لا يقبل معها التطهير كما قال سبحانه : ( إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ). (1)
3. الاَصل هو السلامة دلت التجارب والبراهين العقلية على أنّ الاَصل الاَوّلي في الخليقة هو السلامة وانّ المرض والانحراف أمران يعرضان على المزاج ويزولان بالمداواة والمعالجة ، وليس هذا الاَصل مختصاً بالسلامة من حيث العيوب الجسمانية بل الاَصل هو الطهارة من الاَقذار والاَدران المعنوية فقد خلق الاِنسان على الفطرة النقية السليمة من الشرك والعصيان التي أشار إليها القرآن بقوله : ( فِطْرَتَ اللّهِ الّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ). (2) وقال النبي الاَكرم ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) : « كل مولود يولد على الفطرة ، ثم أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ». (3) وعلى ذلك فلا غرو في أن تزول آثار العصيان عن الاِنسان بالعلاج والمداواة الخاصة في مواقف شتى حتى تظهر الخليقة الاَُولى التي فطر عليها. فقد جعل اللّه سبحانه المواقف التي يمر بها الاِنسان بعد موته في البرزخ ويوم القيامة ، وسائل لتطهير الاِنسان وتصفيته من آثار الذنوب وتبعاتها ، ولا غرو في أن يكون الشفعاء المرضيون عند اللّه ، أطباء يعالجون أُولئك المرضى ، بتصرفاتهم ونفوسهم القوية حتى يزيلوا عنهم غبار المعصية ، ودرن الذنب حتى تعود الجوهرة الاِنسانية نقية صافية ناصعة فيستحق الاِنسان نعيم الآخرة ودخول الجنّة إلاّ من بلغ إلى حد لا يقبل العلاج والتداوي ، لاَجل أنّ ذاته قد انقلبت إلى ما يضاد
1 ـ النساء : 48. 2 ـ الروم : 30. 3 ـ التاج الجامع للاَُصول : 4/180 ، تفسير البرهان : 3/261 ، الحديث 5.
(242)
الجوهرة الاِنسانية النقية التي لا تقبل أيّة مداواة أو علاج ، كما لو اتخذ لربه شريكاً فاستحق الخلود في النار. فليس التوقّف في البرزخ ولا في المراحل المتنوعة في يوم القيامة ولا الدخول في النار مدة محدودة ولا شفاعة الاَنبياء والاَولياء في حقهم ، إلاّ تصرفاً تكوينياً في حقهم حتى تعود الجوهرة الاَوّلية إلى حالتها الطبيعة الاَُولى وتصفو من كل شائبة تعلّقت بها نتيجة العصيان والتمرد.
4. الآثار البنّاءة والتربوية للشفاعة إنّ تشريع الشفاعة ، والاعتراف بها في النظام الاِسلامي إنّما هو لاَجل غايات تربوية تترتب على ذلك التشريع والاعتقاد به ، وذلك لاَنّ الاعتقاد بالشفاعة المقيدة بشروط معقولة سيوافيك بيانها ، من شأنه بعث الاَمل في نفوس العصاة وأفئدة المذنبين ، يدفعهم إلى العودة عن سلوكهم الاِجرامي ، وإعادة النظر في منهج حياتهم الشرير ، ويمسكهم عن الاستمرار والتمادي في ماهم عليه من التمرد والعصيان ، وذلك لاَنّهم إذا رأوا أنّ الرجوع عن منتصف الطريق الباطل إلى طريق الصواب والحق ، سينقذهم من ما يترتب على أفعالهم السيئة التي ارتكبوها مدة من عمرهم ، اغتنموا الفرصة بتغيير وضعهم وتعديل سلوكهم إلى ما فيه رضا ربهم. وهذا الاعتقاد ـ بالرغم مما اعترض عليه من جانب البعض بأنّه يوجب الجرأة ويحيي روح التمرد في العصاة والمجرمين ـ يتسبب في إصلاح سلوك المجرم ويقظته وإنابته ، والتخلّي عن ما يرتكبه من آثام ويقترفه من ذنوب. وتظهر حقيقة الحال إذا لاحظنا مسألة التوبة التي اتفقت عليها الاَُمّة ونص بها الكتاب والحديث ، فإنّه لو كان باب التوبة موصداً في وجه العصاة
(243)
والمذنبين ، واعتقد المجرم بأنّ عصيانه مرة واحدة أو مرّات سيخلده في عذاب اللّه ، ولا مناص له منه ، فلا شك انّ هذا الاعتقاد يوجب التمادي في اقتراف السيئات وارتكاب الذنوب ، لاَنّه يعتقد بأنّه لو غير وضعه وسلوكه في مستقبل أمره ، لا يقع ذلك موَثراً في مصيره وخلوده في عذاب اللّه ، فلا وجه لاَن يترك المعاصي ، ويغادر اللذة المحرمة ، ويتحمّل عناء العبادة والطاعة ، بل يستمر على وضعه السابق حتى يوافيه أجله. وهذا بخلاف ما إذا وجد الجو مشرقاً والطريق مفتوحاً ، والنوافذ مشرعة واعتقد بأنّه سبحانه سيقبل توبته إذا كانت نصوحاً ، وإنّ رجوعه هذا سيغير مصيره في الآخرة ، وينقذه من تبعات أعماله ، وأليم العذاب عليها فعند ذلك سيترك العصيان ، ويرجع إلى الطاعة ، ويستغفر لذنوبه ، ويطلب الاِغضاء عن سيئاته. فهذا الاعتقاد له الاَثر البناء في تهذيب الناس والشباب خاصة ، وكم وكم من شباب اقترفوا السيئات ، وأمضوا الليالي في اللذة المحرمة ، ثم عادوا إلى خلاف ما كانوا عليه في ظل التوبة والاعتقاد بأنّها تجدي المذنبين ، وبأنّ أبواب الرحمة والفلاح مفتوحة بعد لم تغلق ، فعادوا يسهرون الليالي في العبادة ، ويحيونها بالطاعة. وليس هذا إلاّ أثر ذلك الاعتقاد ، وذاك التشريع. ومثل ذلك ، الاعتقاد بالشفاعة المحدودة ، فانّه إذا اعتقد العاصي بأنّ أولياء اللّه سبحانه قد يشفعون في حقه في شرائط خاصة إذا لم يهتك الستر ، ولم يبلغ إلى حد لا تنفع معه شفاعة الشافعين ، فعند ذلك سوف يعيد النظر في مسيره ويحاول تطبيق نفسه على شرائط الشفاعة حتى يستحقها ، ولا يحرمها. نعم الاعتقاد بالشفاعة المطلقة ، المحررة من كل قيد ، من جانب الشفيع والمشفوع له ، هو الذي يوجب التجرّي والتمادي في العصيان ، وهذه الشفاعة
(244)
مرفوضة في منطق العقل والقرآن ، وكأنّ المعترض قد خلط بين الشفاعة المحدودة والشفاعة المطلقة من كل قيد ، ولم يميز بينهما وبين آثارهما. فالشفاعة الموجبة للتجري ومواصلة العناد والتمرّد ، هي الاعتقاد بأنّ الاَنبياء والاَولياء سيشفعون في حقّه يوم القيامة على كل حال وفي جميع الشرائط وإن فعل ما فعل ، وارتكب ما ارتكب ، وعند ذلك سيستمر في عمله الاِجرامي إلى آخر حياته رجاء تلك الشفاعة التي لا تخضع لضابطة وقانون ، ولا تتقيد بقيد أو شرط. وأمّا الشفاعة التي نطق بها الكتاب وأقرّت بها الاَحاديث واعترف بها العقل ، فهي الشفاعة المحدودة بشرائط في المشفوع له والشافع ، ومجمل تلك الشرائط هو أن لا يقطع جميع علاقاته العبودية مع اللّه ، ووشائجه الروحية مع الشافعين ولا يصل تمرده إلى حد القطيعة ، ونسف الجسور. فالاعتقاد بهذا النوع من الشفاعة مثل الاعتقاد بتأثير التوبة في الغفران ماهية وأثراً. إنّ في التشريعات الجنائية العالمية السائدة في المجتمعات البشرية قانوناً يسمّى « قانون العفو عن السجناء الدائمين » يسمح للمسوَولين بأن يعفوا عن السجناء أو يقلّلوا من مدة عقوباتهم إذا هم غيّروا سلوكهم ، وأظهروا الندامة والتوبة ، وهذا القانون ليس من شأنه أن يبعث على الجرأة والعناد ، بل من شأنه أن يدفع السجين إلى أن يصلح نفسه ، ويعدل سلوكه ، ويحقّق في نفسه شرائط استحقاق العفو والتخفيف على أمل أن ينطبق عليه ذلك القانون ويشمله العفو ، وبهذا يكون هذا القانون المنطقي موجباً للاِصلاح لا الاِصرار ، وداعياً إلى الاَوبة لا الاستمرار.
(245)
5. الاَمر بيده سبحانه أوّلاً وآخراً ما ذكرناه من الوجوه هي مبررات الشفاعة والجهات التعليلية لجعلها في صميم العقائد الاِسلامية ، ومع ذلك كلّه فالاَمر إليه سبحانه إن شاء إذن في الشفاعة وان لم يشأ لم يأذن ، فهو القائل سبحانه : ( ما يَفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ ). (1) وصفوة القول : وانّ الشفيع انّما يشفع بإذنه وفي إطار مشيئته ، وتحت الشروط التي يرتضيها ، إذ هو الذي يبعث الشفيع على أن يشفع في حق المشفوع له ، وعند ذلك فلا تستلزم شفاعة الشافعين خروج الاَمر عن يده ، وتحديد سلطته تعالى ، وملكه ، وسيوافيك بعض القول في ذلك عند التعرض للاِشكالات المتوهمة حول الشفاعة. 1 ـ فاطر : 2.
قد وقفت على آيات الشفاعة وأهدافها ، وأقسامها ، وانّ الشفاعة من الاَُصول الاَساسية في العقيدة الاِسلامية ، غير انّه بقي هنا بحث وهو الوقوف على أثر الشفاعة ، وانّ نتيجتها هي حط ذنوب المذنبين وإسقاط العقاب والمضار عنهم والعفو عن العصاة ، أو هي ازدياد الثواب ورفع الدرجات ، وقد ذهب إلى الاَوّل جمهور المسلمين ، وإلى الثاني فرقة المعتزلة وقد وقفت عند نقل الاَقوال ، على عقائدهم غير انّ الواجب هنا هو تعيين الموقف الصحيح من هذا الاَمر. إنّ الاَُسلوب الصحيح لتفسير القرآن الكريم له هو تجريد المفسّر نفسه عن كل رأي سابق ، ووقف النظر على مدلول الآية والاهتداء إلى مرماها باستنطاقها واستنطاق أخواتها التي يمكن أن تقع قرينة لفهم المراد منها ، وأمّا تفسير الآيات على ضوء الآراء المسبقة ، وتطبيقها على تلك الاَفكار وجعلها دليلاً على صحتها ، فهو نفس التفسير بالرأي الذي حذّر عنه النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في الحديث المتواتر عنه : « من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار ». (1) وإن شئت قلت : يجب على المفسّر أن يتخذ نفس القرآن هادياً لمقصوده 1 ـ حديث متفق عليه ، رواه الفريقان.
(247)
سبحانه لا أن تكون الآراء المتخذة سلفاً ، سبباً لتطبيق القرآن عليها ، فإنّ هذا هو الآفة الكبيرة التي أصابت فرقاً من المسلمين ، ودفعتهم إلى اتخاذ مواقف شاذة. إنّ الآيات الواردة حول الشفاعة ـ مع الاَسف ـ لم تتخلص عن هذه الآفة عند بعض هذه الفرق فإنّ الآيات الواردة حول الشفاعة ليست ناظرة إلى ما ذهبت إليه المعتزلة من أنّ نتيجتها هو رفع الدرجة وزيادة الثواب فقط ، ولا أقل ، لا تنحصر مداليلها بهذا بل هي ذات مدلول وسيع يعم كلا الاَمرين من حط الذنوب والعقاب ورفع الدرجة وزيادة للثواب. لم تكن مسألة الشفاعة فكرة جديدة ابتكرها الاِسلام وانفرد بها ، بل كانت فكرة رائجة بين أُمم العالم من قبل وخاصة بين الوثنيين واليهود ، نعم انّ الاِسلام قد طرحها مهذبة من الخرافات ومما نسج حولها من الاَوهام ، وقررها على أُسلوب يوافق أُصول العدل والعقل وصحّحها تحت شرائط في الشافع والمشفوع له التي تجر العصاة إلى الطهارة من الذنوب ، وكف اليد عن الآثام والمعاصي ، ولا توجد فيهم جرأة وجسارة على هتك الستر ، حسبما أوضحناه في الفصل الماضي. وغير خفي على من وقف على آراء اليهود والوثنيين في أمر الشفاعة انّ الشفاعة الدارجة بينهم خصوصاً اليهود كانت مبنية على رجائهم لشفاعة أنبيائهم وآبائهم ، في حط ذنوبهم ، وغفران آثامهم ، ولاَجل هذا الاعتقاد كانوا يقترفون المعاصي ، ويرتكبون الذنوب تعويلاً على ذلك الرجاء. وفي هذا الموقف يقول سبحانه رداً على تلك العقيدة الباعثة إلى الجرأة : ( مَنْ ذَا الَّذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ ) (1) ويقول أيضاً رفضاً لتلك الشفاعة المحررة من كل قيد : ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى ). (2) 1 ـ البقرة : 255. 2 ـ الاَنبياء : 28.
(248)
وحاصل الآيتين : انّ أصل الشفاعة التي تدّعيها اليهود ويلوذ إليها الوثنيون حق ثابت في الشريعة السماوية ، غير انّ لها شروطاً أهمها إذنه سبحانه للشافع ورضاوَه للمشفوع
له. وعلى ذلك فكيف يصح لنا تخصيص الآيات بقسم خاص من الشفاعة وهي شفاعة الاَولياء لرفع الدرجة ، وزيادة الثواب؟ وأوضح دليل على عمومية الشفاعة للقسم الثالث من الاَقسام الماضية ما أصفق على نقله المحدّثون من قوله ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) : « ادّخرت شفاعتي لاَهل الكبائر من أُمّتي ». (1) ومع هذه القرائن والاَحاديث الكثيرة التي ستمر عليك في فصلها الخاص لا يصح تخصيص الآيات بالمورد الذي ذهبت إليه المعتزلة.
دافع المعتزلة إلى اتخاذ الرأي الخاص إنّ الدافع الوحيد للمعتزلة كلّهم أو أكثرهم إلى تخصيص آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة هو الموقف الذي اتّ ـ خذوه في حق العصاة ومقترفي الذنوب في أبحاثهم الكلامية ، فانّهم قالوا بخلود أهل العصيان في النار ، وهذه العقيدة منسوبة إلى جميعهم أو أكثرهم ، ومن الواضح أنّ من يتخذ مثل هذا الموقف لا يصح له أن يعمّم آيات الشفاعة إلى العصاة ، وذلك لاَنّ التخليد في النار لا يجتمع مع التخلّص عنها بالشفاعة. وإليك ما نقل عن المعتزلة في هذا الصعيد : قال المفيد : اتفقت الاِمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجّه إلى الكفار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة باللّه تعالى ، والاِقرار بفرائضه من أهل الصلاة ، ووافقهم على هذا القول 1 ـ ستوافيك مصادر الحديث في البحث الروائي.
(249)
كافة المرجئة سوى محمد بن شبيب ، وأصحاب الحديث قاطبة ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك ، وزعموا أنّ الوعيد بالخلود في النار عام في الكفار وجميع فساق أهل الصلاة. واتفقت الاِمامية على أنّ من عذب بذنبه من أهل الاِقرار والمعرفة والصلاة لم يخلد في العذاب وأُخرج من النار إلى الجنة ، فينعم فيها على الدوام ، ووافقهم على ذلك من عددناهم ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وزعموا انّه لا يخرج من النار أحد دخلها للعذاب. (1) نعم نسب العلاّمة الحلي في « كشف المراد » تلك العقيدة إلى بعض المعتزلة لا إلى جميعهم (2) وكذلك نظام الدين القوشجي في شرحه على التجريد. (3) وقد خالفهم أئمّة المسلمين وعلماوَهم في هذا الموقف وقالوا بجواز العفو عن العصاة عقلاً وسمعاً. أمّا العقل ، فلاَنّ العقاب حق للّه تعالى فيجوز تركه. وأمّا سمعاً ، فللآيات الدالة على العفو فيما دون الشرك قال سبحانه : ( إِنَّ اللّهَلا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (4) والآية واردة في حق غير التائب ، لاَنّ الشرك مغفور بالتوبة أيضاً ، وقال سبحانه : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مٍغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ ) (5) أي تشملهم المغفرة مع كونهم ظالمين. وقال سبحانه : ( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ 1 ـ أوائل المقالات : 14. 2 ـ كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : 261 ، طبعة صيدا. 3 ـ شرح التجريد للقوشجي : 501. 4 ـ النساء : 48. 5 ـ الرعد : 6.
(250)
رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُالذُّنُوبَجَمِيعاً ) (1) إلى غير ذلك من النصوص المتضافرة على العفو في حق العصاة. ومع ذلك لا مانع من شمول أدلّة الشفاعة لهم ، وأوضح دليل على العفو بدون التوبة قوله سبحانه : ( وَهُوَ الَّذي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السّيِّئات ) (2) فانّ عطف قوله : ( ويعفو عن السيئات ) على قوله : ( يقبل التوبة ) بواو العطف ، يدل على التغاير بين الجملتين ، وانّ هذا العفو لا يرتبط بالتوبة وإلاّ كان اللازم عطفه بالفاء. وقال سبحانه : ( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) (3) ، فانّ الآية واردة في غير حق التائب ، وإلاّ فإنّ اللّه سبحانه يغفر ذنوب التائب جميعاً لا كثيرها مع أنّه سبحانه يقول : ( وَيَعْفُو عَنْ كَثيرٍ ). فتلخص من ذلك انّه لا مانع من القول بجواز العفو في حق العصاة كما لا مانع من شمول آيات الشفاعة لهم. نعم يجب إلفات النظر إلى نكتة وهي انّ بعض الذنوب الكبيرة ربّما تقطع العلائق الاِيمانية باللّه سبحانه ، كما تقطع الاَواصر الروحية مع النبي الاَكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم فصاحب هذه المعصية لا تشمله الشفاعة ، فيجب عليه ورود النار حتى يتطهر بالعذاب ، وتصفو روحه من آثار العصيان ويصير لائقاً لشفاعة الشافعين. إلى هنا تم الكلام حول آيات الشفاعة وأصنافها وحقيقتها وأثرها في المطيع والعاصي. وبقي الكلام حول بعض الاِشكالات التي آثارها بعضهم ، فيجب علينا التعرض لها على وجه الاِجمال والاِجابة عنها بما يقتضي المقام. 1 ـ الزمر : 53. 2 ـ الشورى : 25. 3 ـ الشورى : 30.