مفاهيم القرآن ـ جلد الراربع ::: 41 ـ 50
(41)
أحب النبي المصطفى وابن عمه همو أهل بيت أذهب الرجس عنهمو موالاتهم فرض على كل مسلم علياً وسبطيه وفاطمة الزهرا وأطلعهم أفق الهدى أنجماً زهرا وحبهمو سني الذخائر للاَُخرى
    6. وقال النبهاني :
آل طه يا آل خير نبي أذهب اللّه عنكم الرجس أهـ لم يسل جدكم على الدين أجراً جدكم خيرة وأنتم خيار ـل البيت قدماً وأنتم الاَطهار غير ود القربى ونعم الاجار (1)
    هذه نماذج ممّا قيل شعراً في مفاد الآية ، وهي تكشف بكل وضوح وجلاء عن أنّ الآية لم تقصد منذ أن نزلت إلاّ تكريس محبة ذوي القربى.
    ولا شك أنّ الاَشعار استوحت محتواها من اللغة وما فهمه المحدّثون ، والعلماء الاَوائل.
    فالاَبيات الماضية أمّا كانت من إنشاء العلماء أنفسهم ، أو لقيت تأييدهم إلى درجة أنّهم نمَّقوا بها كتبهم في تفسير الآية ، وهذا إن دلَّ على شيء فانّما يدلُّ على أنّ الآية لا تحتمل إلاّ ما أسفرت عنه كتب الحديث والتفسير والتاريخ.
    فهذه هي اللغة كما رأيناها ، وهوَلاء هم الاَُدباء وأبياتهم كما قرأناها كلّها تتفق على أنّ اللّه سبحانه لم يطلب أجراً لرسالة نبيه ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) إلاّ محبَّة ذوي القربى.
    وأمّا أنّه كيف يصلح أن تكون المودة في القربى أجراً للنبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ؟ فسوف نعود إليه عند البحث عن المقام الثاني ، فارتقب.
    1 ـ لاحظ : الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء : 229.

(42)
أسئلة وأجوبتها
    ثم إنّ هاهنا أسئلة حول مفاد الآية طرحها بعض من لا إلمام له بتفسير كلام اللّه وتوضيح سنة نبيّه ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) ، ونحن نوردها هنا مع الاِجابة عليها :

السوَال الاَوّل :
    لو أراد اللّه سبحانه من الآية مودّة القربى لقال : إلاّ مودّة أقربائه ، أو المودّة للقربى.
    الجواب : انّ السائل توهم أنّ « القربى » جمع « القريب » أو « الاَقرب » فقال لو أراد مودة أقربائه لقال كذا وكذا ، ولكنّه غفل عن أنّ القربى مصدر كزلفى وبشرى كما قال الزمخشري في كشّافه ، ولاَجل ذلك لم يستعمل في القرآن إلاّ مع المضاف كقوله « ذي القربى » و « ذوي القربى » و « أُولي القربى » مشيراً إلى صاحب القرابة الرحمية ، وأمّا في مورد الآية فقد استعمل بلفظة « في القربى » بحذف المضاف من الاَهل وغيره.
    قال الزمخشري في كشافه : فإن قلت فهلا قيل إلاّ مودة القربى ، أو إلاّ المودة للقربى ، وما معنى قوله : ( إلاّ المودَّة في القربى ) ، قلت : جعلوا مكاناً للمودة ومقراً لها كقولك : « لي في آل فلان مودة ، ولي فيهم هوى وحب شديد » تريد أحبهم وهم مكان حبي ، ومحله ، وليست « في » بصلة للمودة كاللام إذا قلت « إلاّ المودة للقربى » ، إنّما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك ، المال في الكيس ، وتقديره إلاّ المودة ثابتة في القربى ، ومتمكنة فيه « والقربى » مصدر بمعنى القرابة كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة والمراد « في أهل القربى ». (1)
    1 ـ الكشاف : 3/81 ، ط مصر عام 1367.

(43)
    قال النبهاني في الشرف الموَبد : القربى مصدر بمعنى القرابة وهو على تقدير مضاف أي ذوي القربى يعني الاَقرباء قال : وعبر بـ « في » ولم يعبر بـ « اللام » ، لاَنّ الظرفية أبلغ وآكد للمودة. (1)

السوَال الثاني :
    إنّ تفسير الآية بمودة أهل البيت وعترة النبي غفلة عن نقطة هامة ، وهي : أنّ الآية وردت في سورة الشورى وهي سورة مكية ولم يكن يومذاك الحسنان ، بل ربما لم تكن فاطمة أيضاً ، فكيف تفسّر الآية بعترة النبي ، وتخصص العترة بجماعة خاصة ، أعني : علياً وفاطمة والحسن والحسين ، مع أنّ أكثرهم لم يكونوا موجودين زمن نزول الآية؟
    وهذا السوَال يرجع إلى ابن تيمية في « منهاجه ص 250 » ، حيث قال : إنّ سورة الشورى مكية بلا ريب نزلت قبل أنْ يتزوج علي بفاطمة وقبل أنْ يولد له الحسن والحسين.
    الجواب : انّ هناك طريقين لمعرفة الآيات المكية وتمييزها عن المدنية.
    الطريق الاَوّل : هو ملاحظة نفس مفاد الآية فهو الذي يكشف عن موضع نزول الآية أو السورة ، إذ الآيات التي تدور حول التوحيد والمعارف العقلية ، وانتقاد الوثنية و رفض الاَوثان ، والدعوة إلى الاِيمان باللّه واليوم الآخر ، وبيان ما جرى في القرون الغابرة على الاَُمم السالفة ، وما يشابه هذه الموضوعات هي مكية في الاَغلب على أساس أنَّ القضايا الوحيدة التي كانت تطرح في المحيط المكي كانت تدور حول هذه المسائل وأمثالها ، فإنّ محيط مكة في فجر الدعوة الاِسلامية ما كان يتحمل أكثر من طرح هذه القضايا.
    1 ـ الشرف الموَبد نقله عنه العلاّمة شرف الدين في الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء : 32.

(44)
    أمّا الآيات التي تدور حول شوَون النظام الاِسلامي والجهاد ومحاجة اليهود والنصارى والاَحكام الشرعية والنظم الاجتماعية فهي مدنية غالباً.
    ولقد تمكّن العلماء موَخراً أن يحصلوا بمعونة هذا المعيار الدقيق ، على نتائج باهرة في مجال فهم النصوص القرآنية.
    فإذا كان هذا هو الملاك في تشخيص مكية الآيات عن مدنيتها ، فهذا يقودنا ـ بيسر ـ إلى اعتبار كون الآية المبحوثة هنا مدنية لا مكية ، لاَنّها تناسب ظروف المدينة ، ولا تناسب ظروف مكة ، إذ ليس من المعقول أن يتحدث النبي بمثل هذا الطلب في مكة حيث لم يكن قد آمن به بعد إلاّ نفر يسير لا يتجاوز عددهم عدد الاَصابع أو يزيد عن ذلك بقليل ، حيث كان يواجه أغلبية معادية ، مبالغة في عدائها ، متعنتة في خصومتها ، وأمّا النفر اليسير ، أعني : الجماعة القليلة الموَمنة ، فما كان يناسب طلب شيء منهم حتى المودَّة وهم على ذلك الضعف والمحنة الشديدة والتشرّد والمعاناة.
    لندع الرسول الكريم ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) ولنأخذ أيَّ رجل بليغ آخر يعرف متى يتكلم وماذا يقول ، ترى هل من الصحيح أن يقول لجماعة لم توَمن به بعد أو لجماعة قليلة موَمنة كانوا يعذبون بألوان التعذيب : ( لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ) سواء أفسرت الآية بعترة الرسول وأهل بيته ، أو غيرها من المعاني التي أبدعها بعضهم في تفسير الآية؟
    أجل انّ مثل هذا الطلب إنّما يصح أن يوجهه إلى الذين صدّقوه وآمنوا به وقبلوا دعوته وكانوا قد وصلوا إلى بعض الاَهداف والنجاحات واستقرّت أُمورهم وصفا لهم الجو والحال.
    وخلاصة القول : إنّ سوَال الاَجر من جانب النبي وهو في إبّان الدعوة ليس أمراً بليغاً حيث لم يستتب له الاَمر بعد ، ولم يحصل هناك هدوء ولا سكون له ولمن


(45)
آمن به واتبعه ، وإنّما هو مناسب لظرف آخر مثل أواخر عهد الرسالة.
    الطريق الثاني : لتمييز مكيّة الآيات عن مدنيتها هو الرجوع إلى النصوص الواردة في هذا المورد عن العلماء وكبار المفسرين ، فإذا كان هو الميزان لمعرفة الآيات المكية من المدنية فإنّنا نجد المفسرين ـ وبالاَخص أُولئك الذين ألّفوا كتباً حول مواضع نزول الآيات والسور ـ يقولون : إنّ سورة الشورى مكيّة إلاّ أربع آيات أُولاها قوله تعالى : ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ المَوَدَّةَ في القُربَى ) فهذا إبراهيم بن عمر البقاعي الذي ألّف كتاباً في هذا المضمار وأسماه « نظم الدرر وتناسق الآيات والسور » يقول في كتابه هذا : سورة الشورى مكية إلاّ الآيات 23 ، 24 ، 25 و 27. (1)
    والواقع أنّه لم يكن البقاعي وحده هو القائل بمدنية هذه الآية ، وإنّما قال به عدّة من المفسرين منهم : نظام الدين النيسابوري ، صاحب التفسير الكبير يقول في ابتداء تفسيره لسورة الشورى : سورة الشورى مكية إلاّ أربع آيات ومنها آية المودّة في القربى نزلت في المدينة. (2)
    ويقول الخازن في تفسيره : سورة الشورى مكية ، ونقل عن ابن عباس أنّ أربع آيات منها نزلت في المدينة أولاها : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ المودَّةَ في القُربى ) ( ثم يضيف قائلاً ) : وليست هذه الآيات الاَربع مدنية فحسب بل هناك آيات أُخرى نزلت بالمدينة أيضاً ، فقد ذهب فريق إلى أنّ الآيات من 39 إلى 44 أيضاً مدنية. (3)
    1 ـ راجع تاريخ القرآن للزنجاني : 58. والبقاعي هذا هو برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الشافعي ، ولد عام 809 هـ ، وتوفّي في دمشق عام 885 هـ. قال في كشف الظنون : 2/605 : وهو كتاب لم يسبقه إليه أحد جمع فيه من أسرار القرآن ما تتحير فيه العقول.
    2 ـ تفسير النيسابوري : 3/312.
    3 ـ تفسير الخازن : 4/94.


(46)
    ثم إنّ بإمكان القارىَ أن يراجع المصاحف التي طبعت تحت إشراف لجان أزهرية ومحققين منهم ليجد فيها هذه العبارة فوق سورة الشورى : سورة الشورى مكية إلاّ الآيات 23 ، 24 ، 25 و 27 فمدنية.
    وليعلم القارىَ أنّ ترتيب الكتاب العزيز في الجمع ليس على حسب ترتيبه في النزول إجماعاً وباتفاق جميع العلماء ، ومن ثم كانت أغلب السور المكية لا تخلو من آيات مدنية ، وكذلك أكثر السور المدنية لا تخلو من آيات مكية ، بحكم أئمّة السلف والخلف من الفريقين ووصف السورة بكونها مكية أو مدنية تابع لاَغلب آياتها لا جميعها. (1)
    ولكي يكون هذا الكلام مقروناً بالدليل ومدعماً بالبرهان نأتي بنماذج من هذا :
    1. سورة العنكبوت مكية إلاّ من أوّلها عشر آيات فهي مدنية. (2)
    2. سورة الكهف مكية إلاّ من أوّلها سبع آيات فهي مدنية ، وقوله ( واصبر نفسك ) الآية. (3)
    3. سورة هود مكية إلاّ قوله : ( وأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفي النهار ) وقوله : ( فَلَعَلْكَ تَارِك بَعْضَ ما يُوحى إِليك ). (4)
    4. سورة مريم مكية إلاّ آية السجدة وقوله : ( وإن منكم إلاّ واردها ). (5)
    5. سورة الرعد فانّها مكية إلاّ قوله : ( ولا يزال الذين كفروا ) وبعض آيها
    1 ـ الكلمة الغرّاء : 227.
    2 ـ راجع تفسير الطبري : 20/86 ، وتفسير القرطبي : 13/323 ، والسراج المنير : 3/16.
    3 ـ تفسير القرطبي : 10/346 ، والاِتقان : 1/16.
    4 ـ تفسير القرطبي : 9/1 ، والسراج المنير : 2/40.
    5 ـ إتقان السيوطي : 1/16.


(47)
الآخر ، أو بالعكس. (1)
    6. سورة إبراهيم مكية إلاّ قوله : ( ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة اللّه ) الآيتين. (2)
    7. سورة الاِسراء مكية إلاّ قوله : ( وإن كادوا ليستفزونك من الاَرض ) إلى قوله : ( واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً ). (3)
    8. سورة الحج مكية إلاّ قوله : ( من الناس من يعبد اللّه على حرف ). (4)
    9. سورة النمل مكية إلاّ قوله : ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ). (5)
    10. سورة القصص مكية إلاّ قوله : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله ). (6)
    11. سورة القمر مكية إلاّ قوله : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ). (7)
    12. سورة يونس مكية إلاّ قوله : ( وإن كنت في شك ) الآيتين. (8)
    وغيرها مما نص به أئمّة التفسير ، وما ذكرناه نماذج ممّا ذكروه.
    فكما أنّ كون السورة مكيّة لا يستلزم كون جميع آياتها كذلك فكذلك كون السورة مدنية لا يستلزم كون جميعها كذلك ، كما يجده المتتبع في طيات التفاسير.
    1 ـ تفسير القرطبي : 9/278 ، ومفاتيح الغيب : 5/258.
    2 ـ تفسير القرطبي : 9/338 ، والسراج المنير : 2/159.
    3 ـ تفسير القرطبي : 10/203 ، وتفسير الرازي : 5/540 ، والسراج المنير : 2/261.
    4 ـ تفسير القرطبي : 12/1 ، وتفسير الرازي : 6/206 ، والسراج المنير : 2/511.
    5 ـ تفسير القرطبي : 5/65 ، والسراج المنير : 2/205.
    6 ـ تفسير القرطبي : 13/245 ، وتفسيرالرازي : 6/585.
    7 ـ السراج المنير : 4/136.
    8 ـ تفسير الرازي : 4/774 ، والاِتقان : 1/15 ، والسراج المنير : 3/2.


(48)
    كما أنّ بعض الآيات نزلت مرتين ، نصّ بذلك العلماء ، وعللوه بكونها عظة وتذكيراً ، أو لاقتضاء علل متعددة ذلك. (1)
    وإن شئت التفصيل فلاحظ أوائل السور من التفاسير تجد انّ المفسرين حيث يحكمون بأنّ السورة مكية أو مدنية يستثنون في أغلب السور آيات خاصة ، فلاحظ التفاسير في تفسير السور : المائدة ، الاَعراف ، الرعد ، الاِسراء ، الكهف ، مريم ، الحج ، الشعراء ، القصص ، الروم ، لقمان ، سبأ ، الزمر ، الزخرف ، الدخان ، الرحمن.
    فإنّ نظرة فاحصة في هذه السور والتفاسير حولها توقف الاِنسان على أنّ كون السور مكية أو مدنية بمعنى أنَّ أغلب آياتها لا جميعها كذلك.
    ولو فرضنا كون الآية مكية لكنه لا يستلزم كون المودة مقصورة على الموجودين من أقربائه بل يكون حكماً إسلامياً شاملاً لمن يتولَّد بعد نزول الآية من أقربائه نظير قوله : ( يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلاَدِكُمْ ) فانّها شاملة لاَولاد المخاطبين المتولدين بعد نزول الآية.
    ثم إنّ تفسير النبيّ الآية بعلي وفاطمة وابنيهما يمكن أنْ يكون متأخراً عننزول الآية لرفع الستار عن وجه الآية ، فيكون من الاِخبارات النبوية بالمغيبات.
    ثم إنّ فرض مودتهما على الاَُمّة قبل ولادتهما لاَجل كرامتهما عليه وقرب
    1 ـ الاِتقان : 1/60 ، تاريخ الخميس : 1/11 ومنها سورة الفاتحة ، ولاَجل تكرار نزولها سميت المثاني. وقد أخذنا هذه النصوص في مورد تلك الآيات عن الغدير : 1/233 ، 234 شكر اللّه مساعيه.

(49)
منزلتهما منه ، كما بشر اللّه آدم ونوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى بالنبي الخاتم ، وعرّفهم جلالة قدره وعظم شأنه.
    وعلى كل تقدير سواء أكان تفسير الآية بعلي وفاطمة وابنيهما مقارناً مع نزول الآية أم بعده ، فقد روى المحدّثون عن ابن عباس أنّه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول اللّه من قرابتك هوَلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال : « علي وفاطمة وابناهما ». (1)
    وخلاصة القول : إنّ ما يعيّ ـ ن مكيّة الآيات ومدنيتها هي الاَحاديث الاِسلامية ، فالاَحاديث التي تقول بأنّ سورة الشورى مكية هي التي تقول بأنّ آية ( قُل لا أسْأَلَكُمْ ) بل بضع آيات وردت فيها ، نزلت في المدينة ، ومخالفة هذه الاَحاديث ليس سوى نوع اجتهاد في مقابل النص بل النصوص.
    وعلى تسليم كونها مكية برمتها لا يضير عدم وجود بعض أفرادها حين النزول في مكة إذ أنّ من الجائز أن يشرِّع مقنن قانوناً يحترم طائفة من الناس يوجد بعض أفرادها حين التشريع ، وهذا هو الاسلوب الذي يتبعه القرآن في كثير من تشريعاته حيث يقول : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبَى ). (2) فلفظ الغنيمة يشمل كل ما تغلب عليه المسلمون في الاَجيال كلها ، كما أنّ لفظ ( وَلِذِي الْقُرْبَى ) يشمل أقرباء النبي سواء أكانوا موجودين زمن نزول الآية أم لا.
    1 ـ الذخائر : 25 ، والكشاف : 2/339 ، مطالب السوَول : 8 ، مفاتيح الغيب : 7/665 ، مجمع الزوائد : 9/168 ، الفصول المهمة : 12 ، الكفاية للكنجي : 31 ، شرح المواهب : 7/3 و 21 ، والصواعق : 101 و 135 عند البحث في المقام السادس ، نور الاَبصار : 112 ، الاسعاف : 105 وستوافيك نصوصهم.
    2 ـ الاَنفال : 41.


(50)
    والعجب تسمية ذلك في كلام بعضهم ( أي إدراج الآية المدنية في السورة المكية أو بالعكس ) تحريفاً باطلاً فإنّ هذا تصور باطل عن معنى التحريف الذي هو بمعنى الزيادة والنقيصة في القرآن وإلاّ يلزم أن نعتبر كلَّ المفسرين والمحدّثين من القائلين بالتحريف لاَنَّهم كثيراً ما يعتبرون الآية مدنية في ضمن السورة المكية وبالعكس.
    على أنّ التحقيق هو أنَّ القرآن جمع في عصر الرسول بهذا الشكل الحاضر فبأمره رتبت سوره ونظمت آياته ، ووضعت كل آية في موضعها ، فإذا كان ذلك بأمر الرسول فهل يصح أن نعتبره تحريفاً؟
    روى المفسرون عن ابن عباس والسدي : انّ قوله تعالى : ( وَاتَقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (1) آخر آية نزلت من الفرقان على رسول اللّه وانّ جبرئيل قال له ضعها على رأس الثمانين والمائتين من البقرة ، وهذا القول كأنّما إجماعي ، وانّما الاختلاف في مدة حياة الرسول بعد نزولها.

السوَال الثالث
    إنّ المحبة حالة قلبية غير اختيارية فلا يمكن الاَمر بها بأن تقع تحت دائرة الطلب ، لاَنّه لو كانت هناك موجبات الود وجدت المحبة قهراً وإن لم يوص بها ، وإن لم تكن فلا توجد وان كانت هناك توصية بذلك.
    الجواب : عزب عن المستشكل أنّه لو كانت المودة أمراً غير اختياري موجباً لعدم صحة الاَمر بها ، لزم عدم صحة النهي عنها أيضاً فإنّ الموضوع غير
    1 ـ البقرة : 281.
    2 ـ الكشاف : 1/303 ، مجمع البيان : 1/394 ، الاِتقان : 1/77.
مفاهيم القرآن ـ جلد الرابع ::: فهرس