|
مفاهيم القرآن ـ جلد الثالث ::: 11 ـ 20 |
|
(11)
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن
كتاب القرون والأجيال
القرآن معجزة خالدة
لمّا كانت رسالة النبي الكريم محمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أبدية خالدة إلى يوم القيامة ، لأنّها خاتمة الرسالات ، ونبوّته خاتمة النبوّات.. وكانت النبوّة والرسالة الخالدة بحاجة إلى المعجزة الخالدة لاقناع الأجيال المتلاحقة ، امتازت معجزة الرسول الكريم محمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) عن معاجز غيره من الرسل الكرام بكونها خالدة خلود النبوّة المحمدية ، باقية بقاء الرسالة الإسلامية ، التي هي خاتمة الرسالات والحلقة الأخيرة المتكاملة في سلسلة الشرائع الإلهية.
وهذا أمر يؤيّده العقل ، ويؤكده البرهان. فالأنبياء والرسل السابقون ، رغم أنّهم كانوا أصحاب معاجز كثيرة وعديدة ، لكن تلك المعاجز كانت مؤقتة ، لأنّ رسالتهم كانت منحصرة على عصورهم وأجيالهم أو تمتد إلى عصور بعدهم بقليل ولذلك كانت معاجزهم باقية في الأذهان بقدر طول مدة نبوّتهم ورسالتهم فكانت تختفي بانتهاء مدة
(12)
نبوّاتهم ( عليهم السَّلام ) ولم يبق منها إلاّ أخبار وقصص في بطون الكتب ، وطيات التاريخ المدوّن.
أمّا الرسالة التي كلّف بإبلاغها الرسول الخاتم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فإذ لم تكن محدودة بزمن دون آخر ، ولا مقصورة على جيل دون آخر ، فهي الرسالة الخالدة وهي الدعوى الموجهة إلى جميع الأجيال البشرية إلى يوم القيامة ، كان من الضروري والبديهي أن تقترن بمعجزة خالدة ، تشهد على صدق صاحب الدعوة وحامل تلك الرسالة ، في جميع القرون والأعصار ، ولتكون ( حجة ) على جميع الأجيال المخاطبة بها ، والمدعوّة إليها ، لأنّ المعجزة وثيقة إثبات لا يمكن تصديق رسالة ونبوّة بدونها.
وكانت هذه المعجزة الخالدة التي زوّد الله تعالى بها خاتم الأنبياء محمداً ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) هي ( القرآن الكريم ) الذي بقى على مرّ العصور والأزمنة يشهد ـ بقوّة ووضوح ـ على صدق النبوّة المحمدية وعلى صلته ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بالله سبحانه وتعالى.
والجدير بالذكر أنّ إعجاز القرآن الكريم لا يقتصر على جهة دون جهة ، بل هو معجزة بمجموعه وفي جهات شتى نشير إلى بعضها على سبيل المثال لا الحصر :
أوجه الإعجاز القرآني
إنّ القرآن الكريم معجزة مستمرة وخالدة :
أوّلا : من حيث فصاحته وبلاغته التي أخرست البلغاء والفصحاء ، لافي عصر نزوله خاصة ، بل في جميع الأزمنة والدهور ، وأعجزتهم عن معارضته ، وتحدّتهم في معاقلهم ، وعقر دورهم.
ثانياً : من حيث احتوائه على أفضل القوانين والنظم ، وأرقى التشريعات في جميع المجالات الحيوية ، وإتيانه بما عجز عن الإتيان به أرقى الحضارات البشرية حتى يومنا هذا.
ثالثاً : من حيث إخباره بالأُمور المستقبلية واحتوائه على الأُمور الغيبية ، إذ أخبر
(13)
عن وقائع وحوادث مستقبلية تحقّقت بعده حرفاً بحرف.
رابعاً : من حيث سلامته عن التناقض والاختلاف في النظم والاُسلوب ، وفي المعنى والمضمون رغم تدرّجه في النزول على النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وتنزّله في ظروف مختلفة متباينة كيفاً وحالا ، وخلال ثلاث وعشرين سنة محفوفة بالمشاكل الجسيمة ، والتطورات العنيفة.
خامساً : من حيث تناوله الدقيق للوقائع التاريخية الماضية ، حيث قصّها على نحو خال عن شائبة الأساطير والخرافات ، وهو أمر يمكن معرفته بمقارنة القرآن الكريم مع التوراة والإنجيل.
سادساً : من حيث اشتماله على إشارات رائعة عميقة إلى حقائق كثيرة من العلوم الطبيعية التي توصّل إليها العلم الحديث ـ في هذا العصر ـ بفضل الجهود الطويلة المضنية ، وبواسطة المختبرات ، والوسائل العلمية والتجارب والاختبارات العديدة.
سابعاً : من حيث قوّة احتجاجه على خصومه ومعارضيه ، وما جاء به من حجج لم يسبق لها نظير في علم المناظرة والاحتجاج وكانت ـ ولا تزال ـ أنجح الحجج في إفحام الخصوم وإسكات المجادلين ، والمشكّكين ، بل وهدايتهم في أغلب الأحيان.
ثامناً : من جهة ما جاء به في مجال الأخلاق والتربية الأخلاقية للفرد والمجتمع حيث استقصى الأخلاق الفاضلة وحثّ على التزيّن بها بما توجبه الحكمة من البعث والترغيب ، وأحصى الأخلاق الرذيلة وزجر عن التلوّث بها بما توجبه الحكمة ، ويقتضيه الاصلاح من التخويف والتنفير وسلك في ذلك كلّه طريقة فريدة لها أبلغ الأثر حتى في أشد القلوب قساوة.
تاسعاً : من حيث روحانيته البالغة التي تنفذ إلى الأعماق ، وتأخذ بمجامع القلوب ، وتستميل المشاعر ، فإذا بآياته روح تحيا بها نفوس الخلق ، ونور يضيء الوجود الإنساني كما تضيء الشمس الآفاق ، فتنشط الأحياء ، وتتحرك الطبيعة.
(14)
عاشراً : من حيث تناوله لأدق المعارف العقلية ، والقضايا الاعتقادية الرفيعة التي لاتصل إليها أفكار البشر ، ولا تبلغها علومهم ، ممّا يتعلّق بالله سبحانه وصفاته وأسمائه وأفعاله ، وما أخبر به من عوالم غيبية في الملأ الأعلى ، والنشأة الأُخرى.
إلى غير ذلك من الجهات والوجوه التي يقصر البيان عن الإحاطة بها ، وإحصائها في هذا المختصر.
غير أنّ الجهة الأخيرة من هذه الجهات وهي التي كان يتوجب تناولها بالدراسة الوافية والتحليل الشامل ، وخاصة في عصرنا الحاضر ، قد أُهملت في مؤلّفات المفسّرين غالباً فهم لم يدرسوها بجامعية تليق بالموضوع وتناسب أهميته ، وتعطي حقه من العناية والبحث.
ولعلّ عذرهم في ذلك هو أنّ تفسيرهم للكتاب العزيز كان على وجه التفسير التدريجي للقرآن ، أي التفسير سورة فسورة ، وآية فآية ، ولم يتبادر إلى أذهانهم إنّ هناك نوعاً آخر من التفسير هو التفسير الموضوعي الذي يفسّر الكتاب العزيز حسب المفاهيم والموضوعات ، وهو النمط الذي أشرنا إليه في مقدمة الجزء الأوّل من هذه السلسلة القرآنية.
لزوم الاهتمام بالمعارف الإلهية
وإنّما ينبغي إعطاء المزيد من الاهتمام بالمعارف الإلهية التي ترتبط بالله سبحانه ، وأسمائه وصفاته وأفعاله وغير ذلك ممّا تناوله القرآن بالدقة المشهودة ، لأنّ تناول القرآن لهذه المعارف بهذا الشكل يدلّ ـ بوضوح لا يقبل الجدل ـ على أنّ النبيّ الأُمّي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لم يأخذ هذه المعارف إلاّ من مستقى ( الوحي ) ، إذ من المستحيل لابن الجزيرة الخالية من أيّة حضارة وثقافة أن يأتي ـ في كتابه ـ بما أبهر عقول الفلاسفة والمفكّرين ، في القديم والحديث ، وذلك من لدن نفسه وصنع فكره ، أو يكون قد تلقّاها في مدرسة ، أو اقتبسها من معلّم في أرض لم يعرف أهلها إلاّ الأوهام ، ولم يؤمنوا إلاّ بالخرافة ، فلا ثقافة
(15)
ولا مثقّفين ، اللّهمّ إلاّ بضعة أشخاص (1) لم ينالوا من الثقافة إلاّ صبابات هي إلى الجهل أقرب منها إلى العلم والمعرفة.
إنّ القرآن جاء بأُصول وأفكار في مجال المعارف العقلية العليا لم يقف عليها حتى النوابغ من الفلاسفة ، في الشرق والغرب ، إلاّ عن طريق ذلك الكتاب الإلهي وهدايته.
إنّ من الظلم الفضيع إهمال دراسة هذه المعارف العليا بحجة أنّها مسائل غيبية يجب الاعتقاد بها إجمالا ، وترك دراستها ومناقشتها وتحليلها.
والعجب أنّه روي عن الإمام مالك أنّه جاء إليه رجل فقال : يا أبا عبد الله ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى؟
فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء. ثم قال :
« الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وما أراك إلاّ مبتدعاً ».
فأمر به أن يخرج. (2)
ونحن نعتقد أنّه كان على الإمام أن يجيب على سؤال السائل ويهديه إلى مراده سبحانه من هذه الآية بدل رميه بالابتداع وإخراجه من المجلس.
كما أنّ من الظلم أيضاً ما يرتكبه بعض كتّابنا المسلمين المعاصرين ، حيث أخذ يفسّر هذه المعارف العقلية الإلهية بالأُمور المحسوسة ويحاول تطبيقها على الشؤون المادية فصار فعله بذلك من أوضح مصاديق ( تفسير القرآن بالرأي ) الذي تواترت الأحاديث
1 ـ لقد نقل البلاذري في كتابه « فتوح البلدان » أنّ الذين كانوا يعرفون الكتابة في مكة ـ آنذاك ـ لا يتجاوزون سبعة عشر شخصاً ، وفي المدينة أحد عشر شخصاً ، وإليك نصّ ما قاله في هذا المجال :
« دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب » ثمّ عدهم وذكر أسماءهم وقال :
« كان الكتّاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلين ... فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون » ثمّ ذكر أسماءهم راجع فتوح البلدان ص 456 ـ 459 باب في أمر الخط.
2 ـ مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية ، ج 1 ، ص 443.
(16)
الشريفة من الرسول الأعظم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) على نهيه.
من أجل هذا ، ولكي نسلم من التخبّط والعشوائية في معرفة هذه المعارف والقضايا الاعتقادية يتعيّن علينا أن ندرسها بعناية بالغة على نمط ( التفسير الموضوعي ) من دون فرق بين موضوع وآخر ، حتى نقف ـ من هذا السبيل ـ على واحدة من أهم جهات الإعجاز القرآني ، ونكون من المتعمّقين في القرآن ومعارفه. وما روي عن الإمام علي بن الحسين السجاد ( عليه السَّلام ) إذ قال ، لمّا سئل عن التوحيد :
« إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى : ( قل هو الله أحد ) والآيات من سورة الحديد إلى قوله : ( وهو عليم بذات الصدور ) فمن رام وراء ذلك فقد هلك ». (1)
أقول : إنّ ما روي عنه ( عليه السَّلام ) لا يعني أنّ الإمام أراد حصر الآيات الباحثة عن المعارف والقضايا الاعتقادية في هذه الآيات ، بل لمّا كان ما جاء في هذه الآيات في القمّة من تلك المعارف ، أشار إليها الإمام خاصة دون إرادة الحصر.
ولأجل هذا جعلنا وجهة البحث في تفسيرنا منذ أن شرعنا في هذا النمط صوب : ( المعارف الاعتقادية ) على ضوء القرآن ، مبتدئين بالتوحيد و ماضين في هذا السبيل إلى ما شاء الله ...
تقديم مباحث النبوّة على الصفات
ولمّا انتهى البحث عن ( التوحيد ) وأقسامه في الجزء الأوّل من كتابنا الذي انتشر باسم « معالم التوحيد في القرآن الكريم » ، وفرغنا من عرض أهم أصل من أُصول الدين الإسلامي ، وانجرّ البحث عن توحيد حاكميته سبحانه إلى توضيح صيغة الحكومة الإسلامية وخصصنا لبيانها جزءاً مستقلا وانتشر باسم : « معالم الحكومة الإسلامية » كان البحث الضروري والمهم بعد ذلك الفصل هو البحث عن معالم النبوّة مطلقاً ، ونبوّة
1 ـ الكافي ، ج 1 ، باب النسبة ، الحديث 3.
(17)
نبيّنا محمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) خاصّة واستعراض ما جاء حولهما من المسائل والمباحث التي يجب الاعتقاد بها حسب نصوص القرآن الكريم وآياته.
نعم كان اللازم بعد البحث عن وجوده سبحانه وتوحيده هو البحث عن سائر صفاته الجمالية من علمه وقدرته وحياته إلى غير ذلك من الصفات الثبوتية ، أو البحث عن صفاته الجلالية من كونه ليس بجسم ، ولا عرض ، إلى غير ذلك من الصفات السلبية. (1)
نعم كان اللازم تقديم البحث عن صفاته على بحث النبوّة ، غير أنّه لما كان أهم صفاته هو التوحيد وقد أشبعنا الكلام فيه ضمن فصول ، قدّمنا بحث النبوّة.
وإنّما اخترنا مبحث النبوّة ، بعد استيفاء البحث في توحيد الله سبحانه ، لأنّه الأصل الثاني لتحقّق الإسلام ، حيث كان الرسول الأعظم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يقبل إسلام من يعترف بالشهادتين : الشهادة بتوحيد الله سبحانه ، والشهادة برسالة نبيّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
نعم سنقوم ، بعد استيفاء البحث عن النبوّة ، بالبحث عن ( المعاد في يوم القيامة ) لأنّ أي مسلك ودين لا يمكن أن يصطبغ بصبغة الدين الالهي بدون الاعتقاد ب ـ ـ ( المعاد ).
وتدل على انحصار المهم من الاعتقاد في هذه الأُمور والأُصول الثلاثة روايات وأحاديث منها ما عن علي بن أبي طالب عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أنّه قال :
« لا يؤمن عبد حتى يؤمنن بأربع : يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي محمد رسول الله بعثني بالحق ، ويؤمن بالموت ، ويؤمن بالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر » (2).
كما روي أنّ رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله بجارية له سوداء فقال : « يا رسول الله علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه؟ فقال لها رسول الله :
1 ـ خصصنا الجزء السادس بالبحث عن أسمائه وصفاته سبحانه كما خصصنا الجزء السابع لبيان دعوة النبىّ الأكرم وحياته في القرآن.
2 ـ أخرجه الترمذي راجع جامع الأُصول ، 1 ، ص 145.
(18)
أتشهدين أن لا اله إلاّ الله؟
قالت : نعم.
قال : أتشهدين أنّ محمداً رسول الله؟
قالت : نعم.
قال : أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟
قالت : نعم.
قال رسول الله : اعتقها » (1).
مباحث النبوّة
إنّ البحث عن ( النبوّة ) يقع في موردين :
1 ـ النبوّة العامّة.
2 ـ النبوّة الخاصّة.
والمراد من البحث في ( النبوّة العامّة ) هو دراسة ظاهرة « النبوّة » ، ذلك الفيض الإلهي الجاري من جانب الله سبحانه إلى البشر بواسطة الأنبياء والرسل من آدم ( عليه السَّلام ) إلى خاتم النبيين ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
وفي مجال النبوّة العامّة لابدّ من البحث في الأُمور التالية التي يتكفل مجموعها شرح هذه الحقيقة الكبرى ،
وبيانها :
الأوّل : لزوم بعث الأنبياء إلى البشر.
الثاني : الشرائط العامّة اللازمة في النبي كالعصمة والخلو عن النقص والعيب.
الثالث : كيفية أخذ الأنبياء الأحكام عن الله سبحانه ، وما هو الوحي.
الرابع : ما يعرف به النبي الحقيقي ويمتاز عن مدّعي النبوّة كذباً ، ومنتحلها
1 ـ أخرجه صاحب الموطأ راجع ، ج 1 ، ص 145.
(19)
زوراً ، ويبحث فيه عمّا يسمّى بدلائل النبوّة التي منها « المعاجز ».
تلك هي عناوين الأبحاث في « النبوّة العامّة » التي تعرّض لها القرآن الكريم في مواضع كثيرة من سوره وآياته.
وإنما يجب البحث عن الموضوع الأوّل ( أعني : لزوم إرسال الرسل وبعث الأنبياء ) دفعاً للمزاعم الواهية المنقولة عن البراهمة والبوذيين الذين أنكروا ضرورة إرسال الرسل بوجوه ذكرها علماء الكلام في مؤلّفاتهم الاعتقادية (1).
وأمّا البحث عن الموضوع الثاني فلأجل توضيح أنّ النبوة لا تعطى إلاّ لمن تتوفّر فيه صفات خاصّة ، ومؤهّلات معيّنة وهو بحث يتطلبه مبحث النبوّة العامّة لمعرفة أهمية مسألة النبوّة ، وأنّه هذا المنصب العظيم لم يعهد إلاّ لمن تتوفّر فيه صفات معيّنة.
ويتناول العنوان الثالث بالبحث لمعرفة أنّ أهّمية النبوّة وامتيازها عن أيّة ظاهرة فكرية بشرية إنّما هي بالوحي ، الذي هو كيفية اتصال الأنبياء بالله سبحانه ، وهو الأمر الذي يدحض الزعم الباطل القائل بأنّ الأنبياء مجرد نوابغ وأنّ ما يأتي به الأنبياء نظريات بشرية نابعة من صميم أفكارهم.
ويتناول الموضوع الرابع بالدراسة لأنّ معرفة النبىّ الصادق عن المتنبئ الكاذب متوقف على ما يتحقق على يد النبي من معاجز تثبت تأييد الله سبحانه له وإن كانت هناك طرق أُخرى لتمييز النبي الحقيقي عن المتنبئ أيضاً وسيوافيك بيانها في محلها.
وهذه العناوين وإن كان البحث عنها مهماً وضرورياً لمعرفة حقيقة النبوّة بصورة عامة لكنّنا نقدم الحديث عن معالم النبوّة الخاصّة ـ أعني نبوّة الرسول الأعظم محمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ـ نظراً لشدة الحاجة إلى ذلك فعلا ، وسنردف البحث هذا ، بدراسة الفصول ، والمسائل المتعلّقة بالنبوّة العامّة التي ذكرناها عمّا قريب.
1 ـ ذكر بعضها المحقق الطوسي في تجريد الاعتقاد وشرحه تلميذه العلاّمة الحلي في كشف المراد راجع ذلك الكتاب ، ص 275 ، طبعة صيدا.
(20)
نعم كان الأولى في البحث عن النبوّة الخاصّة تقديم البحث عن دلائل نبوّة سيدنا محمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
غير أنّه لما كتبت في هذا الموضوع مؤلّفات ، ورسائل ، وكان البحث عن إعجاز القرآن بوجوهها العشرة الماضية أحسن دليل على صحة رسالته ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وقد استوفى علماؤنا البحث عن ذلك قديماً وحديثاً وجدنا قرّاءنا في غنى عن تكراره.
ولأجل ذلك طرحنا بحوثاً أُخرى ترجع إلى صفات رسالته ونبوّته أو إلى حالاته الخاصة الواردة في الكتاب العزيز ، والتي لم تبحث إلى الآن بصورة مشبعة ومنقّحة.
فلأجل ذلك نبحث في هذا الجزء عن الأُمور التالية :
1 ـ رسالته ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) عالمية وليست إقليمية ولا قومية وأنّه مبعوث إلى البشر كافة.
2 ـ إنّ رسالته خاتمة الرسالات ونبوّته خاتمة النبوّات ، وكتابه خاتم الكتب.
وهذان البحثان يرجعان إلى البحث عن أوصاف رسالته ، من عموميتها وخصوصيتها.
3 ـ أنّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كان أُمّياً لا يقرأ ولا يكتب.
4 ـ أنّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كان مطّلعاً على الغيب بإذنه سبحانه.
وهذا البحثان يرجعان إلى أوصافه الواردة في القرآن الكريم.
5 ـ بيان أسمائه وصفاته ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) الواردة في القرآن
الكريم.
نسأل الله سبحانه أن يوفّقنا لتوضيح هذه المعالم التي نوّه بها سبحانه وذكرها في كتابه العزيز ، وأن يوفّق قرّاءنا للاستفادة من هذه البحوث القرآنية انّه خير معين.
قم المشرفة
10 ربيع الثاني من شهور عام 1402
|
مفاهيم القرآن ـ جلد الثالث ::: فهرس |
|