على ذلك فانّ الإفاضة في القول في هذا
المضمار يوجب الإطالة.
 |
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس |
 |