تصدر من الغير على وجه التبعية وفي ظل القدرة الاِلهية. وقد اجتمعت النسبتان في قوله سبحانه : ( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللّهَ رَمى ) (1) فهذه الآية بينما تنسب الرمي بصراحة إلى النبي الاَعظمصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم تسلبه عنه وتنسبه إلى اللّه سبحانه ، وذلك لاَنّ انتساب الفعل إلى اللّه ـ الذي منه وجود العبد وقوته وقدرته ـ أقوى بكثير من انتسابه إلى العبد بحيث ينبغي أن يعتبر الفعل فعلاً للّه ، ولكن شدّة الانتساب لا تسلب المسوَولية عن العبد ، وإليه يشير الحكيم السبزواري في منظومته :
لكن كما الوجود منسوب لنا
والفعل فعل اللّه وهو فعلنا (2)
وعلى ذلك فإذا كانت الشفاعة عبارة عن جريان الفيض الاِلهي ـ أعني : طهارة العباد عن الذنوب وتخلّصهم عن شوائب المعاصي ـ على عباده ، فهي فعل مختص باللّه سبحانه لا يقدر عليه أحد إلاّ بإقداره وإذنه ، وبذلك يصح نسبته إلى اللّه سبحانه بالاَصالة وإلى غيره بالتبعية ، ولا منافاة بين النسبتين ، وهذا كالملكية فاللّه سبحانه مالك الملك والملكوت ، ملك السماوات والاَرض بإيجاده وإبداعه ،
1 ـ الاَنفال : 17. 2 ـ لاحظ معالم التوحيد : 361 ـ 365 ، وشرح المنظومة للمحقق السبزواري : 175.
(212)
ثم يملّكه العبد منه بإذنه ، ولا منافاة في ذلك لاَنّ الملكية الثانية في طول الملكية الاَُولى ، ونظيرها كتابة أعمال العباد فالكاتب هو اللّه سبحانه حيث يقول سبحانه : ( وَاللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ ) (1) وفي الوقت نفسه ينسبها إلى رسله وملائكته ويقول سبحانه : ( بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبونَ ). (2) فإذا كانت الملائكة والاَنبياء والاَولياء مأذونين في الشفاعة فلا مانع من أن تنسب إليهم الشفاعة كما تنسب إلى اللّه سبحانه ، غير أنّ أحدهما يملك هذا الحق بالاَصالة والآخر يملكه بالتبعية. ولاَجل ذلك يقول العلاّمة الطبرسي في تفسير قوله تعالى : ( للّه الشفاعة جميعاً ) : أي لا يشفع أحد إلاّ بإذنه ولا يملك أحد الشفاعة إلاّ بتمليكه. (3) وقال العلاّمة الطباطبائي في تفسير تلك الآية : كل شفاعة مملوكة للّه فإنّه المالك لكل شيء ، إلاّ أن يأذن لاَحد في شيء منها فيملّكه إياها. وإن شئت قلت : إنّ الشفيع بالحقيقة هو اللّه سبحانه وغيره من الشفعاء لهم الشفاعة بإذن منه ، والشفاعة تنتهي إلى توسط بعض صفاته بينه وبين المشفوع كتوسط الرحمة بينه وبين عبده المذنب ، وتخليصه من العذاب. (4) وهناك بيان أبسط للعلاّمة الطباطبائي نأتي به حرفيّاً : إنّ الآيات بينما تحكم باختصاص الشفاعة باللّه سبحانه ـ وقد ذكرت هذه الآيات في الصنف الخامس ـ وبينما يعمها لغيره تعالى بإذنه وارتضائه ونحو ذلك ، وكيف كان ، فهي تثبت الشفاعة بلا ريب ، غير أنّ بعضها تثبتها بنحو الاَصالة للّه وحده من غير شريك ، وبعضها تثبتها لغيره بإذنه وارتضائه ، وهناك آيات تنفيها ،
1 ـ النساء : 81. 2 ـ الزخرف : 80. 3 ـ مجمع البيان : 4/501. 4 ـ الميزان : 17/270.
(213)
فتكون النسبة بين هذه الآيات كالنسبة بين الآيات النافية لعلم الغيب عن غيره وإثباته له تعالى بالاختصاص ، ولغيره بارتضائه ، قال تعالى : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمواتِ وَالاََرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللّهُ ). (1) وقال تعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ ) (2) وقال تعالى : ( عالِمُ الْغَيْبِ فلا يُظْهِرُ عَلى غَيْ ـ بِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ). (3) وكذلك الآيات الناطقة في التوفّ ـ ي والرزق ، والتأثير والحكم والملك ، وغير ذلك فإنّها شائعة في اسلوب القرآن ، حيث ينفي كل كمال عن غيره تعالى ثم يثبته لنفسه ثم يثبته لغيره بإذنه ومشيئته ، فتفيد أنّ غيره تعالى من الموجودات لا تملك ما تملك من هذه الكمالات بنفسها واستقلالها وانّما تملكها بتمليك اللّه إيّاها حتى أنّ القرآن يثبت نوعاً من المشيئة فيما حكم وفيما قضى عليها بقضاء حتم ، كقوله تعالى : ( فَأَمّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خالِدينَ فِيهَا ما دامَتِ السَّمواتُ وَالاََرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُريدُ * وَأَمّا الَّذينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فِيها ما دامَتِ السَّمواتُ وَالاََرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَمَجْذُوذٍ ). (4) فقد علق الخلود بالمشيئة ـ وخاصة في خلود الجنة ، مع حكمه بأنّ العطاء غير مجذوذ ـ إشعاراً بأنّ قضاءه تعالى عليهم بالخلود لا يخرج الاَمر من يده ولا يبطل سلطانه وملكه عزّ اسمه كما يدل عليه قوله : ( إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُريدُ ). (5) ومن هنا يظهر أنّ الآيات النافية للشفاعة إن كانت ناظرة إلى يوم القيامة
1 ـ النمل : 65. 2 ـ الاَنعام : 59. 3 ـ الجن : 27. 4 ـ هود : 106 ـ 108. 5 ـ هود : 108.
(214)
فإنّما تنفيها عن غيره تعالى بالاستقلال في الملك ، والآيات المثبتة تثبتها للّه سبحانه بنحو الاَصالة ، ولغيره تعالى بإذنه وتمليكه ، فالشفاعة ثابتة لغيره تعالى بإلِذنه. (1) بقيت هنا نكتتان : 1. انّ الظاهر من الاستثناء الوارد في الآيات المتقدّمة ، أعني قوله سبحانه : ( إلاّ من اتخذ عند الرحمن عهداً ) وقوله : ( إلاّ من إذن له الرحمن ورضي له قولاً ) وقوله : ( إلاّ من شهد بالحق وهم يعلمون ) انّ ـ ها بص ـ دد بيان شرائ ـ ط الشفعاء ، ويوَيد هذا القول قوله سبحانه : ( من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه ) غير أنّه ربّما يحتمل أن يكون المراد منه هو المشفوع له ، ويكون مآل الآيات إلى أنّ الشفاعة لا تجدي إلاّ في حق من اجتمعت فيه هذه الشروط. 2. انّ الشفيع المأذون ليس له أيّة استقلالية ولا أصالة في أمر الشفاعة ، بل هو مظهر لاِجراء أمره سبحانه وإرادته ومشيئته ، ولاَجل ذلك نرى أنّ القرآن ينفي وجود الشفيع المطاع بتاتاً ، حيث يقول : ( ما لِلظّالِمينَ مِنْ حَمِيمٍ ولا شَفيعٍ يُطاعُ ). (2) وذلك لاَنّ الشفيع ليس صاحب إرادة ومشيئة ، فهو مطيع لأمر الله مأذون من جانبه لا مطاع.
الصنف السابع : يذكر من تقبل شفاعته ويتضمن هذا الصنف أسماء وخصوصيات من تقبل شفاعته يوم القيامة ، وإليك هذه الآيات : 1. ( وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَولِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ 1 ـ الميزان : 1/158 ـ 159. 2 ـ غافر : 18.
(215)
ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ). (1) وهذه الآيات تصرح بأنّ الملائكة الذين اتخذهم المشركون أولاداً للّه سبحانه ، معصومون من كل ذنب ، لا يسبقون اللّه بالقول وهم بأمره يعملون ، ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضاه اللّه سبحانه ، وهم مشفقون من خشيته. 2. ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيئاً إِلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرضى ). (2) وهذه الآية كالآية السابقة تفيد كون الملائكة ممن ترضى شفاعتهم بإذن اللّه سبحانه في حق من يشاء اللّه ويرضاه. 3. ( الَّذينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَولَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُوَْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذينَ آمَنُوا ). (3) وهذه الآية تعد حملة العرش ومن حوله ممن يستغفرون للذين آمنوا ، والآية مطلقة تشمل ظروف الدنيا والآخرة ، وهل طلب المغفرة إلاّ الشفاعة في حق الموَمنين؟ هذه هي الاَصناف السبعة من الآيات الواردة حول الشفاعة نفياً وإثباتاً ، والجميع ناظر إلى أمر واحد وهو أنّ الشفاعة حق خاص باللّه سبحانه وانّ الشفاعة بيده ابتداءً ونهاية ، وهو لا يأذن إلاّ لعدة خاصة من مقربي عباده ، ولا يأذن لهم أن يشفعوا لهم إلاّ في حق عدة معينة. وعلى ذلك فتفترق الشفاعة الواردة في القرآن الكريم عما عليه اليهود حيث لم يجعلوا لها حداً في الشافع والمشفوع له ، بل القرآن وضع لها حدوداً وقيوداً في
1 ـ الاَنبياء : 26 ـ 28. 2 ـ النجم : 26. 3 ـ غافر : 7.
(216)
الشافع والمشفوع له. كما تفترق عن رأي من رفضها وطردها ولم يثبتها لاَحد من أوليائه. ولاَجل ذلك نفصل القول في الشفاعات المردودة والمقبولة حتى يتميّز الحق عن الباطل.
الشفاعات المرفوضة 1. الشفاعة التي كانت تعتقدها اليهود الذين رفضوا كل قيد وشرط في جانب الشافع والمشفوع له واعتقدوا أنّ الحياة الاَُخروية كالحياة الدنيوية حيث يمكن التخلص من عذاب اللّه سبحانه بالفداء. وقد ردّ القرآن في كثير من الآيات وقال : ( ولا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفاعَةٌ ولا يُوَْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ). (1) وقد مضى هذا الاَمر في الصنف الثاني من الاَصناف السبعة المذكورة. 2. الشفاعة في حق من قطعوا علاقاتهم الاِيمانية مع اللّه سبحانه فلم يوَمنوا به أو بوحدانيته أو بقيامته أو أفسدوا في الاَرض ، وظلموا عباده أو غير ذلك مما يوجب قطع رابطة العبد مع اللّه سبحانه حتى صاروا أوضح مصداق لقوله سبحانه : ( نَسُوا اللّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) (2) وقوله سبحانه : ( قالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَومَ تُنْسى ) (3) وقوله سبحانه : ( فَالْيَومَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ). (4) إلى غير ذلك من الآيات الواردة في حق المشركين والكافرين والظالمين والمفسدين ، وهوَلاء كما قطعوا علاقتهم الاِيمانية مع اللّه
1 ـ البقرة : 48. 2 ـ الحشر : 19. 3 ـ طه : 126. 4 ـ الاَعراف : 51.
(217)
سبحانه ، كذلك قطعوا علاقتهم الروحية مع الشافع فلم تبق بينهم وبين الشافعين أيّة مشابهة تصحح شفاعتهم لهم. وقد ورد في الصنف الثالث من الاَصناف السبعة المذكورة ما يوضح هذا الاَمر. 3. الاَصنام التي كانت العرب تعبدها كذباً وزوراً ، وقد نفى القرآن أن تكون هذه الاَصنام قادرة على الدفاع عن أنفسها فضلاً عن الشفاعة في حق عبّادها. راجع لمعرفة ذلك الصنف الرابع من الاَصناف المذكورة. هذه هي الشفاعات المرفوضة في القرآن الكريم.
الشفاعات المقبولة الشفاعات المقبولة عبارة عمّا نذكره : 1. الشفاعة التي هي حق مختص باللّه سبحانه ولا يمكن لمخلوق أن ينازعه في هذا الحق أو يشاركه فيه. لاحظ الصنّف الخامس من الاَصناف السبعة. 2. شفاعة قسم خاص من عباد اللّه سبحانه الذين تقبل شفاعتهم عند اللّه تحت شرائط خاصة ذكرت في الآيات الواردة في الصنف السادس وإن لم تذكر أسماوَهم وخصوصياتهم. 3. شفاعة الملائكة وحملة العرش ومن حوله حيث يستغفرون للذين آمنوا ، فهوَلاء يقبل استغفارهم الذي هو قسم من الشفاعة. والفرق بين هذا وما تقدم هو أنّه قد ذكرت أسماء الشفعاء وخصوصياتهم في هذه الآيات دون ما تقدمها. وبالاِحاطة بهذه الاَصناف السبعة تقدر على تمييز الشفاعة المرفوضة والمقبولة في لسان القرآن الكريم.
(218)
آيات أُخرى في الشفاعة وهناك آيات أُخرى فسرت بالشفاعة وهذا الصنف وإن لم يكن في الصراحة في الموضوع كالآيات الماضية إلاّ أنّ الاَحاديث فسرتها بالشفاعة وقد وردت هذه الاَحاديث في المجاميع الحديثية وهذه الآيات عبارة عن ما نذكره : 1. ( وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ). (1) قال في الكشاف : ومعنى المقام المحمود : المقام الذي يحمده القائم فيه وكل من رآه وعرفه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات ، وقيل : المراد : الشفاعة وهي نوع واحد مما يتناوله اللفظ. وعن ابن عباس : مقام يحمدك فيه الاَوّلون والآخرون ، وتشرف فيه على جميع الخلائق تسأل فتعطى ، وتشفع فتشفّع ، وليس أحد إلاّ تحت لوائك. (2) وقال الطبرسي : أجمع المفسرون على أنّ المقام المحمود هو مقام الشفاعة وهو المقام الذي يشفع فيه للناس وهو المقام الذي يعطى فيه لواء الحمد فيوضع في كفه ويجتمع تحته الاَنبياء والملائكة فيكون أوّل شافع وأول مشفّع. (3) وقد روى السيوطي في الدر المنثور ( ج4 ص 197 ) والسيد البحراني في تفسير البرهان ( ج 2 ص 438 ـ 440 ) أحاديث متضافرة حول الآية وكلّها تجمع على أنّ المراد من المقام المحمود هو مقام الشفاعة فلاحظها في تلك المراجع. 2. ( يَوْمَ لا يُغْني مَوْلىً عَنْ مَولىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلاّمَنْ رَحِمَ اللّهُ إِنَّهُ 1 ـ الاِسراء : 79. 2 ـ الكشاف : 2/243. 3 ـ مجمع البيان : 3/435.
(219)
هُوَ الْعَزيزُ الرَّحيمُ ). (1) والاستدلال بالآية على الشفاعة يحتاج إلى الدقة في مفرداتها. فقد ورد في الآية لفظة الاِغناء والنصر ، والمراد من الاَوّل هو أنّ يتكفل الغير أمر الاِنسان بكامله ، كما أنّ المراد من النصر هو أن يتكفل بعض الاَُمور ويكون اكتماله بسبب الاِنسان نفسه. فقد نرى أنّ القرآن ينفي أن يقدر إنسان على إغناء إنسان آخر يوم القيامة بأن يرفع عن كاهله كل مسوَولياته ، ويكون هو المسوَول عن عمل غيره ، وهذا ما عبر عنه القرآن في الآيات الاَُخرى بقوله : ( وَلا يُوَْخَذُ مِنْها عَدْلٌ ) . (2) كما أنّ القرآن ينفي نصر إنسان لاِنسان آخر يوم القيامة ، ولكنّه يستثني من الثاني حالة واحدة معبراً عنها بقوله : ( إلاّ مَنْ رَحِمَ اللّهُ ) (3) أي الذين رحمهم اللّه من الموَمنين. ومن مصاديق هذا الاستثناء هو الشفاعة ، لاَنّ الشفاعة لا تحصل إلاّ بأمر اللّه تعالى وإذنه ، فعندئذ يسقط عقاب المشفوع له لشفاعته. (4) قال العلاّمة الطباطبائي : إنّ الاِغناء يكون فيما استقل المغني في عمله ، ولا يكون لمن يغني عنه صنع في ذلك ، والنصرة إنّما تكون فيما كان للمنصور بعض أسباب الظفر الناقصة ، ويتم له ذلك بنصرة الناصر. والوجه في انتفاء الاِغناء والنصر يومئذ انّ الاَسباب الموَثرة في نشأة الحياةالدنيا تسقط يوم القيامة قال تعالى : ( وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الاََسْبابُ ) (5) وقال :
1 ـ الدخان : 41 ـ 42. 2 ـ البقرة : 48. 3 ـ الدخان : 42. 4 ـ لاحظ مجمع البيان : 5/68. 5 ـ البقرة : 166.
(220)
( فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ ). (1) وقوله : ( إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللّهُ ) استثناء من ضمير ( لا ينصرون ) والآية من أدلة الشفاعة. والشفاعة نصرة تحتاج إلى بعض أسباب النجاة وهو الدين المرضي. (2) ولاَجل ذلك قلنا انّ الشفاعة تحتاج إلى وجود رابطة ما بين العبد وربه والمشفوع له وشافعه وهي في جانب اللّه العلاقة الاِيمانية ، وفي جانب المشفوع له الوشيجة الروحية. 3. ( وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الاَُولى * وَلَسَوفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ). (3) وفسرها المفسرون بالشفاعة ، قال الطبرسي : « وسيعطيك ربك في الآخرة من الشفاعة والحوض وسائر أنواع الكرامة فيك وفي أُمتك ما ترضى به. وقال محمد ابن علي بن الحنفية مخاطباً أهل العراق : يا أهل العراق تزعمون أنّ أرجى آية في كتاب اللّه عزّ وجلّ قوله : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) الآية ، وانّا أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب اللّه : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) وهي واللّه الشفاعة ، ليعطينها في أهل لا إله إلاّ اللّه حتى يقول ربي رضيت ». وعن الصادق ( عليه السلام ) قال : « دخل رسول اللّه على فاطمة وعليها كساء من ثلة الاِبل ، وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول اللّه لما أبصرها ، فقال : يا بنتاه ، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة ، فقد أنزل اللّه عليَّ ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) ». (4) 1 ـ يونس : 28. 2 ـ الميزان : 18/157. 3 ـ الضحى : 5 ـ 6. 4 ـ مجمع البيان : 5/505.